أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




إن الذي يستعرض كتب الفقه وأبوابه يجد كثيراً منها له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالنسب، وأن بعض الأحكام الشرعية لا يمكن تنفيذها إلا بمعرفة النسب، وبهذا يعلم أن حفظ النسب عند المسلمين يعد من نوع العبادة لله تعالى لتنفيذ أحكامه.

وهذه بعض الأسباب الدالة على أن حفظ النسب في الإسلام ضرورة:

السبب الأول: تحريم الزنا والعقاب عليه:

قال تعالى: {ولا تَقْربُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا(32)}[الإسراء].

قال ابن قدامة، رحمه الله: "الزنا حرام، وهو من الكبائر العظام بدليل قول الله تعالى: {ولا تَقْربُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا}. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَر ولا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ولا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا(69)}[الفرقان]. وروى عبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه، قال: سألت رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم: "أي الذنب أعظم"؟ قال: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك) قال: قلت: "ثم أي"؟ قال: (أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك) قال: "قلت: ثم أي"؟ قال: (أن تزاني حليلة جارك) [المغني (9/38) والحديث في صحيح البخاري (7/75) وصحيح مسلم (1/90).].

وإذ تبين أن الزنا حرام ومن كبائر الذنوب المهلكة علم أنه لا طريق إلى النسل شرعاً إلا النكاح. وإذا تعين أن النكاح هو الوسيلة الوحيدة - يدخل في النكاح التسري المشروع إذا وجد - عُلِم لكل ولد والدُه، بخلاف الزنا فإنه قد تعلم أمه ولا يعلم أبوه غالباً، وقد لا يعلم أحد منهما. إذ تزني الزانية باتصال عدد من الرجال بها، فلا تعلم هي من أبو ولدها من الزنا.

وقد تعلم ذلك، وقد تلد خفية وترمي ولدها، فيلتقطه الملتقط من جهة الدولة أو من أفراد الناس، ولا يَعلم له أباً ولا أماً. كما هو الواقع في هذا الزمان في كثير من البلدان. ويتبع تحريم الزنا العقاب عليه، وهو الجلد أو الرجم، بالشروط المعتبرة في كل منهما، وليس المقام هنا مقام بيان ذلك، فله محل آخر، وإنما المراد الإشارة إلى ذلك.

قال الأستاذ عبد القادر عودة رحمه الله: "وتعاقب الشريعة الإسلامية على الزنا باعتباره ماساً بكيان الجماعة وسلامتها، إذ أنه اعتداء شديد على نظام الأسرة، والأسرة هي الأساس الذي تقوم عليه الجماعة؛ ولأن في إباحته إشاعة للفاحشة، وهذا يؤدي إلى هدم الأسرة، ثم إلى فساد المجتمع وانحلاله، والشريعة تحرص أشد الحرص على بقاء الجماعة متماسكة قوية" [التشريع الجنائي الإسلامي (2/347).]. وإذا تعين النكاح شرعاً لحفظ النسل علم أن المحافظة على النسب فريضة شرعية.

السبب الثاني: حق الحضانة:

أوجب الله سبحانه كفالة الطفل وحضانته، ورعاية مصالحه لحاجته إلى ذلك، وأقاربه أولى الناس بحضانته وكفالته، وبعضهم أولى به من بعض. وأولاهم بذلك أمه إذا كانت من أهل الحضانة، وإلا انتقلت إلى من يليها، وقد فصَّل ذلك العلماء في كتبهم، ويمكن الرجوع إليها. وكثير من الأطفال ينقلون فور وضع أمهاتهم إلى دور الحضانة العامة التي خصصت لذلك، وكان ذلك يحصل في الدول الشيوعية، كالاتحاد السوفييتي، وقد ترميه أمه ثم لا تراه بعد ذلك، فيصير لقيطاً غير معروف الأبوين، إذا لم تحفظ الأنساب، وإذا رأته لم تعلم أنه ولدها، ولم يعلم هو أنها أمه، فضلاً عن بقية أقاربه [راجع السبب الرابع من هذا المبحث، وراجع في حكم الحضانة: المغني لابن قدامة (8/237) وما بعدها، والمحلى (7/323) وما بعدها، وغيرهما من كتب الفقه.].

