أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم
يعتبر كتاب " الاختلاف الفقهي في المذهب المالكي: أسبابه ومصطلحاته" لعبد العزيز بن صالح الخليفي من أبرز ما صنف في الاختلاف الفقهي في المذهب المالكي، وقد آثرت دراسة هذا الكتاب لما تميز به من شمول ومنهج قويم في التعريف بالمذهب المالكي ودراسة أسباب الاختلاف داخل المذهب الواحد، وفي مقالي هذا سأعمل – بحول الله – على دراسة هذا الكتاب من جانب المنهج والمضمون.
التعريف بصاحب الكتاب:
عبد العزيز ابن صالح الخليفي من علماء قطر المشهورين درس في قطر مسقط رأسه، ثم انتقل إلى المغرب لإتمام دراسته العليا بدار الحديث الحسنية حيث إن الكتاب قيد الدراسة رسالة علمية حصل من خلالها على دبلوم الماجستير بميزة حسن جدا من المؤسسة، اشتغل نائبا لرئاسة المحاكم الشرعية بدولة قطر.
التعريف بالكتاب:
"الاختلاف الفقهي في المذهب المالكي أسبابه ومصطلحاته" من تأليف عبد العزيز ابن صالح الخليفي هو رسالة علمية قدمها الطالب لنيل درجة الماجستير في الشريعة الإسلامية بدار الحديث الحسنية بالرباط ونوقشت يوم 20 ذي الحجة 1410 الموافق ل 13 يوليو 1990، وطبع سنة 1414هـ 1993 م، وهو كتاب قيم لمعرفة أسباب الاختلاف في المذهب المالكي.
خلاصة لأهم مضامين الكتاب:
من خلال عنوان الكتاب: " الاختلاف الفقهي في المذهب المالكي أسبابه ومصطلحاته" يتبين جليا أن صاحبه سيدرس اختلافا من نوع خاص وهو الاختلاف في الاجتهاد المقيد، حيث إن الاختلاف بين الفقهاء لم يطل فقط المذاهب المختلفة فيما بينها بل شمل أيضا المذهب الواحد وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على حرية نشاط الفقهاء واستقلال إرادتهم داخل المذهب الواحد. وقد جاء هذا الكتاب ليُعرف الناس على ملامح الخلاف الفقهي بين العلماء والأسباب التي أدت إلى ذلك، واستهل عبد العزيز بن صالح الخليفي كتابه بمقدمة بيّن فيها الغرض من تأليف هذا الكتاب وهو كما أسلفت الذكر التعريف بملامح اختلاف الفقهاء في المذهب المالكي وأسباب ذلك؛ حيث إن المذهب المالكي مذهب غني بأقوال إمامه واجتهادات أصحابه، فكان من الطبيعي أن تنشأ اختلافات بينهم لأسباب متعددة منها:
ـ تمسك بعضهم برواية ليست عند الآخرين.
ـ اختلافهم في فهم المراد من عباراتها.
وقبل أن يلج المؤلف باب أسباب الاختلاف الفقهي بين الفقهاء، عمل على التعريف بالمذهب المالكي- باعتباره محط دراسة الاختلاف في هذا الكتاب- والتنويه بمزاياه العلمية التي ساعدته على الانتشار في كل أرجاء العالم، كما عمل على التعريف بصاحبه الإمام مالك وأهم علماء وفقهاء المذهب والمؤلفات العلمية فيه. وقد أكد المؤلف حفظه الله أن الاختلاف الفقهي ظهر مع بداية الاجتهاد حيث إن آراء المجتهدين تختلف باختلاف مداركهم وأفهامهم... وقد قسم الاجتهاد إلى قسمين:
- اجتهاد مطلق: وهو النظر في الأدلة الشرعية دون التزام مذهب معين.
- اجتهاد مقيد: وهو النظر في نصوص إمام مذهب ما.
والمجتهد المقيد ثلاثة أنواع: مجتهد المذهب، ومجتهد الفتيا، وحفظة المذهب ورواته.
وقسم عبد العزيز بن صالح الخليفي الاختلاف إلى اختلاف مردود مذموم ومنه مخالفة أهل الكفر لأهل الإيمان، واختلاف مقبول ومنه اختلاف الفقهاء داخل المذهب المنتسبين إليه لأسباب معينة.
