النتائج 1 إلى 11 من 11

الموضوع: سلسلة دروس الصلاة [ الأذان والإقامة 2 ]

  1. #1
    ~ [ عضو مؤسس ] ~

    الصورة الرمزية جواهر عبدالله
    تاريخ التسجيل
    Aug 2005
    الدولة
    وَما تَدْرِي نَفسٌ بِ
    المشاركات
    8,316

    سلسلة دروس الصلاة [ الأذان والإقامة 2 ]

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد ..

    أُتابع معكم سلسلة دروس الصلاة في الأذان والأقامة .. والتي بدأتها من سلسلة دروس الصلاة [ الأذان والإقامة 1 ]

    [bdr][/bdr][p5s][/p5s]
    ما حكم الترتيب والتوالي بين جمل الأذان ؟

    لا بد أن يكون الأذان والإقامة مرتبين ، فلو نكس جمل الأذان أو الإقامة لم يصح ذلك ، لأنهما عبادتان وردتا على هذه الصفة .. التكبير أولاً ثم التشهد ، ثم الحيعلة ، ثم التكبير ، ثم التوحيد ، وعلى هذا فلو نكس فلا يصح كما تقدم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) رواه البخاري ومسلم .

    كذلك لا بد أن يكونا متواليين ، وليس المقصود من التوالي التوالي بين الأذان والإقامة ، وإنما المقصود التوالي بين جمل الأذان ، وكذلك بين جمل الإقامة .

    وعلى هذا لو أتى بالتكبير في الأذان مثلاً ثم ذهب ليتوضأ ، وأراد أن يكمل ، فإنه لا يجزىء ، لوجود الفاصل ، وعدم التوالي بين جمل الأذان ، فلا بد أن يعيده من جديد .

    والفاصل لا يخلو من أمور :

    أ ـ أن يكون كلاماً يسيراً محرماً فهذا يبطل الأذان والإقامة ، إذا حصل فيهما .

    ب ـ أن يكون كلاماً يسيراً مباحاً فهذا لا يبطل الأذان والإقامة ولكن الفقهاء رحمهم الله كرهوا ذلك .

    جـ ـ أن يكون كلاماً طويلاً مباحاً أو سكوتاً طويلاً فهذا يبطل الأذان والإقامة .

    [p5s][/p5s][bdr][/bdr]
    ما حكم الموالاة بين الإقامة والصلاة ؟

    لا يشترط الموالاة بين الإقامة والصلاة ، فلو أقام ثم حصل له حاجة فذهب وقضاها ، ثم رجع وأراد أن يصلي ، فلا يلزم من ذلك إعادة الإقامة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أمر بلالاً بالإقامة فلما أقام ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه جنب فذهب واغتسل وصلى ، ولم يعد الإقامة ) رواه البخاري .

    وظاهر هذا طول الفصل .

    [p5s][/p5s][bdr][/bdr]
    ما الحكم فيما لو بدأ بالأذان شخص وأكمله آخر ؟

    لا بد أن يكون الأذان من واحد فلو أنه أذن ثم انتصف في الأذان فحصل له عذر فمنعه من الإكمال فجاء آخر فإنه لا يبدأ الأذان من حيث انتهى الأول ، وإنما يستأنف من جديد ، وكذلك الحكم بالنسبة للإقامة .

    [p5s][/p5s][bdr][/bdr]
    هل يشترط أن يقيم الذي أذن أم يصح أن يكون الأذان من شخص والإقامة من آخر ؟

    السنة أن من تولى الأذان أن يتولى الإقامة ، لأن بلالاً كان هو الذي يؤذن ، وهو الذي يقيم ، كما في حديث أبي سعيد السابق في قصة الخندق وغيره ، ويدل لذلك من النظر ، فإنه ينبغي لمن تولى الأذان وهو الإعلام أولاً ، أن يتولى الأعلام ثانياً ، حتى لا يحصل التباس بين الناس في هذا الأمر ، وحتى يعلم المؤذن أنه مسؤول عن هذا الإعلامين جميعاً .

    [p5s][/p5s][bdr][/bdr]
    هل للأذان شروط ؟

    نعم ، له شروط تتعلق بالأذان نفسه ، وشروط تتعلق بالمؤذن ، وشروط تتعلق بوقته .

    [p5s][/p5s][bdr][/bdr]
    ما السنة في طهارة المؤذن ؟

    السنة أن يكون المؤذن متطهراً من الحدث الأكبر والأصغر ، ولكن الفقهاء رحمهم الله قالوا : يكره أذان الجنب دون أذان المحدث حدثاً أصغر ، هذا إذا لم تكن المنارة في المسجد فإن كانت في المسجد فإنه لا يجوز أذان المحدث حدثاً أكبر إلا بوضوء ، لعدم جواز دخوله المسجد حتى يتوضأ ، فالمراتب ثلاث :

    1 ـ أن يكون متطهراً من الحدثين وهذا هو الأفضل .

    2 ـ أن يكون محدثاً حدثاً أصغر وهذا مباح .

    3 ـ أن يكون محدثاً حدثاً أكبر وهذا مكروه .

    لكن الأفضل أن يكون متطهراً من الحدثين ، لما ورد عن الأعرج قال : سمعت عميراً مولى ابن عباس قال : ( أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري ، فقال أبو جهيم : أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل ، فلقيه رجل فسلم عليه ، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار ، فمسح بوجهه ويديه ، ثم رد السلام ) رواه البخاري ومسلم .

    فهذا ذكر ، والأذان من باب أولى .

    [p5s][/p5s][bdr][/bdr]
    هل يجب استقبال القبلة للمؤذن حال آدائه للأذان ؟

    السنة أن يكون المؤذن مستقبلاً القبلة ، لحديث عبد الله بن زيد الأنصاري في المنام قال : اسحاق بن راهوية في مسنده ( ... قال جاء عبد الله بن زيد فقال : يا رسول الله إني رأيت رجلاً نزل من السماء فقام على جذم حائط ، فاستقبل القبلة .. فذكر الحديث ) ولو أذن إلى غير جهة القبلة صح ذلك .

    [bdr][/bdr][p5s][/p5s]
    للمشاركة في الدرس

    ـ ما الشروط التي تتعلق بالأذان ؟ والمؤذن ؟ ووقت الأذان ؟
    ـ ما هي شروط إقامة الأذان ؟
    ـ كم عدد جمل الأذان والإقامة ؟
    ـ ما حكم التفات المؤذن أثناء الحيعلتين ؟ وما هي صور الالتفات ؟


    [bdr][/bdr][p5s][/p5s]
    بانتظار تفاعلكم .. ولا تنسوني من صالح دعاءكم .
    أنـا
    سيلـي
    تـراه أكبـر
    مـن إنـه
    يحجـزه ســدك


    αĺȷoɦʁαɦ

  2. #2

    ثاقــب

    الصورة الرمزية دفء البوح
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    الدولة
    فضاءات البــوح
    المشاركات
    10,073
    احكام تتعلق بالاذان والمؤذن
    موجوده بالملف المرفق

    يعطيكِ العافيه على هالطرح الرائع !
    الملفات المرفقة الملفات المرفقة
    ..

    ما أكثر لحظات الفراق والألم في حياتنا

    .. رغم تكرارها..

    إلا أنها أشد ألماً كلما انطوت الأيام ومرت السنين

    وتبقى لحظات الأمل والفرح هي تلك التي ننتظرها دائماً

    ..



  3. #3

    نبرة ملام

    الصورة الرمزية طيف
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    الدولة
    :: غرااااابيل ::
    المشاركات
    22,735
    ( جواهر )



    جزاكـ الله الخير




    والمشاركه ......



    الإمام و المؤذن

    ((الإمام ضــــــامن والمــــؤذن مؤتـــمن
    اللهم ارشد الأئمة واغفر للمؤذنين ))








    تأليف
    فؤاد بن عبد العزيز الشلهوب





    مقدمة

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين . وبعد:
    فهذا كتاب أردت فيه بيان الأحكام التي تهم المؤذن والإمام، واجتهدت فيه بقدر طاقتي في جمع سنة النبي صلى الله عليه وسلم الواردة في أمر الإمامة والتأذين . وأسأل الله التوفيق والسداد في القول والعمل، كما نسأله العلم النافع والعمل الصالح ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصبحه وسلم ، والحمد لله رب العالمين .





    وكتبه :
    فؤاد بن عبد العزيز الشلهوب







    أولاً : الأحكام التي تتعلق بالمؤذن والأذان :

    الأذان هو الإعلام؛ قال الله تعالى : { وأذان من الله ورسوله } أي أعلامٌ . فالإعلام بالأذان دليلٌ على دخول وقت الصلاة، والدعاء إلى شهود الجماعة لإظهار شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام وهي الصلاة .
    ولقد ورد في الأذان فضلٌ عظيم، فهنيئاً لمن قام به، وأدى أمانته . قال صلى الله عليه وسلم : ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ... ) الحديث ( ) . وقال صلى الله عليه وسلم لأبي سعيد الخدري: ( إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك- أو باديتك- فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس و لا شيء إلا شهد له يوم القيامة ) ( ) . وقال صلى الله عليه وسلم : ( المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة ) ( ) .
    ولقد دعا صلى لله عليه وسلم بالمغفرة للمؤذنين، فقال عليه الصلاة والسلام : ( الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم ارشد الأئمة ، واغفر للمؤذنين ) ( ) . فهنيئاً لمن دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمغفرة ! .

    1- صفات المؤذن .
    يشترط في المؤذن أن يكون مسلماً، عاقلاً، ذكراً، أميناً، عالماً بالوقت . فلا يصح من كافر، ولا مجنون، ولا من امرأة لأنها ليست ممن يشرع لها الأذان، سواء كان أذانها للرجال، أو لبنات جنسها، أو لنفسها، فإن ذلك لم يعهد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في زمن أصحابه رضي الله عنهم، ولا من بعدهم . ويشترط أن يكون المؤذن أميناً، فهو أمينٌ على وقت الصلاة والصيام، وهو أمين على عورات الناس حيث كان المؤذنون-قديماً- يؤذنون من على المنائر وكانت تشرف على بيوت الناس ومحلاتهم . وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم ارشد الأئمة ، واغفر للمؤذنين ) ( ) . ويشترط في المؤذن أن يكون عالماً بالوقت، أي أوقات الصلوات؛ وذهب بعض أهل العلم بأن العلم بالوقت ليس شرطاً في المؤذن، فإن ابن أم مكتوم كان رجلاً أعمى وكان لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت. أي أن له من يعلمه بدخول الوقت . وفي زماننا هذا يعتمد المؤذنون والناس على التقويم الذي يصدر من جهات تعتني بتحديد أوقات الصلوات، فخف الحمل على المؤذنين .
    مسألة: لو كان عند مؤذن تقويمان بينهما فرق يصل إلى خمس دقائق، وكلا التقويمين صادر من جهة تعتني بتحديد أوقات الصلوات وتتحرى الدقة فيه ؟
    الجواب: إذا اختلف تقويمان وكل منهما صادر عن عارف بعلامات الوقت، فإننا نقدم المتأخر في كل الأوقات؛ لأن الأصل عدم دخول الوقت، مع أن كلا من التقويمين صادر عن أهلٍ، وقد نص الفقهاء-رحمهم الله- على مثل هذا فقالوا: لو قال لرجلين ارقبا لي الفجر، فقال أحدهما: طلع الفجر، وقال الثاني: لم يطلع؛ فيأخذ بقول الثاني، فله أن يأكل ويشرب حتى يتفقا بأن يقول الثاني: طلع الفجر . أما إذا كان أحد التقويمين صادراً عن أعلم وأوثق فإنه يُقدم .اهـ . ( ) .
    ويستحب أن يكون المؤذن حسن قوي الصوت؛ قوي الصوت حتى يُسمع أذانه، وحسن الصوت لأنه أرق لسامعه . وفي وقتنا هذا منّ الله علينا بمكبرات الصوت التي تبلغ صوت المؤذن إلى أماكن بعيدة ويؤخذ هذا الاستحباب من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد بن عبد ربه الذي أُري الأذان في منامه: ( إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألقه عليه ما رأيت فليؤذن به، فإنه أندى صوتاً منك.. الحديث ) ( ) . والصوت الندي أي الرفيع .
    مسألة 2: هل يصح أذان الصبي المميز ( ) ؟
    الجواب: من أهل العلم من قال لا يعتد بأذان الصبي المميز، لأن الأذان مشروع للإعلام، و لا يحصل الإعلام بقول الصبي المميز لأنه لا يقبل خبره ولا روايته، وهذا قياسٌ منهم على الفاسق . وذهب آخرون إلى الاعتداد بأذان الصبي المميز، منهم : عطاء والشعبي وابن أبي ليلي والشافعي . وروى ابن المنذر ، بإسناده عن عبد الله بن أبي بكر بن أنس قال: كان عمومتي يأمرونني أن أؤذن لهم وأنا غلامٌ، ولم أحتلم، وأنس بن مالك شاهدٌ ولم ينكر ذلك . ( ) .
    وتوسط آخرون فقالوا: إن أذن معه غيره فلا بأس، وإن لم يكن معه غيره فإنه لا يعتمد عليه، إلا إذا كان عنده بالغ عاقل عارف بالوقت ينبهه عليه . وهذا هو الصواب .اهـ ( ) .
    مسألة 3: لو تشاح أو اختلف اثنان فأكثر على الأذان، كل منهم يريد أن يؤذن. فما العمل حينئذ ؟
    الجواب: ينظر في أحسنهم وأرفعهم صوتاً، ومعرفة بالوقت، وأكثرهم أمانة . فإن تساووا في ذلك أُقرع بينهم . وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في المبادرة إلى الأذان ولو بالاقتراع فقال عليه الصلاة والسلام : ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ... ) الحديث ( ) . وقد فعل ذلك سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فإنه لما كانت وقعة القادسية ، وأصيب المؤذن، تشاح أناس في الأذان واختلفوا، فأقرع بينهم سعد رضي الله عنه ( ) . وهذا محمول على أنهم تساووا في الشروط الواجب توفرها في المؤذن ولذلك أقرع بينهم .
    تنبيه : يحرم أخذ الأجرة على الأذان والإقامة، والمراد بأخذ الأجرة أي يعقد على الأذان والإقامة عقد إجارة . فعن عثمان بن العاص رضي الله عنه قال : إن من آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن : ( اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجراً) قال أبو عيسى: حديث عثمان حديث حسن صحيح. والعمل على هذا عند أهل العلم: كرهوا أن يأخذ المؤذن على الأذان أجراً، واستحبوا للمؤذن أن يحتسب في أذانه ( ) . وعلة التحريم أن الأذان والإقامة عبادة لا يجوز أخذ الأجرة عليها. ولكن يرزق للمؤذن من بيت مال المسلمين، لأن الحاجة داعية إلى ذلك، وإلا تعطلت المساجد، وينبغي أن يقدم المتطوع إن كان أهلاً للقيام بوظيفة الأذان .
    تنبيه آخر : ليس للمؤذن مكاناً مخصصاً في المسجد يجتنب فلا يجلس فيه إلا المؤذن، كما يفعل في كثير من المساجد اليوم، ومن سبق إلى مكان فهو أحق به، والأولى بالمؤذنين أن لا يتخذوا مكاناً راتباً خلف الإمام حتى لا يظن أنه سنة تتبع . قال الشيخ محمد بن إبراهيم –رحمه الله-: الأذان ليس وجوده في المسجد شرطاً بل كان أصل الأذان خارج المسجد، وكون المؤذن له مكان مخصوص في المسجد هذا ليس مشروعاً، ولا أن يختص بمكان دون مكان . إنما يقيم في مكانه بشرطه إذا كان فيه سهولة. أما كونه مكاناً راتباً فليس له أصل، بل تسوهل بذلك، ولكون المبادرة تحصل بالإقامة والعلم بالإمام . وإذا كان كذلك فينبغي أن يخلف [ أي : ينتقل] المؤذن عن مكانه حتى يعرف الناس أن هذا ليس من السنة في شيء. نعم هو جائز، لكن ينبه على أنه ليس بسنة ( ) .

    2- أوقات الصلوات .
    الأصل في المواقيت حديث إمامة جبريل عليه السلام لمحمد صلى الله عليه وسلم . قال صلى الله عليه وسلم : ( أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك، وصلى بي العصر حين كان ظله مثله، وصلى بي ـ يعني المغرب ـ حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله، وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل، وصلى بي الفجر فأسفر، ثم التفت إلي فقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت ما بين هذين الوقتين ) ( ).
    أ- صلاة الظهر : ووقتها يبدأ من زوال الشمس حتى يصير ظل كل شيء مثله، وتعجيل صلاة الظهر أفضل للأحاديث الآمرة بفعل الصلاة في أول وقتها، ولكن قد تؤخر صلاة الظهر إذا كان الحر شديداً فتؤخر طلباً لبرودة الجو . فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أبرد ) .ثم أراد أن يؤذن فقال له: ( أبرد ) .حتى رأينا فيء التلول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ) ( ) .
    ب- صلاة العصر: ووقتها يبدأ من مصير كل ظل مثله ، حتى يصير ظل كل شيء مثليه . وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ما يدل على أن آخر وقت العصر ما لم تصفر الشمس، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ...ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ) الحديث ( ) . والجمع بين الحديثين ممكن بأن يقال : بأن النبي صلى الله عليه وسلم ابتدأ صلاة العصر عند مصير ظل كل شيء مثليه، وانتهى عند اصفرار الشمس، وذلك ممكن في وقت الشتاء عندما يكون وقت العصر قصيراً ( ) . قال محمد بن عثيمين : وسواء صح هذا الجمع أم لم يصح فإن الأخذ بالزائد متعين، لأن الأخذ بالزائد أخذٌ بالزائد والناقص، والأخذ بالناقص إلغاء للزائد. وعليه فنقول: وقت العصر إلى اصفرار الشمس .اهـ ( ) .
    ت- صلاة المغرب : وقتها من مغيب الشمس إلى مغيب الحمرة في السماء، ووقتها يتراوح بين ساعة وربع إلى ساعة ونصف وثلاث دقائق تقريباً بعد الغروب (5) . والسنة تعجيل صلاة المغرب وعدم تأخيرها، ويكون ذلك بمقدار الوضوء بعد الأذان وأداء ركعتين ونحو ذلك.
    ث- صلاة العشاء : من مغيب الشفق حتى نصف الليل . كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ووقت العشاء إلى نصف الليل) ( ) . ويستحب تأخير صلاة العشاء إلى ثلث الليل مالم يشق على الناس ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : أعتم النبي ذات ليلة. حتى ذهب عامة الليل، وحتى نام أهل المسجد ثم خرج فصلى. فقال: ( إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي ) ( ) .
    (فائدة): في حديث جابر بن عبد الله في بيان أوقات الصلوات قال : ( والعشاء أحياناً وأحياناً: إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطئوا أخر ) ( ) . فصلاة العشاء يُراعى فيها تكثير الجماعة فيستحب الانتظار إذا تأخروا، على أن لا يشق ذلك على من حضر المسجد.
    ج- وقت صلاة الفجر : من طلوع الفجر الثاني وهو البياض الممتد من الشمال إلى الجنوب ( ) ، حتى طلوع الشمس . وتعجيل صلاة الفجر وإيقاعها في أول وقتها أفضل .

    3- الأذان قبل الوقت وبعده .
    ينبغي على المؤذن أن يجتهد في إيقاع الأذان في وقته المحدد، فإن أذن قبل الوقت ثم تبين له أن وقت الصلاة لم يدخل بعد، فعليه أن يعيد الأذان بعد دخول وقتها .
    أما إن تأخر المؤذن عن الأذان في وقته، فإن كان أهل المسجد يسمعون أذان غيره فلا يؤذن، وإلا لزمه الأذان ( ) .

    4-هل يلزم الطهارة للأذان ؟
    يستحب للمؤذن أن لا يؤذن إلا أن يكون متطهراً من الحدث الأصغر، ولا يجب عليه؛ فإن أذن وهو متلبس بالحدث الأصغر صح أذانه، وذلك أن ألفاظ الأذان دون مرتبة ألفاظ القرآن، والمحدث حدثاً أصغر يباح له قراءة القرآن عن ظهر قلب.
    والحدث الأكبر كذلك لا يجب التطهر منه للأذان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم –كما قالت عائشة-: كان يذكر الله على كل أحيانه ( ) .
    وليس مع من اشترط الطهارة للأذان حجة أو مستمسك إلا حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الترمذي والبيهقي : ( لا يؤذن إلا متوضئ ) ( ) . قال عنه ابن حجر: في إسناده ضعف ( ) . وفي المغني قال : رواه الترمذي، وروي موقوفاً على أبي هريرة ، وهو أصح من المرفوع ( ) .

    5-هيئة المؤذن عند الأذان .
    من السنة أن يكون أداء المؤذن للأذان من قيام، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمر : ... فقال عمر: أولا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا بلال، قم فناد بالصلاة ) ( ) . وعليه أكثر أهل العلم فإنهم لا يجوزون أذان القاعد إلا من علة، ورخص أهل العلم الأذان للمسافر ماشياً كان أو راكباً، وكان ابن عمر-رضي الله عنهما- يؤذن على راحلته ثم ينزل ويصلي. وإذا أبيح فعل النافلة على الراحلة، كان الأذان من باب أولى ( ) .
    ومن السنة أن يستقبل المؤذن القبلة ببدنه حال أذانه، قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن من السنة أن تُستقبل القبلة بالأذان ( ) . ويستحب أن يجعل إصبعيه في أذنيه، لحديث عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: ( رأيت بلالاً يؤذن ويدور ( ) ، ويُتبع فاه ها هنا ، وها هنا، وإصبعاه في أذنيه...) الحديث ( ). وفائدة وضع الإصبع وهي السبابة في الأذن أنه أقوى وأرفع لصوت المؤذن، وكذلك لو رآه أصم أو أحد من بعيد لعلم أنه يؤذن . وفي الأثر السابق أيضاً سنة الالتفات بالوجه يميناً وشمالاً بالحيعلتين. فيقول حي على الصلاة مرتين يلتفت في كل مرة بوجهه جهة اليمين دون استدارة البدن، ثم ينادي بـ حي على الفلاح مرتين يلتفت في كل مرة بوجهه جهة الشمال دون استدارة البدن .
    ( تنبيه : الحكمة من الالتفات يميناً وشمالاً إبلاغ المدعوين من على اليمين وعلى الشمال، وبناءً على ذلك : لا يلتفت من أذّن بمكبر الصوت؛ لأن الإسماع يكون من "السماعات" التي في المنارة؛ ولو التفت لضعف الصوت؛ لأنه ينحرف عن " الآخذة" ) ( ) .

    6- صفة الأذان والإقامة .
    للأذان صفتان، الأولى أذان بلال بن رباح-رضي الله عنه-، والثاني أذان أبي محذورة-رضي الله عنه- . وكلاهما صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والعمل بهما من السنة، ولكن ينبغي مراعاة أحوال الناس السامعين، فإن كانوا أهل علم ومعرفة بالأذان، فيستحب فعل هذا مرة، وهذا مرة . وإن كان غير ذلك، ويُخشى منه التشويش على الناس، فلا ينبغي للمؤذن أن يعمل بسنة تؤدي إلى مفسدة .
    أ- فأذان بلال-رضي الله عنه- : ورد في قصة الرؤيا التي أُريها عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت يا عبد الله أتبيع الناقوس قال وما تصنع به فقلت ندعو به إلى الصلاة قال أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك فقلت له بلى قال فقال تقول الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله .
    قال ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال وتقول إذا أقمت الصلاة الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال: (إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك ) فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فلله الحمد ) ( ).
    ب- وصفة أذان أبي محذورة-رضي الله عنه- : قال[أبو محذورة]: خرجت في نفر فكنا ببعض طريق حنين مقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعنا صوت المؤذن ونحن عنه متنكبون فظللنا نحكيه ونهزأ به فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوت فأرسل إلينا حتى وقفنا بين يديه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع ) فأشار القوم إلي وصدقوا فأرسلهم كلهم وحبسني فقال: ( قم فأذن بالصلاة ) فقمت فألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه قال: ( الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، ثم قال ارجع فامدد صوتك، ثم قال قل: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله . ) ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة فقلت: يا رسول الله مرني بالتأذين بمكة فقال: ( أمرتك به) فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ) .