السبب الثالث: موانع النكاح:

حرم الله تعالى في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، على المسلم نكاح بعض النساء اللاتي لا يمكن اجتنابهن إلا بمعرفة نسب كل واحدة منهن، ومعرفة نسب من حَرمْنَ عليه.

قال تعالى: ﴿ولا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَاركُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلاً (22) حُرمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَربَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُوركُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورا رحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْر مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورهُنَّ فَريضَةً ولا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَريضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا(24)﴾[النساء].

قال ابن رشد رحمه الله: "واتفقوا على أن النساء اللاتي يحرمن من قبل النسب السبع المذكورات في القرآن الكريم: الأمهات، والبنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأخت. واتفقوا على أن الأم ههنا اسم لكل أنثى لها عليك ولادة، من جهة الأم أو من جهة الأب. والبنت اسم لكل أنثى لك عليها ولادة، من قبل الابن أو من قبل البنت أو مباشرة. وأما الأخت فهي اسم لكل أنثى شاركتك في أحد أصليك أو مجموعيهما، أعني الأب أو الأم أو كليهما. والعمة اسم لكل أنثى هي أخت لأبيك أو لكل ذكر له عليك ولادة. وأما الخالة فهي اسم لأخت أمك، أو أخت لكل أنثى لها عليك ولادة.
وبنات الأخ اسم لكل أنثى لأخيك عليها ولادة، من قبل أمها أو من قبل أبيها أو مباشرة. وبنات الأخت اسم لكل أنثى لأختك عليها ولادة، مباشرة أو من قبل أمها أو من قبل أبيها" [بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/35).].

قل لي بربك كيف يعرف المرء أمه المحرمة عليه، إذا ما زنت به وألقته في قارعة الطريق، فالتقطه من يربيه حتى يكبر، وهو لا يدري من أبوه ومن أمه؟ وكيف يعرف جداته منها أو من أبيه وإن علون؟ وكيف يعرف الأب الذي ألقى ماءه سفاحاً في أرحام عدد من النساء اللاتي يلتقي بهن مرة أو أكثر، ثم يمضي لسبيله فيحملن منه ويلقين أولادهن ولا يدرين هن ولا آباءهن أين هم؟ وهكذا قسِ العمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت.

وكذلك المحرمات بمانع المصاهرة، وهن زوجات الآباء، وزوجات الأبناء، وأمهات الزوجات، وبنات الزوجات. كيف يعرف الذي لا يدري من أبوه وزوج أبيه؟ وكيف يعرف الأب الذي لا يدرى… من ابنه وزوج ابنه؟

إن في اختلاط الأنساب ما يحول بين المسلم وتنفيذ أحكام الله في محرمات النكاح عليه، لذلك كان حفظ النسب فرضاً لا يجوز التفريط فيه، وهو دالٌ على ضرورة حفظ النسل والعرض.

السبب الرابع: صلة الأرحام وذوي القربى:

لقد أمر الله I المسلم بالإحسان إلى الوالدين وذوى القربى. كما قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْركُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُربَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَار ذِي الْقُربَى وَالْجَار الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً(36)﴾[النساء].

فإذا كان الإنسان لا يعرف أباه ولا أمه ولا أحداً من ذوي قرابته، فكيف يحسن إليهم؟ لذلك كان حفظ النسب فرضاً لتنفيذ أمر الله تعالى بهذه الصلة.

السبب الخامس: الحكم بدية الخطأ على العاقلة:

إن القاتل إذا قتل عمداً كانت الدية في ماله ـ إذا لم يقتص منه ـ أما إذا قتل خطأ فإن الدية تكون على عاقلته ـ أي عصبته ـ ومثل الخطأ شبه العمد ـ على خلاف فيه [راجع المغني لابن قدامة (8/375-378).]ـ. فإذا كان القاتل مجهول النسب، فكيف تعرف عاقلته التي يجب أن تحمل دية خطئه؟ لذلك كان حفظ النسب فرضاً لتنفيذ هذا الحكم.

