[align=right]
الإهداء ..
إلى الجميل عبد الرحمن الجبابرة ، والذي وعدته ذات مساء أني سأهديه رواية ، ولكني لم أفعل ، وإليه أقول :
أشتقت لتلك اللمعة في تينك العينين ..
أهديه لذلك الرومانسي الذي كتب معزوفة الورد ، برومانسية طاغية ، الجميل صلاح الأحمدي .. وعبارات توقيعك قبل يومين كانت سببا لمشروع سأخبرك به قريبا ..
أهديه للجميلة الأسطورة . ولشياطينها وملائكتها ومحاولاتها المرتبة التي عادت بي للوراء بضع سنين ، متذكرا حصة الأدب في فصلنا العلمي ..
أهديه لكل اولئك الذين ينتظروني في موضوع التحليل على أمل ، وأخرون على مضض ، وأخرون ترتسم على ملامحهم الإبتسامة ظنا منهم أنه سيتوقف .. ولكن هيهات ..
أهديه للرقيقة عذوبة انثى ، وتلك النظرات المنسكبة على شاشة الكمبيوتر في حماس وفضول ، متسابقة مع حروفها تارة لها وتارة عليها ..
أهديه لقسمنا الخواطر والشعر الفصيح ، ولمبدعيه : السلطان ودانه هواه وجرح الغلا و بنت الربيع وعبد الرحمن العتيبي وأحمد سعيد و قلب بلا نبض و نبض الشمال و دفا المشاعر وجميعهم ، ورغم أن هذا النص عبارة عن مقطع من رواية طويلة ، ولكني تحايلت على النظام لأضعه هنا ، بعد أن أقسمت أني لن اكتب في ذلك القسم حتى يتبدل الحال غير الحال ، ولكن هذا المقطع الروائي مذيل بخاطرة ، لذلك تنطبق عليه الشروط هنا ..
أهديه للجميلة يتم .. منتظرا منها شيئا لم اقرأه ..
أهديه للجميلة هذيان ، فقد لمحت اسمها اليوم صباحا ، بعد أن ألمني خاطرة لها قبل فترة تخبرنا فيها برحيلها ، ولكنها تعود ..
النص : وهو الفصل العاشر من رواية ( قبلة المساحات الضيقة )
بعنوان : دبي ومرقص وثمان فتيات
لم يرغب بزيارة المكان، إلا بعد أن ألح عليه اثنان، أولهما مدير المرقص وهو لبناني الجنسية وسيم ممتلئ القوام، والآخر مزيّن شعر سوري يبلغ من العمر سبعا وعشرين سنة، ويحتك به دائما رغبة منه بالعشاء على حسابه أو بالذهاب معه في سيارته الفارهة، أثناء وجوده بدبي.
كان الصالون فارغا تقريبا بحلول التاسعة مساء عندما عاد ليأخذ معه المزين سمير، الصالون على رأس الشارع أمام فندق الماريوت مباشرة في الجهة المقابلة، ذو أرضيه سيراميكية زرقاء فاتحة، يتوسطها في المنتصف مقعدان جلديان كحليان، وقد تم تصميم الصالون بشكل حديث، وتستقر العين على مقعدين أزرقين بديكورات خشبية بنية اللون، يستريحان على الجدارين المتخذين شكل زاوية ثانية أمام الزاوية الزجاجية الأولى، التي يتخللها الباب.
شد سمير على يده بقوة وبحرارة، وتمتم بكلمات الثناء لوجوده هنا، رغم انه يأتي دائما ليحلِق شعره لديه في دبي.
توجها مباشرة لشارع الشيخ زايد، ومنه للهوت بارك، حيث المرقص الشرقي الذي دُعي إليه رسميّاً، رغم انه هو من سيدفع الفاتورة وبشكل مضاعف.
"لا يهم ما دام ينتظر أن جميع العاملين والرفقاء سيولونه الاهتمام".
أوقف السيارة في مواقف خاصة قريبة من بناية المرقص، الذي يستوجب الوصول إليه أن يسير عبر ممشى يتوسط حديقة صغيرة، تؤدي إلى عدة مبانٍ، أحدها فندقٌ راقٍ، بالإضافة لمبنى لم يكتشف ما هو بالضبط، بالإضافة للنادي الليلي، الذي لا يمثل في الحقيقة إلا مرقصاً شرقياً، تتدرب فيه مجموعة من الفتيات العربيات على الغناء والرقص، ولكن بأسعار مدفوعة مقدما.
