أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الكاتب : الشيخ العلامة / عبدالمجيد الشاذلي رحمه الله



إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه .. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .. مَنْ يهده الله فهو المهتدي ومَنْ يُضلل فلن تجد له وليَّاً مرشداً .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله .. بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح للأمة وتركها على المحجِّة البيضاء .. ليلها كنهارها .. لا يزيغ عنها إلا هالك؛ .. ثم أما بعد .. سنتكلم عن : كيف يتكوَّن الإيمان ؟؟.. وهذا المأخذ مهم جداً في الفَهْم .. لأنَّه سيتبيَّن منه حقيقة الكفر أو معنى الكفر.. وسنفهم منه أنَّ حقيقة الكفر تختلف عن النواقض المكفِّرة ..كما سنرى العلاقة بين حقيقة الكفر وبين نواقضه المكفِّرة .. ثم سنتكلم بعد ذلك عن العلاقة بين الظاهر والباطن في الإيمان ..
س: كيف يتكوَّن الإيمان ؟..أو..كيف يُوجد الإيمان ..؟..
ج : يوجد الإيمان على مراحل .. فهو في أساسه علم .. ثم إنَّ هذا العلم يدخل إلى القلب .. فإما أن ينقلع بالكليَّة بعد ذلك .. أو أن يتحوَّل إلى شكّ .. أو أن يبقى خواطر في النفس .. أو أن يتحوَّل إلى عقيدةٍ راسخةٍ ..
إذا العلم له أربعة احتمالات عندما يدخل القلب .. هى:
1ـ أن ينقلع بالكليَّة .. (عَرِفَ ثم أنكر) ..
2ـ أن يَبْقَى شكَّاً : ﴿فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ﴾.. فهو شاكّ ـ لا يعرف ـ ..
3ـ أن يبقى خواطر في القلب .. في النفس .. بحيث لايرقى إلى مستوى العقيدة الجازمة.. أو اليقين الراسخ ..
4ـ أن يتحوَّل إلى يقينٍ راسخٍ .. أي : عقيدةً راسخةً .. عقيدةً جازمةً ..
ولا يوجد احتمال خامس لهذه الاحتمالات الأربعة ..
س : ما الذي يجعل هذا الإيمان ينحى أيٍّ من هذه المناحي الأربعة السابقة ؟؟ ..
ج : إذا وَجَدَ العِلْمُ مَحِلَّاً قابلاً فإنَّه سيتحول إلى يقينٍ راسخٍ .. وإذا لم يجد مَحِلَّا ًقابلاً ـ وهو القلب الغير قابل ـ فإما أن يبقى خواطر أو أن يتحوَّل إلى شكّ أو أن ينقلع بالكليَّة ..
فالـمَحِلّ الغير قابل له هذه الاحتمالات الثلاث التالية :
1ـإما الانقلاع بالكليَّة ..
2ـ أو التحوُّل إلى شكّ ..
3ـ أو يبقى خواطر في النفس .. بحيث لا ترقى هذه الخواطر إلى درجة اليقين الجازم أو العقيدة الراسخة ..
وإذا وَجَدَ العِلْمُ مَحِلَّاً قابلاً : فسيتحوَّل العلم إلى عقيدةٍ راسخةٍ أو يقينٍ جازمٍ ..
هذه هي أول مرحلة :وهي : علمٌ عَقِلَهُ القلب .. وعَقِلَهُ بمعنى : أمسكه .. واعتقد : كـ (اعتقل) وزناً ومعناً .. أي : أمسكه اعتقل الشيء .. أي : أمسكه .. عقدتُّ حَبْلاً .. أو اعتقدتُّ مالاً : أي جمعته وأمسكتُ به .. فإذن : اعتقده القلب .. أي : عَقِلَهُ وضَبِطَهُ ..
إذن فالعلم: حينما يدخل القلب فإنَّ أول مرحلة بعد دخوله القلب هي أن : (يعقله القلب ويضبطه) .. أي : (يعرف حدوده) .. ويعقله أي : (يُمْسِكُ به) ـ وهذا ينافي معنى الشكّ أو الخواطر النفسية بل إنَّه يعتقله أو يعتقده أي يُمْسِكُ به ـ فإذا حدث هذا فإما أن يوجد بداخل القلب موانع ـ (توجد فيه موانع ) ـ تمنع من أنَّ هذه العقيدة الراسخة تُعطي مُوجِبُها من : (الموافقة والموالاة والانقياد) .. أو لا توجد موانع ..
