أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




إنه لو كان لكل أحد إقامة الحد أو القصاص، لاعتدى من شاء على من يشاء، ولم يعجز عن دعوى سبب أوجب له ذلك وقد يقيم الحجة على دعواه.

وقد تكون الحجة مزورة في الواقع، وقد تكون شروط القصاص أو الحد غير متوفرة، ولا يخفي ما في ذلك من إهدار للنفوس وتمكين للفوضى واختلال الأمن، وأعظم ما يُعتدى عليه من الضرورات ـ بعد الدِّين ـ النفس التي حرم الله قتلها بغير حق.

لذلك كانت إقامة الحدود والقصاص من حق الإمام أو نائبه، وكذا أمراء الأقطار في هذا العصر الذي لم تعد فيه الخلافة أو الإمامة قائمة، وليس لغير هؤلاء إقامتها.

وقد مضت السنة على ذلك في عهد الرسول ‘ فما كان أحد يقيم حداً أو قصاصاً على أحد إلا بأمر من الرسول عليه الصلاة والسلام.

والذي يتبع قضايا الحدود والقصاص يظهر له ذلك جلياً، مثل شارب الخمر الذي أمر النبي ‘ من كان بالبيت أن يضربوه" [البخاري (8/13).].

ومثل الزاني الذي قال فيه: (اذهبوا به فارجموه) [البخاري (8/112) ومسلم (3/1318).]. ومثل قوله: (فاغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) [البخاري (8/120) ومسلم (3/1325) وراجع ص 1322منه.].

ومضى على ذلك خلفاؤه الراشدون كلهم، كانوا هم الذين يقيمون الحدود أو يأمرون بها، ولم يكن أحد يقيمها من أفراد الرعية، ما عدا السيد؛ فإنه يقيم نوعاً من أنواع الحد ـ وهو الجلد ـ على عبده بأمر من الرسول عليه الصلاة والسلام [راجع المغني لابن قدامة (9/51).].

قال ابن قدامة، رحمه الله: "لا يجوز لأحد إقامة الحد إلا للإمام أو نائبه؛ لأنه حق الله تعالى، ويفتقر إلى الاجتهاد. ولا يؤمن في استيفائه الحيف، فوجب تفويضه إلى نائب الله تعالى في خلقه. ولأن النبي عليه الصلاة والسلام، كان يقيم الحد في حياته، ثم خلفاؤه بعده، ولا يلزم الإمام حضور إقامته؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها) وأمر برجم ماعز ولم يحضر.

وأتي بسارق، فقال (اذهبوا به فاقطعوه).

وجميع الحدود في هذا سواء، حد القذف وغيره؛ ولأنه لا يؤمن فيه الحيف والزيادة على الواجب، ويفتقر إلى الاجتهاد" ل[الكافي (3/234) وراجع المغني له أيضاً (8/306).].

ثم ذكر الشروط التي يجب توفرﻫا في الإمام أو نائبه حتى يملك إقامة الحدود، منها أن يكون عالماً بالحدود وكيفية إقامتها.

وقوله: "إلى نائب الله" مراده السلطان. والأولى أن يقال إلى ولي الأمر؛ لأنه أطلق على أبي بكر: خليفة رسول الله ‘، ولم يوصف بخليفة الله أو نائبه.

وفي وجوب ربط إقامة الحدود بالسلطان رسالة مستقلة للمؤلف بعنوان: "الحدود والسلطان".



المبحث العاشر: سد الذرائع في قتل النفس


ومن ذلك ما ورد من الوعيد الشديد في حمل المسلم سلاحه على أخيه المسلم، حتى عُدَّ كأنه خارج عن صف المسلمين.

كما في حديت أبي موسى الأشعري، وعبد الله بن عمر y: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من حمل علينا السلاح فليس منا) [البخاري (8/90) ومسلم (1/98).].

وعدَّ الرسول عليه الصلاة والسلام قتال المسلم أخاه المسلم كفراً وسبابه الذي قد يؤدي إلى قتاله فسقاً. كما في حديث عبد الله ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله، عليه الصلاة والسلام: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر).

وجعل عليه الصلاة والسلام، حرص المسلم على قتل أخيه المسلم سبباً في استحقاقه النار، ولو لم يقتله، لعجزه عن قتله. كما في حديث أبى بكرة، رضي الله تعالى عنه: أنه سمع رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: (إذا تواجه المسلمان ـ وفي رواية: إذا التقى ـ بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) قال فقلت: يا رسول الله، هذا القاتل فلا بال المقتول؟ قال عليه الصلاة والسلام: (إنه كان حريصاً على قتل صاحبه)

إن هذه المباحث التي سبقت إنما هي أمثلة لعناية الشريعة الإسلامية بحفظ النفس ووقايتها من الاعتداء عليها. ويمكن للمتتبع أن يحصل على المزيد من الأمثلة لذلك إذا أراد التوسع.