أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


س : هل يشترط لإقامة الحجة فهم الحجة ؟

ج : الفهم نوعان ، فمنه:
1ـ فهم لسان .
2ـ فهم قبول .

1ـ وفهم اللّسان : هو الذي قال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) وهذا النّوع هو الفهم الذي يوجب الحجّة ويقطع العذر ، وهو فهم المعنى الصّحيح والاهتداء إليه هداية بيان ؛ كما قال تعالى ؛ ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ ـ أي بيّنّا لهم ـ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ ) ، فحصلت عندهم هداية البيان التي هي حجّة الله ، ولم تحصل عندهم ثمرتها :
وهي هداية القبول: التي اختاروا ضدّها ، ولهذا وُصفوا بعدم الاهتداء أصلا لأنّ التّبيان ومجرّد فهم الأوّل لم ينفعهم ؛ ( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ ) ، فوُصفوا بعدم الاهتداء أصلا كما وُصفوا بعدم الفهم أصلاً في قوله : ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ) وليس المقصود أنّهم لم يفهموا فهم اللّسان والبيان وإنّما لم يفهموا فهم القبول والانقياد مع أنّ ذلك هو المطلوب منهم ، فوُصفوا بكونهم لم يفهموا أصلا على معنى التّشبيه والتّقريب ، ويدلّ على التّشبيه والتّقريب قوله تعالى : ( فَمَالِ هَـٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ) فقال " لا يكادون " ، وقوله تعالى : ( وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ) و"كأنّ" للتّشبيه ، وقال تعالى في اليهود ؛ ( كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) مع أنّه وصفهم بأنّهم ( يكتمون الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) ونحو ذلك ممّا يدلّ على هذه القاعدة ؛ وهي : أنّ الله تعالى إذا وصف الكفّار بعدم السّمع أو عدم الفهم أو عدم الفقه أو عدم العلم أو عدم الشعور أو عدم العقل ونحو ذلك فهو لا ينفي أصل سمعهم وفهمهم وفقههم وعلمهم وشعورهم وعقلهم ، بل ينفي انتفاعهم بذلك ، ولو كان المعنى نفي أصل العقل لكان المعنى أنّهم مجانين ، والمجنون غير مكلّف فكيف يُذمّ ويُكفّر؟؟! فدلّ أنّ معنى ( لا يعقلون ) و ( لا يفقهون ) و ( لا يشعرون ) و ( لا يعلمون ) ونحو ذلك نفي القبول.
ثمّ اعلم أنّ القبول في جميع ذلك على نوعين أيضًا :
قبولٌ بالاعتقاد والتّصديق وقبولٌ بالعمل والتّطبيق ، فصار الفهم على وجه التّفصبل ثلاثة أنواع :

1 ـ إدراك معنى الكلام ومقصود المتكلّم .
2 ـ وتصديقه أي اعتقاد صدقه.
3 ـ والانقياد له والعمل بمدلوله.

والحجّة إنّما تقوم على المكلّف بالنّوع الأوّل الذي هو إدراك المعنى ، فالنّاس الذين يُدركون معنى خطاب الرّسل ويفهمون مقصودهم تقوم عليهم الحجّة بمجرّد ذلك ، ثمّ يختلفون بعد ذلك : فمنهم من يؤمن ومنهم من يكفر ؛
أمّا المؤمنون:
2 ـ فيصدّقون ما فهموه .
3 ـ وينقادون لمعناه قولا وعملا .
وأمّا الكفّار فمنهم من يكون كفره :
2 ـ التّكذيب ؛ بأن يفهم معنى الكلام دون أن يُصدّق المتكلّم
ومنهم من يكون كفره :
3 ـ الإباء ؛ فيفهم ويصدّقه ولكن لا يطيعه ولا يُذعن له .. وكلاهما لا ينتفع بفهمه ...
فالكفر يقع بعدم التّصديق أو بعدم الإجابة أو بهما ، لا بمجرّد فهم المعنى ، وذلك كما أنّ الإيمان لا يحصل بمجرّد فهم كلام الله بل إنّما يحصل بالتّصديق والعمل فكذلك الكفر لا يحصل إلا بتكذيب أو إباء أي بعناد أو إعراض
وكذلك العلم هو ثلاثة أنواع:

1ـ الأوّل : فهم المعنى كما قال تعالى : ( وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا ) أي لا تدركون شيئًا من المعاني .

2ـ والثاني : تصديق المعنى كما قال الذين استكبروا من قوم صالح : ( لِلّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنّ صَالِحاً مّرْسَلٌ مّن رّبّهِ ) أي أتصدّقون أنّه مرسل من ربّه ؟

3ـ والثالث : الانقياد والعمل بالعلم ، فإنّ من العلم أن يعمل صاحب العلم بعلمه ومن الجهل أن لا يعمل كما قال يوسف عليه السّلام : ( وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ )

والنّوع الأوّل لا ذمّ فيه وإنّما يتعلّق الذّمّ بعدم التّصديق أو عدم الانقياد والعمل كما قال تعالى : ( حتى إذا جاؤوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أماذا كنتم تعملون ) فجمع بين أسباب التّوبيخ والذمّ وهي : التّكذيب وعدم العمل ، والإحاطة بالعلم تجمع الفهم والتّصديق معًا.
وأمّا السّمع فله هذه المعاني الثلاثة لكن يزيد عليها معنى آخر سابق وهو:

1ـ الأول: إدراك الصّوت كما قال تعالى في الجنّ : ( لا يسمعون إلى الملأ الأعلى) .

