أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


دور الاحتياج المعنوي في البلاغة العربية
(1)
مراعاة النظير
قال تعالى"لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير".
الفاصلة القراّنية تتناسب معنويا مع محتوى الاّية القراّنية،وقد ختم الله سبحانه وتعالى الاّية بذكر اسمين من أسمائه الحسنى وهما : اللطيف والخبير،وقد فُسرت كلمة "اللطيف"بتفسيرات منها :الرفيق بعباده وموفقهم وعاصمهم ،وقيل:من يدرك الأسرار بلطف ويسر،وعدم الإحاطة بكنهه وحقيقته......إلخ.
وفي رأيي أن المعنى المناسب لها هو:الخفاء،وعدم القدرة على الإحاطة والوصول إلى كنهه وحقيقته،وهذا المعنى يتناسب مع قوله تعالى"لا تدركه الأبصار"وقد ذكر بعده "الخبير" ومعناه:الذي أحاط بالأشياء ظاهرها وباطنها، كما تقدم الاسم الأول(اللطيف) ليتناسب معنويا مع الصفة الأولى بحسب منزلة المعنى،وذكر( الخبير) بعده ليتناسب مع الصفة الثانية"وهو يدرك الأبصار"،فالله سبحانه وتعالى يعقد مقارنة بينه وبين غيره من المخلوقات أو بني البشر،خاصة أن هذه الاّية تأتي بعد أن اختلق اليهود والنصارى البنين والبنات لله تعالى.أما تفسير اللطيف بالرفيق فلا يتناسب مع هذا السياق اللغوي المعنوي.
(2)
دور الاحتياج المعنوي في القصر
القصر:تخصيص أمر باّخر بطريق مخصوص،ويقوم القصر على منزلة المعنى وأهميته،بغض النظر عن طريقة القصر،فعندما نقول: ما شوقي إلا شاعر،فإننا ننفي عن شوقي كل شيء إلا قول الشعر،وبهذا نقصرالموصوف على الصفة،أو المبتدأ على الخبر فإن أردنا أن نقصر قول الشعر على شوقي،فإننا نقول: ما شاعر إلا شوقي ،وبهذا نقصر الصفة على الموصوف،أو الخبر على المبتدأ،ويمكن أن نلاحظ الحركة التبادلية بين موقعي الصفة والموصوف، حيث يتقدم الموصوف أو الصفة بمنزلة المعنى نحو حرف النفي، ويتأخر الاّخر بمنزلة المعنى إلى ما بعد( إلا) من أجل أن تترتب الكلمات بحسب الحاجة وقوة العلاقة المعنوية فيما بينها،حيث ننفي كل شيء عن المقصور ونثبت له ما بعد (إلا) المقصور عليه،وتخصيص ما قبل إلا بما بعد إلا..
وعندما نقول:إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ،فإننا نقصر خشية الله على العلماء،وإن قلنا:إنما يخشى العلماءُ اللهَ،فإننا نقصر خشية العلماء على الله،وفرق بين المعنيين،وفي المرة الأولى قصرنا الفعل على الفاعل،وفي الثانية قصرنا الفعل على المفعول، وفي الحالتين يتقدم المقصور نحو الفعل بمنزلة المعنى ويتأخر المقصور عليه،وقد ترتبت الكلمات بحسب قوة العلاقة المعنوية.
وعندما نقول:محمد مجتهد لا كسول،فإننا نثبت لمحمد صفة الاجتهاد وننفي الكسل،وإن عكسنا وقلنا:محمد كسول لا مجتهد،فنكون قد أثبتنا صفة الكسل ونفينا الاجتهاد.وكذلك،عندما نقول:ما محمد مجتهد بل كسول،فإننا ننفي الاجتهادعن محمدونثبت صفة الكسل،وإن عكسنا وقلنا:ما محمد كسول بل مجتهد،كان المعنى بعكس الأولى.ومثل ذلك :ما محمد مجتهدلكن كسول،وما محمد كسول لكن مجتهد،والاختلاف في المعنى نابع من منزلة المعنى بين الكلمات ،وعندما نقول:إياك نعبد،فإننا نقصر العبادة على الله وحده عن طريق تقديم ما حقه التأخير حيث يتقدم المتأخر بمنزلة المعنى،من أجل الغرض البلاغي.
فاللغة تقوم على الاحتياج المعنوي ،والكلام يترتب ترتيب المعاني في النفس تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.