كانت البوابة النحاسية المذهبة العادمة للصوت تخفي خلفها ضجيجا عاليا، وقد فُتحت له حالما طرق سمير عليها، وقف شاب مصريٌّ مفتول العضلات، عمله الوحيد أن يسحب السكارى خارج المرقص، إن كان هناك ما يستدعي ذلك.
رمقهم الشاب المصري بابتسامة:
- (تفضل يا سعادة البيه.)
اصطفت بين يديه طاولات فارغة كثيرة، وهذا بالطبع لا يعود للكساد أو ضعف قدرات الفريق العامل على التسويق وجذب الزبائن، بشتى الطرق، التقليدية منها والمبتكرة، بل هو فقط لأن الليل ما يزال في أوله.
التفت إليه سمير بسرعة:
- (لحظات يا شيخنا.)
ذهب سمير وعاد، يسير خلفه المدير ربيع، كان يلبس بدلة سوداء وكرافيتا رصاصية ذات دوائر حمراء صغيرة، هذا هو بعض الجلّ يتخلل شعره الأسود العائد إلى الخلف، مع ابتسامة جميلة و محيّا بشوش، استقبله ورحب به بحرارة واضحة، لدرجة أن بعض الفتيات الموجودات على المسرح التفتن وبدأن يتساءلن بأعينهن، وهو تصرف اعتياديّ هنا، لأن أعين الفتيات هي الخطوات الأولى لرسم الخط العام للسهرة، وهي التي تحدد كيف سيكون التركيز وبناء استراتيجية المزاج.
- (اهلين بشيخنا، هلأ نور المكان كله.)
- (تفضل هون.)
أشار لطاولة قريبة من المسرح، أو مكان الرقص، وهو على العموم ليس مسرحا بالمفهوم التقليدي، بل منطقة مرتفعة قليلا، يحدها من الخلف جدار المرقص، ومن الأمام والجانبين، تحيط به الطاولات التي تتخلها الفجوات التي يمشي فيها الجارسونات مذعنين لما يراد منهم أثناء الخدمة على الزبائن.
الفرقة الموسيقية كانت تستريح بظهورها على الجدار، تنصب على هاماتهم الأضواء الكاشفة مسلطة للأسفل، وتتحرك بمختلف الألوان، الحمراء والخضراء والزرقاء، تدور حول المرقص كله، لتضفيَ عليه طابع الغموض والخصوصية.
رائحة المكان تختلط فيها شتى أنواع العطورات و المشروبات والأطعمة، رائحة مميزة وجميلة تحوم حول أجساد الفتيات الثمان اللاتي يتوسطن المسرح، ويبدين كالمترنحات يرقصن بنعومة وغنج على تلك المقاطع المتنوعة.
كانت الليلة ما تزال في أولها، ومع مرور الوقت تتغير خارطة المرقص تدريجيا.
الليلة، كان أبرز ما غيرها حجم المبيعات، فقد صرف هو لوحده أكثر من خمسة وعشرين ألف درهم، على اليمين، خلفاً، رجل أعمال إماراتيّ، بطاولته المتقهقرة عشرة أمتار عن المسرح.
"هل كانت ليلة خميس أم أربعاء؟
من يستطيع الجزم؟!"
يزوره ربيع كل نصف ساعة أو أقل، أو يرمقه من بعيد، وتدق الطبول له أحيانا، الفتيات يغنين له أو يتقربن منه.
هاهي إحداهن، أمسكت بيده وهي تقول:
- (تعال أرؤص معي، أبْل ما ييجوا جماعتي وخيّي.)
لهجتها لبنانيه، رد عليها بابتسامة:
- (انا ما أحب أرقص.)
راح سمير الثمل يشجعه بيده المرفوعة، وهو ممسك بخرطوم الشيشة، مشغولا أحيانا بالطعام أو الشراب.
الطاولة لم تفرغ من أي شيء، كانت ممتلئة، و جيوبه تفرغ شيئا فشيئا، لكنه يحمل بطاقة الصراف التي يسهل استخدامها هنا.
الأنوار المتغيرة المتنقلة تضفي على المكان نوعاً أخر من الحميمية، بخاصة الجدران التي بدت وكأنها أبواب لغرف أخرى، وظلالها توحي باتساع المكان، خاصة مع وجود المرايا في جهات متفرقة من المرقص.
الشمبانيا تفتح لحسابه، ركزت أماني أنظارها عليه، أما رجل الأعمال فقد كانت تشاغله فتاة أخرى. الفتيات ذوات الملابس القصيرة الواسعة المتنوعة يتطايرن في حدود المسرح ويرتدِدْن، فلم يكن يسمح لهن بالخروج منه أو بدخول أحد إليه من الزبائن، هكذا هو النظام، وربيع وحدَه هو القادر على تغييره:
- (شو رايك ترقص جوّه مع البنات، هو ممنوع بس أنت غير يا حبيب ألبي.)
