في زمن الماديات وعصر السرعة عاش الشاب طلال واقعه الأليم يحليه بأحلامه وكان طلال لا يمتلك الكثير من حطام الدنيا ولكنه كان يؤمن أن الدنيا حظوظ وكان يستمتع كثيرا بسماع قصص الفقراء الذين اصبحوا في ليلة وضحاها أغنياء أما لمشاركته في مسابقة او حصوله على تعويضات حكومية لأرضه التي لا تساوي الكثير
وكان طلال دائما يدخل صرافته البنكية داخل جهاز الصرف وهو يمني نفسه أن يجد في حسابه عشرة ملايين ولكن أحلامه هذه تتلاشى بواقعه وفي أحد المرات وطلال يركب مركبته القديمة وفي ظلام الليل البهيم لا زالت أحلام طلال تراوده وحلم أن يصبح من الأغنياء في يوم وليلة لم يفارقه
ولكن نور على قارعة طريق منحدر قطع افكاره توقف ثم نزل ثم سمع صرخات ألم رجل فعرف أن هذا الرجل تعرض لحادث فنزل بسرعة ليسعف الرجل فوجده قد خرج من سيارته زاحفا على الأرض وجسمه ملطخ بالدماء حمله طلال وأركبه سيارته وأتجه بسرعة لأقرب مشفى وهو في الطريق راودته أفكاره وأبتسم فلقد كان يقول داخل نفسه لعل هذا الرجل غنيا فيكافئني بأموال طائلة وبدأ يمني نفسه ولأن الإضاءة كانت خافته لم يتمكن طلال من رؤية الرجل بوضوح وعندما وصل طلال لباب المستشفى ونقل المصاب مع المسعفين لغرفة العمليات رأى مع اضاءة المستشفى ثياب الرجل البالية وأيضا ملامح البداوة التي على الرجل فأحس بضياع احلامه... جاء رجل الشرطة وطلب من طلال بعض الإجابات عن الحالة التي جاء بها لمعرفة تفاصيل ما حدث
ثم طلب منه أن يرجع للمستشفى في حالة استفاقة المصاب كإجراء روتيني يتم اتخاذه في مثل هذه الحالات
خرج طلال وهو يقول بدل أن تتحقق احلامي بحصد مكافأة بالملايين علي الان أن أضيع وقتي من أجل رجل فقير
وبالفعل تلقى طلال اتصال يطلب منه الحضور للمشفى
جاء طلال وقابل الرجل المصاب وكان أسمه عوض فقام عوض وبدأ يشكر طلال لانقاذه لحياته وقال اتمنى لو امتلك شيء يستحق أن اكافئك به ولكن لا أملك لك سوى دعاء الله أن يكتب لك الأجر ثم امسك يد طلال وقال اريد منك طلب واحد استغرب طلال وقال وماذا تريد قال أريدك أن تزورني في بيتي وكان عوض يسكن في بادية ولا زال متمسك بحياة البداوة هز طلال رأسه وقال أعدك أن سنحت لي فرصة سأزورك وصف عوض لطلال المكان ثم افترقوا
خرج طلال وهو يضحك من واقعه ويقول في نفسه أنا اهرب من الفقر وهو يريدني أن أذهب للفقر بأقدامي ما الذي سأجده في زيارتي لبدوي لا يملك سوى ناقتين وقليل من الغنم
ثم نسي طلال قصة عوض نهائيا
ومع مرور السنون لا زال حلم طلال يراوده بأن يصبح غنيا في يوم وليلة وكان طلال لا يشعر بالنعم التي منحها الله له فأراد الله أن يذكر طلال بنعم يعيش فيها لا تقدر بأموال الدنيا كان طلال يشعر بألم شديد في بطنه توجه لأحد المستشفيات وكشف عليه فبدأ الطبيب يتكلم مع طلال ويذكره أن الأقدار بيد الله وأن الامل بالله وما يقوله الاطباء ليس إلا وصف للحالة الطبية التي توصلوا لها ولكن على المريض الا يفقد ثقته بالله ويجعل أمله بالله وحده
استغرب طلال من كلام الطبيب وقال له اصدقني القول ما الذي ألم بي
فقال الطبيب أنت مصاب بداء عضال في المعدة وقد انتشر في جسمك ولا نملك في الطب علاج لحالتك وحياتك طبيا لن تتجاوز اشهر معدودة ولكن الأعمار بيد الله ولا ندري ما الذي سيكتبه الله
