أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



أهدى السُّبل
في بيان أنّ دية المرأة
نصف دية الرّجل
كتبه أبو سعيد الجبرتيّ
المقدّمة
بسم الله الرّحمن الرّحيم
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [ آل عمران : 102]
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[ النساء : 1]
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )[الأحزاب : 70- 71]
أمّا بعد : فإنّ أهل الإلحاد لا يزالون في كلّ عصر ومصر أن يجدِّدوا الفتن وينصبوا لواء التشكيك في شريعة ربّ العالمين النقية البيضاء الّتي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك وممّا صاحوا في هذا الزّمان في كلّ أصقاع الأرض أنّ دية الأنثى مثل دية الذكر سواء بسواء وأنّ الأحاديث الواردة في المسألة ضعاف فأردتُّ أن أكشف عوارهم وأزيل لبسهم فأسأل الله الإعانة فيما توخّيت والسّداد إلى سبل الهدى ولا حول ولا قوّة إلا به .
وقد قسّمت البحث إلى التمهيد وخمسة فصول فإليك يا أخي القارئ لا أعدم نصحك ودعائك .
تمهيد : مكانة المرأة في الإسلام .
للمرأة مكانة رفيعة في الشّريعة الحنفيّة السمحاء فقد حرّم الشّارع وأدها في أيّام نعومة أظفارها فقال جلّ وعلا " وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ"
قال الحافظ ابن كثير : والموءودة هي التي كان أهل الجاهلية يدُسُّونها في التراب كراهية البنات، فيوم القيامة تسأل الموءودة على أي ذنب قتلت، ليكون ذلك تهديدا لقاتلها، فإذا سئل المظلوم فما ظن الظالم إذاً ؟!" اهـ
وقد نهى رسول الله r قتلها في المعارك فقال ابن عمر رضي الله عنهما وُجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ" البخاريّ من طريقه (رقم : 3015)
ونهى رسول الله r عن ضرب وجوههنّ والقول قبّح الله وجهكعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِىِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ قَالَ « أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ - أَوِ اكْتَسَبْتَ - وَلاَ تَضْرِبِ الْوَجْهَ وَلاَ تُقَبِّحْ وَلاَ تَهْجُرْ إِلاَّ فِى الْبَيْتِ ». رواه أَبُو دَاوُدَ (2144)
وفي رواية له "وَلاَ تُقَبِّحِ الْوَجْهَ وَلاَ تَضْرِبْ"
وقال الألبانيّ حسن صحيح .
وحثّ النبيّ r بإسداء الإحسان إليهنّ وفعل الخيرات في حقّهنّ لا سيّما إذا كنّ أزواجاً فعن أبو هريرة - رضي الله عنه - : قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اسْتَوْصُوا بالنساء خيرا ، فإن المرأةَ خُلقت من ضِلَع ، وإن أعوجَ ما في الضِّلَع أعلاه، فإِن ذهبتَ تُقيمُهُ كسرتَهُ ، وإِن تركتَهُ لم يزلْ أعوجَ ، فاستوصوا بالنساء».
وأول حديث البخاري : «من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جارَه، واستوصوا بالنساء خيرا ، فإِنّهنَّ خُلِقْنَ من ضِلَع...» وذكر نحوه.
وفي رواية لمسلم في أَوله : «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فَإِذا شهدَ أَمرا فَلْيَتَكَلَّمْ بخير أو ليسكُتْ ، واستوصوا بالنساءِ...» الحديث.
وللبخاري : أَنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال : «المرأةُ كالضِّلَعِ ، إِن أقمتَها كسرتَها ، وإِن استمتعتَ بها استمتعتَ بها وفيها عِوَج». ولمسلم نحوه.
وله في أُخرى : «إِن المرأةَ خُلِقَتْ من ضِلَع ، ولن تستقيمَ على طريقة ، فَإِن استمتعتَ بها استمتعتَ بها وبها عِوَج ، وإِن ذهبتَ تُقيمُها كسرتَها ، وكسرُها طلاقُها "
وعن حَكِيمٍ حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّى قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نِسَاؤُنَا مَا نَأْتِى مِنْهُنَّ وَمَا نَذَرُ قَالَ « ائْتِ حَرْثَكَ أَنَّى شِئْتَ وَأَطْعِمْهَا إِذَا طَعِمْتَ وَاكْسُهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ وَلاَ تُقَبِّحِ الْوَجْهَ وَلاَ تَضْرِبْ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَى شُعْبَةُ « تُطْعِمُهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ ». رواه أَبُو دَاوُدَ (2144)
وقد حرّم الله أن يُكره الإماء على الفاحشة قال عزّ مِن قائل :"وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ"
قال أبو عبد الله القرطبي في تفسير هذه الآية :"قوله تعالى: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) روي عن جابر بن عبد الله وابن عباس رضى الله عنهم أن هذه الآية نزلت في عبد الله بن أبى، وكانت له جاريتان إحداهما تسمى معاذة والأخرى مسيكة، وكان يكرههما على الزنى ويضربهما عليه ابتغاء الأجر وكسب الولد، فشكتا ذلك إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنزلت الآية فيه وفيمن فعل فعله من المنافقين. ومعاذة هذه أم خولة التي جادلت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في زوجها. وفي صحيح مسلم عن جابر أن جارية لعبد الله بن أبى يقال لها مسيكة وأخرى يقال لها أميمة فكان يكرههما على الزنى، فشكتا ذلك إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنزل الله عز وجل" وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ"- إلى