أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


ربيح البيع و ربّ الكعبة (1)

الحمد لله الذي جعل عزّة المسلم في الجهاد و في تركه يكون الذلّ و الصّغار و الصّلاة و السّلام على أفضل منْ جاهد في سبيل خالقه و على آله و صحبه الى يوم الفزع الأكبر....

أمّا بعد:

كما هو معلوم أنّ علوم الآخرة على نوعين...نوع يسمّى فرض عينٍ و آخر فرض كفائيّ بمعنى يتعيّن على المسلم تعلّم ما هو فرض عينٍ و يكفيه قيام بعض المسلمين ممّا هو فرض كفائيّ...

فالصلاة و أركانها و شروطها من الفروض العينيّة بيد البيوع و أنواعها ليست كذلك لمنْ زهد في البيع و الشّراء...و هكذا.

و منها الجهاد في سبيل الله تعالى...فهو و علومه من الفروض العينيّة لمنْ كُتب عليه القتال...و ليس كذلك لمن بينه و بين الجهاد مفاوز...

و كنّا (و نحن أبناء الشّام) من أبعد النّاس عن أرض خصبة يطوف فيها أهل الجهاد, و بيننا و بين بلاد الشيشان آنذاك نقاط و فواصل ....كنّا نتمنّى لقاء الرّوس لنُثخنَ فيهم و نتذوّق عسيلة الجهاد...لكنّها أمنية و أمانيّ.

فأكرمنا الله تعالى عندما علم و هو العليم عجزنا في مغازلة أهل الجهاد على أرضهم فأتى الله و هو القادر بالجنّة و الحور لتكون الشّام هي الأخرى أرض جهادٍ...

و بتنا نسمع قعقة الرّماح و صليل السّيوف و صهيل الخيول كأننّا في رؤيا...و عندها علم الله و هو العليم الصادق و الكاذب...المجاهد و القاعد...

و رأينا بأم أعيننا تمحيص الله النّاس بشأن الشّام حتى اهل الجهاد نالهم تمحيص الله تعالى و ما قتال بعضهم البعض الاّ لهو عين الفتنة و عصب البلاء.

و لسنا في مقام للحديث عن رحى الجهاد بين فصائل و جبهة و دولة على أرض الشّام إذ تناولناها مراراً و تكراراً...بيد أحببنا أنْ ندوّن شيئاً عن الجهاد و فضله و أركانه فلا اخالهّ الا كالصلاة عيناً بعينٍ...و سنّا ً بسن ٍ...

و من أجمل ما رأيت و سمعت و اجتهدتُ أنْ تبدأ مسيرة المجاهد من قوله تعالى :

((إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به إلى قوله وبشر المؤمنين))

يصوّر الله لنا مشهداً هو من أجمل الصور إذ ربط حياة المجاهد كسلعة بين بائع و مشتري....

و من المعلوم أنّ من شروط البيع بإختصار...الحريّة بمعنى..حريّة الإختيار.
فالله لا يُسئل عمّا يفعل و هم يسئلون...و بقي على البائع أن يختار بين سلعة الله و هي الغالية و بين الزهد فيها و الله المستعان.

و من الشروط التّراضي بين البائع و المشتري...و هنا ندرك أنّ منْ جاهد مكرهاً فليس هو المقصود في قوله تعالى...ان الله اشترى من المؤمنين...الاية.

و من الشّروط ملكيّة المال و السّلعة أو الثّمن و المثمن...و لم أر الشّارع أباح لعبده أنْ يتملّك نفسه...بحيث يبيع ما شاء منها لمنْ شاء...إذ هي لله تعالى..الاّ في هذا الموضوع أجاز الباري لعبده ملكيّة نفسه...فيبيعها لخالقها...لمالكها...فيُقحمها أرض الجهاد حتى يُراق منها الدّماء و ترتقي السّماء و تُوضع تحت العرش تعلق و تأكل من ثمار الجنة...

سبحانه و هو الجواد الكريم...يهب لك جسداً بروحٍ ثمّ يعرض عليك بيعه...بجنّة عرضها السموات السّبع و الأراضين...سبحانك...سبحانك

انّ الله اشترى من المؤمنين لا غير...و معلوم أنّ مرتبة الإسلام دون مرتبة الإيمان,فصفقة الرحمن هذه لأهل الإيمان فاعلم هداك الله و ايايّ للحق.

اشترى منهم أنفسهم أموالهم....بمعنى من جاهد بنفسه دون ماله فالصفقة لا تعنيه,هذا إن كان يملك مالاً و الاّ لا يكلّف الله نفسا الاّ وسعها.

و عطف المال على النّفس و كما هو معلوم عند أرباب اهل اللغة أنّ العاطف يأخذ حكم المعطوف من كلّ الوجوه...

و عندما اشترى الله نفس المؤمن...أي اشتراه كاملاً...قلبه...يده...عصبه...لح مه...دمه...و على هذا لا بدّ لمنْ ملك مالاً أنْ يُجاهد فيه كلّه و الله أعلم و ربّما يدخل هنا ضمناً..الثّلث و الثّلث كثير...و أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة...و الله اعلم و احكم.

و قال الشّاعر:
الجود بالماء جود فيه مكرمة
والجود بالنفس أقصى غاية الجود

هذا و للكلام بقيّة إن شاء الله تعالى.

2\2\2014
كتبه: علي سليم