2ـ والثاني : فهم المعنى ؛ ( وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا ) ، أي: قد فهمنا ، وكقول اليهود : ( سَمِعْنا وَعَصَيْنا ) ، أي : فهمنا ولكنّنا لن نستجيب ولن نعمل بأمرك .

3ـ والثالث : تصديق المعنى كما قال تعالى في اليهود أيضًا : ( سَمَّاعُوْنَ لِلْكَذِبِ ) أي مصدّقون للكذب الذي تهواه نفوسهم.

4ـ والرّابع : العمل والطّاعة والإجابة ؛ كما قال تعالى : ( خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا ) ، ومنه قوله تعالى : ( إنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ) أي مجيب الدّعاء .

والنّوعان الأوّلان لا ذمّ فيهما بالعقاب إلا النّوع الثالث والرّابع أعني التولّي عن التّصديق أو التولّي عن الانقياد والعمل كما قال تعالى : ( وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ) فهو قد أدرك الصّوت وفهم المعنى لكنّه تولّى عن التّصديق والانقياد اتّباعًا لهواه فصار كمن لم يسمع ولم يعقل ولم يفهم ، لأنّ السّمع الحقيقيّ والعقل الحقيقيّ والفهم الحقيقيّ هو المثمر للقبول والإذعان وليس هو مجرّد إدراك الصّوت ومعرفة وجوده ولا مجرّد إدراك المعنى ومعرفة مقصوده ، فمجرّد المعرفة ليست هي الفارق بين الإيمان والكفر إلا عند الجهميّة الغلاة القائلين بأنّ الإيمان = المعرفة ؛ فهو يتحقّق عندهم بمجرّد معرفة المعنى وفهم المراد وأنّ الكفر يقع بعدم المعرفة وفهم المراد ، فالذمّ متعلّق عندهم بأصل المعرفة والفهم فقط ، وهذا متعلّق بقولهم بنفي قدر الله ومشيئته وسائر صفاته وأنّ المشيئة للعبد دون الربّ ، وأنّ إرادة العبد تامّة لا تحيط بها إرادة الربّ ، فجعلوا ما يقع من سوء فهم أو عدمه راجعًا إلى محض اختيار العبد وألحقوا به الذمّ والكفر بمجرّد عدم الفهم كما صححّوا إيمان من فهم ولو لم يصدّق أو يعمل ، لأنّ فهمه ومعرفته هو الإيمان عندهم إذ قد وقع باختياره...
وهذا هو الضّلال البعيد ؛ لأنّ إبليس كان له الفهم والمعرفة ولم ينفعه ذلك ، إذ هو قد فهم معنى الأمر بالسّجود لكنّه لمّا شكّك في عدل الأمر بقوله : ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) كان بذلك كافرًا لعدم تصديقه وانقياده ولهذا وصفه الله بأنّه : ( أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)
فمن أدرك المعنى وعرف المقصود من الكلام دون أن يعتقد كونه الحق فيذلّ قلبه بتصديقه ويُخضع قلبه وجوارحه بالانقياد والطاعة ؛ فهو كافر ، والحجّة قائمة عليه بوجود أصل الفهم الذي بمعنى إدراك المقصود من الكلام.
وأمّا من لم يفهم اللّسان فعدم فهمه متعلّق بمحض مشيئة الله ، فلا يُذمّ بمجرّد عدم فهم البيان ، وإنّما يُذمّ بعدم النّوع الثاني والثالث ؛ وهما فهم التّصديق وفهم القبول بعد أن يفهم اللّسان ويتبيّن له البيان ؛ فهو حينها يتّبع الضّلالة ويختارها و (يشاقق الرّسول من بعد ما تبيّن له الهدى ) ولهذا قال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فيُضلّ من يشاء ويهدي من يشاء ) ، وبيّن ذلك أيضًا بقوله : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُمْ ).
فمن تبيّن له الحقّ وفهم المعنى فقد حصلت لديه هداية البيان وقامت عليه الحجّة الرّساليّة .

1ـ فإن آمن فقد حصلت لديه هداية القبول ، ولم تحصل قبلها بمجرّد الفهم للبيان .

2 ـ وإن كفر فبضلاله عن القبول ؛ تصديقًا كان أو انقيادًا ، لا بمجرّد عدم الفهم للبيان .

