أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمد لله الأحد الصمد، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه، وبعد:
فهذه بعض نقول حول ما ذهب إليه الحنابلة في مسألة صوم يوم الغيم، وقصدت فيها النقل والاختصار لإيضاح المسألة وبيان أدلتهم.

فال ابن قدامة في المغني3/108:
مسألة: قال(أي الخرقي): (وإن حال دون منظره غيم، أو قتر وجب صيامه، وقد أجزأ إذا كان من شهر رمضان) اختلفت الرواية عن أحمد - رحمه الله - في هذه المسألة، فروي عنه مثل ما نقل الخرقي، اختارها أكثر شيوخ أصحابنا، وهو مذهب عمر، وابنه، وعمرو بن العاص، وأبي هريرة، وأنس، ومعاوية، وعائشة، وأسماء بنتي أبي بكر، وبه قال بكر بن عبد الله، وأبو عثمان النهدي، وابن أبي مريم، ومطرف، وميمون بن مهران، وطاوس، ومجاهد.

وقال المرداوي في الإنصاف (3/ 269):
قوله (وإن حال دون منظره غيم، أو قتر ليلة الثلاثين: وجب صيامه بنية رمضان، في ظاهر المذهب) وهو المذهب عند الأصحاب. ونصروه، وصنفوا فيه التصانيف، وردوا حجج المخالف وقالوا: نصوص أحمد تدل عليه، وهو من مفردات المذهب.


وقال أبو بكر الأثرم، قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا كان في السماء سحابةٌ أو علةٌ أصبح صائماً، فإن لم يكن في السماء علةٌ أصبح مفطراً. ثم قال: كان ابن عمر إذا رأى في السماء سحاباً أصبح صائماً. قلت لأبي عبد الله: فيعتد به؟. قال: كان ابن عمر يعتد به، فإذا أصبح عازماً على الصوم اعتد به، ويجزئه.
قلت: فإن أصبح متلوماً: يقول: إن قالوا هو من رمضان صمت، وإن قالوا ليس من رمضان أفطرت؟ قال: هذا لا يعجبني، يتم صومه ويقضيه لأنه لم يعزم.
درء اللوم والضيم في صوم يوم الغيم (ص: 51).

قال ابن الجوزي:
وهذه الرواية قد نقلها عن أحمد: ابناه صالح وعبد الله، وأبو داود، وأبو بكر الأثرم، والمروذي، والفضل بن زياد.
وهي اختيارٌ عامة مشايخنا، منهم: أبو بكر الخلال، وصاحبه عبد العزيز، وأبو بكر النجاد، وأبو علي النجاد، وأبو القاسم الخرقي، وأبو إسحاق بن شاقلا، وأبو الحسن التميمي، وأبو عبد الله بن حامد، والقاضيان أبو علي بن أبي موسى، وأبو يعلى بن الفراء.
وهذا مرويٌّ من الصحابة: عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، ومعاوية، وعمرو بن العاصي، والحكم بن أيوب الغفاري، وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق [رضي الله تعالى عنهم].
وقال به من كبراء التابعين: سالم بن عبد الله بن عمر، ومجاهد بن جبر، وطاووس، وأبو عثمان النهدي، ومطرف بن عبد الله بن الشخير، وميمون بن مهران، وبكر بن عبد الله المزني في آخرين.
درء اللوم والضيم في صوم يوم الغيم (ص: 51).

وروى بسنده عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما الشهر تسعٌ وعشرون، فلا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)).
قال نافع: فكان عبد الله إذا مضى من شعبان تسعٌ وعشرون يبعث من ينظر فإن رؤي فذاك، وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحابٌ ولا قترٌ أصبح مفطراً، وإن حال دون منظره سحابٌ أو قترٌ أصبح صائماً.


ألفاظ الأحاديث والكلام عليها:
حديث: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غمي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين))

قال ابن الجوزي:
كذا في رواية البخاري عن آدم. وفي لفظ لمسلم: ((فعدوا ثلاثين)) وفي لفظ له: ((فصوموا ثلاثين)) .

هذا اللفظ إنما رواه البخاري عن آدم عن شعبة. وقد رواه الإسماعيلي بالإسناد الذي ذكره البخاري وقال فيه: ((فإن غم عليكم الشهر فعدوا ثلاثين))
قال الإسماعيلي: وقد روينا هذا الحديث عن غندر وابن مهدي وابن علية وعيسى بن يونس وشبابة وعاصم بن علي والنضر بن شميل ويزيد بن هارون وأبو داود كلهم عن شعبة ولم يذكر أحد منهم: ((فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)) فيجوز أن يكون آدم قال ذلك من عنده على وجه التفسير للخبر، وإلا فليس لانفراد البخاري عنه بهذا من بين من رواه عنه وجه.