خرج طلال والدنيا قد أظلمت في عينيه وبدأ يمشي من شارع لشارع ومن صديق لصديق ومن منزل لمنزل ولكن الضيقة الشديدة جعلته يضجر ويشعر باليأس والبكاء ومر شهر وهو في كرب شديد وهم يفل الحديد كره المدينة وكره الزحام فتذكر وهو في أشد حزنه رجل اسمه عوض قد كتب له ورقة عنوان يدله على مكانه في البادية بحث عن الورقة وجدها وأتجه لها لعل حياة البر تبعد شيء مما يشعر به بالفعل وصل للمكان وسأل عن عوض دلوه على بيته الذي كان عبارة عن خيمة من وبر وصوف الأغنام لما رأى عوض طلال قام من شدة الفرح واحتضنه ورحب به واجلسه والبسمة لا تغادر وجهه ولكن ما زاد عجب طلال أن لعوض أبناء كثيرين اندهش كيف هذا الرجل يبتسم مع شطف العيش جلس عوض وطلال يتحدثان وبدأ عوض يروي لأبنائه قصة حادثه وكيف أن بفضل الله ثم فضل طلال تم انقاذه وبعد أن تناولوا العشاء جلس طلال وعوض لوحدهما فقال عوض أني ارى في وجهك تعبا ليس تعب سفر ولكن ان لم يخيب حدسي انه تعب مرضا عضال
تفاجأ طلال كيف عرف عوض الرجل البدوي مرض طلال الذي احتاج الاطباء لمعرفته الى الفحوصات والتحليلات وهذا بنظرة واحدة عرف
فسأله طلال انت عرفت بمرضي فهل تعرف علاجي كان طلال يتكلم مازحا مع عوض
قال عوض نعم علاجك عندي ولكن بشرط
قام طلال وامسك بيدي عوض وقال أسألك بالله هل تقول الحقيقة ام انك تريد أن تخفف عني
قال عوض لا أجامل بل اقول الحقيقة بشرط
قال طلال وما شرطك قال عوض ان تبقى معي هنا ثلاثة أشهر تطيع امري وتقبل مرارة علاجي
قال طلال سأفعل أي شيء من أجل أن استعيد عافيتي
وبالفعل بدأ عوض يرتب حياة طلال والاشهر التي سيمكثها عنده وبدأ ينظم ويختار له اكله وكان يجعله يمشي لمسافات طويلة على الرمل حافيا استمر طلال ينفذ ما يطلبه عوض ويتحمل كل شيء من اجل العلاج وكان عوض يسقيه احيانا اعشاب مرة واحيانا يكويه بالنار واستمر طلال طيلة الأشهر الثلاثة وكان يشعر بتحسن كبير
وكان من الاشياء التي كان يستغربها طلال أن عوض كان يطلب منه أن يبحث عن شخص محتاج لمساعدة فيساعدة أما راعي ضاعت غنمه يبحث معه أو عجوز تحمل حطب يحمل عنها
فسأله وما فائدة هذا بالعلاج فقال عوض عندما قدمت المساعدة للناس سخرك الله لي لتقدم لي المساعدة عندما كنت بحاجة المساعدة ولا تنسى أن دعوة من تساعده قد تجعلك تبلغ الجنان
وبالفعل كان طلال يشعر بتحسن وبعد انقضاء المدة ودع طلال عوض ثم قبل رأسه وقال أريدك أن تقبل أسفي تعجب عوض من طلب طلال ولكن طلال كان يعتذر بسبب ندمه على تقديم المساعدة لعوض لأنه رجل فقير لا يمكن أن يقدم له شيء
ولكن بفضل الله ثم بفضل عوض قد يستعيد طلال صحته النعمة التي لا يشعر بها اغلب الناس
اعاد طلال الفحوصات واصيب الطبيب بدهشة فلقد زال الداء العضال من جسم طلال
خرج طلال من المستشفى وهو يحمل احلام جديدة وافكار جديدة فلم يعد يهمه أن يصبح غنيا في يوم وليلة فهذا الحلم اصبح ساذجا في نظر طلال
بل أصبح يشعر بفرحا كبيرا اذا وجد شخص يحتاج مساعدة ويستطع ان يقدمها له فمساعدة الاخرين متعة لا يعرفها الكثيريين هذا الدرس الذي علمه عوض الرجل الامي البدوي للشاب طلال المثقف الجامعي