أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


حقيقة الطاغوت في اللغة والشرع
قال ابن فارس: (طغى) الطاء والغين والحرف المعتل أصل صحيح منفاس، وهو مجاوزة الحد في العصيان، يقال هو طاغ وطغى السيل إذا جاء بماء كثير .
وقال ابن منظور: "والطاغوت يقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث وزنه فعلوت أنما هو طيغوت قدمت الياء قبل الغين وهي مفتوحة وقبلها فتحة فقلبت ألفاً وطاغوت وإن جاء على وزن لاهوت فهو مقلوب لأنه من طغى، ولاهوت غير مقلوب لأنه من لاه بمنزلة الرغبوت والرهبوت... وقوله تعالى (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) ، قال الليث الطاغوت تاؤها زائدة وهي مشتقة من طغى، وقال أبو إسحاق كل معبود من دون الله عز وجل جبت وطاغوت، وقيل الجبت والطاغوت الكهنة والشياطين، وقيل في بعض التفسير الجبت والطاغوت حييّ بن أخطب وكعب بن الأشرف اليهوديان. قال الأزهري وهذا غير خارج عما قال أهل اللغة لأنهم إذا اتبعوا أمرهما فقد أطاعوهما من دون الله، وقال الشعبي وعطاء ومجاهد الجبت السحر والطاغوت الشيطان والكاهن وكل رأس في الضلال، قد يكون واحداً قال الله تعالى (يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ) ، وقد يكون جمعاً قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم) ، فجمع، قال الليث: إنما أخبر عن الطاغوت بجمع لأنه جنس على حد قوله تعالى (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء) ، وقال الكسائي: الطاغوت واحد وجمع، وقال ابن السكيت: هو مثل الفلك يذكر ويؤنث، قال تعالى (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا) ، وقال الأخفش: الطاغوت يكون للأصنام، والطاغوت يكون من الجن والإنس، وقال شمر: الطاغوت يكون من الأصنام ويكون من الشياطين .
وفي القاموس المحيط (والطاغوت اللات والعزى والكاهن والشيطان وكل رأس ضلال، والأصنام وكل ما عبد من دون الله ومردة أهل الكتاب. والطغوة المكان المرتفع وطغى جاوز القدر وارتفع وغلا في الكفر وأسرف في المعاصي والظلم. والطاغية الجبار والأحمق المتكبر . وما في كتب اللغة الأخرى وكتب غريب الحديث لا يكاد يخرج عما سبق .
وقد جاء ذكر الطاغوت في عدد من الآيات قال تعالى (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) ، وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً) ، وقال سبحانه (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً) ، ويقول تبارك وتعالى (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) ، وقال سبحانه (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ) ، وقال عز وجل (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) ، وقال سبحانه (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ) .
وقد جاء ذكر الطاغوت في عدد من الأحاديث منها:
1- ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هل تضارون في القمر ليلة البدر قالوا لا يا رسول الله، قال فهل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب، قالوا لا يا رسول الله، قال فإنكم ترونه كذلك يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئاً فليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت... إلخ".
2- ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عبد الرحمن بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تحلفوا بالطواغي ولا بآبائكم" ، والمراد بالطواغي الطواغيت كما جاء مصرحاً بها في رواية المسند "لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت" .
3- ما رواه البخاري في صحيحه قال: وقال جابر كانت الطواغيت التي يتحاكمون إليها في جهينة واحد وفي أسلم واحد وفي كل حي واحد كهان ينزل عليهم الشيطان، وقال عمر الجبت السحر والطاغوت الشيطان، وقال عكرمة الجبت بلسان الحشة شيطان والطاغوت الكاهن .
4- ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا فرع ولا عتيرة"، والفرع أول النتاج كانوا يذبحونه لطواغيتهم، والعتيرة في رجب. قال ابن حجر وفيه تفسير الفرع والعتيرة وظاهره الرفع... وقال الخطابي أحسب التفسير فيه من قول الزهري قلت –القائل ابن حجر- قد أخرج أبو قرة في السنن الحديث عن عبد المجيد بن أبي داود عن معمر وصرح في روايته أن تفسير الفرع والعتيرة من قول الزهري.
5- ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن الزهري قال سمعت سعيد بن المسيب قال البحيرة التي يمنع درها للطواغيت ولا يحلبها أحد من الناس والسائبة التي كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء قال وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار وكان أول من سيب السوائب .
6- ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن الزهري "قال عروة سألت عائشة رضي الله عنها فقلت أرأيت قول الله تعالى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا)، فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة، قالت بئس ما قلت يا ابن أختي إن هذه لو كانت كما أولتها عليه كانت لا جناح عليه أن لا يتطوف بهما ولكنها أنزلت في الأنصار كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلل فكان من أهلّ يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك قالوا يا رسول الله إن كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة فأنزل الله تعالى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ... الآية)، قالت عاشة رضي الله عنها وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما... الحديث ". قلت الطاغية والطاغوت شيء واحد لأن الطاغوت إنما سمي طاغوتا لطغيانه وتجاوزه حده كما تقدم في اللغة، أو لطغيان الناس فيه وإعطائه ما لا يستحقه من العبادة.
7- ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تقوم الساعة حتى تضطرب آليات نساء دوس على ذي الخلصة" وذي الخلصة طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية.
8- ما رواه أبو داود بسنده عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كان طواغيتهم .
9- ما رواه أحمد في المسند عن ميمونة بنت كردم قالت كنت ردف أبي فسمعته يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني نذرت أن أنحر ببوانة فقال أبها وثن أم طاغية، فقال لا قال أوف بنذرك" .
وبالاطلاع على تفاسير السلف لمعنى الطاغوت في الآيات والأحاديث المتقدمة يظهر اتفاق علماء اللغة مع علماء الشريعة على معنى الطاغوت بل إن أغلب علماء اللغة نقلوا معنى الطاغوت عن علماء الشريعة ولا عجب في هذا لأن كثيراً من السلف الذي فسروا معنى الطاغوت عرب خلص يحتج بأقوالهم في اللغة العربية بلا خلاف، إضافة إلى فقههم في النصوص الشرعية والصحابة رضوان الله عليهم قد تلقوا معاني النصوص الشرعية التي تحتاج إلى بيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقاها عنهم التابعون ثم تلقاها علماء الإسلام جيلاً بعد جيل، وهذه جملة من أقوالهم في بيان معنى الطاغوت:
فعن عمر بن الخطاب ومجاهد والشعبي والضحاك وقتادة والسدي أن الطاغوت الشيطان ، وعن أبي العالية ومحمد أنه الساحر، وعن سعيد بن جبير ورفيع وجابر رضي الله عنهم أنه الكاهن .
وفسر الطاغوت بالصنم وسدنة الأصنام ومردة أهل الكتاب وكعب بن الأشرف وحيي بن أخطب ، وفسر الطاغوت بأنه كل ما عُبد من دون الله، قال الإمام مالك: الطاغوت هو كل ما يعبد من دون الله عز وجل .. وقال أبو إسحاق الذي نقله الأزهري "كل معبود من دون الله عز وجل جبت وطاغوت". وقال ابن جرير الطبري "والصواب من القول عندي في الطاغوت أنه كل ذي طغيان على الله فعبد من دونه إما بقهر منه لمن عبده وإما بطاعة ممن عبده له إنساناً كان ذلك المعبود أو شيطاناً أو وثناً أو صنماً أو كائناً ما كان من شيء" .
وقال عند تفسير قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) ، والصواب من القول في تأويل يؤمنون بالجبت والطاغوت أن يقال يصدقون بمعبودين من دون الله يعبدونهما من دون الله ويتخذونهما إلهين وذلك أن الجبت والطاغوت إسمان لكل معظم بعبادة من دون الله أو طاعة أو خضوع له كائناً ما كان ذلك المعظم من حجر أو إنسان أو شيطان، وإذا كان ذلك كذلك وكانت الأصنام التي كانت الجاهلية تعبدها كانت معظمة بالعبادة من دون الله فقد كانت جبوتاً وطواغيت، وكذلك الشياطين التي كانت الكفار تطيعها في معصية الله، وكذلك الساحر والكاهن اللذان كان مقبولاً منهما ما قالا في أهل الشرك بالله، وكذلك حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف لأنهما كانا مطاعين في أهل ملتهما من اليهود في معصية الله والكفر به وبرسوله فكانا جبتين وطاغوتين" .يتبع ان شاء الله تعالى