وبعد أن خلص المؤلف من التعريف بالمذهب المالكي والتعريف بأعلامه ومؤلفاتهم العلمية... دخل في باب من أجله ألف كتابه هذا ألا وهو أسباب الاختلاف الفقهي في المذهب المالكي، وأجملها فيما ياتي:- - تعدد الروايات في المذهب المالكي: وهو السبب الأول في الاختلاف الفقهي في المذهب المالكي حسب عبد العزيز بن صالح الخليفي، حيث ترد روايتين أو أكثر عن الإمام مالك في المسألة الواحدة، فيأخذ بعض الفقهاء بأحد القولين بينما يتمسك البعض الآخر بقول آخر... وهذا ما يثير خلافا في المذهب الواحد.
- تعدد الآفاق التي انتشر فيها المذهب المالكي: حيث يعتبر ذلك سببا رئيسيا في بروز ظاهرة الخلاف الفقهي بين العلماء. فعمل العلماء إذ ذاك على تعيين العلماء المعتبرين في كل إقليم على حدة مع تحديد منهج الترجيح عند الاختلاف فيما بينهم.
- تعدد أمهات كتب المذهب المالكي: إذ هي مجمع فقهه وملتقى مسائله، وهذا كان عاملا أساسيا في نشأة الخلاف الفقهي، حيث إنها تقاسمت ما روي عن الإمام مالك من أقوال وآراء ومنها ما هو متعارض فيما بينه. وقد كان للمدونة دور مهم داخل المذهب عامة وفي الخلاف الفقهي داخله خاصة، فضلا عن الكتب الأخرى...
منهج الكتاب:
قد جاء الكتاب مقسما إلى: تمهيد وأربعة أبواب: وقد قسم التمهيد بدوره إلى ثلاثة مباحث: المبحث الأول دار الحديث فيه عن معنى الاختلاف وأورد فيه مجموعة من التعاريف للاختلاف، والمختار عنده أن الاختلاف هو أخذ كل واحد طريقا غير طريق الآخر في حاله أو أقواله. أما المبحث الثاني ففي أقسام الاختلاف وهو إما اختلاف مردود مذموم وإما اختلاف مقبول. وفي المبحث الثالث تحدث عن أسباب الاختلاف الفقهي بين المجتهدين، وفي هذا المبحث جاء حديثه عن أدوار الفقه الإسلامي وهي أربعة أدوار: عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وعهد الصحابة، وعهد التدوين والأئمة والمجتهدين حيث بدأ الاختلاف الفقهي بين المجتهدين لعوامل منها: اختلاف القراءات ـ الشك في ثبوت الحديث ـ الاختلاف في فهم النص ـ تعارض الأدلة... والدور الرابع هو عهد التقليد حيث فتر العلماء عن الاجتهاد ودب التقليد في صدور الناس.
وبعد التمهيد جاء حديثه في الباب الأول عن نشأة المذهب المالكي، وقسمه إلى أربعة فصول: الفصل الأول: في بيان معنى المذهب، وقسم هذا الفصل بدوره إلى ثلاثة مباحث: المبحث الأول في معنى كلمة المذهب: ومعناه الأحكام الاجتهادية التي ذهب إليها إمام من الأئمة. والمبحث الثاني: في نسبة القول المخرج إلى المذهب، حيث إن النوازل المستجدة عبر العصور غير منتهية وأقوال الإمام محدودة، فذهب مجتهدوا مذهب الإمام مالك إلى قياس المسألة التي لا نص للإمام عليها على مسألة منصوص عليها. المبحث الثالث: في معنى الطرق في المذهب: وهي اختلاف الشيوخ في كيفية نقل المذهب هل هو قول أم قولين أم ثلاثة... الفصل الثاني: تحدث فيه عن تأسيس المذهب المالكي وقسمه إلى مبحثين: المبحث الأول: عنونه بالمجتمع المدني مهد المذهب، حيث إن مذهب الإمام مالك في فقهه هو مبدأ أهل الحجاز. أما المبحث الثاني فقد عنونه الإمام مالك مؤسس المذهب: وفيه حديث عن نسب الإمام مالك ونشأته العلمية وتلاميذه ومؤلفاته... الفصل الثالث تحدث فيه عن تدوين المذهب المالكي: وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول في تدوين المذهب في عصر الإمام مالك: أي كتابة أقواله واجتهاداته الفقهية، وقد حظي -كتابه الموطأ بأهمية بالغة عند المحدثين والفقهاء... المبحث الثاني تحدث فيه عن تدوين المذهب في عصر الفقهاء المتقدمين، وفيه ميز بين الفقهاء المتقدمين والفقهاء المتأخرين. وأما المبحث الثالث فعنونه بتدوين المذهب في عصر الفقهاء المتأخرين .الفصل الرابع جاء حديثه فيه عن مزايا المذهب المالكي وقسمه إلى مبحثين: المبحث الأول في سعة انتشار المذهب المالكي في كل أرجاء العالم الإسلامي، وذلك لعدة عوامل منها: نفوذ السلطان وتأثير العلماء. والمبحث الثاني تحدث فيه عن تعدد أصول المذهب المالكي، حيث يعتبر من أكثر المذاهب أصولا.
