أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


حُكْمُ الاجْتِمَاعِ عِندَ أَهْلِ المَيِّتِ للطَّعَامِ وَالتَّعْزِيَةِ



لأَبِي يَعْقُوبَ يُوسُفُ بنُ أَحْمَدَ سِمرِينُ




بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه واستن بسنته واقتفى أثره واهتدى بهداه أما بعد
فهذا تحرير مختصر لمسألة قد شاعت في هذا الزمان وهي اجتماع الناس على الطعام عند أهل الميت واجتماعهم في المآتم للتعزية حتى ظن الناس أنها من السنة لكثرة ما وقع الناس فيها ولقلة من ينكرها أو يبين حقيقتها.
وقد قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) } الكهف

قال الطبري في تفسيره: يعني بالذين أتعبوا أنفسهم في عمل يبتغون به ربحا وفضلا فنالوا به عَطَبا وهلاكا ولم يدركوا طلبا، كالمشتري سلعة يرجو بها فضلا وربحا، فخاب رجاؤه وخسر بيعه ووكس في الذي رجا فضله. أهـ

وقد روى الحاكم في مستدركه عَنْ شَقِيقٍ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ –ابن عمر-: " كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَبِسَتْكُمْ فِتْنَةٌ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ، وَيَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَتَّخِذُهَا النَّاسُ سُنَّةً فَإِذَا غُيِّرَتْ، قَالُوا: غُيِّرَتِ السُّنَّةُ؟ " قِيلٌ: مَتَى ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: إِذَا كَثُرَتْ قُرَّاؤُكُمْ، وَقَلَّتْ فُقَهَاؤُكُمْ، وَكَثُرَتْ أَمْوَالُكُمْ، وَقَلَّتْ أُمَنَاؤُكُمْ، وَالْتُمِسَتِ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ. قال الذهبي في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم.

فقد والله لبستنا تلك الفتنة وغدا الدين غريبا بين أهله ومعتنقيه
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بدأ الإسلام غريبا، وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء ).

فنسأل الله تعالى أن نكون من هؤلاء الذين حصلت لهم الغربة بغربة دينهم لأنهم به مستمسكون ينفون عنه تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين وتحريف الغالين.



وقد التبس على الناس في هذه الأزمان من جملة ما التبس شأن المآتم وخلطوا بينها وبين التعزية المشروعة كما التبس عليهم شأن الاجتماع الى الطعام عند اهل الميت وخلطوا بينه وبين ما ندب من إرسال الطعام إلى أهل الميت خاصة وصرت تسمع من البعض قولهم رحم الله فلانا قد اجتمع في عزائه الكثير والكثير من الخلق مبينا عظم مصيبة الناس في ذلك الميت وتلك هي النياحة وهي عكس ما أمرنا به من عدم اظهار الجزع مع التجمل بالصبر والرضا والتسليم لقضاء الله.
فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت ". صحيح مسلم

وقد يظن ظان أن تفسير النياحة بهذا المعنى يعد خروجا عن معناه الأصلي في اللغة وليس كذلك بل إن هذا الفهم للنوح قائم على فهم المعنى الأصلي للنياحة وهو التقابل والاجتماع لأجل الحزن فأضف غربة اللسان العربي إلى غربة الدين.

قال الصاحب بن عباد في كتابه المحيط في اللغة:
والنَّوْحُ: مَصْدَرُ ناحَ يَنُوْحُ نِيَاحَةً ونَوْحاً، ونَوّاحَةٌ: ذاتُ مَنَاحَةٍ، ويَقَعُ النَّوْحُ على النِّساء اللاّتي اجْتَمَعْنَ في المَنَاحَةِ، ويُجْمَعُ على الأنْوَاحِ والنَّوائحِ، وسُمِّيَتْ لِتَقَابُلِهِنَّ عند البُكاءِ. والنَّوْحُ: نَوْحُ الحَمَامِ. والرِّيَاحُ إذا اشْتَدَّ هُبُوبُها يقال: تَنَاوَحَتِ الرِّيَاحُ، والجَبَلانِ يَتَنَاوَحانِ: إذا تَقابَلا. المحيط في اللغة

ولا نأمن أن يخرج علينا قائل يقول: أن اجتماع الناس للعزاء والاستكثار بهم هو من جنس ما يستكثر من الناس في اتباع الجنازة والصلاة على الميت وهو والله من جنس ما وقع فيه من خلط بين الإطعام المستحب لأهل الميت والطعام المبتدع لكل من هب ودب كما خلط المشركون بين البيع المباح والربا المحرم والفرق بين هذا كله بين واضح بحمد الله فالصلاة على الميت واتباع الجنازة وتعزية أهل الميت وإرسال الطعام إليهم من سنة الإسلام وهديه.
أما نصب الخيام والمآتم وجمع الناس للطعام والاستكثار بالناس بعد الدفن فمن سنة أهل الجاهلية وفعلهم كما سيأتي.
فالتعزية المشروعة دعاء للميت وأهله وأمر لهم بالصبر والاحتساب وهو صورة من صور التسليم والرضا بالقضاء والقدر.
والمآتم الممنوعة تذكير لأهل الميت بمصابهم وكلفة عليهم وتهويل بفقد الميت وصورة من صور الجزع بالمصائب تتنافى مع التسليم والرضا بالقضاء والقدر ولذلك سمى الرسول صلى الله عليه وسلم النياحة كفراً وهي شعار للحزن وصورة من صور النياحة على الميت وقد يتضرر به الميت.

فعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ رضى الله عنهما عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِى قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ ». متفق عليه
قال البغوي في شرح السنة: فَالْمَيِّتُ تَلْزَمُهُ الْعُقُوبَةُ لِبُكَاءِ أَهْلِهِ، بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِهِ وَوَصِيَّتِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ، أَوْ كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُهُ، فَلا يَنْهَاهُمْ عَنْهُ، فَيُعَاقَبُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِهَا، إِذَا كَانَ عَلَيْهِ كَفُّهُمْ عَنْهُ،

قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التَّحْرِيم: 6].أهـ

قال الحاكم في مستدركه: أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، ثنا إِسْحَاقُ، أَنْبَأَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6] قَالَ: عَلِّمُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمُ الْخَيْرَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.