السبب السادس: تقسيم المواريث على الورثة:

لقد تولى الله تعالى قسمة أموال الموتى على قراباتهم وأزواجهم بنفسه في نص كتابه. قال سبحانه في مطلع آيات الميراث: {لِلرجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَركَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْربُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَركَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْربُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُر نَصِيبًا مَفْروضًا(7)}[النساء].

فتقسيم الإرث بين الورثة أمر مفروض، لا يجوز تركه، وقال في أثناء تلك الآيات: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَر مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَركَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ولأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَركَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرثَهُ أَبَوَاهُ فلامِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فلامِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ءَابَاءكُمْ وَأَبْنَاءكُمْ لا تَدْرونَ أَيُّهُمْ أَقْربُ لَكُمْ نَفْعًا فَريضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا(11)}[النساء].

وقال تعالى في آخر تلك الآيات: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ(14)﴾[النساء].

فتقسيم المواريث على مستحقيها كما أمر الله طاعة لله، ثوابها الجنة، وعدم تقسيمها عليهم كما أمر الله معصية جزاءها النار.

قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية : "وذلك أنه عرف العباد أنهم كُفُوا مرونة الاجتهاد في إيصال القرابة مع اجتماعهم في القرابة، أي أن الآباء والأبناء ينفع بعضهم بعضاً، في الدنيا بالتناصر والمواساة، وفي الآخرة بالشفاعة، وإذا تقرر ذلك في الآباء والأبناء، تقرر ذلك في جميع الأقارب. فلو كانت القسمة موكولة إلى الاجتهاد لوجوب - هكذا ولعله: لَوَجَب - النظر في غنى كل واحد منهم، وعندئذ يخرج الأمر عن الضبط، إذ قد يختلف الأمر. فبيَّن الرب تبارك وتعالى، أن الأصلح للعبد أن لا يوكل إلى اجتهاده في مقادير المواريث، بل بين المقادير شرعاً" [الجامع لأحكام القرآن (5/75) وراجع جمهرة أنساب العرب ص2 وما بعدها لابن حزم..]

فهل يمكن أن تصل المواريث إلى مستحقيها إذا جهلت أنسابهم؟ لهذا كان حفظ النسب فرضاً، وإلا لآلت أموال الهالكين إلى غير مستحقيها.

السبب السابع: تحريم الزكاة على آل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم:

وقد ورد في ذلك أحاديث صحيحة، منها حديث أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه، قال: "أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهـما، تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: (كِخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة؟). وفي رواية: (إنا لا تحل لنا الصدقة). ومنها حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وجد تمرة، فقال: (لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها). ومنها حديث عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث في قصته هو والفضل بن عباس، رضي الله تعالى عنهما، عندما طلبا من الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم أن يؤمِّرهما على الصدقة، ليصيبا منها ما يصيب الناس. فقال ‘: (إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس) [الأحاديث الثلاثة في صحيح مسلم (2/751-753).].

وقال ابن قدامة، رحمه الله: "لا نعلم خلافاً في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة، وقد قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: (إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس) ثم ذكر خلافاً في حكم أخذ بني المطلب منها" [المغني (2/489-490).].

وإذا لم يكن نسبهم محفوظاً، فكيف يمكن منعهم من تناول مال الصدقة المحرم عليهم، وهذا دليل آخر على وجوب حفظ النسب.