قوله-" غَفُورٌ رَحِيمٌ". قوله تعالى: (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) راجع إلى الفتيات، وذلك أن الفتاة إذا أرادت التحصن فحينئذ يمكن ويتصور أن يكون السيد مكرها، ويمكن أن ينهى عن الإكراه. وإذا كانت الفتاة لا تريد التحصن فلا يتصور أن يقال للسيد لا تكرهها، لان الإكراه لا يتصور فيها وهى مريدة للزنى. فهذا أمر في سادة وفتيات حالهم هذه. وإلى هذا المعنى أشار ابن العربي فقال: إنما ذكر الله تعالى إرادة التحصن من المرأة لان ذلك هو الذي يصور الإكراه، فأما إذا كانت هي راغبة في الزنى لم يتصور إكراه، فحصلوه. وذهب هذا النظر عن كثير من المفسرين، فقال بعضهم قوله:" إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً" راجع إلى الأيامى، قال الزجاج والحسين بن الفضل: في الكلام تقديم وتأخير، أي وأنكحوا الأيامى والصالحين من عبادكم إن أردن تحصنا. وقال بعضهم: هذا الشرط في قول:" إِنْ أَرَدْنَ" ملغى، ونحو ذلك مما يضعف والله الموفق. أي الشيء الذي تكسبه الامة بفرجها والولد يسترق فيباع. وقيل: كان الزاني يفتدي ولده من المزني بها بمائة من الإبل يدفعها إلى سيدها." وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ" أي يقهرهن." فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ" لهن" رَحِيمٌ" بهن. وقرا ابن مسعود وجابر بن عبد الله وابن جبير" لهن غفور" بزيادة لهن. وقد مضى الكلام في الإكراه في النحل والحمد لله. عدد تعالى على المؤمنين نعمه فيما أنزل إليهم من الآيات المنيرات "اهــ
ونهى الله إعضال الأولياء مع رغبتهنّ بأزواجهم قال تعالى :"وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ " .
قال السعديّ في تفسير هذه الآية :" هذا خطاب لأولياء المرأة المطلقة دون الثلاث إذا خرجت من العدة، وأراد زوجها أن ينكحها، ورضيت بذلك، فلا يجوز لوليها، من أب وغيره؛ أن يعضلها؛ أي: يمنعها من التزوج به حنقا عليه؛ وغضبا؛ واشمئزازا لما فعل من الطلاق الأول".اهــ
وحرّم الله أن يؤكل مهورهنّ إلا بطيبة أنفسهنّ قال عزّ وجلّ :"وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا"
وحرّم الشّارع أن يُنكحن كرهاً بغير رضاهنّ قال تعالى :"يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبِّينَةٍ "
قال ابن الجوزي في تفسيره : وفي معنى قوله "أن ترثوا النساء كرها "قولان :
أحدهما : أن ترثوا نكاح النساء وهذا قول الجمهور
والثاني : أن ترثوا أموالهن كرها .
وقال الماورديّ في تفسيره : قوله :(وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ ) فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه خطاب لورثة الأزواج أن لا يمنعوهن من التزويج كما ذكرنا ، وهذا قول ابن عباس ، والحسن ، وعكرمة .
والثاني : أنه خطاب للأزواج أن لا يعضلوا نساءهم بعد الطلاق ، كما كانت قريش تفعل في الجاهلية وهو قول ابن زيد .
والثالث : أنه خطاب للأزواج أن لا يحبسواْ النساء كرهاً ليفتدين نفوسهن أو يَمُتْنَ فيرثهن الزوج ، وهذا قول قتادة ، والشعبي ، والضحاك .
والرابع : أنه خطاب للأولياء وهذا قول مجاهد .
( إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبِّينَةٍ ) فيها ها هنا ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها الزنى ، وهو قول الحسن ، وأبي قلابة والسدي .
والثاني : أنها النشوز ، وهو قول ابن عباس ، وعائشة .
والثالث : أنها البذاء والأذى .
وقد روي عن مقسم في قراءة ابن مسعود ( وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا ءَاتَيتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يُفْحِشْنَ ) .اهــ
وحرّم الله ترك الأزواج بعض الزوجات كالمعلقة لشدّة الميولة إلى إحداهنّ قال تعالى :"وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا"
وقد أمر الله أن يُعاشرهنّ بالمعروف قال تعالى :"وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ"
وأنزل الله شرع ميراثهنّ إبطالاً بعض أعمال الجاهلية الذين لا يرثون النساء والضعفاء قال عزّ وجلّ :"لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا "
قال السعديّ في تفسيره :"كان العرب في الجاهلية - من جبروتهم وقسوتهم لا يورثون الضعفاء كالنساء والصبيان، ويجعلون الميراث للرجال الأقوياء لأنهم -بزعمهم- أهل الحرب والقتال والنهب والسلب، فأراد الرب الرحيم الحكيم أن يشرع لعباده شرعًا، يستوي فيه رجالهم ونساؤهم، وأقوياؤهم وضعفاؤهم. وقدم بين يدي ذلك أمرا مجملا لتتوطَّن على ذلك النفوس.
فيأتي التفصيل بعد الإجمال، قد تشوفت له النفوس، وزالت الوحشة التي منشؤها العادات القبيحة، فقال: ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ ) : أي: قسط وحصة ( مِمَّا تَرَكَ ) أي: خلف ( الْوَالِدَان ) أي: الأب والأم ( وَالأقْرَبُونَ ) عموم بعد خصوص ( وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ )
فكأنه قيل: هل ذلك النصيب راجع إلى العرف والعادة، وأن يرضخوا لهم ما يشاءون؟ أو شيئا مقدرا؟ فقال تعالى: ( نَصِيبًا مَفْرُوضًا ) : أي: قد قدره العليم الحكيم. وسيأتي -إن شاء الله- تقدير ذلك.