وقال الذهبي في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم

قلت: ورواه الطبري في تفسيره بطريقين عن سفيان عن منصور عن رجل عن عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه في قوله: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) قال: علِّموهم وأدّبوهم.

وقال البخاري في صحيحه:
بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّتِهِ فَهُوَ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا {لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وَهُوَ كَقَوْلِهِ {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} ذُنُوبًا {إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} وَمَا يُرَخَّصُ مِنْ الْبُكَاءِ فِي غَيْرِ نَوْحٍ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ. أهـ
والطعام الذي شرع أن يرسل لأهل الميت هو من جنس المواساة لهم والشعور بمصابهم والتخفيف عنهم بسبب ما يشغلهم وهو صورة من صور التكافل بين المسلمين.
والطعام الذي يجتمع الناس عليه من جنس الضيافة التي تترافق مع السرور والفرح وهو يتنافى مع الحال التي اجتمع الناس بسببها مع ما فيها من الكلفة على أهل الميت أو غيرهم ممن يتولى اطعام الجموع الغفيرة من الناس وهو صورة من صور التكلف المذموم وفيه مشابهة لفعل أهل الجاهلية.
قال أبو داود في سننه: حدثنا يحيى بن موسى البلخي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا عقر في الإسلام». قال عبد الرزاق: كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة.

قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري رجاله ثقات رجال الشيخين سوى يحيى بن موسى البلخي فمن رجال البخاري ورواه الإمام أحمد في مسنده وافياً عن عبد الرزاق به فهو عنده على شرط البخاري ومسلم وهو في مصنف عبد الرزاق.

وقال البغوي في شرح السنة: وَقِيلَ: كَانُوا يَعْقِرُونَ وَيَقُولُونَ: كَانَ صَاحِبُ الْقَبْرِ يَعْقِرُهَا لِلأَضْيَافِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ، فَيُكَافَأُ بِمِثْلِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ. أهـ

واجتماع الناس في الصلاة على الميت واتباع جنازته هو مما ينتفع به الميت بشفاعتهم له بالصلاة عليه وينتفع به الناس بحصول الأجر لهم على ذلك كله.
فعن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة، كلهم يشفعون له، إلا شفعوا فيه ). صحيح مسلم
وعن كريب، مولى ابن عباس، عن عبد الله بن عباس، أنه مات ابن له بقديد - أو بعسفان - فقال: يا كريب، انظر ما اجتمع له من الناس، قال: فخرجت، فإذا ناس قد اجتمعوا له، فأخبرته، فقال: تقول هم أربعون؟ قال: نعم، قال: أخرجوه، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «ما من رجل مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلا، لا يشركون بالله شيئا، إلا شفعهم الله فيه». صحيح مسلم
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من شهد الجنازة حتى يصلي، فله قيراط، ومن شهد حتى تدفن كان له قيراطان )، قيل: وما القيراطان؟ قال: ( مثل الجبلين العظيمين ). متفق عليه
أما اجتماعهم في خيم العزاء فهو مما يتضرر به أهل الميت بتجديد الحزن وزيادة الكلفة عليهم بل وقد يعذب به الميت كما مضى ويتضرر به الكثير من الناس بتركهم أعمالهم أياماً متتالية ناهيك عما قد يكسبه الجميع من الإثم نتيجة اتباعهم لسنن أهل الجاهلية بإتيانهم أحد أشكال النياحة على الميت.

وإليك أخي هذا البحث المختصر الذي ضم أهم الأدلة في شأن المآتم واجتماع الناس للطعام عند أهل الميت محررا فيه ما نقل عن الصحابة والتابعين ومذيلا إياه بأقوال أئمة أهل السنة والجماعة كمالك والشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى.

قال ابن ماجة في السنن: حدثنا محمد بن يحيى قال ثنا سعيد بن منصور ثنا هشيم ح وحدثنا شجاع بن مخلد أبو الفضل قال ثنا هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة.

وقال الطبراني في المعجم الكبير: حدثنا عبدان بن أحمد ثنا أحمد بن منيع ثنا هشيم عن إسماعيل عن قيس عن جرير قال: كانوا يرون أن اجتماع أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة.

وجاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا نصر بن باب عن إسماعيل عن قيس عن جرير بن عبد الله البجلي قال كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعه الطعام بعد دفنه من النياحة.

قلت: هشيم مدلس وقد عنعنه ونصر بن باب ضعيف وقال ابن عدي الجرجاني في كتابه الكامل في ضعفاء الرجال: وَهو مع ضعفه يكتب حديثه.
قال أبو داود السجستاني: ذَكَرْتُ لِأَحْمَدَ حَدِيثَ هُشَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ «كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَةَ الطَّعَامِ لَهُمْ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ» , قَالَ: زَعَمُوا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ شَرِيكٍ.
قَالَ أَحْمَدُ: وَمَا أُرَى لِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْلٌ. مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود

قال الدارقطني - رحمه الله - : وسئل عن حديث قيس عن جرير قال: كانوا يرون الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة.
فقال: يرويه هشيم بن بشير ، واختلف عنه فرواه شريح ابن يونس ، والحسن ابن عرفة عن هشيم عن إسماعيل عن قيس عن جرير ، ورواه خالد بن القاسم المدائني قيل ثقة قال لا أضمن لك هذا جرحوه عن هشيم عن شريك عن إسماعيل ، ورواه أيضا عباد ابن العوام عن إسماعيل كذلك ) العلل للدارقطني.

وللأثر شاهد عند ابن أبي شيبة في مصنفه قال:
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ ، عَنْ طَلْحَةَ ، قَالَ : قَدِمَ جَرِيرٌ عَلَى عُمَرَ ، فَقَالَ : هَلْ يُنَاحُ قِبَلَكُمْ عَلَى الْمَيِّتِ ؟ قَالَ : لاَ، قَالَ: فَهَلْ تَجْتَمِعُ النِّسَاءُ عِنْدَكُمْ عَلَى الْمَيِّتِ وَيُطْعَمُ الطَّعَامُ ، قَالَ نَعَمْ ، فَقَالَ : تِلْكَ النِّيَاحَةُ.
قلت: رجاله ثقات رجال الشيخين الا أن فيه انقطاعا بين طلحة وجرير
وكيع هو ابن الجراح وطلحة هو ابن مصرف أدرك أنسا ولم يثبت له سماع منه وجرير هو ابن عبد الله البجلي الصحابي المعروف.
وله شاهد من قول عمر رضي الله عنه رواه أسلم بن سهل الواسطي في كتابه تاريخ واسط قال:
ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ، قَالَ: أنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أنا عُمَرُ أَبُو حَفْصٍ الصَّيْرَفِيُّ (وَكَانَ ثِقَةً) ، قَالَ: ثنا سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ عِنْدَ أَهْلِ الميت بعد ما يدفن من النياحة.
قلت: رجاله ثقات رجال الشيخين سوى عبد الحميد وهو ابن بيان الواسطي فمن رجال مسلم إلا أنه منقطع فسيار بن أبي سيار لم يدرك عمر رضي الله عنه وهو معدود في أتباع التابعين