    وأما الإقامة :
    فعلى ما ذكرنا في حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه رضي الله عنه قال : ( ... ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال وتقول إذا أقمت الصلاة الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله ...) الحديث ( ) .
    وذهب أبو حنيفة إلى أن الإقامة مثل الأذان ويزيد الإقامة مرتين، وذهب مالك إلى أن الإقامة عشر كلمات، كما في حديث عبد الله بن زيد؛ تقول: قد قامت الصلاة مرة واحدة ( ) .
    قال ابن خزيمة : الصحيح ما رواه محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه : ( ثم استأخر غير كثير، ثم قال مثل ما قال ، وجعلها وتراً، إلا أنه قال : قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة ) . وهذه زيادة بيان يجب الأخذ بها، وتقديم العمل بهذه الرواية المشروحة. وأما خبر أبي محذورة في تثنية الإقامة، فإن ثبت كان الأخذ بخبر عبد الله بن زيد أولى؛ لأنه أذان بلال، وقد بينا وجوب تقديمه في الأذان، فكذا في الإقامة، وخبر أبي محذورة متروك بالإجماع في الترجيع في الإقامة. اهـ ( ) .
    تنبيه: يزيد المؤذن في أذان صلاة الفجر خاصة ( الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم) مرتين آخر الأذان بعد الحيعلتين ، وقبل التكبير . جاء ذلك مصرحاً به في حديث أبي محذورة –الآتي ذكره- .
    مسألة : لو غلط المؤذن فنقص جملة أو أكثر من جمل الأذان، ثم لم يعلم إلا بعد انقضاء الأذان فهل يعيد الأذان أم ماذا يفعل؟ ولو أذن مؤذن ثم عرض له شيء من مرض أو إغماء ولم يكمل الأذان، فهل يجوز لغيره أن يكمله ؟
    الجواب : ( نعم يعيد الأذان، لأن الأذان الذي وقع منه مخالف للمشروع من جهة نقصه لكن إذا انتبه للنقص أو نبه عليه في الحال قبل طول المدة أتى بما ترك وما بعده ) ( ) . أما من أذن ثم عرض له عذر منعه من إكمال الأذان، فيجوز لغيره أن يكمله، ولو أعاده من أوله فلا حرج عليه ( ) .
    فائدة : لا ينبغي ولا يستحب للمؤذن أن يجيب نفسه، بعد ذكر جمل الأذان، فما يحصل للمؤذن من الفضل بالأذان لا يدركه المجيب ( ) .

    7- صفة الترجيع في الأذان .
    صفة الترجيع الوارد في أذان أبي محذورة :هو أن يعمد المؤذن إلى ذكر الشهادتين مرتين مرتين بصوت منخفض يسمع نفسه، ثم يعود ويرفع بهما صوته . يوضح ذلك حديث أبي محذورة في قصة تعلمه الأذان من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قلت يا رسول الله علمني سنة الأذان ، قال : فمسح على مقدم رأسي وقال : ( تقول الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر: ترفع بها صوتك ، ثم تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله: تخفض بها صوتك، تم ترفع بالشهادة أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح، حي على الفلاح . فإن كان صلاة الصبح قلت : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله ) ( ) .

    8- هل يفرد المؤذن لفظ التكبير أم يثنيه ؟ .
    وبمعنى آخر هل يقف المؤذن بعد كل تكبيرة ويأخذ نفساً، أم يصل كل تكبيرة بالتي تليها، ويأخذ نفساً بعد كل تكبيرتين ؟
    الجواب: الذي عليه عمل كثير من الناس اليوم أنهم يقرنون بين كل تكبيرتين، فيقولون : الله أكبر الله أكبر . ثم يقفون . وبه قال كثير من أهل العلم وتمسكوا بتعليم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأذان الناس وهو على المنبر، فقال رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر. فقال أحدكم : الله أكبر الله أكبر. ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله. قال أشهد أن لا إله إلا الله ... ) الحديث ( ) . قالوا: الحديث يدل على أن المؤذن يقرن بين كل تكبيرتين واستدلوا بحديث أنس رضي الله عنه قال: ( فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة)( ) . قال ابن حجر: قال النووي : ولهذا يستحب أن يقول المؤذن كل تكبيرتين بنفس واحد ( ) .
    وذهب آخرون إلى أن السنة هي إفراد لفظ التكبير في الأذان، وأن المؤذن يقف بعد كل تكبيره، واستدلوا بحديث تعليم النبي صلى الله عليه وسلم الأذان أبا محذورة، حيث ألقى عليه الأذان ولم يقل له اقرن بين كل تكبيرتين، مع أنه كان في مقام التعليم . وردوا على الاستدلال بحديث تعليم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس الأذان على المنبر، أن عمر بن الخطاب ساق الأذان ليعلم الناس إجابة المؤذن، ولم يرد بيان صفة الأذان . وقالوا: لا تصرف الأحاديث الصحيحة الصريحة في تعليم الأذان، عن ظاهرها، والأصل الذي يوافق المشروعية، بأداء كل جملة من جمل الأذان بنفس واحد، لا يصرف هذا الظاهر، والأصل؛ لاستنباط من نص آخر لم يُسق لتعليم الأذان، وإنما سيق لتعليم إجابة المؤذن .اهـ ( ) .
    قلت: الأمر فيه سعة ، فمن أذن بتثنية التكبير أو بإفراده فالأذان صحيح ومجزئ إن شاء الله ، وإنما الغرض بيان الفعل الموافق للسنة . قال ابن قاسم : قال الشيخ- أي شيخ الإسلام بن تيمية- : ومن الناس من يجعل التكبيرات الأربع جملتين، يعرب التكبيرة الأولى في الموضعين، وهو صحيح عند جميع سلف الأمة وعامة خلفها، سواء ربع في أوله أو ثناه .اهـ ( ) .

    9- الترسل في الأذان والحدر في الإقامة .
    الترسل : هو التأني والتمهل . والحدر: هو الإسراع وقطع التطويل . فالأذان يناسبه الترتيل والتأني والتمهل ورفع الصوت حتى يتحقق منه إعلام الغائبين . أما الإقامة فيناسبها الإسراع وعدم التطويل، فهي إعلام للحاضرين بإقامة الصلاة وإرادة الشروع فيها .

    10- اللحن والتلحين في الأذان .
    التلحين في الأذان: هو التطريب، وإيقاعه على لحن "الأنغام الموسيقية"، وهذا محرم ، فإن الأذان عبادة، والتلحين المشابه " للنغمات الموسيقية" استخفافاً بهذه العبادة، فلا يصح ولا يجزئ الأذان الملحن على هيئة الأغاني . قال عمر بن العزيز –رحمه الله- لمؤذن أذن فطرب في أذانه : أذِّن أذاناً سمحاً وإلا فاعتزلنا ( ) .
    أما اللحن في الأذان : فهو إيقاع بعض جمل الأذان مخالفاً به القواعد العربية . ومن اللحن ما يغير المعنى فلا يصح الأذان عندئذ، ومن اللحن ما لا يغير المعنى فيصح مع الكراهة .
    قال محمد بن إبراهيم –رحمه الله-: ..ثم التمديد الزائد عن المطلوب في الأذان ما ينبغي، فإن أحال المعنى فإنه يبطل الأذان، حروف المد إذا أُعطيت أكثر من اللازم فلا ينبغي.حتى الحركات إذا مدت إن أحالت المعنى لم يصح وإلا كره. وبعض المؤذنين يمد الواو من النوم. حرف المد هو الواو فتعطى حقها من المد ولا تمد كثيراً. أما النون فلا مد فيها ... ( ) .
    وقال الزركشي – رحمه الله- : ليتحرز من أغلاط يستعملها المؤذنون :
    أحدها: مد الهمزة من أشهد فيخرج من الخبر إلى الاستفهام .
    ثانيها: مد الباء من أكبر فينقلب المعنى إلى جمع كَبَر وهو الطبل .
    ثالثها: الوقف على إله ويبتدئ: إلا الله. فربما يؤدي إلى الكفر .
    رابعها: إدغام الدال من محمد في الراء من رسول، وهو لحن خفي عند القراء .
    خامسها: أن [لا] ينطق بالهاء من الصلاة فيصير دعاءً إلى النار. ذكر هذه الخمسة صاحب التذكرة.
    سادسها: أن يفتح الراء في أكبر الأولى أو يفتحها ويسكن الثانية .
    سابعها: مد الألف من اسم الله ومن الصلاة والفلاح، فإن مده مداً زائداً على ما تكلمت به العرب لحن. قال أبو الفتح عبد الواحد بن الحسين المغربي: الزيادة في حرف المد واللين على مقدارها لكنة وخطأ .
    ثامنها: قلب الألف هاءَ من الله ... اهـ ( ) .

    11- جواز اتخاذ مؤذنين فأكثر للمسجد الواحد .
    يتضح ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم) ( ) . قال ابن حجر: واستدل به على جواز اتخاذ مؤذنين في المسجد الواحد، قال ابن دقيق العيد: وأما الزيادة على الاثنين فليس في الحديث تعرض له. انتهى. ونص الشافعي على جوازه ولفظه: ولا يضر إن أذن أكثر من اثنين .. اهـ ( ) .
    مسالة : إذا أقام أحد المصلين الصلاة غير المؤذن، فهل تصح صلاتهم ؟
    الجواب : إذا أقام أحد المصلين الصلاة غير المؤذن فذلك جائز والصلاة صحيحة، إلا أن الأفضل أن يتولى الإقامة من تولى الأذان ( ) .

    12- المؤذن أملك بالأذان، والإمام أملك بالإقامة .
    لا يفتقر أذان المؤذن إلى أذن الإمام، فهو مؤتمن على الوقت، وهو أملك بالأذان، وعليه درج السلف، فإن المؤذنين كانوا يرفعون الأذان ولم يؤثر عنهم طلب الأذن من أئمتهم .
    والإقامة من شأن الإمام فهو الذي يأمر بإقامتها، أو يضع علامة للمؤذن يعرف بها المؤذن موعد إقامة الصلاة كأن يقول له إذا رأيتني داخلاً المسجد فأقم الصلاة، كفعل النبي صلى الله عليه وسلم. فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُمهل؛ فلا يقيم حتى إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج؛ أقام الصلاة حين يراه ( ) .
    تنبيه : يعمد بعض المصلين إلى التشغيب في المسجد وإثارة الجماعة على الإمام، والتضييق على المؤذن بإقامة الصلاة دون إذن الإمام، ولا شك أن هذا الفعل مفسدته متحققة، فهو يوغر الصدور ويجلب الضغائن والأحقاد. وعلى من سلك هذا السبيل أن يتوب إلى الله، وأن الإمام إنما وضع لإقامة شعيرة من أعظم الشعائر، ولا يجوز الافتيات عليه، فالإمام أملك بالإقامة وأحق بها . والواجب على الإمام أن يجعل لجماعة المسجد وقتاً معلوماً –ويكون يسيراً- لو تأخر عنه فتقام الصلاة، حتى لا يشق عليهم. وهو من باب الرفق بالرعية، وأبلغ في قطع التنازع بين أهل المسجد . والله أعلم .

    13- إذا غاب الإمام أو تأخر ولم يستخلف فإن المؤذن يقدم الأفضل فيهم .
    عن سهل بن سعد الساعدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليُصلح بينهم. فحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر. فقال أتصلي بالناس فأقيم ؟ قال : نعم ..الحديث ( ) .
    ساق النووي-رحمه الله- الفوائد المستنبطة من حديث سهل بن سعد فقال : ..[فيه] أن الإمام إذا تأخر عن الصلاة تقدم غيره إذا لم يخف فتنة وإنكار من الإمام، وفيه أن المقدم نيابة عن الإمام يكون أفضل القوم وأصلحهم لذلك الأمر وأقومهم به، وفيه أن المؤذن وغيره يعرض التقدم على الفاضل وأن الفاضل يوافقه ( ) . قلت: وبهذا يُعلم خطأ بعض المؤذنين لتقدمه بالصلاة على من هم أفضل منه، إذا غاب الإمام ولم يستخلفه .
    تنبيه: ينبغي للإمام أن يجعل للمؤذن ولجماعة المسجد وقتاً معلوماً لإقامة الصلاة، فإن تأخر هو عن الموعد المحدد دقائق معدودة، فإنهم يقيمون الصلاة ويصلون. ولا ينبغي للإمام أن يحجر على المؤذن ويشق عليه أن لا يقيم الصلاة حتى يأتي. ثم هو يتأخر كثيراً ويوقع المؤذن وجماعة المسجد في حرج، وكثير من المنازعات التي تكون في المساجد بسبب تكرار تأخر الإمام عن وقت إقامة الصلاة، فتنشأ على إثرها المنازعات.

    14- هل تقوم الآلات التسجيل مقام المؤذن في الإعلام عن دخول وقت الصلاة؟ .
    لا تقوم الآلات التسجيل ونحوها مقام المؤذن في الإعلام عن دخول الوقت، وذلك لفقدان تلك الآلات إلى شروط لا بد توفرها لصحة الأذان ومنها النية . قال الشيخ محمد بن إبراهيم : وللأذان شروط منها "النية" ولهذا لا يصح من النائم والسكران والمجنون لعدم وجود النية؛ والنية أن ينوي المؤذن عند أدائه الأذان أن هذا الأذان لهذه الصلاة الحاضرة التي دخل وقتها. ومن أين للأسطوانات أن تؤدي هذه المعاني السامية؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) متفق عليه. فهل الأسطوانة تعتبر كواحد من المسلمين. والحقيقة أننا نستنكر استبدال الأذان بالاسطوانات؛ وننكر على من أجاز مثل هذا لما تقدم، ولأنه يفتح على الناس باب التلاعب بالدين، ودخول البدع على المسلمين في عباداتهم وشعائرهم، وقد قال الله تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } وقال صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي رواية : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) ( ) .

    15- الأذان لصلاة الجمعة .
    عن السائب بن يزيد –رضي الله عنه- قال : ( كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما. فلما كان عثمان رضي الله عنه –وكثر الناس- زاد النداء الثالث على الزوراء ) ( ) . هذا الحديث بين أن الأذان لصلاة الجمعة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عهد أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما-أذاناً واحداً عندما يدخل الإمام ويجلس قبل الشروع في الخطبة، ولما كثر الناس رأى عثمان بن عفان –رضي الله عنه- أن الحاجة داعية إلى إحداث أذان ينبه الناس إلى قرب دخول الإمام ليتركوا أعمالهم وسوقهم والاستعداد للصلاة، وجعل عثمان بن عفان رضي الله عنه مكان الأذان (بالزوراء) وهو مكان قرب سوق المدينة ( ) ، وهو أبلغ في حصول المطلوب . وسمي أذاناً ثالثاً بالنسبة لأذان صلاة الجمعة وإقامتها، فإن الإقامة في الشرع يسمى أذاناً. قال صلى الله عليه وسلم : ( بين كل أذانين صلاة ) قالها ثلاثاً. قال في الثالثة ( لمن شاء) ( ) .
    تنبيه : لا يقال إن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أحدث في دين الله وابتدع عبادة لم يشرعها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما يقال إن عثمان خليفة راشد له سنة متبعة، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ.. ) الحديث ( ) . ثم إن فعل عثمان رضي الله عنه- هذا كان بمحضر كثير من الصحابة ولم ينكروا عليه، فكان ذلك دلالة على رضاهم بما صنع .

    16- هل يؤذن لصلاة العيد والاستسقاء والكسوف ؟ .
    لا يؤذن ولا يقام لصلاتي العيد والاستسقاء، والثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يبدأ بالصلاة ثم الخطبة في صلاتي العيد والاستسقاء، وعليه فعل السلف، فعن ابن عباس وجابر بن عبد الله قالا : (لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى ) ( ) . وعن أبي إسحاق قال : خرج عبد الله بن يزيد الأنصاري وخرج معه البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهم فاستسقى، فقام بهم على رجليه على غير منبر، فاستغفر ثم صلى ركعتين يجهر بالقراءة، ولم يؤذن ولم يقم. قال أبو إسحاق: ورأى عبد الله بن زيد النبي صلى الله عليه وسلم ( ) .
    أما صلاة الكسوف : فإنه لا يؤذن ولا يقام لها؛ بل ينادى لها ( الصلاة جامعة) ، لورود الأمر به من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( أن الشمس خسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث منادياً بالصلاة جامعة ...) الحديث ( ) .

    17- الأذان للصلاتين المجموعتين .
    إذا جمع بين صلاتين لأجل السفر، أو لعلة من مطر ونحوه، فإنه يؤذن للأولى ، ويقام لكل صلاة. يتضح هذا جلياً من حديث جابر رضي الله عنه في بيان صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قال في جمعه صلى الله عليه وسلم للظهر والعصر في عرفة : ( ثم أذن .ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر )، وفي جمعه صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بمزدلفة، قال جابر رضي الله عنه : ( فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ) ( ) . قال النووي في ذكر فوائد حديث جابر : وفيه أن الجامع بين الصلاتين يصلي للأولى أولاً وأنه يؤذن للأولى وأنه يقيم لكل واحدة منهما...اهـ ( ) .

    18- الأذان للصلاة الفائتة .
    الصلاة الفائتة هي التي خرج وقتها، فهل يؤذن ويقام لها؟ أم ما ذا يفعل بها ؟ . وفي قصة نوم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في السفر عن صلاة الفجر بيان لذلك . فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال : سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلةً، فقال بعض القوم: لو عرَّست ( ) بنا يا رسول الله. قال : ( أخاف أن تناموا عن الصلاة ) فقال بلالٌ: أنا أوقظكم. فاضطجعوا،وأسند بلالٌ ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام. فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس، فقال: ( يا بلال أين ما قلت؟ ) قال: ما أُلقيت على نومةٌ مثلها قط. قال: ( إن الله قبض أرواحكم حين شاء، وردها عليكم حين شاء. يا بلال قم فأذن بالناس بالصلاة) . فتوضأ، فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى ( ) .فتبين بهذا الحديث أن الصلاة الفائتة التي ذهب وقتها أنه يؤذن ويقام لها .

    19- من بدع الأذان .
    من بدع الأذان: الاستعاذة والبسملة قبل الشروع في الأذان . قالت اللجنة الدائمة: لا نعلم أصلاً يدل على مشروعية التعوذ والبسملة قبل الأذان لا بالنسبة للمؤذن ولا من يسمعه، وقد ثبت عن رسول الله صلى عليه وسلم أنه قال : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وفي رواية : ( من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد ) ( ) .
    ومن بدع الأذان: زيادة( حيَّ على خير العمل )أو( أشهد أن علياً ولي الله )أو (حيَّ على عترة محمد) أو( حيَّ على خير العتر )وهذه الزيادات لا يصح منها شيء ،وما ورد فيها إما ضعيف لا يعول عليه، أو مراسيل لا تقاوم ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عليه عمل المسلمين ( ).
    ومن بدع الأذان: رفع الصوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان، وذلك أن الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال الله لنبينا الوسيلة دون رفع الصوت بها . فعن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أنه سمع النبي يقول: ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله،وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ) ( ) .
    ومن بدع الأذان : تنبيه المؤذن الناس بالآخذة ( الميكرفون) بقوله : الصلاة ، أو صلوا . قبل الأذان. ثم يشرع في الأذان.وهذا الفعل غير مشروع وفي الأذان كفاية وغنية عن التذكير بالصلاة ( ) .
    ومن بدع الأذان: قول المجيب ( أقامها الله وأدامها) إذا قال المؤذن : ( قد قامت الصلاة ) . وهذا الذكر لا يشرع لأنه لم يثبت صحته عن المعصوم صلى الله عليه وسلم. وفي أحد أجوبة اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء قالت: الأصل في العبادات التوقيف وألا يعبد الله إلا بما شرع، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حينما سمع الإقامة: أقامها الله وأدامها، ولكن روى أبو داود في سننه ذلك عنه من طريق ضعيف قال: حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا محمد بن ثابت حدثني رجل من أهل الشام عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة، أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن بلالاً أخذ في الإقامة فلما أن قال: ( قد قامت الصلاة) قال صلى الله عليه وسلم : ( أقامها الله وأدامها). وسبب ضعفه: أن في سنده رجلاً مبهماً، والرجل المبهم لا يحتج به. وبذلك يتبين أن قول أقامها الله وأدامها عند قول المقيم (قد قامت الصلاة) غير مشروع لعدم ثبوته عنه صلى الله عليه وسلم، وإنما الأفضل أن يقول من سمع الإقامة مثل قول المقيم، لأنها أذان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ) ( ) .



    ثانياً : الأحكام التي تتعلق بالإمام والإمامة :

    الإمامة من الوظائف الدينية، بل هي من أشرف الوظائف الدينية، وإمام الصلاة، إمامٌ يقيم للناس صلاتهم التي هي من أحسن ما يعمل الناس ، ومعلم يرشد الناس إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ومفتٍ يوضح للناس أحكام الشريعة، بحسب ما عنده من العلم، إلى غير ذلك من وظائف الإمامة . ووظيفة الإمام تتطلب صبراً على أذى الناس وكلامهم، وحبساً للنفس عن قضاء بعض الحوائج، وتتطلب حكمة في التعامل مع جماعة المسجد . وفيما يأتي نذكر بعضاً من الأحكام التي تهم الإمام، بحسب ما تيسر لنا جمعه . وهي :

    1- الأولى بإمامة الصلاة .
    الأصل فيه حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً. ولا يؤمن الرجل في سلطانه، ولا يقعد على تكرمته إلا بإذنه ) قال الأشج في روايته : ( مكان سلماً) سناً ( ) .
    فإذا حضر جماعة وأرادوا الصلاة، أو أريد المفاضلة بين أشخاص لاختيار إمام يؤمهم بالصلاة، فيفاضل بينهم على الترتيب الوارد في حديث أبي مسعود رضي الله عنه، فيقدم الأقرأ؛ والأقرأ هو الأكثر جمعاً للقرآن، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن أبي سلمة لما وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم وأرادا أن ينصرفوا، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، من يؤمنا؟ قال : ( أكثركم جمعاً للقرآن) أو ( أخذاً للقرآن ) .. الحديث ( ) . فإن تساووا في جمع القرآن قُدم الأجود قراءة .
    فإن تساووا في القراءة قدم بعد ذلك الأعلم بالسنة، لقوله صلى الله عليه وسلم : (فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة). فإن اجتمع فقيهان قارئان أحدهما أعلم بالسنة، والآخر أكثر قرآناً وأجود تلاوةً؛ قُدم الأقرأ على الأعلم بالسنة لظاهر حديث النبي صلى الله عليه وسلم. وإن اجتمع فقيهان أحدهما أعلم بأحكام الصلاة، والآخر أعلم فيما سوى أحكام الصلاة قُدم الأعلم بأحكام الصلاة، لأن علمه يؤثر في تكميل الصلاة بخلاف الآخر ( ) .
    فإن تساووا في العلم بالسنة، قُدم الأقدم هجرة لقوله صلى الله عليه وسلم : (فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة) . والمراد بالهجرة؛ هي الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، فلو أسلم مشركين ثم هاجرا إلى بلاد الإسلام، فإنه يقدم في الإمامة الأقدم هجرة، لأنه أسبق إلى الخير ومعرفة أمور الشرع، هذا بعد تساويهما في القراءة والعلم بالسنة.
    فإن تساووا في الهجرة؛ كأن يكونا هاجرا جميعاً، أو لم تكن ثم هجرة، قُدم الأقدم إسلاماً أو الأكبر سناً، لقوله صلى الله عليه وسلم : (فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً). وفي رواية: ( مكان سلماً) سناً . وفي حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ارجعوا إلى أهليكم. فأقيموا فيهم، وعلموهم، ومروهم، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم. ثم ليؤمكم أكبركم) ( ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( ثم ليؤمكم أكبركم) مبني على أنهم استووا في القراءة والعلم بالسنة والهجرة والإسلام.
    فالأقدم إسلاماً فيه سبق إلى الخير والعلم بالقراءة والسنة، والأكبر سناً فيه رعاية لحق الكبير، والشرع جاء بتوقير الكبير وتقديمه على الصغير، فعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أراني أتسوك بسواك فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي:كبر، فدفعته إلى الأكبر منهما ) ( ) . والأحاديث في تقديم الكبير على الصغير كثيرة وفي ما هاهنا كفاية .
    فإن تساووا في الخصال المذكورة في الحديث نُظر إلى أتقاهم وأورعهم، فإن تساووا في التقى، أُقرع بينهم؛ والقرعة سبيل شرعي إلى فض التنازع عند المشاحة، وهي مذكورة في القرآن وفي السنة؛ ففي القرآن في قصة زكريا عليه السلام وتنازعهم أيهم يكفل مريم عليها السلام قال تعالى : { ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون } ( ) . وفي السنة قوله صلى الله عليه وسلم : ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ... ) الحديث ( ) . وقد مر معنا أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أقرع بين أناس تشاحوا في الأذان . قال بعض أهل العلم: والإمامة أولى ( ) .
    مسألة: كيف يجاب عن تقديم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر للصلاة بالمسلمين في مرض موته، مع أن هناك في الصحابة من هو أقرأ منه ؟
    الجواب: قال ابن قدامة: قيل لأبي عبد الله[ أي:أحمد بن حنبل]:حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( مروا أبا بكر يصلي بالناس).أهو خلاف حديث أبي مسعود ؟ قال: لا، إنما قوله لأبي بكر –عندي- (يصلي بالناس) للخلافة، يعني أن الخليفة أحق بالإمامة، وإن كان غيره أقرأ منه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالصلاة يدل على أنه أراد استخلافه ( ) .
    تنبيه: في قوله صلى الله عليه وسلم : (...فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سناً.ولا تؤمن الرجل في أهله ولا في سلطانه. ولا تجلس على تكرمته في بيته، إلا أن يأذن لك، أو بإذنه ) ( ) . دليلٌ على أن الرجل في داره أو محله أولى بإمامة الصلاة من غيره، ولو كان غيره أقرأ وأفقه . فإن أذن لغيره بإمامة الصلاة جاز له ذلك، وإن كان المقدم مفضولاً، فالحق لصاحب البيت يقدم من شاء . والأولى لصاحب البيت أن يقدم الأقرأ والأعلم بالسنة .