(3)
الالتفات عدول عن أصل الاختيار بالضابط المعنوي
يتحدث الإنسان بحسب الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس ،وتقوم اللغة على الاحتياج المعنوي على المحورين الرأسي والأفقي ،والالتفات عدول عن أصل الاختيار والاحتياج المعنوي بالضابط المعنوي ،فالمتكلم يتكلم بحسب الحاجة المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل على المحورين الرأسي والأفقي.
والالتفات هو : التعبير عن معنى من المعانى بطريق من الطرق الثلاثة : التكلم والخطاب والغيبة بعد التعبير عنه بطريق آخر منها.
إن من يمعن النظر فى شواهد الالتفات فى القرآن ، يتضح له أنها تشتمل على كثير من الأسرار البلاغية ، واللطائف الأدبية ، التى تهز العواطف ، وتحرك الأحاسيس والمشاعر
ومن هذه الشواهد قوله تعالى حكاية عن حبيب النجار :" وما لي لا أعبد الذى فطرنى وإليه تُرجعون" والسياق اللغوي والاحتياج المعنوي يقتضي في الأصل أن يقول:وإليه أُرجَع"ولكنه التفت من التكلم فى قوله : " وما لى لا أعبد الذى فطرنى " إلى الخطاب فى قوله : " وإليه تُرجعون " ، لكى يخرج الكلام فى معرض مناصحته لنفسه ، وهو يريد نصح قومه ، تلطفا وإعلاما بأنه يريده لنفسه ، ثم التفت إليهم ، لكونه فى مقام تخويفهم ، ودعوتهم إلى الله ، وأيضا فإن قومه ، لما أنكروا عليه عبادته لله ، أخرج الكلام معهم بحسب حالهم ، فاحتج عليهم بأنه يقبح منه ألا يعبد فاطره ومبدعه ، ثم حذرهم بقوله : " وإليه تُرجعون"لشمول رجوع الخلق كلهم إلى الله تعالى.
ومنها قوله تعالى: (وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون"والسياق يقتضي في الأصل أن يقول:فأنتم المضعفون ،ولكنه انتقل من الخطاب إلى الغيبة، للمبالغة فى المدح،قال الزمخشرى: وقوله تعالى: (فأولئك هم المضعفون) التفات حسن، كأنه قال لملائكته، وخواص خلقه: فأولئك الذين يريدون وجه الله بصدقاتهم ، هم المضعفون ، فهو أمدح من أن يقول : فأنتم المضعفون.
وتابعه فيما ذهب إليه الألوسى - رحمه الله-.
والالتفات من محاسن الكلام لأنه انتقال من أسلوب إلى أسلوب وذلك لتطرية نشاط السامع وإيقاظه للإصغاء إلى المتكلم ،ويكون تحت رعاية الاحتياج المعنوي عند المتكلم وعلامات أمن اللبس.
(4)
الأسلوب الحكيم عدول عن أصل الاختيار بالضابط المعنوي
الأسلوب الحكيم هو تلقي المخاطب بغير ما يترقبه ،بترك سؤاله والإجابة عن سؤال اّخر لم يسأله ،أو بحمل كلامه على غير ما كان يقصده، فالسائل يسأل بما هو أهم عنده ،والمجيب يجيب بما هو أهم عنده،عدولا عن أصل الاختيار من أجل الهدف المعنوي.
فمن ذلك قوله تعالى :" يسألونك عن الأهلة" والإجابة التي يقتضيها السؤال هي:الأهلة كذا وكذا،أي بيان حقيقة هذه الأهلة،لأنهم سألوا عن حقيقة الأهلة وتغيراتها،ولكن الإجابة كانت ببيان الهدف من هذه التغيرات حيث قال تعالى :"هي مواقيت للناس والحج"
ويمكن أن نصوغ الأصل والعدول كما يلي
يسألونك عن الأهلة، قل هي كذا وكذا ---------- الأصل
يسألونك عن الأهلة،قل هي مواقيت للناس والحج-----العدول
والهدف من هذا العدول عن أصل الاختيار على المحور التنويعي للغة هو هدف معنوي، وهو التنبيه على أن الأولى هو السؤال عن أسباب تغير الأهلة.
فالمجيب يتحدث بما هو أهم وبما تقتضيه الحاجة المعنوية .
(5)
دور الاحتياج المعنوي في المجاز المرسل
يتحكم الاحتياج المعنوي في نقل الكلام من الحقيقة إلى المجاز كما هو الحال في الجملتين التاليتين:
نقول :يشرب عليٌّ العصيرَ.
ونقول:يشرب عليٌّ التفاحةَ.