عُمَرُ أَبُو حَفْصٍ الصَّيْرَفِيُّ صوابه عمرو وهو ابن علي بن بحر ابو حفص البصري الصيرفي الفلاس
وقد صحح هذا الأثر جمع من أهل العلم منهم النووي والبوصيري والألباني والشيخ شعيب الأرنؤوط بما له من من متابعات وشواهد

لكن هذا الأثر ضعيف كما قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إذ إن المتابعات التي وردت لا ينجبر بها الضعف الذي في الأثر وقد سبق أنه معلول بالانقطاع في رواية هشيم ولم يروى متصلا إلا من رواية نصر بن باب وهو ضعيف ومن رواية خالد بن قيس المدائني التي ذكرها الدارقطني ولم تردنا وهو مجمع على تركه متهم بالكذب وليس للأثر شاهد متصل الإسناد وعلى كل حال فقد صح عن عدة من التابعين بمعنى الأثر كما سيأتي ما يصلح اعتباره مفسرا ومبينا أن الاجتماع للتعزية للرجال وصنعة الطعام من النياحة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأصح ما روي عن جرير في هذا الشأن ما رواه الطبراني في معجمه الكبير حيث قال:
حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني ، حدثنا سعيد بن سليمان ، عن عباد بن العوام ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، قال: قال جرير بن عبد الله " يعددون الميت أو قال: أهل الميت بعدما يدفن ؟ " شك إسماعيل ، قلت: نعم ، قال: " كنا نعدها النياحة " .
قلت: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين سوى شيخ الطبراني أحمد بن يحيى الحلواني وهو ثقة مترجم في تاريخ بغداد.

وقال ابن أبي شيبة في مصنفه: حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ خَبَّابٍ ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ ، قَالَ : الطَّعَامُ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالنَّوْحُ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ.
قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين سفيان هو الثوري وأبو البختري هو سعيد بن فيروز مترجم في التهذيب وهو تابعي ثقة ثبت ورواه عبد الرزاق في مصنفه قال:
عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: الطَّعَامُ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَبَيْتُوتَةُ الْمَرْأَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَالنِّيَاحَةُ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ.

وقال ابن أبي شيبة في مصنفه: حَدَّثَنَا فُضَالَةُ بْنُ حُصَيْنٍ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ : ثَلاَثٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْتُوتَةُ الْمَرْأَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْمُصِيبَةِ لَيْسَتْ مِنْهُمْ وَالنِّيَاحَةُ وَنَحْرُ الْجَزُورِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ.
قلت: الأثر حسن لغيره وهذا إسناد ضعيف
فيه فضالة بن حصين قال عنه البخاري في التاريخ الكبير وابن ابي حاتم الرازي في الجرح والتعديل أنه مضطرب الحديث وعبد الكريم هو ابن أبي المخارق أبو أمية المعلم البصري من رجال التهذيب وهو ضعيف
وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه قال:
عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: ثَلَاثٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ: النِّيَاحَةُ، وَالطَّعَامُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَبَيْتُوتَةُ الْمَرْأَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ لَيْسَتْ مِنْهُمْ.
قلت: فيه الليث بن أبي سليم وهو ضعيف إلا أنه قد توبع بالرواية التي ذكرناها قبل عند ابن أبي شيبة في مصنفه.
وقال ابن أبي شيبة في مصنفه: حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ قَيْسٍ ، قَالَ : أَدْرَكْت عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَمْنَعُ أَهْلَ الْمَيِّتِ الْجَمَاعَاتِ يَقُولُ يَرْزَؤونِ وَيَغْرمُونَ.
قلت: إسناده حسن ثابت هو ابن قيس الغفاري مولاهم أبو الغصن المدني وقيس هو ابن الحارث ويقال بن حارثة الكندي ويقال المذحجي ويقال الغامدي الأزدي الحمصي قاضي عمر بن عبد العزيز على الأردن مترجم في التهذيب.

وفي الباب عند أبي الطاهر السِّلفي في المشيخة البغدادية قال:
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ السُّكَّرِيِّ الْمُقْرِئِ صَاحِبُ قِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَعَلَيْهِ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ , نا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ بْنُ ثَابِتٍ الطَّرَائِفِيُّ , نا أَبُو يُوسُفُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الصَّيْدَلَانِيُّ , نا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُوسُفَ الرَّقِّيُّ , نا عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ الْمَصْرِيُّ , عَنْ شَيْبَانَ الْأَعْرَجِ , عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْمِصْرِيِّ , حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ , وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ , وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ , وَمَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ الْمُزَنِيُّ كُلُّهُمْ يُحَدِّثُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «نَهَى أَنْ يَقْعُدَ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ لِلْمُصِيبَةِ ثُمَّ يُؤْتَى فَيُعَزَّا , وَنَهَى عَنِ الْوَلْوَلَةِ عَلَى الْمَيِّتِ , وَنَهَى عَنْ إِطْعَامِ النَّاسِ عَلَى الْمَيِّتِ , وَنَهَى عَنْ إِصَابَةِ الطَّعَامِ عَلَى الْمَيِّتِ , وَنَهَى عَنْ إِيْصَالِ الطَّعَامِ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ»
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً بل رجح الحافظ ابن حجر أنه حديث موضوع وآفته عباد بن كثير قال عنه في التقريب: متروك قال أحمد روى أحاديث كذب.
ونقل الحافظ ابن حجر عن النووي وابن الصلاح أنه حديث باطل وذكره بتمامه نور الدين، علي بن محمد الكناني في كتابه تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة
الحسن بن ابي الحسن المصري صوابه البصري التابعي المعروف وشيبان الأعرج صوابه عثمان الأعرج وهو عُثْمَان بن عَبد اللَّهِ بن موهب التَّيْمِيّ وعباد بن كثير المصري صوابه البصري عباد ابن كثير الثقفي البصري والتصويب من كتابي التحبير في المعجم الكبير لأبي سعد السمعاني والتلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر العسقلاني

