أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


[تنبيه: التفريغ في المرفقات]
الحمد لله وبعد:
فهذا تفريغ للمجلس الثاني من مجالس التعليق على مذكرة الإمام الشنقيطي رحمه الله في أصول الفقه للشيخ أبي العباس الشحري حفظه الله وبارك فيه:
***********
المجلس الثاني:
********
قال رحمه الله تعالى: (والحكم فى الاصطلاح) يعني في اصطلاح الأصوليين، (والحكم فى الاصطلاح) يعني اصطلاح أهل هذا الفن.
قال: (والحكم فى الاصطلاح هو: إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه، نحو زياد قائم): في هذا المثال أثبت القيام لزيد، أثبت حكما هو القيام لزيد.
قال: (وعمرو ليس بقائم): في هذا المثال أثبت حكما آخر هو عدم القيام لعمرو.
قال رحمه الله تعالى: (وهو ينقسم بدليل الاستقراء): والاستقراء هو تتبع الأجزاء والإتيان بالحكم العام المشترك فيها، هذا هو الاستقراء، فالاستقراء يثبت أحكاما وهو حجة بإجماع العلماء.
قال رحمه الله تعالى: (وهو ينقسم بدليل الاستقراء إلى ثلاثة أقسام).
قال: (الأول:حكم عقلي وهو ما يعرف فيه العقل النسبة إيجاباً أو سلباً نحو الكل أكبر من الجزء إيجاباً): هذا حكم أُدرك بالعقل فسمي حكما عقليا، لماذا؟ لأن المُدرِكَ له هو العقل، أدرك العقل أن الكل أكبر من الجزء.
قال رحمه الله تعالى: (الجزء ليس أكبر من الكل سلباً): يعني قضية سلبية ليس الجزء أكبر من الكل كلام منفي يسميه العقلانيون سلبيا، ويسميه النحاة ونحوهم منفيا، فهذا حكم أُدرك بالعقل.
قال رحمه الله تعالى: (الثاني: حكم عادى): العادي نسبة إلى العادة، وهي ما يكثر عوده يسمى عادة، ويطلق أيضا على الأمر القديم، الشاهد أنه أمر أدرك بما اعتاده الناس.
قال رحمه الله تعالى: (وهو ما عرفت فيه النسبة يعني بين الشيئين بالعادة) يعني بما اعتاده الناس وتعوده الناس ويسمى عرفا.
قال: (نحو السيقمونيا): وهي عبارة عن خليط من العسل والزنجبيل هذا مركب علاجي من العسل والزنجبيل، عرف عند الناس.
قال رحمه الله: (مسهل للصفراء) مرض من الأمراض عرف في عادة الناس أن علاجه كذا.
قال: (والسكنجبين) والسكنجبين معروف.
قال: (مُسَكِّنٌ لها): أيضا هذه جميعا عرفت بالعادة والعرف، هذا حكم عرفي، هذا حكم أدرك بالعرف.
قال: (الثالث: حكم شرعي). قال: (وهو المقصود): وهو الذي اقتصر عليه المصنف رحمه الله، وابن قدامة اقتصر على هذا وهو المقصود عند الناس، لكن يُذكر الأول من باب معرفة الشيء.
قال: (وهو المقصود، وَحَدَّهُ): يعني عَرَّفَهُ، الحد هو التعريف. (وَحَدَّهُ جماعة من أهل الأصول بأنه: خطاب الله المتعلق بفعل المكلف من حيث إنه مكلف به): هذا تعريف أكثر المتأخرين من العلماء، وهناك حدود أخرى لكن هذا أحسن التعاريف، وهو تعريف أكثر المتأخرين من العلماء.
(خطاب الله) وخطاب الله هو الكلام الذي يقصد منه إفهام الفاهم، إفهام من هو متهيئ للفهم، هذا معنى الخطاب عند الأصوليين، الكلام الذي يقصد منه إفهام من هو متهيئ للفهم هذا معنى الخطاب عند الأصوليين كما قال الزركشي في البحر.
وهو كلام الله سبحانه وتعالى حقيقة وهو القرآن، وهو أيضا كلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو سنته الثابتة الصحيحة، هذا هو خطاب الله.
