أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


كني النبي صلى الله عليه وسلّم
قال الزبيدي : الكنية على ما اتفق أهل العربية هو ما صُدّر بأب أو أمّ أو ابن أو بنت على الأصح في الأخيرتين وهو قول الرضي وسبقه إليه الفخر الرازي. ([1]).
فعلى هذا القول الأصح فكنى النبي صلى الله عليه وسلم التي وقفت عليها سبعة:
الكنيةالأولى "أبو القاسم" وهذه الكنية أشهر كناه فعن أنس رضي الله عنه كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم في السوق فقال رجل : يا أبا القاسم فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : سمّوا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي" رواه البخاري (3537).
وقال الذهبي في التاريخ ( قسم السيرة :33) وتواتر أن كنيته أبو القاسم.
الكنية الثانية "أبو إبراهيم": فعند الحاكم (2/602) وابن عساكر في التاريخ (3/44) من حديث أنس قال لمّا ولد إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال السّلام عليك يا أبا إبراهيم" وهو حديث ضعيف فيه ابن لهيعة..
وأخرج ابن عساكر في التاريخ أيضاً (3/45) وابن عبدالحكم في فتوح مصر كما في الإصابة (3/335) من حديث عبدالله بن عمرو وهو أثر ضعيف أيضاً
فقال الحافظ في الإصابة (3/335) وشذ ابن لهيعة بعض رواته في شيخه اهـ.
الكنية الثالثة "أبو الأرامل": ذكره ابن الملقن ([2]) ولم يذكر لها مستندا.
الكنية الرابعة "ابن عبدالمطلب": ففي الصحيحين من حديث البراء أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم قال في يوم حنين أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطّلب
الكنية الخامسة "ابن العواتك": وروى البيهقي في الدلائل (5/136) من حديث شبابة بن عاصم السلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في يوم حنين "أنا ابن العواتك" خرَّجه العلامة الألباني في الصحيحة (1569) وحسنه.
والمراد بالعواتك في هذا الحديث بعض جدَّاته فقال قُتَيْبة بن سعيد كان للنبيصلى الله عليه وسلم ثلاث جدَّات من سُليم أسماؤهن عاتكة، وقال البيهقي بلغني أن إحداهن أمّ عدنان والأخرى أم هاشم والثالثة جدته من قبل زهرة .اهـ ([3]).
الكنية السادسة "ابن الفواطم": روى ابن عساكر في التاريخ (3/108) عن أبي بكر البرقي قال حدثني بعض الطالبيين قال روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم أُحد:"أنا ابن الفواطم"، وهذا حديث لا أصل له.
والمراد بالفواطم في هذا الخبر خمس من جدّته r إحداهنّ قرشية- وهي أم أبيه -وقَيْسِيتَانِ ويمانيتان ([4]).
الكنية السابعة "ابن الذبيحين": فقد أخرج الحاكم (2/554) من طريق عبدالرحيم الخطابي ثنا عبدالله بن محمد العتبي ثنا عبدالله بن سعيد الصنابحي قال حضرنا مجلس معاوية بن أبي سفيان فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق بن إبراهيم فقال بعضهم الذبيح اسماعيل وقال بعضهم بل إسحاق الذبيح فقال معاوية سقطتم على الخبير كنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه الأعرابي فقال يا رسول الله خلفت البلاد يابسة والماء يابساً هلك المال وضاع العيال فعد علي بما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه فقلنا يا أمير المؤمنين وما الذبيحان قال أن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم ندر الله أن سهل الله أمرها أن ينحر بعض ولده فأخرجهم فأسهم بينهم فخرج السهم لعبدالله فأراد ذبحه فمنعه أخواله من بني مخزوم وقالوا أرض ربك وافد ابنك قال ففداه بمائة ناقة قال فهو الذبيح وإسماعيل الثاني".
قال الذهبي في التلخيص إسناده واه .اهـ.
وقد ذُكِرَ أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أنا ابن الذبيحين"، خرّجه العلامة الألباني في الضعيفة برقم (1677) وقال لا أصل له.
والمراد بالذبيحين هنا إسماعيل وأبا النبيّ r ومن قال غير ذلك فقد أخطأ
فقال الحافظ مغلطاي في الإشارة (ص 16) وأمّا قول من قال أراد أباه وهابيل لأنّ الذبيح عندهم إسحاق فلا نعلم له وجهاً لأنّه ليس من ولد هابيل إجماعاً إلا أن يريد أنّ العمّ بمنزلة الأب وكذا في إسحاق .
الخلاصة:
لم يصح في كناه إلا ثلاث "أبو القاسم، وابن عبدالمطلب، وابن العواتك" وأما الباقيات فضعيفة أو مما لا أصل لها.
تنبيه: قوله: "أنا ابن عبد المطلب" و "أنا ابن العواتك" ونحوهما أراد بذلك الإشارة بنعمة الله في نفسه وآبائه وأمّهاته أو أراد به التعريف لا فخراً ([5]).
فائدة هل يجوز التكنّي بكنية النبي صلى الله عليه وسلم ؟
