أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.

تذكير أهل الإسلام بفضل إطعام الطعام

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن مما عُرف به العرب قبل الإسلام أيها الكرام حرصُهم على إكرام الضيف وإطعام الطعام، ولهذا كان يُضرب المثل بمن اشتهر منهم بذلك بين الأنام، يقول الإمام ابن حبان –رحمه الله-:" كل من ساد في الجاهلية والإسلام حتى عُرف بالسؤدد وانقاد له قومه ورحل إليه القريب والقاصي لم يكن كمال سؤدده إلا بإطعام الطعام وإكرام الضيف ،والعرب لم تكن تعد الجود إلا قرى الضيف وإطعام الطعام، ولا تعد السخي من لم يكن فيه ذلك، حتى إن أحدهم ربما سار في طلب الضيف الميل والميلين".روضة العقلاء (ص 259)
ولقد أكد ديننا الحنيف على هذه الخصلة الكريمة والصفة الحميدة وحث عليها، لما فيها من كسب القلوب وتقريب الناس إلى دين علام الغيوب.
يقول الشيخ الألباني –رحمه الله- :" إطعام الطعام وهو من العادات الجميلة التي امتاز بها العرب على غيرهم من الأمم، ثم جاء الإسلام و أكد ذلك أيما توكيد". السلسلة الصحيحة (1/43)
فكانت هذه الخصلة من أوائل ما أوصى به خير المرسلين بعد أن دعا الناس إلى التوحيد وعبادة رب العالمين،، لما فيها من خير كثير وفضل كبير يعود على المسلمين،وعلى كل من حرص على ذلك في الدارين، فعن عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أَيُّهَا الناس أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تدخلون الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ". رواه الترمذي (2485)، وصححه الشيخ الألباني – رحمه الله-.
يقول المناوي –رحمه الله- :"(وأطعموا الطعام ) للبر والفاجر (وأفشوا السلام ) أي: أظهروه وعموا به الناس ولا تخصوا المعارف ( تدخلوا الجنة بسلام ) أي: فإنكم إذا فعلتم ذلك ومتم عليه دخلتم الجنة آمنين لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون". التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 167)
وعن عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما- أَنَّ رَجُلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قال:" تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ على من عَرَفْتَ وَمَنْ لم تَعْرِفْ".رواه البخاري (12) ومسلم (39) واللفظ له.
يقول الإمام النووي –رحمه الله- :" وفى هذه الأحاديث جمل من العلم، ففيها الحث على إطعام الطعام والجود، والاعتناء بنفع المسلمين والكف عما يؤذيهم بقول أو فعل بمباشرة أو سبب،والإمساك عن احتقارهم، وفيها الحث على تألف قلوب المسلمين واجتماع كلمتهم وتوادهم...".الشرح على صحيح مسلم (2/10)
فأصبح أيها الأحبة الكرام بذل الطعام للأنام من صفات الأخيار، وعلامات الأبرار، كما أخبرنا بذلك العزيز الجبار ، حيث قال العزيز الغفار:(ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) [ الإنسان:8 ]
يقول الإمام ابن كثير –رحمه الله- :"قيل على حب الله تعالى وجعلوا الضمير عائدا إلى الله عز وجل لدلالة السياق عليه، والأظهر أن الضمير عائد على الطعام، أي: ويطعمون الطعام في حال محبتهم له وشهوتهم له". تفسير ابن كثير (4/ 455)
وكذلك كما أخبرنا به النبي المختار،فعن صهيب الرومي-رضي الله عنه-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : "خِيَارُكُمْ من أَطْعَمَ الطَّعَامَ ". رواه الإمام أحمد في مسنده ( 6/16)، وصححه الشيخ الألباني - رحمه الله- في السلسلة الصحيحة (44)
يقول الإمام ابن حبان –رحمه الله- :"إني لأستحب للعاقل المداومة على إطعام الطعام، والمواظبة على قِرى الضيف، لأن إطعام الطعام من أشرف أركان الندى ومن أعظم مراتب ذوي الحجى، ومن أحسن خصال أولي النهى، ومن عرف بإطعام الطعام شرف عند الشاهد والغائب،وقصده الراضي والعاتب، وقِرى الضيف يرفع المرء وإن رقَّ نسبه إلى منتهى بغيته ونهاية محبته، ويشرفه برفيع الذكر وكمال الذخر". روضة العقلاء ( ص 258)
قد يقول القائل أيها الأفاضل لقد حث شرعنا الكريم كما في ظاهر هذه النصوص على إطعام الطعام وبذله للأنام مطلقا سواء كانوا أتقياء بررة،أو كانوا عصاة فجرة،فكيف نجمع بينها وبين ما جاء من حديث أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لَا تُصَاحِبْ إلا مُؤْمِنًا، ولا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إلا تَقِيٌّ".رواه أبو داود(4832)،وحسنه الشيخ الألباني-رحمه الله-.
يقول المناوي –رحمه الله-:"وأما خبر (لا يأكل طعامك إلا تقي)،فالمراد غير الضيافة مما هو أعلى في الإكرام من مؤاكلتك معه، وإتحافك إياه بالظرف واللطف ".فيض القدير ( 4/260)
ويقول العظيم آبادي –رحمه الله- :"(ولا يأكل طعامك إلا تقي) أي: متورع ، والأكل وإن نسب إلى التقي ففي الحقيقة مسند إلى صاحب الطعام، فالمعنى لا تطعم طعامك إلا تقيا.
