أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



1 ـ المقصود بحفظ القرآن.

2 ـ ثمرة حفظ الله للقرآن.

3 ـ فائدة الإيمان بالكتب السابقة.

تمهيد: الفرق بين القرآن الكريم والكتب السابقة:

سبق أن الكتب السماوية لم يتكفل الله تعالى بحفظها، وأنها كانت مؤقتة ولم ينزلها الله تعالى لتبقى أبداً لجميع الخلق إلى يوم القيامة، ولم يعد شيء منها صالحاً للرجوع إليه لمعرفة دين الله؛ لأنها حرفت في ألفاظها ومعانيها، وما بقي منها صحيحاً تعمد أصحابها كتمانه، ولأن كتاب الله هو المهيمن على كل ما سبقه من الكتب السماوية السابقة، وأن الله تعالى قد خص كتابه وسنة رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، بوجوب الرجوع إليهما،.

أما القرآن الكريم، فقد تكفل الله تعالى بحفظه، ولم يكل حفظه إلى خلقه، مع توفيق الله لهذه الأمة للعناية الشديدة به، كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(9)} [الحجر].

قال شيخنا الشنقيطي رحمه الله: "إن قيل ما الفرق بين التوراة والقرآن فإن كلا منهما كلام الله، أنزله على رسول من رسله صلوات الله وسلامه عليهم، والتوراة حرفت وبدلت كما بيناه آنفاً، والقرآن محفوظ من التحريف والتبديل، لو حَرَّف منه أحدٌ حرفاً واحداً فأبدله بغيره، أو زاد فيه حرفاً أو نقص فيه آخر لرد عليه آلاف الأطفال من صغار المسلمين فضلاً عن كبارهم؟
فالجواب: أن الله استحفظهم التوراة واستودعهم إياها، فخانوا الأمانة ولم يحفظوها، بل ضيعوها عمداً، والقرآن العظيم لم يكل الله حفظه إلى أحد حتى يمكنه تضييعه، بل تولى حفظه جل وعلا بنفسه الكريمة المقدسة، كما أوضحه بقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. وقوله: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ}. الآية إلى غير ذلك من الآيات" [أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (2/100).].

1 ـ المقصود بحفظ القرآن الكريم:

والمقصود بحفظ القرآن حفظ الدين كله، ويدخل في ذلك حفظ سنة الرسول صلى لله عليه وسلم، التي هيأ الله لها من علماء الأمة حفظ نصوص متونها وأسانيدها، وبيان صحيحها من ضعيفها، وتوضيح أحوال رواتها من حيث العدالة والفسق، والصدق والكذب، والضبط والتساهل، وغير ذلك مما يعرف به صحة نسبة الحديث إلى الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، وعدم صحتها.

وحِفْظ سنة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ، لازم لحفظ القرآن الكريم؛ لأن كثيراً من الأحكام الواردة في القرآن الكريم لا يمكن أداؤها كما أراد الله إلا ببيان الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، ما أجمل فيها، كمواقيت الصلاة، وعدد ركعاتها، والقراءة فيها، وهكذا الحج والزكاة والصيام وغيرها من الأحكام، كما أن أحكاماً كثيرة لم تذكر في القرآن الكريم، وإنما بيَّنها الرسول صلى الله عليه، كما قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ(16)} [النحل].

2 ـ ثمرة حفظ الله للقرآن:

وحفظ نصوص القرآن والسنة إلى يوم القيامة، يضمن للأمة الإسلامية الرجوع إليهما لتصحيح ما قد يطرأ من شوائب وانحرافات في سلوكها ورد ما قد يحاول أعداء هذا الدين، من إدخال ما ليس منه فيه. وها هو القرآن الكريم قد حفظه الله، فلم يغير منه حرف أو كلمة مع طول المدة من يوم نزوله إلى الآن وسيبقى كذلك إلى يوم الدين.

ومن أسباب حفظه أن آياته كلها كتبت في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فلم يمت إلا بعد أن كتبـت آياته بأمره في مواضعها التي عينها هو لكتابتها، ثم هيأ الله أصحاب نبيه فجمعوه في مصحف واحد ووزعوا نسخه في الأقطار الإسلامية في عهدهم، وهذه ميزة لم تحصل لأي كتاب من الكتب السابقة.

ثم هيأ الله الأجيال المسلمة حيث يحمله الجيل السابق إلى الجيل اللاحق، فهو متواتر النقل تواتراً لا يوجد له نظير، واجتمع على نقله حفظ مئات الألوف لألفاظه في صدور صغار الأمة الإسلامية وكبارها، رجالها ونسائها، مع حفظه كتابة في كل عصر بوسائله المتاحة، حتى أصبح اليوم يوجد في البر والبحر والجبل والسهل، والمدينة والريف وفي الغابة والصحراء وهو هو في كل مكان [وقد انتشر مصحف المدينة المنورة الذي يقوم بطباعته مجمع خادم الحرمين الشريفين - رحمه الله -ـ في المدينة المنورة، انتشاراً واسعاً، في كل أنحاء المعمورة، ونفع الله به المسلمين في هذا العصر، وله أحجام متنوعة، تناسب كل الفئات، كما أنه طبع طبعات متنوعة كذلك من حيث أنواع الخطوط، المناسبة للعرب والباكستانيين وغيرهم، بحسب ما ألفوا من الطبعات. هذا وقد يعمد أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والوثنيين إلى طبع المصحف الكريم وتحريف بعض ألفاظه، لإدخال بعض ما يريدون مما يحقق بعض مقاصدهم لدى جهال المسلمين، أو غيرهم، ولكنا نحمد الله لا يمضي على ذلك يوم أو يومان إلا وقد علت أصوات المسلمين، صغاراً وكباراً، محذرة مما صنع المحرفون.].

وهيأ الله علماء الإسلام لحفظ معاني الكتاب والسنة، فكان منهم المفسر والفقيه والمحدث، وغيرهم بحيث لا يظهر زنديق يريد أن يحرف شيئاً من معاني القرآن والسنة إلا وجد شهب الحق المحرقة تأتيه من كل مكان.

3 ـ فائدة الإيمان بالكتب السابقة:

وفائدة الإيمان بالكتب السماوية، مع كونها قد حرفت وبدلت، ومع عدم جواز الاعتماد عليها، مستقلة - ولو سلمت من التغيير - بعد نزول القرآن الكريم، تعود إلى ثلاثة أمور :
الأمر الأول: أن القرآن الكريم قد أخبرنا عنها، وخبره حق وصدق يجب الإيمان به، ومن كذبه فقد كفر.

الأمر الثاني: معرفة أن هدى الله تعالى لم ينقطع عن البشر من وقت وجودهم على هذه الأرض إلى اليوم، وسيبقى كذلك إلى يوم القيامة، وذلك يدل على أن هذا القرآن ليس بدعاً من الكتب الإلهية، كما أن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، ليس بدعاً من الرسل.
الأمر الثالث: إقامة الحجة على أهل الكتب السابقة بما بقي فيها من حق يدل على صدق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.

حكم من لم يؤمن بالكتب السماوية السابقة:

والذي لا يؤمن بأن الله أوحى إلى رسله وأنزل عليهم كتبه، لهداية خلقه قبل أن يأتي محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يكون مسلماً - ولو ادعى الإيمان بالقرآن الكريم - فإن القرآن الكريم قد أوجب الإيمان بكتب الله المنزلة على رسله عليهم السلام، قال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً(136)}[النساء].