وهذا الحديث قطعة من حديث طويل في كتاب المناهي وهو من اختلاق عباد بن كثير كما رجح الحافظ ابن حجر حيث قال في التلخيص الحبير:
وَكِتَابُ الْمَنَاهِي رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ وَمَدَارُهُ عَلَى عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عُثْمَانَ الْأَعْرَجِ عَنْ الْحَسَنِ حَدَّثَنِي سَبْعَةُ رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ وَجَابِرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَمَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمُغْتَسَلِ وَنَهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَنَهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَشَارِعِ وَنَهَى أَنْ يَبُولَ الرَّجُلُ وَفَرْجُهُ بَادٍ إلَى الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا فِي نَحْوِ خَمْسَةِ أَوْرَاقٍ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ فِي غَالِبِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ بل هُوَ مِنْ اخْتِلَاقِ عَبَّادٍ.

قال أشهب: وسئل مالك عن أهل الميت هل يبعث إليهم بالطعام؟ فقال إني أكره المناحة ، فإن كان هذا ليس منها فليبعث.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن إرسال الطعام إلى أهل الميت لاشتغالهم بميتهم إذا لم يكونوا اجتمعوا لمناحة، من الفعل الحسن المرغب فيه المندوب إليه. البيان والتحصيل

وقال الشافعي: وأكره النياحة على الميت بعد موته وأن تندبه النائحة على الانفراد لكن يعزى بما أمر الله عز وجل من الصبر والاسترجاع وأكره المأتم وهي الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء فإن ذلك يجدد الحزن ويكلف المؤنة مع ما مضى فيه من الأثر. كتاب الأم للشافعي

وقال ابو داود: سَمِعْتُ أَحْمَدَ، " سُئِلَ عنِ الطَّعَامِ عَلَى الْمَيِّتِ؟ قَالَ: يُعْمَلُ لَهُمْ، وَلَا يَعْمِلُونَ هُمْ. مسائل الامام احمد رواية ابي داود السجستاني
وقال أبو داود: قلت لأحمد: أولياء الميت يقعدون في المسجد يعزون؟ قال أما أنا فلا يعجبني أخشى أن يكون تعظيماً للميت أو قال للموت. مسائل الامام احمد رواية ابي داود
وقال أبو منصور الكوسج: قلت: يكره الطعام على أهل الميت والبيتوتة عند أهل الميت؟ قال –أحمد بن حنبل-: يكون الطعام لأهل الميت وأما أن يجمع عليهم مثل العرس فلا، وأما المبيت فأكرهه. قال إسحاق –ابن راهويه-: كما قال. مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه للكوسج

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فأما اتخاذ المآتم في المصائب واتخاذ أوقاتها مآتمَ فليس من دين الإسلام، وهو أمر لم يفعله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أحد من السابقين الأولين ولا من التابعين لهم بإحسان ولا من عادة أهل البيت ولا غيرهم. جامع المسائل
وقال رحمه الله: وأما اتخاذ أمثال أيام المصائب مآتم فهذا ليس في دين المسلمين ، بل هو إلى دين الجاهلية أقرب .اقتضاء الصراط المستقيم

قلت: فاجتماع الناس عند أهل الميت للعزاء واجتماعهم عند أهل الميت على الطعام داخل تحت عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أَرْبَعٌ فِى أُمَّتِى مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ الْفَخْرُ فِى الأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِى الأَنْسَابِ وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ ). رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري

فالنياحة تحمل معنى إظهار الجزع وبيان عظم المصاب وهو بالضبط معنى قائم في تكثير الناس في بيوت العزاء لبيان أهمية الفقيد وعظم مصاب الناس به لذلك فإنه داخل في عموم النهي عن النياحة وهذا المعنى قد فهمه السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم من أن الاجتماع وصنع الطعام لغير أهل الميت يعد من النياحة فهم أهل اللسان العربي القويم وأهل الفهم المستقيم.
وللنياحة صور عديدة أذكر منها:

1. تعديد خصال الميت وفضائله ومكارمه أو مكارم قومه بعد الدفن
عن قيس بن أبي حازم ، قال : قال جرير بن عبد الله " يعددون الميت أو قال : أهل الميت بعدما يدفن ؟ " شك إسماعيل ، قلت : نعم ، قال : " كنا نعدها النياحة " . المعجم الكبير للطبراني
وينبغي الانتباه من الوقوع في التألي على الله والقول عليه بلا علم بسبب الثناء على من يظن صلاحه ممن مات من المسلمين
فعن خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ بَايَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهُ اقْتُسِمَ الْمُهَاجِرُونَ قُرْعَةً فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللهَ قَدْ أَكْرَمَهُ؟). فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللهُ؟ فَقَالَ: ( أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَاللهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللهِ مَا يُفْعَلُ بِي ). قَالَتْ فَوَاللهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا. صحيح البخاري
ويدخل في باب التألي على الله إنشاء ما يسمى بعرس الشهيد وهو أمر محدث مبتدع لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة رضوان الله عليهم مع علمهم بتصريح من النبي صلى الله عليه وسلم بقبول الله تعالى لبعض أعيان الصحابة ممن قتلوا في الجهاد.
ويخرج من هذه الصورة ثناء أهل الصلاح والفضل وشهادتهم للميت بحسن الديانة والمعتقد
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، يقول: مروا بجنازة، فأثنوا عليها خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وجبت» ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا، فقال: «وجبت» فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: «هذا أثنيتم عليه خيرا، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا، فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض». متفق عليه

وعن أبي الأسود، قال: قدمت المدينة وقد وقع بها مرض، فجلست إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فمرت بهم جنازة، فأثني على صاحبها خيرا، فقال عمر رضي الله عنه: وجبت، ثم مر بأخرى فأثني على صاحبها خيرا، فقال عمر رضي الله عنه: وجبت، ثم مر بالثالثة فأثني على صاحبها شرا، فقال: وجبت، فقال أبو الأسود: فقلت: وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيما مسلم، شهد له أربعة بخير، أدخله الله الجنة» فقلنا: وثلاثة، قال: «وثلاثة» فقلنا: واثنان، قال: «واثنان» ثم لم نسأله عن الواحد. صحيح البخاري