بعض الحنابلة كالطوفي يقولون مقتضى الخطاب، ومن عَرَفَ معنى الخطاب عند الأصوليين أدرك أن مثل هذا مما لا يحتاج له. بعضهم يقول: مقتضى الخطاب يعني الذي يقتضيه الخطاب ويفيده الخطاب من أمر أو نهي أو حكم شرعي آخر. والجواب أن الخطاب هو نفسه ما يفهم منه ذلك فلا داعي لذلك.
قال رحمه الله تعالى: (فخرج بقوله: خطاب الله خطاب غيره لأنه لا حكم شرعيا إلا لله وحده جل وعلا فكل تشريع من غيره باطل ، قال تعالى: -(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)- [الأنعام/57]) وهذا أبلغ صيغ الحصر أو من أبلغ صيغ الحصر -(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)- [الأنعام/57] فلا حكم لغير الله سبحانه وتعالى.
(-(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)- [الشورى/10] -(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)- [النساء/59] الآية): فالحكم لله سبحانه وتعالى -(فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ)- [غافر/12] الحكم لله وحده لا شريك له.
قال: (وخرج بقوله: المتعلق بفعل المكلف ما تعلق بذات الله تعالى نحو "لا اله الا الله"): الخطاب أنواع، الخطاب الموجود وكلام الله سبحانه وتعالى أنواع:

  • فمنه ما يتعلق بصفة الباري سبحانه، وصفة ذاته سبحانه.
  • ومنه ما يتعلق بفعل الناس.
  • ومنه ما يتعلق بالجمادات.
  • ومنه ما يتعلق بالملائكة.

ما هو الحكم الشرعي؟ الخطاب المراد في تعريف الحكم الشرعي ما تعلق بأفعال الناس.
قال رحمه الله تعالى: (وخرج بقوله: المتعلق بفعل المكلف ما تعلق بذات الله تعالى نحو: لا اله الا الله): هذا النص فيه إثبات الإلهية لله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له.
قال: (وما تعلق بفعله نحو قوله تعالى: -(خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)- [الأنعام/102]): هذا توحيد الربوبية إفراد الله سبحانه وتعالى بأفعاله، فهذا الموضع فيه المراد من الخطاب إثبات صفة لله جل وعلا فعلية -(خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)- [الأنعام/102].
قال: (وما يتعلق بذوات المكلفين نحو: -(وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ)- [الأعراف/11] الآية): هذا على سبيل الامتنان، ولا يراد بهذه الآية الأمر والنهي إنما يراد الامتنان والتذكير.
قال: (وما تعلق بالجمادات نحو -(وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً)- [الكهف/47]): هذا الخطاب من الله سبحانه وتعالى المراد به نفع الناس وتذكيرهم، وذكر صفات الجمادات وأنها يوم القيامة تسير.
قال رحمه الله: (وخرج بقوله: من حيث إنه مكلف به: خطاب الله تعالى المتعلق بفعل المكلف لا من حيث إنه مكلف به كقوله تعالى: -(يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)- [الإنفطار/12] فإنه خطاب من الله متعلق بفعل المكلف من حيث إن الحفظة يعلمونه): فقوله: -(يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)- [الإنفطار/12] المراد منه الملائكة الحفظة -(يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)- [الإنفطار/12].
(لا من حيث إنه مكلف به): إنما هذا خطاب في صفة الملائكة.
الحاصل من هذا: أن الخطاب الذي هو حكم شرعي ما تعلق بفعل الناس وأقوالهم وعقائدهم.
قال رحمه الله تعالى: (واعلم أن عبارات الأصوليين اضطربت في تعريف الحكم الشرعى): ولو نظرت في المطولات رأيت صحة كلام المصنف رحمه الله، اضطربوا غاية الاضطراب، وسبب اضطرابهم اختلاف العقائد.
قال: (وسبب اضطرابها أمران): هذا من علم المصنف رحمه الله وتحريره، فهذا من فوائد هذا الكتاب: بيان أسرار اختلاف الأصوليين لاسيما ما يعود إلى الاعتقاد.