فأولاً يجب أن يكون المحِلّ قابلاً .. ثم .. وبعد أن يقبل المَحِلّ .. قد توجد موانع تمنع من أن يُعطي هذا العلم مُوجِبهُ من: (الموافقة والموالاة والانقياد) .. فإذا وُجدت موانع: (من كبرٍ أو من حسدٍ أو من إِلفٍ أو من حبِّ الدنيا أو خوفٍ أو رجاءٍ أو رجل يخاف على ذهاب ملك أو على كذا أو على كذا أو على إغضاب قومه أو أي شيء).. ـ والجدير بالذكر أنَّ هذه موانع وليست بواعث ـ وهذه الموانع في القلب تمنع هذه العقيدة الراسخة أو هذا اليقين الجازم من أنَّ يُعطي مُوجِبه من: (الموافقة والموالاة والانقياد) .. وهذه الموانع في القلب مثل: (إيثار العاجلة لشيءٍ ما أو لآخر) .. فإذا أعطى مُوجِبه من : (الموافقة والموالاة والانقياد) .. إذن ففي هذه الحالة فإنَّ (الموافقة والموالاة والانقياد) إذا وُجِدَت في القلب فلن تصادفها أبداً موانع ولا أي شيء .. فلقد انتهت كل العقبات .. فالعقبتان السابقتان قد انتهيا .. فالعلم يدخل .. فإما أن يكون المَحِلّ قابلاً .. أو أن يكون غير قابلٍ .. فإذا كان المَحِلّ قابلاً فإما أن يُصادف موانع أو لا يُصادف موانع .. فإذا لم يُصادف موانع وأعطى مُوجِبه من: (الموافقة والموالاة والانقياد) .. فبالضرورة إذن ستكون هذه (الموافقة والموالاة والانقياد) معنىً .. وهذه هي المرحلة التالية .. فالعلم والذي هو الإيمان قد أصبح معنى .. وهذه الجزئية هامة جداً .. وسنعود إليها ثانيةً ..
وهذه المعاني عبارة عن معاني مستقرة في القلب .. ومعاني بمعنى أنها : ساكنة .. لأنَّ الإيمان معناه : (القرار والطمأنينة) .. فالإيمان هو: (ما وقر في القلب وصدَّقه العمل) .. فالإيمان : هو الشيء الذي وقر.. والذي تطمئن إليه النفس .. والنفس عندما تطمئن إلى شيء فإنها ستُمسك به وتحتضنه .. مثلما تحتضن الأم طفلها تماماً .. وسيكون هناك أُنْس به .. وسيكون هناك طمأنينة وأمن .. فالإيمان راجع إلى الأمن وليس إلى التصديق ... فالإيمان أقرب إلى معنى الإقرار منه إلى معنى التصديق .. فهو إقرار.. شيءٌ يَقِرُ.. وهذا مثل: (ما تقدَّم عليهم أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ بكثرة صلاة ولاصيام .. ولكن بشيءٍ وقر في قلبه) .. فعندما يقِر الإيمان في القلب فهنا يكون المعنى الاطمئنان إليه .. والإيمان قد وقر في القلب قبل هذا كعقيدة راسخة ولكن لم تطمئن إليها النفس .. أي لم تسكن إليها .. لم تركن إليها .. لا يوجد معنى السكينة .. فعندما يكون هناك معنى السكينة والطمأنينة والركون والاستمساك والعشق بمعنى الحب .. بمعنى أنه يُحب هذا الشيء .. فإذن سيكون هنا معنى الإقرار .. معنى وَقَرَ.. وبهذا فالإيمان من معنى الطمأنينة ومن معنى الأمن .. فعندما توجد (الموافقة والموالاة والانقياد) فهذه ستكون إذن معاني مستقرة في النفس .. ساكنة .. وهذه المعاني المستقرة تكون ساكنة .. وهذه المعاني المستقرة الساكنة هذه لابد وأن يلزم عنها متحرك بالضرورة وهو: (الإرادة) .. فتكون هذه (الموافقة والموالاة والانقياد) يلزم عنها بالضرورة إرادة .. وليس أنَّ فيها موانع .. فلا يُوجد هنا موانع.. فإذا وجدت هذه ـ الموافقة والموالاة والانقياد ـ فلابد وأن تُوجد عنها إرادة .. والإرادة أيضاً هذه داخل النفس ـ داخل القلب ـولكن الإرادة تكون مرتبطة بمُراد في الخارج ..
