أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


اختلفت الرّوايات في مكان قبرها في مواضع خمس فيما وقفت عليه فنذكره موضعاً موضعاً مع دليله.
الموضع الأول: ودَّان والدليل على ذلك ما رواه أحمد (5/357) من حديث بريدة قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِوَدَّانَ قَالَ: مَكَانَكُمْ حَتَّى آتِيَكُمْ، فَانْطَلَقَ، ثُمَّ جَاءَنَا وَهُوَ ثَقِيلٌ فَقَالَ: " إِنِّي أَتَيْتُ قَبْرَ أُمِّ مُحَمَّدٍ، فَسَأَلْتُ رَبِّي الشَّفَاعَةَ فَمَنَعَنِيهَا " الحديث.
قال العلاّمة الألباني في صحيح السيرة (صـ 23) هو حديث صحيح بمجموع طريقَيْه وله أسانيد أخرى . اهـ
الموضع الثاني الأبواء فقد أخرج ابن سعد (1/116) من حديث ابن عباس قال كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أُمِّهِ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ فَلَمَّا بَلَغَ سِتَّ سِنِينَ خَرَجَتْ بِهِ إِلَى أَخْوَالِهِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ بِالْمَدِينَةِ تَزُورُهُمْ بِهِ وَمَعَهُ أُمُّ أَيْمَنَ تَحْضُنُهُ وَهُمْ عَلَى بَعِيرَيْنِ ، فَنَزَلَتْ بِهِ فِي دَارِ النَّابِغَةِ فَأَقَامَتْ بِهِ عِنْدَهُمْ شَهْرًا ... ثُمَّ رَجَعَتْ بِهِ أُمُّهُ إِلَى مَكَّةَ ، فَلَمَّا كَانُوا بِالأَبْوَاءِ تُوُفِّيَتْ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ ، فَقَبَرَهَا هُنَاكَ ، فَرَجَعَتْ بِهِ أُمُّ أَيْمَنَ عَلَى الْبَعِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدِمُوا عَلَيْهِمَا مَكَّةَ وَكَانَتْ تَحْضُنُهُ مَعَ أُمِّهِ ، ثُمَّ بَعْدَ أَنْ مَاتَتْ" الحديث هو حديث ضعيف جداً فيه الواقدي وهو متهم بالكذب.
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب: في مختصر سيرة النبي (صـ 59) ولا خلاف أنّ امّه ماتت بين مكة والمدينة بالأبواء منصرفها من المدينة من زيارة أخواله . اهـ
الموضع الثالث الأبطح: فعند أبي يعلي كما في المطالب العالية برقم (861) من حديث ابن مسعود صصص قال بينما نحن مع رسول الله بالأبطح إذا قام رسول الله صصص مستبشرا إلى المقابر فجلس عند قبر منها ثم جلس إلينا كئيباً فقلنا يا رسول الله لقد قمت من عندنا قبل مبشراً ورجعت وأنت كئيب؟ فقال استأذنت ربي أن أزور قبر أمي فأذن لي أو قال فرخص لي فذهبت لأشفع فمنعت"
وهو حديث ضعيف جداً فيه عمرو ابن حصين العقيلي شيخ أبي يعلي وهو متروك.
الموضع الرابع: مكة فعن بريدة قال لما فتح رسول الله مكة أتى جذم قبر- وفي رواية حرم قبر – فجلس إليه وجلس الناس حوله... فقال رسول الله صصص هذا قبر أمي" الحديث
رواه ابن سعد في الطبقات (1/117) وغيره وقال وهذا غلط وليس قبرها بمكة وقبرها بالأبواء
الموضع الخامس: عسفان فعند الطبراني في الكبير (11/374) عن ابن عباس أن رسول الله صصص لما أقبل من غزوة تبوك واعتمر فلما هبط من ثنية عسفان أمر أصحابه أن "يستندوا إلى العقبة" حتى ارجع إليكم فذهب فنزل على قبر أمه فناجى ربه طويلاً ثم إنه بكى فاشتد بكاؤه وبكى هؤلاء لبكائه وقالوا ما بكى نبي الله بهذا المكان إلا وقد أحدث في أمّته شيئاً لا تطيقه فلما بكى هؤلاء قام فرجع إليهم فقال: "ما يبكيكم؟" قالوا يا نبي الله بكينا لبكائك قلنا لعلّه أحدث أمتك شيء لا تطقيه قال "لا وقد كان بعضه ولكن نزلْتُ على قبر أمي فدعوت الله أن يأذن لي في شفاعتها يوم القيامة فأبى الله أن يأذن لي فرحمتها وهي أمي فبكيت" وفي آخر الحديث "وإنما عدل إلى قبر أمه لأنها كانت مدفونة تحت كذا وكذا وكانت عسفان لهم".
قال ابن كثير في تفسيره (4/223 دار الطيبة) وهذا حديث غريب وسياق عجيب
وقال العلامة الألباني في الضعيفة (11/223) لأن إسحاق ابن عبدالله بن كيسان ضعيف جداً وأباه ضعيف. اهـ.
الخلاصة: فإنّ أقوى الأحاديث التي وَرَدَتْ على تعيين قبر أمه حديث بريدة في ودّان وكذا حديثه في مكة وهذا الأخير انتقده ابن سعد كما سبق وأما الأحاديث الأخرى فمما لا يحلّ اعتماده فيتخلّص لنا أن حديث بريده في ودَّان ثابت ولا يخالف هذا قول أهل السيرة في أن قبرها في الأبواء لأن الأبواء وودَّان مكانان متجاوران ويحتمل المكان الذي ذهب إليه أنه الأبواء والله أعلم بالصواب وإليه المئاب.
مأخوذ من شرحِي على "نَظمِ الدُّررِ السَّنِيَّة في السِّيرة الزَّكيَّةِ"(الفية العراقي)