قال: (وسبب اضطرابها): يعني تعاريف الأصوليين وكلماتهم في تعريف الحكم الشرعي. (سبب اضطرابها أمران: أحدهما أن بعض المكلفين غير موجود وقت الخطاب والمعدوم ليس بشيء حتى يخاطب): هذا قول المعتزلة، قالوا: لا يؤمر بالخطاب معدوم إنما الأمر لمأمور موجود، والمعدوم لا يخاطب، فشرط الأمر وجود المأمور، ولا يكون أمرا والمأمور غير موجود، قالوا: وشرطه أيضا القدرة، وشرط القدرة وجود المقدور، هكذا قالت المعتزلة، هذا قول المعتزلة.
حاصل هذا الإشكال: أن القرآن الذي نزل وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم خاص بالصحابة رضي الله عنهم لأنهم موجودون في وقت الخطاب، أما الذين لم يوجدوا فيحتاجون إلى نصوص عديدة، هكذا قالت المعتزلة، فمن جاء من بعد المعتزلة يحتاج إلى دليل على دخوله في النصوص التي نزلت على الصحابة من كتاب أو من سنة، هكذا قالت المعتزلة. أصل شبهتها: المعدوم ليس بشيء فكيف يخاطب؟ هذا كلام المعتزلة وهذه شبهتهم، وثمرة خلافهم أن من لم يكن موجودا حال الأمر بالصلاة للناس فإنه لا يؤمر بالصلاة إلا بدليل، هكذا قالت المعتزلة.
والرد على هؤلاء من النقل ومن العلق ويكفينا النقل، فمن النقل قوله سبحانه وتعالى: -(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)- [الأعراف/158] هذا خطاب لجنس الناس، وأصرح منه قوله سبحانه وتعالى: -(وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ)- [الأنعام/19] فهذا نص من كلام الله سبحانه وتعالى على أن هذا القرآن الذي جاء به المعصوم صلى الله عليه وسلم خطاب للناس الموجودين ولمن سيوجد.
ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: {ألا ليبلغ الشاهد الغائب}.
ومن حيث العقل أيضا: العقل الغائب حكمه حكم المعدوم، ومع هذا فإنه عندكم مخاطب، والغائب بالمكان كالغائب بالزمان لا فرق بينهما، فمن لم يحضر حين الخطاب وكان بالشام كمن لم يحضر لأنه ما ولد إلا بعد الخمسمائة لا فرق.
الشاهد هذا قول المعتزلة هذا أصل شبهتهم، وهذا الرد عليهم.
قال رحمه الله تعالى: (ثانيهما زعمهم أن الخطاب هو نفس المعنى الأزلي): وسيأتي بحث مسألة المعتزلة في باب الأمر عند قوله: وهل يؤمر المعدوم أو بهذا المعنى، سيأتي عند هذه العبارة الكلام على هذه المسألة مفصلة إن شاء الله تعالى.
قال: (ثانيهما) يعني من أسباب اضطراب الأصوليين في تعريف الحكم الشرعي (زعمهم أن الخطاب هو نفس المعنى الأزلي القائم بالذات المجرد عن الصيغة): هذا كلام الأشاعرة، إذن السبب الأول سبب معتزلي، والسبب الثاني سبب أشعري، أدى هذا إلى اضطراب الأصوليين بحسب مشرب كل شارب، فالمعتزلي يبني على عقيدة المعتزلة، والأشعري يبني على عقيدة الأشعرية، الأشعرية يقولون بالكلام النفسي، وأن كلام الله لا حروف له ولا أصوات ولا صيغ، وهذا ضلال مبين.
قال المصنف رحمه الله: (وسنبين إن شاء الله تعالى غلطهم الذى سبب لهم تلك الإشكالات فى مبحث الأمر): وأيضا في مباحث أخرى سيأتي ذكرها.
الشاهد أن من أكان معتزليا ضل، ومن كان أشعريا ضل، وكلام الله سبحانه وتعالى عقيدة أهل السنة والجماعة أنه حقيقة تكلم الله سبحانه وتعالى حقيقة بحرف وصوت، وأن الكلام صفة ذاتية لله سبحانه وتعالى، فعلية يتكلم سبحانه وتعالى متى شاء وكيف شاء سبحانه وتعالى ، سيأتي الكلام على هذا مفصلا.
