أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


لاح بريق لامع, فظُنَّ أنه دُر ثمين وإذا به سُمُّ أفعى في قدح لعين...

أمة تتخبط في براثن الجهل المذقع الذي اندلعت أقتابه في كل صوب, وتجذرت عروقه, وصار يُعدُّ من الآل بعد أن كان من الرعاع والحشوة, ثم صار يسمع له سحيل كسحيل الحمار...
هذا واقع أمة لم يُرَ قط مثيل لها في المحافظة على الهوية والتعصب للثقافة المتمثل في لغة لطالما غلب الثناء على فصحائها, وأقيمت الدنيا لبلغائها, وكان معيبا عند أهلها أن يكون آحاد رجالها ألثغ, بلهى أن يكون في معجما.. إي والله للغة من أشد ما ينبغي أن يتعصب له.

استوقفني خبر استوجب الوقوف, وآثرت نفسي على أن أجعل له محلا للنظر, وهو كون "فِرنسا أوقفت رجل أمن أفشى السلام بالعربية على زملائه" وليس هذا غريبا من دولة تبذل كل ما في وسعها وتستنفذ طاقتها في المحافظة على هويتها.. ومن قبل كانت قد منعت لفظ "الهاشتاغ" من دوائرها الحكومية.. وأنشأت دار ندوة مهمتها إجلاء كل لفظ دخيل على الفِرنسية.
كيف لا وقد علمت أن من أهم ما تقوم عليه الدولة الحديثة الحفاظ على الهوية المنسوجة بخيوط رفيعة حاكتها اللغة.
ثم إن واقع أمتنا المرير يكشف بجلاء تجشم بني جلدتنا عناء التحدث بلغة الإفرنج من غير حاجة, وتكلف التشدق والتقعير بألفاظ تُنبي عن سفاهة الأحلام, حتى أفضى بنا الحال إلى رمي الفصحاء بالعِي المُركب, والجهل المشعب.
إن الغرض الأساس من كتابة هذه الأسطر هو دغدغة الأفهام لمراجعة فكر الأنام المتمثل في تبيان أهمية اللغة, إذ لا مناص ولا مندوحة في أن من مقومات الرقي الحفاظ على الثقافة.. وقد نقلت إلنا أخبار آحاد ومتواترة في أن العرب كانت تعيب العجمة, بل أدهى من ذلك أنها كانت تعتبر اللثغة والحلكة والفأفأة والحبسة والرتة... وغير ذلك مما يزري بالمرء ويأتيه بالعار, فهذا أبو رمادة طلقة امرأته لما وجدها لثغاء وخاف أن تجيئه بولد ألثغ فقال:
لثغاء تأتي بحيفس ألثغ=== تميس في الموشي والمصبغ
وهذا واصل بن عطاء المعتزلي كان ألثغ فاحش اللثغ, لا يقيم حرف الراء؛ جيئه بخطبة كل كلمة منها تحويه وهو على المنبر, فرام إسقاط حرف الراء من كلامه وأبدل كل كلمة بنظيرها مما يستقيم مخرجه لديه مخافة أن يهان.
وقال سحيم بن حفص:
نعوذ بالله من الإهمال=== ومن كلال الغرب في المقال
والأمثلة على ذلك كثيرة من رامها فعليه بكتب الأدب, ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق..
فهذا ما أمكن إيراده من اهتمام العرب باللغة والسلاقة, منبها في ذلك شبابنا ألا يكونوا إمعة يتبعون كل ناعق, ويتشدقون بكلام باخق, يوارى عن النفس الرزانة ويجلي عجزها عن الإبانه, فليس هذا من الديانة كيف وقد رُمِينا بسهم في عقر دارنا فمرق السهم ونجا وقد احتذينا الوجى, وقبلنا كل ما لقناه, سواء علينا وعيناه أم لم نعه..