    2- من تصح إمامته ومن لا تصح .
    أ- إمامة الصبي : الصبي هو من بلغ سبع سنين إلى البلوغ . فإن كان الصبي يعقل الصلاة، ويحسن القراءة، جازت إمامته . والدليل على صحة إمامته قوله صلى الله عليه وسلم : ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ) ( ) . وعن ابن عمرو بن سلمة رضي الله عنه قال: كان يمر علينا الركبان، فنتعلم منهم القرآن، فأتى أبي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: ( ليؤمكم أكثركم قرآناً) فجاء أبي فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ليؤمكم أكثركم قرآنا) فنظروا، فكنت أكثرهم قرآناً، فكنت أؤمهم وأنا ابن ثمان سنين ( ) .
    ب- إمامة المرأة . تصح إمامة المرأة للنساء، ولا يجوز لها أن تؤم الرجال، ولو كانوا من محارمها. ويشترك في ذلك الفرض والنفل. فقد روى أبو داود... عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذناً يؤذن له، وأمرها أن تؤم أهل دارها ( ) . والمراد بأهل دارها النساء منهن. وكانت عائشة وأم سلمة رضي الله عنهن، يفعلن ذلك. وإن صلت امرأة بنساء جماعة وقفت في وسطهن، وإن كانت المأمومة واحدة وقفت عن يمين من تؤمها ( ) .
    ت- إمامة العبد والمولى: تصح إمامة العبد والمولى، وذلك ( أن الرق حقٌ ثبت عليه، فلم يمنع صحة إمامته كالدين، ولأنه من أهل الأذان للرجال يأتي الصلاة على الكمال، فكان له أن يؤمهم كالحر ) ( ) . ولنا قوله صلى الله عليه وسلم : ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ) . فعم ولم يخصص، وعن هشام بن عروة عن أبيه، أن ذكوان أبا عمرو وكان عبداً لعائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فأعتقته عن دبر منها، كان يقوم يقرأ لها في رمضان ( ) . وأخرج عبد الرزاق في مصنفه قال: وصلى ابن مسعود، وحذيفة، وأبو ذر وراء أبي سعيد مولى أبي أسيد،وهو عبدٌ ( ) .
    ث- إمامة الأعمى والأصم والأخرس : تصح إمامة الأعمى لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، واستخلافه لابن أم مكتوم على أهل المدينة . فعن أنس رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم، استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس، وهو أعمى ( ) .
    أما إمامة الأصم : فقد ذهب بعض أهل العلم إلى صحة إمامة الأصم وقالوا:هو كالأعمى فصممه لا يخل بشيء من أفعال الصلاة، ولم يصحح بعض أهل العلم صحة إمامته وقالوا: إن الصمم يمنع من إصلاح الصلاة إذا سهى فيها فإنه لا يمكن تنبيهه بتسبيح ولا إشارة ( ) .
    قالت اللجنة الدائمة في سؤال عن إمامة فاقد السمع والبصر معاً؛ وهل تجوز صلاته وراء إمام لكونه لا يسمع ولا يبصر- : يصلي جماعة مأموماً في الصف، ويضبط أعمال صلاته من ركوع وسجود ونحوها بحركات من بجانبه في الصف، وعلى ولي أمره ومن حوله أن ينبهوه للصلاة، وتصح إمامته، والأولى ألا يؤم؛ لئلا يسهو فيشق تنبيهه ( ) .
    وأما إمامة الأخرس : فإنها لا تصح لعدم قدرة الأخرس على الإتيان بركن القراءة، فلا تصح إمامته.
    ج- إمامة ولد الزنا : تصح إمامة ولد الزنا إذا سلم دينه، وكثير من أهل العلم يصححون إمامته، وكره مالكٌ أن يُتخذ إماماً راتباً، والعلة عنده أنه يكون معرضاً لكلام الناس والطعن فيه، فيتأثمون بسببه. والأدلة الشرعية وآثار السلف تؤيد من صحح إمامة ولد البغي . قال صلى الله عليه وسلم : ( يؤمكم أقرؤكم لكتاب الله) . وقالت عائشة رضي الله عنها: ليس عليه من وزر أبويه شيء، وقد قال الله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } ( ) .
    ح- إمامة القاعد . أولاً وقبل كل شيء ينبغي للإمام إن عرض له مرض يعجزه عن القيام أن يستخلف من يصلي بهم من قيام، حتى يخرج من الخلاف في صحة إمامة القاعد، ولأن الصلاة من قيام أكمل . وخلاف أهل العلم في هذه المسألة مبنية على الأحاديث الصحيحة الواردة في هذا الباب والتي ظاهرها التعارض . ونحن –إن شاء الله- نسوق لك هذه الأحاديث ثم نبين طريق الجمع بينها . فعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاكٍ، فصلى جالساً وصلى وراءه قومٌ قياماً، فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال: ( إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا،وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً ) ( ) . والحديث الآخر حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة رضي الله عنها في ذكره خروج النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته إلى الناس وهم يصلون خلف أبي بكر رضي الله عنه- قالت : ... ( ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفةً، فخرج بين رجلين-أحدهما العباس- لصلاة الظهر، وأبو بكر يصلي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخر، قال: أجلساني إلى جنبه، فأجلساه إلى جنب أبي بكر، قال: فجعل أبو بكر يصلي وهو يأتم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد ) ( ) .
    فحديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، فيه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً وأمره لمن خلفه بالجلوس فعلاً وقولاً؛ فعلاً لما أشار إليهم بيده أن اجلسوا، وقولاً : ( وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً ).
    وحديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في مرض موته وهو قاعد، وأبو بكر والصحابة خلفه قياماً .
    فذهب بعض أهل العلم إلى الأخذ بصلاته بالناس في مرض موته وجواز صلاة من خلفه قياماً، لأنه ناسخٌ لأنه المتأخر . وذهب آخرون إلى الجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض، وقالوا إعمال الحديثين أولى من طرح أحدهما . والجمع هنا ممكن؛ بأن يقال: إذا ابتدأ الإمام الصلاة من جلوس وجب على من خلفه أن يصلي جالساً، وعليه ينزل قوله صلى الله عليه وسلم : ( وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً ). وإذا ابتدأ الإمام الصلاة قائماً ثم عرض له أمر أجلسه، أتم المأمون صلاتهم من قيام، كما هو الحال لما ابتدأ أبو بكر الصلاة من قيام، ثم أمهم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة وهو جالس . وبهذا يحصل الجمع، وتعمل الأحاديث كلها ولا يهمل بعضها ( ) .
    خ- إمامة اللحان . اللحَن : (بفتح الحاء) هو الخطأ في الإعراب . وهو تغيير الحركات، سواء كان تغييراً صرفياً أو نحوياً ( ) . واللحن على نوعين؛ لحنٌ يغير المعنى، ولحنٌ لا يغير المعنى. وهناك تقسيم آخر معتبر في القراءة في الصلاة، وهو اللحن بفاتحة الكتاب، والقسم الآخر اللحن فيما سوى فاتحة الكتاب .
    فإن كان الإمام يلحن في فاتحة الكتاب لحناً يغير المعنى فلا تصح إمامته إلا بمثله ؛ كقول: ( أَهدنا الصراط المستقيم) بفتح همزة اهدنا. فلا شك أن هذا لحناً يغير المعنى، فبالفتح، يكون المعنى أَهدنا: من إهداء الهدية . وبهمزة الوصل؛ يكون المعنى اهدنا: من الهداية وهي الدلالة والتوفيق .وكذا لو قال : ( إياكِ نعبد) بكسر الكاف، أو قال : ( صراط الذين أنعمتُ) بضم التاء من أنعمتَ؛ فإن هذا كله لحنٌ شديد يغير المعنى ويخل بقراءة الفاتحة ويفسد الصلاة . و إن كان الإمام يلحن في فاتحة الكتاب لحناً لا يغير المعنى فتصح إمامته، كقول: ( إياكَ نعبَد ) بفتح الباء من نعبد، أو قول: ( إياك نستعينَ) بفتح النون من نستعين . فهو وإن كان لحنٌ، إلا أنه لا يغير المعنى، إلا أنه لا يمنع صحة إمامة ذلك القارئ . وليعلم أنه لا يجوز قراءة الفاتحة بلحن يغير المعنى أو لا يغيره، وإنما الكلام هنا على صحة إمامة من يلحن فيها من عدمها ( ) .
    وأما إن كان الإمام يلحن كثيراً في غير فاتحة الكتاب صحة إمامته مع الكراهة. قال في المغني : تكره إمامة اللحان، الذي لا يحيل المعنى، نص عليه أحمد. وتصح صلاته بمن لا يلحن؛ لأنه أتى بفرض القراءة، فإن أحال المعنى في غير الفاتحة، لم يمنع صحة صلاته، ولا الائتمام به، إلا أن يتعمده، فتبطل صلاتهما ( ) .
    تتمة : لا تصح إمامة من يبدل حرفاً بآخر إلا بمثله، كالألتغ، كإبدال الراء باللام فيقول : الحمد لله لب العالمين . وتصح إمامة (الفأفاء) و ( التمتام) مع الكراهة . والفأفاء : هو الذي يكرر حرف الفاء ، والتمتام:هوا لذي يكرر حرف التاء .
    د- إمامة من به سلس البول : سلس البول هو عدم القدرة على إمساك البول، فهو يخرج بغير اختيار من المصاب به . فهل تصح إمامته ؟ قالت اللجنة الدائمة: من به سلس بول أو نحوه صلاته في نفسه صحيحة لقوله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } قوله : { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها }، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) . وفي صحة صلاة من ائتم به من الأصحاء خلاف، والراجح: الصحة، لكن الأولى أن يؤم الناس غيره من الأصحاء خروجاً من الخلاف ( ) .
    ذ- إمامة الفاسق . الفاسق: هو كل من خرج عن طاعة الله بفعل كبيرة دون الكفر، أو بالإصرار على صغيرة ( ) . والمتعين على الناس أنهم لا يمكنون الفساق من إمامتهم بالصلاة، فإن الصلاة خير موضوع، وأشرف عبادة بعد توحيد الله، فوجب التحري فيمن يقيم لهم الصلاة.
    أما صحة الصلاة خلف الفاسق ففيه قولين لأهل العلم، الراجح منهما صحة الصلاة خلف الفاسق، لدليل شرعي، وفعل جماعة من الصحابة. أما الدليل: فعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها؟ ) قال قلت: فما تأمرني ؟ قال : ( صل الصلاة لوقتها. فإن أدركتها معهم فصل. فإنها لك نافلة ) ( ) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال – أي: في أئمة الجور- : ( يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم) ( ) .
    وأما فعل الصحابة : فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يصلي خلف الحجاج، وصلى بعض الصحابة خلف الوليد بن عقبة وقد شرب الخمر.
    قالت اللجنة الدائمة وأما حكم الصلاة خلفه [خلف إمام يشرب الدخان]: فإن كان يترتب على ترك الصلاة وراءه فوات صلاة الجمعة أو الجماعة أو حدوث فتنة وجبت الصلاة وراءه؛ تقديماً لأخف الضررين على أشدهما، وإن كان ترك بعض الناس للصلاة خلفه لا يخشى منه فوات جمعة ولا جماعة ولا ضرر وإنما يترتب على عدم الصلاة خلفه زجره وكفه عن شرب الدخان: وجب ترك الصلاة خلفه؛ ردعاً له، وحملاً له على ترك ما حرم الله عليه، وذلك من باب إنكار المنكر، وإن كان لا يترتب على ترك الصلاة خلفه مضرة ولا فوات جمعة ولا جماعة و لا يزدجر بترك الصلاة وراءه فالأفضل أن يتحرى الصلاة وراء من ليس مثله في الفسق والمعصية، وذلك أتم لصلاته وأحفظ لدينه ( ) . قلت: وبتأمل فتوى اللجنة الدائمة يتبين لك عظيم فقه الصحابة رضي الله عنهم في الصلاة خلف أئمة الجور .
    ر- إمامة المبتدع . البدعة إما أن تكون مكفرة أو غير مكفرة. فالبدعة المكفرة كمن يستغيث بغير الله، أو يذبح لغير الله، أو يدعو غير الله . والبدعة غير المكفرة كالتلفظ بالنية، ونحوها .
    فلا يصلى خلف إمام مبتدع يكفر ببدعته لأنه كافر، ومن صلى فعليه إعادة الصلاة . ويُتقى من لا يكفر ببدعته، إلا أن يُلجأ لذلك، فإن صلى خلف من لا يكفر ببدعته فصلاته صحيحة. فعن عبيد الله بن عدي بن خيار : ( أنه دخل على عثمان رضي الله عنه وهو محصورٌ فقال: إنك إمام عامة، ونزل بك ما ترى، ويُصلي لنا إمام فتنة ونتحرج. فقال: الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم ) ( ) .
    قال ابن رجب: وفرقت طائفةٌ بين البدع المغلظة وغيرها. فقال أبو عبيد- فيمن صلى خلف الجهمي أو الرافضي-: يعيدُ، ومن صلى خلف قدري أو مرجئ أو خارجيّ: لا آمره بالإعادة . وكذلك الإمام أحمد قال- في الصلاة خلف الجهمية-: إنها تعاد؛ والجهمي عنده: من يقول: القرآن مخلوق؛ فإنه كافر أو يقف ولا يقول مخلوق ولا غير مخلوق . ونص على أنه تعاد الصلاة خلفه... وقال: - في الخوارج إذا تغلبوا على بلد- : صلى خلفهم. وقال مرة: يصلي خلفهم الجمعة، صلى ابن عمر خلف نجدة الحروري. وقال- في الرافضي الذي يتناول الصحابة-: لا يُصلى خلفه . وقال- فيمن يقدم علياً على أبي بكر وعمر- إن كان جاهلاً لا علم له فصلّى خلفه-: فأرجو أن لا يكون به بأسٌ، وإن كان يتخذه ديناً فلا تصلي خلفه . وقال في المرجئ – وهو من لا يُدخل الأعمال في الإيمان-: إن كان داعياً فلا تصلي خلفه. وقال- في الصلاة خلف أهل الأهواء -: إذا كان داعية أو يخاصم في بدعته فلا يُصلى خلفه، وإلا فلا بأس.
    وهذا محمولٌ على البدع التي لا يُكفّر صاحبها. فأما ما يكفر صاحبه: فتعاد الصلاة خلفه- كما تقدم . اهـ ( ) .

    3- مسائل تتعلق بصلاة المأموم خلف من يكون إماماً .
    أ- اقتداء المفترض بالمتنفل . المفترض هو من يصلي الفريضة، والمتنفل هو من يصلي النافلة. والأصل في مسألة اقتداء المفترض بالمتنفل هو حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : ( كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيؤم قومه...الحديث ) ( ) . والحديث يدل على أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الفريضة، ثم يذهب إلى قومه ويصلي بهم العشاء، فتكون له نافلة، ولقومه فريضة. ولا يُظن بمعاذ رضي الله عنه أن ينوي غير الفريضة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مسجده، حيث الصلاة فيه بألف صلاة، والإمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يضر اختلاف نية المأموم عن نية الإمام، فإن المعول عليه في الاقتداء هي الأفعال لا النيات، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم يدل عليه؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا،وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً ) ( ) . وكذلك صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الخوف، فعن جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما-: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة أصحابه ركعتين، ثم سلم، ثم صلى بآخرين أيضاً ركعتين، ثم سلم ) ( ) . ولهذا يجوز اقتداء من يصلي العشاء بإمام يصلي التراويح .
    ب- اقتداء المتوضئ بإمام متيمم . يجوز اقتداء المأموم المتوضئ بإمام متيمم، وذلك أن التيمم بديل شرعي للماء عند عدمه أو العجز عنه، قال تعالى : { وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } ( ) .
    ت- الائتمام بالمأموم . وصورة المسألة: أن يصلي مسبوق مع إمامه، ثم يسلم الإمام ويقوم ذلك المسبوق ليأتي بما فاته، فهل يجوز أن يكون هذا المأموم الذي قام لإتمام صلاته إماماً ؟ وهل يصح الاقتداء بالمأموم ؟
    إذا كان المأموم قد أدرك بعض الركعات مع الإمام ثم قام بعد سلام إمامه ليتم ما بقي عليه من الصلاة فلمن يريد أن يصلي معه أن يقتدي به على الصحيح من أقوال الفقهاء، وذهب بعضهم كالحنفية والمالكية إلى أنه لا يصح الاقتداء بمن قام ليقضي ما بقي عليه بعد سلام إمامه، والمسألة اجتهادية، حيث لم يرد فيها نص صريح .اهـ ( ) .
    ث-الائتمام بالمنفرد . وصورة المسألة : أن يحرم مسلم بصلاة نافلة أو تحية المسجد، ثم يأتي آخر ليصلي معه الفريضة، ويصير هذا المنفرد إماما له . فهل يجوز مثل ذلك ؟
    يجوز في أصح قولي العلماء أن يأتم المفترض بالمتنفل وأن يأتم كذلك بمن أحرم وحده، ولا ينبغي لمن دخل معه أحد في الصلاة ليأتم به أن يرده، فقد ثبت أن ابن عباس رضي الله عنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي وحده ليلاً فقام عن يساره فأداره عن يمينه وصلى به، وثبت أن معاذا رضي الله عنه كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يذهب فيصلي بقومه تلك الصلاة، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ... اهـ ( ) .
    ج- إمامة من يرسل يديه في الصلاة . إرسال اليد في الصلاة هو عدم قبضهما عند القيام في الصلاة وبعد الرفع من الركوع. والأصل قبض الأيدي ووضعها على الصدر أو تحت الصدر، ومن خالف وصلى مرسلاً يديه إماماً كان أو مأموماً؛ صحت صلاته، فقبض اليدين وإرسالهما من سنن الصلاة لا تبطل الصلاة بتركه. ومن ائتم بإمام يرسل يديه ولا يقبضهما صحت صلاته.

    4- جواز أخذ الأجر على الإمامة . الإمامة من الوظائف الدينية الشريفة، فهي وظيفة أخذ بها النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون، وغيرهم من أهل الفضل والعلم. وينبغي لمن كان أهلاً للإمامة أن يحتسب الخير ويقوم بها، فيقيم للناس صلاتهم مقتدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم في أفعاله وأقواله، ومعلماً للناس الخير، وآمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر .
    ويجوز للإمام أن يأخذ أجراً من بيت مال المسلمين، أو من متبرع؛ وذلك أن الإمام قد حبس نفسه، وعطل بعض مصالحه، لأجل الصلاة بالناس، والإمام المتبرع الذي لا يأخذ أجراً، أعظم لأجره. وفي كلٍ خير إذا قام بوظيفة الإمامة خير قيام .
    أما الإمام المشارط، فهو إمام سوء. والإمام المشارط: هو الذي يقول لا أصلي لكم شهر كذا إلا بكذا وكذا . قال أبو داود : سمعت أحمد –رحمه الله- سئُل عن إمام قال: أصلي بكم رمضان بكذا وكذا درهماً. قال: أسأل الله العافية، من يصلي خلف هذا ؟. وروي عنه أنه قال: لا تصل خلف من لا يؤدي الزكاة، ولا تصل خلف من يُشارط، ولا بأس أن تدفعوا إليه من غير شرط .اهـ ( ) .
    تنبيه : الإمام ولمؤذن سواء في جواز أخذ الأجر على الإمامة والأذان .

    5- موقف الإمام في الصلاة .
    أ- علو الإمام على المأمومين . لا بأس أن يعلو الإمام على المأمومين في الصلاة، ولكن يراعى أن يكون العلو يسيراً بمقدار ذراع فأقل، والحجة فيه؛ فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه- في سياق ذكره لقصة صنع المنبر للنبي صلى الله عليه وسلم- قال : ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها، وكبر وهو عليها، ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر ثم عاد. فلما فرغ أقبل على الناس فقال: ( أيها الناس، إنما صنعت هذا لتأتموا، ولتعلموا صلاتي ) ( ). وقلنا أن العلو بمقدار ذراع؛ لأن درجات منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قريباً من الذراع . قال علي بن المديني : سألني أحمد عن حديث سهل بن سعد، وقال: إنما أردت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أعلى من الناس. فلا بأس أن يكون الإمام أعلى من الناس بهذا الحديث. وقال الشافعي: اختار للإمام الذي يُعلم من خلفه أن يصلي على الشيء المرتفع، فيراه من خلفه، فيقتدون به ( ) .
    ب- موقف المأموم من الإمام إن كان واحداً ( ) . المأموم إن كان واحداً ذكراً رجلاً أو صبياً مميزاً، فمكانه عن يمين الإمام، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال : ( بتُّ في بيت خالتي ميمونة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم جاء فصلى أربع ركعات، ثم نام، ثم قام، فجئت فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه...) الحديث ( ) . ففي هذا الحديث أن مكان المأموم الواحد عن يمين إمامه، وأن المأموم إذا أحرم بالصلاة عن يسار الإمام، فعلى الإمام أن يديره إلى جهة اليمين كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
    وإن كان المأموم امرأة؛ جعلها الإمام خلفه، لحديث أنس رضي الله عنه قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى به وبأمه أو خالته، قال: فأقامني عن يمينه، وأقام المرأة خلفنا ( ) .
    ب- موقف المأمومين من الإمام . الاثنان فما فوق جماعة، وموقفهم في الصلاة خلف الإمام يدل لذلك حديث أنس رضي الله عنه: أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته. فأكل منه ثم قال: ( قوموا فأصلي لكم) قال أنس بن مالك: فقمت إلىحصير لنا قد اسود من طول ما لبس. فنضحته بماء. فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وصففت أن واليتيم وراءه ، والعجوز من ورائنا...الحديث ( ) . وفي حديث جابر الطويل قال جابر : ثم جئت فقمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه. ثم جاء جبار بن صخر فتوضأ. ثم جاء فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيدينا جميعاً. فدفعنا حتى أقامنا خلفه... الحديث ( ) .
    أما الحديث الذي رواه مسلم، عن الأسود وعلقمة. قالا: أتينا عبد الله بن مسعود في داره. فقال: أصلى هؤلاء خلفكم ؟ فقلنا: لا. قال: فقوموا فصلوا. فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة. قال وذهبنا لنقوم خلفه. فأخذ بأيدينا فجعل أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله...الحديث ( ) . قال النووي: وهذا مذهب ابن مسعود وصاحبيه، وخالفهم جميع العلماء من الصحابة فمن بعدهم إلى الآن فقالوا: إذا كان مع الإمام رجلان وقفا صفاً لحديث جابر وجبار بن صخر ... ( ) .
    وإن صلى المأموم الواحد رجلاً أو صبياً مميزاً خلف الصف، لم تصح صلاته، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي المنفرد خلف الصف. فعن علي بين شيبان-رضي الله عنه- قال : خرجنا حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، وصلينا خلفه، قال: ثم صلينا وراءه صلاة أخرى، فقضى الصلاة، فرأى رجلاً فرداً يصلي خلف الصف، قال: فوقف عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى انصرف قال: ( استقبل صلاتك، لا صلاة للذي خلف الصف ) ( ) .
    والمتعين في حق الفذ إن دخل المسجد ووجد الصف أو الصفوف قد اكتملت، أن يجتهد في الدخول في الصلاة من خلال فرجة بالصف، فإن لم يتمكن تقدم وصلى عن يمين الإمام، فإن لم يتمكن، انتظر حتى يأتي من يصافه في الصف، فإن لم يأت أحد حتى انقضت صلاة الجماعة، صلى لوحده أو مع جماعة أخرى، ولا إثم عليه لأنه اتقى الله ما استطاع؛ لقوله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم }. وقوله صلى الله عليه وسلم : (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم ) ( ) الحديث . وقابل هذا القول؛ قولٌ آخر لبعض أهل العلم، قالوا:من لم يجد فرجة في الصف ولم يتمكن من الصلاة عن يمين الإمام؛ فإنه يصلي وحده خلف الصف وصلاته صحيحة لقوله تعالى :{ فاتقوا الله ما استطعتم } .
    والراجح: هو عدم صحة صلاة المنفرد خلف الصف، والدليل الذي تمسك به المجيزون لصحة صلاته خلف الصف دليلٌ عامٌ، لا يقاوم الأدلة الصريحة الصحيحة الخاصة في هذه المسألة. ثم يقال في الجواب عن دليلهم، بأن الذي لم يجد فرجة في الصف، ولم يتمكن من الصلاة عن يمين الإمام، ثم تحرى أن يأتي أحد ليقوم معه في الصف حتى انتهت الصلاة، ثم صلى مع جماعة أخرى أو صلى وحده. يقال له : بأنه قد اتقى الله ما استطاع، وجمع بين الأدلة ( ) .
    تنبيه: قد يعمد بعض الناس إلى جذب رجل من الصف إذا لم يجد فرجة. وهذا الفعل فيه مخالفة من جهتين؛ الجهة الأولى: أن جذب شخص من الصف المقدم فيه تفويت فضيلة الصف المتقدم على المجذوب، وفيه إذهاب لخشوع ذلك المجذوب، وفيه تعدي عليه فقد لا يرضي بذلك . الجهة الثانية: أن في جذب شخص من الصف المقدم إحداث فرجة في ذلك الصف، والمصلي أُمر بسد الخلل .