وأيضا فهاهنا توهم آخر، لعل أحدا يتوهم أن النساء والولدان ليس لهم نصيب إلا من المال الكثير، فأزال ذلك بقوله: ( مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ) فتبارك الله أحسن الحاكمين."اهــ
وقد أوجب الله على الرّجال قوامة النّساء وإنفاقهم قال جلّ وعلا :"الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ"
قال ابن عاشور في تفسيره : " وَقِيَامُ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ هُوَ قِيَامُ الْحِفْظِ وَالدِّفَاعِ، وَقِيَامُ الِاكْتِسَابِ وَالْإِنْتَاجِ الْمَالِيِّ، وَلِذَلِكَ قَالَ: بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ ...فَالتَّفْضِيلُ هُوَ الْمَزَايَا الْجِبِلِّيَّةُ الَّتِي تَقْتَضِي حَاجَةَ الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّجُلِ فِي الذَّبِّ عَنْهَا وَحِرَاسَتِهَا لِبَقَاءِ ذَاتِهَا...فَهَذَا التَّفْضِيلُ ظَهَرَتْ آثَارُهُ عَلَى مَرِّ الْعُصُورِ وَالْأَجْيَالِ، فَصَارَ حَقًّا مُكْتَسَبًا لِلرِّجَالِ، وَهَذِهِ حُجَّةٌ بُرْهَانِيَّةٌ عَلَى كَوْنِ الرِّجَالِ قَوَّامِينَ عَلَى النِّسَاءِ فَإِنَّ حَاجَةَ النِّسَاءِ إِلَى الرِّجَالِ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ مُسْتَمِرَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ تَقْوَى وَتَضْعُفُ "اهــ
ومن القوامة الواجبة على الرّجال أن يعلِّموهنّ بما ينجيهن من عذاب الله قال تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ"
قال الشّوكاني في تفسيره : قوله : " يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ" بفعل ما أمركم به ، وترك ما نهاكم عنه " وَأَهْلِيكُمْ " بأمرهم بطاعة الله ، ونهيهم عن معاصيه " نَاراً وَقُودُهَا الناس والحجارة " أي ناراً عظيمة تتوقد بالناس وبالحجارة كما يتوقد غيرها بالحطب ، وقد تقدّم بيان هذا في سورة البقرة . قال مقاتل بن سليمان : المعنى : قوا أنفسكم وأهليكم بالأدب الصالح النار في الآخرة . وقال قتادة ، ومجاهد : قوا أنفسكم بأفعالكم ، وقوا أهليكم بوصيتكم . قال ابن جرير : فعلينا أن نعلم أولادنا الدين والخير ، وما لا يستغنى عنه من الأدب ، ومن هذا قوله : " وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة واصطبر عَلَيْهَا " [ طه : 132 ] وقوله : " وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين " [ الشعراء : 224 ]"اهــ
ووجب الله على الأزواج أن يُمتعوا زوجاتهم عند المفارقة قال تعالى :"وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ"
وَالتَّمْتِيعُ هو : أَنْ يُعْطِيَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ حِينَ يُطَلِّقُهَا عَطِيَّةً جَبْرًا لِخَاطِرِهَا لِمَا يَعْرِضُ لَهَا مِنَ الِانْكِسَارِ .
وقد ساوى الشّارع الرّجال والنّساء في الأحكام الشرعية وهذا هو الأصل الأصيل لقوله r :"إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ"رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم عن عائشة بسند حسن
ومفاد الحديث أنّ النساء شقائق الرجال في الأحكام الا ما خُصّ مثل مفاضلة النّساء على الرّجال في بعض الأحكام نحو عدم التّكاليف السّابقة عليهنّ مثل النفقات ودفع الدِّيات وهلمّ جرٍّ .
ومفاضلة الرّجال على النّساء مثل الدية والشهادة والميراث والعقيقة .
وهذه المساوات أو المفاضلة مبنية على العلم والحكمة البالغة وقد نهانا الله أن نتمنّى ما فضّل الله بعضنا على بعضٍ فقال عزّ مِن قائل :" وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا"
قال السعديّ في تفسيره :ينهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ما فضل الله به غيره من الأمور الممكنة وغير الممكنة. فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضلهم على النساء، ولا صاحب الفقر والنقص حالة الغنى والكمال تمنيا مجردا لأن هذا هو الحسد بعينه، تمني نعمة الله على غيرك أن تكون لك ويسلب إياها. ولأنه يقتضي السخط على قدر الله والإخلاد إلى الكسل والأماني الباطلة التي لا يقترن بها عمل ولا كسب. وإنما المحمود أمران: أن يسعى العبد على حسب قدرته بما ينفعه من مصالحه الدينية والدنيوية، ويسأل الله تعالى من فضله، فلا يتكل على نفسه ولا على غير ربه. ولهذا قال تعالى: "لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا" أي: من أعمالهم المنتجة للمطلوب. "وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ " فكل منهم لا يناله غير ما كسبه وتعب فيه. " وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ " أي: من جميع مصالحكم في الدين والدنيا. فهذا كمال العبد وعنوان سعادته لا من يترك العمل، أو يتكل على نفسه غير مفتقر لربه، أو يجمع بين الأمرين فإن هذا مخذول خاسر.
