أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


[تنبيه: التفريغ في المرفقات]
الحمد لله وبعد:
فهذا تفريغ للمجلس الثالث من مجالس التعليق على مذكرة الإمام الشنقيطي رحمه الله في أصول الفقه للشيخ أبي العباس الشحري حفظه الله وبارك فيه:
***********
المجلس الثالث:
...مما تقدم الكلام عليه أن المصنف رحمه الله اقتصر - المصنف هو ابن قدامة، والمؤلف هو الشنقيطي رحمه الله- أن المصنف رحمه الله اقتصر على ذكر الأحكام الشرعية دون ذكره الأحكام الأخرى كالعقيلة وغيرها، وعذره في ذلك هو: ما هو عذر المصنف في تركه للأحكام العقلية العادية والعرفية؟ لم يبين سائر أقسام الأحكام لأن المقصود عند الناس ذكر الأحكام الشرعية بالذات، فذكر غيرها لا يحتاج إليه.
مما ذكره المصنف رحمه الله أن الحكم الشرعي تعريفه عند الأصوليين المشهور عندهم إيش يا إخوان تعريفه؟ تعريف الحكم الشرعي..الحكم هو إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه، لكن ما هو الحكم الشرعي في الاصطلاح؟ (خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين من حيث إنه مكلف به).
وما معنى قول المصنف: من حيث إنه مكلف به؟ خرج ما تعلق بذات الله أو بصفته أوبخطابات الملائكة، فمعنى قول المصنف رحمه الله: (من حيث إنه مكلف به) يعني من حيث إنه مطالب به، هذا هو الحكم الشرعي، الخطاب الذي يكون حكما شرعيا هو الذي يطالب به المكلف، الذي يكون فيه مطالبا، هذا يسمى حكما شرعيا، يسمى حكما شرعيا، أما ما تعلق من الخطابات بصفة الله سبحانه كقوله: -(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)- [الإخلاص/1] فهذا لا يسمى حكما شرعيا لأنه لا يتعلق بمطالبة تختص بالله إنما هو لأجل بيان صفة الله سبحانه وتعالى، فالشاهد من هذا قول المصنف رحمه الله: (من حيث إنه مكلف به معناه): من حيث إنه مطالب به، فكل نص فيه مطالبة فهو حكم شرعي، وكل نص ليس فيه حكم شرعي إنما هو صفة للجبال أو للجماد أو هو صفة للملائكة أو من صفات الباري جل وعلا فإنه لا يسمى حكما شرعيا في الاصطلاح.
ومما تقدم الكلام عليه أن الأحكام الشرعية عند الجمهور تنقسم إلى تكليفية ووضعية وسيأتي الكلام على هذا التقسيم في آخر هذا المبحث إن شاء الله.
وأن الأحكام التكليفية كم يا إخوان؟ خمسة هي: الواجب والمحرم، والمندوب والمكروه والمباح، وزاد الحنفية، زادوا إيش يا إخوان؟ زادوا الفرض والكراهة التحريمية، صارت سبعة، مبنى كلامهم على القول بالقطع والظن سيأتي الكلام اليوم عليها.
قال المصنف رحمه الله - سندخل إن شاء الله في الكلام على الواجب، وأما الكلام على الرخضة والعزيمة فسيأتي إن شاء الله تعالى في مبحث من كلام المصنف رحمه الله -، قال رحمه الله وغفر له:
ثم قال: (يعني المصنف، وحد الواجب: ما توعد بالعقاب على تركه): وهذا تعريف من حيث الحكم، أنه ما توعد بالعقاب على تركه، وتقدم في الأصول أن تعريف الشيء بحكمه معيب عندهم، ولهذا سيعقب المصنف رحمه الله ببيان الحد الصحيح.
حكم الواجب أنه متوعد بالعقاب على تركه وهذا تعريف صحيح، لكن الوعيد قد يقع وقد لا يقع.
قال: (وقيل: ما يعاقب تاركه): وهذا حكم منتقد؛ لأن فيه الجزم بالعقاب فهو جار على أصول المعتزلة.
قال: (وقيل: ما يلزم تاركه شرعا العقاب): أيضا هذا مما يجري على اصطلاحات المعتزلة، فإنه لا يلزم العقاب بل قد يقع وقد لا يقع -(إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)- [النساء/116].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (اعلم أولا أن الوجوب فى اللغة هو سقوط الشيء لازما محله كسقوط الشخص ميتا فإنه يسقط لازما محله لانقطاع حركته بالموت، ومنه قوله تعالى : -(فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا)- [الحج/36] أي سقطت ميتة لازمة محلها، وقوله فى الميت: {فإذا وجب فلا تبكين باكية}): والحديث ضعيف ويغني عنه حديث جابر {والمغرب إذا وجبت} يعني سقطت.
قال: (وقول قيس بن الخطيب): شاعر فارسي [أوطاري] مات كافرا، وَوَهَّمَ الحافظ ابن حجر من ذكره في الصحابة، وَهَّم الحافظ من ذكر قيسا في الصحابة لأنه مات كافرا. قال:
(أطاعت بنو عوف أميراً نهاهم عن السلم حتى كان أول واجب)
يعني أول ساقط موتا في المعركة.
