<div>

التكافل والمسؤولية الاجتـمـاعـيه من منظور اسلامي


المقصود بالتكافلالاجتماعي أو العدالة الاجتماعية


أولاً : إحساس المجتمع بالواجب عليه إتجاه الفقير المعوز والشيخ العاجز عن الكسب والمريضغير القادر على العمل واليتيم الذي فقد من يرعاه .


ثانياً : تكفل القادرين من أبناء المجتمع بسدحاجة وعوز هؤلاء جميعاً ، وتوفير ما يحتاجون من أسباب العيش الكريم وألوان الرعاية .


وموقف الإسلام من كل ذلك هوفرضه التكافل الاجتماعي في كل صوره وأشكاله ليكون أحدالدعائم القوية لبناء المجتمع الإسلامي.


يقولسبحانه وتعالى : (( إنما المؤمنون أخوة )) ( آية 10 – سورةالحجرات ) . ويقول
:
((

واعبدوا الله ولاتشركوا به شيئاً ، وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكينوالجار ذي القربى والجار الجنب)) ( آية 36 – سورة النساء ) .
وتروى عن النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) أحاديث كثيرة في هذاالباب منها: ليس منا من بات شبعاناً وجاره جائع.
ويقول :من كان له فضل ظهر فليعد به على منلا ظهر له. ومن كان له فضل زاد فيعد به على من لا زاد له .
ويقول : المؤمن للمؤمن كالبنيان يشده بعضهبعضاً .
إن الإسلام عندما فرض التكافل الاجتماعيليحقق العدل في المجتمع أقامه على ركنين قويين
الضمير الإنساني من داخلالنفس ، والتشريع القانوني في محيط المجتمع ، وزاوج بين هاتين القوتين لكي يقيممجتمعاً متوازناً متناسقاً يقوم فيه الضمير البشري حارساً على تنفيذ التشريع ، بلساعياً إلى السمو فوق ما يوجبه التشريع والتكليف .ففي مجال التشريع والتكليف فرضالوسائل اللازمة لتمويل ما يتطلبه التكافل الاجتماعي


وهذه الوسائل هي :


1 .

الزكاة المفروضة على كل مسلم مالك للنصاب .
2 .

الجزية المفروضة على أهل الذمة .
3 .

الخـراج .

وفي سبيل تحقيقمبدأ رعاية الدولة لكلفرد فيها رعاية كريمة ، جعل للفقراء والمساكين ربع ما تحصله الدولة من أموال الزكاة . ليس هذا فحسب بل أن هذا النصيب إذا لم يف بحاجة الفقراء والمساكين جعل حقاً آخرعلى الأغنياء يستوفى منهم لحاجة هؤلاء وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام : (( إن الله فرض على الأغنياء من أموالهم بقدر ما يسع فقراءهم )) ويقول (( إن في المال حقاً سوى الزكاة.
وذلك يعني أنالإسلام يوجب على أهل كل حي وبلد أن يعيش أهله بعضهم مع بعض في حالة تكافل وتعاون ،يحن غنيهم على فقيرهم ، ويسد شبعانهم حاجة جائعهم ، ويعطف كل جار على جار ، وفي هذايقول (صلى الله عليه وسلم) : (( أيما أهل عرصة أمسواوفيهم جائع فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله .
ويقول ابن حزم في كتابهالمحلى بالآثار : إن الله قد فرض على الأغنياء من كل بلد أن يقوموا بفقرائهم ،ويجبرهم السلطان على ذلك . وإن لم تقم الزكواة بهم … فيقام بهم بما يأكلون من القوتالذي لا بد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنهم من المطر والصيفوالشمس وعيون المارة(( وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل )) . وأخبر عبد الله بن عمر أن رسول الله (صلى اللهعليه وسلم) قال :(( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ))فمنتركه يجوع ويعرى وهو قادر على طعامه وكسوته فقد ظلمه وأسلمه )) – فلا جرم إذن أنيعد موت إنسان جوعاً في بلد إسلامي أقطع دليل على تقصير أهله فيما فرضه عليهم دينهممن واجب التكافل الاجتماعي، والتواصي بالبر والخير والإحسان واحترام الحياةالإنسانية ـ ولا غرابة إذن فيما يذهب إليه بعض فقهاء المسلمين من وجوب الدية علىأهل البلد متضامنين إذا مات أحد أفرادها جوعاً جزاءً لهم عما أدى إليه تقصيرهم