الجملة الأولى جملة حقيقية ،مبنية على الفعل يشرب ،وهذا الفعل يشير إلى أو يدل على فاعل يقوم بالشرب ،وعلى شيء يٌشرَب وهو العصيرمثلا ،وعندما نذكرهذا الفعل فلا بد أن نعطيه فاعلا يَشرب كـ"علي" ومفعولا يُشرب كالعصير أو الشاي أو القهوة.....إلخ،وعندما نذكر هذا الفعل للمستمع فإنه يتوقع منا أن نذكر له فاعلا يشرب كعلي ومشروبا كالعصير،لأن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس ،وهذا ما حصل في الجملة الأولى، والجملة الأولى من مستوى المستقيم الحسن من حيث الصحة الدلالية.
أما الجملة الثانية فهي من مستوى الكلام المستقيم الكذب من حيث الصحة الدلالية لأنني بنيت على الفعل"يشرب" شيئا يؤكل ،لأن التفاح في الحقيقة لا يُشرَب بل يؤكل ولكننى قصدت أن أقول:إن علي يشرب ما كان تفاحا ،وهو ما نسميه في اللغة العربية المجاز المرسل على اعتبار ما كان،وهذا المجاز نتج عن الاستبدال اللغوي على المحور الرأسي ،وهذا الاستبدال كذلك أدى إلى نقل الكلام من الحقيقة إلى المجاز لأنه لا يوجد احتياج معنوي بين الفعل يشرب وبين التفاح في الحقيقة ، ومثله قوله تعالى"إني أراني أعصر خمرا" والخمر لا يُعصر ،والذي يعصر هو العنب ،أو ما نسميه مجازا مرسلا على اعتبار ما سيكون وهو من البلاغة.
ولهذا فالكلام تقديما وتأخيرا ،حقيقة أو مجازا ،ذكرا وحذفا ،إيجازا وإطنابا ومساواة ،تعريفا وتنكيرا، .....إلخ ،يقوم على الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس،والإنسان يتثقف لغويا ويتحدث بمستويات متعددة ،وبلغات متعددة ،وهو يقول وهو يفكر ويفكر وهو يقول تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم.
(6)
دور الاحتياج المعنوي في الاستعارة
يتحكم الاحتياج المعنوي في نقل الكلام من الحقيقة إلى الخيال كما هو الحال في الجملتين التاليتين:
نقول:يزأر الأسد في الغابة.
ونقول:يزأر محمد في الغابة .
الجملة الأولى حقيقية لأنها مبنية على الفعل "يزأر" وهذا الفعل يدل على ويشير إلى حيوان يزأر وهو الأسد ،وعندما نذكر هذا الفعل فيجب أن نعطيه الفاعل الذي يدل عليه الفعل ويشير إليه في الحقيقة وهو الأسد ،وهذا الفاعل هو الذي يقوم بالفعل على وجه الحقيقة ،فنقول:يزأر الأسد" ،ولهذا فالجملة حقيقية،والاحتياج المعنوي واضح بين أجزاء التركيب ،وهذه الجملة من مستوى الكلام المستقيم الحسن من حيث الصحة الدلالية.
ولكن عندما نقول:"يزأر محمد" فإن استبدالا يجري على المحور الرأسي للغة ينقل الجملة من الحقيقة إلى الخيال ،لأن الفعل "يزأر" لا يدل على محمد ولا يشير إليه ولا يوجد علاقة معنوية بينهما في الحقيقة ،لأن الفعل يدل على الأسد، ولا يدل على محمد ،وعندما نعطي للفعل فاعلا غير حقيقي ولا يدل عليه الفعل ،أو يشير إليه نكون قد نقلنا الجملة من الحقيقة إلى الخيال،وشبهنا محمدا بالأسد،وهذه الجملة من مستوى المستقيم الكذب من حيث الصحة الدلالية ، لأن الذي يزأر في الحقيقة هو الأسد ،ومحمد لا يزأر إلا في الخيال،ومن هنا نكون قد استخدمنا الفعل "يزأر"في غير ما وُضِع له في أصل اللغة.
(7)
دورالاحتياج المعنوي في التشبيه
اختلاف المعنى والصورة الفنية
نقول:زيد أسد
ونقول:زيد كالأسد
ونقول:زيد أسد في الشجاعة
ونقول:زيد كالأسد في الشجاعة
وكل جملة من هذه الجمل ترسم صورة فنية ومعنى يختلف عن معنى الجملة الأخرى،فالأولى تعني أن زيدا أسد ،أو شبيه تماما بالأسد، في مشيته ،وشجاعته ،وسرعته ، وقوته....إلخ ،أما الثانية فتعني أنه يشبهه ولكن الشبه ليس كاملا،والثالثة تعني أن زيدا أسد في حاجة واحدة وهي الشجاعة ،أما الرابعة فتعني مشابهة زيد للأسد في الشجاعة ،فشجاعته ناقصة عن شجاعة الأسد.
