أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


المفسر عند تفسيره ﻵ****ية من القرآن يسلك أحد مسلكين :
المسلك اﻷ****ول : ينظر هل في القرآن ، أو في السنة النبوية ، أو في آثار السلف الصالح ما يفسر هذه اﻵ****ية ؟ فإذا وجد في هذه المصادر تفسيرا لها ، اتبعه واكتفى به ، وهذا ما يسمى بـ " التفسير بالمأثور " وهو أنواع :
1 - تفسير القرآن بالقرآن ؛ فالقرآن يفسر بعضه بعضا .
قال شيخ اﻹ****سﻼ****م ابن تيمية في " مقدمة في أصول التفسير " (ص/93) :
" فإن قال قائل : فما أحسن طرق التفسير ؟ فالجواب : إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن ، فما أجمل في مكان ، فإنه قد فسر في موضع آخر ، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر " انتهى .
ومن أمثلة ذلك :
ما رواه البخاري (4263) عن علقمة رحمه الله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : " لَمَّا نَزَلَتْ : ( وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ) قَالَ أَصْحَابُهُ – ( يعني : أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ) وَأَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ ؟ فَنَزَلَتْ : ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) ".
لكن تفسير القرآن بالقرآن أحيانا يكون صريحا واضحا كما في المثال السابق ، فيكون حجة يجب اتباعه وعدم مخالفته ، وأحيانا يكون من اجتهاد المفسّر ، وفقهه ، وجمعه بين اﻷ****شباه والنظائر ؛ وﻻ**** شك أن هذا أقل درجة من اﻷ****ول ، فالمجتهد قد يخطئ ، وقد يصيب .
2- تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن ، فقد جاء صلى الله عليه وسلم مبلغا ومبينا لما في القرآن الكريم قال الله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل/ 44 .
ومثال ذلك :****
ما رواه البخاري ( 4510 ) في تفسير قوله تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) البقرة/187 .
فعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْخَيْطُ اﻷ****َبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ اﻷ****َسْوَدِ ، أَهُمَا الْخَيْطَانِ ؟ قَالَ : ( إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا إِنْ أَبْصَرْتَ الْخَيْطَيْنِ ، ثُمَّ قَال : ﻻ****َ ، بَلْ هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ ) .****
ومتى بلغنا التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ﻵ****ية أو لفظة من القرآن : وجب علينا اﻻ****لتزام به ، والوقوف عنده .
وقد يُفهم التفسير من سنته صلى الله عليه وسلم ؛ من خﻼ****ل أفعاله وأقواله وتقريراته .
فالسنة جاءت مبينة للقرآن ؛ فالله تعالى أمرنا بالصﻼ****ة والزكاة والحج والحدود ... الخ ، والنبي صلى الله عليه وسلم من خﻼ****ل سنته - من أفعال وأقوال - فصلّ لنا ما المقصود بهذه اﻷ****لفاظ .
لكن إذا لم يجد المفسّر في السنة تفسيرا ﻵ****ية ما ، نظر في أقوال الصحابة .
3- التفسير المأثور عن الصحابة رضوان الله عليهم :****
وتفسيرهم مقدم على تفسير غيرهم ؛ ﻷ****ن تفسيرهم إمّا أن يكونوا قد أخذوه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه قال : " كان الرجل منَّا إذا تعلَّم عَشْر آياتٍ لم يجاوزهُنّ حتى يعرف معانيهُنَّ ، والعملَ بهنَّ " رواه الطبري في تفسيره (1/80) وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى .
وقد يكون تفسيرهم اجتهادا ورأيا ؛ فاجتهادهم مقدم على اجتهاد من بعدهم ؛ ﻷ****نهم صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ، واطلعوا على أحوال نزول آيات القرآن ، كسبب النزول ومكانه ، وعاصروا الواقع الذي نزل فيه القرآن ، وعرفوا أحوال أهله ، وﻷ****نهم أفهم من غيرهم للغة التي نزل بها القرآن ، وأعمق علما ، وأقل تكلفا ، وأبعد من غيرهم عن الزيغ والزلل ، في علومهم ، وأعمالهم .
قال شيخ اﻹ****سﻼ****م ابن تيمية في " مقدمة في أصول التفسير " (ص/95) : " وحينئذ ؛ إذا لم تجد التفسير في القرآن وﻻ**** في السنة ، رجعت في ذلك إلى أقوال الصحابة ، فإنهم أدرى بذلك ؛ لما شاهدوه من القرآن ، واﻷ****حوال التي اختُصُّوا بها ، ولما لهم من الفهم التام ، والعلم الصحيح ، ﻻ**** سيما علماؤهم وكبراؤهم .. " انتهى .
وقول الصحابة في التفسير مقدم على قول غيرهم ، إﻻ**** إذا اختلفوا فهنا يجتهد المفسر في الترجيح بين أقوالهم .
4- التفسير بالمأثور عن التابعين :
إذا لم يجد المفسر في أقوال الصحابة ما يفسر به اﻵ****ية ، فإنه ينظر في تفسير التابعين ؛ الذين تلقوا علومهم عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فهم في أحوالهم ، وأقوالهم ، وأعمالهم ، وزمانهم - أيضا ، بطبيعة الحال - أقرب إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهديهم ، وعلومهم .
قال شيخ اﻹ****سﻼ****م ابن تيمية رحمه الله في " مقدمة في أصول التفسير " (ص/102) : " إذا لم تجد التفسير في القرآن وﻻ**** في السنة وﻻ**** وجدته عن الصحابة ، فقد رجع كثير من اﻷ****ئمة في ذلك إلى أقوال التابعين ... " انتهى .