وقوله: " إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا " فيعطي من يعلمه أهلا لذلك، ويمنع من يعلمه غير مستحق" .اهــ
وأحبّ أن أنقل كلاماً مفيداً إلى الغاية للإمام ابن القيّم ذكره في الإعلام الموقّعين (2/168) فقال : وسوى بين الرجل والمرأة في العبادات البدنية والحدود وجعلها على النصف منه في الدية والشهادة والميراث والعقيقة فهذا أيضا من كمال شريعته وحكمتها ولطفها فإن مصلحة العبادات البدنية ومصلحة العقوبات الرجال والنساء مشتركون فيها وحاجة أحد الصنفين إليها كحاجة النصف الآخر فلا يليق التفريق بينهما نعم فرقت بينهما في أليق المواضع بالتفريق وهو الجمعة والجماعة فخص وجوبهما بالرجال دون النساء لأنهن لسن من أهل البروز ومخالطة الرجال وكذلك فرقت بينهما في عبادة الجهاد التي ليس الإناث من أهلها وسوت بينهما في وجوب الحج لاحتياج النوعين إلى مصلحته وفي وجوب الزكاة والصيام والطهارة وأما الشهادة فإنما جعلت المرأة فيها على النصف من الرجل لحكمة أشار إليها العزيز الحكيم في كتابه وهي أن المرأة ضعيفة العقل قليلة الضبط لما تحفظه وقد فضل الله الرجال على النساء في العقول والفهم والحفظ والتمييز فلا تقوم المرأة في ذلك مقام الرجل وفي منع قبول شهادتها بالكلية إضاعة لكثير من الحقوق وتعطيل لها فكان من أحسن الأمور وألصقها بالعقول أن ضم إليها في قبول الشهادة نظيرها لتذكرها إذا نسيت فتقوم شهادة المرأتين مقام شهادة الرجل ويقع من العلم أو الظن الغالب بشهادتهما ما يقع بشهادة الرجل الواحد وأما الدية فلما كانت المرأة أنقص من الرجل والرجل أنفع منها ويسد ما لا تسده المرأة من المناصب الدينية والولايات وحفظ الثغور والجهاد وعمارة الأرض وعمل الصنائع التي لا تتم مصالح العالم إلا بها والذب عن الدنيا والدين لم تكن قيمتهما مع ذلك متساوية وهي الدية فإن دية الحر جارية مجرى قيمة العبد وغيره من الأموال فاقتضت حكمة الشارع أن جعل قيمتها على النصف من قيمته لتفاوت ما بينهما فإن قيل لكنكم نقضتم هذا فجعلتم ديتهما متساوية سواء فيما دون الثلث
قيل لا ريب أن السنة وردت بذلك كما رواه النسائي من حديث عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله ص - عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتها وقال سعيد بن المسيب إن ذلك من السنة وإن خالف فيه أبو حنيفة والشافعي والليث والثوري وجماعة وقالوا هي على النصف في القليل والكثير ولكن السنة أولى والفرق فيما دون الثلث وما زاد عليه أن ما دونه قليل فجبرت مصيبة المرأة فيه بمساواتها للرجل ولهذا استوى الجنين الذكر والأنثى في الدية لقلة ديته وهي الغرة فنزل ما دون الثلث منزلة الجنين .
وأما الميراث فحكمة التفضيل فيه ظاهرة فإن الذكر أحوج إلى المال من الأنثى لأن الرجال قوامون على النساء والذكر أنفع للميت في حياته من الأنثى وقد أشار سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله بعد أن فرض الفرائض وفاوت بين مقاديرها آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا وإذا كان الذكر أنفع من الأنثى وأحوج كان أحق بالتفضيل
فإن قيل فهذا ينتقض بولد الأم
قيل بل طرد هذه التسوية بين ولد الأم ذكرهم وأنثاهم فإنهم إنما يرثون بالرحم المجرد فالقرابة التي يرثون بها قرابة أنثى فقط وهم فيها سواء فلا معنى لتفضيل ذكرهم على أنثاهم بخلاف قرابة الأب
وأما العقيقة فأمر التفضيل فيها تابع لشرف الذكر وما ميزه الله به على الأنثى ولما كانت النعمة به على الوالد أتم والسرور والفرحة به أكمل كان الشكران عليه أكثر فإنه كلما كثرت النعمة كان شكرها أكثر والله أعلم " اهــ
وبعد هذا التمهيد أريد أن أتطرّق المقصود وأرتّبه على خمسة فصول .
الفصل الأوّل : الأحاديث الواردة في المسألة
الفصل الثّاني : الآثار الوارة في المسألة .
الفصل الثّالث : الإجماع .
الفصل الرّابع : القياس .
الفصلالخامس : المعنى الصّحيح .
الفصل الأوّل : الأحاديث الواردة في المسألة
قد ورد في المسألة ثلاثة أحاديث
الأوّل : حديث مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« دِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ ». رواه البيهقيّ في سننه (رقم : 16738).
وقال : عن معاذ بن جبل رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم بإسناد لا يثبت مثله.
قلت
قال ابن حجر في التقريب : بكر بن خنيس صدوق له أغلاط ، أفرط فيه ابن حبان .
الثّاني :حديث ابن جريج عنعمرو بن شعيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ ثلث ديتها وذلك في المنقولة فما زاد على المنقولة فهو نصف عقل الرجل ما كان "
رواه عبد الرّزاق في مصنّفه (رقم : 17756) وهو إسناد معضل .