مثال: (قيمةإغاثة الملهوف) :إذا وقر في نفسي قيمة : (إغاثة الملهوف).. فهذه قيمة ومعنى من المعاني الإيمانية .. فهي قيمة في النفس وقرت في القلب وسكنت .. فهي قيمة مستقرة .. وهي عادة لي ..فأنا أحبها وأطمئن إليها وأَأْلَفها وأسكن إلى هذه القيمة وأفعلها بدون غضاضة .. ولا أحسّ بثقل التكليف وأنا أفعلها فأنا لست متكلِّفاً .. ولست متضرراً .. فلقد أصبحت هذه قيمة في نفسي ـوأنا أحب هذه القيمة ـ فاْستقرت هذه القيمة في قلبي ونفسي .. وبذلك فسيلزم عنها إرادة .. فعندما أجد ملهوفاً .. إذن فستُوجَد في نفسي إرادة : (إغاثة الملهوف) .. والنابعة من قيمة : (السماحة والصبر).. مثلما قال الرسول صلى الله عليه وسلم :( الإيمان السماحة والصبر ) .. و(الإسلام : إطعام الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام) ..
إذن :فـ (السماحة والصبر) هذه قيم مستقرة في النفس يلزم عنها إرادة .. وعندما توجد دواعي هذه الإرداة فإنّها ستنبع أو ستنبعث من هذه القيم المستقرة .. والتي هي: (إطعام الطعام و إفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام) .. إذن فقيمة: (إغاثة الملهوف) مستقرة في النفس .. فعندما يوجد الملهوف فستوجد الإرادة لإغاثته مباشرة ً إذا لم يوجد موانع كأن يمنعك أحد بحيث أنّك لن تستطيع أن تُنقذ هذا الملهوف .. فالإرادة مع القدرة يلزم عنها المرادات ..
يجب أن نلاحظ هنا:
1ـ الإرادة والقدرة والمرادات كلها أمر متحرك فيها عنصر النيَّة والأَمّ والقصد.. فقوله: (أَمَّ الشيء : أي قصده).. نوى نويت.. ففيها عنصرالتوَّجُه ..
2ـ أما القيمة نفسها ففيها عنصرالسُّكون ..
3ـ ما بداخل النفس عبارة عن : (معاني وإرادات) .. و المعنى يترتب عليه إرادة .. ويلزم منه إرادة ..
4ـ ما بخارج النفس هو: المرادات والتى تتحقق بأمرين الإرادات والقدرة..
إذن :فكل ما بداخل النفس هو العلم والذي تحوَّل إلى يقين جازم فأعطى موجبه من : (الموافقة والموالاة والانقياد ).. وهذه بالضرورة أعطت لازمها من الإرادات .. والإرادات مع القدرة أعطت لازمها من المرادات .. وهذا هو ترتُّيب الإيمان .. بالضبط هكذا ..

إنَّ كل ما سبق هو ترتُّب الإيمان ، وبذلك يتبقى لنا معنيان لابد من فهمهما وهما :
· أولاً: إذا كان الإيمان هكذا فما هو الكفر؟؟.. ما هي معانيه ـ الكفر ـ وليس نواقضه ..؟؟..
· ثانياً: ما هي العلاقة بين الإيمان والإسلام .. ؟؟.. و هذه العلاقة متى تكون قابلة للانفكاك ومتى تكون غير قابلة للانفكاك .. ؟؟ ..