وما وصف الله به الكفّار من عدم الفهم هو عدم فهم القبول ، وهو الذي استوجب عقوبتَهم ووصفَهم بالصّمم والبكم والعَمى وعدم العقل وعدم الفقه وعدم السّمع ... لأنّهم لمّا فهموا معنى ما أخبر الله به ورسوله : اتّبعوا أهواءهم واختاروا الضّلالة على الهدى أعني اختاروها على هداية القبول والتّصديق ؛ فهذا الذي لهم فيه اختيار اتّباع أو تولّ ؛ كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ. وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ. وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ ) فاجتمعت في هذه الآيات الأسماع الأربعة بأن أمر المؤمنين باتّباع ما يفهمونه من أمر الله ورسوله ونهاهم عن التّولّي والإباء ثمّ شبّه حال الكفّار في عدم الانتفاع بشيء بحال " الصُّمُّ الْبُكْمُ " ممّن لا يسمع سماع إدراك أصلاً لأنّ مآل الجميع عدم الانتفاع بما يُقال له ، وبحال " الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ " ممّن حظّه من السّماع هو الفهم المجرّد عن تصديق ما يسمع وقبوله ؛ فهو كمن لا يعقل ولا يفهم أصلا ، ولهذا شُبّه بالدّابّة إذ مآل الجميع عدم الانتفاع والاهتداء ، وذكر تعالى أنّه لو شاء لأسمعهم أي لأفهمهم فهْم اقتناع وتصديق ، ولو أسمعهم أي لو جعلهم يصدّقون ويستيقنون بقلوبهم لتولّوا وهم معرضون عن الإذعان والقبول ولــ جحَدُوا بِهَا بعدما اسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ، وقريب من هذا قول الله في المنافقين : ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ـ أي استهزاءً ـ مَاذَا قَالَ آنِفًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ) فعُدموا السّمع الاختياريّ الذي بإرادتهم وباتّباعهم أهواءهم ؛ وهو سمع التّصديق والقبول والاستجابة كما عُدموا البصر الذي بمعنى البصيرة والاعتبار ؛ ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ) أي كُتب عليهم ذلك لاختيارهم فلا خروج لهم عن قدر الله ، وكما عُدموا التدبّر في قوله تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) والتّدبّر أمر اختياريّ زائد على مجرّد الفهم ؛ ففيه فهم القبول والانتفاع الذي عُدموه .
وفي الآية الأخرى : ( وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ ) أي فقه انتفاع وقبول ، ولهذا قال قوم شعيب له : ( مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ ) وقد عُلم في سياق الآيات أنّهم فهموا المُراد لكن لم يصدّقوا أنّه الحقّ والصّواب ولم يذعنوا له ؛ ( قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد ... ) فدلّ أنّهم فهموا فهم اللّسان والتّبيان وإنّما جادلوا فيه من بعد ما تبيّن ... وهكذا فيما يذمّهم به من الصّمم والبَكم والعَمى والجهل فإنّ جهلهم ليس عدمُ علم بل عدم عمل ، وهو الذي قالوا لموسى عليه السّلام : ( أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) ، وقال يوسف عليه السّلام : ( وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)
فهذا هو نوع الجهل الذي يتعلّق به عدم العقاب ولا يتعلّق به عدم العلم ، لأنّ العلم هو البلاغ المُبين ؛ وهو مناط التّكليف ... ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله في "الجواب الصحيح" 1 /221 في قوله تعالى : {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُون}[التوبة:6]:" قد عُلم أن المراد أنه يسمعه سمعا يتمكن معه من فهم معناه ؛ إذ المقصود لا يقوم بمجرد سمع لفظ لا يتمكن معه من فهم المعنى , فلو كان غير عربي وجب أن يترجم له ما يقوم به عليه الحجة , ولو كان عربيا وفي القرآن ألفاظ غريبة ليست لغته وجب أن يبين له معناها , ولو سمع اللفظ كما يسمعه كثير من الناس ولم يفقه المعنى وطلب منا أن نفسره له ونبين له معناه فعلينا ذلك ، وإن سألنا عن سؤال يقدح في القرآن أجبناه عنه كما كان النبي إذا أورد عليه بعض المشركين أو أهل الكتاب أو المسلمين سؤالا يوردونه على القرآن فإنه كان يجيبه عنه كما أجاب ابن الزبعرى لما قاس المسيح على آلهة المشركين وظن أن العلة في الأصل بمجرد كونهم معبودين وأن ذلك يقتضي كل معبود غير الله , فإنه يعذب في الآخرة , فجعل المسيح مثلا لآلهة المشركين قاسهم عليه قياس الفرع على الأصل".

والحاصل أن الله تعالى إذا نفى عن الكافر صفات العلم أو العقل أو الشعور أو الفقه أو السّمع ونحو ذلك أو وصفه بالصمم أو البكم أو العمى أو الجهل ونحو هذه المعاني فاعلم أنّ ذلك وصف له بعد الفهم لا قبله ؛ وسببه:
1 ـ إمّا عدم تصديق وتيقّن .
2 ـ وإمّا عدم انقياد لما صدّق به وتيقّنه .

1 ــ وفي النّوع الأوّل قوله تعالى : (وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ﴾ فلم يحصل عندهم تصديق ويقين
2 ــ وفي النّوع الثاني قوله تعالى في فرعون وقومه : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ) ، فلم يجزئ ما عندهم من تصديق ويقين لعدم انقيادهم