ورواه النسائي (رقم :4819 ) والدارقطني (3/91) من طريق إسماعيل بن عيّاش عن ابن جريج عن عمرو عن أبيه عن جده موصولاً .
والرّواية الأولى أرجح من هذه الرّواية الموصولة بل هي منكرة لأنّ عبد الرّزاق وهو أوثق من ابن عياش فقد خالفه لا سيّما إذا روى ابن عيّاش عن غير الشاميين وذه منها .
قال السندي في حاشيته على النّسائيّ : "المرأة تساوي الرجل في الدية فيما كان إلى ثلث الدية، فإذا تجاوزت الثلث وبلغ العقل نصف الدية"اهـ
الثّالث : حديث الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : كَانَ بَيْنَ حَيَّيْنِ مِنَ الْعَرَبِ قِتَالٌ ، فَقُتِلَ مِنْ هَؤُلاَءِ وَمِنْ هَؤُلاَءِ ، فَقَالَ أَحَدُ الْحَيَّيْنِ : لاَ نَرْضَى حَتَّى نُقْتَلَ بِالْمَرْأَةِ الرَّجُلُ ، وَبِالرَّجُلِ الرَّجُلَيْنِ ، قَالَ : فَأَبَى عَلَيْهِم الآخَرُونَ ، فَارْتَفَعُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : الْقَتْلُ بَوَاءٌ ، أَيْ سَوَاءٌ ، قَالَ : فَاصْطَلَحَ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ عَلَى الدِّيَاتِ. قَالَ : فَحَسَبُوا لِلرَّجُلِ دِيَةَ الرَّجُلِ ، وَلِلْمَرْأَةِ دِيَةَ الْمَرْأَةِ ، وَلِلْعَبْدِ دِيَةَ الْعَبْدِ ، فَقَضَى لأَحَدِ الْحَيَّيْنِ عَلَى الآخَرِ ، قَالَ : فَهُوَ قَوْلُهُ : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمَ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ ، وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ، وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى". رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (رقم : 28552) صحيح الإسناد إلى الشعبيّ .
الرّابع :حديث رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ : كَمْ فِي هَذِهِ مِنَ الْمَرْأَةِ ؟ يَعْنِي الْخِنْصَرِ ، فَقَالَ : عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ ، قَالَ : قُلْتُ : فِي هَذَيْنِ ؟ يَعْنِي الْخِنْصَرَ وَالَّتِي تَلِيهَا ، قَالَ : عِشْرُونَ ، قَالَ : قُلْتُ : فَهَؤُلاَءِ ؟ يَعْنِي الثَّلاَثَةَ ، قَالَ : ثَلاَثُونَ ، قَالَ : قُلْتُ : فَفِي هَؤُلاَءِ ؟ وَأَوْمَأَ إِلَى الأَرْبَعِ ، قَالَ : عِشْرُونَ ، قَالَ : قُلْتُ : حِينَ آلَمَتْ جِرَاحُهَا وَعَظُمَتْ مُصِيبَتُهَا كَانَ الأَقَلَّ لأَرْشِهَا ؟ قَالَ : أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : عَالِمٌ مُتَثَبِّتٌ ، أَوْ جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ ، قَالَ : يَابْنَ أَخِي ، السُّنَّةُ "رواه مالك في الموطأ (رقم : 3195 ) وعبد الرّزاق (رقم : 17008) وابن أبي شيبة (رقم : 28076) والبيهقيّ (8/96) بإسناد صحيح إلى ابن المسيّب .
قلت : الأصل أنّ السنّة في استعمال الصَّحابة والتّابعين هي سنّة رسول الله r لا غير إلا لقرينة .
قال الحافظ ابن عبد البرّ في الإستذكار(25/60) وَقَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: هِيَ السُّنَّةُ. يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرْسَلَهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اهـــ
الخامس : حديث عَطَاء ومَكْحُول وابن شهابقَالُوا : أَدْرَكْنَا النَّاسَ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ فَقَوَّمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ تِلْكَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى أَلْفَ دِينَارٍ أَوِ اثْنَىْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيَةَ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ إِذَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ سِتَّةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ فَإِذَا كَانَ الَّذِى أَصَابَهَا مِنَ الأَعْرَابِ فَدِيَتُهَا خَمْسُونَ مِنَ الإِبِلِ وَدِيَةُ الأَعْرَابِيَّةِ إِذَا أَصَابَهَا الأَعْرَابِىُّ خَمْسُونَ مِنَ الإِبِلِ لاَ يُكَلَّفُ الأَعْرَابِىُّ الذَّهَبَ وَلاَ الْوَرِقَ.رواه الشافعي في " الأم" (2/ 109) ومن طريقه البيهقيّ في " "سننه"(رقم: 16739) والبغويّ في " شرح السّنّة " (10/189) وفي سنده مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزنجيّ شيخ الشّافعيّ فقيه أهل مكة وفيه ضعف ووثّقه ابن معين وقال مرة : ضعيفوقال البخاريّ : منكر الحديث ليس بشيء وقال النسائي : ضعيف وقال ابن عدي : حسن الحديث وأرجو أنَّه لا بأس به.
ووجه الدّلالة أنّ عمر لم يحدد الدية من قِبل نفسه وإنّما قوّم الدّية وهذا التقويم من اجتهاده وأمّا المـُقَوَّم فليس له .