قال: (واعلم أن الحكم الشرعي قسمان: أولهما تكليفي وهو خمسة أقسام: الواجب والمندوب والمباح والمكروه والحرام): هذا عند جمهور العلماء، ونازع الحنفية في هذا فقالوا سبعة، وسبب نزاعهم القول بالقطع والظن بالأدلة، تقسيم الأدلة إلى قطعي وظني هذا سبب ضلال أو سبب خطأ الحنفية في هذا الباب، الأمر الذي ثبت بدليل قطعي هو الفرض عندهم، والذي ثبت بدليل ظني هو الواجب عندهم، والنهي إن كان بدليل قطعي فهو المحرم، وإن كان بدليل ظني فهو الكراهة التنزيهية، وهذا تفريق لا يعرف عن السلف ولا ضابط له، ولا هو معتبر. والصواب ما عليه جمهور العلماء وهذا القول [و] التقسيم من آفات القول بالقطع والظن وهو تقسيم باطل كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في مبحث السنة عند القول بتقسيم السنة إلى آحاد ومتواتر.
قال: (والثانى خطاب الوضع وهو أربعة أقسام: العلل والأسباب والشروط والموانع، وأدخل بعضهم فيه الصحة والفساد والرخصة والعزيمة، وبعضهم بجعل الصحة والفساد من خطاب التكليف): هذا المراد به الشيرازي رحمه الله في اللمع والجويني في الورقات)[1](، وعلى هذا بعض العلماء يجعلون الصحة والفساد من خطاب التكليف، تقدم بيان هذا في الورقات وأن هذا المسلك فيه نظر، وأما التقاسيم الأخرى سيأتي الكلام عليها إن شاء الله.
قال: (إذا علمت ذلك فهذه تفاصيل الأحكام الشرعية.
قال المؤلف - رحمه الله - : أقسام أحكام التكليف خمسة (واجب ومندوب ومباح ومكروه ومحظور): هذا في الروضة في (م1/ص90).
قال المصنف رحمه الله: (التكليف لغة هو إلزام ما فيه كلفة أي مشقة): هذا و التكليف من حيث اللغة.
قال: (ومنه قول الخنساء : يكلفه القوم ما نابهم) يعني في مدح أخيها صخر.
(يكلفه القوم ما نابهم) وفي الديوان: ما عالهم بالعين أي ما غلب عليهم وثَقُلَ.
(يكلفه القوم ما نابهم****وإن كان أصغرهم مولدا)
يعني يحملونه المشاق.
قال: (وقول علقمة بن عَبَدَة) بفتح العين والباء، والعَبَدَة محركة جميعا معناها القوة، وهذا شاعر جاهلي من أقران امرئ القيس يلقب بعلقمة الفحل التميمى :
قال: (وقول علقمة بن عَبَدَة التميمى: تكلفنى ليلى وقد شط وليها) الولي هو القريب، وشط بمعنى بَعُدَ، يعني تحملني ليلى أشياء امتحانا لي وقد بعد قربها مني.
قال: (وعادت عواد بيننا وخطوب).
قال: (وحده فى الاصطلاح قيل(إلزام ما فيه مشقة) وقيل طلب ما فيه مشقة).
قال: (فعلى الأول) يعني الإلزام، التكليف إن قيل إنه إلزام ما فيه مشقة أو قيل فيه طلب ما فيه مشقة، فإن الواجب والحرام لا يدخلان كما سيأتي على تفصيل المصنف رحمه الله.
قال: (فعلى الأول لا يدخل فى حده إلا الواجب والحرام): لأن المكروه لا إلزام فيه، والمندوب لا إلزام فيه، والمباح لا إلزام فيه، فلا يكون تكليفا على التعريف الأول.
قال رحمه الله تعالى: (اذ لا إلزام بغيرهما): يعني من الأحكام وهي ثلاثة: المندوب والمباح والمكروه.
قال: (وعلى الثاني): يعني تعريف من قال طلب ما فيه مشقة وهو أرجح (يدخل معهما المندوب والمكروه لأن الأربعة مطلوبة).
