أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



من فوائد الحافظ الألمعي ابن ضَو البصروي

جمع وترتيب
أبي معاوية
مازن بن عبد الرحمن البحصلي البيروتي


الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على نبينا محمد،
وعلى آله وأصحابه أجمعين،
ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين .

أما بعد ، فهذه فوائد انتقيتها من إحدى كتب الإمام الألمعي ابن ضَو البصروي رحمه الله، وقد أبهمتُ التعريف به وباسم كتابه لتحفيز همّة الإخوة على معرفته، ووضعتُ لفوائده عناوين من عندي، ولم أرتبها ترتيباً محدداً .


1 - لماذا لم يذكر الجنُّ عيسى عليه السلام والإنجيل في قولهم الذي ذكره الله تعالى: { إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى }؟
قال الإمام رحمه الله: لم يذكروا عيسى؛ لأن عيسى عليه السلام أُنْزل عليه الإنجيل فيه مواعظ وترقيقات وقليل من التحليل والتحريم، وهو في الحقيقة كالمتَمِّم لشريعة التوراة، فالعمدة هو التوراة؛ فلهذا قالوا: أُنزِل من بعد موسى. وهكذا قال ورقة بن نوفل، حين أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بقصة نزول جبريل عليه أول مرة، فقال: بَخ بَخ، هذا الناموس الذي كان يأتي موسى، يا ليتني أكون فيها جَذَعًا.

2 – اتخاذ القيام للقادم ديدناً من شعار العجم:
قال الإمام رحمه الله: اختلف الفقهاء في جواز القيام للوارد إذا جاء على أقوال:
فمنهم من رخص في ذلك محتجًّا بحديث: "قوموا إلى سيدكم" ،
ومنهم من منع من ذلك محتجًّا بحديث: "من أحَبَّ أن يَتَمثَّلَ له الرجال قيامًا فَلْيَتبوَّأ مَقْعَدَه من النار" ،
ومنهم من فصل فقال: يجوز عند القدوم من سفر، وللحاكم في محل ولايته، كما دلَّ عليه قصة سعد بن معاذ، فإنه لما استقدمه النبي صلى الله عليه وسلم حاكمًا في بني قريظة فرآه مقبلاً قال للمسلمين: "قوموا إلى سيدكم". وما ذاك إلا ليكون أنفذ لحكمه، والله أعلم.
فأما اتخاذه ديدنًا فإنه من شعار العجم. وقد جاء في السنن أنه لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إذا جاء لا يقومون له، لما يعلمون من كراهته لذلك .

3 – من صور قتل النساء لأولادهن :
قال الإمام رحمه الله: قوله تعالى: { وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ }، وهذا يشمل قتله بعد وجوده، كما كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الإملاق، ويعم قتله وهو جنين، كما قد يفعله بعض الجهلة من النساء، تطرح نفسها لئلا تحبل إما لغرض فاسد أو ما أشبهه.

4 – معنى قول عائشة رضي الله عنها : ( كان خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن )
قال الإمام رحمه الله: معنى هذا أنه، عليه السلام، صار امتثالُ القرآن، أمرًا ونهيًا، سجية له، وخلقًا تَطَبَّعَه، وترك طبعه الجِبِلِّي، فمهما أمره القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه. هذا مع ما جَبَله الله عليه من الخلق العظيم، من الحياء والكرم والشجاعة، والصفح والحلم، وكل خلق جميل.
كما ثبت في الصحيحين عن أنس قال: خدمتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي: "أف" قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلته؟ وكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا.

5 – آداب الضيافة
قال تعالى: { فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ } [الذاريات:26، 27] .
قال الإمام رحمه الله : هذه الآية انتظمت آداب الضيافة؛
فإنه جاء بطعام من حيث لا يشعرون بسرعة، ولم يمتن عليهم أولاً فقال: "نأتيكم بطعام؟" بل جاء به بسرعة وخفاء،
وأتى بأفضل ما وجد من ماله، وهو عجل فتي سمين مشوي،
فقرَّبَه إليهم، لم يضعه، وقال: اقتربوا، بل وضعه بين أيديهم،
ولم يأمرهم أمرا يشق على سامعه بصيغة الجزم، بل قال: { أَلا تَأْكُلُونَ } على سبيل العرض والتلطف، كما يقول القائل اليوم: إن رأيت أن تتفضل وتحسن وتتصدق، فافعل.