قال الخطابي : إنما جاء هذا في طعام الدعوة دون طعام الحاجة وذلك أن الله سبحانه قال: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) [ الإنسان: 8].
ومعلوم أن أسراهم كانوا كفارا غير مؤمنين ولا أتقياء، وإنما حذر عليه السلام من صحبة من ليس بتقي وزجر عن مخالطته ومؤاكلته، فإن المطاعمة توقع الألفة والمودة في القلوب".عون المعبود ( 13/123)
ويقول الإمام عبد العزيز بن باز–رحمه الله-:"(لا يأكل طعامك إلا تقي) أي: لا تدعو إلى طعامك إلا الأخيار، لا تدعوا الفساق والكفار ، قال العلماء: هذا فيما يختار يختاره الإنسان ويتخذه عادةً له.
أما الضيوف فلهم شأن آخر،الضيوف لا مانع من أن يقدم لهم الطعام،وإن كانوا ليسوا أتقياء".منقول من موقع الشيخ ابن باز –رحمه الله-.
إن إطعام الطعام أيها الأحبة الكرام ليس قاصرا كما يظن البعض فقط! على الأهل والأبناء و على المساكين والفقراء،وإنما هو أوسع من ذلك كما أخبرنا سيد الأنبياء وإمام الأتقياء.
فيُطعم ويُكرم المرء ضيفه بما يستطيع!لأن هذا مما يجب عليه، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كان يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ".رواه البخاري (5672) ومسلم (47)
يقول ابن الجوزي –رحمه الله- :" وكرامته أن يكرمه لوجه الله وتكون ضيافته من حلال وأما من أنفق على ضيفه من حرام فإنه لا ثواب له ".بستان الواعظين ورياض السامعين (ص 60)
ويقول العلامة عبد العزيز بن باز –رحمه الله- :" فإكرام الضيف مأمور به شرعاً ولو كان غير مسلم ، وفي إكرامه دعوة إلى الإسلام، وتوجيه له إلى الخير ليعرف محاسن الإسلام ومكارم الأخلاق ".منقول من موقع الشيخ ابن باز –رحمه الله-.
ويحرص المرء أيضا على إطعام جاره الذي أُمر بالإحسان إليه واحترامه، فعن أبي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قال :" إِنَّ خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم أَوْصَانِي إذا طَبَخْتَ مَرَقًا فَأَكْثِرْ مَاءَهُ ثُمَّ أنظر أَهْلَ بَيْتٍ من جِيرَانِكَ فَأَصِبْهُمْ منها بِمَعْرُوفٍ ". رواه مسلم ( 2625)
قال محمد بن علاَّن الشافعي -رحمه الله- :"ففي الحديث الحض على مكارم الأخلاق والإرشاد لمحاسنها،لما يترتب عليه من المحبة والألفة ولما يحصل به من المنفعة ودفع الحاجة والمفسدة،فقد يتأذى الجار بقِتار قِدْرِ جاره -أي برائحة قدر جاره- وعياله وصغار ولده ولا يقدر على التوصل لذلك، فتهيج من صغارهم الشهوة ،ويقوم على القائم بهم الألم والكلفة،وربما كان يتيماً أو أرملة فتكون المشقة أعظم وتشتد منهم الحسرة والألم،وكل ذلك لَيَندفع بتشريكهم في شيء من الطبخ، فلا أقَبح مِن مَنْعِ هذا اليسير المترتب عليه هذا الضرر الكبير". دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين(3/136)
وعلى المسلم أن يستحضر عند إطعامه للآخرين أنه يتعبد بذلك لرب العالمين،فعليه أن يحذر أشد الحذر من العجب والرياء وغير ذلك من مفسدات الأعمال !وليُخلص في عمله للكبير المتعال، و عليه أيضا أن يجتنب التبذير وإضاعة المال فإن ذلك ليس أبدا!من الكرم! والجود!، وإنما هو معصية للعزيز الودود.
يقول الإمام ابن الجوزي –رحمه الله-:" وأما إضاعة المال فيكون من وجوه أمهاتها أربعة :
أحدهما : أن يتركه من غير حفظ له فيضيع .
والثاني: أن يتلفه إما بتركه إذا كان طعاما حتى يفسد،أو يرميه إن كان يسيرا كبرا عن تناول القليل ، أو بأن يرضى بالغبن،أو بأن ينفق في البناء واللباس والمطعم ما هو إسراف.
والثالث : أن ينفقه في المعاصي ، فهذا تضييع من حيث المعنى .
والرابع : أن يسلم مال نفسه إلى الخائن ، أو مال اليتيم إليه إذا بلغ مع علمه بتبذيره ".كشف المشكل من حديث الصحيحين (4/102 )
فعلينا أيها الأحبة والإخوان أن نحرص جميعا على بذل الطعام خاصة لأهل الإسلام، كل منَّا على قدر الإمكان، لأن هذا من علامات أهل الإيمان،وسينفعنا يوم نلقى الرحمن بإذن المنان.
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا وإياكم لكل ما يحبه ويرضاه، من فعل الطاعات والتزود بالخيرات، وأن يجنبنا كل ما يبغضه ويأباه،من ارتكاب للمحرمات ووقوع في المنكرات،فهو سبحانه ولي ذلك ورب الأرض والسموات.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبو عبد الله حمزة النايلي