قال رحمه الله تعالى: (وأما الجائز فلا يدخل فى تعريف من تعاريف التكليف إذ لا طلب به أصلا): يعني المباح أنت مخير فيه، وليس مطلوبا منك فعله ولا مطلوبا منك تركه، بل هو مباح واسع جائز، إن شئت فافعل بلا أجر، وإن شئت لا تفعل بلا وزر، إلا ما كان متعلقا بأمر آخر كما سيأتي.
قال: (وأما الجائز فلا يدخل فى تعريف من تعاريف التكليف إذ لا طلب به أصلا فعلا ولا تركا وإنما أدخلوه في أقسام التكليف مسامحة وتكميلا للقسمة): يعني أن الشيء إما أن يؤمر به فيكون على جهة الإلزام وهو الواجب، [و] إما أن يؤمر به لا على جهة الإلزام وهو المندوب، وإما أن ينهى عنه جزما فهو المحرم، وإما أن ينهى عنه بغير جزم وهو المكروه، وإما لا أمر ولا نهي وهو المباح تكملة للقسمة، هذا القول ذكره المصنف رحمه الله واختاره أيضا ابن قدامة في الروضة وفيه نظر؛ والصواب: أن إدخال المباح إنما هو لاعتقاد إباحته، إنما أدخل المباح في أحكام التكليف وصار فيه نوع تكليف لأجل اعتقاد إباحته، فإن الأحكام إذا نظرت لها فلها جهتان:

  • جهة اعتقاد ما في تلك الأحكام من وجوب أو ندب أو إباحة أو نحوها.
  • وجهة عمل بها.

فالواجب يجب اعتقاد وجوبه، ويجب العمل بوجوبه، فمن لم يعتقد الشيء واجبا فهذا يكفر، ومن لم يعتقد الحرام حراما فهو يكفر وهكذا. وأما من لم يعمل بالواجب فهو آثم، وقد يكفر على قول بعض العلماء كتارك الصلاة مثلا أو المباني الأربعة، لكن الأصل فيه أنه لا يكفر تارك الواجب يعني فاعله، كذلك فاعل المحرم الذي ليس بكفر لا يلزم كفره لمجرد فعل الفعل، فدل هذا على أن الاعتقاد هو الأصل، وأن المباح من اعتقد وجوبه ونسب ذلك إلى الشرع فأقل أحواله أن يكون مبتدعا، من أخذ مباحا فاعتقد وجوبه أو ندبه ونسب ذلك إلى الشرع فأقل أحواله أن يكون مبتدعا، وقد يكفر لقوله سبحانه وتعالى: -(أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)- [الشورى/21] فجعل الله سبحانه وتعالى ذلك شركا.
فالصحيح الراجح في المسألة أن إدخال المباح لاعتقاد إباحته وليس مسامحة ولا تتميما للقسمة.
قال رحمه الله تعالى: (وإنما أدخلوه في أقسام التكليف مسامحة وتكميلا للقسمة المشار إليها بقول المؤلف: وجه هذه القسمة أن خطاب الشرع إما أن يرد باقتضاء الفعل أو الترك أو التخير بينهما، فالذي يرد باقتضاء الفعل أمر، فإن اقترن به إشعار بعدم العقاب على الترك فهو ندب، وإلا فيكون إيجابا، والذي يرد باقتضاء الترك نهي، فان أشعر بعدم العقاب على الفعل فكراهة، وإلا فحظر) كلامه واضح). انتهى من الروضة (م1/ص:90).
طيب إن شاء الله تعالى نقف هنا ونكمل غدا ما بقي من كلام المصنف...
)[1]( - نسبة هذا للجويني في الورقات فيه نظر، وذلك أنه رحمه الله أطلق القول؛ فقال: والأحكام سبعة: الواجب والمندوب، والمباح، والمحظور والمكروه، والصحيح والباطل. اهـ فأطلق القول لتعم الأحكام الشرعية التكليفية والوضعية ولم يخص القول بالأحكام التكليفية، إلا أنه لم يستوعبها. ينظر: شرح الورقات للشيخ سعد الشثري (ص:32-34). وكذا الشرح الصوتي للشيخ الشارح أبي العباس الشحري حفظه الله لمتن الورقات الشريط الثاني: (د:16.30).


الملفات المرفقة 2.doc‏ (61.0 كيلوبايت)