    6- تسوية الصفوف عند إقامة الصلاة . المراد بتسوية الصفوف، اعتدال القائمين بها على سمت واحد، أو يراد بها سد الخلل الذي في الصف ( ). والسنة أن يجتهد المأمومون في إقامة الصف والملاصقة، ولا يتقدم أحدهم على الآخر، والزاق المنكب بالمنكب والكعب بالكعب. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة يقبل بوجهه على أصحابه ويأمرهم بإقامة الصف وتسويته، وسد الخلل؛ بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في ذلك فكان يسوي الصفوف بيده، ويمسح على المناكب مبالغة منه في إقامة الصف وتسويته. قال أنس رضي الله عنه : ( أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم، وتراصوا...الحديث ) ( ) . وكان يقول صلى الله عليه وسلم : ( استووا ولا تختلفوا، فتختلف قلوبكم) ( ) ، وكان يقول: ( سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة ) ( ) ، وكان يقول عليه الصلاة والسلام : ( أتموا الصفوف... ) ( ) ، وكان يقول: ( أقيموا الصف في الصلاة، فإن إقامة الصف من تمام الصلاة) ( ) ، وكان يقول عليه الصلاة والسلام : ( أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم ( )، ولا تذروا فرجات للشيطان..)( ) ، وكان يقول صلى الله عليه وسلم : ( رصوا الصفوف، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق...) ( ) .
    والمراد من سرد ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم الآمرة بإقامة الصف وتسويته، هو معرفة اهتمامه صلى الله عليه وسلم بإقامة الصفوف وتسويتها، ثم الاقتداء به في ذلك .
    تتمة : يستحب للإمام أن يتوسط الصف، ولو كان أحد جانبي الصف أطول من الآخر فلا بأس به. ولا يكره للإمام أن يصلي بين السواري، وإنما مُنع منه المأمومون لأنه يقطع الصف، إلا أن يحتاج إلى الصلاة بين السواري لضيق بالمسجد، أو كان عدد المصلين قليل والسواري لا تقطع الصف( ). ويستحب أن يلي الإمام أهل الفضل والعلم، وكبير القوم، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ليلني منكم أولو الأحلام والنهى...) الحديث ( ) . وهذا الحديث يحث فيه النبي صلى الله عليه وسلم أهل الفضل وأهل العلم، وأهل الرأي إلى أن يكونوا خلف الإمام، ليذكروه إذا نسى، وليخلفوه في الإمامة إذا عرض له عارض. وليس المعنى أن يترك مكانٌ خلف الإمام للعلماء أو لأهل الفضل ونحوهم، و لا أن يطرد عنه من سبق إليه ( ) .
    ويجب مباعدة صفوف النساء عن صفوف الرجال قدر الإمكان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها ) ( ) . وهذا ما إذا كانت صفوف النساء خلف صفوف الرجال، أما إذا تميزت الصفوف وكان النساء في منأى عن الرجال كما هو واقع كثير من المساجد اليوم، فخير صفوف النساء أولها وشرها آخرها، لانتفاء العلة، وهي قرب النساء من الرجال وخشية الافتتان بهن وبهم ( ) .

    7-جواز الفصل بين الإقامة والصلاة . لا بأس أن يفصل بين الإقامة والشروع في الصلاة، ولو كان الفصل طويلاً؛ إذا كان لعارض أو حاجة معتبرة، ولنا في ذلك أدلة صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. الأول: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أُقيمت الصلاة وعُدلت الصفوف قياماً، فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنبٌ فقال لنا: ( مكانكم) ثم رجع فاغتسل، ثم خرج إلينا ورأسه يقطر، فكبر وصلينا معه ( ) . والثاني:حديث أنس رضي الله عنه قال: أقيمت الصلاة، فعرض للنبي صلى الله عليه وسلم رجل فحبسه بعدما أقيمت الصلاة. وفي رواية: أقيمت الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم يناجي رجلاً في جانب المسجد، فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم ( ) . فالأحاديث السابقة مصرحة بأن الإمام إذا عرض له شيء ألجأه إلى عدم الشروع في الصلاة بعد إقامتها، فإن له أن يشتغل بحاجته إن كانت ذا بال، ثم يقيم الصلاة بعد أن يفرغ منها، وإن كان لغير حاجة كُره له ذلك .

    8-استخلاف الإمام إذا نابه شيء . قد يطرأ للإمام عذرٌ يمنعه من شهود الجماعة والصلاة بهم، والأولى أن يستخلف الإمام أفضل من يقوم بإمامة الناس، وحديث عائشة رضي الله عنها في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهد له، قالت : ... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ضعوا لي ماء في المخضب) . فقعد فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأُغمي عليه،ثم أفاق فقال: ( أصلى الناس ؟ ) فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله- والناس عكوفٌ بالمسجد ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم لعشاء الآخرة- فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس، فأتاه الرسول فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس. فقال أبو بكر- وكان رجلاً رقيقاً- يا عمر صل بالناس، فقال له عمر: أنت أحق بذلك. فصلى أبو بكر تلك الأيام ...) الحديث ( ) . قال ابن حجر: واستدل بهذا الحديث على أن استخلاف الإمام الراتب إذا اشتكى أولى من صلاته بهم قاعداً، لأنه صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر ولم يصل بهم قاعداً غير مرة واحدة ( ) . وقال النووي: ومنها[ أي ومن فوائد الحديث] : أن الإمام إذا عرض له عذر عن حضور الجماعة استخلف من يصلي بهم وأنه لا يستخلف إلا أفضلهم ( ) .
    أما إن عرض للإمام في صلاته ما يستوجب خروجه منها، كأن يصيبه الحدث، أو يصاب برعاف يجبره على ترك الصلاة، أو يتذكر حدثاً أصغر أو أكبر؛ فإنه يلزمه الخروج من الصلاة، وليقل أتموا صلاتكم، أو يأخذ بيد أحدهم ويستحب أن يكون أفضلهم ويقدمه للصلاة بهم؛ كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإنه لما طُعن وهو في الصلاة أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه، فأتم بهم الصلاة ( ) .قال ابن قدامة وكان ذلك بمحضر من الصحابة وغيرهم ولم ينكره منكر، فكان إجماعاً ( ). وإن صلى الإمام ثم علم بنجاسة في ثوبه أو نعله بعد انقضاء الصلاة؛ فصلاته صحيحة ولا إعادة عليه، وإن علم بها أثناء الصلاة، فإن أمكنه إزالة النجاسة وهو في صلاته أزالها وأتم الصلاة، وإن لم يمكنه انصرف منها وأتم المأمومون صلاتهم ( ) . فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ( صلى بنا رسول الله ذات يوم، فلما كان في بعض صلاته خلع نعليه فوضعهما عن يساره فلما رأى الناس ذلك خلعوا نعالهم، فلما قضى صلاته قال: ما بالكم ألقيتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله : إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا أو قال: أذى فألقيتهما، فإذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر في نعليه، فإن رأى فيهما قذرا أو قال أذى فليمسحهما. وليصل فيهما ) ( ) .
    وإن انصرف الإمام من صلاته ولم يستخلف، فإن المأمومين بالخيار، إن شاءوا قدموا أحدهم للصلاة بهم، أو صلوا فرادى وأتموا لأنفسهم ( ) .
    مسألة : إذا أحدث الإمام أو تذكر حدثاً أثناء قراءة الفاتحة، ثم استخلف، فهل يلزم من قام مقامه أن يعيد الفاتحة أو يكمل من حيث وقف الإمام ؟
    الجواب: إذا مات الإمام أو انتقض وضوؤه أثناء الصلاة جاز لواحد ممن خلفه من المأمومين أن يتم لهم الصلاة ويبدأ قراءة الفاتحة من أولها، وله أن يبدأ القرآن من حيث انتهى الإمام، إذا كان الإمام الثاني قرأ ما سبق أن قرأه الأول في أصح قولي العلماء ( ) .

    9- استحباب اتخاذ السترة . يستحب للإمام أن يضع بين يديه شيء يستره يصلي إليه، كجدار، وإن كان في أرض فضاء ركز عصا، أو نصب حربة أو عنزة ( ) أو عرض البعير وصلى إليه، أو جعل رحله أمامه فصلى إليه . فعن ابن عمر رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر، فمن ثم اتخذها الأمراء ) ( ) . وعن أبي جحيفة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم بالبطحاء- وبين يديه عنزة- الظهر ركعتين والعصر ركعتين...) الحديث ( ) . وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : ( كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الجدار ممر الشاة) ( ) . وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل، فليصل و لايبال من مر وراء ذلك ) ( ) وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( كان يصلي إلى بعيره ) ( ) . فالأحاديث مجتمعة على استحباب اتخاذ السترة لحفظ صلاة الإمام وصلاة من خلفه، فإن سترة الإمام سترة لمن خلفه، فإذا وضع الإمام سترة بين يديه قدر ذراع كما جاء في الحديث: ( مثل مؤخرة الرحل)، ثم مرّ إنسان أو شيء من وراء السترة، أو مرّ بين الصف الأول والإمام، أو بين الصفوف، فإنه لا يقطع صلاة الإمام ولا صلاة المأمومين. يدل لذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما- قال : أقبلتُ راكباً على أتانٍ وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي الصف، فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد ) ( ) .
    فأفاد الحديث السابق أن السترة غير واجبة؛ بل مستحبة، لقول ابن عباس رضي الله عنه : إلى غير جدار ( ) .
    ويستحب الدنو من السترة كثيراً لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته ) ( ) . وعن سهل ابن سعد رضي الله عنه قال : ( وكان بين مقام النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة ممر عنز ) ( ) . وكثير من أهل العلم استحب أن يكون الدنو من السترة بمقدار ثلاثة أذرع فما دون .
    ومتى ما عرض للإمام شيء يريد أن يمر بينه وبين سترته منعه وحال بينه وبين ذلك، فعن أبي عمرو قال : ( هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية أذاخر، فحضرت الصلاة- يعني فصلى إلى جدار- فاتخذه قبلة ونحن خلفه، فجاءت بهمة تمر بين يديه، فما زال يدارئها حتى لصق بطنه بالجدار، ومرت من ورائه ) ( ) .
    مسألة : من لم يجد سترة من جدار أو عصا أو نحوهما، فهل له أن يخط في الأرض خطاً يكفيه عن اتخاذ السترة ؟
    الجواب: اختلف العلماء في مشروعية خط المصلي خطاً أمامه يكون سترة له في صلاته وفي الاجتزاء بذلك إذا لم يجد عصا، فقال به سعيد بن جبير والأوزاعي وأحمد، وأنكره مالك والليث وأبو حنيفة، وقال الشافعي بالخط وهو في العراق، وقال وهو بمصر: لا يخط خطاً إلا أن يكون فيه سنة تتبع، ومنشأ الخلاف في ذلك اختلافهم في صحة الحديث الوارد فيه، وهو ما رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يجد معه عصا فليخط خطاً ولا يضره ما مر بين يديه) فصححه أحمد وابن المديني وابن حبان والبيهقي، قال الحافظ في البلوغ : ولم يصب من زعم أنه مضطرب بل هو حسن، وضعفه سفيان بن عيينة والشافعي والبغوي وغيرهم، فلم يجتزئوا بالخط في السترة للصلاة، والقول الأول أولى وأصح، للحديث المذكور ( ) .

    10- إسماع الإمام التكبير لمن خلفه . يجب على الإمام أن يسمع من خلفه التكبير وغيره، حسب ما يقتضيه المقام، وكلما كان عدد المصلين أكثر، احتاج معه إلى رفع صوته أكثر ليبلغ صوته عامتهم، وليحصل الاقتداء به في أفعال الصلاة. فإن عجز عن إيصال التكبير إلى من خلفه شُرع أن يبلغ أحد من المأمومين صوته، يدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها في قصة مرض موته صلى الله عليه وسلم، قالت : ( ... وخرج النبي صلى الله عليه وسلم يهادى بين رجلين، كأني أنظر إليه يخط برجليه الأرض، فلما رآه أبو بكر ذهب يتأخر، فأشار إليه أن صل، فتأخر أبو بكر رضي الله عنه، وقعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنبه وأبو بكر يُسمع الناس التكبير ) ( ) . ومتى ما وصل صوت الإمام إلى المأمومين سواء كان جهوري الصوت، أو باستخدام مكبرات الصوت، فإنه لا يُشرع اتخاذ مبلغ يُسمع الناس تكبير الإمام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتخذ مبلغاً يسمع الناس تكبيره، إلا لما ضعف في مرضه الذي مات فيه .

    11-تكبيرة الإحرام، وتكبيرات الانتقال. تكبيرة الإحرام ركنٌ لا تنعقد الصلاة إلا به، سواءٌ تُرك سهواً أو عمداً . وتكون بلفظ ( الله أكبر) ولا يجزئ غيرها، فلا تنعقد الصلاة بـ ( الله أعظم ) أو ( الله أجل ). لأن العبادات توقيف، لا يجوز الإحداث فيها؛ ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدون، والصحابة الكرام، والتابعين، ومن سلك سبيلهم من أهل العلم والفضل- لم يعهد عنهم أنهم أخلوا بلفظ التكبير ولو مرة واحدة. فعلم أن لفظ التكبير لا يجوز الإخلال به، و لاتنعقد الصلاة إلا به .
    أما تكبيرات الصلاة عند الانتقال من ركن إلى آخر، فيؤتى بها حال الانتقال من ركن إلى آخر، ويدل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين ركع، ثم يقول : سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم: ربنا لك الحمد ... ثم يكبر حين يهوي، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس ) ( ) . قال ابن حجر: قال النووي: فيه دليل على مقارنة التكبير للحركة وبسطه عليها، فيبدأ بالتكبير حين يشرع في الانتقال إلى الركوع، ويمده حتى يصل إلى حد الراكع. انتهى. قال ابن حجر: ودلالة هذا اللفظ على البسط الذي ذكره غير ظاهره ( ) . قلت: ولعل في قول أبي هريرة في الحديث السابق: ( حين يقوم..حين ركع..حين يرفع )إشارة إلى بسط التكبير ومده حتى يصل إلى الركن الذي يليه، قالت اللجنة الدائمة : المشروع في التكبيرات في الصلاة عند الانتقال من ركن إلى ركن أن يكون التكبير بينهما، فيبدأ التكبير عند بداية الانتقال من الركن إلى نهاية الانتقال منه ( ) .
    مسألة : يعمد بعض الأئمة في الصلاة إلى التفريق بين صوت التكبير عند التشهد الأول والأخير دون سائر التكبيرات، من أجل أن ينتبه المأمومون إلى أنه موضع جلوس وتشهد لا قيام، وحتى لا يحصل قيام لبعضهم فهل يشرع مثل هذا ؟
    الجواب: الأصل هو عدم التمييز بين التكبيرات في الصلاة، ونحن لا نعلم دليلاً شرعياً يدل على التمييز، وتكبيرات الصلاة، من العبادات؛ والعبادات مبنية على التوقيف، ومن ادعى التمييز بينهما فهو مطالب بالدليل، ولكن لا نعلم حرجاً في التمييز من أجل المصلحة التي ذكرت عملاً بعمومات الأدلة الشرعية الدالة على فضل التيسير والتسهيل والإعانة على الخير ( ) .

    12-هل يجهر الإمام بـ ( بسم الله الرحمن الرحيم) قبل الفاتحة ؟. مسألة اختلف أهل العلم فيها؛ هل يجهر الإمام بالبسملة قبل الفاتحة على اعتبار أنها آية من الفاتحة؟ أم يُسر بها على اعتبار أنها آية مستقلة للفصل بين السور، وتمييزاً بينها وبين آيات الفاتحة ؟ . والجواب عن هذه المسألة يكون بعد تأمل الأحاديث والآثار الواردة فيها، منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين. ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين ...) الحديث ( ) . وفي الحديث القدسي أن الله تبارك وتعالى قسم الصلاة –أي: الفاتحة- بينه وبين عبده نصفين، ثم ابتدأ الله بذكر ( الحمد لله رب العالمين ) ولم يذكر البسملة. وهو دليل صحيح صريح على أن البسملة ليست من الفاتحة . ومنها : حديث أنس رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين ) وعند مسلم : ( صليت مع رسول الله، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ) وعند النسائي: ( فلم أسمع أحداً منهم يجهر بـ { بسم الله الرحمن الرحيم } ) ( ) . فبينت هذه الأدلة وغيرها مما لم نذكرها، أنه لا يُجهر بالبسملة في الصلاة، وتحمل أدلة من أوجب قراءة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) في الصلاة على أنها سُمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ بها سراً، لقول أبي قتادة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسمعهم الآية أحياناً في صلاة الظهر ( ) . وكما نقل الصحابة بعض السور التي كان يقرأ بها النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات السرية، وقد تقدم ذكرُ شيء من ذلك. وعلى المصلي إماماً أو مأموماً أو منفرداً أن يقرأ بـ ( بسم الله الرحمن الرحيم )سراً جمعاً بين الأدلة، وخروجاً من الخلاف .

    13- جهر الإمام بآمين . يجهر الإمام بآمين؛ ومعنى آمين: أي اللهم استجب. وفي التأمين فضل عظيم، فإذا قرأ الإمام فاتحة الكتاب، وقال : { ولا الضالّين } يقول الإمام: آمين، وتقول الملائكة: آمين، ويقول المأموم: آمين . فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه ) ( ) . وعن وائل بن حجر رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : { غير المغضوب عليهم ولا الضالّين} فقال: ( آمين ) ومد بها صوته ( ) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا قال الإمام { غير المغضوب عليهم ولا الضالّين } فقولوا: آمين . فإن الملائكة تقول: آمين، وإن الإمام يقول آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفر له ما تقدم من ذنبه ) ( ) . قوله صلى الله عليه وسلم : ( فمن وافق تأمينه) المراد بالموافقة هنا، الموافقة في الزمان والقول، وهذا الموضع الوحيد في الصلاة الذي يقترن فيه قول المأموم مع قول إمامه، أما سائر أقوال المأموم وأفعاله فيأتي بها بعد إمامه . وعلى الإمام أن لا يتأخر عن قول آمين بعد { ولا الضالّين } إلا مقدار ما يتراد النفس وهي سكتة لطيفة؛ كي لا يُحرم المأموم أجر موافقة الملائكة، لأن الملائكة توافق الإمام في التأمين، ومن وافق الإمام فقد وافق الملائكة، ومن وافق الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه – إن شاء الله- . قال ابن حجر: وفيه [أي: حديث إذا أمن الإمام فأمنوا...]فضيلة الإمام لأن تأمين الإمام يوافق تأمين الملائكة، ولهذا شرعت للمأموم موافقته ( ) ، ( ).

    14- هدي النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة في الصلوات .
    أ- القراءة في صلاة الفجر . يستحب التطويل بالقراءة في صلاة الفجر، وهو أكثر فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: ... ويصلي الصبح فينصرف الرجل فيعرف جليسه. وكان يقرأ في الركعتين أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة ( ) .
    وقرأ صلى الله عليه وسلم في الفجر بسورة الطور، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي فقال: ( طوفي من وراء الناس وأنت راكبة) فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ يصلي إلى جنب البيت وهو يقرأ { والطور وكتاب مسطور } ( ) . وبينت الرواية الأخرى أن المراد بتلك الصلاة هي صلاة الصبح، قالت أم سلمة: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون..)( ) .
    وصلى عليه الصلاة والسلام الصبح بسورة ( ق )، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بق والقرآن المجيد، وكانت صلاته بعد تخفيفاً ( ) .
    وقرأ صلى الله عليه وسلم في الفجر بسورة التكوير، فعن عمرو بن الحريث رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر : { إذا الشمس كورت } ( ) .
    وقرأ صلى الله عليه وسلم في الفجر بالمعوذتين؛ فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المعوذتين، قال عقبة: فأمنا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر ( ) .
    وصلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبح بالمؤمنين، فعن عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال : صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم الصبح بمكة، فاستفتح سورة المؤمنين، حتى جاء ذكر موسى وهارون، أو ذكر عيسى أخذت النبي صلى الله عليه وسلم سعلة، فركع ) ( ) .
    وكان يقرأ صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح من يوم الجمعة بـ ( آلم . تنزيل السجد ) في الركعة الأولى ، وبـ ( هل أتى على الإنسان ) في الركعة الثانية . فعن ابن عباس رضي الله عنه قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم : كان يقرأ في صلاة الصبح، يوم الجمعة: ( آلم ) تنزيل السجدة، و ( هل أتى على الإنسان) ( ) .
    والمراد من تتبع ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في قراءته في صلاة الصبح، هو التأسي به صلى الله عليه وسلم، وبيان أن الغالب في صلاة الصبح هو التطويل.
    ب- القراءة في صلاة الظهر والعصر . كان من هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر أنه كان يطولها أحياناً، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ( لقد كانت صلاة الظهر تقام، فيذهب الذاهب إلى البقيع، فيقضي حاجته ثم يتوضأ،ثم يأتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى، مما يطولها ) ( ) .
    ووصف قيامه صلى الله عليه وسلم في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بقدر ثلاثين آية، والأخريين على النصف من ذلك، والركعتين الأوليين من صلاة العصر قدر الركعتين الأخريين من صلاة الظهر، والركعتين الأخريين من صلاة العصر على النصف من ذلك . فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية، أو قال نصف ذلك، وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة آية، وفي الأخريين قدر نصف ذلك ) ( ) . وفي رواية أخرى؛ قدر أبو سعيد الخدري قيامه صلى الله عليه وسلم في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر قدر سورة آلم تنزيل السجدة، وفي الركعتين الأخريين على النصف من ذلك، والعصر في الركعتين الأوليين على قدر نصف سورة آلم تنزيل السجدة، وفي الركعتين الأخريين على النصف من ذلك. ومن المعلوم أن عدد آيات سورة ( آلم تنزيل السجدة)؛ ثلاثون آية فتطابقت الروايتان في المعنى واختلفت في الألفاظ ( ) .
    وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر بـ ( السماء ذات البروج ) ، ( والسماء والطارق) وما شابههما من هذه السور . فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر بـ { السماء ذات البروج } ، و { والسماء والطارق } وشبههما ) ( ) .
    وقرأ صلى الله عليه وسلم في الظهر بـ ( والليل إذا يغشى) وفي العصر مثل ذلك . فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر { والليل إذا يغشى } وفي العصر نحو ذلك ، وفي الصبح بأطول من ذلك ) ( ) .
    مسألة : قد يُشكل على بعض الناس، أن صلاتي الظهر والعصر من الصلوات السرية، فكيف علم الصحابة بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم لتلك السور ؟
    الجواب : يتبين ذلك بحديث قتادة رضي الله عنه قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين، يطول في الأولى ويقصر في الثانية ، ويُسمع الآية أحياناً... الحديث ) ( ) . فقوله رضي الله عنه : ( ويُسمع الآية أحياناً) فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر ببعض الآيات ويسمع أصحابه الآية والآيتين ونحوهما، فحفظوا ما سمعوا منه في تلك الصلوات .