قلت : فإنّ هذه الأحاديث وإن كان في مفرداتها ضعف ولكن تصلح للانجبار ولهذا حسّن بعض العلماء وهذا التحسين مما نجزم به لأنّ صناعة علم الدّراية تقتضي ذلك ولكن هذا التحسين لا يتعدّى عن قدر تنصيف دية المرأة وأمّا غير ذلك فلا نحسَّن باعتبار هذه الشّواهد .
وإن قلنا عدم التحسين فيكفي تَلَقَّي العلماء كَافَّةً بِالْقَبُولِ ، وَعَمِلَ الأمّة بمُوجَبِ هذه الأخبار وهذا من أقوى الأدّلّة على صحتها .
قال الخطيب البغداديّ في "الكفاية" (ص 51): وَقَدْ يُسْتَدَلُّ أَيْضًا عَلَى صِحَّتِهِ بِأَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ أَمَرٍ اقْتَضَاهُ نَصُّ الْقُرْآنِ أَوِ السُّنَّة الْمُتَوَاتِرَةِ ، أَوِ اجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَصْدِيقِهِ ، أَوْ تَلَقَّتْهُ الْكَافَّةُ بِالْقَبُولِ ، وَعَمِلَتْ بِمُوجَبِهِ لِأَجْلِهِ "اهــ
الفصل الثّاني : الآثار الوارة في المسألة .
.
وردت في الباب آثار كثيرة بثيرة منها :
الأوّل : أثر عمر .
قال شريح: " أتانى عروة البارقى من عند عمر: " أن جراحات الرجال والنساء تستوى فى السن والموضحة وما فوق ذلك فدية المرأة على النصف من دية الرجل ".رواه ابن أبى شيبة (رقم :28068) وعبد الرِّزاق (رقم : 17752) والبيهقى (8/95 - 96) وهو في غاية الصحة .
الثّاني : أثر علي بن أبي طالب .
الثّالث : أثر عبد الله بن مسعود .
الرّابع : أثر زيد بن ثابت .
قال ابن أبي شيبة كما في مصنّفه (رقم : 28069) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حدَّثَنَا زَكَرِيَا ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : كَانَ عَلِّيٌّ يَقُولُ : دِيَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْخَطَأِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ ، فِيمَا دَقَّ وَجَلَّ.
وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ : دِيَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْخَطَأِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ ، إِلاَّ السِّنَّ وَالْمُوضِحَةَ فَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ.
وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ : دِيَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْخَطَأِ مِثْلُ دِيَةِ الرَّجُلِ ، حَتَّى تَبْلُغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ ، فَمَا زَادَ فَهِيَ عَلَى النِّصْفِ.
وهذا إسناد صحيح .
أخرجه محمد بن الحسن الشيباني في كتاب الحجّة (4/278)عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن عليّ-رضي الله عنه – بلفظ : "عقل المرأة على النصف من عقل الرجل، والمرأة في العقل إلى الثلث، ثم النصف فيما بقي" .
ومحمد بن الحسن الشيبانيّ وشيخه أبو حنيفة ضعيفان في الرّواية عند المحقّيقين .
وأخرجه أيضاً (4/284) من طريق محمد بن أبان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عمر وعليّ .
ومحمّد بن أبان بن صالح بن عمير الجعفي الكوفى ضعَّفه أحمد وابن معين والبخاري وأبو داود والنسائي كما تعجيل المنفعة (2/165)
الرّابع : أثر شُريح القاضي .
قال الشَّعْبِيِّ ، عَنْ شُرَيْحٍ ؛ أَنَّ هِشَامَ بْنَ هُبَيْرَةَ كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : إِنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ ، إِلا فِي السِّنِّ وَالْمُوضِحَةِ.
رواه ابن أبي شيبة في مصنّفه (رقم : 28068)وإسناده صحيح .
الخامس : أثر الحسن بن أبي الحسن البصريّ .
قال ابْنِ عَوْنٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : تَسْتَوِي جِرَاحَاتُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَلَى النِّصْفِ ، فَإِذَا بَلَغَتِ النِّصْفَ فَهِيَ عَلَى النِّصْفِ.
رواه ابن أبي شيبة في مصنّفه (رقم : 28071) بسند صحيح .
السّادس : أثر عمر بن عبد العزيز .
السّابع : أثر سعيد بن المسيّب .
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (رقم : 28078) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ (ح) وَعَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ؛ أَنَّهُمَا قَالاَ : يُعَاقِلُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فِي ثُلُثِ دِيَتِهَا ، ثُمَّ يَخْتَلِفَانِ.
إسناد حسن إن شاء الله .
الثّامن : أثر الزهريّ .
قال معمر عن الزهري قال دية الرجل والمرأة سواء حتى يبلغ ثلث الدية وذلك في الجائفة فإذا بلغ ذلك فدية المرأة على النصف من دية الرجل"
رواه عبد الرزاق (رقم : 17746) بسند صحيح .
التّاسع :أثر عروة .
قال هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول دية المرأة مثل دية الرجل حتى يبلغ الثلث فإذا بلغ الثلث كان ديتها مثل نصف دية الرجل تكون ديتها في الجائفة والمأمومة مثل نصف دية الرجل"
رواه عبد الرزاق (17752) وسند صحيح .
قلت : فهذه الآثار كلها تتّفق على تنصيف دية المرأة من دية الرّجل ما فوق الثّلث وأمّا ما دونه فمحلّ اختلاف فِمن قال بالتّصنيف مطلقاً ومِن قائل بالمساوات فيما دون ثلث الدّية والمناصفة فيما فوق ذلك .