إنَّ الإسلام هنا سيكون جزء ..والإيمان بتفسيره هذا سيشمل الإسلام .. وسيكون الإسلام هو عنصر الإرادة والقدرة والمرادات .. وما دام أنَّ هذا هوعنصر الإرادة والمرادات إذن فهذا هوالإسلام .. وهناك جزء خفي كذلك .. فالإسلام لابد وأن يكون فيه جزء في القلب ..لأنَّ الإثنان ـأي الإيمان والإسلام ـ إنَّما يتصلان ببعضهما داخل القلب .. فالمعنى لا يخرج أبداً للخارج .. بل إنَّ المعنى يرتبط بالإرادة داخل القلب .. والإرادة هي التي تحقق إنعكاسات هذا المعنى .. فـ (السماحة والصبر أو إغاثة الملهوف) هذه قيمة مستقرة ليس لها قدرة للخروج إلى الخارج إلا من خلال الإرادة والتي هي مع القدرة تحقق المرادات ..
فالعلاقة بينهما وبين بعضهما ـالمعنى والإرادة ـأنَّ المعنى هو الذي يُعطي الإرادة والإرادة تُجسِّم المعنى أوتُجسِّده .. فالمعنى يُعطي إرادة .. والإرادة تُجسده .. وكلاهما متلازمان داخل القلب.. فالمعنى من غير إرادة لا سبيل له إلى التجسد ولا إلى الوقوع .. والإرادة هذه لا يمكن أن تبعث إلا من معنى .. فكلاهما يحتاج للآخر فلذلك يوجد بينهما وبين بعضهما تلازم .. والإثنان داخل القلب .. لكن الإسلام يكون له طريق إلى الخارج من خلال الإرادة مع القدرة فإنَّه يُعطي مرادات في الخارج .. وهذا الجزء المغمور في داخل القلب وله جزء خارجي وجزء داخلي فهذا هو الإسلام .. أما الذي يكون كله داخلي خالص فهذا هو الإيمان ..
.. وهذا هو معنى ارتباط الإيمان والإسلام في عقيدة التوحيد على الدربين ..
العلاقة بين الإيمان والإسلام يمكن أن تُفهم على دربين كما كتبها :(محمد بن نصر المروزي) ..وبيان هذين الدربين كما يلي :
1ـ الدرب الأول في العلاقة بين الإيمان والإسلام في حقيقة التوحيد: عند وصول الإيمان إلى مرحلة العقيدة الجازمة فقط .. فهذا معناه وصوله إلى يقينٍ راسخٍ وليس لنا شأن بجزئية ( الموافقة والموالاة والانقياد ) ..إذن فالإيمان هنا إنَّما يكون : ( عِلْم ظاهر وباطن ) .. وهنا يمكن أن يكون المؤمن مشركاً .. وممكن أن يكون المؤمن مسلماً .. وذلك كما في قول اللهسبحانه وتعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ(الأنعام :82) .. فممكن أن يكون هناك رجل آمن لكنه ألبس إيمانه بظلم .. وذلك كما في قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ(يوسف :106) .. ففسروا إيمانهم أي : إقرارهم .. وشركهم : أنَّهم يعبدون مع الله غيره .. فهذا هو الإيمان عندما يقف عند العقيدة الراسخة في القلب حيث أنَّ الاحتمالات الثلاثة قد انتهوا وهو الاحتمال الرابع .. والذي هو اليقين الجازم أو العقيدة الراسخة في القلب .. ويكون الإسلام هوالموجِب داخل القلب أيضاً ـ أي مُوجِب حاصل داخل القلب أيضاً ـ وما يترتب على هذا الموجِب من إرادة ومع القدرة تعطي مرادات وكل هذا إسلام .. وبذلك سنجد هنا أنَّه يوجد انفكاك بين الإيمان والإسلام .. فالانفكاك ممكن .. لأنَّه ممكن أن يكون الإيمان موجوداً ومعه شرك .. وممكن أن يكون الإيمان موجوداً ومعه إسلام ..