    ت- القراءة في صلاة المغرب . المحفوظ عنه صلى الله عليه وسلم في القراءة في صلاة المغرب، أنه قرأ فيها بسورة الأعراف وهي من السبع الطوال، وقرأ فيها بسورة الطور وهي من طوال المفصل، وقرأ فيها بسورة المرسلات وهي من أوساط المفصل، وأثر عند ابن حبان عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر أنه قرأ فيها بسورة البينة ( ) . فعن عائشة رضي الله عنها: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة المغرب بسورة الأعراف، فرقها في ركعتين ) ( ) . وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالطور ) ( ) . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن أم الفضل سمعته وهو يقرأ { والمرسلات عرفاً } فقالت : ( يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لآخر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب ) ( ) .
    قال الترمذي : روي عن عمر أن كتب إلى أبي موسى؛ أن اقرأ في المغرب بقصار المفصل. وروي عن أبي بكر الصديق أنه قرأ في المغرب بقصار المفصل. قال: وعلى هذا العمل عند أهل العلم . به يقول ابن المبارك وأحمد وإسحاق. وقال الشافعي: وذكر عن مالك أنه كره أن يقرأ في صلاة المغرب بالسور الطوال نحو ( الطور) و ( المرسلات)، قال الشافعي: لا أكره ذلك؛ بل أستحب أن يُقرأ بهذه السور في صلاة المغرب ( ) .
    وجماع القول في القراءة في صلاة المغرب: أن ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم وواظب عليه من القراءة في المغرب وغيره فهو يستحب، وما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم انه قرأ به ولم يواظب عليه، فلا كراهة فيه ( ) .
    تنبيه : من أراد من الأئمة القيام بالسنة، والقراءة بسورة الأعراف في صلاة المغرب، فليراعي النصوص الشرعية الأخرى في الرفق بالمأمومين، وعدم المشقة عليهم. وهل هم ممن يؤثرون تطويله بهم أم لا . والله أعلم .
    ث- القراءة في صلاة العشاء . مما حفظ عنه صلى الله عليه وسلم بالقراءة في صلاة العشاء، أنه قرأ فيها بسورة التين، فعن البراء رضي الله عنه قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ { والتين والزيتون } في العشاء، وما سمعت أحداً أحسن صوتاً منه أو قراءة ) ( ) . وعن بكر بن أبي رافع قال : ( صليت مع أبي هريرة العتمة، فقرأ { إذا السماء انشقت } فسجد، فقلت: ما هذه ؟ قال: سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه ) ( ) . وفي هذا الأثر القراءة بسورة الانشقاق بالعشاء والسجدة بها . وعن أبي بريدة رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العشاء الآخرة بـ { الشمس وضحاها } ونحوها من السور ) ( ) . قال الترمذي: وروي عن عثمان بن عفان أنه كان يقرأ في العشاء بسور من أوساط المفصل، نحو سورة المنافقين وأشباهها . وروي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين أنهم قرأوا بأكثر من هذا وأقل، فكان الأمر عندهم واسع في هذا ( ) . قلت: وعلى هذا عمل الناس اليوم؛ فإنهم لا يلتزمون في العشاء بقدر معين .
    فائدة : المفصل ثلاثة أقسام... منه طِوال، ومنه قصار، ومنه وسط . فمن { ق } إلى { عم } هذا هو الطوال . ومن { عم } إلى { الضحى } أوساط . ومن { الضحى } إلى آخره قصار وسمى مفصلاً لكثرة فواصله، لأن سوره قصيرة ( ) . قال النووي : وأما اختلاف قدر القراءة في الصلوات فهو عند العلماء على ظاهره قالوا: فالسنة أن يقرأ في الصبح والظهر بطوال المفصل وتكون الصبح أطول، وفي العشاء والعصر بأوساطه، وفي المغرب بقصاره ( ) .
    مسألة : هل يجوز أن يقرأ في الصلاة بقراءات مختلفة، كأن يقرأ قوله تعالى : { مالك يوم الدين } { ملك يوم الدين } في ركعة واحدة ؟ .
    الجواب: الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يقرأ في صلاته لا في الفاتحة ولا في غيرها بكلمة من القرآن بقراءتين مختلفتين فيما نعلم ولم ينقل ذلك عن خلفائه الراشدين ولا عن أحد من صحابته رضوان الله عليهم أجمعين، ولا ينبغي فعل ذلك، ومن فعله واستمر عليه فقد ابتدع في الدين مالم يشرعه الله ولا رسوله، وخالف بفعله هذا قوله عليه الصلاة والسلام : ( من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد ) وفي رواية : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) أما الصلاة فصحيحة ( ) .
    مسألة 2: هل يجوز للإمام أن يقرأ القرآن برواية ورش عن نافع، لقوم يقرأون القرآن برواية حفص عن عاصم ونحو ذلك ؟
    الجواب: القراءة برواية ورش عن نافع صحيحة معتبرة في نفسها لدى علماء القراءات، لكن القراءة بها لمن لم يعهدها، بل عهد غيرها- كالقراءة برواية حفص مثلاً- تثير بلبلة في نفوس المأموموين، فتترك القراءة بها لذلك، أما إذا كان القارئ بها في صلاته منفرداً فيجوز، لعدم المانع ( ) .
    15- القراءة من أول السورة وأوسطها وآخرها، والجمع بين السورتين، وتفريق السورة على الركعتين، وتكرار السورة الواحدة. كل ذلك جائز . فلا حرج على الإمام إن قرأ من أول السورة أو من وسطها أو من أواخرها، فإن ذلك داخل في مما تيسر من القرآن. ولا بأس إن كرر الإمام السورة في الركعتين؛ سواء كان ناسياً أو عامداً، لوقوع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن معاذ بن عبد الله الجهني قال: أن رجلاً من جهينة أخبره: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح { إذا زلزلت الأرض } في الركعتين كلتيهما، فلا أدري! أنسي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم قرأ ذلك عمداً ( ) . وجواب الاحتمال الذي أورده الراوي أن يقال: مقام النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ونحوها من العبادات مقام تشريع، ولو فعل ذلك ناسياً، لنبه على ذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فلما لم يفعل عُلم أنه تشريع، وأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لبيان الجواز ( ) . ويجوز الجمع بين سورتين في ركعة واحدة أو تفريقها على ركعتين، لحديث حذيفة رضي الله عنه في صلاته ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها،ثم افتتح آل عمران فقرأها ...) الحديث ( ) .
    تتمة : قال البخاري : ويُذكر عن عبد الله بن السائب ( قرأ النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنون في الصبح، حتى إذا ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى أخذته سعلة فركع ) . وقرأ عمر في الركعة الأولى بمائة وعشرين آية من البقرة، وفي الثانية بسورة من المثاني. وقرأ الأحنف بالكهف في الأولى وفي الثانية بيوسف أو يونس. وذكر أنه صلى مع عمر رضي الله عنه الصبح بهما . وقرأ ابن مسعود بأربعين آية من الأنفال، وفي الثانية بسورة من المفصل. وقال قتادة- فيمن يقرأ بسورة واحدة في ركعتين-: كلٌ كتاب الله ( ) . قلت : والغرض من إيراد هذه الآثار بيان أن كل ذلك جائز والأمر واسع في هذا الباب ولله الحمد؛ ولكن قراءة سورة أو سورتين في ركعة أفضل من قراءة قدرها من طويلة، نص عليه بعض أهل العلم وأخذوا ذلك من حديث أبي قتادة قال : (... وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين ...) الحديث ( ) .

    16- السنة تطويل الركعة الأولى وتقصير الثانية . جاءت السنة بتطويل القراءة في الركعة الأولى وتقصير الثانية، يدل عليه حديث أبي قتادة قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية، ويُسمع الآية أحياناً، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح ويقصر الثانية ) ( ) . قال عطاء : إني لأحب أن يطول الإمام الركعة الأولى من كل صلاة حتى يكثر الناس ( ) . قال ابن الجوزي : قوله : ( يطول في الركعة الأولى ) دليل على استحباب تطويل الأولى من كل صلاة، كيف وقد قال: كان، وهي إخبار عن دوام الفعل، والعلة فيه أن يلحق من سمع الإقامة ولم يتأهب ( ) . ويشكل على هذا أنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم المداومة على قراءة سبح اسم ربك الأعلى في الركعة الأولى ، وفي الركعة الثانية بهل أتاك حديث الغاشية، مع أن سورة (الغاشية) أطول من سورة (الأعلى) مما يستلزم أن الركعة الثانية تكون أطول من الأولى. فعن النعمان بن بشير-رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية . قال : وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضاً في الصلاتين ) ( ) .
    والجواب عن هذا الإشكال أن يقال: الفرق بين سورة سبح باسم ربك الأعلى والغاشية؛ فرق يسير لا يخرم العادة المضطردة عنه صلى الله عليه وسلم في تطويل الركعة الأولى وتقصير الثانية، وعليه فالطول اليسير مما يتسامح فيه .

    17- سكتات الإمام . للإمام في صلاته سكتتان؛ الأولى عند افتتاحه الصلاة، وفيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ . فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي ! أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة، ما تقول ؟ قال : ( أقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. اللهم نقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم اغسلني من خطاياي بالثلح والماء والبرد ) ( ) . وأما السكتة الثانية فهي بعد الانتهاء من القراءة وقبل الركوع؛ فيستحب الوقوف قليلاً بمقدار ما يتراد النفس، حتى لا تتصل القراءة بالتكبير ( ) .

    18- تطويل الصلاة وتخفيفها . الأصل في الصلاة هو التخفيف مراعاة لأحوال الناس، فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة، والإمام الفطن هو الذي يعلم حال من خلفه من المأمومين، وهل يؤثرون تطويله أم لا . فعن أبي مسعود رضي الله : أن رجلاً قال : والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا. فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضباً منه يومئذ. ثم قال: ( إن منكم منفرين، فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز، فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة ) ( ) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن منهم الضعيف، والسقيم، والكبير . وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء ) ( ) . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه ) ( ) . قال النووي : قال العلماء: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم تختلف في الإطالة والتخفيف باختلاف الأحوال، فإذا كان المأمومون يؤثرون التطويل ولا شغل هناك له ولا لهم طول، وإذا لم يكن كذلك خفف، وقد يريد الإطالة ثم يعرض ما ينقضي التخفيف كبكاء الصبي ونحوه، وينضم إلى هذا أنه قد يدخل في الصلاة في أثناء الوقت فيخفف، وقيل: إنما طول في بعض الأوقات وهو الأقل وخفف في معظمها، فالإطالة لبيان جوازها والتخفيف لأنه أفضل... ( ) . قلت : ومتى علم الإمام أن من خلفه يؤثرون تطويله لحسن تلاوته وجودتها، فلا ينبغي له أن يبخل عليهم .
    تنبيه : لا يقال أطال الصلاة، لمن تعاهد سنة محمد صلى الله عليه وسلم التي كان يداوم عليها، كالقيام بسورة ألم تنزيل السجدة، وسورة هل أتى على الإنسان . في صلاة الصبح من يوم الجمعة . ولقد بوب البخاري في كتاب الأذان بقوله: باب الإيجاز في الصلاة وإكمالها، ثم ساق أثر أنس رضي الله عنه : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجز الصلاة ويكملها ) ( ) . وعلق الحافظ عليه بقوله: مناسبة حديث أنس للترجمة من جهة أن من سلك طريق النبي صلى الله عليه وسلم في الإيجاز والإتمام لا يشكى منه تطويل ( ) .

    19- الاعتدال في أركان الصلاة وتخفيفها مع التمام . فيه حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال : ( كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده وإذا رفع رأسه من الركوع وبين السجدتين قريباً من السواء ) وعند مسلم : ( رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم، فوجدت قيامه فركعته، فاعتداله بعد ركوعه، فسجدته، فجلسته بين السجدتين، فسجدته، فجلسته ما بين التسليم والانصراف، قريباً من السواء ) ( ) . قال ابن حجر: وأجاب بعضهم عن حديث البراء أن المراد بقوله : ( قريباً من السواء ) ليس أنه كان يركع بقدر قيامه وكذا السجود والاعتدال؛ بل المراد أن صلاته كانت قريباً معتدلة فكان إذا أطال القراءة أطال بقية الأركان، وإذا أخفها أخف بقية الأركان . فقد ثبت أنه قرأ في الصبح بالصافات وثبت في السنن عن أنس أنهم حزروا في السجود قدر عشر تسبيحات فيحمل على أنه قرأ بدون الصافات اقتصر على دون العشر، وأقله كما ورد في السنن أيضاً ثلاث تسبيحات ( ) .
    مسألة : إذا أحس الإمام بدخول شخص أو أشخاص إلى المسجد وهو راكع، فهل يستحب له انتظارهم حتى يدركوا الركعة، أو لا ينتظر رعاية لحق المأمومين وخشية التطويل عليهم ؟
    الجواب : هذه مسألة يقدرها الإمام، فإن كان في انتظاره للداخل تطويلاً ومشقة على المأمومين فإنه لا ينتظر ولا يطل الركوع؛ وإن كان انتظار الإمام يسيراً وليس فيه مشقة على من خلفه؛ استحب له الانتظار ليدرك الداخل الركوع والركعة . ودليل عدم انتظار الداخل الأحاديث الآمرة بتخفيف الصلاة ودفع المشقة عن المصلين – وقد سبق ذكر بعضها- . ودليل استحباب انتظار الداخل ليدرك الركعة، قوله صلى الله عليه وسلم: ( إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه ) ( ) . قالوا: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم تجوز في صلاته لأجل بكاء الصبي ووجد أمه عليه، مع تصريحه بأنه يرغب في إطالتها. فإن تطويلها لأجل أن يدركها الآتي إليها أولى . قال ابن حجر: ...إذا جاز التخفيف لحاجة من حاجات الدنيا، كان التطويل لحاجة من حاجات الدين أجوز ( ) . وقال الإمام أحمد: ينتظره ما لم يشق على من خلفه ( ) .

    20- هل يقول الإمام ربنا ولك الحمد مع المأموم ؟. هذه المسألة شبيهة بمسألة تأمين الإمام، ففي الفاتحة الإمام داعٍ والمأموم يؤمن، وفي الرفع من الركوع، الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد . وهذا من الناحية العقلية قول منطقي وله حظ من النظر؛ ولكن إذا جاءت السنة الصريحة الصحيحة بأمر فإنه لا يعدل إلى غيره، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل . وفي المسألتين السابقتين ثبت بالأدلة الصريحة الصحيحة، أن الإمام يؤمن وإن كان هو الداعي، وأنه يقول ربنا ولك الحمد، وإن كان هو الذي طلب التحميد بقوله : سمع الله لمن حمده . فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم – حين يرفع رأسه يقول : سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد ...) الحديث ( ) .
    فائدة : جاء لفظ الحمد بعد الرفع من الركوع على أربع صيغ: ( ربنا ولك الحمد) ، ( ربنا لك الحمد) ، ( اللهم ربنا ولك الحمد) ، ( اللهم ربنا لك الحمد ) .
    الأولى: عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا صلى قائما فصلوا قياما فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد .. . الحديث ) ( ) . والثانية: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون وأقيموا الصف في الصلاة فإن إقامة الصف من حسن الصلاة ) ( ) . والثالثة: عن أبي هريرة –أيضاً- قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا قال سمع الله لمن حمده قال: ( اللهم ربنا ولك الحمد.. الحديث ) ( ) . والصيغة الرابعة : حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ) ( ) . ويستحب للإمام وللمنفرد والمأموم أن ينوع بين هذه الألفاظ لثبوتها، فيأتي بهذا مرة، وباللفظ الآخر مرة ليحصل له كمال الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم .

    21- قنوت النوازل. القنوت يطلق على معان، والمراد به هنا الدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام ( ) . فإذا أصابت المسلمين نازلة كوباء حل بهم، أو قحط عام أصابهم، أو عدو داهمهم، فإنه يُشرع للمسلمين القنوت في صلواتهم، السرية والجهرية، فعن أنس قال : ( كان القنوت في المغرب والفجر ) ( ) . وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن : ( أنه سمع أبا هريرة يقول : والله لأقربن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان أبو هريرة يقنت في الظهر، والعشاء الآخرة، وصلاة الصبح. ويدعو للمؤمنين، ويلعن الكفار ) ( ) .
    والقنوت يكون قبل الركوع بعد الفراغ من القراءة، وبعد الركوع، ثبت عنه صلى الله عليه وسلم هذا وهذا ( ) .
    ويدعو الإمام بما يناسب النازلة، لا بالدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم الحسن في قيام الليل : اللهم اهدني فيمن هديت .. وإنما يدعو بما يناسب ما حل بهم . فعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركعة في صلاته شهراً . إذا قال : ( سمع الله لمن حمده) يقول في قنوته : ( اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنج سلمة بن هشام ، اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف ) ( ) . وعن خفاف بن إيماء رضي الله عنه قال : ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رفع رأسه فقال : ( غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله، وعصية عصت الله ورسوله، اللهم العن بني لحيان، والعن رعلاً وذكوان) ..الحديث ( ) . وبتأمل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في النوازل، يتبين أنه دعا بعدما رفع رأسه من الركوع مباشرة بدعوات تخص النازلة ولم يقدم لها بالحمدلة والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك بعد الفراغ من الدعاء وقع ساجداً مباشرة ولم يختم دعائه، كما يفعل بعض الأئمة اليوم .

    22- سجود التلاوة في الصلاة للإمام . يسن للإمام والمنفرد والمأموم إذا مر بآية سجدة أن يسجد بها. فعن أبي رافع قال: ( صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ { إذا السماء انشقت } فسجد. فقلت له. قال : سجدتُ خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه ) ( ) . وهي من السنن المستحبة إن شاء الإمام سجد بها وإن شاء لم يسجد. ولكن ينبغي في الصلاة السرية أن يراعى حال المأمومين، وهل سجود الإمام يؤدي إلى التشويش عليهم أم لا . فإن الناس في الصلاة السرية لا يعلمون ما ذا يقرأ إمامهم، فإذا سجد للتلاوة، فإنهم سيبادرون إلى التسبيح ظناً منهم أنه سهى في صلاته، وقد يتدارك الإمام هذا التشويش بأن يرفع صوته بالآية التي فيها سجدة ليعلم من كان خلفه أنه سيسجد بها، وعلى كل حال إن كان سجود الإمام في الصلاة السرية يؤدي إلى التشويش على المأمومين فلا يقرأ بآية فيها سجدة، أو يقرأ بها ولا يسجد ( ) .
    وإن قرأ السجدة في الصلاة في آخر السورة، فإن شاء سجد، ثم قام فقرأ شيئاً من القرآن ثم ركع، وإن شاء سجد، ثم قام فركع من غير قراءة.نص عليه أحمد . وهذا قول ابن مسعود والربيع بن خثيم، وإسحاق .. ( ) .
    تنبيه : يقتصر بعض المصلين على الإتيان بقول : ( اللهم لك سجدت وبك آمنت وعليك توكلت..) ، وهذا خطأ؛ فإن المشروع في سجود التلاوة وغيرها هو قول: ( سبحان ربي الأعلى ) ثم إن زاد على ذلك بعض ما ورد فهو حسن ( ) .
    فائدة : جاءت السنة ببعض الأدعية يستحب لمن سجد سجود التلاوة، أن يأتي بها بعد قول: ( سبحان ربي الأعلى)، وهي :
    ( اللهم احطط عني بها وزراً، واكتب لي بها أجراً، واجعلها لي عندك ذخراً ) وعند الترمذي بزيادة: ( وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود ) ( ) . ومنها، ( سجد وجهي لمن خلقهُ وشقَّ سمعه وبصره بحوله وقوته ) ( ). ومنها : ( اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين ) ( ) .

    23- بكاء الإمام في الصلاة هل يفسدها ؟. بكاء الإمام وغير الإمام في الصلاة لا يفسدها فهو ليس من جنس الكلام، وهي رقة تأخذ القلب عند القراءة وعند تذكر الجنة أو النار، أو غير ذلك من المعاني، والغالب أنها تحصل من غير اختيار المصلي . وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه بكى في صلاته، فعن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل- يعني: يبكي- ( ) . قال البخاري: قال عبد الله بن شداد: سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف يقرأ { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله } ( ) .
    فائدة : إذا عرض للإمام أمر يمنعه من إتمام القراءة، جاز له الركوع، يدل عليه حديث عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال: ( قرأ النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنون في الصبح، حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى أخذته سعلة فركع ) ( ) . فإذا أصاب الإمام شيء منعه من إتمام القراءة كسعال متواصل، أو بكاء شديد أعجزه عن إكمال القراءة، جاز له الركوع ( ) .
    24- هل يرجع الإمام إلى قول من خلفه في السهو . إذا نُبه الإمام إلى سهو في صلاته، فهو بين حالين: أحدهما: أن يجزم بصواب نفسه؛ أي أنه متأكد أنه لم يسهو في صلاته، وفي هذه الحالة لا يرجع إلى قول من ذكّره ونبهه . والثاني: أن لا يجزم بصواب نفسه، وفي هذه الحالة يلزمه الرجوع إن كان الذي سبح به( أي قال: سبحان الله) اثنان فأكثر، فيلزمه الرجوع كقصة ذي اليدين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين، فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أصدق ذو اليدين؟ ) فقال الناس: نعم . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى اثنتين أخرييين ...( ) الحديث. وإن كان المسبح واحداً فإن غلب على ظنه صدقه أخذ بقوله وإلا فلا يرجع . أما إذا تعارض قول من خلفه؛ كأن يجلس الإمام فيقول أحدهم ( سبحان الله) ولما قام قال الآخر : ( سبحان الله)؛ ففي هذه الحالة يرجع الإمام إلى ما في نفسه ويبني عليه ( ) .