قال: (ويطلق الوجوب على اللزوم).
قال: (وفى الاصطلاح عرفه المؤلف بأنه: ما تُوُعِّد بالعقاب على تركه، والوعيد بالعقاب على تركه لا ينافى المغفرة كما بينه تعالى بقوله :-(وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)- [النساء/116] وإن شئت قلت فى حد الواجب: ما أمر به أمرا جازما): هذا التعريف هو الذي عليه العمل أن الواجب ما أمر به أمرا جازما، هذا تعريف الواجب من حيث حقيقة الواجب، وأما الأول من حيث حكم الواجب.
قال رحمه الله تعالى: (وإن شئت قلت فى حد الواجب: ما أمر به أمرا جازما، وضابطه أن فاعله موعود بالثواب وتاركه متوعد بالعقاب كالصلاة والزكاة والصوم).
(قال المؤلف رحمه الله): - وهو ابن قدامة - : (والفرض هو الواجب على إحدى الروايتين ) انتهى من الروضة (م:1 ص:91-92).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فحاصل كلامه أن الفرض هو الواجب على إحدى الروايتين وهو قول الشافعي ومالك): وجمهور العلماء، وهو الصحيح عند المحققين من أهل العلم أن الفرض هو الواجب، إحدى الروايتين عن الإمام احمد وكذلك هو قول الشافعي ومالك، وخالف في ذلك أبو حنيفة وأصحابه، وحاصل تفريق الحنفية باعتبار ما يثبت به الواجب؛ فإن ثبت بطريق قطعي فهو فرض، وإن ثبت بطريق ظني فهو واجب.
قال الحافظ ابن حجر: إن هذا التفريق لا يعرف وهو اصطلاح حادث. أفاده الحافظ في الفتح، أن هذا الاصطلاح اصطلاح حادث، معناه أنه من البدع التي دخلت، فإنه لا دليل على التفريق بين القطعي والظني في الأدلة ولا ضابط له كما سيأتي، فعلى هذا تفريق الحنفية لا دليل عليه ولا قاله أحد من المتقدمين، وهو من المحدثات أفاده الحافظ ابن حجر في الفتح، والعبرة بقول الجمهور وعليه العمل أن الفرض هو الواجب.
قال رحمه الله: (وعلى الرواية الأخرى فالفرض آكد من الواجب، فالفرض ما ثبت بدليل قطعى كالصلاة): ثبتت بالقرآن. (والواجب ما ثبت بدليل ظني كالعمرة عند من أوجبها): ثبتت بالسنة.
قال: (وهو قول أبى حنيفة وقيل :الفرض ما لا يسامح بتركه عمداً ولا سهواً كأركان الصلاة، والواجب ما يسامح فيه إن وقع من غير عمد كالصلاة بالنجاسة عند من يقول بالمسامحة في ذلك).
قال المصنف رحمه الله تعالى وغفر له: (واصطلح كثير من العلماء من مالكية وشافعية وحنابلة على إطلاق الواجب على السنة المؤكدة تأكيدا قويا): أما المالكية فهذا مشهور في كتبهم، وأما الشافعية والحنابلة فلعله يعني مسألة الوسع، وإلا هذا الاصطلاح معروف عن المالكية ومشهور مستعمل كما نبه عليه الحافظ، ولابن رشد أيضا كلام حول هذا. الحاصل أن معرفة اصطلاحات العلماء من الفوائد. فمن أهل العلم من المالكية من يطلق الواجب على السنة المؤكدة، يعني على معنى الإلزام، وكذلك وجد في صنيع بعض الحنابلة كقول أحمد: إن الوتر واجب قد يحمل على هذا، كذلك ما يقوله بعض الشافعية من نحو هذه العبارات في مثل مسألة الوتر وإنما هو سنة مؤكدة عند جميعهم.
(قال المصنف رحمه الله تعالى: فصل: قال المؤلف رحمه الله: والواجب ينقسم إلى معين وإلى مبهم في أقسام محصورة): انتهى من روضة الناظر(م:1/ص:93).
(قال المصنف رحمه الله تعالى وغفر له: اعلم أن الواجب ينقسم ثلاثة تقسيمات:ينقسم باعتبار ذاته): يعني حقيقته، باعتبار ذاته يعني باعتباره حقيقته إلى واجب معين لا يقوم غيره مقامه، فالصوم والصلاة لا يحل هذا في محل هذا أبدا.
قال: (وإلى مبهم في أقسام محصورة فهو واجب لا بعينه كواحدة من خصال الكفارة في قوله تعالى: [فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة](، الشاهد الواجب واحد من هذه الخصال المحصورة في ثلاث خصال: إما الصيام وإما الإطعام وإما الكسوة، الأقسام محصورة وهي ثلاثة، والمطالب به واحد من هذه الثلاثة.
قال المصنف رحمه الله: (وإلى مبهم في أقسام محصورة وهو واجب لابعينه، كواحدة من خصال الكفارة في قوله تعالى: -(فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ)- [المائدة/89] الآية).
