أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
إنّ الغالب في عبارة المتقدّمين استعمال الكراهة في معنى التحريم؛ تورُّعا وخوفا وكراهة أن يتناولهم قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل: 116]، ووقع ذلك في عبارة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد (راجع الصيدلاني عن البحر للزركشي، والإعلام لابن القيم، وما يأتي)، وقد روي أن أبا يوسف رحمه الله تعالى قال لأبي حنيفة رحمه الله: إذا قلتَ في شيء: "أكرهه"، فما رأيك فيه؟ قال: "التحريم"، وفي لفظ: (إلى الحرمة أقرب). (انظر: المبسوط للسرخسي). وقال ابن وهب: "قال لي مالك: لم يكن من فتيا المسلمين أن يقولوا: هذا حرام وهذا حلال، ولكن يقولون: إنا نكره هذا ...". (أحكام القرآن لابن العربي). قال ابن العربي: "وما يؤدي إليه الاجتهاد في أنه حرام، يقول: إني أكره كذا، وكذلك كان مالك يفعل؛ اقتداء بمن تقدم من أهل الفتوى". (أحكام القرآن، سابق).
وأمّا إطلاق الكراهة على التنزيه دون التحريم، وتخصيص التحريم بلفظ التحريم والمنع وأشباه ذلك، إنما هو اصطلاح للمتأخّرين، جرّ إلى انحراف في حمل الألفاظ على غير محملها، وصرف لها عن دلالتها عند أصحابها، وقد "غلط كثير من المتأخّرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك ...، فنفى المتأخّرون التحريم عما أَطلق عليه الأئمّة الكراهة، ثم سهل عليهم لفظ الكراهة، وخفّت مؤنته عليهم، فحمله بعضهم على التنزيه، وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأَوْلَى، وهذا كثير جدّا في تصرّفاتهم؛ فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة، وقد قال الإمام أحمد في الجمع بين الأختين بملك اليمين: "أكرهه، ولا أقول هو حرام" ومذهبه تحريمه". (إعلام الموقعين لابن القيم).
والحمد لله رب العالمين.