    25- السهو في الصلاة . السهو والغفلة من طبيعة البشر، والنبي صلى الله عليه وسلم وهو أكمل البشر سهى في صلاته، وقال بعدما سهى في صلاته : ( إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني...) الحديث ( ) . و يشرع سجود السهو إذا سهى المصلي فزاد في صلاته أو أنقص منها أو شك فيها ، وهو واجب في كل سهو يبطل عمده الصلاة. والسنن لا يشرع لها سجود سهو، أما الواجبات والأركان فيجب الإتيان بسجود السهو في آخر الصلاة؛ ويزيد الركن أنه لا بد الإتيان بالركن الذي أخل به المصلي، على تفصيل يأتي – إن شاء الله- . وسوف نذكر في هذا المبحث -إن شاء الله- الأحوال التي سهى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته وكيف سجوده فيها، ونذكر الأحاديث التي قيلت في هذا الباب .
    أ- الزيادة في الصلاة . والمعول عليه في هذا الباب حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمساً، فقيل له: أزيد في الصلاة ؟ فقال : وما ذاك ؟ قال: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعد ما سلم ) ( ) . وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد ركعة ناسياً فلما ذُكّر، سجد للسهو ثم سلم . ومثله حديث ذو اليدين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين، فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله ؟ . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أصدق ذو اليدين ؟ )) . فقال الناس: نعم . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى اثنتين أخريين، ثم سلم، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع ) ( ) . والمتبادر للذهن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنقص من صلاته، وليس الأمر كذلك، فإن سجود السهو هنا لكون النبي صلى الله عليه وسلم قد أتى بسلام في أثناء الصلاة فكان زائداً في الصلاة، فسجد النبي صلى الله عليه وسلم بعد السلام .
    والسجود بعد السلام عند الزيادة في الصلاة هو مذهب مالك، والمزني وأبو ثور من الشافعية،وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وقواه ابن عبد البر، وذهب إليه جمع من أهل العلم ( ) .
    مسألة : إمام قام إلى خامسة، ونبهه المأمومون، فلم يرجع إلى قولهم، فماذا يلزم المأموم والإمام .
    الجواب: إذا تيقن الإمام صواب نفسه فليس عليه سجود سهو ولا يجوز له الرجوع إلى قول من سبح به لاعتقاده خطأهم . وأما المأموم الذي تيقن أن الإمام زاد ركعة-مثلاً- فلا يجوز له أن يتابعه عليها، وإذا تابعه عالماً بالزيادة، وعالماً بأنه لا تجوز المتابعة بطلت صلاته . أما من لم يعلم أنها زائدة فإنه يتابعه، وكذلك من لا يعلم الحكم ( ) .
    مسألة 2 : رجل صلى بقوم-الظهر مقصورة- وهو مسافر ، ثم قام إلى الثالثة، وتذكر أنه يصلي بهم الصلاة مقصورة، فماذا يلزمه ؟
    الجواب: هذه المسألة تنبني على اعتقاد هذا المصلي، فإن كان يعتقد أن صلاة السفر لا تكون إلا مقصورة -كمذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر- وجب عليه الرجوع. و إن كان يعتقد أن صلاة السفر يجوز فيها القصر ويجوز فيها الإتمام، فهو مخير بين إتمام صلاته، وبين الرجوع. وفي مسألتنا هذه من دخل الصلاة وهو ينوي القصر بها ثم قام إلى ثالثة فالأولى له الرجوع والسجود للسهو بعد السلام، والله أعلم ( ) .
    تنبيه : إذا صلى إمامٌ أو غيره صلاة رباعية وسلم من اثنتين أو ثلاث، ثم طال الفصل ولم يتذكر إلا بعد مدة طويلة عرفاً؛ فإنه والحالة هذه يعيد الصلاة، وإن تذكر النقص في وقت قريب، أو نبهه المأمومون كما في حديث ذي اليدين فإنه يفعل في صلاته كما بينا آنفاً .
    ب- النقص في الصلاة . النقص في الصلاة إما أن يكون نقص في الأركان، أو نقص في الواجبات. فأما نقص الأركان، فإن كان في تكبيرة الإحرام فإنها لا تنعقد . وإن كان النقص في ركن غير تكبيرة الإحرام . فلها أحوال :
    ( الحال الأولى: إن ذكره قبل أن يصل إلى محله وجب عليه الرجوع . [ مثاله: رجل صلى ونسي الركوع، ثم لما وقع ساجداً تذكر أنه لم يركع؛ فحينئذ يجب عليه الرجوع إلى ركن الركوع الذي تركه مادام أنه لم يصل إلى ركوع الركعة الأخرى] .
    الحال الثانية: إن ذكره بعد أن وصل إلى محله فإنه لا يرجع؛ لأنه لو رجع لم يستفد شيئاً، وتقوم الثانية مقام التي قبلها .
    الحال الثالثة: إن ذكره بعد السلام فإن كان من ركعة قبل الأخيرة أتى بركعة كاملة، وإن كان من الأخيرة أتى به وبما بعده فقط، ولا يلزمه أن يأتي بركعة كاملة ) ( ) .
    أما النقص في الواجبات : كترك التشهد الأول، أو ترك التسبيح في الركوع، أو التسبيح في السجود، فيلزم التارك له سجود السهو جبراً للنقص . ودليله حديث عبد الله بن بُحينة رضي الله عنه أنه قال : ( صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين من بعض الصلوات، ثم قام فلم يجلس، فقام الناس معه، فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر قبل التسليم، فسجد سجدتين وهو جالس، ثم سلم ) ( ) . ومن نسى واجباً من واجبات الصلاة كالتشهد الأول فإنه لا يخلو من ثلاث حالات-أيضاً- :
    الحال الأولى: أن يذكر التشهد الأول بعد أن ينهض وقبل أن يستتم قائماً، فعليه أن يجلس ويتشهد، ثم يسجد للسهو في آخر صلاته قبل السلام .
    الحال الثانية: أن يذكر التشهد الأول بعد أن يستتم قائماً وقبل أن يشرع في القراءة، ففي هذه الحالة لا يرجع إلى جلوسه، ويلزمه سجود للسهو في آخر صلاته وقبل السلام .
    الحال الثالثة: أن يذكر التشهد الأول بعد أن شرع في قراءة الركعة التي قام إليها، وهنا يحرم عليه الرجوع والجلوس للتشهد الأول؛ بل يكمل صلاته ويسجد للسهو في آخر الصلاة وقبل السلام .
    ت-الشك في الصلاة . الشك غير المعتبر أو ما يسمى بالوهم؛ هذا لا عبرة به، وكذلك الشك بعد الفراغ من الصلاة، لا عبرة به ما لم يتيقن المصلي أنه زاد أو نقص في صلاته .
    والشك في الصلاة قد يكون بترجيح، وقد يكون بلا ترجيح. فإذا شك مصل في صلاته هل صلى اثنتين أو ثلاثاً، وكان غالب ظنه أنه صلى ثلاثاً، فإنه يبني على غالب ظنه وتحريه، فيجعلها ثلاثاً، وفي آخر صلاته يسلم ثم يسجد للسهو ويسلم . يدل عليه حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فلم سلم قيل له: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟ قال : وما ذاك؟ قالوا: صليت كذا وكذا. فثنى رجليه، واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلم. فلما أقبل علينا بوجهه قال: (( إنه لو حدث في الصلاة شيء لنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين )) ( ) .
    ومن شك في صلاته ولم يترجح عنده شيء؛ فإنه يبني على اليقين؛ وهو الأقل ثم يسجد للسهو قبل السلام، ثم يسلم . وفيه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ؟ ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن . ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماماً لأربع، كانتا ترغيماً للشيطان ) ( ) .
    والخلاصة : أن سجود السهو يكون إما لنقص في الصلاة، أو للزيادة فيها، أو للشك فيها . فمن أنقص من صلاته شيئاً سجد قبل السلام، ومن زاد في صلاته شيئاً سجد بعد السلام، ومن شك في صلاته مع تحري وترجيح، فيسجد بعد السلام، ومن شك في صلاته ولم يترجح عنده شيء فإنه يبني على اليقين وهو الأقل وليسجد قبل السلام. وغالب مسائل سجود السهو تدور حول هذه الأحوال الأربعة – والله أعلم -.
    ث-صفة سجود السهو . سجود السهو قبل السلام أو بعده لا يختلفان، فهما سجدتان يكبر لها في السجود وعند الرفع منهما، وذلك في آخر الصلاة بعد التشهد وقبل السلام، وإن كان محل سجود السهو بعد السلام فإن المصلي يسلم ثم يسجد سجدتي السهو ثم يسلم، سلاماً آخر يختم بها صلاته. ففي إحدى روايات حديث ذو اليدين قال : ( ... فصلى ركعتين ثم سلم، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر، ثم وضع رأسه فكبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر ) ( ) .
    مسألة : هل يتشهد المصلي مرة أخرى، بعد سجدتي السهو ؟
    الجواب: إذا كان محل سجود السهو قبل السلام فلا يشرع التشهد مرة أخرى، وإن كان محل سجود السهو بعد السلام؛ ففيه خلاف لآثار وردت عند أبي داود والترمذي والحاكم من طريق أشعث عن محمد بن سيرين... من حديث عمران بن حصين : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها، فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم . قال ابن حجر: وضعفه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما ووهموا رواية أشعث لمخالفته غيره من الحفاظ عن ابن سيرين، فإن المحفوظ عن ابن سيرين في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد ... قال الحافظ: فصارت زيادة أشعث شاذة، ولهذا قال ابن المنذر: لا أحسب التشهد في سجود السهو يثبت ... وقال- أي: ابن حجر : وقد ورد في التشهد في سجود السهو عن ابن مسعود عند أبي داود والنسائي، وعن المغيرة عند البيهقي وفي إسنادهما ضعف... ( ) . والراجح في هذه المسألة: عدم مشروعية التشهد بعد سجدتي السهو لا قبل السلام ولا بعده ( ) .
    مسألة 2 : مصل نسي التشهد الأول، وفي آخر صلاته نسي أن يسجد للسهو فما ذا يلزمه ؟
    الجواب: إن طال الفصل كأن خرج المصلي من المسجد أو تذكر في بيته، فإنه يسقط عنه سجود السهو، وإن كان الفصل قصيراًً سجد للسهو ثم سلم . ولا يقال مثل ذلك لمن ترك ركناً من أركان الصلاة، فإن الركن لا بد أن يؤتى به ( ) .
    مسألة 3 : إذا قام مسبوق لإكمال صلاته، وعند قيامه سجد إمامه للسهو الذي محله بعد الصلاة، فماذا يلزم المسبوق، هل يرجع ويسجد مع إمامه أم ماذا يفعل ؟
    الجواب: إذا قام المأموم لإتمام ما فاته من صلاته مع إمامه، فقد انفصل عن صلاة إمامه ولا يرجع، ويبقى عليه سجود للسهو يأتي به في آخر صلاته . أما إذا تمكن المأموم من السجود مع الإمام قبل أن يقوم فعليه متابعة الإمام ( ) .
    ج- ما يقوله المصلي في سجود السهو . يقول في سجدتي السهو وسجود التلاوة ما يقوله في سجود الصلاة، ومن ذلك قول ( سبحان ربي الأعلى) يكررها ثلاثاً أو أكثر والواجب مرة، ويستحب أن يقول فيهما ( اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت، اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ) ويشرع له أيضاً أن يقول: ( سبوح قدوس رب الملائكة والروح) ويدعو فيهما أيضاً بما أحب من الدعوات الطيبة كما يدعو في سجود الصلاة ( ) .

    26- انصراف الإمام من الصلاة ومكثه في مصلاه بعد الفراغ منها . الانصراف من الصلاة يكون بعد السلام منها، وبعد أن يقول الإمام الذكر الوارد عنه صلى الله عليه وسلم : استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله . اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم يلتفت ويقبل بوجهه نحو المصلين . وما يفعله بعض الناس عندما يؤم بالمصلين ثم ينصرف من صلاته ويجعل جنبه الأيمن للمأمومين فهذا خطأ ومخالف للسنة. فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه ) ( ) .
    أما انصرافه صلى الله عليه وسلم من صلاته فقد جاءت متنوعة، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ابن مسعود –رضي الله عنه- أنه كان -صلى الله عليه وسلم- ينصرف عن يساره : فعن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه قال: ( لا يجعل أحدكم للشيطان شيئاً من صلاته يرى أن حقاً عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ينصرف عن يساره ) ( ) . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه انصرف عن يمينه، فعن السدي قال سألت أنسا كيف أنصرف إذا صليت عن يميني أو عن يساري؟ قال: ( أما أنا فأكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه ) ( ) .
    والجمع بين الحديثين أن يقال: إن كلاً من الصاحبين حدث بما رأى ، فابن مسعود حدث بما رآه، وأنس حدث بما رآه، وصدقا –رضي الله عنهما-، فيكون للإمام العمل بهذا وهذا وكله سنة .
    أما مكث الإمام في مصلاه فليس له حدٌ يصار إليه، إلا أن يكون بالمسجد نساء يصلين خلف الإمام، فيستحب للإمام أن يمكث قدراً يسيراً حتى ينصرف النساء إلى بيوتهن لئلا يختلط الرجال بالنساء . فعن أم سلمة رضي الله عنها ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم يمكث في مكانه يسيراً ) قال ابن شهاب: فنرى- والله أعلم – لكي ينفذ من ينصرف من النساء ( ) . وقالت أم سلمة : ( كان – أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم- يسلم فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم) ( ) .
    تنبيه : إطالة قعود الإمام بعد السلام مستقبل القبلة أكثر من الاستغفار ثلاثاً ، وقول : اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام . فيه محاذير وهي :
    أولاً: أنه خلاف السنة .
    ثانياً: حبس الناس؛ لأن المأمومين منهيون أن ينصرفوا قبل انصراف الإمام، فإذا بقي مستقبل القبلة كثيراً حبس الناس.
    ثالثاً: أنه قد يظن من خلفه أنه يتذكر شيئاً نسيه في الصلاة، فيرتبك المأموم في هذا ( ) .
    مسألة: هل يشرع للإمام أن يتطوع في مكانه الذي صلى فيه الفريضة ؟
    الجواب: قال البخاري : ويُذكر عن أبي هريرة رفعه : لا يتطوع الإمام في مكانه . [قال البخاري:] ولم يصح . قال الحافظ وذلك لضعف إسناده واضطرابه . ( ). ونص أحمد على كراهية تطوع الإمام في مكانه بعد المكتوبة، وقال : كذا قال علي بن أبي طالب ( ) . والعلة في كراهية تطوع الإمام في مكانه بعد المكتوبة، هو خشية التباس الأمر على الناس، فقد يُظن أن الإمام سهى في صلاته وقام ليأتي بما سهى فيه، فيلتبس الأمر عليهم .

    27- إذا علم الإمام-بعد انقضاء صلاته- أن عليه نجاسة أو به حدث فماذا يفعل؟. إذا صلى الإمام أو غيره وعلى بدنه أو ثوبه أو نعله نجاسة، ولم يعلم بها إلا بعد انقضاء الصلاة، فإن الراجح، بل الصحيح من قولي العلماء أن صلاته صحيحة ولا إعادة عليه، والمعول عليه في هذا الباب حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه، إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال : ( ما حملكم على إلقاء نعالكم ؟ ) قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً ) وقال: ( إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر: فإن رأى في نعليه قذراً، أو أذى فليمسحه وليصل فيهما ) ( ) . وأخذ هذا الحكم من فعله عليه الصلاة والسلام، حيث أمضى جزءً من صلاته ونعلاه حاملة للأذى، فلما أُخبر،خلع نعليه، وأكمل صلاته، ولم يعد ذلك الجزء الذي مضى حال التلبس بالأذى .
    أما إن صلى الإمام بجماعة، وهو محدث؛ الحدث الأصغر أو الأكبر، ولم يعلم هو ولا المأمومون بذلك حتى انقضت الصلاة، فصلاة من خلفه صحيحة، وعلى الإمام إعادة الصلاة، وذهب بعض أهل العلم إلى أن الإمام والمأمومون يعيدون الصلاة كلهم، والصحيح وجوب إعادة الصلاة على الإمام وحده. قال ابن قدامة ينصر هذا القول : ... ولنا، إجماع الصحابة رضي الله عنهم، روي أن عمر رضي الله عنه صلى بالناس الصبح ثم خرج إلى الجرف، فأهراق الماء، فوجد في ثوبه احتلاماً، فأعاد ولم يعد الناس، وعن محمد بن عمرو بن المصطفى الخزاعي، أن عثمان بن عفان-رضي الله عنه- صلى بالناس صلاة الفجر، فلما أصبح وارتفع النهار فإذا هو بأثر جنابة، فقال: كَبُرت والله، كَبُرت والله، فأعاد الصلاة ولم يأمرهم أن يعيدوا. وعن علي أنه قال: إذا صلى الجنب بالقوم فأتم بهم الصلاة آمره أن يغتسل ويعيد، ولا آمرهم أن يعيدوا. وعن ابن عمر أنه صلى بهم الغداة، ثم ذكر أنه صلى بغير وضوء، فأعاد ولم يعيدوا، رواه كله الأثرم. وهذا في محل الشهرة ولم ينقل خلافه، فكان إجماعاً..( ).

    28- الصلاة التي خرج وقتها، يشرع لها الجماعة . وهذه المسألة مفترضة في أناس عرض لهم أمر منعهم من إقامة الصلاة في وقتها حتى خرج ودخل وقت الصلاة الأخرى، أو طائفة ضُرب عليهم النوم فخرج وقت الصلاة الحاضرة . وكلُ ذلك وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فالأولى قصة غزوة الخندق؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش قال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغيب. قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( والله ما صليتها ) . فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب ( ) . قال الحافظ بن حجر : وقد وقع في رواية الإسماعيلي ما يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم أخرجه من طريق يزيد بن زريع عن هشام بلفظ : ( فصلى بنا العصر ) ( ) . والثانية : حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال : سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلةً، فقال بعض القوم: لو عرَّست ( ) بنا يا رسول الله. قال : ( أخاف أن تناموا عن الصلاة ) فقال بلالٌ: أنا أوقظكم. فاضطجعوا،وأسند بلالٌ ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام. فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس، فقال: ( يا بلال أين ما قلت؟ ) قال: ما أُلقيت على نومةٌ مثلها قط. قال: ( إن الله قبض أرواحكم حين شاء، وردها عليكم حين شاء. يا بلال قم فأذن بالناس بالصلاة) . فتوضأ، فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى. وعند أحمد : ثم أمرهم فانتشروا لحاجتهم ، وتوضأ فارتفعت الشمس فصلى بهم الفجر ( ).

    29- تجمل الإمام للجمعة . يستحب للإمام أن يتجمل، ويلبس أحسن ما يجد، فالجمعة عيد الأسبوع . ومما ورد في استحباب تجمل الإمام يوم الجمعة ولبس أحسن ما يجد، حديث ابن عمر رضي الله عنه قال : إن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء عند باب المسجد، فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة ) ... الحديث ( ) . وفي الحديث إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب أن الجمعة يستحب التجمل لها، وإنما أنكر على عمر لبس هذا النوع من الألبسة، فالحلة السيراء، هي الحرير، والشرع حرمها على الرجال .

    30- وقت الجمعة . الآثار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن صحابته من بعده، جلها يشير إلى أنهم كانوا يواظبون على صلاة الجمعة إذا زالت الشمس؛ ومن ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس ) ( ) . وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء ( ) .
    قال ابن حجر: روى ابن أبي شيبة من طريق سويد بن غفلة أنه صلى مع أبي بكر وعمر حين زالت الشمس، إسناده قوي، وفي الموطأ عن مالك بن أبي عامر قال: كنت أرى طنفسة لعقيل بن أبي طالب تطرح يوم الجمعة إلى جدار المسجد الغربي، فإذا غشيها ظل الجدار خرج عمر، إسناده صحيح . وهو ظاهر في أن عمر كان يخرج بعد زوال الشمس ( ) .

    31- سلام الإمام على المأمومين إذا صعد المنبر واستقبل الناس والجلوس بعده. يسن للإمام إذا دخل المسجد وصعد المنبر واستقبل الناس أن يسلم عليهم ثم يجلس، جاء ذلك مصرحاً به في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صعد المنبر سلم ( ) . وكان ابن الزبير إذا علا المنبر سلم، وفعله عمر بن عبد العزيز، وبه قال الأوزاعي والشافعي ( ) . فإذا سلم الإمام على المأمومين جلس، فإذا شرع المؤذن في الأذان استحب له متابعة المؤذن . فعن سهل بن حنيف قال : سمعت معاوية بن أبي سفيان وهو جالس على المنبر أذان المؤذن قال: الله أكبر الله أكبر، قال معاوية: الله أكبر الله أكبر. قال : أشهد أن لا إله إلا الله، فقال معاوية: وأنا . قال: أشهد أن محمداً رسول الله، فقال معاوية: وأنا . فلما أن قضى التأذين، قال: أيها الناس، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المجلس –حين أذن المؤذن- يقول ما سمعتم مني من مقالتي ( ) .

    32- الخطبة من قيام . المشروع في حق الإمام أن تكون خطبته من قيام، وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وفعل الخلفاء الراشدين، ولم يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه أنهم خطبوا الجمعة وهم جلوس، فدل على أن الواجب في خطبة الجمعة أن تكون من قيام.
    فعن ابن عمر رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الجمعة قائماً، ثم يجلسن ثم يقوم ، كما تفعلون اليوم ( ) . وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائماً. فمن نبأك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب . فقد، والله ! صليت معه أكثر من ألفي صلاة ( ) . وعن أبي عبيدة عن كعب بن عجرة؛ قال:دخل المسجد وعبد الرحمن بن أم الحكم يخطب قاعداً . فقال: انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعداً. وقال الله تعالى : { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً } ( ) . قال ابن قدامة: فأما إن قعد لعذر، من مرض، أو عجز عن القيام، فلا بأس، فإن الصلاة تصح من القاعد العاجز عن القيام ( ) .
    فائدة : يُسن للخطيب أن يتجه تلقاء وجهه، فلا يتجه لليمين أو لليسار، بل يكون أمام الناس؛ لأنه إن اتجه إلى اليمين أضر بأهل اليسار، وإن اتجه إلى اليسار أضر بأهل اليمين، وإن اتجه تلقاء وجهه لم يضر بأحد، والناس هم الذين يستقبلونه مع الإمكان ( ) .

    33- الجلوس بين الخطبتين . يسن للإمام أن يجلس بين الخطبتين، جلسة خفيفة لتتميز الخطبة الأولى عن الثانية، ولم يوجبها بعض أهل العلم، لورود آثار عن بعض الصحابة كعلي بن أبي طالب والمغيرة بن شعبة وأبي بن كعب أنهم خطبوا الجمعة ولم يجلسوا بين الخطبتين . والأكمل والموافق لحال النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس الإمام بين الخطبتين جلسة خفيفة ليستريح فيها . وفي الجلوس بين الخطبتين إشارة إلى إيجاب القيام للخطيب .

    34- قصر الخطبة من السنة . يستحب في حق الإمام يوم الجمعة أن يقصر خطبته ويطيل صلاته، لأمره صلى الله عليه وسلم وفعله . فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت صلاته قصداً، وخطبته قصداً ( ) . وعن عمار بن ياسر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته، مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة، وإن من البيان لسحراً ) ( ) . وعن جابر بن سمرة السوائي، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يطيل الموعظة يوم الجمعة، إنما هن كلمات يسيرات ( ) .
    وجعل النبي صلى الله عليه وسلم قصر الخطبة علامة على فقه الإمام، فإن الإقلال من الكلام أوعى لحفظ الخطبة والإحاطة بمضمونها، وعدم السآمة والملل . وإن أطيلت الخطبة أحياناً لأمور اقتضت ذلك فإنه لا يخرج الإمام من كونه فقيهاً .
    ويذهب بعض الخطباء إلى إطالة الخطبة دائماً ، محتجين أن الزمن والوقت اليوم ينبغي فيه التفصيل الذي يستلزم التطويل . وأقول: إن حال الناس اليوم أقل صبراً وأشد تذمراً من ذي قبل. ولو اعتنى ذلك الإمام بجمع كلمات موجزة، ونافعة، مدعمة بالدليل من الكتاب والسنة، وأقوال السلف؛ لكان في ذلك خيرٌ كثيرٌ، والخير كل الخير في اتباع الهدي النبوي؛ صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
    مسألة : هل يصح أن يخطب الإمام يوم الجمعة، بمواضيع تجاه الحياة ؟
    الجواب: للخطيب أن يبين في خطبة الجمعة وفي دروسه ومحاضراته ما تحتاجه الأمة من المعارف والعلوم النافعة، وأن يعالج أمراض الشعب، ويحل مشاكلهم قدر استطاعته، بالحكمة والموعظة الحسنة، سواء سمي ذلك سياسية أو خطبة جمعة أوتعليماً أو إرشاداً، وما كان يترتب عليه من كلامه فتنة أو مفسدة راجحة على ما يقصد من المصلحة أو مساوية لها ترك الحديث فيه إيثاراً للمصلحة الراجحة، أو حذراً من وقوع ما لا تحمد عقباه ( ) .
    تنبيه : ليحذر الإمام من إيراد الإسرائيليات التي لا أصل لها، أو الأحاديث الضعيفة مع عدم التنبيه إلى ضعفها، وفي القرآن والأحاديث الصحيحة من المواعظ والذكر والعلم النافع غنية عن الإسرائيليات والأحاديث الضعيفة –ولله الحمد- .

