أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


نظرية العامل الفلسفية لم تمت بل وُلِدت ميتة
تقوم اللغة على مبدأ الاحتياج والاقتضاء المعنوي بين أجزاء التركيب ، إلا أن العربي قد يتجاهل هذا المبدأ مما يؤدي إلى انخفاض درجة جودة التركيب ،وقد يهدر مبدأ الاحتياج مما يؤدي إلى اللبس والتناقض . هذا هو الأصل،وهو مبدأ ينطبق على العربية وغيرها من اللغات ،إلا أن النحاة قعدوا القواعد على أسس شكلية من خارج اللغة ،كالقلة والكثرة مثلا ، ومزجوا بين اللغة والمنطق والفلسفة ،واعتمدوا على الاستقراء الناقص للغة ،فألغوا تقريبا أهم مصدرين لغويين وهما القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وفضّلوا عليهما أشعار المخبولين وأشعارا مجهولة النسبة ،مما أدى إلى خرق اللغة لهذه المعايير ، وإلى ظهور القواعد المركبة فيما بعد ،وفيما يلي مجموعة من الأمثلة التي تظهرأن القواعد وُلدت ميتةلأنها كانت بعيدة عن واقع اللغة والاحتياج المعنوي:-
1- تنص القاعدة النحوية على أن معمول (مطلوب ) اسم الفعل لا يتقدم عليه،بحجة أنه عامل ضعيف !!! ،ولكن الله تعالى يقول "عليكم أنفسَكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"(المائدة10)وقال تعالى"كتابَ الله عليكم" ( النساء 24)أخر المفعول به لاسم الفعل مرة وقدمه مرة أخرى لأنه مرتبط بالتشريع السابق عليه بحسب الأهمية المعنوية ،وهو قوله تعالى" حرمت عليكم......... إلا ما ملكت أيمانكم"(النساء 23-24)
2- تنص القاعدة النحوية على كون الفاعل اسما مفردا ولكن الله تعالى يقول " أفلم يهد لهم كم أهلكنا "(طه128) وقال تعالى"ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين"(يوسف35)جاء الفاعل على صورة الجملة للدلالة على التكثير.
3- تنص القاعدة على أن المبتدأ يكون اسما مفردا أو مصدرا مؤولا فقط ،ولكن الله تعالى يقول "سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم" جاء المبتدأ على صورة الجملة ،للدلالة على أن هؤلاء القوم متشددون حتى لو تم الإنذار مرة بعد مرة.
4- تنص القاعدة النحوية على حفظ الرتبة بين المعطوف والمعطوف عليه ،ولكن العربي يقول "قام ثم زيد عمرو" قدم العاطف والمعطوف على المعطوف عليه،وقد تقدم العاطف والمعطوف بالمنزلة والأهمية ،وهو تركيب أقل حسنا ،لأنه لا توجد علاقة معنوية بين الفعل قام وحرف العطف، ولكنه جائز ،والأحسن منه:قام عمرو ثم زيد ، ،والذي سوّغ هذا التقديم بقاء العاطف والمعطوف قريبين من المعطوف عليه.
5- تنص القاعدة النحوية على حفظ الرتبة بين التوكيد والمؤكد ،ولكن المعري يقول:تعب كلها الحياة" قدم التوكيد على المؤكد ،وقد تقدم التوكيد بحسب الأهمية المعنوية ، للجمع بين التعب وكل الحياة ،وهو أقل حسنا من مجيء التوكيد بعد المؤكد ،ولكنه جائز ، والذي سوّغ هذا التقديم بقاء التوكيد قريبا من المؤكد.
6- تنص القاعدة النحوية على عدم الفصل بين البدل والمبدل منه ،ولكن العربي يقول: الخليفة قادم عمر " فيفصل بين البدل والمبدل منه ،وقد قدم الفاصل بحسب الأهمية المعنوية ،لأن الأهمية المعنوية للخبر.
7- تنص القاعدة النحوية على تبعية التوكيد للمؤكّد ولكن العربي يقرأ قول الله تعالى "ويرضين بما آتيتهن كلُّهن"برفع "كلُّهن" فيفصل بين التوكيد والمؤكد ،لأنها توكيد لنون النسوة في يرضين ،وقد تقدم الفاصل بحسب منزلة المعنى لإفادة معنى الرضا والقناعة. 8- تنص القاعدة النحوية على أن ما قبل إلا لا يعمل فيما بعدها ،ولكن الله تعالى يقول "لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائرَ"فأخر المفعول أمنا للبس. .
9- تنص القاعدة النحوية على عدم الفصل بين لولا والفعل ،ولكن الله تعالى يقول "ولولا إذ سمعتموه قلتم" ففصل بين لولا والفعل ،لإفادة معنى أنه كان يجب عليهم ترك الخوض في حديث الإفك من لحظة السماع.
10- تنص القاعدة النحوية على عدم الفصل بين الصفة والموصوف ،ولكن الله تعالى يقول " أفي اللهِ شكٌ فاطرِ السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم " فصل بين الصفة والموصوف بالمبتدأ المؤخر ،حتى لا يتأخر المبتدأ وتضعف علاقته بالخبر المقدم بسبب الفاصل الطويل.
11-تنص القاعدة النحوية على عدم جواز تقديم جملة الحال ،ولكن الله تعالى يقول" وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه" فقدم جملة الحال لأن الأهمية لبيان الهيئة التي تم النداء فيها.
12- تنص القاعدة النحوية على عدم جواز الفصل بين المضاف والمضاف إليه ،ولكن الله تعالى يقول " وكذلك زين لكثير من المشركين قتل ُ أولادَهم شركائِهم"ففصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول ،لبيان فظاعة فعل المشركين وهو قتل أولادهم، فجمع بين المصدر ومفعوله.
13- تنص القاعدة النحوية على حفظ الرتبة بين المصدر وصلته ،ولكن الله تعالى يقول "أُحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم" تقدم "ليلة الصيام" وهو ظرف للمصدر "الرفث" لأن التحليل كان بسببه ومرتبط به ،والذي أتاح هذا التقديم بقاء الظرف قريبا من المصدر.
14- تنص القاعدة النحوية على عدم جواز دخول الفعل على الفعل ،ولكن الله تعالى يقول "من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم " فأدخل الفعل على الفعل للإشارة إلى شدة قرب وقوع الزيغ.
هذا غيض من فيض قواعد تمردت عليها اللغة ،قبل أن توضع القواعد ، وهذه الأمثلة ليست الوحيدة ، وهي كافية لإصدار قواعد جديدة لها ، واللغة نفسها تهدم ما قعده جمهورالنحاة ،بالإضافة إلى ما يهدمه النحاة أنفسهم ،فلكل نحوي رأي خاص به يتعارض مع رأي الآخروالذي يبدو لي أن الألفاظ هي الصورة الحسية للمعاني التي يربط المتكلم بينها برابط الاحتياج والأهمية المعنوية سواء أتقدم الكلام أم تأخر ،فالإنسان يتثقف لغويا ويتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة ،فهو يقول وهو يفكر ويفكر وهو يقول تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس ،ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض ،وهو غاية كل لغة من لغات العالم