أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي ( وفقه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.

تذكير المسلم بفضل خُلق الكرم

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن من أسماء الله جل وعلا الجليلة أيها الأحبة الأفاضل اسم الكريم،ومن نعوته سبحانه الكريمة صفة الكرم،فعن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى اللَّهُ عليه وسلم قال: "إن اللَّهَ عز وجل كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَم". رواه الطبراني في المعجم الكبير( 6/181)، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله- في صحيح الجامع (2582)
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-:"الكريم هو البهي الكثير الخير العظيم النفع، وهو من كل شيء أحسنه وأفضله، والله سبحانه وصف نفسه بالكرم، ووصف به كلامه، ووصف به عرشه، ووصف به ما كثر خيره، وحسن منظره من النبات وغيره".التبيان في أقسام القرآن (ص 141)
وإن من الثمرات التي ينبغي على العبد أن يقطفها من إيمانه باسم الله جل جلاله الكريم أن يتحلى بخصلة الكرم،يقول الحسن بن علي – رضي الله عنهما- :" الكرم: التبرع بالمعروف والعطاء قبل السؤال".تاريخ مدينة دمشق (13 /258)
فالمسلم أيها الكرام ينبغي عليه أن يكون دائما كريم النفس،سليم القلب،لا يحقد ولا يحسد أحدا،فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ، وَالْفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ ". رواه أبو داود (4790)، وحسنه الشيخ الألباني –رحمه الله-.
قال الإمام ابن الأثير –رحمه الله-:"(الغرُّ): الذي لم يجرب الأمور، وإنما جُعل المؤمن غرا نسبة له إلى سلامة الصدر، وحسن الباطن،والظن في الناس، فكأنه لم يجرب بواطن الأمور،ولم يطلع على دخائل الصدور، فترى الناس منه في راحة، لا يتعدى إليهم منه شر،بل لا يكون فيه شر فيتعدى .( الخِبُّ) : الخداع المكار الخبيث ".جامع الأصول (11/701)
حريصٌ على الإنفاق في أوجه الخير، يسعى دائما لقضاء حوائج الناس على حسب قدرته، قدوته في ذلك نبيه صلى الله عليه وسلم،فعن عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما- قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ الناس بِالْخَيْرِ، وكان أَجْوَدَ ما يَكُونُ في شَهْرِ رَمَضَانَ ". رواه البخاري (6)، ومسلم (2308) واللفظ له.
يقول ابن القيم –رحمه الله- :" كان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس صدقة بما ملكت يده، وكان لا يستكثر شيئا أعطاه لله تعالى ولا يستقله،وكان لا يسأله أحد شيئا عنده إلا أعطاه قليلا كان أو كثيرا، وكان عطاؤه عطاء من لا يخاف الفقر، وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه، وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه، وكان أجود الناس بالخير، يمينه كالريح المرسلة، وكان إذا عرض له محتاج آثره على نفسه، تارة بطعامه وتارة بلباسه، وكان ينوع في أصناف عطائه وصدقته، فتارة بالهبة،وتارة بالصدقة،وتارة بالهدية،وتارة بشراء الشيء ثم يعطي البائع الثمن والسلعة جميعا". زاد المعاد ( 2/22)
يُنفق من ماله في سبيل جل وعلا على قدر استطاعته،ولا يَحقر من المعروف شيئا!، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم :" اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَمَنْ لم يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ". رواه البخاري (1347) ومسلم (1016) واللفظ له،من حديث عدي بن حاتم – رضي الله عنه-.
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله- :"وفي هذا الحديث : أن من أعظم المنجيات من النار ، الإحسان إلى الخلق بالمال والأقوال، وأن العبد لا ينبغي له أن يحتقر من المعروف ولو شيئا قليلا ، والكلمة الطيبة تشمل النصيحة للخلق بتعليمهم ما يجهلون ، وإرشادهم إلى مصالحهم الدينية والدنيوية .
