أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الاستخدام الدلالي والصوتي للعلامات اللغوية*
يستخدم الإنسان العلامات اللغوية من رفع ونصب وجر وجزم بين أجزاء الجملة لأهداف دلالية معنوية، فالرفع يدل على المتقدم في الموقع والمنزلة والمكانة ،" العمدة " كالمبتدأ والفاعل ،قال تعالى"ورفعنا لك ذكرك "وقال أيضا ،ورفعناه مكانا عليا " والنصب يدل على المتأخر في الموقع والمنزلة والمكانة "الفضلة" "المفاعيل "أما الجر وهو علم الإضافة فيدل على المتأخر أكثرفي الموقع وفي منزلة المعنى فالعلامة تنبع من أهمية الكلمة داخل التركيب ،أو تنبع من مستوى قوة العلاقة المعنوية بين الكلمات داخل التركيب ،وتدل على قوة العلاقة المعنوية بالنسبة لغيرها من الكلمات ، فالفعل يدل على الفاعل أكثر مما يدل على المفعول ،أو يحتاج إليه أكثر ،فعندما يسمع أحدنا فعلا ما فأول ما يتبادر إلى ذهنه هو السؤال عن الفاعل ،ولهذا يتقدم الفاعل على المفعول، ونستفيد من هذه العلامات في أمن اللبس والتقديم والتأخير......إلخ . فالعربي يقول مثلا"أكرم زيد عمرا ،وأكرم عمرا زيد ،وعمرا أكرم زيد ،فدلوا برفع زيد على أنه العمدة المتقدم في المنزلة والمكانة وعلى فاعليته ،وبنصب عمرو على تأخره في المنزلة والمكانة وعلى مفعوليته ،أما إذا ظهر المعنى من دون العلامات قام العربي باستغلالها بما يخدم الجانب الصوتي ،كقولهم :هذا جحرُ ضبٍ خرب ٍ"وكلمة "خرب"لا يمكن أن تكون صفة للضب ،بسب التنافر المعنوي بينها ،ولا يمكن أن تكون إلا صفة للجحر ،وما دام المعنى قد ظهر بدون العلامة تصرفوا فيها من أجل الانسجام الموسيقي .
كما تقول العرب"خرق الثوبُ المسمارَ ، والثوب لا يمكن إلا أن يكون مخروقا ،ولا يكون المسمار إلا خارقا ،وهذا يظر من دلالة الفعل خرق ،فعندما أُمن اللبس وظهر المعنى تساهلوا وتخففوا في استخدام العلامة اللغوية
ويدل رفع الفعل كذلك على تقدمه في منزلة الدلالة على الحدث ،فالفعل المضارع المرفوع فعل يحدث ويستمر في الحدوث ،فدلالته على الفعل حاصلة ،ويظهرهذا المعنى في إثبات العرب لحرف النون في الأفعال الخمسة ،ولحرف العلة في الأفعال المعتلة للدلالة على تمام حدوثها ، أما النصب على الفعل المضارع المنصوب فيدل على تأخر دلالة الفعل في الحدوث ، ويظهر هذا من دلالة الأدوات الناصبة على الاستقبال ،وبهذا يحدث الانسجام المعنوي بين الأداة والعلامة، أما علامة الجزم فتدل على عدم الفعل أو قلته ،وهذه العلامة نابعة من معنى الأدوات الجازمة كالأداة "لم" مثلا ،التي تدل على نفي حدوث الفعل ،ومما يدل على ذلك هو حذف العرب للنون في الأفعال الخمسة وحذفهم لحرف العلة في الأفعال المعتلة للدلالة على عدم الفعل أو نقصان دلالته على الحدث ،فالعلامة على الأفعال نابعة من معنى الأداة ،وتظهر على الأفعال على الرغم من عدم دخول الأدوات عليها مباشرة ،وسأضرب مثلا قول سيبويه ،وهو من مستوى الكلام المستقيم القبيح ،وهو قوله : "كي زيدٌ يأتِيَك " فمعنى الأداة يكفي ويكفي من أجل انتصاب الفعل ،
إن الألفاظ هي الصورة الحسية للمعاني التي يربط المتكلم بينها برابط الاحتياج والأهمية المعنوية ،سواء أتقدم الكلام أم تأخر ،فالإنسان يتثقف لغويا ،أو يتزود بالمفردات ومعانيها ،ويفكر ،ليقول ما يشاء كيفما يشاء ،وبمستويات متعددة ، تحت رعاية منزلة المعنى وعلاماتها ،ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض ،والمتقدم في الموقع متقدم في المنزلة والمكانة والمتأخر في الموقع متأخر في المنزلة والمكانة ، في الأصل وفي العدول عن الأصل.
--------------------------------------------------
* يسمي النحاة علامات الرفع والنصب والجر والجزم بعلامات الإعراب ،و أميل إلى تسميتها بعلامات المنزلة والمكانة ،أو علامات الإعراب عن المنزلة والمكانة ،لأن المفاعيل مثلا تتشابه حركتها ولا نستطيع التمييز بينها من حيث الوظيفة الإعرابية إلا بالرجوع إلى المعنى ،فمثلا نقول "أكرم زيدٌعمرًا ومغيبَ الشمس إكراماً عظيماً يومَ الجمعة في داره احتراماً له ،فهذه العلامات تدل على تقدم أو تأخر منزلة المعنى داخل التركيب ، وتدل في هذا المثال على كونها فضلة أو مفعول ،أما معناها الوظيفي فيظهر بالرجوع إلى العلاقة بينها وبين الفعل.