إذن ليس هناك تلازم بينهما بالضرورة ..فإذن يوجد هنا إمكان الانفكاك .. وهناك أيضاً انفكاك آخر وذلك عندما يكون الإيمان داخل نطاق حقيقة التوحيد : ( قول ظاهر وباطن ) .. والإسلام : ( عمل ظاهر وباطن ) من أول المعنى حتى الإرادة وحتى المراد مع وجود القدرة .. فيكون الإسلام بذلك: (عمل ظاهر وباطن .. وهوتوحيد الألوهية ) .. ويكون الإيمان : ( قول ظاهر وباطن .. وهو توحيد الربوبية ) .. وهنا يوجد إمكان الانفكاك .. وعندما يكون هناك إمكان الانفكاك فهنا يمكن أن يكون الإيمان معه شرك .. أو الإيمان معه توحيد .. فيكون معه إسلام ..
2ـ الدرب الثاني في العلاقة بين الإيمان والإسلام في حقيقة التوحيد : عندما يصل الإيمان إلى مرتبة المعاني .. بمعنى أنَّه سيكون عقيدةً راسخةً في القلب .. بمعنى علماً وَجَدَ محِلَّاً قابلاً ..ثم لم يجد موانع فأعطى موجِبه من ( الموافقة والموالاة والانقياد ) كمعاني مستقرة في النفس فقط .. ولن ندخل في جزئية الإرادات أو المرادات هنا .. وسنطلق على ذلك أنَّه إيمان .. وسيكون الإسلام بذلك هو جانب الإرادة والتي هي لازمةٌ للمعنى ومع القدرة يُعطي مرادات وسيكون هذا هو الإسلام .. إذن فعلاقة الإيمان بالإسلام كظاهر وباطن في حقيقة التوحيد وأنَّه لا يمكن الانفكاك بينهما ..
ملاحظة :إنَّ الإيمان عندما يكون باطناً فسيأخذ معه (الموافقة والموالاة والانقياد).. أي أنَّه سيأخذ معه المعاني .. والمعاني جزء من عمل القلب .. لأنَّ عمل القلب عبارة عن جزأين هما : ( معاني وإرادات ) .. والمعاني لا يمكن أن تنفصل أو أن تنفك أبداً عن الإرادات .. ويكون الإيمان بهذا قد أخذ معه المعاني .. بينما الإسلام يكون قد أخذ معه الإردات .. والإرادات لا تنفك أبداً عن المعاني .. فلايوجد بذلك انفكاك بين الإيمان وبين الإسلام وذلك عندما يكون الإيمان باطناً والإسلام ظاهراً ..
فالإيمان والإسلام داخل حقيقة التوحيد ممكن أن يكون أحدهما قول والآخر عمل .. وبذلك يمكن الانفكاك .. وممكن أن يكون أحدهما باطن والآخر ظاهر .. وبذلك فلا يمكن الانفكاك بينهما ..
وهذا هو كلام ( محمد بن نصرالمروزي ) والموجود في كتاب الإيمان عندما تكلم عن الإيمان والإسلام فقال : أنَّهما كالكلام باللسان والشفتين ولا يمكن أن يقع الكلام إلا بهما .. أو كحبةٍ لها ظاهر وباطن .. أو كجسمٍ حيٍّ ذي روح .. فليست هناك روح من غير جسم .. وليس هناك جسم من غير روح .. أي أنَّه لا يمكن الانفكاك .. فلا ينفك أحدهما عن الآخر..
وفي هذه الحالة يمكن أن يقال أنَّ :
1) الإيمان : هو عقود الإسلام .. 2) الإيمان : هو باطن الإسلام ..
3) الإسلام: هو شرائع الإيمان .. 4) الإسلام : هو ظاهر الإيمان ..
· إذن: هنا لا يوجد إمكان للانفكاك .. وهو نفسه يقول أنَّه ليس هناك إمكان للانفكاك في التوحيد بين الظاهر والباطن .. فلا يمكن أن يكون هناك أحداً أبداً باطنه فيه انقياد وظاهره فيه رفض أوردّ .. لأنَّ المعاني مرتبطةٌ دائماً بالإرادات ..