.
ويحدث عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) الصحابةعن المال فيقول : (( ألا إني ما وجدت في صلاح هذا المال إلاّ بثلاث أن يؤخذ من حق،ويعطى في حق، ويمنع من باطل … ألا وإنما أنا في مالكم هذا كوالي اليتيم : إناستغنيت استعففت … وإن افتقرت أكلت بالمعروف.
ويقول في توزيع الثروة : إني حريص على ألاّ أدع حاجة إلاّ سددتها ما اتسع بعضنا لبعض ، فإذا تآسينا في عيشنانستوي في الكفاف.
ولم يهمل الإسلام الصغيروالعاجز عن العمل لشيخوخة أو مرض ، فبدأ بفرض التكامل بين
الأقارب ، فأوجب علىالقادرين منهم أن ينفقوا على المحتاجين . وفي حالة عدم وجود من يقوم بذلك فرض علىبيت المال الإنفاق على العاجزين عن الكسب ، وهذا لاشك هو التطبيق الحقيقي لما نسميهاليوم بنظام الضمان الاجتماعي .
ولم يكن تطبيق هذا النظام حكراً على المسلمين بلأن عمر بن الخطاب توسع في تطبيقه حتى على غير المسلمين .قال الإمام أبو يوسف : وحدثني عمر بن نافع عن أبي بكر قال : مر عمر بن الخطاب بباب قوم وعليه سائل يسألوهو شيخ كبير ضرير البصر ، فضرب عمر عضده من خلفه ، وقال : من أي أهل الكتاب أنت ؟قال : ****ي .
قال : فما ألجأك إلى ما أرى ؟ قال : أسأل الجزية والحاجة والسن .
فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله وأعطاه ما تيسر ، ثم أرسل إلى خازن بيت المالفقال : انظر هذا وضرباءه ، فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم ،قال تعالى :
((


<div align="right">إنما الصدقات للفقراء والمساكين )) والفقراءهم المسلمون ، والمساكين أهل الكتاب وهذا منهم.
وهناك ما سنه عمر بنالخطاب t بجعل عطاء في بيت المال لكل وليد يولد بما يفيد أن العلاوة الاجتماعيةالتي تعطى الآن للعاملين في حقل الدولة أصلها في الإسلام بصورة أعم وأشمل ، فقد كانعمر يعطي كل وليد ، بصرف النظر عن إن كان والده عامل في حقل الدولة أو غير عاملفيه .