2. شق الثياب ولطم الخدود
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ). صحيح البخاري
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ، فَوَجَدَهُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَتَبْكِي؟ أَوَلَمْ تَكُنْ نَهَيْتَ عَنِ البُكَاءِ؟ قَالَ: ( لَا، وَلَكِنْ نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ: صَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ، خَمْشِ وُجُوهٍ، وَشَقِّ جُيُوبٍ، وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ ) رواه الترمذي في سننه وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

3. الصياح والدعاء بالويل وحلق النساء شعورهن إظهارا للجزع والحزن
عن عبد الله –ابن مسعود- رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية ). متفق عليه
وعن بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: وَجِعَ أَبُو مُوسَى وَجَعًا فَغُشِيَ عَلَيْهِ وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا شَيْأً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ بَرِئَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِئَ مِنْ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ. صحيح البخاري

قال ابن الأثير الصَّلْقُ: الصوتُ الشَّدِيدُ، يُريد رَفْعُه فِي الْمَصَائِبِ. النهاية في غريب الحديث والأثر
قلت: روى أبو داود في سننه والنسائي في المجتبى والإمام أحمد في مسنده عن عبدِ الله بنِ جعفر: أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلم أمهل آلَ جعفرٍ ثلاثاً أن يَأتِيَهم، ثم أتاهم، فقال: "لا تَبْكُوا على أخي بَعْدَ اليومِ" ثم قال: "ادعُوا لي بني أخي" فَجيءَ بنا كأنَّا أفرُخٌ، فقال: "ادعُوا لي الحلاقَ" فأمره، فَحَلَق رؤوسَنَا.
صححه الضياء المقدسي في المختارة والألباني والشيخ شعيب الأرنؤوط

وليس الحلق الذي في الحديث بسبب وفاة جعفر رضي الله عنه إنما هو من عناية النبي صلى الله عليه وسلم بأبناء جعفر رضي الله عنه.

قال الشوكاني في نيل الأوطار: قوله: (كأننا أفرخ) جمع فرخ وهو صغير ولد الطير. ووجه التشبيه أن شعرهم يشبه زغب الطير وهو أول ما يطلع من ريشه. والحديث يدل على أن الكبير من أقارب الأطفال يتولى أمرهم وينظر في مصالحهم وهو يدل على الترخيص في حلق جميع الرأس، ولكن في حق الرجال.

4. حداد المرأة على غير زوجها أكثر من ثلاثة أيام.
عن زينب بنت أبي سلمة، قالت: لما جاء نعي أبي سفيان من الشأم، دعت أم حبيبة رضي الله عنها بصفرة في اليوم الثالث، فمسحت عارضيها، وذراعيها، وقالت: إني كنت عن هذا لغنية، لولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ). متفق عليه
قلت: يكون الحداد للنساء دون الرجال ويكون بتركهن التزين والتجمل والمصبوغ من الثياب ولا يكون بلبس السواد واتخاذه شعارا لهن حال الحداد.
5. اجتماع الناس في المآتم وبيتوتة المرأة عند أهل المصيبة وليست منهم
عن جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة. مسند أحمد بن حنبل وسنن ابن ماجة والمعجم الكبير للطبراني
وعَنْ قَيْسٍ قَالَ: أَدْرَكْت عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَمْنَعُ أَهْلَ الْمَيِّتِ الْجَمَاعَاتِ يَقُولُ يَرْزَؤونِ وَيَغْرمُونَ. مصنف ابن أبي شيبة
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: ثَلَاثٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ: النِّيَاحَةُ، وَالطَّعَامُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَبَيْتُوتَةُ الْمَرْأَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ لَيْسَتْ مِنْهُمْ. مصنف عبد الرزاق

6. تجميع الناس على الطعام على الميت.
عن جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة. مسند أحمد بن حنبل وسنن ابن ماجة والمعجم الكبير للطبراني

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما صنعة أهل الميت طعاما يدعون الناس إليه فهذا غير مشروع وإنما هو بدعة. مجموعة الفتاوى

وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: ثَلَاثٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ: النِّيَاحَةُ، وَالطَّعَامُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَبَيْتُوتَةُ الْمَرْأَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ لَيْسَتْ مِنْهُمْ. مصنف عبد الرزاق
وعَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ ، قَالَ : الطَّعَامُ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالنَّوْحُ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ. مصنف ابن أبي شيبة