قال: (فالواجب واحد منها لا بعينه فأي واحد فعله الحانث أجزأه).
قال: (وزعم المعتزلة أن التخيير المطلق ينافي ذلك الوجوب باطل): أولا هذا القول قول بعض المعتزلة لا جميع المعتزلة، هذا القول قول بعض المعتزلة لا جميعهم، نُسب إلى الجبائي وابنه وأبي هاشم، هذا القول نُسب إلى الجبائي وابنه وإلى أبي هاشم، ونسبه ..في التحرير إلى القاضي أبي يعلى.
وهنا استشكل ابن بدران في حاشيته على روضة الناظر المسمى نزهة الخاطر العاطر أنه لا كتاب معتمد في نقل مذاهب المعتزلة فيخشى من التقول عليهم، هذا حاصل إيراد ابن بدران.
قال المصنف رحمه الله: (وزعم المعتزلة أن التخيير مطلقا ينافي ذلك الوجوب) يعني كيف يكون التكفير في هذه الآية واجبا وهو مخير فيه وإنما التخيير في المندوبات إن شئت فافعل وإن شئت فلا تفعل، هكذا يفعل المعتزلة، قالوا التخيير ينافي الوجوب والإلزام، والتخيير ليس بإلزام.
قال رحمه الله تعالى: (وزعم المعتزلة أن التخيير مطلقا ينافي ذلك الوجوب باطل لأنه لم يخير بين الفعل والترك تخييرا مطلقا حتى ينافي ذلك الوجوب، بل لا يجوز ترك بعضها إلا مشروطا بفعل بعض آخر منها، فلو ترك جميعها لكان آثما ولا خيار له في ترك الجميع، ولا يجب عليه فعل جميعها إجماعا، فتبين أن الواجب واحد منها بعينه لأن كل واحد منها يفي بالمقصود الشرعي ولا يقصر دون واحد منها، وكذلك غير المحصورة في إعتاق رقبة في الظهار أو اليمين فإن الواجب رقبة لا بعينها من غير حصر لما تجب منه ونظير ذلك تزويج المرأة الطالبة للنكاح من أحد الكفئين الخاطبين، وعقد الإمامة لأحد الرجلين الصالحين): كل هذا لا تخيير فيه بين الفعل والترك وإنما تخيير بين الأفراد المذكورة فإن تركت جميعا أثموا.
قال رحمه الله تعالى: (ونظير ذلك تزويج المرأة الطالبة للنكاح من أحد الكفئين الخاطبين، وعقد الإمامة لأحد الرجلين الصالحين، فإن كل ذلك يجب فيه واحد لا بعينه، ولا يمكن أن يقال فيه بإيجاب الجميع ولا بسقوط إيجاب الجميع كما ترى) وللمصنف رحمه الله تعالى بحث في كتابه نثر الورود (م:1/ص:224-225) نحو هذا.
قال رحمه الله: (وينقسم - هذا كلام واضح - وينقسم الواجب أيضا باعتبار وقته إلى مضيق وموسع، فالواجب المضيق هو ما وقته مضيق، وضابط ما وقته مضيق واجبا كان أو غيره هو ما لا يسع وقته أكثر من فعله كصوم رمضان في الواجب): لا يمكن أن يكون صائما لرمضان وفي نفس الوقت متنفلا بالصيام لأيام أخر، لا يجزئ. إذن الصيام وقته ضيق.

قال رحمه الله: (وستة من شوال عند من يقول بأنها لا بد أن تكون متتابعة تلي يوم الفطر، وهو ظاهر حديث أبى أيوب: حديث أبي أيوب أخرجه مسلم ولفظه: {من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر} ظاهر الحديث: {ثم اتبعه}).
قال رحمه الله تعالى: (وستة من شوال عند من يقول بأنها لا بد أن تكون متتابعة تلي يوم الفطر، وهو ظاهر حديث أبى أيوب وحديث ثوبان): حديث ثوبان عند الإمام أحمد بسند صحيح: {من صام رمضان فشهرا بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعد الفطر بعد ذلك تمام صيام سنة} أخرجه الجماعة وهو حديث صحيح.
قال: (والأيام البيض فى غير الواجب): والأيام البيض حديثها ثابت في حديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وفي تحديد الأيام البيض بحث يحتاج أن يُتأمل فيه.
قال رحمه الله تعالى: (والواجب الموسع هو ما يسع وقته أكثر من فعله كالصلواة الخمس): يصلي الصلاة ثم يتنفل ما شاء وقته واسع، وله أن يؤخر الصلاة قليلا، على ألا يخرجها عن وقتها، وهذا في مثل الظهر والعصر والعشاء.
قال رحمه الله تعالى: (ومثاله في غير الواجب الوتر وركعتا الفجر والعيدان والضحى).

قال: (والوقت في الاصطلاح هو الزمن الذي قدره الشارع للعبادة، وما زعمه بعضهم): بعض الحنفية وبعض الشافعية، وليسوا على وفاق في كلامهم بل هم مختلفون، ليسوا على وفاق بل هم مختلفون.

طيب إن شاء الله تعالى نقف هنا ونكمل...