وقد رواه الدارقطني فقال فيه: ((فعدوا ثلاثين)) يعني عدوا شعبان ثلاثين.
وقال: أخرجه البخاري عن آدم فقال فيه: ((فعدوا شعبان)) ولم يقل: يعني. وهذا يدل على أن قوله يعني من بعض الرواة، والظاهر أنه آدم وأنه قوله.
وقد روى هذا الحديث ابن عباس مثل حديث أبي هريرة. قال الدارقطني: ولم يقل في حديث ابن عباس: ((فأكملوا عدة شعبان)) غير آدم أيضا، وهذا يدل على أن الكل تفسير منه.
وما ذكرنا من اللفظ الأخير، وهو قوله: ((فصوموا ثلاثين)) يدل على أن المراد بقوله: ((فعدوا)) عد رمضان لا شعبان، وقد رواه الدارقطني من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((صوموالرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين، ثم أفطروا)) وكذلك روي من حديث رافع بن خديج. وعلى هذا لا يبقى لهم حجة في الحديث.
كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 490)
قال الإسماعيلي قد رواه البخاري عن آدم عن شعبة فقال فيه فأكملوا عدة شعبان ثلاثين قال وقد رويناه عن غندر وعبد الرحمن بن مهدي وابن علية وعيسى بن يونس وشبابة وعاصم بن علي والنضر بن شميل ويزيد بن هارون وابن داود وآدم كلهم عن شعبة لم يذكر أحد منهم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين
قال وهذا يجوز أن يكون من آدم رواه على التفقه من عنده للخبر وإلا فليس لانفراد البخاري عنه بهذا من بين من رواه عنه ومن بين سائر من ذكرنا ممن يرويه عن شعبة وجه ورواه المقري عن ورقاء عن شعبة على ما ذكرناه أيضا قلنا فعلى هذا يكون المعنى فإن غم عليكم رمضان فعدوه ثلاثين وعلى هذا لا يبقى لهم حجة في الحديث على أن أصحابنا قد تأولوا ما انفرد به البخاري من ذكر سفيان فقالوا نحمله على ما إذا غم هلال رمضان وهلال شوال فإنا نحتاج إلى إكمال شعبان ثلاثين احتياطا للصوم فإنا وإن كنا قد صمنا يوم الثلاثين من شعبان فليس بقطع منا على أنه رمضان إنما صمناه حكما
التحقيق في مسائل الخلاف (2/ 73).

وقال الحافظ ابن حجر: قلت الذي ظنه الإسماعيلي صحيح فقد رواه البيهقي من طريق إبراهيم بن يزيد عن آدم بلفظ فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما يعنى عدوا شعبان ثلاثين فوقع للبخاري ادراج التفسير في نفس الخبر ويؤيد رواية أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين فإنه يشعر بان المامور بعدده هو شعبان .
فتح الباري 4/121.




معنى (فاقدروا له)
قلت لإسحاق: معنى قول ابن عمر رضي الله عنهما: "إذا كان في السماء قَتَرَة أو غياية أصبح صائماً"؟
قال: إنما ذلك من فعل ابن عمر رضي الله عنهما، لما رؤي أن الشهر يكون تسعة وعشرين.
وروى هو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن غم عليكم فاقدروا له"، [و] لم يرو "فأكملوا العدة ثلاثين" كما روى ابن عباس رضي الله عنهما وغيره عن النبي. صلى الله عليه وسلم
وقال ابن عمر رضى الله عنهما: إن أحسن ما يقدر له أن ينظر، فإن مضى (تسع وعشرون) فنظرت فلم تر الهلال وهي مصحية أن تصبح مفطراً إذا لم تره، وإن كانت متغيمة أصبحت صائماً، لماروى هو عن النبي صلى الله عليه وسلم "فاقدروا له" وقال: يمكن أن يكون الشهر تسعاً وعشرين، فأخذ بالثقة، ولا نرى ذلك لما صح عن [ النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يتم الشهر ثلاثين يوماً أن لا تصوم أبداً فتكون قد تقدمت الهلال بصوم، ولكن تصبح مفطراً وتتلوم بالأكل ضحوة إذا كان غيماً، فلعل أحداً (خارج المصر) قد رآه فيشهد وإن لم يكن ذلك أفطر، فأما إذا كانت مصحية بادر بالأكل غداة.
مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه للكوسج(3/ 1231).

والتضييق لازم لمعنى التقدير، فإنه اذا أعطي قدره- لا أزيد ولا أنقص- فقد ضيق أن يدخل فيه غيره أو يسعه سواه ، فإذا جعل الشهر ثلاثين فقد قدر له قدرا لم يدخل فيه غيره، والله أعلم
قاله ابن الجوزي في التحقيق كما في تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (3/ 200).

والقول الثاني: ضيفوا له عددا يطلع في مثله، وذلك باحتساب شعبان تسعا وعشرين، وعلى هذا ما يذهب إليه أصحابنا.
كشف المشكل من حديث الصحيحين (2/ 496)
ويستدلون على صحة تفسيرهم الحديث بفعل ابن عمر؛ فإنه قد روى الجوزقي في كتابه المخرج على الصحيحين هذا الحديث، وقال فيه: فكان ابن عمر إذا كان تسع وعشرون إن رأى في السماء قترة أو غمامة اصبح صائما. ومعلوم أن الصحابة أعلم بمعاني كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومراده، فوجب الرجوع إلى تفسير ابن عمر لهذا، كما رجعنا إليه في خيار المجلس؛ فإنه كان يمشي ليلزم البيع. وحملوا قوله: " فاقدروا ثلاثين " على ما إذا غم هلال شوال، فإنا نقدر ثلاثين احتياطا للصوم كما قدرنا في أوله للصوم.
كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 490)