محنة أمّة

فضيلة الشيخ

محمد بن التجاني المدنيني




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:



﴿الجمعة [ ] 24 رجب 1435 الخطبة [ ] الأولى 23ماي 2014﴾

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وقَدَّرَ فَهَدَى، وَخَلَقَ الإِنسَانَ وَلَمْ يَتْرُكْهُ سُدًى، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ، جَمَّلَنَا بِكَرِيمِ الْخِصَالِ، وَأَكْرَمَنَا بِجَمِيلِ الْخِلاَلِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الْوَاحِدُ الْمُتَعَالِ، لَهُ سُبْحَانَهُ الْعُلاَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلاَلِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنبيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي أَخْلاَقِهِ السَّامِيَةِ،وَآدَابِهِ الرَّفِيعَةِ الْعَالِيَةِ ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾القلم:4.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَعَلَى أَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾الأنعام:90

أَمَّا بَعْدُ: فَيا أيّها المؤمنون الكرام،عن أَبَي هُرَيْرَةَ قال :بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: (مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟) فَقَالَ: (عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ، إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ) فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ: (مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟) قَالَ: (مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ). فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى كَانَ مِنْ الْغَدِ، فَقَالَ: (مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟) فَقَالَ: (عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ). فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى؟) ،فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: (أَصَبَوْتَ؟) فَقَالَ: (لَا وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ) البخاري.

هذا محمّد ﷺ يربطّ ألدّ أعداء الإسلام ثمامةَ بنَ أُثال في سارية المسجد،ليطّلع على حال صحابة رسول الله ﷺ في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم...وليدرك عظمة الإسلام فينقاد إليه عن طواعيّة وطيب خاطر... ويشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،ويتحوّل كرهُه لمحمّد ﷺ وللإسلام ولمدينة رسول الله ﷺ حبّا وولاء.

هذا محمّد ﷺ يقدّم نموذجا أخلاقيا رائعا في الرحمة بالبشر، وحسن المعاملة لمن أظهر العداء للمسلمين، وقتل منهم الكثير... هذا محمّد يلين الجانب لمن عاداه، ويعفو عمّن ظلمه،ويتجاوز عمّن أخطأ في حقّه، ويجزي بالسيّئة الحسنة.

قال تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾فصّلت:34-35.

هذا محمّد ﷺ يربّي المسلمين على الرفق واللين والرحمة والشفقة، ويرغّبهم في معاشرة الناس بخلق حسن فيقول: (إِنَّكُمْ لا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ). البزّار ويبشّرهم بالجزاء الأوفى والدرجات العلا، فيقولﷺ: (مَا مِنْ شَىْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ،وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ) أبو داود.

فهل جعلنا رسولَ الله ﷺ أسوةً لنا وقدوة في تواصلنا مع بعضنا البعض، وفي علاقاتنا بغير المسلمين؟ ما هي الصورة الّتي نحملها عن أنفسنا باعتبارنا مسلمين ننتمي إلى أمّة محمّد ﷺ؟ وما هي الصورة الّتي يحملها عنّا غيرُنا في شتّى أنحاء العالم؟ هلّ جسّمنا بحقّ وصدق تعاليم ديننا وأحكامَه وتشريعاته في واقعنا الأسري ومعاملاتنا المالية ومعاشرتنا اليومية ؟ هل أحسنا تسويق الإسلام بأعمالنا وتصرّفاتنا ومواقفنا وأخلاقنا وسلوكنا ،وحبّبناهم إليه ؟

قراءة المقال كاملاً