أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


فوائد منتقاة من كتاب
(( ملوك العرب ))


جمع وترتيب
أبي معاوية
مازن بن عبد الرحمن البحصلي البيروتي


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد، فإن كتاب "ملوك العرب" للأديب والمؤرخ اللبناني النصراني أمين الريحاني (1293 - 1359 هـ / 1876 - 1940 م) كتاب مفيد جدًّا وممتع، وهو من كتب أدب الرحلات والتاريخ السياسي، طبعه مؤلفه سنة 1924م، ويضم في مادته ترجمة لثمانية من ملوك العرب، وينقسم إلى جزئين، وزيّن المؤلف كتابه برسوم وخرائط وفهرست أعلام، وقد حصلت بفضل الله على المجلد الثاني الذي يضم رحلة المؤلف إلى:
الملك عبد العزيز آل سعود في نجد،
ثم أحمد الجابر آل الصباح في الكويت،
ثم السلطان خزعل خان الشيعي حاكم عربستان ( الأهواز )،
ثم آل خليفة بالبحرين،
وختاماً الملك فيصل بن الحسين في العراق،
ولا يكتفي المؤلف بالحديث عن الملوك في كتابه، بل يُحَدِّثك عن عامة الناس وما شاهده وعاينه من تجارب ومغامرات، ولا يكتفي بالرواية بل ينقد ما رآه أو سمعه، وهذه سمة المؤرخين المحققين.

وهاكم بعض فوائده ونُكَته، وأبدأ بزيارة المؤلف لنجد وللملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله، وقد زاره سنة 1923 م :


1 – قال المؤلف يصف أذان الفجر:
(( أيقظني صوت الملاحين يشتغلون في قلب الشراع طوعاً للريح ويردِّدون : ( صَلِّ على النبي، صَلِّ عالا النابي )! ما سمعت في أنغام الليل على المياه أطرب منا، إلا أنْ يكون صوت المؤذن في الخليج وهو يؤذّن الفجر، ليس في صلوات الأمم كلّها أدعى منه إلى الورع والخشوع، وقَلَّ فيها ما هو أجمل وقعاً في النفس من صلاة الملاح في ظل الشراع )).

2 – الأمير الحقيقي والقصر الحقيقي عند أهل نجد :
(( ذكرتُ الأمير والقصر، فلا يظنن القارئ أن القصر قصر وأن الأمير أمير، بل هي أسماء اصطلح أهل نجد عليها، فهم لا يرغبون في الألقاب بل يزدرونها، ولا يرون غير المساواة، وقد ساوى بينهم دين التوحيد شرعاً وسنّة، أمّا إذا شاء إمامهم أن يسمّي عمّاله أمراء، فهم لا يعترضون، وإذا شاء النجدي أن يُسَمّي خربة له في الصحراء قصراً فلا الإمام يعترض ولا الرعية،
أما الأمير الحقيقي عندهم فهو من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً، ولا يخاف ولا يرتجي سواه.
وأما القصر الحقيقي فهو المسجد
)).

3 – (( سَم ، مختصر بسم الله في اصطلاح أهل نجد )).

4 – ذباب البادية!
(( عدتُ إلى خيمتي وبي شيء من التعب والنعاس، فوجدتُ فيها جيشاً من الذباب استحال عليَّ طرده والتغلب عليه، ما رأيت حياتي أثقل وأقبح من الذباب في البادية، في صحراء الرمل، في تلك الجنة التي جرّدها الله من كل شيء سوى السكينة والهواء الطيب، فجاء الذباب يفسدهما عليك، ومن أين يجيء؟ هو يركب الذلول وإياك، على ظهرها، وعلى ظهرك، وعلى رأسك، يرافقك مواخياً، فيسبقك إلى الخيمة ويذبح فيك ما تبقّى من أمل بالحياة!
ثم يُـحيي الله سبحانه الأمل عند الغروب، فيخرج الناس من الخيام ملبّين دعوة المؤذن ويصطفون وراء الإمام، والسلطان وسط الجماعة ... – قال أبو معاوية البيروتي: ثم وصف المؤلف صلاة الجماعة وأثر القراءة فيها عليه - )).