قلت: روى أبو داود في سننه عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى جَنَازَةٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى الْقَبْرِ يُوصِى الْحَافِرَ ( أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ). فَلَمَّا رَجَعَ اسْتَقْبَلَهُ دَاعِىَ امْرَأَةٍ فَجَاءَ وَجِىءَ بِالطَّعَامِ فَوَضَعَ يَدَهُ ثُمَّ وَضَعَ الْقَوْمُ فَأَكَلُوا فَنَظَرَ آبَاؤُنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَلُوكُ لُقْمَةً فِى فَمِهِ ثُمَّ قَالَ: ( أَجِدُ لَحْمَ شَاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا ). فَأَرْسَلَتِ الْمَرْأَةُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أَرْسَلْتُ إِلَى الْبَقِيعِ يَشْتَرِى لِى شَاةً فَلَمْ أَجِدْ فَأَرْسَلْتُ إِلَى جَارٍ لِى قَدِ اشْتَرَى شَاةً أَنْ أَرْسِلْ إِلَىَّ بِهَا بِثَمَنِهَا فَلَمْ يُوجَدْ فَأَرْسَلْتُ إِلَى امْرَأَتِهِ فَأَرْسَلَتْ إِلَىَّ بِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( أَطْعِمِيهِ الأَسَارَى ). صححه ابن حبان والحاكم والالباني والشيخ شعيب
فليس في هذا الحديث متعلق لمن أراد القول بتجويز تجميع الناس على الطعام للميت وليس فيه سوى أن وافقت دعوة المرأة النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه للطعام بعد رجوعهم من دفن أحد موتاهم.
ومما قد يتعلق به من قال بتجويز اجتماع الناس على الطعام للميت ما ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وعزاه للطبراني وفيه:
عن الأحنف بن قيس قال: كنت أسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لا يدخل رجل من قريش من باب إلا دخل معه أناس فلا أدري ما تأويل قوله حتى طعن عمر فأمر صهيبا أن يصلي بالناس ثلاثا وأمر أن يجعل للناس طعاما تلك الثلاث الأيام حتى يجتمع أهل الشورى على رجل فلما رجعوا من الجنازة جاؤوا وقد وضعت الموائد فأمسك الناس للحزن الذي هم فيه فجاء العباس بن عبد المطلب فقال: يا أيها الناس قد مات رسول الله صلى الله عليه و سلم فأكلنا وشربنا ومات أبو بكر رضي الله عنه فأكلنا وشربنا أيها الناس كلوا من هذا الطعام فمد يده ومد الناس أيديهم فأكلوا فعرفت تأويل قوله.
وقال الهيثمي عقبه: رواه الطبراني وفيه علي بن زيد وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح
قلت: لا وجود لهذا الأثر في المطبوع من أي من معاجم الطبراني فلعله من المفقود من المعجم الكبير ولا يلزم من كون رواة الأثر ثقات أن يكون الأثر صحيحا فقد يعل بالانقطاع والتدليس كما سيأتي
فالأثر رواه مسنداً ابن سعد في الطبقات الكبرى قال: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَعَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ بنحوه
ورواه أحمد بن منيع في مسنده عن يزيد بن هارون به كما في المطالب العالية لابن حجر واتحاف الخيرة المهرة للبوصيري
ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد والفسوي في المعرفة والتاريخ وأبو بكر الشافعي في فوائده المعروفة بالغيلانيات ومن طريقه ابن الجوزي في المنتظم كلهم بطرق عن حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ به
قلت: وإسناده ضعيف مداره على علي بن زيد وهو ضعيف وقد أخرج له مسلم في صحيحه مقرونا وقد تفرد في هذا الأثر وفيه الحسن البصري وقد عنعن قال فيه ابن حجر في التقريب: ثقة فقيه فاضل مشهور وكان يرسل كثيرا ويدلس.

فالأثر ضعيف الإسناد لا تقوم به حجة ولو افترضنا صحته تنزلا فليس فيه سوى تجويز اجتماع الناس على الطعام بعد موت خليفة المسلمين لمصلحة عامة للمسلمين وهي اجتماع أهل الشورى فقد جاء فيه : "وأمر أن يجعل للناس طعاما تلك الثلاث الأيام حتى يجتمع أهل الشورى على رجل".
وليس فيه أن اجتماعهم كان لأجل وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

7. تعليق صورة للميت على أحدى زواياها شريط أسود إعلاما بموته.
ومع ما في هذا الفعل من إظهار الجزع والمصيبة فيه أيضا انتهاك لحرمة تعليق الصور
فعن ابن عباس، عن أبي طلحة، رضي الله عنهم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تصاوير». متفق عليه

وفي هذا الفعل أيضا مشابهة لما كان عليه أهل الجاهلية الأولى فأوقعهم في الشرك بالله
فعَن عبيد الله بن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: أول مَا حدثت الْأَصْنَام على عهد نوح وَكَانَت الْأَبْنَاء تبر الْآبَاء فَمَاتَ رجل مِنْهُم فجزع عَلَيْهِ فَجعل لَا يصبر عَنهُ فاتخذوا مِثَالا على صورته فَكلما اشتاق إِلَيْهِ نظره ثمَّ مَاتَ فَفعل بِهِ كَمَا فعل حَتَّى تتابعوا على ذَلِك فَمَاتَ الْآبَاء فَقَالَ الْأَبْنَاء: مَا إتخذ آبَاؤُنَا هَذِه إِلَّا أَنَّهَا كَانَت آلِهَتهم فعبدوها.

ذكره الفاكهي في أخبار مكة بلا إسناد وعبيد الله صوابه عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي أبو هاشم المكي وهو تابعي مترجم في التهذيب.

وأعجب من هذا ما نراه ممن نحسبهم من أهل الصلاح في هذا الزمان يضعون صور من قتل من المجاهدين أو من توفاه الله من العلماء على شاشات هواتفهم وحواسيبهم وغيرها ظنا منهم أن ذلك مما يرضي الله أو مما يزيد في صلاح نفوسهم.

قال الطبري في تفسيره: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى، عن محمد بن قيس (وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) قال: كانوا قومًا صالحين من بنى آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صوّرناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوّروهم، فلما ماتوا، وجاء آخرون دبّ إليهم إبليس، فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يُسقون المطر فعبدوهم.

قلت: إسناده ضعيف فيه ابن حميد وهو محمد بن بن حميد بن حيان قال فيه ابن حجر في التقريب: حافظ ضعيف وكان ابن معين حسن الرأي فيه. وفيه مهران وهو ابن أبي عمر العطار وهو صدوق له أوهام سيء الحفظ كما في التقريب، وفيه موسى وهو ابن عبيدة بن نشيط وهو ضعيف


وعن عائشة أم المؤمنين أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات، بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة».
متفق عليه

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد أما ود كانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع كانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجوف، عند سبإ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم، أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت. صحيح البخاري


ويخرج من هذه الصور بعض مظاهر الحزن والمواساة المشروعة ومن ذلك:

1. البكاء الذي لا يصحبه صياح
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ، فَوَجَدَهُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَتَبْكِي؟ أَوَلَمْ تَكُنْ نَهَيْتَ عَنِ البُكَاءِ؟ قَالَ: " لَا، وَلَكِنْ نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ: صَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ، خَمْشِ وُجُوهٍ، وَشَقِّ جُيُوبٍ، وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ " رواه الترمذي في سننه وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

2. صنع الطعام لأهل الميت
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اصْنَعُوا لأَهْلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ.
رواه الترمذي في سننه وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ شَيْءٌ لِشُغْلِهِمْ بِالمُصِيبَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.

وقد يقال: أن الحكم دائر مع علته، والعلة التي من أجلها ورد الحديث هي إتيان أهل جعفر ما يشغلهم فيظن الظان أن انشغال من صلى على الميت وسار في جنازته حتى تدفن ممن يشمله عموم الحديث.
وليس كذلك فإن جعفر رضي الله عنه قتل في معركة مؤتة ودفن على مقربة من أرض المعركة فلم ينشغل أهله به بتغسيل أو دفن لذا فإن العلة التي في الحديث خرجت مخرج العام الذي يراد به الخاص يعني انشغالهم بالحزن على ميتهم.