رد عليه مبتسما:
- (لا إعفيني ما أبي أرقص.)
امتلأت الطاولات مع حلول الساعة الواحدة ليلا، شبّت حركة كبيرة، ومع كل أغنية مجموعة ترقص، لابد من فتح الشمبانيا للإهداء أو طلب أغنية معينة، القارورة بألف، الكرتون بعشرة آلاف، فتحوا كرتونين في تلك الليلة، أحدهما لرجل الأعمال، أما الآخر فقد أهداه هو للفرقة الموسيقية ولجميع الفتيات، بخاصة أماني التي كانت تتقرب منه، وترتمي عليه أحيانا عندما تنحني وتسأله:
- (عجبك غناي ورأصي؟)
- (تسلمين حلو حيل.)
مازالت روائح العطور تتجول، ولكنها الآن ليست فقط من فتيات المرقص وحدهن، بل كذلك من الفتيات الأخريات الموجودات، إحداهن كانت ترقص بعباءتها ومعها رجل أسمر يلف رأسه بعمامة، لم تنمح تلك الصورة من مخيلته، لقد أعجب برقص الاثنين معا.
تعرض زبون لعدة لكمات، وجهت إلى كتفه بقوة؛ ليسقط على طاولته، بعد أن تجمع عليه ثلاثة فتوات من حراس المرقص، وآل الأمر إلى سحبه خارجا.
الطاولات تتميز بكلاسيكية تصميمها مع وجود مقاعد سهلة التحريك وتتناسب معها. أرضية المرقص فرشت بالموكيت الأحمر، أمام الباب أو في بعض الزوايا تحفٌ مذهبةٌ كبيرة، مثبتة على الجدران.
تقرب منه أحد عازفي الفرقة، وكان قصيرا ممتلئ الجسم، طلب منه أن يفتح له شمبانيا، كان يحمل طبلاً عملاقاً يضربه ويردد اسمه، وانعكاسات المكان تلمع على مقدم رأسه العاري. كل الأنظار أصبحت موجهة إلى طاولته، وربيع يبتسم على رأس الطاولة. الفتيات يرقصن مع كل دقة طبل، إحداهن كانت تنحني للأمام تاركة مؤخرتها في أبعد مكان ممكن من جسدها.
وضع مجموعة من مئات الدراهم الإماراتية داخل الملف الجلدي الذي يحتضن الفاتورة، طلب من الجرسون أن يعطي الباقي للسيد ربيع.
في لحظات بعينها، كان يحاول الهروب بعقله عن أحاديث سمير المملة، أو تلصص الفتيات على خصوصيته وتقربهن منه. ينتابه سكون غامر، حتى الروائح في تلك اللحظات صارت ساكنة.
عاد لغرفته في السادسة والنصف فجرا، لم ينم تلك الليلة ولم يصاحب إحداهن رغم ازدياد العرض، لم يستطع تلك الليلة إلا أن ينشد:
------------
يصرخ بداخلي ذلك الصوت المجلجل:
أنشد
كتب عليّ أن أتألم مرة أخرى
و التلال تشدو بصوت الموسيقى
وعلى أنغام الليل، أرقص حتى خطوط الفجر
تتزلزل الأرض تحت قدميّ عندما أجمع الحطب، فترأف بي الشمس.
اعذري نسياني، هل عيناك كانتا زرقاوين أم خضراوين؟
وتعشوشب الأرض، فتنتشي عروقي
أتذكر السماء والعصافير الزرقاء، أنشودة وهبتها لكِ، فلم ترفضي، عمرها ألف عام.
وتركضين، تقفزين لتصلي أعلى قمة جبل
رسالة في قنينة عتيقة، تسافر مع المحيط
ودمعة محبوسة عمرها ألف عام
وخلف القضبان، يلتقيان فيحكم عليهما بالإعدام
أبكي حافيَ القدمين، أتذكر أول رقصة تحت النجوم
وخصرك عندما انسكب فوق ركبتيّ
وتصرخ فيّ اللحظة لتعانق بشرتك
فأشعر بالذوبان
وتتغير ملامح الأرض
فتختفي الأنشودة على سفوح التلال، لتستمر بداخلي.
------------
"كم هي تفاصيل جميلة"!
يستغرق في النوم. [/align]
![]()