الفصل الثّالث : الإجماع .
أجمع العلماء على أنّ دية المرأة على نصف دية الرّجل فيما فوق الثلث وقد نقل هذا الإجماع علماءٌ مختلفُو العصور والأمصار فمن متقدّم ومتأخّر فإليك بعض أقوالهم لا كلّهم لصعوبة الحصر .
1- الإمام محمّد بن إدريس الشّافعيّ (المولود عام :150 /الموفّى عام : 204هـ)
قال في الأمّ (6/106) : لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا فِي أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ ... فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ فِي دِيَةِ الْمَرْأَةِ سِوَى مَا وَصَفْت مِنْ الْإِجْمَاعِ أَمْرٌ مُتَقَدِّمٌ ؟ فَنَعَمْ " اهــ
2- الإمام أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطّبريّ (المولود عام : 224 /المتوفّى عام : 310 هـ )
قال في تفسيره (9/43) لأن دية المؤمنة لا خلافَ بين الجميع إلا من لا يُعدُّ خلافًا= أنها على النصف من دية المؤمن"
3- الإمام أبو بكر بن المنذر (المولود عام : 242/المتوفى عام : 319 هـ)
قال في الإجماع (ص: 116) وأجمعوا على أن دية الرجل مائة من الإبل، وأجمعوا على أن دية المرأة نصف دية الرجل ).
4- الإمام أبو بكر الجصاص (المولود عام : 305/ المتوفّى عام : 370هـ)
قال في الفصول في الأصول (3/279) : اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ عَلَى نِصْفٍ مِنْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ .. وَأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ).
5- الإمام أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، ( المولود عام : 368هـ /المتوفّى عام : 463هـ)
قال في التّمهيد (17/358) : قَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ ".
6- أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري ( المولود عام : 384/المتوفى : 456هـ)
قال في المحلّى (10/441) : صح الاجماع على أنَّ في أربعة أصابع من المرأة فصاعدا نصف ما في ذلك من الرجل بلا خلاف"
7- الإمام علاء الدين السمرقندي (المتوفى عام : 540هـ)
قال تحفة الفقهاء (3/113) : (إن دية المرأة على النصف من دية الرجل بإجماع الصحابة)
8- الإمام أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الشهير بابن رشد الحفيد (المتوفى : 595هـ)
قال : بداية المجتهد (2/413) :"اتفقوا على أن دية المرأة نصف دية الرجل في النَّفْس "اهـــ
9- الإمام أبو محمّد عبد الله بن قدامة المقدسي (المولود عام : 541 /المتوفّى عام : 620هـ)
قال في الكافي (4/12): "ودية الحرة المسلمة نصف دية الرجل لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم في كتاب عمرو ابن حزم أنه قال : " دية المرأة على النصف من دية الرجل " ولأنه إجماع الصحابة روي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم ولا مخالف لهم" اهــ
10- الإمام شمس الدين أبو الفرج المقدسي (المولود عام : 597/المتوفى عام : 682هـ)
قال في الشرح الكبير على متن المقنع (9/518) : إذا كانت المرأة حرة مسلمة فَدِيَتُها نصف دِيَة الحر المسلم، أجمع على ذلك أهل العلم).
11- الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى : 671هـ)
قال في الجامع لأحكام القرآن (7/19 ) : " أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ دِيَة الْمَرْأَة عَلَى النِّصْف مِنْ دِيَة الرَّجُل" اهــ
12- الإمام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى : 728هـ)
قال في منهاج السنة النبوية (4/238) : "ميراث إحداهن نصف ميراث رجل، ودِيَتُها نصف دية رجل، وهذا كله باتفاق المسلمين".اهــ
13- الإمام شمس الدين محمد بن أحمد المنهاجي الأسيوطي الشّافعيّ (المتوفى : 880هـ)
قال في "جواهر العقود ومعين القضاة و الموقعين والشهود"(2/222) وأجمعوا على أن دية المرأة الحرة المسلمة في نفسها: على النصف من دية الرجل الحر المسلم " اهــ
وغير هؤلاء الأجلاء قد نقلوا إجماعاً في هذه المسألة ولكن نكتفي بهذا القدر .
مخالفو الإجماع
وقد خالف الإجماع وشذّ عن الجماعة في هذه المسألة رجلان قد اشتهرا بالبدعة وسوء القول والمعتقد أعمى الله بصيرتهم وأصمّ آذانهم بأن يستمعا القول ويتّبعا أحسنه تركا المحكم وأخذا المتشابه وهما الأصمّ وابن عليّة فدونك أيّها الأخ الكريم أقوال العلماء فيهم .
قال يَزِيد بْنَ هَارُونَ : بِشْرٌ الْمِرِّيسِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الأَصَمُّ , كَافِرَيْنِ , حَلاَلَيِ الدَّمِ "رواه الخلال في السّنّة (رقم : 1746)
وقَالَ اِبْنُ شَوْذَبٍ تَرَكَ جَهْمٌ اَلصَّلَاةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَى وَجْهِ اَلشَّكِّ.
