أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




مقدمة


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وبعد:
فإن علم القرآن العظيم: هو أرفع العلوم قدرا، وأجلها خطرا، وأعظمها أجرا، وأشرفها ذكرا([1])، وإن أحق ما صرفت إلى علمه العناية، وبلغت في معرفته الغاية، ما كان لله في العلم به رضا، وللعالم به إلى سبيل الرشاد هدى، وإن أجمع ذلك لباغيه، كتاب الله الذي لا ريب فيه، وتنزيله الذي لا مرية فيه، الفائز بجزيل الذخر وسنى الأجر تاليه، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد([2]).
- أهمية الموضوع .
إن الثقافة المتكاملة الآخذة بطرف من كل علوم هذا العصر = تجعلك أبصر بالحق، وأفقه بالباطل، وأعرف بالناس، وتزيد عدتك التي تعتد بها، وكثير من أبوابها يزيدك فقهًا بالدين، ويعين على التفكير الإبداعي ونقل الأفكار من حقل إلى حقل، وأقل رتبها شيئًا ما يكون كالنومة لا يعسر إعداد نية لها، وليس الخبر كالمعاينة وقد يعسر على صاحب الوجد أن يصف الصبابة وصفًا يحقق ما في نفسه في نفس سامعه فاطلب = تجد .
وإن المفسر لا بد له من الاطلاع على محفز لاستكمال عدته المعرفية، واقتحام المصاعب، وركوب الصعب والذلول للوصول إلى مبتغاه ومن هنا كان هذا البحث .
- مشكلة البحث .
تكمن مشكلة البحث في إبراز ما يحتاج إليه طالب علم التفسير من العلوم على تشعبها، وكثرة مناهجها، ولذا فقد أخرجت من البحث العلوم التي تختص بالقرآن من حيث هو، كالتجويد والقراءات، ورسم المصحف وعد آيه، وعلوم القرآن، وأصول التفسير، ومناهج المفسرين .. إلى غير ذلك إذ هي من خاصة علوم المفسر، وهي صالحة للبحث المفرد .
كذلك فإن طالب علم التفسير المعاصر لا يكفيه أن يطلع على العلوم الشرعية - على كثرة تشعبها - فحسب، بل يلزمه أيضًا أن يطلع على العلوم الإنسانية لا سيما مع استخدامها من قبل أقوام كمدخل للطعن - زعموا - في القرآن وعلومه، لكنها تحتاج كذلك إلى بحث مفرد، ولذا فقد استبعدها الباحث.
وعطفًا على ذلك فقد اختار الباحث أن يبحث في أهمية العلوم الشرعية، لضيق الوقت، وقلة الاستقراء اللازم للكتابة في الحاجة للعلوم الإنسانية مع قلة صفحات البحث المحدد من قبل الجهات المنظمة.
ومن مشكلات البحث قلة طرح الأمثلة على هذا الموضوع الكبير، ولذلك اعتمد الباحث الإشارة إلى مثال أو مثالين في المتن، والإحالة على المصادر لمزيد من الاطلاع .
- أهداف البحث .
للبحث أهداف أجملها في نقاط:
1- بيان أهمية العلوم الشرعية وأنها إخوة لعلات .
2- بيان التقاطع الكائن بين تلك العلوم مع علم التفسير .
3- ضرب أمثلة من خلال كتب التفسير على أهمية تلك العلوم .
وقد بحثت ذلك عبر مقدمة، وفصلين، في الفصل الأول، كسرته إلى مبحثين، تحدثت في المبحث الأول عن مفهوم التفنن، وفي المبحث الثاني عن مفهوم التخصص، وفي الفصل الثاني تحدثت عن أهمية العلوم الشرعية، فتحدثت عن أهمية علم العقيدة، ثم تحدثت عن أهمية علوم الحديث، فعلوم الفقه وأصوله، فالعربية وفنونها، لأخلص إلى خاتمة تحتوي على أهم النتائج والتوصيات .
هذا، ولم يكن ذلك البحث غائبًا عن علمائنا، فقد بحثوه في كتبهم من خلال مبحث ((شروط المفسر وآدابه))([3])، ولذلك قال النووي - رحمه الله - في بيان أهمية جمع الآلات للمفسر: ((ويحرم تفسيره بغير علم، والكلام في معانيه لمن ليس من أهلها، والأحاديث في ذلك كثيرة والاجماع منعقد عليه.
وأما تفسيره للعلماء، فجائز حسنٌ، والاجماع منعقد عليه، فمن كان أهلا للتفسير، جامعا للأدوات حتى التي يعرف بها معناه، وغلب على ظنه المراد = فسره إن كان مما يدرك بالاجتهاد كالمعاني والأحكام الجلية والخفية والعموم والخصوص والإعراب وغير ذلك، وإن كان مما لا يدرك بالاجتهاد كالأمور التي طريقها النقل، وتفسير الألفاظ اللغوية = فلا يجوز الكلام فيه إلا بنقل صحيح من جهة المعتمدين من أهله، وأما من كان ليس من أهله لكونه غير جامع لأدواته، فحرام عليه التفسير، لكن له أن ينقل التفسير عن المعتمدين من أهله.))([4]).
وعلى ذلك، أقول: ما هذا الجهد إلا استمداد مما كتبوه، وإبراز لما حرروه، والله أسأل أن يتقبل هذا الجهد إنه خير مسؤول، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله والحمد لله رب العالمين .


[1])) مقدمة تفسير الإمام ابن جزي، (1/10).

[2])) جامع البيان، للطبري: (1/7).

[3])) انظر: البرهان في علوم القرآن: (2/194)، والإتقان في علوم القرآن: (6/2274)، والزيادة والإحسان: (7/410)، وعلوم القرآن بين الإتقان والبرهان: (330 - 342)، وشرح مقدمة ابن جزي: (81)، والمفسر شروطه وآدابه ومصادره (رسالة جامعية) لأحمد قشيري سهيل .
ولعل أول من ذكر عنه تقنين العلوم التي يحتاج إليه المفسر، هو الإمام يحيى بن سلام البصري (ت 200)، يقول يحيى بن سلام (ت 200): ((وَلَا يعرف الْقُرْآن إِلَّا من عرف اثْنَتَيْ خصْلَة: الْمَكِّيّ وَالْمَدَنِي، والناسخ والمنسوخ، والتقديم وَالتَّأْخِير، والمقطوع والموصول، وَالْخَاص وَالْعَام، والإضمار والعربية.))، تفسير ابن أبي زمنين: (1/144) .
وأشهر من اشتهر عنه ذلك من المتأخرين الإمام الراغب الأصفهاني (ت 502) في مقدمة تفسيره: (1/37).

[4])) التبيان في آداب حملة القرآن: (165).