لكن عقيدته كعقيدة قوليَّة فهذا قد يكون عنده عقيدة صحيحة ويكون عنده شرك .. وهذا ممكن الوقوع والحدوث بين الناس .. ولقد قالها الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ(يوسف : 106) .. وقال سبحانه وتعالى:﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ(الأنعام :82 ) .. لكن هذا الرجل ـذو العقيدة القوليَّة الصحيحة والذي عنده شرك وظاهره فيه ردّ ورفضـ هل يمكن أن يكون عنده المعاني المستقرة في النفس ويكون الخارج غير هذا ويكون هذا مؤمناً كامل الإيمان وينجو من النَّار ويدخل الجنَّة ويتحقق له النَّجاة من الخلود في النَّار بهذا الإيمان مع رفضه وردّه للشرائع ؟؟.. بالطبع .. لا.. لأنَّ هناك شرط الارتباط وعدم الانفكاك الذي بيَّناه وأثبتناه من كلام ( محمد بن نصر المروازي ) .. وهذه الجزئية مهمة جداً جداً .. ولابد أن تُفهم بهذا التشكيل أو بهذا الرسم .. أي : وكأنَّها مرسومة .. وبذلك فنحن نكون قد أثبتنا العلاقة بين الإيمان والإسلام على هذين الدربين داخل حقيقة التوحيد .. وأثبتنا شيئاً مهماً جداً .. وهو إمكان الانفكاك بين الظاهر والباطن في الإيمان .. لأنَّ الإسلام هو جزء مسمَّى الإيمان .. وأيضاً عندما نقول أنَّ : ( الإيمان ظاهر وباطن ) فهذا معناه أنَّه لا يوجد انفكاك بين الظاهرِ والباطنِ إطلاقاً ..
حقيقة الكفر وعلاقتها بالنواقض المُكفِّرة
عند الحديث عن حقيقة الكفر سزاعي بأن نأخذها مرحلةً مرحلةً .. وذلك كما يلي :
أولاً : ضد الإيمان بجميع أنواعه ومراتبه السبع :
أ ) حالات الكفر الأربع والتي هي ضد استقرار العلم في القلب والإقرار به في اللسان : وهم : ( جهلاً .. شكَّاً .. تكذيباً .. جحداً .. ) ..
1) ضد العلم ..الجهل : إنَّ حقيقة الكفر ضد حقيقة الإيمان بجميع أنواعه ومراتبه .. والإيمان علم .. إذن فحقيقة الكفر أنَّه نقيض العلم .. ولكن نقيض العلم هو: الجهل ..كرجل كفر جهلاً لعدم علمه بصحة الرسالة فلم يدخل العلم في قلبه .. فيكون قد كفر بذلك جهلاً ..
2) ضد الاستقرار.. الشكّ: إنَّ الإيمان علم استقرَّ في القلب .. وبذلك تكون حقيقة الكفر ضد الاستقرار وهو العقيدة الراسخة .. إذن فحقيقة الكفر أنَّه شكّ ..كرجل دخل العلم قلبه ثم شكَّ فيه .. أي لم يستقرّ ..
3)التكذيب: فقد تكون حقيقة الكفر تكذيباً ..كرجل دخل العلم قلبه ثم هو كذَّبه بقلبه ..
4) الجحد : كرجل دخل العلم قلبه فعلم صحة الرسالة ولم يشكّ ولم يكذب بقلبه ولكنه جحده بلسانه .. فهذا يكون كفره جحداً .. أو جحوداً ..
ب) الثلاث حالات المتبقية لحالات الكفرة التي هي ضد الإيمان بجميع أنواعه و مراتبه السبع:
1) ضد الطمأنينة .. الخلع والنبذ والبراءة . 2) ضد الموافقة والموالاة والانقياد .. ترك الموافقة والانقياد والموالاة .
3) المشاقَّة والمحادَّة والمعاداة .