    35- كلام الإمام للرجل وقت الخطبة . من الثابت في الشرع أن الناس مأمورون بالإنصات ومحرم عليهم الكلام حال الخطبة، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة : أنصت – والإمام يخطب- فقد لغوت ) ( ) . ومعنى لغا: أي حُرم فضيلة يوم الجمعة، أو أجر يوم الجمعة ( ) . أما الإمام فيجوز له مكالمة آحاد الناس لمصلحة معينة . ودليل ذلك حديث جابر رضي الله عنه قال : دخل رجلٌ يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: ( أصليت ؟ ) قال : لا . قال : ( فصل ركعتين ) ( ) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أن عمر بن الخطاب بينما هو قائم في الخطبة يوم الجمعة إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فناداه عمر : أيةُ ساعة هذه ؟ قال : إني شُغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين، فلم أزد على أن توضأت. فقال: والوضوء أيضاً؟ وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل ( ) . والحديث والأثر فيهما أن كلام الإمام كان لمصلحة متحققة، فجاز كلام الإمام للرجل يوم الجمعة، و لا ينقص ذلك من أجر جمعته، لأنه مأذون فيه .
    فوائد : الأولى: إذا عطس المأموم والإمام يخطب فإنه يحمد الله سراً، ولا يجوز لمن سمعه أن يشمته، وإذا عطس الإمام وحمد الله وجب على من سمعه أن يشمته . الثانية: إذا صلى الإمام على النبي صلى الله عليه وسلم فإن المأموم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه، وكذلك إذا ذُكرت الجنة فسألها المأموم، أو ذكرت النار فاستعاذ منها المأموم، فإنه يذكر ذلك كله في نفسه . الثالثة: إذا سلم الداخل إلى المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب فإنه لا يرد عليه السلام، ويجوز الرد بالإشارة . ومن سلم عليك في الخطبة الأولى فإنك ترد عليه في جلسة الإمام بين الخطبتين، وإذا سلم عليك في الخطبة الثانية فإنك ترد عليه بعد الانتهاء من الخطبة الثانية . ومن صافحك وأنت تستمع للخطيب يوم الجمعة، فإنك تصافحه بيدك ولا تتكلم ( ) .

    36-دعاء الإمام في الخطبة . يستحب للإمام أن يدعو في خطبة الجمعة، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه دعا للمؤمنين والمؤمنات . فيدعو الإمام للمؤمنين والمؤمنات، ويسأل الله صلاح أحوال المسلمين، ويدعو لحكام المسلمين بالصلاح والتوفيق والهداية، وإن خص الإمام سلطان بلدهم بالدعاء بالتوفيق والصلاح والهداية جاز ذلك . لأن في صلاح إمام المسلمين صلاح للعباد والبلاد . وكذلك يشرع تأمين المأمومين على ذلك الدعاء ( ) .

    37- هل تجوز إمامة غير من أدى الجمعة ؟. كانت السنة المشهورة عنه صلى الله عليه وسلم في الجمعة، الخطبة بالناس والصلاة بهم، ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم غير ذلك، وعليه فعل الخلفاء الراشدين كانوا يتولون الخطبة والصلاة، ولم يعهد عنهم الإخلال به. وأمرنا أن نصلي كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ). ولكن لو خطب رجل ثم نابه شيء من حدث أو مرض ونحو ذلك، ثم صلى بهم آخر، جاز ذلك وصلاتهم صحيحة . وإن كان بغير عذر صحت صلاتهم، وكان فعلهم خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم ( ) . قال ابن قدامة: والسنة أن يتولى الصلاة من يتولى الخطبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتولاهما بنفسه، وكذلك خلفاؤه من بعده، وإن خطب رجلٌ وصلى آخر لعذر جاز. نص عليه أحمد. ولو خطب أمير فعُزل وولي غيره، فصلى بهم، فصلاتهم تامة. نص عليه؛ لأنه إذا جاز الاستخلاف في الصلاة الواحدة للعذر، ففي الخطبة مع الصلاة أولى. وإن لم يكن عذرٌ، فقال أحمد، رحمه الله: لا يعجبني من غير عذر... ( ) .

    38- القراءة في صلاة الجمعة . كانت سنته صلى الله عليه وسلم في صلاة الجمعة أن يقرأ في الركعة الأولى بـ ( سبح اسم ربك الأعلى) ، وفي الركعة الثانية بـ ( هل أتاك حديث الغاشية ) . وقد يقرأ في الركعة الأولى بسورة الجمعة وفي الركعة الثانية بسورة (المنافقون) .
    فعن النعمان بن بشير-رضي الله عنه- قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية . قال : وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضاً في الصلاتين ) ( ) .
    وعن ابن أبي رافع قال: ( استخلف مروان أبا هريرة-رضي الله عنه- على المدينة وخرج إلى مكة، فصلى لنا أبو هريرة الجمعة، فقرأ بعد سورة الجمعة في الركعة الآخرة إذا جاءك المنافقون. قال: فأدركت أبا هريرة-رضي الله عنه- حين انصرف. فقلت له: إنك قرأت بسورتين كان علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- يقرأ بهما بالكوفة. فقال: أبو هريرة-رضي الله عنه- إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما يوم الجمعة ) ( ) . ويجوز أن يقرأ الإمام في صلاة الجمعة بغير ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم .
    مسألة : هل يشرع تلاوة آيات أو سورة تتناسب مع موضوع الخطبة ؟
    الجواب: رتب النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة صلاة الجمعة ثلاث سنن:قراءة سورتي الجمعة والمنافقون، أو سورتي الجمعة والغاشية، أو سبح والغاشية . وقد فشى في عصرنا العدول من بعضهم عن هذا المشروع إلى ما يراه الإمام من آيات، أو سور القرآن الكريم، متناسباً مع موضوع الخطبة. وهذا التحري لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف عن سلف الأمة، فالتزام ذلك بدعة، وهكذا قصد العدول عن المشروع إلى سواه على سبيل التسنن، فيه استدراك على الشرع، وهجر للمشروع، واستحباب ذلك، وإيهام العامة به، والله أعلم ( ) .

    39-الاستسقاء في خطبة الجمعة . الاستسقاء هو طلب السقيا من الله عند حصول الجدب وقلة الأمطار . ومما يشرع في خطبة الجمعة، أن يدعى الله جل في علاه، أن يكشف ما أصاب المسلمين من جدب وقحط، فيرفع الإمام يديه في الخطبة ويدعو بدعاء السقيا . فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : أن رجلاً دخل المسجد يوم جمعة من باب كان نحو باب دار القضاء- ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب- فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا. فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال : ( اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا ) قال أنس : ولا والله ما نرى في السماء سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار. قال فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت، ثم أمطرت، فلا والله ما رأينا الشمس ستاً، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة – ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب- فاستقبله قائماً فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله أن يمسكها عنا . قال فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: ( اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر) قال : فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس ) ( ) . والحديث فيه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ربه بالغوث في خطبة الجمعة، وفيه دعاء الإمام يوم الجمعة بالاستصحاء إذا كثر المطر وأتلف الزروع والأموال . وفي الحديث أدب النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه؛ فإنه- صلى الله عليه وسلم – لم يدعو ربه بأن تمسك السماء مائها كما طلب الأعرابي، بل دعا ربه أن يصرف ذلك المطر إلى مواقع ينتفع بها الناس والدواب .
    فائدة : إذا رفع الإمام يديه يدعو بالسقيا في خطبة الجمعة، فإنه يستحب للمأمومين أن يرفعوا أيديهم ويؤمنون على دعاء الإمام . يدل عليه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في بعض طرقه قال : ... فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه يدعو، ورفع الناس أيديهم معه يدعون . قال: فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا ... الحديث ( ) .

    40- هل يشرع الوعظ والتذكير بعد صلاة الجمعة أو يمنع منه . قال الشيخ محمد بن إبراهيم-رحمه الله-: وإما المنع من الموعظة والتذكير بعد صلاة الجمعة فلا أعلم له أصلاً؛ بل قد روي عن جماعة من الأئمة كالشيخ تقي الدين أنه كان يقرأ الحديث بعد صلاة الجمعة، وكذلك يذكر الشيخ عبد الغني بن سرور صاحب العمدة وغيرهم، قال الإمام أحمد: إذا كانوا يقرءون الكتاب يوم الجمعة على الناس بعد الصلاة أعجب إلي أن يسمع إذا كان فتحاً من فتوح المسلمين، أو كان فيه شيء من أمور المسلمين، وإن كان إنما فيه ذكرهم فلا يسمع . أما قبل صلاة الجمعة فقد صرح العلماء بكراهة التحلق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة . رواه أحمد وأبو داود .اهـ ( ) . وقالت اللجنة الدائمة- في أحد أجوبتها- : لا نعلم دليلاً يصح على منع الموعظة بعد الصلاة، ومعلوم أن الدواعي لإلقاء الموعظة تختلف بأحوال من يلقيها، وحاجة الناس إليها، وأحوال الأئمة الذين يقومون بإلقاء الخطب، وأما الآية التي ذكرتها -[ وهي قوله تعالى : { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } ]- فلا تتعارض مع إلقاء الموعظة، فمن أراد الجلوس للاستماع أو أراد الخروج- فالأمر في ذلك واسع .اهـ ( ) .

    41- إذا وافق العيد يوم جمعة . من صلى العيد وكان يوم جمعة فإنه لا يلزمه شهود الجمعة؛ فإن لم يشهد الجمعة صلاها ظهراً . فعن أبي رملة الشامي قال : شهدت مع معاوية ابن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم قال: أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين، اجتمعا في يوم ؟ قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال : صلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال: ( من شاء أن يصلي فليصل ) ( ) . أما الإمام فإن شهوده لصلاة العيد لا يسقط عنه شهود الجمعة وإقامتها لمن حضر ممن صلى العيد، أو لمن لم يصل العيد، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( قد اجتمع في يومكم هذا عيدان: فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون ) ( ) . فقوله : ( وإنا مجمعون) دليل على وجوبها على الإمام .

    42- إمامة المسافر للمقيم وإمامة المقيم للمسافر. إذا أم المسافر مقيمين، صلى بهم ركعتين، واستحب له أن يقول بعد أن يسلم من صلاته أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر : فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه : ( أن عمر بن الخطاب كان إذا قدم مكة صلى بهم ركعتين، ثم يقول: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قومٌ سفر ) ( ) .
    وإذا أم المقيم مسافرين، أتم صلاته ولزم من خلفه الإتمام، أو أتم الإمام المسافر صلاته، لزم من خلفه الإتمام -ولو كان مسافرا-ً، لأمره صلى الله عليه وسلم بمتابعة الإمام، ولأن الصحابة أتموا خلف عثمان بن عفان بمنى وهم مسافرون ( ) . ولما رواه مسلم من حديث موسى بن سلمة الهذلي قال: سألت ابن عباس: كيف أصلي إذا كنت بمكة، إذا لم أصل مع الإمام، فقال: ركعتين. سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم ( ) . وفي قوله: إذا لم أصل مع الإمام . دليلٌ على أنه مستقر عندهم أن المسافر إذا صلى خلف الإمام فإنه يتم صلاته .
    43- تجمل الإمام للعيد . وفيه حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق فأخذها، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ابتع هذه، تجمل بها للعيد والوفود، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما هذه لباس من لا خلاق له) ...الحديث ( ) . والإنكار من النبي صلى الله عليه وسلم وقع على نوع اللباس وهو الحرير، ولم يقع على مشروعية التجمل للعيد ( ) .

    44- استحباب تقديم صلاة عيد الأضحى، وتأخير صلاة عيد الفطر . أما تقديم صلاة عيد الأضحى ليتسع للناس وقت ذبح ضحاياهم، وأما تأخير صلاة عيد الفطر ليتسنى للناس وقت لإخراج صدقة الفطر؛ فإن وقتها الفاضل ما بين صلاة الفجر إلى صلاة العيد ( ) .

    45- صلاة العيد قبل الخطبة . وفيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلى قبل الخطبة... الحديث ( ). وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، بغير أذان ولا إقامة ... الحديث ( ) . وعلى ذلك فعل الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر وعمر، كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة ( ) . فهذه سنته صلى الله عليه وسلم، وسنة الخلفاء الراشدين من بعده .

    46- صفة صلاة العيدين . السنة في صلاة العيد، ركعتان، يكبر الإمام في الركعة الأولى سبع تكبيرات أحدها تكبيرة الإحرام، وفي الركعة الثانية خمس تكبيرات غير تكبيرة القيام . يرفع يديه مع كل تكبيرة قائلاً : ( الله أكبر )، ثم يستفتح الإمام صلاته ويقرأ الفاتحة وسورة، وفي الركعة الثانية كذلك . فعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر والأضحى: في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمساً ( ) . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : ( التكبير في الفطر سبع في الأولى، وخمسٌ في الآخرة، والقراءة بعدهما كلتيهما ) ( ) .
    مسألة: هل يشرع للإمام والمأموم ذكرٌ يقولون إثر تكبيرات العيدين ؟
    الجواب: يشرع في صلاة العيدين أن يكبر الإمام في الركعة الأولى سبع تكبيرات، الأولى يفتتح بها الصلاة، ويكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات غير تكبيرة القيام، ويرفع يديه مع كل تكبيرة، ويشرع له أن يحمد الله ويسبحه ويكبره ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بين كل تكبيرتين ( ) . قال عقبة بن عامر : سألت ابن مسعود عما يقوله بعد تكبيرات العيد؛ قال : يحمد الله ، ويثني عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ( ) .
    فائدة : [لو] شك [الإمام] في عدد التكبيرات؛ بنى على اليقين، وهو الأقل . وإن نسي التكبير الزائد حتى شرع في القراءة سقط؛ لأنه سنة فات محلها ( ) .

    47- القراءة في صلاة العيد . كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى العيدين قرأ في الأولى بسورة (الأعلى) وفي الركعة الثانية بسورة ( الغاشية ) . وقد يقرأ في الركعة الأولى بسورة (ق) والقرآن المجيد، وفي الركعة الثانية بسورة ( القمر ) .
    فأما الأولى: فقد رواها النعمان بن بشير-رضي الله عنه- قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية. قال: وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضا في الصلاتين ) ( ) .
    وأما الثانية: فعن عبيد الله بن عبد الله أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي ( ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر ؟ فقال: كان يقرأ فيهما بق والقرآن المجيد واقتربت الساعة وانشق القمر ) ( ) . ولو قرأ الإمام بغير ما سبق من السور جاز؛لكن الاقتصار على السنة أولى .

    48- خطبة العيد . الخطبة بعد صلاة العيد من السنن المشهورة الثابته عنه صلى الله عليه وسلم، لقول ابن عباس رضي الله عنهما : شهدت الفطر مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم يصلونها بعد الخطبة، ثم يخطب بعد ... الحديث ( ) . وتفتتح خطبة العيد، كما تفتتح سائر الخطب بالحمد لله . قال الشيخ محمد بن إبراهيم –رحمه الله- : خطبة العيدين تفتتح بالحمد، لما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح خطبه بالحمد لله، وهذا هو اختيار الشيخ وتلميذه ( ) ، وهو الراجح في الدليل . ويقول ابن القيم : إن التكبير – يعني جنسه- في أثناء الخطبة، أما كونها تبتدي بذلك فلا بل تبتدي بالحمد كسائر الخطب ( ) .
    تتمة : يستحب تخصيص النساء بموعظة يوم العيد، لفعله صلى الله عليه وسلم، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر فصلى، فبدأ بالصلاة ثم خطبنا فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن وهو يتوكأ على يد بلال، وبلالٌ باسطٌ ثوبه يُلقي فيه النساء الصدقة . قلت لعطاء: زكاة يوم الفطر؟ قال : لا ، ولكن صدقة يتصدقن حينئذ: تُلقي فتخها ويلقين . قلت : أترى حقاً على الإمام ذلك ويذكرهن؟ قال: إنه لحق عليهم، وما لهم لا يفعلونه ؟ ( ) . قلت : ولقد يسر الله لنا مكبرات الصوت التي تبلغ صوت الإمام إلى النساء بكل يسر وسهولة، فما على الإمام سوى تخصيص شيء من الخطبة يعظ بها النساء ويذكرهن بالله، وبالإحسان إلى العشير، وبالصدقة، وغير ذلك من أوجه الخير .

    49- صفة صلاة الاستسقاء . هي كصلاة العيد، ركعتان: يكبر في الأولى سبعاً أحدها تكبيرة الإحرام، ويكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات ليس منها تكبيرة القيام إلى الركعة . ولا يؤذن ولا يقام لها، وتفعل بعد وقت النهي إذا ارتفعت الشمس قدر رمح . ويجهر الإمام بالقراءة لحديث عباد بن تميم عن عمه قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي، فتوجه إلى القبلة يدعو، وحول رداءه، ثم صلى ركعتين، جهر فيهما بالقراءة ( ) .

    50- خطبة صلاة الاستسقاء . هي خطبة واحدة يخطبها الإمام إذا صلى بالناس الاستسقاء . وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه خطب قبل صلاة الاستسقاء، وثبت عنه أنه خطب بعد الصلاة ، ويوضح ذلك :
    أ – الخطبة بعد الصلاة :
    عن عباد بن تميم عن عمه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي، فصلى بهم ركعتين؛ جهر بالقراءة فيها، وحول رداءه، ورفع يديه، واستسقى ، واستقبل القبلة ) ( ). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( خرج نبي الله يستسقي فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا، ودعا الله عز وجل ) ( ) .
    ب- الخطبة قبل الصلاة :
    عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه، قالت عائشة : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدأ حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر صلى الله عليه وسلم وحمد الله عز وجل : ثم قال : (( إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم ، ... )) [قالت عائشة: ] ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين ... الحديث ) ( ) .
    فائدة: حفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبة الاستسقاء : ( إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم ) ثم قال: ( { الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين} لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين ) ( ) .
    تنبيه : على الإمام أن يراعي قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فإذا اعتاد الناس على إقامة خطبة الاستسقاء بعد الصلاة، فليفعل ما اعتادوا عليه، حتى لا يشوش عليهم فكثير من العوام يجهلون هذه السنة .

    51- رفع الإمام يديه في الاستسقاء . وفيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وإنه يرفع حتى يُرى بياض إبطيه ( ) . والمراد أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه بالدعاء في الخطبة، إلا إذا دعا يستسقي ربه، وكذلك الأئمة يفعلون .
    وكان صلى الله عليه وسلم يجتهد في رفع يديه، كما قال أنس : وإنه يرفع حتى يُرى بياض إبطيه. وكان من شدة رفعه صلى الله عليه وسلم ليديه عند الدعاء أن ظهور كفيه هي التي تلي جهة السماء، قال أنس –رضي الله عنه- : أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء ( ) .
    52- من دعائه صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء . كان من دعائه صلى الله عليه وسلم يوم الاستسقاء أن يقول : ( اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا ) ( ) . وكان عليه الصلاة والسلام يقول: ( اللهم اسقنا غيثاً مُغيثاً مريئاً مريعاً نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل) ( ) . وكان يقول صلى الله عليه وسلم في دعائه : ( اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت ) ( ) .
    فائدة : إذا كثر المطر، وأفسد الزروع والأموال، سُن للإمام أن يسأل الله تحويل المطر إلى الأودية ومنابت الشجر، لا أن يطلب من الله رفع المطر بالكلية، دليل ذلك أن الأعرابي لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحبس المطر عنهم، لم يجيبه إلى ما سأل بل دعا ربه صرفه إلى مواقع النفع . فقال صلى الله عليه وسيلم : ( اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر) ( ) .

    53- من السنة تحويل الرداء واستقبال القبلة عند الدعاء . وفيه حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال : ( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى، وحول رداءه حين استقبل القبلة ) ( ) . قال ابن قدامة : يستحب للخطيب استقبال القبلة في أثناء الخطبة لما روى عبد الله بن زيد –الحديث السابق-...قال : ويستحب أن يحول رداءه في حال استقبال القبلة؛ لأن في حديث عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يستسقي فحول إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة، ثم حول رداءه . متفق عليه...قال: وصفة تقليب الرداء: أن يجعل ما على اليمين على اليسار، وما على اليسار على اليمين ( ) . وقال النووي : وفيه-[ أي: حديث عبد الله بن زيد]- استحباب تحويل الرداء في أثنائها للاستسقاء ...قال: وذلك حين يستقبل القبلة، قالوا: والتحويل شرع تفاؤلاً بتغير الحال من القحط إلى نزول الغيث والخصب، ومن ضيق الحال إلى سعته ( ) .
    فائدة : يستحب لمن رزقهم الله غيثاً من السماء أن يقولوا: ( اللهم صيباً نافعاً ، أو يقولوا: مطرنا بفضل الله ورحمته ) .
    فالأول: حدثت به عائشة-رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى المطر: ( قال اللهم صيباً نافعاً ) ( ) .
    والثاني: حدث به زيد بن خالد الجهني-رضي الله عنه- أنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليلة، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: ( هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ ) قالوا: الله ورسوله أعلم. ( قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب )( ) .

    54- صفة صلاة الكسوف . كسوف الشمس، أو خسوف القمر: هو ذهاب ضوئهما أو بعضه. ويجوز أن يقال : خسوف الشمس، وكسوف القمر، والأول أشهر . والكسوف آية من آيات الله، يخوف الله بهما عباده كما جاء في الحديث ( ) . وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينادى لها : ( الصلاة جامعة) ( ) . وأن يُفزع إليها عند كسوف الشمس أو خسوف القمر . وصفة صلاة الكسوف تختلف في هيئتها عن باقي الصلوات؛ فهما ركعتان يُجهر فيهما بالقراءة ليلاً أو نهاراً، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته ... الحديث ( ) . فيكبر الإمام ويستفتح الصلاة ويستعيذ، ثم يقرأ قراءة طويلة ثم يركع ركوعاً طويلاً، ثم يرفع ويقول:سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة أقل من القراءة التي قبلها، ثم يركع ركوعاً طويلاً، ثم يرفع ، ثم يسجد سجوداً طويلاً ( ) ، ثم يقوم إلى الركعة الثانية ويفعل فيها كفعل الركعة الأولى إلا أن القراءة أقل من قراءته في الركعة الأولى. قالت عائشة رضي الله عنها : خسفت الشمس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، فخرج إلى المسجد، فصُف الناس وراءه، فكبر، فاقترأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً، ثم قال سمع الله لمن حمده فقام ولم يسجد، وقرأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر وركع ركوعاً طويلاً وهو أدنى من الركوع الأول، ثم قال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم سجد، ثم قال في الركعة الآخرة مثل ذلك فاستكمل أربع ركعات في أربع سجدات... الحديث ( ) . وعنها رضي الله عنها وعن أبيها قالت : كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بالناس فقام فحزرت قراءته فرأيت، أنه قرأ بسورة البقرة، -وساق الحديث-، ثم سجد سجدتين، ثم قام فأطال القراءة فحزرت قراءته فرأيت أنه قرأ بسورة آل عمران ( ) .
    مسألة : إذا شرع الإمام في صلاة الكسوف، ثم دخل وقت الفريضة، فماذا يفعل ؟
    الجواب: إن ضاق وقت الفريضة وجب عليه التخفيف، ليصليها في الوقت، وإن اتسع الوقت فيستمر في صلاة الكسوف ( ) .
    فائدة: تفعل صلاة الكسوف عند كسوف الشمس، ولو كان ذلك الوقت؛ وقت نهي، فإنها من ذوات الأسباب. والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالفزع إلى الصلاة عند الرؤية، ولم يفصل، والمقام؛ مقام تشريع . فعُلم أنها تُفعل في أي وقت وجد سببها، والله أعلم ( ) .
    تنبيه: لا يعتمد على الفلكيين اعتماداً كلياً في حصول الكسوف أو الخسوف، ولا ينبني عليه حكم، ولا يشرع إقامة الصلاة لقولهم . ولكن متى ما تحققت رؤية الكسوف أو الخسوف وشاهده الناس، شُرع لهم إقامة الصلاة . لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله ، فإذا رأيتموها فصلوا) ( ) . فعلق النبي صلى الله عليه وسلم إقامة صلاة الكسوف على الرؤية .