فالإنسان يتحدث تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.
:And we can say in English
zaid is alion
zaid as alion
zaid is alion in the bravery
zaid as alion in the bravery
(8)
فصل الخطاب في الإيجاز والمساواة والإطناب
بحسب الحاجة والأهمية المعنوية عند المتكلم يكون الكلام ،فقد يكون المتكلم مقلا أو متوسطا أو مكثرا في كلامه ،وهو ما يُسمّى بالإيجاز والمساواة والإطناب ،وذلك كما يلي:
أولا:الإيجاز: وهو جمع المعاني الكثيرة باللفظ القليل الوافي بالغرض مع الإبانة والإفصاح ،كقوله تعالى" خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"فقد جمعت الآية الكريمة مكارم الأخلاق بأسرها .والإيجاز نوعان:
أ-إيجاز قِصَر:كقوله تعالى"ولكم في القصاص حياة" فهذه الألفاظ تحمل المعاني الكثيرة ،حيث إنَّ الإنسان إذا علم أنَّه متى قَتل قُتِل امتنع عن القتل وفي ذلك حياته وحياة غيره وبذلك تطول الأعمار وتكثر الذرية ويُقبل كل واحد على ما يعود عليه بالنفع ويتم النظام ويكثر العمران .
ب- إيجاز حذف:كقوله تعالى"وجاهدوا في الله حق جهاده"أي: في سبيل الله ،ويُشترط أن يكون هناك دليل على المحذوف ،فلا حذف إلا بدليل.
ثانيا:المساواة :وهي تأدية المعنى بعبارة مساوية له ،كقوله تعالى"وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله"فهذه الألفاظ لا تحمل معنى زائدا.
ثالثا:الإطناب:أن يكون اللفظ زائدا عن المعنى لفائدة تقويته وتأكيده ،كقوله تعالى"ربِّ إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا" أي: كبرت،فقد جاء بألفاظ كثيرة لمعنى قليل بهدف التقوية والتأكيد للكلام.وأنواع الإطناب كثيرة منها:
أ- ذكر الخاص بعد العام ،كقوله تعالى"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى"والهدف منه التنبيه على فضل الخاص حتى كأنه لفضله ورفعته جزء آخر مغاير لما قبله ،وبهذا يُذكر الخاص مرتين مرة مع العام ومرة بذكره منفردا.
ب- ذكر العام بعد الخاص، كقوله تعالى"ربِّ اغفر لي ولوالديَّ ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات" والهدف منه الاهتمام بالخاص لذكره ثانيا مع العام في عنوان عام بعد ذكره في عنوان خاص.
ج- الإيضاح بعد الإبهام،لتقرير المعنى في ذهن السامع بذكره مرتين :مرة على سبيل الإبهام ومرة على سبيل التفصيل والإيضاح ،كقوله تعالى"وقضينا إليه ذلك الأمر أنَّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين"فقوله:" أنَّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين"تفسير وتوضيح لذلك الأمر،والهدف من ذلك تفخيم شأن المبيَّن وتمكينه في النفس زيادة تمكُّن.
د-التوشيع:وهو أن يؤتى في آخر الكلام بمثنى مفسَّر بمفردين ليُرى المعنى في صورتين،يخرج فيهما من الخفاء المُستوحش إلى الظهور المأنوس ،كقولهم:العلم علمان :علم الأبدان وعلم الأديان.
هـ -الاحتراس:وهو أن يأتي المتكلم بعد كلام يوهم خلاف المقصود بكلام يدفع الإبهام كقوله تعالى"ويطعمون الطعام على حبه "أي :مع حب الطعام واشتهائهم له ،وذلك أبلغ في الكلام وبيان لكرمهم وإيثارهم لغيرهم على أنفسهم ،وقوله"على حبه"يدفع إيهام استغنائهم عن الطعام،أي أنهم يطعمون فضلة الطعام .