وتشمل الكلام المسر للقلوب ، الشارح للصدور ، المقارن للبشاشة والبشر ، وتشمل الذكر لله والثناء عليه ، وذكر أحكامه وشرائعه، فكل كلام يقرب إلى الله ويحصل به النفع لعباد الله ، فهو داخل في الكلمة الطيبة ". بهجة قلوب الأبرار (ص 257)
متيقنٌ أنَّ ما يُنفقه من ماله في أوجه الخير سيُعوض عليه في الدنيا والآخرة بإذن الله العليم الخبير ، يقول العزيز القدير: (وما أنفقتم من شيء فهو يُخْلِفُهُ وهو خير الرزاقين)[ سبأ :39]
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله- :"(وما أنفقتم من شيء) نفقة واجبة،أو مستحبة،على قريب، أو جار، أو مسكين، أو يتيم،أو غير ذلك،(فهو)تعالى(يُخْلِفُهُ)ف لا تتوهموا أن الإنفاق مما ينقص الرزق،بل وعد بالخلف للمنفق،الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر(وهو خير الرزاقين) فاطلبوا الرزق منه، واسعوا في الأسباب التي أمركم بها". تفسير السعدي ( ص432)
أيها الأحبة الكرام وكما ينبغي للمسلم أن يتحلى بخُلق الكرم الذي هو ممدوح وفضيلة، يجب عليه أيضا أن يبتعد عن صفة البُخل التي هي مذمومة ورذيلة، يقول الإمام الصنعاني–رحمه الله- وهو – أي البخل- :"منع ما يجب بذله من المال شرعا أو عادة ". سبل السلام (1/ 197)
لأن البُخل أيها الفضلاء لم يكن حتى قبل الإسلام من خصال الشُرفاء، ولا هو بعده من صفات أهل الإيمان الأتقياء،يقول ابن بطال -رحمه الله-: "وأما البخل فليس من صفات الأنبياء،ولا الجلة الفضلاء ".شرح صحيح البخاري ( 9/232)
ولهذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم يستعيذ منه، فعن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه- قال: تَعَوَّذُوا بِكَلِمَاتٍ كان النبي صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ : "اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ من الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ من أَنْ أُرَدَّ إلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ من فِتْنَةِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْقَبْرِ ".رواه البخاري (6013)
قال الملا علي قاري -رحمه الله- :"(وأعوذ بك من البخل )بضم الياء وسكون الخاء وبفتحهما، أي: من عدم النفع إلى الغير بالمال أو العلم أو غيرهما ولو بالنصيحة ".مرقاة المفاتيح (3/ 37)
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"الجبن والبخل قرينان، فإن عدم النفع منه إن كان ببدنه فهو الجبن، وان كان بماله فهو البخل".الجواب الكافي ( ص 49)
فيا من ابتليت بهذا الداء! إن كنت متيقنا من أن الله جل وعلا هو الغني الرزاق، فلماذا تمتنع عن الإنفاق والبذل والعطاء؟!
يقول الإمام أحمد-رحمه الله- :"إن كان الخلف على الله حقا، فالبخل لماذا؟!".المدخل لابن الحاج المالكي (3/220)
ويقول الإمام القرطبي –رحمه الله-:" فمن استنار صدره، وعلم غنى ربه وكرمه، أنفق ولم يخف الإقلاَلَ ". تفسير القرطبي(1/253)
ولله درُّ القائل:
وكيف أخافُ الفقرَ والله رازقي
ورَازقُ هذا الخلق في العسر واليُسر
تكفَّل بالأرزاق للخلق كلِّـهم
وللضَّبِ في البيداءِ والحوتِ في البحرِ . تفسير القرطبي(9/7)
اعلم أيها البخيل! إنك لن تضر إلا نفسك، وأن الله تعالى غنيٌ عنك،يقول تعالى: (ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء) [ محمد : 38].
يقول الإمام ابن كثير –رحمه الله-:"(ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه)أي:إنما نقص نفسه من الأجر،وإنما يعود وبال ذلك عليه.(والله الغني )أي:عن كل ما سواه وكل شيء فقير إليه دائما،ولهذا قال تعالى:(وأنتم الفقراء)أي:بالذات إليه، فوصفه بالغنى وصف لازم له، ووصف الخلق بالفقر وصف لازم لهم، لا ينفكون عنه ".تفسير ابن كثير (4/183)
فعالج نفسك-وفقك الله-وذلك باستئصال هذا الداء القتَّال والمرض العُضال قبل وقوفك بين يدي الكبير المتعال، فحينها لا ينفعك الندم على ما فرطت من الخيرات،ولا تغني عنك الحسرات!،فتقول بعد ذلك كما أخبرنا عنك رب الأرض والسموات:(يا ليتني قدمت لحياتي)[ الفجر:24]
يقول الإمام الطبري –رحمه الله-:" يقول تعالى ذكره مخبرا عن تلهف ابن آدم يوم القيامة وتندمه على تفريطه في الصالحات من الأعمال في الدنيا التي تورثه بقاء الأبد في نعيم لا انقطاع له (يا ليتني قدمت لحياتي) في الدنيا من صالح الأعمال لحياتي هذه التي لا موت بعدها".تفسير الطبري (30 / 189)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يرزقنا وإياكم محاسن الأخلاق ومن ذلك الكرم و الجود،ويصرف عنَّا مساوئها ومن ذلك الشح والبخل،فهو سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبو عبد الله حمزة النايلي