الباب الثاني: مراتب الاجتهاد في المذهب المالكي وفيه فصلان: الفصل الأول: في الاجتهاد والتقليد وقسمه إلى مبحثين: المبحث الأول في الاجتهاد المطلق وهو النظر في الأدلة الشرعية دون التزام مذهب معين، وفي هذا المبحث أشار إلى مسألة التصويب والتخطئة عند اختلاف المجتهدين. وفي المبحث الثاني تحدث عن الاجتهاد المقيد وهو النظر في نصوص إمام مذهب ما، وقسم عمله في هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب: المطلب الأول: في مراتب الاجتهاد المقيد، وهي ثلاثة مراتب: مجتهد المذهب، ومجتهد الفتيا، وحفظة المذهب ورواته. و في المطلب الثاني بين فيه درجة ابن القاسم في مراتب الاجتهاد. المطلب الثالث: في أهلية المقلد للقضاء والافتاء. الفصل الثاني: عنونه بالاختيار من خارج المذهب والانتقال عنه، وفيه مبحثان: الأول تحدث فيه عن اختيار فقهاء المالكية ما يرضونه من خارج المذهب المالكي وباعثهم في ذلك إما قوة الدليل عند المخالف أو عدم النص على المسألة في المذهب. والمبحث الثاني تحدث فيه عن الانتقال من مذهب إلى آخر.
الباب الثالث: مصطلحات المذهب المالكي: وفيه ثلاثة فصول: الفصل الأول جاء حديث المؤلِف فيه عن مصطلحات الإمام وألقاب علماء المذهب المالكي، حيث كان الإمام مالك يستخدم عبارات خاصة في تآليفه خصوصا في كتابه الشهير الموطأ، وقسم عمله في ذلك إلى مبحثين: الأول تحدث فيه عن مصطلحات الإمام مالك، التي نجد منها: لفظة أحب إلي والتي تفيد الندب. والمبحث الثاني تحدث فيه عن ألقاب علماء المذهب ومنها: الشيخ التي يرمز بها لأبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني، والشيخان التي يرمز بها للقيرواني وابن القابسي... والفصل الثاني في مصطلحات القول المعتمد في المذهب وقسمه إلى ثلاثة مباحث: الأول دار الحديث فيه عن معاني مصطلحات القول المعتمد ويعبر عنه ب: المتفق عليه، والراجح، والمشهور...والمبحث الثاني في حكم العمل بتقسيمات القول المعتمد، وقد بين أنه لا خلاف في العمل بالقول المتفق عليه وإنما الاختلاف في المصطلحات الأخرى. والمبحث الثالث في العمل عند تعارض الراجح والمرجوح، وقد أثار ذلك اختلافا كبيرا بين الفقهاء بخصوص ما يقدم عند تعارض الراجح والمشهور. الفصل الثالث: بين فيه المعتمد من كتب المذهب وغير المعتمد، وفي هذا الفصل مبحثان: الأول جاء حديثه فيه عن الكتب المعتمدة في المذهب المالكي وفي هذا المبحث أشار إلى أهمية الموطأ... وفي المبحث الثاني تحدث عن الكتب التي لا يعتمد عليها، والتي لا يعتمد على ما انفردت به في المذهب المالكي، وقد قسم هذا المبحث إلى قسمين: الأول في الكتب التي لا يعتمد عليها ومنها: الأجوبة المنسوبة لابن سحنون، وأحكام ابن الزيات... والقسم الثاني في الكتب التي لا يعتمد على ما انفردت به ومنها شرح العلامة المكني بأبي الإرشاد نور الدين الشيخ علي الأجهوري على المختصر...
