يقول ابن القيم في كتابه الجواب الكافي: ومن عقوباتها ـ المعاصي ـ أنها تمحق بركة العمر وبركة الرزق وبركة العلم وبركة العمل وبركة الطاعة، وبالجملة أنها تمحق بركة الدين والدنيا، فلا تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله، وما محيت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق، قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء {الأعراف:96}. وقال تعالى: وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا {الجن:16}. وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، وفي الحديث: إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإنه لا ينال ما عند الله إلا بطاعته، وإن الله جعل الروح والفرح في الرضاء واليقين، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط.

ونشير إلى أن بر الوالدين وصلة الرحم ـ بصفة عامة ـ من أسباب الرزق، كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه.

أسباب لسعة الرزق :

🙌 أولاً: تقوى الله سبحانه وتعالى والعمل الصالح، لقوله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه) [الطلاق: 2-3].


😞 ثانياً: ربما كان ضيق الحال وقلة الرزق بسبب كثرة الذنوب والمعاصي، أو المجاهرة بها مع عدم التوبة، وقد أخبر الله تعالى أن التقوى تجلب البركة فقال: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) [الأعراف: 96].
وقد حرّم الله على اليهود طيبات أحلت لهم بسبب ظلمهم واعتدائهم، فقال: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيراً وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذاباً أليما) [النساء: 160-161].
وقال الله تعالى لبني إسرائيل: (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم) [المائدة: 66].


👪 ثالثاً: عليك بصلة الرحم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه" رواه البخاري ومسلم.
فصلة الرحم من أسباب سعة الرزق والبركة في العمر.


🏃 رابعاً: الأخذ بأسباب الكسب، والبحث عن عمل مناسب، فإذا فعلت ذلك وابتعدت عن الأعمال المحرمة والمشبوهة، وسلكت سبيل الصالحين، فيرجى أن يوسع الله عليك، لكن الواجب في جميع الأحوال: الرضا بقضاء الله وقدره خير وشره، فهو من أركان الإيمان الستة كما في حديث جبريل: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره" رواه مسلم والترمذي والنسائي عن عمر.
وفي الحديث: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس" رواه أحمد والترمذي عن أبي هريرة بسند ضعيف.
وعند الإمام أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى يبتلي العبد فيما أعطاه، فإن رضي بما قسم الله له بورك له فيه، ووسعه، وإن لم يرض لم يبارك له، ولم يزد على ما كتب له". صححه السيوطي.


💰خامساً: أيضاً كثرة الإنفاق في سبيل الله والصدقة ابتغاء وجهه تعالى، ومما يسبب ضيق الرزق ومحق بركته التعامل بالربا قال الله تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَات [البقرة:276].



وفي النهاية 👆👆👆
ننبه على أن السعادة في هذه الدنيا ليست بوفرة المال، وإنما هي بالإيمان والقناعة والرضى، وإن الدنيا أهون من أن يضيق الإنسان ذرعا لقلتها في يده، ففي صحيح مسلم عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم: مر بالسوق والناس كنفيه فمر بجدي أسك ميت فتناوله فأخذ بأذنه فقال: أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به؟ أتحبون أنه لكم؟ قالوا والله لو كان حيا كان عيبا فيه، لأنه أسك فكيف وهو ميت؟ فقال: والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم.

فما أحقر هذه الدنيا التي شغلتنا عن الآخرة وألهتنا عن الاستعداد للقاء الله سبحانه.

فلا تحزن ـ أيها السائل ـ ولا تيأس ولا تنظر إلى من فوقك في الدنيا، وانظر إلى من دونك، عندها سوف تدرك نعمة الله عليك.