5 – من دعابة الملك عبد العزيز :
(( عندما نُصِبَت الخيام للمؤتمر في مدينة العقير ... وفيها فسطاط للاستقبال وآخر تناولنا فيه الشاي يوم وصولنا، فقال سموّه: هذا شاي متمدن – وكان قد صُبَّ مع الحليب في فناجين كبيرة بدل أن يكون صرفاً في الأقداح كما هي العادة في نجد والحجاز – شاي متمدن!
والسلطان يتهكم ويسر، كان عندما ينتقل من الجهة العربية إلى تلك الجهة الأوروبية يقول لي: تعال يا أستاذ نسافر إلى البلاد المتمدنة، لا تظننا بعيدين كثيراً عنها، عشر خطوات فقط ... وها نحن في المدنية – مدنية العقير – هات الشاي يا غلام! ثم يجلس على الكرسي قائلاً : انتمدّن قليلاً، تفضّل يا أستاذ شاركنا في التمدّن. وهو يشير إلى كرسي آخر! ))

6 – مراقبة الملك لرعيته ليعدل بينهم:
(( يحمل الملك كذلك ناظوراً كبيراً لا غنى له عنه، فهو دائماً يراقب مِن مجلسه حركات رجاله وخدامه، حتى إنه لا تمر غيمة في الأفق إلا رفع إليها الناظور متيقنا متثبتاً .
( قال الملك : ) أمرُنا مشكل يا حضرة الأستاذ، علينا الكبيرة والصغيرة، فإذا كنّا لا نداوم المراقبة لا نكون عالمين بكل ما يتعلّق بشؤننا ... العبد والأمير، عيننا على الاثنين حتى ننصف دائماً الاثنين ونعدل بينهما.
كان إذ ذاك يراقب قافلة أناخت عند خيمة المونة تحمل إلينا الخضر من الأحساء، فأمر أن يحضُر قيمها، فسأله سؤالاً بخصوص جمل من الجمال، فقال القيّم: هو حرون يا طويل العمر. فأجابه السلطان: اتركه يرعى مع الجيش ( الجيش تُطلق على مجموعة من الإبل من ركائب ومحملات ) لا ترجعه معك.
ثم عاد إلى حيث وقف في الحديث فاستأنفه قائلاً: العدل بيننا يبدأ بالبل – الإبل – ومَن لا ينصف بعيره يا حضرة الأستاذ لا ينصف الناس )).

7 – العدل أساس الملك ... والأمن أول مظهر من مظاهر العدل!
(( إذا كان العدل أساس الملك، فالأمن أول مظهر من مظاهر العدل، وفي نجد اليوم ( سنة 1923 م ) من الأمن ما لا تجده في بلادنا أو في أي بلاد متمدنة، لا يظنني القارئ مبالغاً بما أقول، ولستُ على ما أقول مستشهداً بنفسي، مع أنّ رحلتي النجدية استمرت خمسة أشهر، قطعتُ في أثنائها الدهناء مرتين، جنوباً في طريقي من الحسا إلى الرياض، وشمالاً في طريقي من القصيم إلى الكويت، وكانت حقائبي – وفيها مالي – مكسرة الأقفال مفتوحة، وهي مع الحملة بعيدة منِّي النهار كلّه، وكان في خدمتي أناس من البدو، فلم أفقد مع ذلك شيئاً من حوائجي ولا ورقة من أوراقي! إلا أني لا أقدّم نفسي حجّة لإثبات ما أقول عن الأمن في نجد لأني كنتُ أسافر بطريقة ممتازة مصحوباً بعشرة إلى خمسة عشر رجلاً من رجال السلطان، ولكن الأمن في نجد لا يحتاج إلى رحلتي مثالاً وإثباتاً، إن له أكبر دليل وأقطع حجة في أهل البلاد أنفسهم ...
( قال البيروتي: ثم تكلّم المتحدّث عن فقدان الأمن والمخاطر في الأحساء قبل حكم الملك عبد العزيز، ثم قال: )
هذه هي حال الأحساء قبل أن سقطت في يد ابن سعود، أما اليوم، فقد مررنا في النفود بجمل بارك، رازح تحت حمله، فسألت عن صاحبه، فقيل لي أنه سار في طريقه وسيرجع بعد أن يصل إلى البلد بجمل آخر يحمل البضاعة، وقد يموت الجمل الرازح ويبقى حمله على قارعة الطريق عشرة أيام، فيعود صاحبه فيجده وما مسته يد بشرية! كما تركه في مكانه.
كيف تمكّن ابن سعود من إقامة مثل هذا الأمن وتوطيده في بلاده؟ بأمرين:
- أولهما الشرع.
- وثانيهما تنفيذ أحكام الشرع تنفيذاً لا يعرف التردد ولا التمييز ولا الرأفة )).

8 -