أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


السلام عليكم ورحمة الله

قال أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي زيد القيرواني(ت 386هـ) رحمه الله تعالى في كتابه : النوادر والزيادات على ما في المدوّنة من غيرها من الأمهات:
.....قال ابن مسعود: لا يستويان؛ المنهوم في العلم يزداد به خشية الرحمن، والمنهوم في المال يُؤَدِّيه إلى طُغيان.
وفي بعض الحديث: «اللَّهُمَّ لاَ فَقْرٌ يُنْسِينِي، ولا غِنًى يُطْغِينِي».
وقيل: إن طالب العلم يحتاج إلى البكور فيه، واستدامة الصبر على طلبه، وشدة الحرص عليه، وإذا كان الحريص لا يُقْلِعُ، والمنهومُ لا يَشْبَعُ، والحوادثُ تَحُولُ دون الأمل، فصرف الجُهْد والهِمَّةِ إلى ما يُتَعَجَّلُ بَرَكَتُه، مِن التَّفَقُّه في دينِ الله، وتتأجَّلُ غِبْطَتُه مِن العملِ به، أوْلَى مِن الاستكثار من الأسفار بلا تفَقُّهٍ، والتَّحَلِّي بغير تَحْقيقٍ.
قال الحسن: إن هذا الدين ليس بالتحلي ولا بالتمنِّي، ولكن ما وَقَرَ في القلوب، وصَدَّقَتْه الأعمال.
قال ابن هرمز: ما طَلَبْنا هذا الأَمْرَ حَقَّ طَلَبِه.
قال غيره: وأرْجَى الناسِ في نَيْلِ ما يَبْقَى مَن جَدَّ في طَلَبِه، واسْتَدامَ الصبرَ عليه وأوْطَنَه.
وممَّا تَمَثَّل به سَحْنُون:
أَخْلِقُ بِذِي الصَّبْرِ أنْ يَحْظَى بِحَاجَتِهِ ... ومُدْمِنِ الْقَرْعِ لِلأَبْوَابِ أَنْ يَلِجَا
وتمثَّل غَيرُه في حَمْلِ الأسْفارِ بلا تَفَقُّهٍ، فقال:
زَوَامِلُ لِلأَسْفَارِ لا عِلْمَ عِنْدَهُمْ ... بِجَيِّدِهَا إِلاَّ كَعِلْمِ الأَبَاعِرِ
لَعَمْرُكَ مَا تَدْري المَطِيُّ إِذا غَدَا ... بِأَحمالِهِ أَوْ رَاحَ مَا فِي الغَرَائِرِ

وكان يُقالُ: لا يؤْخَذُ العلم من كُتُبِيٍّ، ولا القرآنُ من مُصْحَفِيٍّ.
وإنْ كانت الكتبُ في آخرِ الزمانِ خزائنُ العلوم؛ فإنَّ مَفاتيحَ مَغالِقِها الصُّدورُ، وقد كان العِلْمُ في الصَّدْرِ الأوَّل خزائِنُه الصدورُ ولم تكن كُتُبٌ، وصار في آخِرِ الزمانِ أكثرُه في الكتبِ وأقَلُّه في الصدور، وكثُرت الكتبُ بالشَّرْح والتَّأْلِيد والتَّفْسير لِمَا قال أهلُ المدينةِ وكَثُر التَّقْصير، وإن كان مُتَقَدِّمُو أهلِ المدينةِ أقلَّ تَكَلُّفًا مِن غيرِهم، وكانوا أَعْلَمَ الناس بالأُصولِ مِن الأحكامِ والسُّنَنِ، وما تكلَّم فيه الصحابةُ ومَن بعدَهم من التَّأويل، وما اخْتَلَفُوا من الحوادث، وإنَّما وُلِّفَتِ الكتبُ في القرن الثالث.
قال مالك: لم يكنْ عندَ ابن شهاب كتابٌ إلاَّ كتابٌ فيه نَسَبُ قومِه. وكان عند أبي قلابة حِمْلُ بغْلٍ كتبًا , وإنَّما كَثُرَ حَمْلُ الفِقْهِ عن أهل المدينة على قِلَّةِ تكَلُّفِهم للتأليف والتأليد لحاجة الناس إليهم، .......
.........
وذكرت -وفَّقنا الله وإيَّاك إلى مَحَابِّه- ما كَثُرَ من الكتب مع ما قلَّ من الحرص والرغبة، وضَعُفَ من الطلب والعناية، والحاجة إلى ما افترق في كثرة الكتب من شرح وتفسير وزيادة معنًى شديدة، ورَغِبْتَ في أن نستثير العزيمة وتفتح بابًا إلى شدَّة الرغبة بما رغبتَ فيه من اختصار ما افترق من ذلك في أُمَّهات الدواوين من تآليف المتعقِّبين، وذكرْتَ أن ما في كتاب محمد بن إبراهيم ابن الْمَوَّاز، والكتاب المستخرج من الأسمعة، استخراج العتبي، والكتب المسماة الواضحة والسماع المضاف إليها المنسوبة إلى ابن حبيب، والكتب المسماة المَجْمُوعَة المنسوبة إلى ابن عبدوس، والكتب الفقهية من تأليف محمد ابن سحنون، أن هذه الدواوين تشتمل على أكثر ما رَغِبْتَ فيه من النوادر والزيادات، ورغبتَ في استخراج ذلك منها وجَمْعِه باختصار من اللفظ في طلب المعنى، وتقصِّي ذلك وإن انبسط بعض البسط، والقناعة بما يُذْكَرُ في أحدها عن تكراره، والزيادة إليه ما زاد في غيره؛ ليكون ذلك كتابًا جامعًا لما افترق في هذه الدواوين من الفوائد، وغرائب المسائل، وزيادات المعاني على ما في المدونة، وليكون لمن جمَعه مع المدونة أو مع مختصرها مَقْنَعٌ بهما، وغِنًى بالاقتصار عليهما؛ لتَجْمع بذلك رغبَتُه، وتيتجمَّ همَّتُه، وتعظم مع قلَّة العناية بالجمع فائدته، وقد رغبتُ في العناية بذلك، لِمَا رَجَوْتُ إن شاء الله من بركة ذلك، والنفع له لمن رسمه، ولكل من تعلَّمه، وأنا أفي لك، إن شاء الله، بنوادر هذه الدواوين المذكورة، وأذكر ما أمكنني وحضرني من غيرها، وبالله نستعين في ذلك، وإيَّاه نستخير فيه، ونستمدُّه توفيقه وعصمته، ونسأله نفع ذلك وبركته، وصَلَّى الله على نبيه محمد وعلى آله وسلَّم.