أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم


هذه تعليقاتٌ مهمةٌ جدًّا على مقطع منتشر للأستاذ المهندس "علي منصور كيالي" يزعم فيه بأن جنة النعيم خاصة للمقربين ، وبأنها أعلى درجات الجنة ، وبأن المأوى أدناها ، وبأن اسم الدرجة التي للنبي ﷺ في أعلى مكان في الجنة اسمها "المقام المحمود" ، مما أصاب البعض باللَّبس والحَيرة .

---✺✺✺---

فبالنسبة لكلام هذا الرجل بشأن أسماء درجات الجنة ، ففيه من التخبط والتخرص ما فيه - غفر الله لنا وله ، وهداه للحق - ، ولا شك أن كلامه ذلك مثير لللَّبس والحيرة عند البعض حتى ربما يظن مَِن يظن بأن هناك تعارضًا بين بعض الأدلة في ذلك .

ولهذا كان لِزامًا عليَّ بيانُ وجه الخطأ فيما قال نصحاً لله تعالى ، ولكتابه ، ولرسوله ﷺ ، ولعامة المسلمين .

وقد وردتني استفسارات على الواتساب بشأن كلامه وعما إذا كان صحيحًا أم لا ؟! .

وفيما يبدو فإن ما قاله لم يُسبق إليه ، ولم أسمع مثله من قَبل ! ، وقد قيل : "إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام" .

ومن الواضح أن المذكور قليل البضاعة في العلوم الشرعية ، فهو حسب ترجمته في موسوعة "ويكيبيديا" العالمية على شبكة الانترنت وأيضًا حسب ما يظهر في ذلك المقطع عند الدقيقة (50 : 3) إنما هو "مفكرٌ إسلامي ، ومهندسٌ مِعماري" ؛ ومعلومٌ أن المفكر عادةً يغلب عليه الطابع السياسي وغير راسخٍ في العلم الشرعي ، فضلاً عن كونه مهندسًا معماريًّا ! ؛ فأين مَن هذه حاله من العلم الشرعي والتضلع منه ؟! ، وقديمًا قيل : "مَن تكلم بغير فنه أتى بالعجائب ! " .

وإذا تكلم أحدٌ بشيءٍ فتخبط فيه ، فعرفنا أن تخصصه في غير ما تكلم به زال العَجَب منه عند تخبطه ذاك ! .

فإذًا ليت المذكور سَكت ، ولم يتكلم بدين الله تعالى بغير علمٍ راسخ .

★☆☆★

وأما الرد على كلامه ذلك فهو من وجوه :

"الفردوس" أعلى الجنة وأوسطها :

بالنسبة للجنة ؛ فإن أعلى درجاتها وأوسطها هي جنة الفردوس الأعلى بنص الحديث الصحيح المشهور الذي رواه البخاري أن النبي ﷺ قال : ( فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ ، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ) .

فالنبي ﷺ يقول بأن الفردوس هي أوسط وأعلى الجنة ، والشخص الذي في المقطع المذكور يقول بأن جنة النعيم هي أعلى الجنة ، فأيهما الذي معه الحق ؟! .

جنات النعيم للمقربين ومن دونهم :

ثم إن جنة النعيم لم يَعِدها الله عز وجل المقربين فقط كما يقول صاحب المقطع ، بل وعدها سبحانه عموم المؤمنين الذي يعملون الصالحات ، قال تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ﴾"سورة لقمان ، آية : 8" .. والآيات في هذا عديدة .

ولذلك فإن مسمى "النعيم" إنما هو اسمٌ شاملٌ للجنة ككل حيث إنها تفيض بكل ألوان النعيم حتى استحقت وصفها بهذا الوصف العظيم ، ولكن من المعلوم أن درجاتها العُلا إنما هي للمقربين السابقين بالخيرات ، ومفهوم الآيات التي في أول سورة الواقعة هو أن الله تعالى يخبر بأن المقربين في جنات النعيم هم السابقون بالخيرات ، ولأنه معلومٌ أن مكان المقرب إلى أحد إنما هو في المقدمة ، فمِن تحصيل الحاصل أن يقول سبحانه بأن أولئك المقربين مكانهم في أعلى جنة النعيم ، لأنه معلوم بالضرورة بأن مكانهم في الأعلى من تلك الجنة لأن مكان المقرب في المقدمة ، ولذلك قال فقط : ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ۝ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ۝ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ۝﴾ "سورة الواقعة ، آيات : 10 - 12" ، على اعتبار أنه من الواضح أنهم في الأعلى منها لأنهم مقربون ، ومعلومٌ أن المُقرَّب لم يُسمَّ بذلك إلا لقربه من حبيبه ونواله الدرجة الأعلى منه .