ومن الصفحات المشرفة في الإسلام عن تحقيق معنى التكافلالاجتماعي بما لا يخطر على البال أن عمر بن الخطاب أمر بتخصيص مراعٍ لأغنامالفقراء ترعى فيها وحدها وأصدر أمراَ بذلك وفي هذا يقول إن هذه المراعي لا تباحلغنم الأغنياء أمثال عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان .
هذا جانب منالتكافل الاجتماعي الذي ابتدعه الإسلام وأقامه قبل أن تعرف الإنسانية شيئاً في هذاالمجال. وهكذا نجد أن ما أعلنته الثورة الفرنسية ، وما أعلنته المنظمة الدولية منحقوق الإنسان ليس جديداً على الإنسانية وأن الإسلام سبق بقرون بإعلان هذه الحقوقوالحفاظ عليها.
وقد بلغ تطبيق مبدأ التكافلالاجتماعي زمن عمر بن عبد العزيز القمة بالنسبة للتطبيق الفعلي لهذا المبدأ .حيثكان موقفه من أموال الأمة تضاهي حرمة الإيمان ذاته وأعلنها صريحة مدوية لابد منتقصي الحق في جمع تلك الأموال والعدل في كيفية توزيعه .
فيما يتعلق بالدخل … نرى الخلفاء قبله، وقد أرهق الترف والسرف ميزانية الدولة ، راحوا يعوضون ذلك بجمع المال بوسائل غيرمشروعة وضرائب غير عادلة .
فأهل الكتاب الذين يعتنقون الإسلام ، يضع عنهم الدينضريبة الجزية فوراً … ولكن الدولة الأموية تأبى في ذلك حكم الإسلام وتبقي الضريبةفوق كواهل الذين أسلموا ، مبررة ذلك بأنهم إنما يسلمون فراراً من الضريبة .
ويجيء الخليفة العادل فيرفض هذا التبرير الزائف ، ويعلن أن فرح الإسلام بفردواحد يدخل دائرة نوره وهداه ، خير من ملئ الأرض مالاً وذهباً .
ويطلق أميرالمؤمنين كلماته المضيئة هذه إن الله بعث محمداً هادياً ولم يبعثه جابياً .
ولقد أرسل إليه واليه على العراق ( عدي بن أرطأة ) يقول : (( إن الناس قددخلوا الإسلام أفواجاً ، حتى خشيت أن يقل الخراج . فيجيبه الخليفة المقسط العظيم
والله ، لوددت أن الناس كلهم يسلمون ، حتى نكون أنا وأنت حراثين نأكل من كسبأيدينا كذلك راح يتتبع كل الضرائب التي كان الخلفاء السابقون قد فرضوها علىالناس فألغاها جميعها .
بل وحتى الضرائب المشروعة ، مثل زكاة الزروع والثمار ،كان يضعها عن الناس عندما تنزل بمحاصيلهم جوائح ، أو تتعرض لبوار.هاهو يكتب لواليهعلى اليمن ( عروة بن محمد ) أما بعد فقد كتبت إلي تذكر أنك قدمت اليمن ، فوجدتعلى أهلها ضريبة من الخراج ثابتة في أعناقهم كالجزية يؤدونها على كل حال … إن خصبوا، أو أجدبوا ، …. إن حيوا ، أو ماتوا . فسبحان الله رب العالمين .. سبحان الله ربالعالمين .
إذا أتاك كتابي هذا ، فدع ما تنكره من الباطل ، إلى ما تعرفه منالحق واعلم أنك إن لم ترفع إلي من جميع اليمن إلاّ حفنة من كتم ( نوع نبات ) فقدعلم الله أني سأكون مسروراً ، ما دام في ذلك إبقاء على الحق والعدل )). وهنا ينقلناالحديث من الدخل إلى التوزيع ( التطبيق العملي للتكافل الاجتماعي ) فكيف راح الحاكمالقديس يوزع أموال الأمة ؟ وأين كان يضعها ؟
لقد رد المال إلى وظيفته الحقيقيةإلى دوره الأصيل ومسؤوليته الأولى في خدمة الأمة وتغطية احتياجاتها: لقد بدأ فرسمحدود الكفالة الشاملة التي ستنهض بها الدولة تجاه مواطنيها فرداً فرداً … وحددبالتالي مسؤولية بيت المال تجاه تغطية هذه الكفالة كلها ، نرى ذلك في كتابه إلىولاته :
لابد لكل مسلم من : مسكن يأوي إليه ، وخادم يكفيه مهنته ، وفرس يجاهدعليه عدوه ، وأثاث في بيته ، فوفروا ذلك كله ، ومن كان غارماً فاقضوا عنه دينه .
والتعبير بكلمة ( مسلم ) هنا … لا تعني قصر هذه المزايا بل الحقوق علىالمسلمين وحدهم . إنما استعمل هذا الوصف لغلبته لا أكثر … ثم كانت هذه المزاياوالحقوق من حق المواطنين جميعاً – مسلمين وأهل كتاب
وأمر الخليفة ولاته أنيبدءوا تغطية حاجات أقطارهم . وما فاض وبقي يرسل إلى الخزانة العامة … ومن قصر دخلإقليمه عن تغطية حاجات أهله ، أمده الخليفة بما يغطي عجزه :
استوعب الخراجوأحرزه في غير ظلم ، فإن يك كافياً للناس ، فحسناً وإلاّ فأكتب إلي حتى أبعث إليكمن المال ما توفر به للناس أعطياتهم.
ومضى – عمر بن عبد العزيز – يرفعالأجور الضعيفة وكفل كل حاجات العلماء والفقهاء ليتفرغوا لعلمهم ورسالتهم دون أنينتظروا من أيدي الناس أجراً .
وسخا على ولاته برواتب كبيرة ، حتى يتفرغوالمهامهم ، وحتى لا تضعف نفوسهم أمام إغراء الحرام . وعلى طول الدولة وعرضها كذلك ،أمر لكل أعمى بقائد يقوده ويقضي له أموره على حساب الدولة. ولكل مريض أو مريضينبخادم ، على حساب الدولة .وأمر ولاته بإحصاء جميع الغارمين، فقضى عنهم ديونهم .وافتدى أسرى المسلمين جميعاً، وأغدق عليهم العطاء. وكفل اليتامى الذين لا عائل لهمفي جميع أقطار دولته العريضة المترامية. وكما فعل جده العظيم – عمر بن الخطاب (رضيالله عنه) - من قبل، فعل هو أيضاً فأمر أن يفرض لكل مولود راتبه وعطاؤه بمجردولادته ، وليس بعد فطامه ، حتى لا تتعجل الأمهات فطام الرضعاء فيتعثر نموهم وتضمحلقواهم .


<div align="right"><font face="Times New Roman"><font color="darkgreen">وإننا لنكاد نذهل أمام ذلك الإجماع التاريخي الذي يحدثنا عن اختفاءالفقر والفقراء في عهد القديس الورع عمر بن عبد العزيز حتى لقد كان الأغنياء يخرجونبزكاة أموالهم فلا يجدون فقيراً يأخذها ، ويبسط يده<font face="Times New Roman">.