1) ضد الطمأنينة .. الخلع والنبذ والبراءة : نحن نقول أنَّ الإيمان أَمْن وطمأنينة .. وأحياناً يكون الكفر قيمة طيبة وقيمة إيمانية .. لأنَّ الذي يُعبر عنها في هذه الحالة مؤمنون وذلك كما في قول الله سبحانه وتعالى:﴿قَد كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِّنْكُم وَمِمَّا تُعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُم العَدَاوَةُ والبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِن اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ( الممتحنة : 4) .. أو حتى كما قال الشيطان عليه لعائن الله وكما يحكي عنه الله سبحانه وتعالى: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُم مَّا أَنَابِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾( إبراهيم :22).. فكلمة ﴿إِنِّي كَفَرْتُ﴾هنا بمعنى ( إنِّي نبذتُ وهجرتُ وخلعتُ ) .. فالكفر خلع .. وهناك الذين يؤمنون بالباطل .. وكل مَنْ يؤمن بالباطل فهذا نفسه تستريح وتأنس وتأمن وتركن وتطمئن إلى الباطل .. عنده ركون إلى الباطل .. وعنده كفر بالحق .. بمعنى أنَّه ينزعج من الحق ويهرب من الحق ﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ﴾ ( المدثر :50 – 51 ) .. فهو يهرب من الحق ففطرته لا تُطيقه .. والذين يتصفون بهذه الصفات حكى الله سبحانه وتعالىعنهم فقال : ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ(الزمر: 45) .. فقلبه يركن إلى الباطل .. ويفزع ويهرب من الحق .. أما المؤمن فبالعكس .. فقلبه يركن إلى الحق ويفزع ويكره ويهرب من الباطل .. فالجزع والهرب الفزع والكره هذا يسمَّى كفراً ..﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَن يَّكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(البقرة : 256 ) .. وبذلك ففي قول الله سبحانه وتعالى:﴿كَفَرْنَا بِكُمْ﴾ بمعنى ( خلعناكم وتركناكم ).. أي : ( هذا فراق بيننا وبينكم ) .. أي : ( لا نطيق قربكم ولا نأمن إليكم ولا نقرّ ولا نطمئنَّ معكم ولا نركن إليكم ولا نثق بكم ولا نسكن إليكم .. بل نهرب منكم ولا نُطيق مساكنتكم ) .. فهذا هو معنى:﴿كَفَرْنَا بِكُمْ..فمعنى الكفر والذي هو ضد الطمأنينة أي : ( الخلع والنبذ والبراءة ) .. نبذوه وراء ظهورهم ..
2)ضد الموافقة والموالاة والانقياد .. ترك الموافقة والموالاة والانقياد : وقد يكون الكفر معناه ضد الموافقة والموالاة والانقياد .. ويكون ذلك بترك الموافقة والموالاة والانقيادـ الترك ـ .. فهو أولاً : ترك وخلع ونبذ وبراءة .. ثم ثانياً : ترك الموافقة والموالاة والانقياد..
3) المشاقَّة والمحادَّة والمعاداة : بعد كل ما سبق تأتي مرحلة المشاقَّة والمحادَّة و المعاداة .. فإذا وصل العبد لدرجة المشاقَّة والمحادَّة والمعاداة فسيكون بذلك قد حقق كل المعاني المنافية لمعاني الإيمان ..
ثانياً : ضد الإسلام :
1) الشرك .. وهو ينفي الاستسلام لله وحده .. 2) الكِبْر .. وهو ينفي الاستسلام لله و لغيره ..
وبذلك ولو أردنا تفسير حقيقة الكفر على أنَّها ضد الإسلام فسنقول : ما هو الإسلام ؟.. إنَّ الإسلام معناه : الاستسلام .. فأَسْلَمَ أي : استسلم لله خالصاً .. ويكون الاستسلام بالاستسلام لله وحده لا شريك له .. فمَنْ اْستسلم لله ولغيره فهو مشرك .. ومَنْ رفض الاستسلام فهو مستكبر .. ولما كان الكفر بانتفاء الإسلام .. فبذلك سيتحقق الكفر الذي هو ضد الإسلام بـ ( شرك وكبر ) .. حيث أنَّ الشرك ينفي الإسلام لله وحده .. بينما الكبر ينفي الإسلام لله ولغيره .. وهذا معناه أنَّ مَنْ استسلم لله ولغيره فهو مشرك .. ومَنْ لم يستسلم لا لله ولا لغيره فهو معطِّل .. والمعطِّل شرٌ مِنَ المشرك .. وكلا : (المعطِّل أو المستكبر والمشرك) كافر بالله العظيم .. والكفر إنَّما يتحقق بمنافاة الإسلام بالشرك والكِبْر.. ويتحقق الكفر كذلك بمنافاة الإيمان ..