تراجُعٌ .. أم تناقُضٌ ؟! :

والعجيب أني وجدت له كلامًا في حسابه الرسمي في "الفيسبوك" مناقضًا تمامًا لِمَا قاله في المقطع المشار إليه بشأن جنات النعيم وأنها اسم لأعلى الجنة حيث قال هناك كلمة الحق بشأن جنة النعيم وقال بما مفاده بأنها اسمٌ عام للجنة ويدخلها خمسة أصناف منهم المُقرَّبون ومَن دونهم ، وهذا هو نص كلامه هنالك :

http://goo.gl/x1GD8h

فلا أدري ، هل ما قاله في "الفيسبوك" تراجعٌ عما قاله في ذلك المقطع المثير للجدل أم أنه تناقض ؟! .

نرجو أن يكون تراجعًا ، ونأمل منه عدم الخوض مرة أخرى في المسائل الشرعية بغير علم .

"المأوى" اسم عام للجنة أو خاص بأعلاها :

وأما قول المذكور بأن جنة المأوى هي أدنى درجات الجنان ، فهو كلامٌ باطل وتخرُّص ، بل هي -والله أعلم- اسم من أسماء أعلى الجنة ، لأن الله عز وجل أخبر بأنها عند سدرة المنتهى حيث قال وقوله الحق : ﴿وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى ۝ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ۝ عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ۝ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ۝ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى۝ لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ۝﴾****"سورة النجم ، آيات : 13 - 18" .

وسدرة المنتهى هائلة العظمة والجلال ، والحديث بشأنها يطول جدًّا ، وقد قيل في سبب تسميتها بذلك عدة أقوال ، منها : " أنها سُمِّيت بذلك لأن مَن رُفِع إليها فقد انتهى في الكرامة" أي بلغ الغاية القصوى في الكرامة والنعيم ، وقد أخبر تعالى أن هذه السدرة عندها جنة المأوى .

وهذه السدرة العظيمة صح في الحديث أنها في السماء السابعة ، وورد في حديث آخر أنها في السادسة ويبدو أنه وَهم من الراوي ، والصحيح الذي عليه الأكثرون أنها في السماء السابعة ، وهذا الذي يقتضيه المعنى وتسميتها بالمنتهى - كما قرر ذلك الشيخ العلاَّمة المعروف "عبد العزيز الراجحي" - حفظه الله تعالى ، وأحسن لنا وله الخاتمة - .

أو أن يكون (المأوى) مسمى يُطلق على عموم الجنة وليس خاصًّا لدرجة بعينها لأن الله تعالى وعدها عموم المؤمنين الذين يعملون الصالحات من المقربين ومَن دونهم ، قال تعالى : ﴿أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ "سورة السجدة ، آية : 19" .. فتكون الجنة ككل فوق السماء السابعة عند سدرة المنتهى ، والمأوى من جملة أسمائها الكثيرة .

"المقام المحمود" هو الشفاعة العُظمى ، و "الوسيلة" اسمُ الدرجة الأعلى في الجنة والمخصصة - والله أعلم - للنبي صصص :

وأما زعم المذكور بأن "المقام المحمود" هو الدرجة الأعلى في الجنة الخاصة بالنبي ﷺ ، فهو كلام باطل ؛ والصحيح أن المقام المحمود هو الشفاعة العظمى ، قال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد ، 64 / 19" : (والذي عليه جماعة العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين أن المقام المحمود هو المقام الذي يشفع فيه لأمته) انتهى .

والصحيح - والله أعلم - أن اسم الدرجة الأعلى في الجنة والخاصة بالنبي ﷺ هي (الوسيلة) .

ولذلك قال رسول الله ﷺ : (إِذَا****سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ ؛ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ ، حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ) رواه****مسلم .

وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

كتبه /

طالبُ علمٍ وباحثٌ شرعيٌّ .

غفر الله له ، ولوالديه ، ولمشايخه ، وللمسلمين .

القصيم - بريدة

12 / 7 / 1435هـ

والحَمدُ لله رب العَالَمين