في المسألة خلاف شهير وكلام طويل والراجح – والله أعلم بالصواب – أنه لا يحل التكنّي بأبي القاسم مطلقاً سواء كان اسمه محمداً أو غيره وهو قول الشافعي والبرهانُ على ذلك ما رواه البخاري (3537) وغيره من حديث أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق فقال رجل يا أبا القاسم فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال سمّوا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي".
وفي الصحيحين من حديث جابر قال ولد لرجل منا غلاماً فَسمَّاه القاسم فقالت الأنصار لا نكنيك لا ننعم عليك عيناً فأتى النبي فأخبره بذلك فقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم تسمّوا باسمي ولا تكنوا بكنيتي فإنما أنا أبوا القاسم".
فهذان الحديثان دليلا على ما ذكرناه لأن النبي عم النهي ولم يستفصل هل سمي هذا المكني بابي القاسم محمدا ام لا؟ واما ما رواه الترمذي (برقم2841)عن ابي هريرةان النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجمع أحد بين اسمه وكنيته ويسمى محمداً أبا القاسم وإسناده حسن .
فلا يدل هو وأمثاله على جواز التكنّي بأبي القاسم بمن لم يسمِّ بمحمد بل يحمل هذا الحديث وأمثاله على أن جمع بين اسمه وكنيته أشدّ وأعظم حظراً من التكنّي بأبي القاسم مفرداً مع أن أكثر الروايات عن أبي هريرة وغيره وردت بلفظ "تسمّوا باسمي ولا تكنوا بكنيتي".
وقال ابن القيم في البدائع (4/121) قد سئل أحمد عن هذا الحديث: "تسمّوا باسمي ولا تكنوا بكنيتي" هو أن يجمع بين اسمه وكنيته أو يفرد أحدهما فقال أكثر الحديث تسمّوا باسمي ولا تكنوا بكنيتي" اهـ.
وأما ما رواه الترمذي (2843) وغيره من حديث محمد بن الحنفيّة عن علي أنه قال يا رسول الله أرأيت ان ولد لي بعدك اسمه محمّداً وأكنيه بكنيتك؟ قال نعم قال فكانت رخصة لي".
قال البيهقي في المعرفة (14/79) فهو في أكثر الروايات منقطع .اهـ.
وقال في السنن (9/521) والحديث مختلف في وصله. اهـ.
فلت فإن صحّ فلا يدل على الجواز بل كان ذلك رخصة خاصة لمحمد بن الحنفية كما ذكر نفسه.
وأما ما رواه داود (4968) من حديث عائشة قالت جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني قد ولدت غلاماً فسمّيته محمداً وكنّيته أبا القاسم فذكر لي أنك تكره ذلك فقال ما أحل اسمي وحرَّم كنيتي" أو ما الذي حرَّم كنيتي وأحلّ اسمي".
فقال البيهقي في المعرفة (14/79) لم يثبت إسناده.
قلت فيه محمد بن عمران الحجبي فقال الذهبي في المهذب (8/3897) ما رأيته في الضعفاء ولا في الثقات ولكن حديثه منكر.
وفي التقريب مستور
وأما ما رواه داود أيضاً (4966) من حديث أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تسمَّى باسمي فلا يكتني بكنيتي ومن تكنّى بكنيتي فلا يسمَّى باسمي" فهذا حديث منكر ([6]).
وأما ما رواه أبو شيبة كما في المنتقى في سرد الكنى للذهبي (1/17) عن محمد ابن عبدالرحمن مولى آل طلحة قال حدثتني ظئر محمد بن طلحة قال لما ولد محمد بن طلحة أتينا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما سمّيتموه؟ قلنا محمداً قال هذا اسمي وكنتيته أبا القاسم".
وأخرجه ابن قانع وابن السكن وابن شاهين كما في الإصابة (3/377) من طريق محمد بن عبدالرحمن عن ابراهيم بن محمد بن طلحة عن ظئر محمد بن طلحة.
وأخرجه ابن منده كما في الإصابة (3/377) – ما يخالف هذا – من وجه آخر عن إبراهيم بن محمد عن أبيه أنه ذُهِبَ به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد قسَّماه محمداً وقال هو ابو سليمان لا أجمع له بين اسمي وكنيتي".
قال ابن منده المشهور الأول . اهـ.
قلت ففي قصة محمد بن طلحة اختلاف في السند والمتن، وهذا مما يقوي ضعفها مع أننا لم نقف على تمام أسانيدها إلا سند ابن قانع ([7])، وفيه محمد بن عثمان بن أبي شيبه وقد كُذّب.
الخلاصة: لم يصح ما يعارض النهي عن التكني بأبي القاسم البتّة .
فقال البيهقي في المعرفة (14/79) وأحاديث النهي عن التكني بكنيته على الإطلاق من الأحاديث الثابتة الصحيحة التي لا يعارض بأمثال هذا.
وقال العلامة الألباني في الصحيحة (6/1081) ولست أشكُّ أن الصواب إنما هو المنع مطلقاً وسواء كان اسمه محمداً أم لا لسلامة الأحاديث الصحيحة الصريحة في النهي عن المعارض الناهض.

(3) تاج العروس : مادة : كنى

([2]) التوضيح لشرح الجامع الصحيح (20/116) بتحقيق دار الفلاح.

([3]) الدلائل (5/136).

([4]) انظر إيضاح المدارك في إفصاح عن العواتك للزبيدي (36).

([5]) إيضاح المدارك، للزبيدي(26).

([6]) راجع الضعيفة (6/1075).

([7]) انظر معجم الصحابة لابن قانع