إذن فالكفر ليس له حقيقة .. أما الإيمان فله حقيقة .. إذن لا يتحقق الإيمان بترك الكفر ولكن الكفر هو الذي يتحقق بترك الإيمان .. وإذن فالإسلام لا يتحقق بترك الكفر ولكنَّ الكفر هو الذي يتحقق بترك الإسلام .. فالإسلام هو الذي له حقيقة .. وحقيقة الإسلام هي : الاستسلام لله وحده .. ويكون انتفاء هذه الحقيقة بالشرك أو الكبر يُعطي كفراً .. وذلك كما في قول الله سبحانه وتعالى:﴿وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا المَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُم مُّسْلِمُونَ﴾ ( آل عمران : 80).. فهنا بيَّن اللهُ أنَّ هذا الأمر كفر..وهوكفرٌ لأنَّ اتخاذ الملائكة والنبيين أرباباً شركٌ ينافي حقيقة الإسلام .. يكون بذلك كفراً .. و هكذا تأتي المعادلة ..
· إذن: فالكفر ليس له حقيقة في ذاته .. وليس لأحد أن يقول أنَّ الكفر هو الحجود أو كذا .. ولا أنَّ معناه اللغوي كذا .. أو أنَّ معناه كذا .. كلا .. فالكفر ليس له حقيقة لا لغوية ولا شرعية ولا أي شيء .. ولكنه يتحقق بمنافاة الإسلام بالشرك والكبر .. أو بمنافاة الإيمان بالجهل والشكّ والتكذيب والجحد والخلع والنبذ والبراءة وترك الموافقة والموالاة والانقياد والمشاقَّة والمحادَّة والمعاداة .. إذن فبهذه التسعة أمور يتحقق الكفر.. أي بمنافاة معاني الإيمان .. هذه هي الأنواع التي يتحقق بها الكفر ..
النواقض المكفرة
إنَّ النواقض منها نواقض الإقرار بالربوبية .. فالذين يقولون : (أنَّ عيسى اْبن الله) .. أو(أنَّ المسيح اْبن الله) .. أو(أنَّ المسيح وأمَّه إلهين من دون الله) .. أو الذين يقولون : (يد الله مغلولة) .. أو الذين يقولون : (أنَّ الله فقير ونحن أغنياء) .. أو الذين يقولون : (نحن أبناء الله وأحباؤه) .. أو الذين يقولون : (بين الله وبين الجِنَّةِ نسباً) .. أو مَنْ يقولون : (إتخذ اللهُ ولداً) ـ سبحانه وتعالىعما يقولون علوَّاً كبيراً ـ فكل هذه نواقض مكفِّرة لتوحيد الربوبية .. وفي كل هذه المعاني نجد أنَّ أنواع الكفر إنَّما تقع في الجهل أو في الشكِّ أو في التكذيب أو في الجحد ..
كما أنَّ النواقض المكفِّرة للإقرار بالحكم هي : الحكم والتحاكم والتحكيم بشرع غير شرع الله أو التشريع من دون الله أو قبول التشريع من غير الله أو الاستحلال أو الإباء من قبول الفرائض أو الطعن في حِكْمَةِ التشريع أو الاستخفاف أو الاستهانة أو الاستهزاء .. فكل هذه نواقض مكفِّرة ..
وكل هذه إنَّما تقع في :
1ـ الخلع والنبذ والترك .. ( وهذه تحدث أولاً ) ..
2ـ ترك الموافقة والموالاة والانقياد .. ( وهذه تحدث ثانياً ) ..
3ـ المحادَّة والمشاقَّة والمعاداة .. ( وهذه تحدث ثالثاً ) ..
وكلٍّ على حسب الصورة التي وقعت بها والباعث من ورائها . . وبذلك فنحن عندما نقول نواقض مكفَّرة فهذه إنَّما تكون غير أنواع الكفر.. أو بمعنى آخر : إنَّ الأنواع التي يتحقق بها الكفر غير النواقض المكفِّرة ..لكن العلاقة بين الأنواع وبين النواقض إنَّما تكون بهذا الشكل..
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.........