6 - طعن جماعة من العلماء في لفظة مقحمة في صحيح البخاري:
قال الإمام رحمه الله : طَعَن جماعة من العلماء في اللفظة التي جاءت مقحمة في صحيح البخاري عند قوله تعالى: { إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } [ الأعراف: 56 ]:
حدثنا عبيد الله بن سعد، حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن صالح بن كَيْسَان، عن الأعرج بإسناده إلى أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اختصمت الجنة والنار" فذكر الحديث إلى أن قال: "وأما الجنة فلا يظلم الله من خلقه أحدًا، وأنه ينشئ للنار خلقًا فيلقون فيها، فتقول: هل من مزيد؟ ثلاثاً، وذكر تمام الحديث.
فإن هذا إنما جاء في الجنة لأنها دار فضل، وأما النار فإنها دار عدل، لا يدخلها أحد إلا بعد الإعذار إليه وقيام الحجة عليه.
وقد تكلم جماعة من الحفاظ في هذه اللفظة وقالوا: لعله انقلب على الراوي، بدليل ما أخرجاه في الصحيحين واللفظ للبخاري من حديث عبد الرزاق عن مَعْمَر، عن همام، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تحاجت الجنة والنار" فذكر الحديث إلى أن قال: "فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع فيها قدمه، فتقول: قط، قط، فهنالك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله من خلقه أحدًا، وأما الجنة فينشئ الله لها خلقًا".

7 – هل كان أصحاب الكهف على دين النصرانية أم قبلها ؟
قال الإمام رحمه الله : ذُكِرَ أنهم ( أصحاب الكهف ) كانوا على دين المسيح عيسى ابن مريم, فالله أعلم, والظاهر أنهم كانوا قبل ملّة النصرانية بالكلّية, فإنهم لو كانوا على دين النصرانية لما اعتنى أحبار اليهود بحفظ خبرهم وأمرهم لمباينتهم لهم, وقد تقدم عن ابن عباس أن قريشاً بعثوا إلى أحبار اليهود بالمدينة يطلبون منهم أشياء يمتحنون بها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فبعثوا إليهم أن يسألوه عن خبر هؤلاء, وعن خبر ذي القرنين, وعن الروح, فدلَّ هذا على أن هذا أمر محفوظ في كتب أهل الكتاب وأنه متقدم على دين النصرانية, والله أعلم.

8 – فوائد عزيزة نادرة قليلة الوقوع في صناعة الإسناد:
قال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن زينب بنت أبي سلمة، عن حبيبة بنت أم حبيبة بنت أبي سفيان، عن أمها أم حبيبة، عن زينب زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قال سفيان: أربع نسوة، قالت : استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من نوم وهو محمر وجهه ....
قال الإمام رحمه الله : هذا حديث صحيح، اتفق البخاري ومسلم على إخراجه من حديث الزهري ، ولكن سقط في رواية البخاري ذكر حبيبة، وأثبتها مسلم. وفيه أشياء عزيزة قليلة نادرة الوقوع في صناعة الإسناد، منها:
رواية الزهري عن عروة، وهما تابعيان.
ومنها اجتماع أربع نسوة في سنده، كلهن يروي بعضهن عن بعض.
ثم كل منهن صحابية،
ثم ثنتان ربيبتان وثنتان زوجتان، رضي الله عنهن.

9 - حديث: "تزوجوا فقراء يغنكم الله" لا أصل له:
قال الإمام رحمه الله : زوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي لم يجد إلا إزاره، ولم يقدر على خاتم من حديد، ومع هذا فزوّجه بتلك المرأة، وجعل صداقها عليه أن يعلمها ما يحفظه من القرآن، والمعهود من كرم الله تعالى ولطفه أن يرزقه وإياها ما فيه كفاية له ولها.
فأما ما يورده كثير من الناس على أنه حديث: "تزوجوا فقراء يغنكم الله"، فلا أصل له، ولم أره بإسناد قوي ولا ضعيف إلى الآن، وفي القرآن غنية عنه، وكذا هذا الحديث الذي أوردناه ( قال أبو معاوية البيروتي: يقصد حديث "ثلاثة حق على الله عونهم، الناكح الذي يريد العفاف" ). ولله الحمد.

10 - من عصمة الله عز وجل لرسوله، والحكمة في عدم إسلام أبي طالب:
قال الإمام رحمه الله : ومن عصمة الله عز وجل لرسوله حفْظُه له من أهل مكة وصناديدها وحسادها ومُعَانديها ومترفيها، مع شدة العداوة والبَغْضة ونصب المحاربة له ليلاً ونهارًا، بما يخلقه الله تعالى من الأسباب العظيمة بقَدَره وحكمته العظيمة.
فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب، إذ كان رئيسًا مطاعًا كبيرًا في قريش، وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا شرعية، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها، ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر هابوه واحترموه، فلما مات أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيرًا،
ثم قيض الله عز وجل له الأنصار فبايعوه على الإسلام، وعلى أن يتحول إلى دارهم -وهي المدينة، فلما صار إليها حَمَوه من الأحمر والأسود، فكلما هم أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله ورد كيده عليه،
كما كاده اليهود بالسحر فحماه الله منهم، وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواء لذلك الداء،
ولما سَمَّ اليهود في ذراع تلك الشاة بخيبر، أعلمه الله به وحماه منه؛ ولهذا أشباه كثيرة جدًا يطول ذكرها.

11 –