وقال رحمه الله – أيضاً - " (ص/37) :****
" ومن التابعين من تلقى جميع التفسير عن الصحابة ، كما قال مجاهد : عرضت المصحف على ابن عباس ، أوقفه عند كل آية منه ، وأسأله عنها ، ولهذا قال الثوري : إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به ، ولهذا يعتمد على تفسيره : الشافعي والبخاري وغيرهما من أهل العلم" انتهى .

فإذا اتفق علماء التفسير من التابعين على قول في معنى آية ، فﻼ**** إشكال في لزوم اﻷ****خذ به ، وأما حين يختلفون ، فليس قول أحدهم حجة على قول اﻵ****خر ، كما أن قول الواحد منهم ليس حجة مطلقا ، وإنما ينظر فيه وفي حجته ، ويستأنس به ، ويرجع إليه .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : " وﻻ**** ريب أن التابعين يختلفون ؛ فالذين تلقوا عن الصحابة التفسير : هؤﻻ****ء ﻻ**** يساويهم من لم يكن كذلك .****
ومع هذا ، فإنهم إذا لم يسندوه عن الصحابي ، فإن قولهم ليس بحجة على من بعدهم إذا خالفهم ، ﻷ****نهم ليسوا بمنزلة الصحابة ، ولكن قولهم أقرب إلى الصواب ، وكلما قرب الناس من عهد النبوة ، كانوا أقرب إلى الصواب ممن بعدهم . وهذا شيء واضح ، لغلبة اﻷ****هواء فيما بعد ، ولكثرة الواسطات بينهم وبين عهد الرسول عليه الصﻼ****ة والسﻼ****م ، فبُعدهم هذا ﻻ**** شك أنه يقلل من قيمة أقوالهم ، ومن هنا نعرف أن الرجوع إلى قول من سلف أمر له أهميته " .
انتهى من " شرح مقدمة التفسير " (ص /140) .


المسلك الثاني : أن يجتهد المفسّر - الذي له العلم بالتفسير - في استعمال فهمه لتفسير آية من القرآن ، ويكون في اجتهاده ملتزما السبيل الصحيح ومتقيدا بالضوابط والقواعد التفسيرية ؛ وهذا ما يسمى بـ " التفسير بالرأي أو باﻻ****جتهاد " .
قال الزرقاني رحمه الله تعالى في كتابه " مناهل العرفان في علوم القرآن " (2/43) :
" فالتفسير بالرأي الجائز يجب أن يﻼ****حظ فيه اﻻ****عتماد على ما نقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه مما ينير السبيل للمفسر برأيه ، وأن يكون صاحبه عارفا بقوانين اللغة ، خبيرا بأساليبها ، وأن يكون بصيرا بقانون الشريعة ؛ حتى ينزل كﻼ****م الله على المعروف من تشريعه " انتهى .
وأما الذي ﻻ**** يجوز من ذلك ؛ فهو التفسير بالرأي المذموم :****
1- كأن يكون القائم بالتفسير ليس من أهله ، ويتكلم في بيان كﻼ****م الله بغير علم ؛ وقد قال الله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) اﻷ****عراف/33 ، وقال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ، إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة/168- 169 .
2- أو يتبع هواه ، وينتصر لبدعته ورأيه ، ولو بتحريف الكلم عن مواضعه ، وعدم مراعاة أصول الفهم ، وعادات العرب في لغاتها ، وعادة الشرع في خطابه الخاص ؛ كما يفعله بعض المبتدعة من الرافضة وغيرهم ، حيث يفسرون بعض اﻵ****يات بخﻼ****ف ما تقتضيه القواعد الشرعية واللغوية .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" وتفسير القرآن بالرأي : تارة يفسره اﻹ****نسان بحسب مذهبه ، كما يفعله أهل اﻷ****هواء . فيقول المراد بكذا وكذا ، كذا وكذا ، مما ينطبق على مذهبه ، وكذلك هؤﻻ****ء المتأخرون الذين فسروا القرآن بما وصلوا إليه من اﻷ****مور العلمية ، الفلكية أو اﻷ****رضية ، والقرآن ﻻ**** يدل عليها ، فإنهم يكونون قد فسروا القرآن بآرائهم ، إذا كان القرآن ﻻ**** يدل عليه ، ﻻ**** بمقتضى النص وﻻ**** بمقتضى اللغة ، فهذا هو رأيهم ، وﻻ**** يجوز أن يفسر القرآن بهذا .
وكذلك أيضاً لو لم يكن عند اﻹ****نسان فهم للمعنى اللغوي ، وﻻ**** للمعنى الشرعي الذي تفسر به اﻵ****ية ، فإنه إذا قال قوﻻ**** بﻼ**** علم ، فيكون آثما ، كما لو أن أحداً من العامة فسر آية من القرآن الكريم على حسب فهمه ، من غير مستند - ﻻ**** لغوي وﻻ**** شرعي- ، فإنه يكون حراماً عليه ذلك ؛ ﻷ****ن مفسر القرآن يشهد على الله بأنه أراد كذا ، وهذا أمر خطير ، ﻷ****ن الله حرّم علينا أن نقول عليه ما ﻻ**** نعلم ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) اﻷ****عراف ( 33 ) ، فأي إنسان يقول على الله ما ﻻ**** يعلم ، في معنى كﻼ****مه أو في شيء من أحكامه ، فقد أخطأ خطأ عظيماً " انتهى " شرح مقدمة التفسير " (ص/142) .

والله أعلم .