تنبيه:

نعم تحرم الصدقة على بني هاشم، إذا وُجد ما يغنيهم، كالخُمس ونحوه، فإذا كانوا فقراء ولم يجدوا ما يغنيهم، كما هو الحال اليوم، إذ لم يعد الجهاد في سبيل الله الذي يستحقون من غنائمه الخمس، قائماً، لضعف المسلمين وقوة عدوهم، ولتفريط حكومات الشعوب الإسلامية في الإعداد له، فإنه يجوز أن يعطوا من الصدقة ما يغنيهم عن سؤال الناس. وقد أجاز بعض العلماء لبني هاشم عند الحاجة أخذ صدقة التطوع دون الزكاة، وبعضهم أجازوا لهم أخذ الزكاة [أحكام القرآن للجصاص(4/335) والمجموع للنووي (6/218).].

هذه بعض الأسباب التي اشتمل عليها الفقه الإسلامي وهى توجب حفظ الأنساب، تنفيذاً لأحكام الله تعالى التي لا يمكن تنفيذها إلا بمعرفة الأنساب، وغيرها كثير، لا يتسع هذا البحث لتتبعها.

من ذلك المحارم الذين لا يجب على المرأة الاحتجاب عنهم. ومن ذلك الكفاءة في النكاح عند من يشترط النسب. ومن ذلك اشتراط الولي في النكاح كذلك. ومن ذلك حق بني شيبة في سدانة الكعبة [راجع تفسير آية النساء: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُركُمْ أَنْ تُردُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} في تفسير البيان عن تأويل آي القرآن (5/144) وما بعدها.].

ولقد أفرد بعض العلماء في كتب السياسة الشرعية، باباً خاصاً بولاية النقابة على حفظ الأنساب التي يجب على ولي الأمر إقامتها. قالوا: "وهذه الولاية موضوعة على صيانة ذوي الأنساب الشريفة عن ولاية من لا يكافئهم في النسب، ولا يساويهم في الشرف"، ثم ذكروا الحقوق المترتبة على حفظ النسب: "ويلزمه في النقابة على أهله من حقوق النظر اثنا عشر حقاً:

أحدها: حفظ أنسابهم من داخل فيها وليس منها، أو خارج عنها وهو منها.

والثاني: تمييز بطونهم ومعرفة أنسابهم.

والثالث: معرفة من ولد منهم ومعرفة من مات.

والرابع: أن يأخذهم من الآداب بما يضاهي شرف أنسابهم.

والخامس: أن ينزههم من المكاسب الدنيئة.

والسادس: أن يكفهم عن ارتكاب المآثم.

والسابع: أن يمنعهم من التسلط على العامة لشرفهم.

والثامن: أن يكون عوناً لهم في استيفاء الحقوق، وعوناً عليهم في أخذ الحقوق منهم.

والتاسع: أن ينوب عنهم في المطالبة بحقوقهم العامة في سهم ذوي القربى في الفيء والغنيمة.

والعاشر: أن يمنع إماءهم أن يتزوجن إلا من الأكفاء لشرفهن.

والحادي عشر: أن يقوم ذوي الهفوات منهم فيما سوى الحدود بما لا يبلغ به حداً ولا ينهر به دماً ويقيل ذا الهيئة منهم عثرته.

والثاني عشر: مراعاة وقوفهم بحفظ أصولها وتنمية فروعها" [الأحكام السلطانية، بتصرف ص96-97.].

وهناك أسباب أخرى تقتضي وجوب حفظ النسب يصعب في هذا المقام التفصيل فيها [من ذلك كون الخلافة في قريش راجع صحيح البخاري (8/104-105) ومسلم (3/1451-1452) وشرح النووي عليه (12/200) وفتح الباري (13/133-139) ومسند أحمد (3/129) والأحكام السلطانية ص6، والإسلام وأوضاعنا السياسية لعبد القادر عودة ص117، وكتاب أصول الدعوة لعبد الكريم زيدان ص157- 176، ولابن خلدون رأي خالف فيه رأي عامة العلماء، وهو أنه يراعى في الخلافة أو الولاية العصبية التي يستطيع بها الخليفة إرساء دعائم ملكه بها. (المقدمة ص: 196؛ وهو رأي سديد إذا لم يجد القرشي من يسنده في خلافته؛ لأنه لا سلطان بدون قوة.].