وعن عروة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت ثم صنع ثريد فصبت التلبينة عليها ثم قالت: كلن منها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن ). متفق عليه

قال ابن الأثير: التَّلْبِينَةُ والتَّلْبِين: حَساءٌ يُعمل مِن دَقيق أَوْ نُخَالة، وربَّما جُعِل فِيهَا عَسَل، سُمِّيت بِهِ تشْبيهاً باللَّبن. لبَيَاضِها ورِقَّتها. النهاية في غريب الحديث والأثر

قلت: وفي هذا الحديث ذكر اجتماع النساء عند أهل الميت وهو ليس مما ينكر إن كان من غير تكلف أو نياحة أو تحمل مؤنة على أهل الميت مع مراعاة عدم طول المكث وعدم البيات لمن ليست من أهل الميت كما جاء في الأثر

3. مواساة أهل الميت بتعزيتهم إذا لقوهم
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه إن ابنا لي قبض، فأتنا، فأرسل يقرئ السلام، ويقول: ( إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل عنده بأجل مسمى، فلتصبر، ولتحتسب ) ، فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها، فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت ورجال، فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي ونفسه تتقعقع - قال: حسبته أنه قال كأنها شن - ففاضت عيناه، فقال سعد: يا رسول الله، ما هذا؟ فقال: ( هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ). متفق عليه

قال الشافعي رحمه الله: وَالتَّعْزِيَةُ مِنْ حِينِ مَوْتِ الْمَيِّتِ في الْمَنْزِلَ، وَالْمَسْجِدَ وَطَرِيقَ الْقُبُورِ، وَبَعْدَ الدَّفْنِ، وَمَتَى عَزَّى فَحَسَنٌ فَإِذَا شَهِدَ الْجِنَازَةَ أَحْبَبْت أَنْ تُؤَخَّرَ التَّعْزِيَةُ إلَى أَنْ يُدْفَنَ الْمَيِّتُ إلَّا أَنْ يَرَى جَزَعًا مِنْ الْمُصَابِ فَيُعَزِّيَهُ عِنْدَ جَزَعِهِ، وَيُعَزِّيَ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ، وَالْمَرْأَةَ إلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً شَابَّةً وَلَا أُحِبُّ مُخَاطَبَتَهَا إلَّا لِذِي مَحْرَمٍ، وَأُحِبُّ لِجِيرَانِ الْمَيِّتِ أَوْ ذِي قَرَابَتِهِ أَنْ يَعْمَلُوا لِأَهْلِ الْمَيِّتِ فِي يَوْمِ يَمُوتُ، وَلَيْلَتِهِ طَعَامًا يُشْبِعُهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ، وَذِكْرٌ كَرِيمٌ، وَهُوَ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْخَيْرِ قَبْلَنَا، وَبَعْدَنَا. كتاب الأم للشافعي

وقد مر كلامه رحمه الله في النهي عن الجماعات والمآتم والزيارة للمنزل حين الموت يقصد بها قبل الدفن كما هو ظاهر في سياق كلامه رحمه الله

قال أبو داود: قلت لأحمد التعزية عند القبر؟ قال أرجو أن لا يكون به بأس. مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود

قلت: وينبغي أن يكون ذلك دون جمهرة وتجمع واصطفاف بجانب القبر لما في ذلك من تضمن لمعنى النياحة

وفي الباب عند البزار في مسنده قال:
حدثنا أحمد بن عثمان قال: نا جعفر بن عون عن بشير بن المهاجر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فبلغه أن امرأة من الأنصار مات ابن لها فحزنت عليه فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه فلما بلغ باب المرأة قيل للمرأة إن نبي الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يدخل عليها يعزيها فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أما أنه قد بلغني أنك جزعت على ابنك " فقالت: يانبي الله ومالي لا اجزع وأنا رقوب لا يعيش لي ولد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما الرقوب الذي يعيش ولدها إنه لا يموت لامرأة مسلمة أو امرىء مسلم نسمة أو قال: ثلاثة من الولد فيحتسبهم إلا وجبت له الجنة " فقال عمر رضي الله عنه وهو على يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم: بأبي وأمي واثنين قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : " واثنين ".
قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح
قلت: ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده الكبير قال: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ به كما في المطالب العالية لابن حجر واتحاف الخيرة المهرة للبوصيري
ورجاله رجال الشيخين سوى بشير بن المهاجر فقد أخرج له مسلم في صحيحه حديثا واحدا في المتابعات.
قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل: سمعت أبي يقول: بشير بن مهاجر يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال ابن عدي في الكامل: وَقَدْ رَوَى مَا لاَ يُتَابَعُ عَليه.
وقد تفرد بهذا السياق فالحديث ضعيف بهذه السياقة
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد إلا أدخله الله الجنة ) ثابت في الصحيحين من حديث ابي هريرة رضي الله عنهوفي صحيح البخاري عن انس وعن ابي سعيد الخدريوفي مسند الامام أحمد وغيره عن عدة من الصحابة من غير السياق الذي جاء في حديث البزار عن بريدة

وقال البيهقي في شعب الإيمان: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ الدَّامِغَانِيُّ نَزِيلُ بَيْهَقَ, نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ , نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ شُعَيْبٍ التَّمَّارُ بِالْبَصْرَةِ إِمْلَاءً , نَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ , عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ , دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ نُعَزِّيهِ عَلَى ابْنٍ لَهُ مَاتَ فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ , إِنَّا لَنَرْجُو لَهُ النَّعِيمَ. قَالَ: وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ , سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الْمَوْتُ كَفَّارَةٌ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ ".

قلت: فيه محمد بن صالح بن شعيب التمار أبو بكر البصري. وهو مجهول مترجم في لسان الميزان وقد تفرد بهذا الإسناد والحديث روي بطرق حكم عليها بالوضع عدة من المحدثين منهم ابن الجوزي في الموضوعات والألباني في الضعيفة

قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان: وقد جمع شيخنا الحافظ أبو الفضل بن العراقي طرقه في جزء والذي يصح في ذلك حديث حفصة بنت سيرين عن أنس رضى الله تعالى عنه بلفظ الطاعون كفارة لكل مسلم أخرجه البخاري.

