خفف من حزن والديك عليك, فلا تجعل نفسك سببًا في ثقل حياتهم. هم لم يولدوا لتصبح قلوبهم من حديد ولا لتصبح نفوسهم رخيصة بل إن أحدهم كلما زاد في عمره زادت حاجته إليك وإحساسه بأنك "تشكره على كل ماقام به لأجلك" بسؤال, بابتسامة, بمشاركة طعام والكثير من الأعمال التي هي في الأصل تقدّم لوالديك قبل كل إنسانٍ آخر
تذّكر أن أنفاسهم بيد الله ولا تعلم متى يحين أجل رحيلها, فلا تدع الأيام والسنوات تركض خلف جفاف شعورك تجاههم, إن رحلوا وندمت لأنك لم تلحق على ردّ جميلهم لين ينفع ذلك اليوم ندمك, وإن كانوا على قيد الحياة وأنت لا تزال مقيّدا عنهم فستصبح قليل الشأن في كل أمورك, بداية من عند ربك
ستصبح عبدًا كفر بأكبر النعم التي أسبغها الله عليه, ربما تعتقد بأن وجود والديك هو ضرورة لا محالة, ولكنك لا تعتقد بأن بعض البشر لا أم لهم ولا أب. يرونك بعين أنك تملك شيئًا ثمينًا لم تلق له بالا, ولا تتحدث عنه أبدًا بفرح!

عزيزتي الفتاة إن منعتك والدتك من الذهاب لإحدى صديقاتك – حتى اللاتي بينكن زمنًا في الصداقة العتيقة- لا تحزني ولا تغضبي, بل افرحي لأن والدتك اختارتك بمنعها بأن تريدك بجانبها, تريد أن تجعل منك غصنًا لا يتخلى عن بقيّة الشجرة...
ولأنك إن تخليتي عنها بسهولة لن تعودي بسهولة أبدًا!
ويا أيها الشاب الذي يجر أذيال غضبه كلما رأى والده؛ لأنه يوبّخه على تأخره ليلًا ولأنه لم يتودد إليه بالعطاء كثيرًا, لا تحزن ولا تغضب بل اسعد لأن والدك يريد أن يهوّن عليك صعوبة الحياة حينما تدعوها شيئًا وتحرمه منك, يريد أن يجعلك قويًا تتجلد وتصبح عزيمتك أكثر منه حينما كان يحتاج من يفعل معه الشيء ذاته
اجعل الطريق لوالديك والسلام عليهم في الصباح والمساء قبل أي شيءٍ آخر, فإنك ستجد بركة في كل شيء تريده وستجد كل صلبٍ لينا...
حينما تمرض أرسل لقلوبهم الطمأنينة كل يوم فإنهم أشد قلقًا وخوفًا عليك منك وأنت لا تعلم, وحينما تغيب أقرئ على صدورهم الحب والاحترام والاهتمام, ولا تجعل أعينهم تدمع إلا فرحًا؛ فإن للمعانها رضا, وإن في رضاهم بعد رضا الله حياة هنيّة في الدنيا وفي الآخرة

**

إياك أن تفقد بابًا من أبواب الجنة سهل الوصول إليه وسهل المبتغى
إن فضل بر الوالدين شيءُ عظيم لا يعادله شيء, فحينما جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما
"قال: يا ابن عم رسول الله إنني خطبت امرأة أبت علي ولم تقبلني
فخطبها غيري فقبلت فغّرت من صنيعها فقتلتها، ألي توبة؟!
قال ابن عباس: يا ابن أخي أوالدتك حيّة موجودة ؟
قال: لا
قال: يا ابن أخي أكثر من الاستغفار وتب إلى الله وزد في العمل الصالح .
فلما خرج الرجل وخرج ابن عباس تبع عطاء بن يسار تلميذ ابن عباس تبع ابن عباس وقال :
يا ابن عم رسول الله رأيتك سألت الرجل عن أمّه فلم سألته؟
قال: يا عطاء والله لا أعلم عملاً صالحاً أحب إلى الله من برّ الوالدة." والكثير من الأدلة والبراهين التي تؤكد حق والديك العظيم

اللهم من كان من والدينا حيًا فأطلِ في عمره على صحة وسعادة وطاعة واجعلنا من أبر الخلق بهم وارحمهما كما ربونا صغارا, ومن كان من والدنيا ميتًا فارحمه رحمة واسعة وتغمّد روحه واجعل قبره مد بصرة وافتح له باب من الجنة لا يسد أبدا, آمين.