وَمِنْ أَتْبَاعِهِ وَأَشْيَاعِهِ بِشْرٌ اَلْمَرِيسِي وَالْمِرْدَارُ وَأَبُو بَكْرٍ اَلْأَصَمُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ابْنُ عُلَيَّةَ وَابْنُ أَبِي دُؤَادٍ وَبُرْغُوثُ وَربَالُويَةُ وَالْأَرْمَنِيُّ وَجَعْفَرٌ اَلْحَذَّاءُ وَشُعَيْبٌاَلْحَجَّامُ وَحَسَنُ اَلْعَطَّارُ وَسَهْلٌ اَلْحرَارُ وَأَبُو لُقْمَانَ اَلْكَافِرُ فِي جَمَاعَةٍ سِوَاهُمْ مِنْ اَلضُّلَّالِ وَكُلُّ اَلْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ فِيمَنْ سَمَّيْنَاهُمْ إِنَّهُمْ أَئِمَّةُ اَلْكُفْرِ وَرُؤَسَاءُ اَلضَّلَالَةِ " اهــ ذكره ابن بطّه في الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة (ص:332)
قال إمام الحرمين أبو المعالي الجويني في الأصمّ :" هذا الرجل لا يسمى إلاعند مخالفة الإجماع والانسلال من ربقة الهدى والاتباع" اهــ
وقال الحافظ في اللسان (1/34) إبراهيم بن إسماعيل بن علية عن أبيه جهمي هالك كان يناظر ويقول بخلق القرآن مات سنة ثمان عشرة ومائتين انتهى وذكره أبو العرب في الضعفاء ونقل عن أبي الحسن العجلي قال قال إبراهيم بن علية جهمي خبيث ملعون قال وقال بن معين ليس بشيء وقال بن يونس في تاريخ الغرباء له مصنفات في الفقه شبه الجدل حدث عنه بحر بن نصر الخولاني وياسين بن أبي زرارة وقال الدوري عن بن معين ليس بشيء وقال الخطيب كان أحد المتكلمين وممن يقول بخلق القرآن قال الشافعي هو ضال جلس بباب السوال يضل الناس قلت باب السوال موضع كان بجامع مصر وقد ذكر الساجي في مناقب الشافعي هذه القصة مطولة وقال بن عبد البر له شذوذ كثيرة ومذاهبه عند أهل السنة مهجورة وليس في قوله عندهم مما يعد خلاف وذكر البيهقي في مناقب الشافعي عن الشافعي انه قال انا أخالف بن علية في كل شيء حتى في قول لا اله الا الله فاني أقول لا اله الا الله الذي كلم موسى وهو يقول لا اله الا الله الذي خلق كلاما سمعه موسى وله كتاب في الرد على مالك نقضه عليه أبو جعفر الأبهري صاحب أبي بكر الأبهري وذكر بن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية ان إبراهيم هذا سأل أباه فقال يا ابت أليس كل شيء سوى الله مخلوق قال بلى قال فأخبر الناس ان أباه يقول القرآن مخلوق فبلغ ذلك الشيخ فأنكر على ولده "اهــ
وقال الذهبيّ في السير (9/113) في ابن علية :" جهمي شيطان"اهــ
وهل يعتمد شخصٌ مؤمن بالله على هذين الرّجلين وأمثالهم لا كثّرهم الله ويعدل عن أئمّة الهدى ومصابيح الدّجى من الصّحابة وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدّين ؟!!!
الفصل الرّابع : القياس .
فدية المرأة على النصف من دية الرّجل قياساً على ميراثها وشهادتها
قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البرّ في التمهيد (17/358) : وَإِنَّمَا صَارَتْ دِيَتُهَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ لَهَا نِصْفَ مِيرَاثِ الرَّجُلِ وَشَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ، وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ .
وَأَمَّا الْعَمْدُ فَفِيهِ الْقِصَاصُ بَيْنَ النِّسَاءِ، وَالرِّجَالِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:" النَّفْسَ بِالنَّفْسِ " "وَالْحُرُّ بِالْحُرّ ِ" وَلِتَكَافُؤِ دِمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الْأَحْرَارِ" اهــ
الفصل الخامس : المعنى الصّحيح .
والمعنى الصّحيح يُؤيّد التنصيف من دية المرأة على دية الرّجل .
قال العلّامة ابن القيّم في إعلام الموقّعين (2/168) وأما الدية فلما كانت المرأة أنقص من الرجل والرجل أنفع منها ويسد ما لا تسده المرأة من المناصب الدينية والولايات وحفظ الثغور والجهاد وعمارة الأرض وعمل الصنائع التي لا تتم مصالح العالم إلا بها والذب عن الدنيا والدين لم تكن قيمتهما مع ذلك متساوية وهي الدية فإن دية الحر جارية مجرى قيمة العبد وغيره من الأموال فاقتضت حكمة الشارع أن جعل قيمتها على النصف من قيمته لتفاوت ما بينهما ، فإن قيل لكنكم نقضتم هذا فجعلتم ديتهما متساوية سواء فيما دون الثلث قيل لا ريب أن السنة وردت بذلك كما رواه النسائي من حديث عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله - r - "عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتها" وقال سعيد بن المسيب إن ذلك من السنة وإن خالف فيه أبو حنيفة والشافعي والليث والثوري وجماعة وقالوا هي على النصف في القليل والكثير ولكن السنة أولى والفرق فيما دون الثلث وما زاد عليه أن ما دونه قليل فجبرت مصيبة المرأة فيه بمساواتها للرجل ولهذا استوى الجنين الذكر والأنثى في الدية لقلة ديته وهي الغرة فنزل ما دون الثلث منزلة الجنين " اهــ
كتبه أبو سعيد أحمد بن سعيد بن أحمد
الجبرتي الصّوماليّ
عيرجابو حرسها الله وسائر
ديار المسلمين
8 جمادى الثّانية ۱٤٣٥ ه