و-التتميم:وهو زيادة كلمة أو أكثر توجِد في المعنى حسنا بحيث لو حُذفت صار الكلام مبتذلا كقول ابن المعتز يصف فرسا:
صببنا عليها ظالمين سياطنا//فطارت بها أيد سراع وأرجل
إذ لو حذف كلمة"ظالمين"لكان الكلام مبتذلا لا رقة فيه ولا طلاوة ،ولتوهم السامع أن الفرس بليدة تستحق الضرب ،أما قوله "ظالمين"فقد أثبت أنها سريعة بدون ضرب.
ز-التكرار:وهو ذكر الشيء مرتين أو أكثر لهدف ما ، كالتلذذ بذكره مثلا ،كقول مروان بن أبي حفصة:
سقى الله نجدا والسلام على نجد//ويا حبذا نجدعلى القرب والبعد
فبحسب الحاجة والأهمية المعنوية عند المتكلم يكون الكلام ،والكلام تقديما وتأخيرا ،ذكرا وحذفا،تعريفا وتنكيرا ،إيجازا وإطنابا ومساواة .....إلخ يكون بحسب الحاجة المعنوية عند المتكلم ،فالمتكلم يتثقف لغويا ويتحدث بمستويات متعددة ،وهو يقول وهو يفكر ويفكر وهو يقول تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.
(9)
دور الاحتياج المعنوي في الفصل والوصل
الوصل:عطف بعض الجمل على بعض بالواو،والفصل:أن تذكر الجملة بعد الجملة دون عطف،وتتحكم منزلة المعنى وأهميته في وصل الجمل وفصلها،كما في الأمثلة التالية:
أولا :الوصل
قال تعالى:"والله يقبض ويبسط"عطف "يبسط" على "يقبض"،لأن الهدف هو إثبات الخبرين لله تعالى،وإن فصلنا الجملة الثانية عن الأولى صار المعنى وكأننا نتراجع عن الخبر الأول ونريد إثبات الخبر الثاني،مما يحدث اللبس،لأن الهدف هو الجمع بين الخبرين،وهذا كقولنا:هو ينفع ويضر،فإن فصلنا صارت الثانية هي المثبتة والأولى منفية،ومُتراجع عنها، ولهذا يحتاج المتكلم إلى الواو للجمع بين الاثنين.
قال تعالى:"وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون الا الله وبالوالدين إحسانا"عطف "وبالوالين إحسانا"على "لا تعبدون إلا الله"لأن المتعاطفات أجزاء من الميثاق،وإن لم يعطف انفصلت الجملة الثانيةعن (المبني عليه) وهو الميثاق فصارت وكأنها ليست منه.
وإذا سئلت:هل شربت العسل،فتقول:لا وسقاني الله منه،فلو أسقطت الواولفهم خلاف المراد،إذ عندها ستتصل "سقاني"مع "لا"وتصبح الجملة الثانية وكأنها دعاء على النفس،لأن "سقاني " صارت مبنية على "لا".
وهكذا تتحكم منزلة المعنى والاحتياج المعنوي في وصل الجمل بعضها ببعض

ثانيا:الفصل
وتتحكم منزلة المعنى وأهميته بين أجزاء التركيب في الفصل كما في الأمثلة التالية:
*قال تعالى:وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون*الله يستهزئ بهم"
لم يعطف "الله يستهزئ بهم" على "إنا معكم"،لأن الجملة الثانية ليست مبنية على الفعل :قالوا،وليس لها به علاقة،فالجملة الثانية ليست من مقول المنافقين، ولو تم العطف لكانت منه ،مما يحدث اللبس.
وقال تعالى:الم*ذلك الكتاب لا ريب فيه* فصل الجملة الثانية "لا ريب فيه" عن الأولى"ذلك الكتاب "لأن الثانية توكيد للأولى،والتوكيد لا يحتاج إلى رابط يربطه بالمؤكد بسبب قوة العلاقة المعنوية بينهما.
وقال تعالى:أمدكم بما تعلمون*أمدكم بأنعام وبنين*فصل لأن الثانية بدل بعض من كل من الثانية والعلاقة بين البدل والمبدل منه لا تحتاج إلى رابط كالواو.
وقال تعالى:اتبعوا المرسلين.اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون*فصل لأن الثانية بدل اشتمال من الأولى،والبدل لا يحتاج إلى رابط كالواو يربطه بالمبدل منه.
وقال تعالى:فوسوس إليه الشيطان قال يا اّدم" فصل الثانية عن الأولى لأن الثانية تفسير للوسوسة ،والتفسير له قوة علاقة معنوية مع المفسر ولا يحتاج إلى رابط كالواو يربطه معه.
فاللغة تقوم على الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.