وقال البزار في مسنده: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ابْنٌ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتُحِبُّهُ؟» ، فَقَالَ: أَحَبَّكَ اللَّهُ كَمَا أُحِبُّهُ، فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ ابْنُهُ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: «مَا يَسُرُّكَ أَلَّا تَأْتِي بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ عِنْدَهُ يَفْتَحُ لَكَ»، وَهَذَا الْكَلَامُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قُرَّةُ بْنُ إِيَاسَ.
قلت: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين سوى صحابيه قرة ابن إياس فلم يخرجا له.
والحديث رواه وكيع بن الجراح وآدم بن أبي إياس ومحمد بن جعفر عن شعبة عن معاوية بن قرة ولم يذكروا فيه إتيان النبي صلى الله عليه وسلم للرجل
ورواه زيد بن أبي الزرقاء ويونس بن محمد عن خالد بن ميسرة عن معاوية بن قرة وليس فيه إتيان النبي صلى الله عليه وسلم للرجل وهو ما يشعر أن لفظة الإتيان غير محفوظة والله أعلم.
رواه الإمام أحمد في مسنده حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ به وقال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَيَزِيدُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، بنحوه
وأخرجه الحاكم في المستدرك قال: حَدَّثَنَا أَبُو الصُّفْرِ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الْكَاتِبُ بِهَمْدَانَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، ثنا شُعَيْبٌ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا أَبِي، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا شُعْبَةُ، به.
وأخرجه النسائي في سننه قال: أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَيْسَرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ به وفيه: ( فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ، فَأَخْبَرَهُ )
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ، بِبَغْدَادَ , أنبأ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الْمُنَادِي، ثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا خَالِدُ بْنُ مَيْسَرَةَ أَبُو حَاتِمٍ به. وفيه فَعَزَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: " يَا فُلَانُ أَيُّمَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيْكَ أَنْ تُمَتِّعَ بِهِ عُمُرَكَ؟ الحديث
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْمِصِّيصِيُّ ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ به.

4. حداد المرأة في بيتها على زوجها أربعة أشهر وعشرا أو إلى حين الوضع للحامل منهن وعلى غير زوجها ثلاثة أيام إن شاءت.
قال تعالى: ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234). البقرة
وعن أم عطية، قالت: كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج، أربعة أشهر وعشرا، ولا نكتحل، ولا نطيب، ولا نلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب، وقد رخص لنا عند الطهر، إذا اغتسلت إحدانا من محيضها، في نبذة من كست أظفار، وكنا ننهى عن اتباع الجنائز. متفق عليه

قال ابن الأثير: الأَظْفَار: جِنْسٌ مِنَ الطِّيبِ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ. وَقِيلَ وَاحِدُهُ: ظُفْر. وَقِيلَ: هُوَ شَيْءٌ مِنَ الْعِطْرِ أَسْوَدُ. وَالْقِطْعَةُ مِنْهُ شَبِيهَةٌ بالظُّفْر.

وقال: العَصْب: بُرودٌ يَمنيَّة يُعْصَب غَزْلها:
أَيْ يُجْمَع ويُشدّ ثُمَّ يُصْبَغُ ويُنْسجُ فَيَأْتِي مَوِشِياً لِبقَاءِ مَا عُصِبَ مِنْهُ أبيضَ لَمْ يأخُذْه صِبغ.
يُقَالُ: بردٌ عَصْبٍ، وبُرُود عَصْبٍ بالتَّنوين والإضافةِ.
وَقِيلَ: هِيَ بُرودٌ مخطَّطةٌ.
والعَصْب: الفَتلُ، والعَصَّاب: الغَزَّال، فيكونُ النهيُ للمعتدَّة عَمَّا صُبِغ بعدَ النَّسْج.

النهاية في غريب الحديث والأثر

وعن أم سلمة رضي الله عنها: أن امرأة توفي زوجها، فاشتكت عينها، فذكروها للنبي صلى الله عليه وسلم، وذكروا له الكحل، وأنه يخاف على عينها، فقال: " لقد كانت إحداكن تمكث في بيتها، في شر أحلاسها - أو: في أحلاسها في شر بيتها - فإذا مر كلب رمت بعرة، فهلا، أربعة أشهر وعشرا ". متفق عليه. شر أحلاسها يعني: أرذل ثيابها.

وعن أبي سلمة، قال: جاء رجل إلى ابن عباس وأبو هريرة جالس عنده، فقال: أفتني في امرأة ولدت بعد زوجها بأربعين ليلة؟ فقال ابن عباس: آخر الأجلين، قلت أنا: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلاق: 4] ، قال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي - يعني أبا سلمة - فأرسل ابن عباس غلامه كريبا إلى أم سلمة يسألها، فقالت: «قتل زوج سبيعة الأسلمية وهي حبلى، فوضعت بعد موته بأربعين ليلة، فخطبت فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو السنابل فيمن خطبها». متفق عليه

قلت: ويكون حداد المرأة في بيت الزوجية لما روى مالك في موطأه عن زينب بنت كعب بن عجرة أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها: أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه قالت: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي في بني خدرة فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( نعم ). قالت: فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر بي فنوديت له فقال: ( كيف قلت؟). فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي فقال: ( أمكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله ). قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا قالت: فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فأتبعه وقضى به.

رواه الترمذي في سننه وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ لَمْ يَرَوْا لِلْمُعْتَدَّةِ أَنْ تَنْتَقِلَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا حَتَّى تَنْقَضِىَ عِدَّتُهَا. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِىِّ وَالشَّافِعِىِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَغَيْرِهِمْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ وَإِنْ لَمْ تَعْتَدَّ فِى بَيْتِ زَوْجِهَا. قَالَ أَبُو عِيسَى وَالْقَوْلُ الأَوَّلُ أَصَحُّ. أهـ

والحديث صححه ابن حبان والحاكم وأخرجه الإمام أحمد في مسنده وباقي أصحاب السنن.

هذا وأسأل الله تعالى أن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة وإني موص أهلي وعشيرتي من بعدي بكل ما حررته وأن يتقوا الله في كل أحوالهم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله صحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
كان الفراغ منه في يوم الثلاثاء 10/جمادى الأولى/1435 هـ.
على يد الفقير إلى رحمة مولاه أبي يعقوب يوسف بن أحمد سمرين.