الباب الرابع: أسباب الاختلاف الفقهي في المذهب المالكي: وقد افتتح هذا الباب بمقدمة (وهذا ليس في الأبواب الأخرى) بين فيها منهجه في هذا الباب، وقد قسم عمله في هذا الباب إلى ثلاثة فصول: الأول عنونه ب: تعدد الروايات في المذهب المالكي: وهو السبب الأول في الاختلاف الفقهي في المذهب المالكي حسب عبد العزيز صالح الخليفي، حيث ترد روايتين أو أكثر عن الإمام مالك في المسألة الواحدة، فيأخذ بعض الفقهاء بأحد القولين بينما يتمسك البعض الآخر بقول آخر... وهذا ما يثير خلافا في المذهب الواحد، ولإجلاء هذا الأمر قسم المؤلف العمل في هذا الفصل إلى مبحثين: الأول تحدث فيه عما يثيره تعدد الروايات المنقولة عن الإمام مالك من إشكال. والثاني تحدث فيه عن منهج الترجيح بين الروايات المتعارضة. الفصل الثاني: في تعدد الآفاق التي انتشر فيها المذهب المالكي، حيث يعتبر ذلك سببا رئيسيا في بروز ظاهرة الخلاف الفقهي بين العلماء. فعمل العلماء إذ ذاك على تعيين العلماء المعتبرين في كل إقليم على حدة مع تحديد منهج الترجيح عند الاختلاف في بينهما. الفصل الثالث: في تعدد أمهات كتب المذهب المالكي، إذ هي مجمع فقهه وملتقى مسائله، وهذا كان عاملا أساسيا في نشأة الخلاف الفقهي، حيث إنها تقاسمت ما روي عن الإمام مالك من أقوال وآراء ومنها ما هو متعارض فيما بينه. وقد كان للمدونة دور مهم داخل المذهب عامة وفي الخلاف الفقهي داخله خاصة، ولذلك عقد المؤلف مبحثا- وهو المبحث الأول في هذا الفصل- خاصا بالمدونة بين فيه من خلال مطالب ثلاثة: 1 مراحل تدوين المدونة 2 منزلة المدونة في المذهب المالكي 3 أثر المدونة في اختلاف الفقهاء. وفي المبحث الثاني من هذا الفصل تحدث عن بقية أمهات كتب المذهب، وقسم الدراسة فيه إلى أربعة مطالب درس في كل واحد منها كتابا من أمهات كتب المذهب المالكي، ففي المطلب الأول درس الموازية لأبي عبد الله ابن إبراهيم الإسكندري المعروف بابن المواز، وفي المطلب الثاني درس الواضحة في الفقه والسنن لأبي مروان عبد الملك ابن تبيب السلمي القرطبي، والمطلب الثالث العتبية لأبي عبد الله محمد ابن أحمد ابن عبد العزيز ابن عتبة القرطبي المعروف بالعتبي، وفي المطلب الرابع والأخير درس المجموعة لأبي عبد الله ابن إبراهيم ابن عبدوس.
وختم عبد العزيز صالح الخليفي هذا الكتاب بخاتمة استخلص فيها أهم النتائج التي توصل إليها بعد مدة من الدراسة حول أسباب الاختلاف الفقهي في المذهب المالكي، ومن أهم هذه النتائج التي توصل إليها:
- أن الاختلاف في الفروع الفقهية والمسائل الاجتهادية أمر مقبول في الدين، حيث إن أفهام الناس ليست على درجة واحدة.
- أن الاختلاف الفقهي أمرعام تشترك فيه جميع المذاهب.
- يتم الرجوع إلى مجتهدي المذهب عند الاختلاف.
- أن الاختلاف الفقهي داخل المذهب نشأ نتيجة تباين أقوال كبار الفقهاء في المذهب.
- أن الجهد الفقهي في ميدان الاختلاف بين العلماء ينصب على تعيين القول المعتمد في المذهب، وهو إما قولا متفقا عليه، أو قولا راجحا أو مشهورا أو مساويا لمقابله أو مما جرى به العمل.
إن منهج المؤلِف في كتابه هذا القائم على التعريف بالمذهب المالكي وأتباعه وأهم المؤلفات العلمية فيه قبل الخوض في الأسباب التي أدت إلى الاختلاف فيه، لمنهج فريد من نوعه إذ كيف يتأتى لمن لا يعرف المذهب المالكي وإمامه وأعلامه أن يدرس ويفهم أسباب الاختلاف الفقهي في هذا المذهب الذي تميز بكثرة الاختلافات؟ فقد سئل البقاعي: ما لمذهبكم كثير الخلاف؟ فأجاب: لكثرة نظاره في زمن إمامه.