تزوجت زميلتنا في سن متأخرة، فمن الله عليها بالذرية، فسألناها كيف حال الأمومة معك؟ فقالت: ألهث ركضا خلف صغيري الهارب من الاستحمام، أنسى آلام ظهري وكأن ضحكاته مسكنا قويا لكل آلام جسدي، بل بلسم سحري يبعث في النفس طاقة وسعادة، تُحضر السكرتيرة المعاملات لأنجزها فأتأفف لمجرد رؤيتها، ويبدو لي العمل مملا لا متعة فيه، رغم أن الكثيرات يغبطنني على هذه الوظيفة المريحة والراتب المغري.
تقفز الكرة في وجهي خطأ من قدم صغيري، فيرتفع ضغط دمي، ولكن ضحكات صغيري ومفعولها السحري تجعلها بردا وسلاما.
تقدم لي السكرتيرة التقارير فلا أراها إلا جنائز ممددة أمامي، منظر يبعث في النفس الكآبة، وتلح صغيرتي علي بحل الواجب فأرحب أيُّما ترحيب، فيما يزعجني أي عمل إضافي للوظيفة، أنتقد بشدة أي فوضى في عملي، وأطالب ببيئة مثالية، بينما أشارك أطفالي لعبهم الفوضوي وأراه بيئة مثالية.
تكثر طلبات أبنائي ويريدونها في التو واللحظة، فأستمتع بسباق ماراثوني؛ لأجل ابتساماتهم، ولا أتعب، بل أسجد سجدة شكر لله أن منحني هذه السعادة.
إجازة العمل أنتظرها بفارغ الصبر، وأحزن لانتهائها، وحين يغيب صغاري عن البيت أنزعج، وأدعو الله أن يحفظهم ويعيدهم سالمين ليرووا عروقا كادت أن تجف، ويعيدوا لي الحياة، بل يتحول البيت إلى واحة غناء لا تسمع فيها سوى زقزقة العصافير.
فسبحان من خلق البشر، وخلق إعجازا يسمى عاطفة الأمومة.


د بشرى عبدالله اللهو ...