    55- إذا انجلت الآية وهم في الصلاة، أو قضيت الصلاة ولم تنجلي .
    إذا انجلى الكسوف أو الخسوف والناس في صلاتهم، فإن الإمام يتم الصلاة خفيفة، وذلك لأن السبب الذي من أجله شرعت صلاة الكسوف قد زال، والنبي صلى الله عليه وسلم قد جعل لصلاة الكسوف غاية؛ وهو زوال كسوف الشمس أو خسوف القمر . قال صلى الله عليه وسلم : ( وإنهما آيتان من آيات الله يريكموهما فإذا خسفا فصلوا حتى تنجلي ) ( ) .
    أما إذا قضيت الصلاة ولم ينجلي الكسوف أو الخسوف، فإن الصلاة لا تعاد، والأولى أن يشتغل الناس بالدعاء وذكر الله عز وجل، والصدقة . ويؤخذ هذا من قوله صلى الله عليه وسلم : ( ...فإذا رأيتموهما فكبروا، وادعوا الله، وصلوا، وتصدقوا...) الحديث ( ) . فالصلاة هنا قد فُعلت، فيبقى الدعاء والتكبير والصدقة .

    56- الخطبة بعد صلاة الكسوف . يسن للإمام أن يخطب بعد صلاة الكسوف، وقد جاءت السنة بذلك، ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ... ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تجلت الشمس، فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : ( إن الشمس والقمر من آيات الله، وإنهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فكبروا، وادعوا الله،وصلوا، وتصدقوا . يا أمة محمد ، إن من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمة محمد! والله! لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً، ألا هل بلغت ؟ ) ( ) . فيذكّر الإمام الناس -بعد الصلاة- ويخوفهم بالله، ويذكرهم ما حل بالأمم التي قبلهم من العذاب والنكال، ويأمرهم بالإكثار من الصلاة والصدقة والدعاء والذكر . قال ابن باز : ويكفي أن يفعل ذلك وهو في المصلى بعد الفراغ من الصلاة ( ) .

    57- مقام الإمام من الرجل والمرأة في صلاة الجنازة . السنة أن يقف الإمام في صلاة الجنازة عند رأس الرجل، وعند وسط المرأة . فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها، فقام عند وسطها ( ) . وعن أبي غالب قال: صليت مع أنس بن مالك على جنازة رجل، فقام حيال رأسه، ثم جاءوا بجنازة امرأة من قريش، فقالوا: يا أبا حمزة! صلِّ عليها، فقام حيال وسط السرير، فقال له العلاء بن زياد: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قام على الجنازة مقامك منها، ومن الرجل مقامك منها ؟ قال: نعم، فلما فرغ؛ قال: احفظوا ( ) .
    مسألة : هل يُصلى على السقط ؟
    الجواب: الصواب شرعية الصلاة عليه إذا سقط بعد نفخ الروح فيه وكان محكوماً بإسلامه لأنه ميت مسلم، فشرعت الصلاة عليه كسائر موتى المسلمين، ولما روى أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( والسقط يصلى عليه ويُدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة ) وإسناده حسن ( ) .
    مسألة2: إذا اجتمعت عدة جنائز رجال ونساء وأطفال ذكور فمن يقدم ؟
    الجواب: السنة إذا اجتمعت جنائز رجال ونساء وأطفال ذكور؛ أن يكون الرجال مما يلي الإمام، ثم الأطفال الذكور، ثم النساء . ويعضد هذا القول حديث عمار مولى الحارث بن نوفل، قال: إنه شهد جنازة أم كلثوم وابنها، فجعل الغلام مما يلي الإمام، فأنكرت ذلك، وفي القوم ابن عباس وأبو سعيد الخدري، وأبو قتادة، وأبو هريرة، فقالوا: هذه السنة ( ) . قوله : ( هذه السنة ) أي في وضع الجنائز فيوضع الرجال ثم النساء. وفيه دليل على أن الصبي إذا صلي عليه مع امرأة كان الصبي مما يلي الإمام والمرأة مما يلي القبلة، وكذلك إذا اجتمع رجل وامرأة أو أكثر من ذلك ( ) .
    فائدة: السنة أن يتقدم الإمام على المأمومين كما في الصلاة، وما يفعله كثير من الناس من الصف عن يمين الإمام لا أصل له بحال؛ لكن إنما يتسامح في هذا لأنهم قد لا يجدون مكاناً في الصفوف وليحملوه بسرعة، وإلا فليس هنا سنة أن يكون بعض أهله مع الإمام؛ بل الأمر المشروع في الجنائز كالأمر المشروع في الصلاة ( ) .

    58- صفة صلاة الجنازة . صلاة الجنازة تؤدى من قيام، فلا ركوع فيها ولا سجود، وهي أربع تكبيرات يرفع يديه مع كل تكبيرة، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على أصحمة النجاشي فكبر أربعاً ( ) . فيكبر التكبيرة الأولى ثم يستعيذ، ويبسمل، ويقرأ الفاتحة، فعن عبد الله بن عوف قال: صليت خلف ابن عباس رضي الله عنهما على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب. قال: لتعلموا أنها سنة ( ) . ولا يذكر دعاء الاستفتاح لعدم ورود شيء من ذلك في صلاة الجنازة، ولا يقرأ بعد الفاتحة بشيء . قال ابن قدامة: قال أبو داود: سمعت أحمد يُسأل عن الرجل يستفتح الصلاة على الجنازة بسبحانك اللهم وبحمدك؟ قال: ما سمعت .قال ابن المنذر: كان الثوري يستحب أن يستفتح في صلاة الجنازة، ولم نجده في كتب سائر أهل العلم، وقد روي عن أحمد مثل قول الثوري؛ لأن الاستعاذة فيها مشروعة، فسن فيها الاستفتاح، كسائر الصلوات. ولنا، أن صلاة الجنازة شرع فيها التخفيف، ولهذا لا يقرأ فيه بعد الفاتحة بشيء.. ( ).
    ثم يرفع يديه ويكبر التكبيرة الثانية، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم . ثم يرفع يديه ويكبر التكبيرة الثالثة: ويدعو لنفسه وللمسلمين وللميت، ولأموات المسلمين . ثم يرفع يديه ويكبر التكبيرة الرابعة، ويقف قليلاً، وبعض أهل العلم يقول: ليس بعد التكبيرة الرابعة دعاء ولا ذكر، وهي وقفة بسيطة ويسلم بعدها، وذهب بعضهم إلى أنه يستحب أن يدعو بعد التكبيرة الرابعة بما يتيسر له من الدعاء كقوله: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وغير ذلك . ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه ، قال ابن قدامة: السنة أن يُسلم على الجنازة تسليمة واحدة. قال أحمد-رحمه الله- التسليم على الجنازة تسليمة واحدة، عن ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،وليس فيه اختلاف إلا عن إبراهيم. وروى تسليمة واحدة عن علي، وابن عمر، وابن عباس،وجابر، وأبي هريرة، وأنس بن مالك،وابن أبي أوفى... اهـ ( ) .
    مسألة : هل يقتصر في تكبيرات صلاة الجنازة على أربع فقط ، أم يجوز الزيادة عليها ؟
    الجواب: ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كبر على الجنازة أربع تكبيرات كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ( نعى النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه النجاشي ثم تقدم فصفوا خلفه فكبر أربعا ) ( ). وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كبر على جنازة خمس تكبيرات لحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان زيد[بن أرقم]-رضي الله عنه- يكبر على جنائزنا أربعا وإنه كبر على جنازة خمسا فسألته فقال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها ) ( ) .
    قال ابن عثيمين: وله الزيادة [أي عن أربع تكبيرات] إلى خمس، وإلى ست، وإلى سبع، وإلى ثمان، وإلى تسع كل هذا ورد، لكن الثابت في صحيح مسلم إلى خمس، ولهذا ينبغي للأئمة أحياناً أن يكبروا على الجنازة خمس مرات إحياءً للسنة ( ).
    فائدة : قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا صليتم على الميت فاخلصوا له الدعاء ) ( ) . وهو من تمام الأخوة الإيمانية الدينية، أن يخلص في الدعاء للمسلم الميت، وتسأل له المغفرة والفوز بالجنة والنجاة من النار، وغير ذلك من الدعاء . وخير ما يتلفظ به المسلم في دعائه لأخيه هو ما أُثر عنه صلى الله عليه وسلم في هذا المقام؛ وقد حُفظ عنه صلى الله عليه وسلم أدعية قالها في هذا الموطن . فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم اغفر لحيِّنا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، وشاهدنا وغائبنا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان، ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده ) ( ) . ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم إن فلان بن فلان، في ذمتك، فقه فتنة القبر) وفي رواية: ( في ذمتك وحبا جوارك فقه من فتنة القبر، وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحمد، اللهم فاغفر له وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم ) ( ) . ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم اغفر له وارحمه، واعف عنه وعافه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بماء وثلج وبرد، ونقه من الخطايا، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وقه عذاب القبر، وعذاب النار) ( ) .

    59- الصلاة على الغائب . عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مات اليوم عبدٌ لله صالح . أصحمة) فقام فأمنا وصلى عليه .. وفي رواية : ( إن أخاً لكم قد مات، فقوموا فصلوا عليه ) قال: فقمنا فصفنا صفين ( ) . وفي الحديث مشروعية الصلاة على المسلم الغائب . واختلف أهل العلم في المسلم الميت الغائب الذي يُصلى عليه، على أقوال، منها قولين مشهورين: الأول: أنه يُصلى على كل مسلم غائب مات في بلد ولم يُصلى عليه، وهو اختيار شيخ الإسلام بن تيمية . والقول الثاني: أنه يصلى على المسلم الذي فيه غناء ومنفعه للمسلمين، إما بعلمه أو بماله أو بجهاده ونحو ذلك . وهذا اختيار كثير من العلماء المعاصرين وغير المعاصرين ( ) .
    مسألة : هل يجوز لإمام الجامع أن يصلي علىكل ميت يُدعى إليه ؟
    الجواب: الصلاة على الجنازة فرض كفاية، إذا أداها البعض سقطت عن الباقين، وعلى هذا لا يتعين على إمام الجامع الصلاة علىكل ميت يدعى إلى الصلاة عليه، إلا إذا لم يوجد غيره، ولكن الخير له أن يصلي على ما يدعى إليه من الجنائز إن تيسر له ذلك، ليكسب الأجر ( ) .

    60- القراءة من المصحف في صلاة التراويح . لا بأس أن يقرأ الإمام من المصحف في النافلة دون الفريضة . قال ابن قدامة: قال أحمد : لا بأس أن يصلي بالناس القيام وهو ينظر إلى المصحف. قيل له : في الفريضة ؟ قال : لا، لم أسمع فيه شيئاً... وقال ابن قدامة -ينصر القول بجواز القراء في المصحف في النافلة دون الفرض - قال : ولنا أن عائشة كان يؤمها عبدٌ لها من المصحف. رواه الأثرم وابن أبي داود ، وقول الزهري: كان خيارنا يفعلونه، ولأنه نظر إلى موضع معين،فلم تبطل الصلاة به..( ).

    61- دعاء الإمام في صلاة التراويح . يختلف الأئمة في دعائهم في صلاة التراويح أو صلاة التهجد، ما بين مطول ومقصر، ومتغن بالدعاء بأعذب الألحان وغير متغنٍ ..إلخ . فمن هو على الجادة، وأقرب إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم . وسوف نستعرض بإيجاز بعض المسائل التي يحتاج تنبيه الإمام إليها وهي كالتالي :
    أولاً : أن لا يخص الإمام الدعاء لنفسه دون من خلفه؛ بل يشملهم بالدعاء بصيغة الجمع.
    ثانياً : إذا كان الدعاء من أدعية القرآن، فيلتزم الإمام بالفاظ القرآن .
    ثالثا ً: لا ينبغي التطريب والتحلين والتمطيط في الدعاء، حتى يشابه الأغاني .
    رابعاً : اجتناب اختراع أدعية، والإتيان بغرائب الألفاظ، والتفنن فيها .
    خامسا ً: الابتعاد عن الأدعية التي وردت بآثار ضعيفة، وفي صحيح الدعاء غنيه وكفاية .
    سادساً :الابتعاد عن السجع، وتشقيق العبارات في الدعاء .
    سابعاً :تجنب التطويل على الناس، فإن التطويل يمل الناس، ويوقع كثير منهم في الحرج. وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ بن جبل لما أطال القراءة في صلاة الفريضة ! ، فما بالك بمن أطال القيام بدعاء ، وفي صلاة النافلة ( ) .

    62- صلاة الخوف . شرعت صلاة الخوف عندما يخاف المرء على نفسه، أو الناس على أنفسهم من أي عدو كان، فإذا خاف المسلم أو المسلمون على أنفسهم من عدوٍ وخشي خروج وقت الصلاة فإنه تشرع صلاة الخوف. وهذه الصلاة جاءت على صفات متنوعة قال ابن القيم: قال الإمام أحمد: كلُّ حديث يُروى في أبواب صلاة الخوف، فالعمل به جائز . وقال: ستة أوجه أو سبعة، تروى فيها، كلها جائزة ( ) . وسوف نسوق ما يحضرنا من صفات صلاة الخوف، ليتسنى للإمام معرفتها، والعمل بها عند الحاجة، وهي :
    الصفة الأولى:
    وهي المذكورة في قوله تعالى: { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم … الآية } ( ) .
    وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- قال: ( غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد فوازينا العدو فصاففنا لهم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي لنا فقامت طائفة معه تصلي وأقبلت طائفة على العدو، وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل، فجاءوا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ركعة وسجد سجدتين، ثم سلم فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين ) ( ).
    وبيانها كالتالي:
    1- تُصلي طائفة مع الإمام ركعة كاملة والطائفة الأخرى تكون في اتجاه العدو تحرس .
    2- تنصرف الطائفة الأولى بعد قيامها من الركعة الأولى بدون أن تسلم( )، وتذهب في مكان الطائفة الأخرى، وتأتي الطائفة الثانية وتقوم مقامها في الصلاة.
    3- تصلي الطائفة الثانية مع الإمام الركعة الثانية ثم يسلم الإمام، وتقوم الطائفة وتأتي بالركعة الثانية وتسلم، وأما الطائفة الأولى فتأتي بالركعة الثانية بعد سلام الإمام .
    الصفة الثانية:
    عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما- قال: ( شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصفنا صفين صف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وكبرنا جميعا، ثم ركع وركعنا جميعا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى وقام الصف المؤخر في نحور العدو، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعا … الحديث ) ( ) .
    وبيانها كالتالي: - وهنا ما إذا كان العدو بينك وبين القبلة -.
    1- يقوم الإمام مستقبلاً القبلة ويصف من معه صفين .
    2- يكبر الإمام ويكبرون معه جميعاً ويركعون جمعياً، ويرفعون جميعاً.
    3- يسجد الإمام وتسجد معه الصف الأول فقط ويبقى الصف الثاني واقفاً في نحر العدو .
    4- يقوم الإمام ويقوم الصف الأول ثم يسجد الصف الثاني ويكمل سجوده .
    5- يقوم الصف الثاني بعد إكماله الركعة ويحل محل الصف الأول، ويتأخر الصف الأول إلى محل الصف الثاني. أي: التبادل في الصفوف .
    6- ثم يركعون جميعاً الصف الذي تقدم والصف المتأخر مع الإمام، وكذا يرفعون جمعياً .
    7- ثم يسجد الإمام بالصف الذي تقدم ويجلس للتشهد الأخير .
    8- ثم يسجد الصف الذي تأخر ويكمل ما فاته من الركعة ويتابع الإمام في تشهده .
    9- ثم يسلم الإمام ويسلمون جميعاً .
    الصفة الثالثة:
    وعن صالح بن خوات عمن شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلى صلاة الخوف: ( أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم ) ( ) .
    وبيانها كالتالي:
    1- تصف طائفة مع الإمام، والطائفة الأخرى تحرس في قبالة العدو .
    2- تصلي الطائفة الأولى مع الإمام ركعة كاملة، ثم يقومون للركعة الثانية .
    3- يثبت الإمام قائماً في الركعة الثانية، وتكمل الطائفة الأولى صلاتها وتسلم .
    4- تذهب الطائفة الأولى محل الطائفة الثانية تحرس،وتأتي الطائفة الثانية وتدخل مع الإمام في الركعة الثانية .
    5- تصلي الطائفة الثانية الركعة الثانية مع الإمام ثم يسلم، فتقوم الطائفة الثانية وتكمل صلاتها وتسلم .
    الصفة الرابعة:
    …وعن جابر-رضي الله عنه- قال: ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل من المشركين وسيف النبي صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة فاخترطه فقال: تخافني ؟ قال: لا. قال: فمن يمنعك مني ؟ قال: الله . فتهدده أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأقيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع وللقوم ركعتان…الحديث) ( ) .
    وبيانها كالتالي:
    1- يصلي الإمام بالطائفة الأولى ركعتين ثم ينصرفون .
    2- تذهب الطائفة الأولى وتحرس محل الطائفة الثانية .
    3- تأتي الطائفة الثانية ويصلي بهم الإمام ركعتين ثم يسلم بهم، فيكون للإمام أربع ركعات ولكل طائفة ركعتين .
    الصفة الخامسة:
    وعن جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما-: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة أصحابه ركعتين، ثم سلم، ثم صلى بآخرين أيضاً ركعتين، ثم سلم ) ( ) .
    وبيانها كالتالي:
    1- يصلي الإمام بالطائفة الأولى ركعتين ثم يسلم بهم .
    2- تذهب الطائفة الأولى وتأتي الطائفة الأخرى محلها .
    3- يصلي الإمام بالطائفة الثانية ركعتين ثم يسلم بهم .
    الصفة السادسة :
    وعن ابن عباس-رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صلى بذي قَرَد، وصف الناس خلفه صفين، صفاً خلفه، وصفاً موازي العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء، إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة، ولم يقضوا ) ( ) .
    وبيانها كالتالي:
    1- يصف الإمام باتجاه القبلة ويصف خلفه صفين: الأول منهما يكون خلفه، والثاني يكون باتجاه العدو .
    2- يصلي بالصف الذي خلفه ركعة ثم ينصرفون إلى مكان الطائفة التي بموازاة العدو.
    3- تأتي الطائفة التي كانت باتجاه العدو وتصلي معه الركعة الثانية .
    فيكون للإمام ركعتين، ولكل طائفة ركعة .

    63- الجمع بين الصلاتين . وفيه حديث ابن عباس رضي الله عنه قال : ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر ) ... قال سعيد: فقلت لابن عباس : ما حمله على ذلك ؟ قال :أراد أن لا يحرج أمته. وفي رواية : ( جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة، في غير خوف ولا مطر ) ( ) . والأعذار التي تباح الجمع بين الصلاتين الحامل عليها المشقة، والشريعة جاءت برفع الحرج، ولذلك يباح الجمع بين الصلاتين للمسافر وللمريض ومن في معناه؛ كالمستحاضة، ومن به سلس بول، أو رعاف دائم، وغير ذلك . ويباح الجمع بين الصلاتين للحاضرة إن أصابهم ريح باردة أو مطر شديد . قال في الملخص : قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : يجوز الجمع للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة في الليلة الظلماء ونحو ذلك، وإن لم يكن المطر نازلاً في أصح قولي العلماء، وذلك أولى من أن يصلوا في بيوتهم، بل ترك الجمع مع الصلاة في البيوت بدعة مخالفة للسنة؛ إذ السنة أن تصلى الصلوات الخمس في المساجد جماعة، وذلك أولى من الصلاة في البيوت باتفاق المسلمين، والصلاة جمعاً في المساجد أولى من الصلاة في البيوت مفرقة باتفاق الأئمة الذين يجوزون الجمع؛ كمالك والشافعي وأحمد . اهـ ( ) .
    قلت: وبعض الأئمة-هداه الله- تساهل في الجمع بين الصلاتين لعلة المطر، فتراه يجمع بين الصلاتين بمجرد أن يرى المطر نازلاً ولو لم تكن هناك مشقة، وفيه إيقاع صلاة في غير وقتها، وقد يأثم الإمام، ويبوء بإثم من صلى خلفه؛ والله أعلم .

    والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .



















    وآسفه على اطاله ..


    للامانه منقوووووول

  4. #4

    ¤©§] شمـوخ العـز [§©¤

    الصورة الرمزية ناصر الراشد
    تاريخ التسجيل
    Dec 2006
    الدولة
    !
    المشاركات
    10,050
    جواهر العبد الله


    جزاك الله خير وبارك الله فيك


    اخواني اللي قبلي ماقصرو


    كل الشكر
    يحسبون الصمت مثل أول علآمة للرضا
    يعلم الله ما سكت لهالزمن الا قهر !


    [/CENTER]

  5. #5
    ~ [ عضو مؤسس ] ~

    الصورة الرمزية جواهر عبدالله
    تاريخ التسجيل
    Aug 2005
    الدولة
    وَما تَدْرِي نَفسٌ بِ
    المشاركات
    8,316
    دفء البوح

    ،

    ،

    بارك الله فيك

    يا ليت تكون الإجابة برد وليس بملف مرفق لتعم الفائدة للجميع وليس للأعضاء فقط ..
    أنـا
    سيلـي
    تـراه أكبـر
    مـن إنـه
    يحجـزه ســدك


    αĺȷoɦʁαɦ

  6. #6
    ~ [ عضو مؤسس ] ~

    الصورة الرمزية جواهر عبدالله
    تاريخ التسجيل
    Aug 2005
    الدولة
    وَما تَدْرِي نَفسٌ بِ
    المشاركات
    8,316
    جوري بريدة

    ،

    ،

    بارك الله فيك وجزاك الجنة على ما نقلتي .
    أنـا
    سيلـي
    تـراه أكبـر
    مـن إنـه
    يحجـزه ســدك


    αĺȷoɦʁαɦ

  7. #7
    ~ [ عضو مؤسس ] ~

    الصورة الرمزية جواهر عبدالله
    تاريخ التسجيل
    Aug 2005
    الدولة
    وَما تَدْرِي نَفسٌ بِ
    المشاركات
    8,316
    السفير

    ،

    ،

    بارك الله فيك وجزاك الجنة على حضورك

    شكراً لك .
    أنـا
    سيلـي
    تـراه أكبـر
    مـن إنـه
    يحجـزه ســدك


    αĺȷoɦʁαɦ

  8. #8

    مراقبة سابقة

    الصورة الرمزية سارهـ


    تاريخ التسجيل
    Oct 2005
    الدولة
    في قلب أبي وعين أمي
    المشاركات
    6,567
    جزاكم الله خير وكتب لكم الاجر





  9. #9

    أبو داحـــمـ


    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,538
    جواهر عبدالله


    جزاكـ الله خير وجعل ماكتبتم في ميزان اعمالكـ
    [poem=font="Simplified Arabic,5,red,normal,italic" bkcolor="white" bkimage="" border="double,5,black" type=1 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
    بعض البشر ودك بريموت تشغيـل=لا من عجن بعض السواليف طفه
    وبعض البشر لا سولفوا للرجاجيل=مثل السبـايـك بالتجـــوري تصفــه[/poem]
    الشاعر الجعيثن

  10. #10
    ~ [ عضو مؤسس ] ~

    الصورة الرمزية جواهر عبدالله
    تاريخ التسجيل
    Aug 2005
    الدولة
    وَما تَدْرِي نَفسٌ بِ
    المشاركات
    8,316
    سارة

    ،

    ،

    بارك الله فيك وجزاك الجنة

    ألف شكر على حضورك .
    أنـا
    سيلـي
    تـراه أكبـر
    مـن إنـه
    يحجـزه ســدك


    αĺȷoɦʁαɦ

  11. #11
    ~ [ عضو مؤسس ] ~

    الصورة الرمزية جواهر عبدالله
    تاريخ التسجيل
    Aug 2005
    الدولة
    وَما تَدْرِي نَفسٌ بِ
    المشاركات
    8,316
    المحتار

    ،

    ،

    بارك الله فيك

    وجزاك الجنة على الحضور والتواصل .
    أنـا
    سيلـي
    تـراه أكبـر
    مـن إنـه
    يحجـزه ســدك


    αĺȷoɦʁαɦ

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. سلسلة دروس الصلاة .. [ دروس الأذان والإقامة كاملة ]
    بواسطة جواهر عبدالله في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 28-04-2007, 05:09 PM
  2. سلسلة دروس الصلاة .. إجابات [ الأذان والإقامة 4 ]
    بواسطة جواهر عبدالله في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 13-04-2007, 01:30 PM
  3. سلسلة دروس الصلاة .. [ الأذان والإقامة 3 ]
    بواسطة جواهر عبدالله في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 12-03-2007, 12:39 AM
  4. سلسلة دروس الصلاة .. [ إجابات درس الأذان والإقامة 2 ]
    بواسطة جواهر عبدالله في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 15-02-2007, 09:10 PM
  5. سلسلة دروس الصلاة [ الأذان والإقامة 1 ]
    بواسطة جواهر عبدالله في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 16-01-2007, 12:12 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •