النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام_المجلد الأول_

  1. #1
    ذكريات مشرفه الصورة الرمزية غرابيــل
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    خَلفْ السَمآءْ الثَآمنِهَ !
    المشاركات
    7,409

    الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام_المجلد الأول_


    الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام_المجلد الأول_


    تأليف/ عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي



    المجلد الأول
    مقدمة
    ...
    بسم الله الرحمن الرحيم
    المقدمة :
    الحمد لله رب العالمين حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، الحمد لله الذي أحيا بذكره قلوب عباده الصالحين، فقاموا لإحياء علوم هذا الدين.
    والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد سيد الأولين والآخرين وصفوة الأنبياء والمرسلين وقائد الغر المحجلين وعلى آله السادة الأكرمين وأصحابه الغر الميامين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
    إن أهم ما يميز هذا العصر عما تقدمه من عصور هو التفاوت أبنائه إلى تراث الآباء والأجداد والسعي الحثيث إلى بعثه وحقيقه؛ لما فيه من ذخائر وكنوز قل نظيرها عند غيرنا من الأمم الأخرى، مدفوعين إلى ذلك بدافع ديني، وهو الحفاظ على علوم هذا الدين.
    فحري بمثقفي هذه الأمة والمتخصصين من أبنائها أن يحافظوا على تراث الآباء والأجداد، وأن يسعوا جاهدين لتجديده وإحيائه ودراسته وفهمه وشرحه، والزيادة عليه بما يتوصلون إليه نم معارف وعلوم وفنون؛ لأن العلوم حلقات متصلة عبر مسيرة الحياة، وهكذا يتم التواصل بين الأجداد والأحفاد.
    ومما لا شك فيه أن ظهور الرسالة المحمدية يعتبر أعظم حادث في تاريخ العرب خاصة والبشرية عامة، ولم يدون في تاريخ العرب أو السيرة شيء إلى أن مضت أيام الخلفاء، بل لم يدون في هذه المدة غير القرآن الكريم ومبادئ النحو، فقد رأينا
    (1/5)
    المسلمين يحفزهم حرصهم على حفظ القرآن إلى كتابته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
    ولما كانت أيام الخليفة – رضي الله عنه – أحب أن يدون في التاريخ كتاب، فاستقدم عبيد بن شرية الجرهمي من صنعاء فكتب له كتاب "الملوك وأخبار الماضين"، وبعد ذلك أخذ أكثر من واحد من العلماء يتجهون إلى علم التاريخ من ناحيته الخاصة لا العامة، وهي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولعلهم وجدوا في تدوين ما يتعلق به عليه الصلاة والسلام شيئاً يحقق ما في أنفسهم من تعلق به، وحب لتخليد آثاره، بعد أن منعوا من تدوين أحاديثه إلى أيام الخليفة الراشدي الخامس عمر بن عبد العزيز 1 – رضي الله عنه – خافة أن يختلط الحديث بالقرآن، فجاء أكثر من رجل كلهم محدث، فدونوا في السيرة كتباً. نذكر منهم: عروة بن الزبير بن العوام الفقيه المحدث الذي مكنه نسبه من قبل أبيه الزبير، وأمه أسماء بنت أبي بكر أن يروي الكثير من الأخبار والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وحياة صدر الإسلام.
    وحسبك أن تعلم أن ابن إسحاق والواقدي والطبري، أكثروا من الأخذ عن عروة – رضي الله عنه- ولا سيما فيما يتعلق بالهجرة إلى الحبشة والمدينة،وغزوة بدر إلى غير ذلك. ولهذا كان ابن إسحاق من أوائل من كتب كتاباً في السيرة، ولذلك اعتبره العلماء شيخ رجال السيرة.
    أضف إلى ذلك أن سيرة ابن إسحاق ت: 151هـ كانت مقسمة إلى ثلاثة أجزاء:
    - المبتدأ، ويتناول التاريخ الجاهلي.
    - المبعث، ويتناول حياة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة والهجرة.

    1 ذكر الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في "فتح الباري" 1/ 204 في شرحه قول الخليفة عمر بن عبد العزيز لأبي بكر بن حزم: "انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه".
    وقال الحافظ في موضع آخر من "فتح الباري" 1/ 218: "أول من دون الحديث ابن شهاب الزهري على رأس المائة بأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين، ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير، فلله الحمد".
    - المغازي، وتشمل حياة النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة.
    ثم قيض الله لهذا المجهود - مجهود ابن إسحاق - رجلاً له شأنه، هو أبو محمد عبد الملك بن هشام ت: 213هـ المعافري، فجمع هذه السيرة ودونها، وكان له فيها قلم لم ينقطع عن تعقب ابن إسحاق في الكثير مما أورده بالتحرير والاختصار والنقد، أو بذكر رواية أخرى فات ابن إسحاق ذكرها، هذا إلى تكملة أضافهان وأخبار أتى بها.
    ثم جاء من بعدهم أبو القاسم عبد الرحمن السهيلي المتوفي سنة 518هـ فعني بهذا الكتاب وتناوله على نحو جديد ونهج آخر، وهو بمنزلة الشرح والتعليق عليه، فوضع كتابه "الروض الأنف" - وهو الكتاب الذي بين أيدينا- في ظل مجهودي ابن إسحاق وابن هشام، يتعقبهما فيما أخبرا بالتحرير والضبط، ثم الشرح والزيادة، فجاء عمله هذا كتاباً آخر في السيرة بحجمه وكثرة ما حواه من آراء، تشهد لصاحبها بطول الباع، وكثرة الاطلاع.
    ومما نقله صاحب "كشف الظنون" 1 في معرض حديثه عن كتاب "الروض الأنف" قولاً للإمام السهيلي يشرح فيه تأليفه لهذا الكتاب حيث يقول:"... فإني اتنحيت في هذا الإملاء بعد الاستخارة إلى إيضاح ما وقع في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي سبق إلى تأليفها أبو بكر محمد بن إسحاق المطلبي، ولخصها عبد الملك بن هشام المعافري النسابة ما بلغني علمه ويسر لي فهمه من لفظ غريب أو إعراب غامض أو كلام مستغلق أو نسب عويص.
    وكان بدء إملائي هذا الكتاب في محرم سنة / 569/ هـ تسع وستين وخمسمائة، وكان الفراغ منه في جمادى الأولى من ذلك العام تحصل فيه من فوائد العلوم والآداب وأسماء الرجال والأنساب ومن الفقه الباطن اللباب وتعليل النحو وصنعة الإعراب ما هو مستخرج من نيف على مائة وعشرين ديواناً أو نحوها". اهـ.
    1 انظر "كشف الظنون" لحاجي خليفة: 1/ 917، 918. ط. دار إحياء التراث - بلا تاريخ.
    (1/7)

    هذا وقد حظي كتاب "الروض الأنف" اهتماما من قبل العلماء اللاحقين، فاختصره عز الدين بن أبي، المعروف بابن الجماعة المتوفى / 819/ تسع عشة وثمانمائة للهجرة وسماه "نور الروض"وعليه حاشية لقاضي القضاة يحيى المناوي المتوفى سنة/ 871/ هـ إحدى وسبعين وثمانمائة. ثم جرد سبطه زين العابدين بن عبد الرؤوف هذه الحاشية.
    وقد انتفع بمادة هذا الكتاب كثير ممن جاؤوا بعده، ولا سيما ابن القيم في كتابه "بدائع الفوائد".
    ومن الجدير بالذكر أن الإمام السهيلي تألق وعلا شأنه بين العلماء من خلال هذا الكتاب، لأنهم وجدوا من خلاله أن الإمام السهيلي بذلك جهداً بارعاً صادعاً بأن الرجل كان إماماً في فنون عصره بنصيب وفير، وقد لاءم بين فنون معرفته حتى جعل منها وحدة يصدر عنها في كل ما يكتب.
    ومما يزيدنا إعجاباً بهذا الإمام أنه فقد بصره، علماً أن الكتب كانت في زمانه خطوطة، فمتى طالع كل هذا؟ وكيف طالعه؟ وتراثه يشهد له بأنه استوعب كل ما قرأن، وبدت سعة اطلاعه ونفاذ بصيرته وقوة تفكيره في أكثر ما كتب .
    ومما يجعلنا أيضاً شديدي الاحترام لهذا الرجل ملاحظة تلك الحقيقة التي تطالعنا في كتابه هذان إنها الأمانة الصادقة في النقل، وفي نسبة كل شيء إلى قائله، فلم يأت بزيادة مفتراه، أو يقترف في نقله نقصاً قد يغير نم مفهوم القولن ولهذا نراه ينقل ما يتفق مع الحق، وما يقاربه في بعض أحيانه.
    وكفى بالمرء شرفاً أن يعتني بقلمه وفكره وروحه بسيرة أشرف البشر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ويحيطها بالرعاية والاهتمام.
    ولهذا كله فقد رأت دار إحياء التراث العربي في بيروت أن تعيد طبع كتاب:
    (1/8)
    "الروض الأنف" شرح سيرة ابن هشام 1 طباعة حديثة وترتيب جديد، فأوكلوا لنا العمل في هذا الكتاب ضمن خطة مقررة تتناسب وظروف الدار، وهذا شأن العديد من الكتب في كثير من دور النشر كما هو معروف.
    وقد وضعنا سيرة ابن هشام في أعلى الصفحات، يليها شرح الإمام السهيلين ثم يليه التعليقات والهوامش في الأسفل.
    وكانت خطة العمل في الكتاب كما يلي:
    1- تصحيح تجارب الشارح، وحل وتوضيح العديد من ألفاظه الغامضة وكلماته المصحفة.
    2- تخريج الآيات القرآنية، والعديد من الأحاديث النبوية بعد ضبطها من مصادرها الأساسية.
    3- وضع تعليقات وهوامش ضرورية للكتاب، حسبما تقتضيه الحاجة، وللأمانة هنا، فقد اتنفعنا كثيراً من تعليقات الأستاذ عبد الرحمن الوكيل، فجزاه الله عنا وعن المسلمين كل خير.
    4- ضبط الكثير من الأعلام والكلمات الغريبة والأشعار بالشكل للإيضاح.
    5- وضعنا محتوى موافق للشرح في نهاية كل جزء، أضف إلى ذلك أننا جعلنا التراويس موافقة للشرح أيضاً في كل الأجزاء.
    هذا، وزيادة في الفائدة فقد وضعنا تراجم موجزة في أول الكتاب للأئمة الثلاثة:
    ابن إسحاق صاحب السيرة، وابن هشام ملخصها، والسهيلي شارحها.
    ـــــــ
    1 طبع الكتاب سابقاً عدة مرات، وكان أفضل طبعاته تلك الطبعة التي حققها الأستاذ الفاضل عبد الرحمن الوكيل في 7 مجلدات في طبعته الأولى لعام 1410هـ= 1990م، وهذه الطبعة هي التي كانت أساساً لعملنا.
    (1/9)
    وبعد، فهذا ما في وسعنا تقديمه لخدمة هذا الكتاب بما يسر الله به وأعان. سائلين المولى تعالى أن يتقبل منا هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخراً لنا ولآبائنا وأمهاتنا أجمعينن وأن ينفع به عباده في كل حين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    بيروت في محرم 1421/ نيسان 2000م وكتبه
    الشيخ عمر عبد السلام السلامي
    (1/10)
    ترجمة ابن إسحاق:
    اسمه ونسبه:
    هو محمد بن إسحاق بن يسار خيار، أبو بكر، ويقال أبو عبد الله المدني القرشي المطلبي، مولى قيس بن مخرمة، وجده، يسار كان من سبي "عين التمر" التي افتتحها المسلمون في السنة الثانية عشرة من الهجرة أيام أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، وهي بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة، وكان فتحها على يد خالد بن الوليد - رضي الله عنه -. وبكنيسة "عين التمر" وجد المسلمون جد ابن إسحاق بن الغلمة الذين كانوا رهنا في يد كسرى، كان معه جد عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي النحوي، وجد الكلبي، فجيء بيسار إلى المدينة المنورة.
    مولده ووفاته:
    ولد ابن إسحاق في المدينة المنورة شاباً يافعاً جميل الوجه، فارسي الخلقة، ومما ذكره ابن النديم عنه: أن أمير المدينة بلغه أن محمداً يغازل النساء، فأمر
    (1/11)
    بإحضاره وضربه أسواطاً، ونهاه عن الجلوس في مؤخر المسجد 1 .
    وممن أدرك ابن إسحاق في المدينة المنورة من الصحابة أنس بن مالك – رضي الله عنه - .
    ثم ما لبث ابن إسحاق أن ترك المدينة ورحل إلى غيرها من البلدان، فكانت رحلته الألى إلى الإسكندرية سنة 115هـ ، وفي الإسكندرية حدث عن جماعة من أهل مصر منهم: عبيد الله بن المغيرة، وعبيد الله بن أبي جعفر، ويزيد بن حبيب، وغيرهم كثير. وقد انفرد ابن إسحاق برواية أحاديث عنهم لم يروها غيره.
    ثم كانت رحلته إلى الكوفة والجزيرة والري والحيرة وبغداد، وفي بغداد التقى بالخليفة أبي جعفر المنصور، وصنف لابنه المهدي كتاب "السيرة" وكان أكثر رواته من تلك البلاد. وقد عاش ابن إسحاق بقية حياته في بغداد إلى أن وافته المنية يها سنة 151هـ - على قول الخزرجي – ودفن ابن إسحاق في مقبرة لخيزران من مقابر بغداد.
    منزلته ومكانته يبن العلماء:
    يعتبر ابن إسحاق أحد الأئمة الأعلامن ولا سيما في المغازي والسير، وهو الذي ألف السيرة المشهورة النسبة إلى ابن هشام، وقد ألفها بأمر من الخليفة أبي جعفر المنصور، ليعلمها لابنه المهدي، وفي هذا يقول ابن عدي عنه: "لو لم يكن لابن إسحاق من الفضل إلى أنه صرف الملوك عن الاشتغال بكتب لا يحصل منه شيء، للاشتغال بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه ومبتدأ الخلق، لكانت هذه الفضيلة سبق لها ابن إسحاق، وقد فتشت أحاديثه الكثيرة فلم أجدها تهيء أن يقطع عليه بالضعف،
    ـــــــ
    1 لأن المساجد آنذاك يجتمع فيه الرجال والنساء للصلاة، فصفوف الرجال من الأمام وصفوف النساء خلفها، وقد ورد حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وهو قوله: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها" الحديث رواه مسلم في باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها.
    (1/12)
    وربما أخطأ وأتهم في الشيء بعد الشيء كما يخطئ غيره".
    كما أننا نجد غير واحد من الأئمة الاعلامن كابن شهاب الزهري، وشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري، يوثقونه ولا يتهمونه بشيء مما اتهمه به غيرهم.
    فنجد عالماً جليلاً كالإمام مالك بن أنس – رحمه الله - ، وآخر كهشام بن عروة بن الزبير – رضي الله عنه -، يكادان يخرجانه من حظيرة المحديثين، ولا يدخران وسعاً في اتهامه بالكذب والدجل.
    ومما قاله الإمام مالك عنه: "ابن أسحاق كذاب ودجال من الدجاجلة" ، وروي عن الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – أنه قال: "ابن إسحاق ليس بحجة"، وحكم عليه ابن معينفي رواية عنه بأنه سقيم، وليس بحجة.
    والحق – والله أعلم – أن الحاملين عليه لم تكن ساحتهم مبرأة عن الغاية،ولم تكن مع الحق مطابقة، لأن ابن إسحاق كان يطعن في نسب مالك بن أنس، وفي علمه ويقول: ائتوني ببعض كتبه حتى أبين عيوبه، فأنا بيطار كتبه. فانبرى له مالك، وفتش هو الآخر عن عيوبه،وسماه دجالاً، وكانت بينهما هذه الحرب الكلامية.
    كام غاظ هشام بن عبد الملك من ابن إسحاق أنه كان يدعي روايته عن امرأته، والرواية في ظن هشام لا بد أن تصحبها الرؤية،ولقد فات هشاماً أن الرواية قد تكون من وراء حجاب، أو أن ابن إسحاق حمل عنها صغيراً.
    وأما ما رمي به ابن إسحاق من التدليس وغيره، فقد عقد في ذلك الخطيب البغدادي في كتابه "تاريخ بغداد"، وابن سيد الناس في كتابه "عيون الأثر" فصلين عرضا فيهما لتفنيد جميع المطاعن التي وجهت إليه.
    يبقى هنا مأخذاً على ابن إسحاق، وهو أنه كانت تعمل له الأشعار،ويؤتى بها، ويسأل أن يدخلها في كتابه "السيرة" فيفعل ذلك بلا وقوف ولا تنقيح.
    وهذا مطعن في مقدار علمه بالشعر، فكان يقبل الأشعار غثها وسمينها، باطلها وصحيحها، ولو أن ابن إسحاق حكم ذوقه، ووقف من هذه الأشعار وقفة الناقد،
    (1/13)
    لخص كتابه من أشعار أكثرها موضوعة، ولخلص نفسه من مطعن جارح يسجله عليه الآخرون على مر السنين.
    ولا بد من الإشارة إلى أمر هام في حياة ابن إسحاق، وهو أنه لم يتخلف عنه في الرواية كثير من الثقات والأئمة، فقد أخرج له الإمام مسلم في المتابعات، واستشهد به البخاري في مواضع، وروى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
    وقد روي هو عن أبيه وعن الزهري وخلق غيرهم، وروى أيضاً عن شيخه يحيى الأنصاري، عبد الله بن عون، وشعبة وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة.
    وختاماً نقول عن سيرته: إن أصدق قول قيل فيه هو قول ابن عبد الله بن نمير، حيث قال عنه: فقد روى في السيرة عن المجهولين ما لا يحترمه الصدق، ورى أيضاً ما ينفح بطيب الحق، وقد بقي فيها ما لا يصح، رغم قيام ابن هشام بتهذيبها، وهو الذي يقول عن ابن إسحاق في مقدمة كتابه من أنه سيترك مما ذكر ابن إسحاق "أشعاراً ذكرها ولم أر أحداً من أهل العلم بالشعر يعرفها، وأشياء بعضها يشنع الحديث به، وبعض يسوء بعض الناس ذكره، وبعض لم يقر لنا البكائي بروايته، ومستقص – إن شاء الله -، سوى ذلك منه بمبلغ الرواية له والعلم به".
    رحم الله محدثنا ابن إسحاق شيخ رجال السيرة وجزاه الله عنا وعن المسلمين كل خير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    (1/14)
    ترجمة ابن هشام
    اسمه ونسبه:
    هو أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري 1، عاش في أكثر من بلد، ولذلك فمن الرواة من ينسبه إلى معافر بن يعفر،حيث نزح منهم إلى مصر جمهرة كثيرة، ومن الرواة من ينسبه إلى ذهل، وقيل غير ذلك، وهذا شأن كل من يتنقل في البلدان ويهجر الأوطان.
    نشأته:
    نشأ ابن هشام بالبصرة، وأخذ العلم بدايةً عن علمائها آنذاك، ثم ارتحل إلى مصر ليكمل علومه هناك، ومن هنا حصر الرواة حياة ابن هشام في هذين البلدين، والواقع أن ابن هشام تنقل في بلدان كثيرة فلم تكن حياته محصورة كذلك، وخاصة في عصر كان العلم فيه يؤخذ سماعاً من العلماء، وكانت الرحلات العلمية ديدن العلماء.
    مولده ووفاته:
    لم تذكر المصادر المتوفرة لدينا تاريخ مولد ابن هشام، وهذا حال كثير من العلماء السابقين، ويذكر صاحب "الأعلام" أنه ولد بالبصرة ونشأ فيها، ثم قدم مصر،

    1 نسبة إلى حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وفي حمير بطون وأفخاذ كثيرة.
    انظر: "الإنباه" لابن عبد البر - ص/ 120/ .
    (1/15)
    وحدث بها، وتوفي فيها، وقد اختلفت الروايات في وفاته، ففريق يقول كانت وفاته سنة 213 ثلاث عشرة ومائتين للهجرة، وفريق آخر يقول إن وفاته كانت سنة / 218هـ/ والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
    منزلته ومكنته بين العلماء:
    كان ابن هشام عالماً بالانساب واللغة وأخبار العرب، وقد كان – رحمه الله- إماماً في النحو واللغة العربية، وهذا مما حكاه الإمام الذهبي عنه،كما أنه حين قدم مصر التقى به الإمام الشافعي – رضي الله عنه -، وتناشدا الأشعار كثيراً، وهذا من غرائب ابن هشام، لأنه عندما كان ينقل عن ابن إسحاق الشعر، وكان بعضه ظاهر الفساد، فكان لا يستطيع أن يقطع فيه برأي، ويقول: هكذا حدثنا أهل العلم بالشعر. أضف إلى ذلك أن ابن هشام لما هذب سيرة ابن إسحاق خفف كثيراً من أشعارها.
    وقد أورد الدارقطني قولاً عن المزني حيث يقول: قدم علينا الشافعي – رضي الله عنه – وكان بمصر عبد الملك بن هشام صاحب "المغازي" وكان علامة أهل مصر بالعربية والشعر، فقيل له في المصير إلى الشافعي، فتثاقل، ثم ذهب إليه، فقال: ما ظننت أن الله يخلق مثل الشافعي 1 - رضي الله عنه -.
    ويقول عنه ابن خلكان: وهذا ابن هشام هو الذي جمع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من المغازي والسير لابن إسحاق وهذبها ولخصها، وشرحها السهيلي المذكور، وهي الموجودة بأيدي الناس المعروفة بسيرة ابن هشام.
    آثار ابن هشام:
    ولابن هشام العديد من الآثار في كثير من الفنون نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر:
    1- "السيرة النبوية" المعروف بسيرة ابن هشام، رواه عن ابن إسحاق.

    1 انظر: "مناقب الشافعي" للبيهقي 2/ 42، و"توالي التأنيس" 2/ 60.
    (1/16)
    2- "القصائد الحميرية" في أخبار اليمن وملوكها في الجاهلية.
    3- "التيجان لمعرفة ملوك الزمان" رواه عن أسد بن موسى، عن ابن سنان، عن وهب بن منبه.
    4- "شرح ما وقع في أشعار السيرة من الغريب".
    5- "مصنف في أنساب حمير وملوكها".
    إلى غير ذلك من الكتب الأخرى في فنون متنوعة من أبواب العلم.ط
    رحم الله عالمنا الجليل عبد الملك بن هشام وجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء سائلين المولى تعالى أن يحشرنا وإياهم تحت لواء المصطفى صلى الله عليه وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    (1/17)
    ترجمة الإمام السهيلي
    اسمه ونسبه:
    هو أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أصبغ بن الحسين بن سعدون بن رضوان بن فتوح بن الخطيب أبي محمد بن الخطيب أبي عمرو بن أبي الحسن الخثعي السهيلي الأندلسي المالقي.
    قال صاحب "الوفيات": والسهيلي سنة / 508هـ/ في الأندلس، وتوفي سنة / 581هـ/ في مراكش 1. يقول ابن العماد الحنبلي في كتابه "شذرات الذهب" إن أبا القاسم ممن توفوا سنة/ 581هـ/ في شعبان من تلك السنة، ويكون قد عاش اثنتين وسبعين سنة.
    نشأته:
    نشأ السهيلي في واد بالأندلس يسمى سهيل من كورة مالقة، وهي قرية بالقرب

    1 يقول ابن خلكان عنه في "وفيات الأعيان": ومولده سنة ثمان وخمسمائة للهجرة بمدينة مالقة، وتوفي بحضرة مراكش يوم الخميس ، ودفن وقت الظهر، وهو السادس والعشرون من شعبان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة للهجرة. وقال عنه أيضاً: إنه خثعمي نسبه إلى خثعم بن أنمار، وهي قبيلة كبيرة.
    (1/19)
    من مالقة سميت باسم الكوكب 1، لأنه لا يرى في جميع الأندلس إلا من جبل مطل عليها، ومالقة بفتح اللام والقاف، هي مدينة بالأندلس.
    فأقام السهيلي بالأندلس عمراً طويلاً، فنهل من كنوز العلم ما نهل، وتزود من المعارف ما تزود، واشتهر بين الناس، فأخذوا يقصدونه ليأخذوا عنه العلم، فذاع سيطه في البلدان حتى وصل خبره إلى مراكش فطلبه واليها، وأكرمه وأحسن إليه، وأقبل بوجهه كل الإقبال عليه، وولاه بها قضاء الجماعة 2 ،وبقي على ذلك الحال أعواماً ثلاثة إلى أن وافاه الأجل فمات بها – رحمه الله - .
    أخلاقه وعلمعه:
    إذا نظرنا ملياً في مؤلفات الإمام السهيلي لظهر لنا جلياً اتجاهه الخلقي النبيل، فقد عاش لنصرة هذا الدين فوهب له حياته ما بين درس له، وتأليف فيه، ولهذا عرف بين الناس بالصلاح واشتهر بالورع والتقوى، أضف إلى ذلك أنه كان ببلده يتسوغ بالعفاف، ويتبلغ بالكفاف.
    كان السهيلي – رحمه الله – مالكي المذهب، وكان ضريراً منذ السابعة عشرة من عمره، وأخذ القراءات عن سليمان بن يحيى وجماعة، وروى عن أبي بكر بن العربي وكبار رجال العلم في تلك البلاد، فأخذ اللغة والآداب عن ابن الطراوة،وناظره في "كتاب سيبويه".
    وتصدر للإفتاء والتدريس والحديث، فجمع بين الرواية والدراية، فأخذ الناس عنه وانتفعوابه.

    1 وهو سهيل، وهو كوكب يمان لا يرى بخراسان، ويرى بالعراق، وقال ابن كناسة: سهيل يرى بالحجاز، وفي جميع أرض العرب، ولا يرى بأرمينية. انظر "اللسان" وعد الصفدي في "الوفيات": وأصله من قرية بوادي سهيل نم كورة مالقة، وهي – كما وصفها ياقوت في "معجمه" – سورها على شاطئ البحر بين الجزيرة الخضراء والمرية.
    2 ووالي مراكش هو: أبو يعقوب بن عبد المؤمن الذي تولى إمرة الموحدين في المغرب سنة / 558هـ/ . ويقال: إنه استدعى السهيلي سنة / 578هـ/.
    (1/20)
    ومما حكي عن السهيلي أنه قال: أخبرنا أبو بكر بن العربي في مشيخته عن أبي المعالي، أنه سأله في مجلسه رجل من العوام فقال: أيها الفقيه الإمام: أريد أن تذكر لي دليلاً شرعياً على أن الله تعالى لا يوصف بالجهة، ولا يحدد بها. فقال: نعم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تفضلوني على يونس بن متى" فقال الرجال: إني لا أعرف وجه الدليل من هذا الدليل،وقال كل من حضر المجلس مثل قول الرجل فقال أبو المعالي: أضافني الليلة ضيف له علي ألف دينار، وقد شغلت بالي، فلو قضيت عني قلتها، فقام رجلان من التجارة فقالا: هي في ذمتنا، فقال أبو المعالي: لو كان رجلاً واحداً يضمنها كان أحب إلين فقال أحد الرجلين أو غيرهما: هي في ذمتين فقال أبو المعالي: نعم إن الله تعالى أسرى بعبده إلى فوق سبع سموات، حتى سمع صرير الأقلام، والتقم يونس الحوت، فهوي به إلى جهة التحت من الظلمات ما شاء الله، فلم يكن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في علو مكانه بأقرب إلى الله تعالى من يونس في بعد مكانه، فالله تعالى لا يتقرب إليه بالأجرام والأجسام، وإنما يتقرب إليه بصالح الأعمال.
    وكان الإمام السهيلي فوق هذا شاعراً، فله أبيات مشهورة في الفرج:
    قال ابن دحية السهيلي: أنشدنيها وقال: ما يسأل الله بها في حاجة إلا قضاه إياها وهي:
    يا من يرا ما في الضمير ويسمع ... أنت المعد لكل ما يتوقع
    يامن يرجى للشدائد كلها ... يا من إليه المشتكى والمفزع
    يا من خزائن ملكه في قول: كن ... أمنن فإن الخير عند أجمع
    مالي سوى قرعي لبابك حيلة ... فلئن رددت فأي باب أقرع
    مالي سوى فقري إليك وسيلة ... وبالافتقار إليه فقري أدفع
    من ذا الذي أدعو وأهتف باسمه ... إن كان فضلك عن فقيرك يمنع
    حاشا لمجدك أن تقنط عاصياً ... والفضل أجزل والمواهب أوسع
    ثم الصلاة على النبي وآله ... خير الأنام ومن به يستشفع 1

    1 في مصادر أخرى مغايرة طفيفة لما هنا مثل: يا من خزائن رزقه، فبالافتقار إليه ربي أضرع، إن كان فضلك عن فقير يمنع.
    (1/21)
    ويقول الصفدي في كتابه "نكت الهميان": ومن شعره يرثي بلدهن وكان الفرنج قد ضربته، وقتلت رجاله ونساءه "وقتلوا أهله وأقاربه، وكان غائباً عنهم، فاستأجر من أركبه دابة، وأتي به إليهن فوقف إزاءه وقال" 1:
    يا دار أين البيض والآرام! ... أم أين جيران علي كرام
    راب المحب من المنازل أنه ... حيا، فلم يرجع إليه سلام
    أخرسن أم بعد المدى فنسينه ... أم غال من كان المجيب حمام
    دمعي شهيدي أنني لم أنسهم ... إن السلو على المحب حرام
    لما أجابني الصدى عنهم، ولم ... يلج المسامع للحبيب كلام
    طارحت ورق حمامها مترنما ... بمقال صب، والدموع سجام
    يا دار ما صنعت بك الأيام ... ضامتك، والأيام ليس تضام
    ومن شعره ايضاً:
    إذا قلت يوماً: سلام عليكم ... ففيها شفاء وفيها السقام
    شفاء إذا قلتها مقبلا ... وإن أنت أدبرت فيها الحمام
    مؤلفات الإمام السهيلي:
    وللإمام السهيلي – رحمه الله – مؤلفات كثيرة من العلوم نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
    1- "الروض الأنف" وهو من أهم كتبه، وهو الكتاب الذي بين أيدينا.
    2- "التعريف والإعلام فيما أبهم في القرآن من الأسماء الأعلام".
    3- "نتائج الفكر".
    4- "شرح آية الوصية في الفرائض".

    1 مابين المعكوفتين من كتاب "المغرب في حلى المغرب".
    (1/22)
    1- "مسألة السر في عور الدجال".
    2- "مسألة رؤية الله عز وجل".
    3- "شرح الجمل" 1.
    إلى غير ذلك من تآليفه المفيدة، وهناك مسائل كثيرة غير هذه اكتفى المترجمون بالإشارة إليه دون التصريح بأسمائها.
    رحم الله الإمام السهيلي، وجزاه عنا وعن الإسلام والمسلمين كل خير، وجعلنا وإياه من أهل الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    أعد هذه التراجم ورتبها
    الشيخ عمر بن عبد السلام السلامي

    1 قال الصفدي في كتابه "نكت الهميان": كتاب "شرح الجمل" لم يتم.
    (1/23)
    ذكر سرد النسب الزكي من محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى آدم عليه السلام
    ...
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وآله أجمعين.
    ذكر سرد النسب الزكي من محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى آدم عليه السلام
    قال أبو محمد عبد الملك بن هشام [النحوي]:
    هذا كتاب سيرة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، واسم عبد المطلب: شيبة بن هاشم واسم هاشم:

    تفسير نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم
    قد ذكرنا في كتاب التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأسماء الأعلام معاني بديعة وحكمة من الله بالغة في تخصيص نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بهذين الاسمين: محمد وأحمد فلتنظر هناك ولعلنا أن نعود إليه في باب مولده من هذا الكتاب - إن شاء الله تعالى.
    عبد المطلب:
    وأما جده عبد المطلب، فاسمه عامر في قول ابن قتيبة، وشيبة 1 في قول ابن إسحاق وغيره وهو الصحيح. وقيل سمي شيبة لأنه ولد وفي رأسه شيبة، وأما

    1 جزم به القسطلاني في "شرحه للبخاري"، وعلل إضافة الحمد أنه رجاء أن يكبر ويشيخ ويكثر حمد الناس له ويقول الطبري عن سبب تسميته بشيبة كان في رأسه شيبة.
    (1/25)

    غيره من العرب ممن اسمه شيبة فإنما قصد في تسميتهم بهذا الاسم التفاؤل لهم، ببلوغ سن الحنكة1 والرأي كما سموا بهرم وكبير وعاش عبد المطلب مائة وأربعين سنة وكان لدة 2 عبيد بن الأبرص الشاعر غير أن عبيدا مات قبله بعشرين سنة قتله المنذر أبو النعمان بن المنذر، ويقال إن عبد المطلب أول من خضب بالسواد من العرب، والله أعلم.
    وقد ذكر ابن إسحاق سبب تلقيبه بعبد المطلب. والمطلب مفتعل من الطلب.
    هاشم:
    وأما هاشم فعمر - كما ذكر - وهو اسم منقول من أحد أربعة أشياء من العمر الذي هو العمر أو العمر الذي هو من عمور الأسنان وقاله القتبي: أو العمر الذي هو طرف الكم يقال سجد على عمريه أي على كميه أو العمر الذي هو القرط كما قال التنوخي:
    وعمرو هند كأن الله صوره
    عمرو3 بن هند يسوم الناس تعنيتا
    وزاد أبو حنيفة وجها خامسا، فقال في العمر الذي هو اسم لنخل السكر ويقال فيه عمر أيضا، قال يجوز أن يكون أحد الوجوه التي بها سمي الرجل عمرا وقال كان ابن أبي ليلى يستاك بعسيب العمر 4

    1 التجربة والبصر بالأمور.
    2 بكسر اللام وفتح الدال من ولد معك في وقت واحد.
    3 يقول إن هند مثل عمرو بن هند أحد الملوك في الجاهلية.
    4 العسيب: جريدة النخل.
    (1/26)
    عمرو بن عبد مناف. واسم عبد مناف: المغيرة بن قصي، [واسم قصي: زيد]

    عبد مناف:
    وعبد مناف اسمه المغيرة - كما ذكر - وهو منقول من الوصف والهاء فيه للمبالغة أي إنه مغير على الأعداء أو مغير من أغار الحبل إذا أحكمه ودخلته الهاء كما دخلت في علامة ونسابة لأنهم قصدوا قصد الغاية وأجروه مجرى الطامة والداهية وكانت الهاء أولى بهذا المعنى لأن مخرجها غاية الصوت ومنتهاه ومن ثم لم يكسر ما كانت فيه هذه الهاء فيقال في علامة علاليم وفي نسابة نساسيب كي لا يذهب اللفظ الدال على المبالغة كما لم يكسر الاسم المصغر كي لا تذهب بنية التصغير وعلامته.
    ويجوز أن تكون الهاء في مغيرة للتأنيث ويكون منقولا من وصف كتيبة أو خيل مغيرة، كما سموا بعسكر. وعبد مناف هذا كان يلقب قمر البطحاء - فيما ذكر الطبري - وكانت أمه حبى قد أخدمته مناة وكان صنما عظيما لهم وكان سمي به عبد مناة ثم نظر قصي فرآه يوافق عبد مناة بن كنانة فحوله عبد مناف. ذكره البرقي والزبير أيضا، وفي المعيطي عن أبي نعيم قال قلت لمالك ما كان اسم عبد المطلب؟ قال شيبة. قلت: فهاشم؟ قال عمرو، قلت: فعبد مناف؟ قال: لا أدري 1قصي:
    وقصي اسمه: زيد وهو تصغير قصي أي: بعيد لأنه بعد عن عشيرته في بلاد قضاعة حين احتملته أمه فاطمة مع رابه2 ربيعة بن حرام على ما سيأتي بيانه في الكتاب - إن شاء الله تعالى - وصغر على فعيل وهو تصغير فعيل3 لأنهم كرهوا
    1 يقول ابن دريد: مناف صنم من ينوف إذا ارتفع وعلا.
    2 الراب: زوج الأم يربي ابنها من غيره.
    3 وقصي تصغير قاص وإنما سمي قصياً لأنه قصي عن قومه، يقال: قصا الرجل يقصو قصواً.
    (1/27)
    ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر

    اجتماع ثلاث ياءات فحذفوا إحداهن وهي الياء الزائدة الثانية التي تكون في فعيل نحو قضيب فبقي على وزن فعيل ويجوز أن يكون المحذوف لام الفعل فيكون وزنه فعيا، وتكون ياء التصغير هي الباقية مع الزائدة فقد جاء ما هو أبلغ في الحذف من هذا، وهي قراءة قنبل يا بني ببقاء ياء التصغير وحدها، وأما قراءة حفص يا بني فإنما هي ياء التصغير مع ياء المتكلم ولام الفعل محذوفة فكان وزنه فعي ومن كسر الياء قال يا بني فوزنه يا فعيل، وياء المتكلم هي المحذوفة في هذه القراءة.
    كلاب:
    وأما كلاب فهو منقول إما من المصدر الذي هو معنى المكالبة نحو كالبت العدو مكالبة وكلابا، وإما من الكلاب جمع كلب، لأنهم يريدون الكثرة كما سموا بسباع وأنمار. وقيل لأبي الرقيش الكلابي1 الأعرابي لم تسمون أبناءكم بشر الأسماء نحو كلب وذئب وعبيدكم بأحسن الأسماء نحو مرزوق ورباح؟ فقال إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا، وعبيدنا لأنفسنا، يريد أن الأبناء عدة الأعداء وسهام في نحورهم فاختاروا لهم هذه الأسماء.
    مرة:
    ومرة منقول من وصف الحنظلة والعلقمة وكثيرا ما يسمون بحنظلة وعلقمة ويجوز أن تكون الهاء للمبالغة فيكون منقولا من وصف الرجل بالمرارة ويقوي هذا قولهم تميم بن مر، وأحسبه من المسمين بالنبات لأن أبا حنيفة ذكر أن المرة بقلة تقلع فتؤكل بالخل والزيت يشبه ورقها ورق الهندباء2.

    1 زيادة من "القلائد" للقلقشندي وهو الدقيش.
    2 بكسر الهاء وفتح الدال أو كسرها، بقل زراعي حولي معروف.

    كعب:
    وأما كعب فمنقول إما من الكعب الذي هو قطعة من السمن أو من كعب القدم وهو عندي أشبه لقولهم ثبت ثبوت الكعب وجاء في خبر ابن الزبير أنه كان يصلي عند الكعبة يوم قتل وحجارة المنجنيق1 تمر بأذنيه وهو لا يلتفت كأنه كعب راتب.
    وكعب بن لؤي هذا أول من جمع يوم العروبة ولم تسم العروبة. الجمعة إلا منذ جاء الإسلام في قول بعضهم وقيل هو أول من سماها الجمعة فكانت قريش تجتمع إليه في هذا اليوم فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعلمهم أنه من ولده ويأمرهم باتباعه والإيمان به وينشد في هذا أبياتا منها قوله:
    يا ليتني شاهد فحواء دعوته
    إذا قريش تبغي الحق خذلانا
    وقد ذكر الماوردي هذا الخبر عن كعب في كتاب الأحكام له
    لؤي:
    وأما لؤي، فقال ابن الأنباري هو تصغير اللأي وهو الثور الوحشي وأنشد:
    يعتاد أدحية بقين بقفرة
    ميثاء يسكنها اللأي والفرقد 2
    قال أبو حنيفة: اللأي هي البقرة قال وسمعت أعرابيا يقول بكم لاءك هذه وأنشد في وصف فلاة:

    1 آلة قديمة من آلات الحصار كانت ترمي بها حجارة ثقيلة على الأسوار فتهدمها وهي مؤنثة معربة.
    2 أدحية: أمكنة بيض النعام، ميثاء: لينة سهلة، الفرقد: ولد البقر.
    (1/29)
    ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة، واسم مدركة: عامر بن إلياس بن مضر بن

    كظهر اللأي لو يبتغي رية بها ... نهارا لأعيت في بطون الشواجن
    الشواجن: شعب الجبال، والرية: مقلوب من ورى الزند وأصله: ورية وهو الحراق الذي يشعل به الشررة من الزند وهو عندي تصغير لأي واللأي البطء كأنهم يريدون معنى الأناة وترك العجلة وذلك أني ألفيته في أشعار بدر مكبرا على هذا اللفظ في شعر أبي أسامة حيث يقول:
    فدونكم بني لأي أخاكم ... ودونك مالكا يا أم عمرو 1
    مع ما جاء في بيت الحطيئة في غيره:
    أتت آل شماس بن لأي وإنما ... أتاهم بها الأحلام والحسب العد 2
    وفي الحديث من قول أبي هريرة:
    "والراوية يومئذ يستقى عليها" أحب إلي من شاء ولاء، فاللاء ههنا جمع اللائي، وهو الثور مثل الباقر والجامل وتوهم ابن قتيبة أن قوله لاء مثل ماء فخطأ الرواية وقال إنما هو ألآء مثل ألعاع جمع لأي وليس الصواب إلا ما تقدم وأنه لاء مثل جاء.
    فهروغيره:
    وأما فهر فقد قيل إنه لقب والفهر من الحجارة الطويل واسمه قريش وقيل بل اسمه فهر وقريش لقب له على ما سيأتي الاختلاف فيه - إن شاء الله تعالى - ومالك والنضر وكنانة لا إشكال فيها.

    في الشعر الذي قيل في قتلى بدر من المشركين، ويريد ببني لأي بني لؤي.
    2 العد: القديم.
    (1/30)

    خزيمة:
    وخزيمة والد كنانة تصغير خزمة وهي واحدة الخزم ويجوز أن يكون تصغير خزمة وكلاهما موجود في أسماء الأنصار وغيرهم وهي المرة الواحدة من الخزم1 وهو شد الشيء وإصلاحه وقال أبو حنيفة الخزم مثل الدوم تتخذ من سعفه الحبال ويصنع من أسافله خلايا للنحل وله ثمر لا يأكله الناس ولكن تألفه الغربان وتستطيبه.
    مدركة وإلياس:
    وأما مدركة2 فمذكور في "الكتاب" وإلياس أبوه قال فيه ابن الأنباري إلياس بكسر الهمزة وجعله موافقا لاسم إلياس النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال في اشتقاقه أقوالا منها: أن يكون فعيالا من الألس وهي الخديعة وأنشد من فهة3 الجهل والألسة.
    ومنها أن الألس اختلاط العقل وأنشدوا:
    إني إذا لضعيف العقل مألوس
    ومنها: أنه إفعال من قولهم: رجل أليس وهو الشجاع الذي لا يفر. قال العجاج:
    أليس عن حوبائه4 سخي

    1 الخزم: شجر تتخذ من لحائه الجبال، وهو خوص الدوم.
    2 لقب مدركة لأنه أدرك الإبل التي كانت قد ضلت وهو من أدرك يدرك إداركاً أي لحق.
    3 الفهة: العي والزلة والجهلة.
    4 الحوباء: النفس أو روع القلب.
    (1/31)
    نزار بن معد بن عدنان بن [أدّ، ويقال]: أدد بن مقوم بن

    وقال الشاعر:
    أليس كالنشوان وهو صاح.
    وفي "غريب الحديث" للقتبي أن فلانا: أليس أهيس ألد ملحس. إن سئل أزز وإن دعي انتهز. وقد فسره وزعم أن أهيس مقلوب الواو وأنه مرة من الهوس وجعلت واوه ياء لازدواج الكلام فالأليس الثابت الذي لا يبرح والذي قاله غير ابن الأنباري أصح، وهو أنه الياس سمي بضد الرجاء واللام فيه للتعريف والهمزة همزة وصل وقاله قاسم بن ثابت في الدلائل 1 وأنشد أبياتا شواهد منها قول قصي:
    إني لدى الحرب رخي اللبب ... أمهتي خندف والياس أبي2
    ويقال إنما سمي السل داء ياس وداء إلياس لأن إلياس بن مضر مات منه. قال ابن هرمة
    يقول العاذلون إذا رأوني ... أصبت بداء ياس فهو مودي
    وقال ابن أبي عاصية:
    فلو كان داء إلياس بي، وأعانني ... طبيب بأرواح العقيق شفانيا
    وقال عروة بن حزام:
    بي إلياس أو داء الهيام أصابني ... فإياك عني لا يكن بك ما بيا
    ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا تسبوا إلياس فإنه كان مؤمنا" وذكر أنه كان يسمع في صلبه تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحج. ينظر في كتاب "المولد" للواقدي.

    1 هو ابن حزم العوفي المالكي الأندلسي الفقيه المحدث ت 302هـ).
    2 اللبب: المنحر وموضع القلادة من الصدر وهو ما يشد في صدر الدابة.
    (1/32)

    وإلياس أول من أهدى البدن للبيت. قاله الزبير. وأم إلياس الرباب بنت حميرة بن معد بن عدنان قاله الطبري، وهو خلاف ما قاله ابن هشام في هذا الكتاب.
    وأما مضر، فقد قال القتبي هو من المضيرة أو من اللبن الماضر والمضيرة شيء يصنع من اللبن فسمي مضر لبياضه والعرب تسمي الأبيض أحمر فلذلك قيل مضر الحمراء وقيل بل أوصى له أبوه بقبة حمراء، وأوصى لأخيه ربيعة بفرس فقيل مضر الحمراء وربيعة الفرس.
    ومضر أول من سن للعرب حداء الإبل1 وكان أحسن الناس صونا فيما زعموا - وسنذكر سبب ذلك فيما بعد - إن شاء الله تعالى - وفي الحديث المروي "لا تسبوا مضر ولا ربيعة، فإنهما كانا مؤمنين" ذكره الزبير بن أبي بكر.
    نزار ومعد:
    وأما نزار، فمن النزر وهو القليل وكان أبوه حين ولد له ونظر إلى النور بين عينيه وهو نور النبوة الذي كان ينتقل في الأصلاب إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فرح فرحا شديدا به ونحر وأطعم وقال إن هذا كله نزر لحق هذا المولود فسمي نزارا لذلك2.
    وأما معد أبوه فقال ابن الأنباري فيه ثلاثة أقوال أحدها، أن يكون مفعلا من العد والثاني أن يكون فعلا من معد في الأرض أي أفسد كما قال:
    وخاربين خربا فمعدا ... ما يحسبان الله إلا رقدا3

    1 ذكر ابن الأثير: أنه سقط عن بعيره فجعل يقول: يا يداه فأتته الإبل.
    2 قال الأصفهاني: سمي بذلك لأنه كان فريد عصره، وقيل لنحافته، وقال الماوردي: أنه كان مهزول البدن.
    3 معد في الأرض: إذا أبعد في الذهاب.

    وإن كان ليس في الأسماء ما هو على وزن فعل بفتح الفاء إلا مع التضعيف فإن التضعيف يدخل في الأوزان ما ليس فيها كما قالوا. شمر وقشعريرة ولولا التضعيف ما وجد مثل هذا، ونحو ذلك الثالث أن يكون من المعدين وهما موضع عقبي الفارس من الفرس1 وأصله على القولين الأخيرين من المعد بسكون العين وهو القوة ومنه اشتقاق المعدة.
    عدنان:
    وأما عدنان ففعلان من عدن إذا أقام ولعدنان أخوان نبت وعمرو فيما ذكر الطبري.
    النسب قبل عدنان:
    وأدد مصروف. قال ابن السراج. هو من الود وانصرف لأنه مثل ثقب وليس معدولا كعمر وهو معنى قول سيبويه.
    وقد قيل في عدنان هو ابن ميدعة وقيل ابن يحثم قاله القتبي وما بعد عدنان من الأسماء مضطرب فيه فالذي صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه انتسب إلى عدنان لم يتجاوزه بل قد روي عن طريق ابن عباس أنه لما بلغ عدنان. قال "كذب النسابون مرتين أو ثلاثا" 2، والأصح في هذا الحديث أنه من قول ابن مسعود وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال "إنما ننتسب إلى عدنان وما فوق ذلك لا ندري ما هو" وأصح شيء روي فيما بعد عدنان ما ذكره الدولابي أبو بشر من طريق موسى بن يعقوب عن عبد الله بن وهب بن زمعة الزمعي عن عمته عن أم سلمة عن
    1 في "اللسان" أيضاً المعدان الجنبان من الإنسان وغيره.
    2 أخرجه ابن عساكر وابن سعد والديلمي وقال ابن عبد البر: ليس بالإسناد القوي.
    (1/34)
    النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "معد بن عدنان بن أدد بن زند - بالنون - بن اليرى بن أعراق الثرى" قالت أم سلمة. فزند هو الهميسع واليرى هو نبت وأعراق الثرى هو إسماعيل لأنه ابن إبراهيم وإبراهيم لم تأكله النار كما أن النار لا تأكل الثرى.
    وقد قال الدارقطني: لا نعرف زندا إلا في هذا الحديث وزند بن الجون وهو أبو دلامة الشاعر.
    قال المؤلف وهذا الحديث عندي ليس بمعارض لما تقدم من قوله "كذب النسابون" ولا لقول عمر - رضي الله عنه - لأنه حديث متأول يحتمل أن يكون قوله "ابن اليرى، ابن أعراق الثرى" كما قال "كلكم بنو آدم وآدم من تراب" لا يريد أن الهميسع ومن دونه ابن لإسماعيل لصلبه ولا بد من هذا التأويل أو غيره لأن أصحاب الأخبار لا يختلفون في بعد المدة ما بين عدنان وإبراهيم ويستحيل في العادة أن يكون بينهما أربعة آباء أو سبعة كما ذكر ابن إسحاق، أو عشرة أو عشرون فإن المدة أطول من ذلك كله وذلك. أن معد بن عدنان كان في مدة بختنصر1 ابن ثنتي عشرة سنة.
    قال الطبري: وذكر أن الله تعالى أوحى في ذلك الزمان إلى إرمياء بن حلقيا2 أن اذهب إلى بختنصر فأعلمه أني قد سلطته على العرب، واحمل معدا على البراق كيلا تصيبه النقمة فيهم فإني مستخرج من صلبه نبيا كريما أختم به الرسل فاحتمل معدا على البراق إلى أرض الشام، فنشأ مع بني إسرائيل وتزوج هناك امرأة اسمها: معانة بنت جوشن من بني دب بن جرهم، ويقال في اسمها: ناعمة. قاله الزبير ومن ثم وقع في كتاب "الإسرائيليين" نسب معد ثبته في كتبه رخيا، وهو يورخ كاتب إرمياء.
    كذلك ذكر أبو عمر النمري3 حدثت بذلك عن الغساني عنه، وبينه وبين

    1 ذكر المسعودي أنه كان مرزبان العراق والمغرب وهو الذي فتح بيت المقدس.
    2 وهو أحد أنبياء العبرانيين كما ذكر بوست.
    3 أبو عمر بن عبد البر: هو يوسف بن عبد الله بن محمد شيبخ علماء الأندلس وكبير محدثيها في عصره ت: 463هـ).
    (1/35)
    ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم - خليل الرحمن - بن تارح وهو آزر بن ناحور بن ساروغ بن راعو بن فالخ بن عيبر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ، وهو إدريس النبي - فيما يزعمون - والله أعلم وكان أول بني آدم أعطي النبوة وخط بالقلم - ابن يرد بن مهليل بن قينن بن يانش بن شيث بن آدم صلى الله عليه وسلم.

    إبراهيم في ذلك النسب نحو من أربعين جدا، وقد ذكرهم كلهم أبو الحسن المسعودي على اضطراب في الأسماء ولذلك - والله أعلم - أعرض النبي - صلى الله عليه وسلم - عن رفع نسب عدنان إلى إسماعيل لما فيه من التخليط وتغيير في الألفاظ وعواصة تلك الأسماء مع قلة الفائدة في تحصيلها. وقد ذكر الطبري نسب عدنان إلى إسماعيل من وجوه ذكر في أكثرها نحوا من أربعين أبا، ولكن باختلاف في الألفاظ لأنها نقلت من كتب عبرانية وذكر من وجه قوي في الرواية عن نساب العرب، أن نسب عدنان يرجع إلى قيذر بن إسماعيل وأن قيذر كان الملك في زمانه وأن معنى قيذر الملك إذا فسر وذكر الطبري في عمود هذا النسب بورا بن شوحا، وهو أول من عتر العتيرة وأن شوحا هو سعد رجب وأنه أول من سن رجبا للعرب. والعتيرة هي الرجبية.
    وذكر في هذا النسب عبيد بن ذي يزن بن هماذا، وهو الطعان وإليه تنسب الرماح اليزنية 1 وذكر فيهم أيضا دوس العتق وكان من أحسن الناس وجها، وكان يقال في المثل أعتق من دوس، وهو الذي هزم جيش قطورا بن جرهم.
    وذكر فيهم إسماعيل ذا الأعوج وهو فرسه وإليه تنسب الخيل الأعوجية وهذا هو الذي يشبه فإن بختنصر كان بعد سليمان بمئتين من السنين لأنه كان عاملا على العراق "لكي لهراسب" ثم لابنه "كي بستاسب" إلى مدة بهمن قبل غلبة الإسكندر على دارا بن دارا بهمن، وذلك قريب من مدة عيسى ابن مريم فأين هذه المدة من

    1 ذكر الطبري عن ابن إبداعي: هو عبيد وهو أول من قاتل بالرماح فنسبت إليه.
    (1/36)
    قال أبو محمد عبد الملك بن هشام حدثنا زياد بن عبد الله البكائي، عن محمد بن إسحاق المطلبي بهذا الذي ذكرت من نسب محمد رسول الله صلى الله وآله وسلم إلى آدم عليه السلام وما فيه من حديث إدريس وغيره.
    قال ابن هشام: وحدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي، عن شيبان بن زهير بن شقيق بن ثور عن قتادة بن دعامة أنه قال:

    مدة إسماعيل؟ وكيف يكون بين معد وبنيه مع هذا سبعة آباء فكيف أربعة والله أعلم؟
    وكان رجوع معد إلى أرض الحجاز بعد ما رفع الله بأسه عن العرب ورجعت بقاياهم التي كانت في الشواهق إلى محالهم ومياههم بعد أن دوخ بلادهم بختنصر وخرب المعمور واستأصل أهل حضور 1 وهم الذين ذكرهم الله تعالى في قوله {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} [الأنبياء: 11]؛ وذلك لقتلهم شعيب بن ذي مهدم 2 نبيا أرسله الله إليهم وقبره بصنين جبل باليمن وليس بشعيب الأول صاحب مدين. ذلك شعيب بن عيفي، ويقال فيه ابن صيفون وكذلك أهل عدن، قتلوا نبيا أرسل إليهم اسمه حنظلة بن صفوان فكانت سطوة الله بالعرب لذلك نعوذ بالله من غضبه وأليم عقابه.
    عود إلى النسب:
    ثم نعود إلى النسب: فأما مقوم 3 بكسر الواو، وأبو أدد فمفهوم المعنى، وتيرح فيعل من الترحة إن كان عربيا. وكذلك ناحور من النحر ويشجب من

    1 بلدة باليمن نم أعمال زبيد.
    2 قال في "القاموس" وذو مهدم كمنبر ومقعد: قيل لحمير وملك الحبش.
    3 في الطبري مقوم وفي "المعارف" بتشديد الواو مع كسر.
    (1/37)
    إسماعيل بن إبراهيم - خليل الرحمن - ابن تارح، وهو آزر - بن ناحور بن أسرغ بن أرغو بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قاين بن أنوش بن شيث بن آدم صلى الله عليه وسلم.
    نهج ابن هشام في هذا الكتاب:
    قال ابن هشام: وأنا إن شاء الله مبتدئ هذا الكتاب بذكر إسماعيل بن إبراهيم ومن ولد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من ولده وأولادهم لأصلابهم الأول

    الشجب وإن كان المعروف أن يقال شجب بكسر الجيم يشجب بفتحها، ولكن قد يقال في المغالبة شاجبته فشجبته أشجبه بضم الجيم في المستقبل وفتحها في الماضي ; كما يقال من العلم عالمته فعلمته بفتح اللام أعلمه بضمها. وقد ذكرهم أبو العباس الناشئ في قصيدته المنظومة في نسب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى آدم كما ذكرهم ابن إسحاق.
    وإبراهيم معناه أب راحم وآزر قيل معناه يا أعوج وقيل هو اسم صنم وانتصب على إضمار الفعل في التلاوة وقيل هو اسم لأبيه كان يسمى تارح وآزر وهذا هو الصحيح لمجيئه في الحديث منسوبا إلى آزر وأمه نونا، ويقال في اسمها: ليوثي 1، أو نحو هذا وما بعد إبراهيم أسماء سريانية فسر أكثرها بالعربية ابن هشام في غير هذا الكتاب وذكر أن فالع معناها: القسام وشالخ معناها: الرسول أو الوكيل وذكر أن إسماعيل تفسيره مطيع الله وذكر الطبري أن بين فالع وعابر أبا اسمه قينن أسقط اسمه في التوراة، لأنه كان ساحرا، وأرفخشذ 2 تفسيره مصباح مضيء وشاذ مخفف بالسريانية "الضياء ومنه حم شاذ" بالسريانية وهو رابع الملوك بعد "جيومرث"، وهو الذي قتله الضحاك، واسمه "بيوراسب بن

    1 ذكر الطبري أنها بنت كريتا وفي رواية أنموتا.
    2 كذا في "المروج" و"المقصد" و"الأمم" وفي "المعارف": أرفخشد.
    (1/38)
    فالأول من إسماعيل إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وما يعرض من حديثهم وتارك ذكر غيرهم من ولد إسماعيل على هذه الجهة للاختصار إلى حديث سيرة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وتارك بعض ما ذكره ابن إسحاق في هذا الكتاب مما ليس لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيه ذكر ولا نزل فيه من القرآن شيء وليس سببا لشيء من هذا الكتاب ولا تفسيرا له ولا شاهدا عليه لما ذكرت من الاختصار وأشعارا ذكرها لم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرفها، وأشياء بعضها
    ـــــــ
    إندراسب" والضحاك مغير من ازدهاق. قال حبيب:
    وكأنه الضحاك في فتكاته ... بالعالمين وأنت أفريدون
    لأن أفريدون هو الذي قتل الضحاك، بعد أن عاش ألف سنة في جور وعتو وطغيان عظيم وذلك مذكور على التفصيل في تاريخ الطبري وغيره.
    نوح ومن قبله:
    وذكر نوحا - عليه السلام - واسمه عبد الغفار وسمي نوحا لنوحه على ذنبه وأخوه صابئ بن لامك، إليه ينسب دين الصابئين فيما ذكروا والله أعلم.
    وذكر أن لامك والد نوح عليه السلام. ولامك أول من اتخذ العود للغناء بسبب يطول ذكره واتخذ مصانع الماء. وأبوه متوشلخ. وذكره الناشئ في قصيدته فقال متوشلخ، وتفسيره مات الرسول لأن أباه كان رسولا وهو خنوخ؟ وقال ابن إسحاق وغيره هو إدريس النبي - عليه السلام - وروى ابن إسحاق في الكتاب الكبير عن شهر بن حوشب عن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "أول من كتب بالقلم إدريس" 1 وعنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال "أول من كتب بالعربية
    ـــــــ
    1 رواه أحمد عن ابي ذر.
    (1/39)
    .................................................. ..............................................
    ـــــــ
    إسماعيل" وقال أبو عمر: وهذه الرواية أصح من رواية من روى: أن أول من تكلم بالعربية إسماعيل والخلاف كثير في أول من تكلم بالعربية. وفي أول من أدخل الكتاب العربي أرض الحجاز. فقيل حرب بن أمية. قاله الشعبي. وقيل هو شعبان بن أمية. وقيل عبد بن قصي تعلمه بالحيرة 1 أهل الحيرة من أهل الأنبار 2.
    إدريس:
    قال المؤلف ثم نرجع الآن إلى ما كنا بصدده. فنقول إن إدريس - عليه السلام - قد قيل إنه إلياس وإنه ليس بجد لنوح. ولا هو في عمود هذا النسب. وكذلك سمعت شيخنا الحافظ أبا بكر - رحمه الله - يقول - ويستشهد بحديث الإسراء - فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كلما لقي نبيا من الأنبياء الذين لقيهم ليلة الإسراء قال "مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح". وقال له آدم مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح. كذلك قال له إبراهيم. وقال له إدريس والأخ الصالح. فلو كان في عمود نسبه لقال له كما قال له أبوه إبراهيم وأبوه آدم ولخاطبه بالبنوة ولم يخاطبه بالأخوة. وهذا القول عندي أنبل والنفس إليه أميل لما عضده من هذا الدليل.
    وقال: إدريس بن يرد وتفسيره الضابط. ابن مهلائيل، وتفسيره الممدح وفي زمنه كان بدء عبادة الأصنام.
    "ابن قينان" وتفسيره المستوى. "ابن أنوش" وتفسيره الصادق وهو
    ـــــــ
    1 مدينة على ثلاثة أميال من الكوفة.
    2 الأنبار: مدينة قرب بلخ بخراسان. ومدينة علىالفرات الغربي بغداد كانت الفرس تسميها: فيروز سابور وهي المقصودة.
    (1/40)
    .................................................. ..............................................
    ـــــــ
    بالعربية أنش وهو أول من غرس النخلة وبوب الكعبة 1 وبذر الحبة فيما ذكروا، "ابن شيث" وهو بالسريانية: شاث. وبالعبرانية: شيث. وتفسيره عطية الله "ابن آدم".
    آدم:
    وفيه ثلاثة أقوال قيل هو اسم سرياني وقيل هو أفعل من الأدمة. وقيل أخذ من لفظ الأديم 2. لأنه خلق من أديم الأرض. وروي ذلك عن ابن عباس. وذكر قاسم بن ثابت في الدلائل عن محمد بن المستنير. وهو قطرب أنه قال لو كان من أديم الأرض لكان على وزن فاعل وكانت الهمزة أصلية فلم يكن يمنعه من الصرف مانع وإنما هو على وزن أفعل من الأدمة. ولذلك جاء غير مجرى 3.
    قال المؤلف: وهذا القول ليس بشيء ; لأنه لا يمتنع أن يكون من الأديم ويكون على وزن أفعل. تدخل الهمزة الزائدة على الهمزة الأصلية كما تدخل على همزة الأدمة. فأول الأدمة همزة أصلية. فكذلك أول الأديم همزة أصلية. فلا يمتنع أن يبنى منها أفعل. فيكون غير مجرى. كما يقال رجل أعين وأرأس من العين والرأس. وأسوق وأعنق من الساق والعنق. مع ما في هذا القول من المخالفة لقول السلف الذين هم أعلم منه لسانا، وأذكى جنانا.
    حكم التكلم في الأنساب:
    قال المؤلف وإنما تكلمنا في رفع هذا النسب على مذهب من رأى ذلك من
    ـــــــ
    1 ورد أن أول من أقام الكعبة إبراهيم وإسماعيل فكيف يقال أن هذا بوبها؟!
    2 ظاهر الشيء والجلد.
    3 أي ممنوع من التنوين.
    (1/41)
    يشنع الحديث به، وبعض يسوء بعض الناس ذكره، وبعض لم يقر لنا البكائي بروايته؛ ومستقص إن شاء الله تعالى ما سوى ذلك منه بمبلغ الرواية له، والعلم به.
    ـــــــ
    العلماء. ولم يكرهه كابن إسحاق والطبري والبخاري والزبيريين، وغيرهم من العلماء. وأما مالك - رحمه الله - فقد سئل عن الرجل يرفع نسبه إلى آدم فكره ذلك. قيل له فإلى إسماعيل فأنكر ذلك أيضا. وقال ومن يخبره به؟ وكره أيضا أن يرفع في نسب الأنبياء مثل أن يقال إبراهيم بن فلان بن فلان. قال ومن يخبره به؟ وقع هذا الكلام لمالك في الكتاب الكبير المنسوب إلى المعيطي وإنما أصله لعبد الله بن محمد بن حنين 1. وتممه المعيطي، فنسب إليه. وقول مالك هذا نحو مما روي عن عروة بن الزبير أنه قال ما وجدنا أحدا يعرف ما بين عدنان وإسماعيل وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يعرفون.
    ـــــــ
    1 في "شرح المواهب" للزرقاني بن جبير).
    (1/42)
    سياقة النسب من ولد إسماعيل عليه السلام
    ...
    سياقة النسب من ولد إسماعيل عليه السلام
    أولاد إسماعيل عليه السلام ونسب أمهم:
    قال ابن هشام: حدثنا زياد بن عبد الله البكائي، عن محمد بن إسحاق المطلبي قال
    ولد إسماعيل بن إبراهيم - عليهم السلام - اثني عشر رجلا: نابتا - وكان أكبرهم - وقيذر1 ، وأذبل ومنشا، ومسمعا، وماشى، ودما، وأذر، وطيما، ويطور2 ، ونبش3 وقيذما. وأمهم بنت مضاض بن عمرو الجرهمي - قال ابن هشام: ويقال مضاض. وجرهم بن قحطان - وقحطان أبو اليمن كلها، وإليه يجتمع نسبها - ابن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح.
    قال ابن إسحاق: جرهم بن يقطن بن عيبر بن شالخ، ويقطن هو قحطان بن عيبر بن شالخ.
    ـــــــ
    ذكر إسماعيل صلى الله عليه وبنيه
    وقد كان لإبراهيم - عليه السلام - بنون سوى إسحاق وإسماعيل منهم ستة من قطورا بنت يقطر وهم مديان وزمران وسرج بالجيم ونقشان - ومن ولد نقشان البربر في أحد الأقوال - وأمهم رغوة. ومنهم نشق وله بنون آخرون من حجون بنت
    ـــــــ
    1 ويقال فيه قيذار أيضاً راجع "أنساب العرب" و"أصول الأحساب".
    2 في "الطبري" طور وفي "أنساب البحر" قاطور.
    3 في الطبري نفيس، وفي "أصول الأحساب" يافيش، وفي "أنساب العرب" فنيس.
    (1/43)
    عمر إسماعيل عليه السلام ومدفنه:
    قال ابن إسحاق: وكان عمر إسماعيل - فيما يذكرون - مائة سنة وثلاثين سنة ثم مات - رحمة الله وبركاته عليه - ودفن في الحجر مع أمه هاجر، رحمهم الله تعالى.
    موطن هاجر:
    قال ابن هشام: تقول العرب: هاجر وآجر فيبدلون الألف من الهاء كما قالوا: هراق الماء وأراق الماء وغيره وهاجر من أهل مصر.
    ـــــــ
    أهين، وهم كيسان وسورج وأميم ولوطان ونافس. هؤلاء بنو إبراهيم.
    وقد ذكر ابن إسحاق أسماء بني إسماعيل ولم يذكر بنته، وهي نسمة 1 بنت إسماعيل وهي امرأة عيصو بن إسحاق وولدت له الروم وفارس - فيما ذكر الطبري - وقال أشك في الأشبان هل هي أمهم أم لا؟ وهم من ولد عيصو، ويقال فيه أيضا: عيصا، وذكر في ولد إسماعيل طيما2 ، وقيده الدارقطني: ظميا بظاء منقوطة بعدها ميم كأنها تأنيث أظمى، والظمى مقصور سمرة في الشفتين.
    وذكر دما، ورأيت للبكري أن دومة الجندل عرفت بدوما بن إسماعيل وكان نزلها، فلعل دما مغير منه وذكر أن الطور سمي بيطور بن إسماعيل فلعله محذوف الياء أيضا - إن كان صح ما قاله - والله أعلم.
    وأما الذي قاله أهل التفسير في الطور، فهو كل جبل ينبت الشجر فإن لم ينبت شيئا فليس بطور وأما قيدر فتفسيره عندهم صاحب الإبل وذلك أنه كان صاحب إبل إسماعيل. قال وأمه هاجر. ويقال فيها: آخر وكانت سرية
    ـــــــ
    1 في "الطبري" بسمة، وفي "التكوين" أن عيصو أو عيسو تزوج هو ديت بنت بيري الحثى وبسمة بنت إيلون الحثى.
    2 بفتح الطاء وكسرها وسكون الياء، وفي "أصول الانساب" تيما، وفي "الطبري" طما، وفي "التكوين" تيما.
    (1/44)
    وصاة الرسول صلى الله عليه وسلم بأهل مصر وسبب ذلك:
    قال ابن هشام: حدثنا عبد الله بن وهب عن عبد الله بن لهيعة، عن عمر مولى غفرة 1 أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم – قال:
    "الله الله في أهل الذمة، أهل المدرة السوداء السحم الجعاد 2 فإن لهم نسبا وصهرا".
    ـــــــ
    لإبراهيم وهبتها له سارة بنت عمه وهي سارة بنت توبيل بن ناحور وقيل بنت هاران بن ناحور وقيل هاران بنت تارح.
    وهي بنت أخيه على هذا، وأخت لوط. قاله القتبي في المعارف وقاله النقاش في التفسير وذلك أن نكاح بنت الأخ كان حلالا إذ ذاك فيما ذكر ثم نقض النقاش هذا القول في تفسير قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً} [الشورى: 13]. إن هذا يدل على تحريم بنت الأخ على لسان نوح - عليه السلام - وهذا هو الحق، وإنما توهموا أنها بنت أخيه لأن هاران أخوه وهو هاران الأصغر وكانت هي بنت هاران الأكبر وهو عمه وبهاران سميت مدينة حران لأن الحاء هاء بلسانهم وهو سرياني وذكر الطبري أن إبراهيم إنما نطق بالعبرانية حين عبر النهر فارا من النمروذ، وكان النمروذ قد قال للطلب الذين أرسلهم في طلبه إذا وجدتم فتى يتكلم بالسريانية، فردوه فلما أدركوه استنطقوه فحول الله لسانه عبرانيا، وذلك حين عبر النهر فسميت العبرانية بذلك وأما السريانية فيما ذكر ابن سلام - فسميت بذلك لأن الله - سبحانه - لما علم آدم الأسماء كلها، علمه سرا من الملائكة وأنطقه بها حينئذ وكانت هاجر قبل ذلك لملك الأردن، واسمه صادوق - فيما ذكر القتبي - دفعها إلى سارة حين أخذها من إبراهيم عجبا منه بجمالها، فصرع مكانه فقال ادعي الله أن يطلقني. الحديث وهو مشهور في الصحاح، فأرسلها، وأخدمها هاجر، وكانت هاجر قبل ذلك الملك بنت ملك من ملوك القبط بمصر
    ـــــــ
    1 هي: غفرة بنت بلال وقيل: أخته.
    2 المدرة: البلدة، والسحم: السود، والجعاد: الذين في شعرهم تكسير.
    (1/45)
    قال عمر مولى غفرة: نسبهم أن أم إسماعيل النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم. وصهرهم أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تسرر فيهم.
    قال ابن لهيعة أم إسماعيل هاجر، من "أم العرب" قرية كانت أمام الفرما من مصر. وأم إبراهيم: مارية سرية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - التي أهداها له المقوقس من حفن 1 من كورة أنصنا.
    قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري: أن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري ثم السلمي حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال:
    "إذا افتتحتم مصر، فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما" فقلت لمحمد بن مسلم الزهري: ما الرحم التي ذكر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لهم؟ فقال كانت هاجر أم إسماعيل منهم.
    ـــــــ
    كره الطبري من حديث سيف بن عمر أو غيره أن عمرو بن العاص حين حاصر مصر، قال لأهلها: إن نبينا عليه السلام قد وعدنا بفتحها، وقد أمرنا أن نستوصي بأهلها خيرا، فإن لهم نسبا وصهرا، فقالوا له هذا نسب لا يحفظ حقه إلا نبي، لأنه نسب بعيد. وصدق كانت أمكم امرأة لملك من ملوكنا، فحاربنا أهل عين شمس فكانت لهم علينا دولة فقتلوا الملك واحتملوها، فمن هناك تصيرت إلى أبيكم إبراهيم - أو كما قالوا - وذكر الطبري أن الملك الذي أراد سارة هو سنان بن علوان وأنه أخو الضحاك الذي تقدم ذكره وفي كتاب التيجان لابن هشام أنه عمرو بن امرئ القيس بن بابليون بن سبأ، وكان على مصر والله أعلم.
    وهاجر أول امرأة ثقبت أذناها، وأول من خفض2 من النساء وأول من جرت ذيلها، وذلك أن سارة غضبت عليها، فحلفت أن تقطع ثلاثة أعضاء من أعضائها،
    ـــــــ
    1 قرية من قرى الصعيد، وقيل: ناحية من نواحي مصر.
    2 خفض الصبية خفاضاً: ختنها، والشريعة لا توجب هذا.
    (1/46)
    أصل العرب:
    قال ابن هشام: فالعرب كلها من ولد إسماعيل وقحطان وبعض أهل اليمن يقول قحطان من ولد إسماعيل ويقول إسماعيل أبو العرب كلها.
    قال ابن إسحاق: عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح وثمود وجديس ابنا عابر بن إرم بن سام بن نوح وطسم وعملاق وأميم بنو لاوذ بن سام بن نوح. عرب كلهم فولد نابت بن إسماعيل: يشجب بن نابت فولد يشجب يعرب بن يشجب فولد يعرب تيرح بن يعرب فولد تيرح: ناحور بن تيرح، فولد ناحور مقوم بن ناحور: فولد مقوم أدد بن مقوم فولد أدد عدنان بن أدد. قال ابن هشام: ويقال عدنان بن أد.
    ـــــــ
    فأمرها إبراهيم -عليه السلام - أن تبر قسمها بثقب أذنيها وخفاضها، فصارت سنة في النساء وممن ذكر هذا الخبر ابن أبي زيد في "نوادره".
    وإسماعيل عليه السلام نبي مرسل أرسله الله تعالى إلى أخواله من جرهم وإلى العماليق الذين كانوا بأرض الحجاز، فآمن بعض وكفر بعض.
    وقوله: وأمهم بنت مضاض ولم يذكر اسمها. واسمها: السيدة ذكره الدارقطني. وقد كان له امرأة سواها من جرهم، وهي التي أمره أبوه بتطليقها حين قال لها إبراهيم قولي لزوجك: فليغير عتبته1 يقال اسمها: جداء بنت سعد ثم تزوج أخرى، وهي التي قال لها إبراهيم في الزورة الثانية قولي لزوجك: فليثبت عتبة بيته الحديث وهو مشهور في الصحاح أيضا يقال اسم هذه الآخرة سامة بنت مهلهل ذكرهما، وذكر التي قبلها الواقدي في كتاب "انتقال النور" وذكرها المسعودي أيضا وقد قيل في الثانية عاتكة.
    ـــــــ
    1 لأنه كما ورد في "صحيح البخاري" سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بشر نحن في ضيق وشدة فلما جاء إساعيل وأخبرته بما حصل مع أبيه فقال لها ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك.
    (1/47)
    أولاد عدنان:
    قال ابن إسحاق: فمن عدنان تفرقت القبائل من ولد إسماعيل بن إبراهيم
    ـــــــ
    هدايا المقوقس:
    وقوله: في حديث عمر: مولى غفرة، وغفرة هذه هي أخت بلال بن رباح. وقول مولى غفرة هذا: إن صهرهم لكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسرر منهم يعني: مارية بنت شمعون التي أهداها إليه المقوقس، واسمه جريج بن ميناء، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أرسل إليه حاطب بن أبي بلتعة وجبرا مولى أبي رهم الغفاري فقارب الإسلام وأهدى معهما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بغلته التي يقال لها دلدل والدلدل القنفذ العظيم وأهدى إليه مارية بنت شمعون، والمارية بتخفيف الياء البقرة الفتية بخط ابن سراج يذكره عن أبي عمرو المطرز.
    وأما المارية بالتشديد فيقال قطاة مارية أي ملساء قاله أبو عبيد في الغريب المصنف.
    وأهدى إليه أيضا قدحا من قوارير فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشرب فيه. رواه ابن عباس، فيقال أن هرقل عزله لما رأى من ميله إلى الإسلام. ومعنى المقوقس: المطول للبناء والقوس الصومعة العالية، يقال في مثل أنا في القوس وأنت في القرقوس متى نجتمع؟ وقول ابن لهيعة بالفرما من مصر. الفرما: مدينة كانت تنسب إلى صاحبها الذي بناها، وهو الفرما بن قيلقوس، ويقال فيه ابن قليس، ومعناه محب الغرس ويقال فيه ابن بليس. ذكره المسعودي. والأول قول الطبري، وهو أخو الإسكندر بن قليس اليوناني وذكر الطبري أن الإسكندر حين بنى مدينة الإسكندرية قال أبني مدينة فقيرة إلى الله غنية عن الناس وقال الفرما: أبنى مدينة فقيرة إلى الناس غنية عن الله فسلط الله على مدينة الفرما الخراب سريعا، فذهب رسمها، وعفا أثرها، وبقيت مدينة الإسكندر إلى الآن وذكر الطبري أن عمرو بن
    (1/48)
    - عليهما السلام - فولد عدنان رجلين معد بن عدنان، وعك بن عدنان.
    موطن عك:
    قال ابن هشام: فصارت عك في دار اليمن، وذلك أن عكا تزوج في الأشعريين فأقام فيهم فصارت الدار واللغة واحدة والأشعريون: بنو أشعر بن نبت بن أدد بن
    ـــــــ
    العاص حين افتتح مصر1 ، وقف على آثار مدينة الفرما، فسأل عنها، فحدث بهذا الحديث والله أعلم.
    مصر وحفن:
    وأما مصر فسميت بمصر بن النبيط ويقال ابن قبط بن النبيط من ولد كوش بن كنعان2 . وأما حفن التي ذكر أنها قرية أم إبراهيم بن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقرية بالصعيد معروفة وهي التي كلم الحسن بن علي - رضي الله عنهما - معاوية أن يضع الخراج عن أهلها، ففعل معاوية ذلك حفظا لوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهم ورعاية لحرمة الصهر ذكره أبو عبيد في كتاب الأموال وذكر "أنصنا" وهي قرية بالصعيد يقال إنها كانت مدينة السحرة. قال أبو حنيفة ولا ينبت اللبخ إلا بأنصنا، وهو عود تنشر منه ألواح للسفن وربما، رعف ناشرها، ويباع اللوح منها بخمسين دينارا، أو نحوها، وإذا شد لوح منها بلوح وطرح في الماء سنة التأما، وصارا لوحا واحدا.
    عك:
    فصل وذكر عك بن عدنان، وأن بعض أهل اليمن يقول فيه عك بن عدنان بن عبد الله، بن الأزد، وذكر الدارقطني في هذا الموضع عن ابن الحباب أنه
    ـــــــ
    1 أكثر المؤرخين على أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل كتبه إلى الملوك والأمراء ومنهم المقوقس في العام السادس من الهجرة وقيل إن المقوقس أرسل جاريتين: مارية وشيرين.
    2 في "الطبري" 1/ 102، أن القبط هم أولاد قرط بن حام بن نوح عليه السلام.
    (1/49)
    زيد بن هميسع بن عمرو بن عريب بن يشجب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ويقال أشعر نبت بن أدد ويقال أشعر بن مالك ومالك مذحج بن أدد بن زيد بن هميسع. ويقال أشعر بن سبأ بن يشجب.
    وأنشدني أبو محرز خلف الأحمر، وأبو عبيدة لعباس بن مرداس أحد بني سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، يفخر بعك
    وعك بن عدنان الذين تلقبوا ... بغسان حتى طردوا كل مطرد
    __________
    قال فيه عك بن عبد الله بن عدثان بالثاء المثلثة ولا خلاف في الأول أنه بنونين كما لم يختلف في دوس بن عدثان أنه بالثاء وهي قبيلة من الأزد أيضا، واسم عك عامر. والديث الذي ذكره هو بالثاء 1 وقاله الزبير الذيب بالذال والياء ولعدنان أيضا ابن اسمه الحارث وآخر يقال له المذهب ولذلك قيل في المثل أجمل من المذهب وقد ذكر أيضا في بنيه الضحاك وقيل في الضحاك إنه ابن معد لا ابن عدنان وقيل إن عدن الذي تعرف به مدينة عدن، وكذلك أبين هما: ابنا عدنان قاله الطبري. ولعدنان بن أدد أخوان نبت بن أدد وعمرو بن أدد. قاله الطبري أيضا.
    ذكر قحطان والعرب العاربة:
    أما قحطان فاسمه مهزم - فيما ذكر ابن ماكولا - وكانوا أربعة إخوة فيما روي عن ابن منبه قحطان وقاحط ومقحط وفالغ. وقحطان أول من قيل له أبيت اللعن وأول من قيل له عم صباحا، واختلف فيه فقيل هو ابن عابر بن شالخ، وقيل هو ابن عبد الله أخو هود، وقيل هو هود نفسه فهو على هذا القول من إرم بن
    ـــــــ
    1 أكثر النسابين الذين تكلموا عن نسب الأزد لم يذكروا الديث، وفي "القلائد" للقلقشندي": وعك واسمه: الديث.
    (1/50)
    وهذا البيت في قصيدة له. وغسان: ماء بسد مأرب باليمن كان شربا لولد مازن بن الأسد بن الغوث، فسموا به ويقال غسان: ماء بالمشلل قريب من
    ـــــــ
    سام ومن جعل العرب كلها من إسماعيل قالوا فيه هو ابن تيمن بن قيذر بن إسماعيل. ويقال هو ابن الهميسع بن يمن1 وبيمن سميت اليمن في قول وقيل بل سميت بذلك لأنها عن يمين الكعبة. وتفسير الهميسع الصراع.
    وقال ابن هشام: يمن هو. يعرب بن قحطان سمي بذلك لأن هودا عليه السلام قال له أنت أيمن ولدي نقيبة في خبر ذكره. قال وهو أول من قال القريض والرجز وهو الذي أجلى بني حام إلى بلاد المغرب بعد أن كانوا يأخذون الجزية من ولد قوطة بن يافث. قال وهي أول جزية وخراج أخذت في بني آدم. وقد احتجوا لهذا القول2 أعني: أن قحطان من ولد إسماعيل عليه السلام بقول النبي - صلى الله عليه وسلم –"ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا" قال هذا القول لقوم من أسلم بن أفصى، وأسلم أخو خزاعة وهم بنو حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، وهم من سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ولا حجة عندي في هذا الحديث لأهل هذا القول لأن اليمن لو كانت من إسماعيل - مع أن عدنان كلها من إسماعيل بلا شك - لم يكن لتخصيص هؤلاء القوم بالنسب إلى إسماعيل معنى، لأن غيرهم من العرب أيضا أبوهم إسماعيل ولكن في الحديث دليل والله أعلم - على أن خزاعة من بني قمعة3 أخي مدركة بن إلياس بن مضر، كما سيأتي بيانه في هذا الكتاب عند حديث عمرو بن لحي - إن شاء الله - وكذلك قول أبي هريرة - رضي الله عنه – "هي أمكم يا بني ماء السماء"4 يعني: هاجر، يحتمل أن يكون تأول في قحطان ما تأوله غيره ويحتمل أن
    ـــــــ
    1اختتلف النسابون في نسب قحطان فمنهم نسبه إلى آدم وآخرون إلى عابر بن شالح بن سام بن نوح.
    2 انظر:"الأنباه على قبائل الرواة" لابن الأثير ص 75.
    3 لقب عمير بن إلياس بن مضر.
    4 هذ جزء من حديث أخرجه البخاري في باب قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} [النساء: من الآية125]
    (1/51)
    الجحفة، والذين شربوا منه تحزبوا، فسموا به قبائل من ولد مازن بن الأشد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان، بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
    ـــــــ
    يكون نسبهم إلى "ماء السماء على زعمهم "فإنهم ينتسبون إليه كما ينتسب كثير من قبائل العرب إلى حاضنتهم وإلى رابهم أي زوج أمهم - كما سيأتي بيانه في باب قضاعة إن شاء الله.
    سبأ وأميم ووبار:
    وسبأ اسمه: عبد شمس - كما ذكر - وكان أول من تتوج من ملوك العرب، وأول من سبى فسمي سبأ، ولست من هذا الاشتقاق على يقين لأن سبأ مهموز والسبي غير مهموز.
    وذكر أميما، ويقال فيه أميم ووجدت بخط أشياخ مشاهير أميم وأميم بفتح الهمزة وتشديد الميم مكسورة ولا نظير له في الكلام والعرب تضطرب في هذه الأسماء القديمة قال المعري1:
    يراه بنو الدهر الأخير بحاله
    ... كما قد رأته جرهم وأميم
    فجاء به على وزن فعيل وهو الأكثر وأميم - فيما ذكروا - أول من سقف البيوت بالخشب المنشور وكان ملكا، وكان يسمى: آدم وهو عند الفرس: آدم الصغير وولده وبار وهم أمة هلكت في الرمل هالت الرياح الرمل على فجاجهم ومناهلهم فهلكوا. قال الشاعر:
    وكر دهر على وبار ... فأهلكت عنوة وبار
    ـــــــ
    1 أبو العلاء أحمد بن عبد الله ين سليمان المعري التنوخي الشاعر الفيلسوف ، وهو فوق المتنبي في دقة الخيال وتصريف القول في الفلسة وطبائع البشر ، ولد بمعرة النعمان – شمال سوريا – سنة 363هـ وعاش عزبا حتى مات سنة 449هـ.
    (1/52)
    .................................................. .................................................. ...
    ـــــــ
    والنسب إليه أباري على غير قياس ومن العماليق ملوك مصر الفراعنة منهم الوليد بن مصعب صاحب موسى وقابوس بن مصعب بن عمرو بن معاوية بن إراشة بن معاوية بن عمليق أخو الأول ومنهم الريان بن الوليد صاحب يوسف عليه السلام ويقال فيه ابن دومع فيما ذكر المسعودي.
    وأما طسم وجديس فأفنى بعضهم بعضا قتلت طسم جديسا لسوء ملكتهم إياهم وجورهم فيهم فأفلت معهم رجل اسمه رباح بن مرة فاستصرخ بتبع وهو حسان بن تبان أسعد وكانت أخته اليمامة، واسمها عنز ناكحا في طسم وكان هواها معهم فأنذرتهم فلم يقبلوا، فصبحتهم جنود تبع فأفنوهم قتلا، وصلبوا اليمامة الزرقاء بباب جو وهي المدينة، فسميت جو باليمامة من هنالك إلى اليوم1 وذلك في أيام ملوك الطوائف وبقيت بعد طسم يبابا لا يأكل ثمرها إلا عوافي الطير والسباع2 حتى وقع عليها عبيد بن ثعلبة الحنفي، وكان رائدا لقومه في البلاد فلما أكل الثمر قال إن هذا لطعام وحجر بعصاه على موضع قصبة اليمامة، فسميت حجرا،3 وهي منازل حنيفة إلى اليوم وخبر طسم وجديس مشهور اقتصرنا معه على هذه النبذة لشهرته عند الإخباريين.
    ـــــــ
    1 ذكر بعض المؤرخين أن طسما وجديسا أخوان لثمود بن كاثر، وكانت اليمامة ديار جديس وكانت البحرين ديارا لطسم ، وعند الطبري أنهما للأوذ بن سام بن نوح وكانت ديارهم اليمامة ، وكان عليهم ملك من طسم ، وكان غشوما سادرا في غيه ويقال له : عملوق وكان مستذلا لجديس ، حتى كان يأبى أن تزف البكر إلى زوجها إلا بعد أن يفترعها ، فدبر أحد أبناء جديس كيدا استطاع به القضاء على عملوق وعلى الرؤساء الذين كانوا معه.
    2 اليباب: الخراب العوافي: طلاب الرزق من الناس والدواب والطير.
    3 حجرا يقال حجر الأرض وعليها وحولها: وضع على حدودها أعلاما بالحجارة ونحوها لحيازتها ، وقصبة البلاد: مدينتها ، حجر اسم ديار ثمود بوادي القرى مدينة بين الشام والحجاز.
    (1/53)
    ذكر نسب الأنصار
    ...
    ذكر نسب الأنصار
    قال حسان بن ثابت الأنصاري والأنصار بنو الأوس والخزرج، ابني حارثة بن ثعلبة بن عمرو، بن عامر، بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسد بن الغوث:
    إما سألت فإنا معشر نجب ... الأسد نسبتنا والماء غسان
    وهذا البيت في أبيات له.
    __________
    ذكر نسب الأنصار
    وهم الأوس والخزرج، والأوس: الذئب والعطية أيضا، والخزرج: الريح الباردة ولا أحسب الأوس في اللغة إلا العطية خاصة وهي مصدر أسته1 وأما أوس الذي هو الذئب فعلم كاسم الرجل وهو كقولك: أسامة في اسم الأسد. وليس أوس إذا أردت الذئب كقولك: ذئب وأسد، ولو كان كذلك لجمع وعرف - قال - كما يفعل بأسماء الأجناس ولقيل في الأنثى: أوسة كما يقال ذئبة، وفي
    ـــــــ
    1 في القاموس: الأوس والتعويض من الشيء والذئب والنهزة بضم النون وسكون الهاء وهي العطية : وقالوا أسست الرجل ، أءوسه أوسا: أعطيته ويقال الأوس : العوض ،وأوس :الذئب.
    (1/54)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    الحديث ما يقوي هذا، وهو قوله عليه السلام "هذا أويس يسألكم من أموالكم" فقالوا: "لا تطيب له أنفسنا بشيء" ولم يقل هذا الأوس فتأمله وليس أوس على هذا من المسمين بالسباع ولا منقولا من الأجناس إلا من العطية خاصة.
    وفيه عمرو، وهو مزيقياء لأنه - فيما ذكروا - كان يمزق كل يوم حلة. ابن عامر وهو ماء السماء. ابن حارثة الغطريف1 بن امرئ القيس وهو البهلول بن ثعلبة الصنم بن مازن السراج ابن الأسد ويقال لثعلبة أبيه الصنم وكان يقال لثعلبة ابن عمرو جد الأوس والخزرج: ثعلبة العنقاء2 وكأنهم ملوك متوجون ومات حارثة بن ثعلبة العنقاء والد الأوس والخزرج بالمدينة بعد ظهورهم على الروم بالشام ومصالحة غسان لملك الروم، وكان موت حارثة وجذع بن سنان من صيحة كانت بين السماء والأرض سمع فيه صهيل الخيل وبعد موت حارثة كان ما كان من نكث يهود العهود حتى ظهرت الأوس والخزرج عليهم بمن استنصروا به من ملوك جفنة ويقال في الأسد الأزد بالسين والزاي واسمه الازدراء3 بن الغوث. قاله وثيمة بن موسى بن الفرات. وقال غيره سمي أسدا لكثرة ما أسدى إلى الناس من الأيادي4. ورفع في النسب إلى كهلان بن سبأ، وكهلان كان ملكا بعد حمير، وعاش - فيما ذكروا - ثلاثمائة سنة ثم تحول الملك إلى أخيه حمير، ثم في بنيهم وهم وائل ومالك وعمرو وعامر وسعد وعوف.
    وذكر لطمة ولد عمرو بن عامر لأبيه وأنه كان أصغر ولده. قال المسعودي: واسمه مالك وقال غيره ثعلبة. وقال ويقال إنه كان يتيما في حجره.
    ـــــــ
    1 في الاشتقاق لابن دريد ص 435: البطريق .
    2 في القاموس: والاشتقاق لقب بهذا لطول عنقه.
    3 في نهاية الأرب :دراء أو درء انظر: 2/11
    4 في الاشتقاق إنه من قولهم : أسد الرجل ، يأسد أسدا: إذا تشبه بالأسد.
    (1/55)
    فقالت اليمن وبعض عك وهم الذين بخراسان منهم عك بن عدنان بن عبد الله بن الأسد بن الغوث، ويقال عدثان بن الديث بن عبد الله بن الأسد بن الغوث.
    قال ابن إسحاق: فولد معد بن عدنان أربعة نفر نزار بن معد وقضاعة بن معد وكان قضاعة بكر معد الذي به يكنى - فيما يزعمون - وقنص بن معد وإياد بن معد.
    فأما قضاعة فتيامنت إلى حمير بن سبأ - وكان اسم سبأ: عبد شمس، وإنما سمي سبأ؟ لأنه أول من سبى في العرب - ابن يشجب بن يعرب بن قحطان.
    ـــــــ
    وقول حسان:
    ما سألت فإنا معشر أنف ... الأسد نسبتنا، والماء غسان
    يا أخت آل فراس إنني رجل ... من معشر لهم في المجد بنيان
    واشتقاق غسان اسم ذلك الماء من الغس وهو الضعيف كما قال:
    غس الأمانة صنبور فصنبور
    ويروى غسي، ويقال للهر إذا زجر غس بتخفيف السين قاله صاحب العين. والغسيسة1 من الرطب التي يبدؤها الإرطاب من قبل مغلاقها، ولا تكون إلا ضعيفة ساقطة.
    سبأ وسيل العرم:
    فصل: وذكر تفرق سبأ، والعرب تقول: تفرقوا أيدي سبأ وأيادي سبأ نصبا
    ـــــــ
    1 في القاموس : غس الغين زجر القط فقال غس - بكسر الغين – والمغسوسة نخل ترطب ولا حلاوة لها والغس: الضعيف واللئيم والغسيس الرطب الفاسد .
    (1/56)
    قضاعة:
    قال ابن هشام: فقالت اليمن وقضاعة: قضاعة بن مالك بن حمير. وقال عمرو بن مرة الجهني، وجهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم، بن الحاف بن قضاعة:
    __________
    على الحال وإن كان معرفة في الظاهر لأن معناه مثل أيدي سبأ والياء ساكنة فيه في موضع النصب لأنه صار بمنزلة اسمين جعلا اسما واحدا مثل معدي كرب ولم يسكنوها في ثماني عشرة لأنها متحركة في ثمانية عشر.
    فصل وذكر سيل العرم، وفي العرم أقوال قيل هو المسناة1 أي السد وهو قول قتادة، وقيل هو اسم للوادي، وهو قول عطاء وقيل هو الجرذ الذي خرب السد وقيل هو صفة للسيل من العرامة وهو معنى رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وقال البخاري: العرم2: ماء أحمر حفر في الأرض حتى ارتفعت عنه الجنتان فلم يسقهما، حتى يبست وليس الماء الأحمر من السد ولكنه كان عذابا أرسل عليهم. انتهى كلام البخاري. والعرب تضيف الاسم إلى وصفه لأنهما اسمان فتعرف أحدهما بالآخر. وحقيقة إضافة المسمى إلى الاسم الثاني، أي صاحب هذا الاسم كما تقول ذو زيد أي. المسمى بزيد ومنه سعد ناشرة وعمرو بطة.
    وقول الأعشى3:
    ومأرب عفى عليها العرم
    يقوى أنه السيل. ومأرب بسكون الهمزة اسم لقصر كان لهم وقيل: هو اسم
    ـــــــ
    1 المسناة: التي تحبس الماء .
    2 واحد العرم: العرمة بفتح العين والراء وكسرها ، وهي صفة للمسناة وليست اسما لها.
    3 هو أبو بصير ميمون بن قيس بن جندل ، نشأ في اليمامة.
    (1/57)
    نحن بنو الشيخ الهجان الأزهر ... قضاعة بن مالك بن حمير
    النسب المعروف غير المنكر ... في الحجر المنقوش تحت المنبر
    ـــــــ
    لكل ملك كان يلي سبأ، كما أن تبعا اسم لكل من ولي اليمن، وحضرموت والشحر. قاله المسعودي. وكان هذا السد من بناء سبأ بن يشجب بن يعرب1 وكان ساق إليه سبعين واديا، ومات قبل أن يستتمه فأتمته ملوك حمير بعده. وقال المسعودي: بناه لقمان بن عاد، وجعله فرسخا، وجعل له ثلاثين مثقبا. وقول الأعشى:
    إذا جاء مواره لم يرم
    من قوله تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً} [الطور: 9]. فهو مفتوح الميم وبعضهم يرويه مضموم الميم والفتح أصح. ومنه قولهم دم مائر أي سائل. وفي الحديث "أمر الدم بما شئت" 2 أي أرسله ورواه أبو عبيد أمر بسكون الميم جعله من مريت الضرع. والنفس إلى الرواية الأولى أميل من طريق المعنى، وكذلك رواه النقاش وفسره.
    وقوله لم يرم أي: لم يمسكه السد حتى يأخذوا منه ما يحتاجون إليه.
    وقوله: فأروي الزروع وأعنابها أي أعناب تلك البلاد لأن الزروع لا عنب لها.
    وأنشد لأمية بن أبي الصلت:
    من سبأ الحاضرين مأرب إذ ... يبنون من سيله العرما3
    ـــــــ
    1 ويقال: إنها بلقيس.
    2 الحديث رواه أحمد في مسنده .
    3 البيت في اللسان : شرد من دون سيله العرما . ويقال إن مأرب اسم لقصر الملك .
    (1/58)
    قنص بن معد ونسب النعمان بن المنذر:
    قال ابن إسحاق: وأما قنص بن معد فهلكت بقيتهم - فيما يزعم نساب معد - وكان منهم النعمان بن المنذر ملك الحيرة.
    قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري: أن النعمان بن المنذر كان من ولد قنص بن معد.قال ابن هشام: ويقال قنص.
    قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، عن شيخ من الأنصار من بني زريق أنه حدثه:
    أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين أتى بسيف النعمان بن المنذر، دعا جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي - وكان جبير من أنسب قريش لقريش وللعرب قاطبة وكان يقول إنما أخذت النسب من أبي بكر الصديق رضي الله عنه وكان أبو بكر الصديق أنسب العرب - فسلحه إياه ثم قال ممن كان يا جبير النعمان بن المنذر؟ فقال كان من أشلاء قنص بن معد.
    ـــــــ
    وهذا أبين شاهد على أن العرم هو السد، واسم أبي الصلت ربيعة بن وهب بن علاج الثقفي وأمه رقية بنت عبد شمس بن عبد مناف.
    (1/59)
    ذكر معد وولده:
    ...
    ذكر معد وولده:
    قوله وولد معد أربعة نفر أما نزاز فمتفق على أنه ابن معد وسائر ولد معد فمختلف فيه فمنهم جشم بن معد وسلهم بن معد وجنادة بن معد وقناصة بن معد وقنص1 بن معد وسنام بن معد وعوف - وقد انقرض عقبه - وحيدان وهم الآن في قضاعة، وأود وهم في مذحج ينسبون بني أود بن عمرو، ومنهم عبيد الرماح وحيدة وحيادة وجنيد وقحم فأما قضاعة فأكثر النسابين يذهبون إلى أن
    ـــــــ
    1 وقنص أيضا بضم القاف والنون .
    (1/59)
    قال ابن إسحاق: فأما سائر العرب فيزعمون أنه كان رجلا من لخم، من ولد ربيعة بن نصر، فالله أعلم أي ذلك كان.
    ـــــــ
    قضاعة هو ابن معد وهو مذهب الزبيريين وابن هشام، وقد روي من طريق هشام بن عروة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن قضاعة، فقال: "هو ابن معد وكان بكره" . قال أبو عمر وليس دون هشام بن عروة من يحتج به في هذا الحديث وقد عارضه حديث آخر عن عقبة بن عامر الجهني. وجهينة: هو ابن زيد بن ليث بن سود بن أسلم - بضم اللام - ابن الحاف بن قضاعة أنه قال يا رسول الله لمن نحن؟ فقال "أنتم بنو مالك بن حمير" وقال عمرو بن مرة - وهو من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويكنى أبا مريم:
    يأيها الداعي ادعنا وأبشر ... وكن قضاعيا ولا تنزر
    نحن بنو الشيخ الهجان الأزهر ... قضاعة بن مالك بن حمير
    قال ذو الحسبين قال الزبير الشعر لأفلح بن اليعبوب. وعمرو بن مرة هذا له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثان أحدهما: في "أعلام النبوة والآخر" "من ولي أمر الناس فسد بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة سد الله بابه دون حاجته وخلته ومسكنته يوم القيامة" 1. ومما احتج به أصحاب القول الأول أيضا قول زهير2:
    قضاعية أو أختها مضرية ... يحرق في حافاتها الحطب الجزل
    فجعل قضاعة ومضر أخوين: وأشعار كثيرة للبيد وغيره وقد قال الكميت يعاتب قضاعة في انتسابهم إلى اليمن :
    علام نزلتم من غير فقر ... ولا ضراء منزلة الحميل
    ـــــــ
    1 رواه الترمذي ،ورواه أبو داود بلفظ آخر. والخلة :الحاجة والفقر.
    2 زهيرابن أبى سلمى ربيعة بن رباح المزني يقال إنه عاش حتى أدرك الإسلام ، فأقبل على الرسول صلى الله عليه وسلم في وفد من قومه ، فأسلم وحفظ القرآن.
    (1/60)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    والحميل المسبي لأنه يحمل من بلد إلى بلد. قال الأعمش: كان أبي حميلا فورثه مسروق. أراد أن مسروقا كان يرى التوارث بولادة الأعاجم. وقال ابن الماجشون كان أبي ومالك وابن دينار والمغيرة يقولون في الحميل - وهو المسبي - يقول ابن هرمز1 ثم رجع مالك قبل موته بيسير إلى قول ابن شهاب، وأنهم يتوارثون بشهادة العدول ولما تعارض القولان في قضاعة، وتكافأت الحجاج نظرنا فإذا بعض النسابين - وهو الزبير - قد ذكر ما يدل على صدق الفريقين وذكر عن ابن الكلبي أو غيره أن امرأة مالك بن حمير، و اسمها: عكبرة آمت منه وهي ترضع قضاعة، فتزوجها معد، فهو رابه فتبناه وتكنى به ويقال بل ولدته على فراشه فنسب إليه وهو قول الزبير كما نسب بنو عبد مناة بن كنانة إلى علي بن مسعود بن مازن بن الذئب الأسدي لأنه كان حاضن أبيهم وزوج أمهم فيقال لهم بنو علي إلى الآن وكذلك عكل، وهو حاضن بني عوف بن ود بن طابخة ولكن لا يعرفون إلا بعكل وكذلك سعد بن هذيم إنما هم بنو سعد بن زيد بن قضاعة، وهذيم كان حاضن سعد فنسب إليه وهذا كثير في قبائل العرب، وسيأتي منه في الكتاب زيادة - إن شاء الله - وتفسير قضاعة فيما ذكر صاحب العين كلب الماء فهو اسم منقول منه وهو لقب له واسمه عمرو، ويكنى أبا حسن وكنيته أبا حكم فيما ذكروا.
    وقول ابن إسحاق: كان بكر معد فالبكر أول ولد الرجل وأبوه بكر والثني ولده الثاني، وأبوه ثني والثلث ولده الثالث ولا يقال للأب ثلث ولا يقال فيما بعد الثالث شيء من هذا، قاله الخطاب. ومما عوتبت به قضاعة في انتسابهم إلى
    ـــــــ
    1 الأعمش هو :أبو محمد سليمان بن مهران الكوفي ، كان حافظا مثبتا ،ولكن كان فيه تشيع ولد سنة 61هـ وتوفي 148هـ وابن الماجشون هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمى والماجشون "ت: 212" هـ. ومسروق هومسروق بن الأجدع بن ماملك أبو عائشة الكوفي كان فقيها من أصحاب عبد الله بن مسعود "ت: 62".
    (1/61)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    اليمن قول أعشى بني تغلب، وقيل هي لرجل من كلب، وكلب من قضاعة. .
    أزنيتم عجوزكم وكانت ... قديما لا يشم لها خمار
    عجوز لو دنا منها يمان ... للاقى مثل ما لاقى يسار
    يريد يسار الكواعب الذي هم بهن فخصينه وقال بعض شعراء حمير في قضاعة:
    مررنا على حيي قضاعة غدوة ... وقد أخذوا في الزفن والزفنان
    فقلت لهم ما بال زفنكم كذا ... لعرس نرى ذا الزفن أو لختان
    فقالوا: ألا إنا وجدنا لنا أبا ... فقلت: ليهنئكم بأي مكان؟
    فقالوا: وجدناه بجرعاء مالك ... فقلت: إذا ما أمكم بحصان
    فما مس خصيا مالك فرج أمكم ... ولا بات منه الفرج بالمتداني
    فقالوا: بلى والله حتى كأنما ... خصياه في باب استها جعلان
    ذكره أبو عمر - رحمه الله - في كتاب الإنباه له وقال جميل بن معمر وهو من بني حن بن ربيعة من قضاعة يصف بثينة وهي من حن أيضا:
    ربت في الروابي من معد وفضلت ... على المحصنات البيض وهي وليد1
    وقال جميل أيضا وهو يحدو بالوليد بن عبد الملك:
    أنا جميل في السنام من معد ... الضاربين الناس في الركن الأشد
    ـــــــ
    1 جميل بن عبد الله بن معمر المعروف بجميل بثينة "ت:82"هـ.
    (1/62)
    ذكر قنص بن معد:
    ...
    ذكر قنص بن معد:
    وكان قنص بن معد قد انتشر ولده بالحجاز فوقعت بينهم وبين أبيهم حرب،
    (1/62)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    وتضايقوا في البلاد وأجدبت لهم الأرض فساروا نحو سواد العراق، وذلك أيام ملوك الطوائف فقاتلهم الأردانيون وبعض ملوك الطوائف1 وأجلوهم عن السواد وقتلوهم إلا أشلاء لحقت بقبائل العرب، ودخلوا فيهم وانتسبوا إليهم.
    فصل: وذكر ابن إسحاق حديث جبير بن مطعم حين أتي عمر بسيف النعمان بن المنذر، وكان جبير أنسب الناس - الحديث. وذكر الطبري أن سيف النعمان بن المنذر إنما أتي به عمر حين افتتحت المدائن - وكانت بها خرائب كسرى وذخائره فلما غلب عليها فر إلى إصطخر فأخذت أمواله ونفائس عدده وأخذ له خمسة أسياف لم ير مثلها. أحدها: سيف كسرى أبرويز، وسيف كسرى أنوشروان وسيف النعمان بن المنذر الذي كان استلبه منه حين قتله غضبا عليه وألقاه إلى الفيلة فخبطته بأيديها، حتى مات. وقال الطبري: إنما مات في سجنه في الطاعون الذي كان في الفرس، وسيف خاقان ملك الترك، وسيف هرقل، وكان تصير إلى كسرى أيام غلبته على الروم في المدة التي ذكرها الله تعالى في قوله {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} [الروم: 1- 3] الآية. فهذا كان سبب تصير سيف النعمان إلى كسرى أبرويز، ثم إلى كسرى يزدجرد ثم إلى عمر - رضي الله عنه - وكان الذي قتل النعمان منهم أبرويز بن هرمز بن أنوشروان2 وكان لأبرويز فيما ذكر ألف فيل وخمسون ألف فرس وثلاثة آلاف امرأة - فيما ذكر الطبري - وتفسير أنوشروان بالعربية مجدد الملك - فيما ذكروا والله أعلم - وكذلك تفسير أبرويز: المظفر. قاله
    ـــــــ
    1 الطوائف : هم الذين ملكوا بابل بعد لإسكندر والأردانيون هم أنباط السواد ،والأنباط قوم من الساميين يرجعون إلى أصلين أحدهما آرامي والآخر عربي ، ودولتهم كانت في القرن السابع قبل الميلاد وسقطت في أوائل الثاني قبل الميلاد .
    2 خاقان: علم واسم لكل ملك خصنه الترك على أنفسهم أي ملكوه . وهرقل: اسم لملك الروم وكسرى: ملك الفرس وأبرويز ملك فارس وفي عهده حدثت حروب ذي قار لتمام أربعين سنة من مولد الرسول صلى الله عليه وسلم
    (1/63)
    نسب لخم بن عدي:
    قال ابن هشام: لخم بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن هميسع بن عمرو بن عريب بن يشجب بن زيد بن كهلان بن سبأ، ويقال لخم بن عدي بن عمرو بن سبأ، ويقال ربيعة بن نصر بن أبي حارثة بن عمرو بن عامر، وكان تخلف باليمن بعد خروج عمرو بن عامر من اليمن.
    (1/64)
    أمر عمرو بن عامر في خروجه من اليمن وقصة سد مأرب:
    ...
    أمر عمرو بن عامر في خروجه من اليمن وقصة سد مأرب:
    وكان سبب خروج عمرو بن عامر من اليمن - فيما حدثني أبو زيد الأنصاري أنه رأى جرذا يحفر في سد مأرب الذي كان يحبس عليهم الماء فيصرفونه حيث شاءوا من أرضهم فعلم أنه لا بقاء للسد على ذلك فاعتزم على النقلة من اليمن، فكاد قومه فأمر أصغر ولده إذا أغلظ له ولطمه أن يقوم إليه فيلطمه ففعل ابنه ما أمره به فقال عمرو: لا أقيم ببلد لطم وجهي فيه أصغر ولدي، وعرض أمواله فقال أشراف من أشراف اليمن: اغتنموا غضبة عمرو فاشتروا منه أمواله. وانتقل في ولده وولد ولده. وقالت الأزد: لا نتخلف عن عمرو بن عامر، فباعوا أموالهم وخرجوا معه فساروا حتى نزلوا بلاد عك مجتازين يرتادون البلدان. فحاربتهم عك، فكانت حربهم سجالا1. ففي ذلك قال عباس بن مرداس البيت الذي كتبنا. ثم ارتحلوا
    ـــــــ
    المسعودي والطبري أيضا، وزاد الطبري في حديث جبير حين سأله عمر عن نسب النعمان قال كانت العرب تقول إنه من أشلاء قنص بن معد وهو ولد عجم بن قنص إلا أن الناس لم يدروا ما عجم فجعلوا مكانه لخما: فقالوا: هو من لخم،
    ـــــــ
    1 السجال أن يغلب هؤلاء مرة وهؤلاء مرة وأصله من المساجلة في الاستقاء .
    (1/64)
    عنهم فتفرقوا في البلدان فنزل آل جفنة بن عمرو بن عامر الشام، ونزلت الأوس والخزرج يثرب، ونزلت خزاعة مرا،1 ونزلت أزد السراة السراة2. ونزلت أزد عمان عمان. ثم أرسل الله تعالى على السد السيل فهدمه ففيه أنزل الله تبارك وتعالى على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ: 15 16].
    والعرم: السد، واحدته عرمة فيما حدثني أبو عبيدة.
    قال الأعشى: أعشى بني قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن هنب بن أفصى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد قال ابن هشام: ويقال أفصى بن دعمي بن جديلة واسم الأعشى: ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة:
    وفي ذاك للمؤتسي أسوة ... ومأرب عفى عليها العرم
    رخام بنته لهم حمير ... إذا جاء مواره لم يرم
    فأروى الزروع وأعنابها ... على سعة ماؤهم إذ قسم
    فصاروا أيادي ما يقدرو ... ن منه على شرب طفل فطم
    وهذه الأبيات في قصيدة له.
    ـــــــ
    ونسبوا إليه. وأبرويز هو الذي كتب إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فمزق كتابه فدعا عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يمزقوا كل ممزق.
    ـــــــ
    1 مر:هو الذي يقال له مر الظهران ، ومر الظهران ، وهو موضع على مرحلة من مكة .
    2 قال الأصمعي : الطود حبل مشرف على عرفة ينقاد إلى صنعاء يقال له السراة .
    (1/65)
    وقال أمية بن أبي الصلت الثقفي - واسم ثقيف: قسي بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
    من سبأ الحاضرين مأرب إذ ... يبنون من دون سيله العرما 1
    وهذا البيت في قصيدة له. وتروى للنابغة الجعدي واسمه قيس بن عبد الله أحد بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن.
    وهو حديث طويل منعني من استقصائه ما ذكرت من الاختصار.
    ـــــــ
    1 في هذا البيت شاهد على أن العرم هو السد .
    (1/66)
    أمر ربيعة بن نصر ملك اليمن وقصة شِقّ وسَطِيح الكاهنين معه
    ...
    أمر ربيعة بن نصر ملك اليمن وقصة شِقّ وسَطِيح الكاهنين معه
    رؤيا ربيعة بن نصر:
    قال ابن إسحاق : وكان ربيعة بن نصر ملك اليمن بين أضعاف ملوك التبابعة، فرأى رؤيا هالته وفظع بها، فلم يدع كاهنا، ولا ساحرا، ولا عائفا2، ولا منجما من أهل مملكته إلا جمعه إليه فقال لهم إني قد رأيت رؤيا هالتني، وفظعت بها،
    __________
    حديث ربيعة بن نصر ورؤياه
    وبعضهم يقول فيه نصر بن ربيعة، وهو في قول نساب اليمن: ربيعة بن نصر بن الحارث بن نمارة بن لخم. وقال الزبير في هذا النسب نصر بن مالك بن شعوذ بن مالك بن عجم بن عمرو بن نمارة بن لخم3 ولخم أخو جذام، وسمي
    ـــــــ
    2 العائف: يزجر الطير.
    3 في الاشتقاق نصر بن ربيعة بن عمرو بن الحارث بن سعود بن مالك بن عمم بن نمارة بن لخم ، ومن نسله النعمان بن المنذر.
    (1/66)
    فأخبروني بها وبتأويلها، قالوا له اقصصها علينا نخبرك بتأويلها، قال إني إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى خبركم عن تأويلها، فإنه لا يعرف تأويلها إلا من عرفها قبل أن أخبره بها، فقال له رجل منهم فإن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سطيح وشق فإنه ليس أحد أعلم منهما، فهما يخبرانه بما سأل عنه.
    نسب سطيح وشق:
    واسم سطيح ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن مازن غسان.
    وشق: بن صعب بن يشكر بن رهم بن أفرك بن قسر بن عبقر بن أنمار بن نزار، وأنمار أبو بجيلة وخثعم.
    ـــــــ
    لخما لأنه لخم أخاه أي لطمه فعضه الآخر في يده فجذمها، فسمي جذاما، وقال قطرب اللخم سمكة في البحر بها سمي الرجل لخما وأكثر المؤرخين يقولون فيه نصر بن ربيعة وقد تقدم ما قاله سعيد بن جبير في نسب النعمان وهو من ولد ربيعة، وأن لخما في نسبه تصحيف من عجم بن قنص.
    وذكر رؤياه وسطيحا الكاهن ونسبه وقد خالفه محمد بن حبيب النسابة في شيء من هذا النسب في كتاب المحبر وكان سطيح جسدا ملقى لا جوارح له - فيما يذكرون - ولا يقدر على الجلوس إلا إذا غضب انتفخ فجلس وكان شق شق إنسان - فيما يذكرون - إنما له يد واحدة ورجل واحدة وعين واحدة ويذكر عن وهب بن منبه1 أنه قال قيل لسطيح أنى لك هذا العلم؟ فقال لي صاحب من الجن استمع أخبار السماء من طور سيناء حين كلم الله تعالى منه موسى - عليه السلام - فهو يؤدي إلي من ذلك ما يؤديه.
    ـــــــ
    1 كان ممن يروجون قصص الماضين . يقول عنه ابن خلكان: كانت له معرفة بأخبار الأوائل وقيام الدنيا وأحوال الأنبياء توفي سنة 110هـ وقيل غير ذلك . لكني أسأل من أين كان يأتي بهذه الأخبار التي لا توجد في كتاب الله؟
    (1/67)
    نسب بجيلة:
    قال ابن هشام: وقالت اليمن: وبجيلة: [بنو] أنمار، بن إراش بن لحيان، بن عمرو، بن الغوث، بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ، ويقال إراش بن عمرو بن لحيان بن الغوث. ودار بجيلة وخثعم يمانية.
    قال ابن إسحاق : فبعث إليهما، فقدم عليه سطيح قبل شق فقال له إني رأيت رؤيا هالتني، وفظعت بها، فأخبرني بها، فإنك إن أصبتها أصبت تأويلها. قال أفعل. رأيت حممه خرجت من ظلمه فوقعت بأرض تهمه فأكلت منها كل ذات جمجمه فقال له الملك ما أخطأت منها شيئا يا سطيح، ما عندك في تأويلها، فقال احلف بما بين الحرتين من حنش لتهبطن أرضكم الحبش فليملكن ما بين أبين إلى جرش، فقال له الملك وأبيك يا سطيح إن هذا لنا لغائظ
    ـــــــ
    وولد سطيح وشق في اليوم الذي ماتت فيه طريفة الكاهنة امرأة عمرو بن عامر، وهي بنت الخير الحميرية ودعت بسطيح قبل أن تموت فأتيت به فتفلت في فيه وأخبرت أنه سيخلفها في علمها، وكهانتها، وكان وجهه في صدره لم يكن له رأس ولا عنق ودعت بشق ففعلت به مثل ما فعلت بسطيح ثم ماتت وقبرها "الجحفة1", وذكر أبو الفرج أن خالد بن عبد الله القسري كان من ولد شق هذا، فهو خالد بن عبد الله بن أسد بن يزيد بن كرز وذكر أن كرزا كان دعيا، وأنه كان من اليهود، فجنى جناية فهرب إلى بجيلة، فانتسب فيهم ويقال كان عبدا لعبد القيس وهو ابن عامر ذي الرقعة، وسمي بذي الرقعة ; لأنه كان أعور يغطي عينه برقعة. ابن عبد شمس بن جوين بن شق الكاهن بن صعب.
    ـــــــ
    1 في مراصد الاطلاع: كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق مكة وهي ميقات أهل مصر والشام – إن لم يمروا بالمدينة وفي تقويم البلدان لأبي الفداء وهي رسم خال ولا ساكن به واسمها مشهور ، وهي بالقرب من رابغ .
    (1/68)
    موجع فمتى هو كائن؟ أفي زماني هذا، أم بعده؟ قال لا، بعده بحين أكثر من ستين أو سبعين يمضين من السنين قال أفيدوم ذلك من ملكهم أم ينقطع؟ قال لا، بل ينقطع لبضع وسبعين من السنين ثم يقتلون ويخرجون منها هاربين قال ومن يلي ذلك من قتلهم وإخراجهم؟. قال يليه إرم ذي يزن، يخرج عليهم
    ـــــــ
    وقوله في حديث الرؤيا: أكلت منها كل ذات جمجمه وكل ذات نسمه. نصب كل أصح في الرواية وفي المعنى ; لأن الحممة نار فهي تأكل ولا تؤكل على أن في رواية الشيخ برفع كل ولها وجه لكن في "حاشية كتابه" أن في نسخة البرقي التي قرأها على ابن هشام: كل ذات بنصب اللام.
    وقوله "خرجت من ظلمه" أي من ظلمة وذلك أن الحممة قطعة من نار وخروجها من ظلمة يشبه خروج عسكر الحبشة من أرض السودان، والحممة الفحمة وقد تكون جمرة محرقة كما في هذا الحديث فيكون لفظها من الحميم ومن الحمى أيضا لحرارتها، وقد تكون منطفئة فيكون لفظها من الحمة وهي السواد يقال حممت وجهه إذا سودته، وكلا المعنيين حاصل في لفظ الحممة ههنا.
    وقوله بين روضة وأكمة لأنها وقعت بين صنعاء وأحوازها1.
    وقوله في أرض تهمه أي منخفضة ومنه سميت تهامة.
    وقوله أكلت منها كل ذات جمجمه ولم يقل كل ذي جمجمة وهو من باب قوله تعالى سبحانه {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْء} [فاطر 18].
    لأن القصد إلى النفس والنسمة فهو أعم، ويدخل فيه جميع ذوات الأرواح ولو جاء بالتذكير لكان إما خاصا بالإنسان أو عاما في كل شيء حي أو جماد ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - "[تنح عني، فإن] كل بائلة تفيخ" ، أي: يكون منها إفاخة، وهي
    ـــــــ
    1 جمع حوزة وهو الناحية .
    (1/69)
    من عدن، فلا يترك أحدا منهم باليمن. قال أفيدوم ذلك من سلطانه أم ينقطع؟
    قال لا، بل ينقطع.
    قال ومن يقطعه؟ قال نبي زكي، يأتيه الوحي من قبل العلي قال وممن هذا النبي؟.
    قال رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر، يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر. قال وهل للدهر من آخر؟ قال نعم يوم يجمع فيه
    ـــــــ
    الحدث وقال النحاس هو تأنيث الصفة والخلقة.
    وقوله "ليهبطن أرضكم الحبش" هم بنو حبش بن كوش بن حام1 بن نوح وبه سميت الحبشة.
    وقوله: ما بين أبين إلى جرش ذكره سيبويه بكسر الهمزة على مثل إصبع وجوز فيه الفتح وكذلك تقيد في هذا "الكتاب" وقال ابن ماكولا: هو أبين بن زهير بن أيمن بن الهميسع من حمير، أو من ابن حمير سميت به البلدة وقد تقدم قول الطبري أن أبين وعدن ابنا عدن، سميت بهما البلدتان.
    وقوله بغلام لا دني ولا مدن. الدني معروف والمدن الذي جمع الضعف مع الدناءة. قاله صاحب "العين".
    وقوله: لحق ما فيه أمض: أي: ما فيه شك ولا مستراب، وقد عمر سطيح زمانا طويلا بعد هذا الحديث حتى أدرك مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - فرأى كسرى أنوشروان بن قباذ بن فيروز ما رأى من ارتجاس الإيوان2 وخمود النيران ولم تكن خمدت قبل ذلك بألف عام وسقطت من قصره أربع عشرة شرفة وأخبره الموبذان ومعناه القاضي، أو المفتي بلغتهم أنه رأى إبلا صعابا، تقود خيلا عرابا، فانتشرت في بلادهم وغارت بحيرة ساوة فأرسل كسرى عبد المسيح بن عمرو بن حيان بن
    ـــــــ
    1 في قاموس د. بوست : أنه أحد أولاد نوح ، وأنه كان له أربعة بنين : كوش ، ومصرايم ، وفوص, وكنعان .
    2 كسرى هذا من ملوك الساسانية أو الفرس الثانية حكم حوالى سبعا وأربعين سنة ، والارتجاس: الاضطراب ، أو الصوت الشديد من الرعد ، والإيوان: بناء أزج غير مسدود الوجه.
    (1/70)
    الأولون والآخرون يسعد فيه المحسنون ويشقى فيه المسيئون قال أحق ما تخبرني؟ قال نعم. والشفق والغسق والفلق إذا اتسق إن ما أنبأتك به لحق.
    ربيعة بن نصر وشق:
    ثم قدم عليه شق، فقال له كقوله لسطيح وكتمه ما قال سطيح لينظر أيتفقان أم يختلفان فقال نعم رأيت حممة خرجت من ظلمة فوقعت بين روضة وأكمة فأكلت منها كل ذات نسمة. قال فلما قال له ذلك عرف أنهما قد اتفقا، وأن
    ـــــــ
    نفيلة الغساني إلى سطيح وكان سطيح من أخوال عبد المسيح ولذلك أرسله كسرى فيما ذكر الطبري إلى سطيح يستخبره علم ذلك ويستعبره رؤيا الموبذان فقدم عليه وقد أشفى على الموت فسلم عليه فلم يحر إليه سطيح جوابا فأنشأ عبد المسيح يقول:
    أصم أم يسمع غطريف اليمن ... أم فاد فازلم به شأو العنن
    يا فاصل الخطة أعيت من ومن ... أتاك شيخ الحي من آل سنن
    وأمه من آل ذئب بن حجن ... أبيض فضفاض الرداء والبدن
    رسول قيل العجم يسري للوسن ... لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن
    تجوب بي الأرض علنداة شزن ... ترفعني وجنا وتهوي بي وجن
    حتى أتى عاري الجآجي والقطن ... تلفه في الريح بوغاء الدمن
    كأنما حثحث من حضني ثكن!
    ثكن اسم جبل فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه فقال عبد المسيح على جمل مشيح1 جاء إلى سطيح حين أوفى على الضريح بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الإيوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان. رأى إبلا صعابا، تقود خيلا عرابا، قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها. يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة،
    ـــــــ
    1 جاد مسرع ، وفي "الطبرى"يسيح .
    (1/71)
    قولهما واحد إلا أن سطيحا قال "وقعت بأرض تهمه فأكلت منها كل ذات جمجمه". وقال شق: "قعت بين روضة وأكمة فأكلت منها كل ذات نسمة".
    فقال له الملك: ما أخطأت يا شق منها شيئا، فما عندك في تأويلها؟ قال: أحلف بما بين الحرتين من إنسان لينزلن أرضكم السودان، فليغلبن على كل طفلة البنان وليملكن ما بين أبين إلى نجران.
    ـــــــ
    وظهر صاحب الهراوة وخمدت نار فارس، وغارت بحيرة ساوة وفاض وادي السماوة1 فليست الشام لسطيح شاما، يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات وكل ما هو آت آت ثم قضى سطيح مكانه.
    وقوله فازلم به معناه قبض قاله ثعلب، وقوله شأو العنن. يريد الموت وما عن منه قاله الخطابي. وفاد مات. يقال منه فاد يفود وأما يفيد فمعناه يتبختر.
    وقول ابن إسحاق في خبر ربيعة بن نصر، فجهز أهله وبنيه إلى الحيرة، وكتب لهم إلى ملك يقال له سابور بن خرزاذ.
    من تاريخ ملوك الفرس:
    قال المؤلف الشيخ الحافظ أبو القاسم - عفا الله عنه - ولا يعرف خرزاذ في ملوك بني ساسان من الفرس، وهم من عهد أزدشير بن بابك إلى يزدجرد الذي قتل في أول خلافة عثمان - رضي الله عنه - معروفون مسمون بأسمائهم وبمقادير مددهم. مشهور ذلك عند الإخباريين والمؤرخين ولكنه يحتمل أن يكون ابن خرزاذ هذا ملكا دون الملك الأعظم منهم أو يكون أحد ملوك الطوائف وهو الظاهر في
    ـــــــ
    1 بادية بين الكوفة والشام وأرض مستوية لاحجر فيها.
    (1/72)
    فقال له الملك: وأبيك يا شق، إن هذا لنا لغائظ موجع فمتى هو كائن؟ أفي زماني، أم بعده؟ قال لا، بل بعده بزمان ثم يستنقذكم منهم عظيم ذو شأن ويذيقهم أشد الهوان. قال ومن هذا العظيم الشأن؟ قال غلام ليس بدني،
    ـــــــ
    مدة ربيعة بن نصر لأنه جد عمرو بن عدي وابن أخت جذيمة الأبرش1 وكان ملك جذيمة أوله فيما أحسب في مدة ملوك الطوائف وآخره في مدة الساسانيين وأول من ملك الحيرة من الساسانية سابور بن أزدشير وهو الذي خرب الحضر2 وكانت ملوك الطوائف متعادين يغير بعضهم على بعض قد تحصن كل واحد منهم في حصن وتحوز إلى حيز منهم عرب. ومنهم أشغانيون على دين الفرس، وأكثرهم ينتسبون إلى الفرس من ذرية دارا بن دارا، وكان الذي فرقهم وشتت شملهم وأدخل بعضهم بين بعض لئلا يستوثق لهم ملك ولا يقوم لهم سلطان الإسكندر بن فيلبش اليوناني، حين ظهر على دارا، واستولى على بلاد مملكته وتزوج بنته روشنك. بوصية أبيها دارا له بذلك حين وجده مثخنا في المعركة ولم يكن الإسكندر أراد قتله لأنه كان أخاه لأمه فيما زعموا، فوضع الإسكندر رأسه على فخذه - فيما ذكروا - وقال يا سيد الناس لم أرد قتلك، ولا رضيته، فهل لك من حاجة؟ قال نعم. تزوج ابنتي روشنك، وتقتل من قتلني، ثم قضى دارا، ففعل ذلك الإسكندر وفرق الفرس، وأدخل بينهم العرب. فتحاجزوا، وسموا: ملوك الطوائف لأن كل واحد منهم كان على طائفة من الأرض ثم دام أمرهم كذلك أربعمائة وثمانين سنة في قول الطبري، وقد قيل أقل من ذلك وقال المسعودي: خمسمائة وعشرين سنة وفي أيامهم بعث عيسى ابن مريم - عليه السلام - وذلك بعد موت الإسكندر بثلاثمائة سنة. فابن خرزاذ هذا - والله أعلم - من أولئك. وبنو
    ـــــــ
    1 ويلقب أيضا بالوضاح ، وقد ملك جذيمة من مشارق الشام إلى الفرات من قبل الروم.
    2 الحضر: اسم مدينة في البرية بإزاء تكريت بينها وبين الموصل والفرات ، يقال: لم يبق منها إلا رسم السور.
    (1/73)
    ولا مدن يخرج عليهم من بيت ذي يزن [فلا يترك أحدا منهم باليمن]؛ قال:
    ـــــــ
    ساسان القائمون بعد ملوك الطوائف وبعد ملوك الأشغانيين: هم وبنو ساسان بن بهمن. وهو من الكينية وإنما قيل لهم الكينية لأن كل واحد منهم يضاف إلى كي وهو البهاء. ويقال معناه إدراك الثأر. وأول من تسمى بكي أفريذون بن أثفيان قاتل الضحاك بثأر جده جم ثم صار الملك في عقبه إلى منوشهر الذي بعث موسى - عليه السلام - في زمانه إلى كي قاووس. وكان في زمن سليمان - عليه السلام - وسيأتي طرف من ذكره في الكتاب إلى كي يستاسب الذي ولي بختنصر وملكه. وبختنصر هو الذي حير الحيرة1 حين جعل فيها سبايا العرب، فتحيروا هناك فسميت الحيرة، وأخذ اسمه من بوخت وهي النخلة لأنه ولد في أصل نخلة. ثم كان بعد كي يستاسب بهمن بن إسبندياذ بن يستاسب.
    وكان له ابنان دارا وساسان وكان ساسان هو الأكبر فكان قد طمع في الملك بعد أبيه فصرف بهمن الأمر عنه إلى دارا لخبر يطول ذكره حملته على ذلك "خمانا أم دارا"، فخرج "ساسان" سائحا في الجبال ورفض الدنيا، وهانت عليه وعهد إلى بنيه متى كان لهم الأمر أن يقتلوا كل أشغاني وهم نسل "داراء" فلما قام "أزدشير بن بابك "وقيده الدارقطني "أردشير" بالراء المهملة ودعا ملوك الطوائف إلى القيام معه على من خالفه حتى ينتظم له ملك فارس، وأجابه إلى ذلك أكثرهم وكانوا يدا على الأقل حتى أزالوه وجعل "أزدشير" يقتل كل من ظهر عليه من أولئك الأشغانيين، فقتل ملكا منهم يقال له الأردوان2 واستولى على قصره فألقى فيه امرأة جميلة رائعة الحسن فقال لها: ما أنت؟ فقالت أمة من إماء الملك وكانت بنت الملك الأردوان لاذت بهذه الحيلة من القتل لأنه كان لا يبقي منهم
    ـــــــ
    1 في المراصد أنها سميت بهذا لأن تبعا لما قصد خراسان خلف ضعفة جنده بهذا الموضع وقال لهم خيروا به أي أقيموا .
    2 يلقب بالأصغر، ومدة ملكه كما في الطبرى 13سنة.
    (1/74)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    ذكرا ولا أنثى، فصدق قولها، واستسرها فحملت منه فلما أثقلت استبشرت بالأمان منه فأقرت أنها بنت الأشغاني الذي قتل واسمه أردوان - فيما ذكروا - فدعا وزيرا له ناصحا - وقد سماه الطبري في التاريخ - فقال استودع هذه بطن الأرض فكره الوزير أن يقتلها، وفي بطنها ابن للملك وكره أن يعصي أمره فاتخذ لها قصرا تحت الأرض ثم خصى نفسه وصبر مذاكيره وجعلها في حريرة ووضع الحريرة في حق وختم عليه ثم جاء به الملك فاستودعه إياه وجعل لا يدخل إلى المرأة في ذلك القصر سواه ولا تراها إلا عينه حتى وضعت المولود ذكرا، فكره أن يسميه قبل أبيه فسماه شاهبور، ومعناه ابن الملك فكان الصبي يدعى بهذا، ولا يعرف لنفسه اسما غيره فلما قبل التعليم نظر في تعليمه وتقويم أوده. واجتهد في كل ما يصلحه إلى أن ترعرع الغلام. فدخل الوزير يوما على أزدشير وهو واجم فقال لا يسوءك الله أيها الملك فقد ساءني إطراقك ووجومك، فقال كبرت سني، وليس لي ولد أقلده الأمر بعدي، وأخاف انتثار الأمر بعد انتظامه وافتراق الكلمة بعد اجتماعها، فقال له إن لي عندك وديعة أيها الملك وقد احتجت إليها، فأخرج إليه الحقة1 بخاتمها، ففض الخاتم وأخرج المذاكير منها، فقال له الملك ما هذا؟ فقال كرهت أن أعصي الملك حين أمرني في الجارية بما أمر فاستودعتها بطن الأرض حية حتى أخرج الله منها سليل الملك حيا، وأرضعته وحضنته وها هو ذا عندي، فإن أمر الملك جئته به فأمره أزدشير بإحضاره في مائة غلام من أبناء فارس، بأيديهم الصوالج2 يلعبون الكرة فلعبوا في القصر فكانت الكرة تقع في إيوان الملك فيتهيبون أخذها حتى طارت للغلام فوقعت في سرير الملك فتقدم حتى أخذها، ولم يهب ذلك فقال الملك ابني والشمس!! متعجبا من عزة نفسه
    ـــــــ
    1 هي الحق وجمعها حقق وحقوق وحقاق ، وفي الطبري أنه طلب من الملك أن يختم الحق بخاتمه.
    2مفردها: الصولج ، والصولجة وهي عصا معقوف طرفها يضرب بها الفارس الكرة .
    (1/75)
    أفيدوم سلطانه أم ينقطع؟ قال بل ينقطع برسول مرسل يأتي بالحق والعدل بين أهل الدين والفضل يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل قال وما يوم الفصل؟ قال يوم تجزى فيه الولاة ويدعى فيه من السماء بدعوات يسمع منها الأحياء والأموات ويجمع فيه بين الناس للميقات يكون فيه لمن اتقى الفوز والخيرات؛
    ـــــــ
    وصرامته ثم قال له ما اسمك يا غلام؟ فقال له شاهبور، فقال له صدقت أنت ابني. وقد سميتك بهذا الاسم وبور هو الابن وشاه هو الملك بلسانهم وإضافتهم مقلوبة يقدمون المضاف إليه على المضاف كما تقدم في "الكي" الكلمة التي كانت في أوائل أسماء الملوك الكينية فكانوا يضافون إلى الكي ثم إن أزدشير عهد إلى ابنه شاهبور، وسيأتي في الكتاب في قول الأعشى:
    أقام به شاهبور الجنود ... حولين يضرب فيه القدم
    ثم غيرت العرب هذا الاسم فقالوا: سابور وتسمى به ملوك بني ساسان منهم سابور ذو الأكتاف الذي وطئ أرض العرب، وكان يخلع أكتافهم حتى مر بأرض بني تميم ففروا منه1 وتركوا عمرو بن تميم. وهو ابن ثلاثمائة سنة لم يقدر على الفرار وكان في قفة معلقا من عمود الخيمة من الكبر فأخذ وجيء به الملك فاستنطقه سابور فوجد عنده رأيا ودهاء فقال له أيها الملك لم تفعل هذا بالعرب؟ فقال: يزعمون أن ملكنا يصل إليهم على يد نبي يبعث في آخر الزمان فقال عمرو: فأين حلم الملوك وعقلهم؟ إن يكن هذا الأمر باطلا فلا يضرك، وإن يكن حقا ألفاك، وقد اتخذت عندهم يدا، يكافئونك عليها، ويحفظونك بها في ذويك، فيقال إن سابور انصرف عنهم واستبقى بقيتهم وأحسن إليهم بعد ذلك والله أعلم.
    وأما أبرويز بن هرمز - وتفسيره بالعربية مظفر - فهو الذي كتب إليه النبي - صلى الله عليه وسلم
    ـــــــ
    1 إن سابور ضرى بقتل العرب ونزع أكتاف رؤسائهم إلى أن هلك ،وكان ملكه /72/سنة ذكره الطبري 2/60.
    (1/76)
    قال أحق ما تقول؟ قال إي ورب السماء والأرض وما بينهما من رفع وخفض إن ما أنبأتك به لحق ما فيه أمض.
    قال ابن هشام: أمض. يعني: شكا، هذا بلغة حمير، وقال أبو عمرو. أمض أي باطل.
    هجرة ربيعة بن نصر إلى العراق:
    فوقع في نفس ربيعة بن نصر ما قالا، فجهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما
    ـــــــ
    وسيأتي طرف من ذكره وهو الذي عرض على الله تعالى في المنام1 فقيل له سلم ما في يديك إلى صاحب الهراوة فلم يزل مذعورا من ذلك حتى كتب إليه النعمان بظهور النبي -صلى الله عليه وسلم- بتهامة فعلم أن الأمر سيصير إليه حتى كان من أمره ما كان وهو الذي سئل عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم – "ما حجة الله على كسرى؟ فقال إن الله تعالى أرسل إليه ملكا، فسلك يده في جدار مجلسه حتى أخرجها إليه وهي تتلألأ نورا، فارتاع كسرى، فقال له الملك لم ترع يا كسرى. إن الله قد بعث رسوله فأسلم تسلم [دنياك وآخرتك]2، فقال سأنظر" ذكره الطبري، في أعلام كثيرة من النبوة عرضت على أبرويز أضربنا عن الإطالة بها، في هذا الموضع وتسمى أيضا سابور بعد هذا سابور بن أبرويز أخو شيرويه، وقد ملك نحوا من شهرين في مدة النبي - صلى الله عليه وسلم - وملك أخوه شيرويه نحوا من ستة أشهر ثم ملكت بوران أختهما، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال "لا يفلح قوم ملكتهم امرأة" 3 فملكت سنة وهلكت وتشتت أمرهم كل الشتات. ثم اجتمعوا على يزدجرد بن شهريار والمسلمون قد غلبوا على أطراف أرضهم ثم كانت حروب القادسية معهم إلى أن قهرهم الإسلام وفتحت بلادهم
    ـــــــ
    1 يردد ما لا يصح .
    2 زيادة من الطبري .
    3 أخرجه أحمد في مسنده والبخاري والترمذي واليسائي عن أبي بكرة.
    (1/77)
    يصلحهم وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرزاذ فأسكنهم الحيرة.
    ـــــــ
    على يدي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - واستؤصل أمرهم والحمد لله1.
    وسابور تنسب إليه الثياب السابرية2 قاله الخطابي، وزعم أنه من النسب الذي غير فإذا نسبوا إلى نيسابور المدينة، قالوا: نيسابوري على القياس وزعم بعضهم أن ني هي القصب وكانت مقصبة فبناها سابور مدينة، فنسبت إليه والله أعلم.
    رجوعه إلى حديث سطيح وذي يزن:
    فصل وقول سطيح في حديث ربيعة: إرم ذي يزن، المعروف سيف بن ذي يزن، ولكن جعله إرما، إما لأن الإرم هو العلم فمدحه بذلك وإما شبهه بعاد إرم في عظم الخلق والقوة قال الله تبارك وتعالى : {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر: 6، 7].
    وربيعة بن نصر هذا هو: أحد ملوك الحيرة، وهم آل المنذر والمنذر هو ابن ماء السماء وهي أمه عرف بها، وهي من النمر بن قاسط وابنه عمرو بن هند عرف بأمه أيضا، وهي بنت الحارث آكل المرار جد امرئ القيس الشاعر ويعرف عمرو بمحرق لأنه حرق مدينة، يقال لها: ملهم وهي عند اليمامة، وقال المبرد والقتبي سمي محرقا، لأنه حرق مائة من بني تميم وذكر خبرهم3.
    وولد نصر بن ربيعة هو عدي، وكان كاتبا لجذيمة الأبرش وابنه: عمرو،
    ـــــــ
    1 في "المرصد" عن القادسية أنها فتحت في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه وقيل في عهد عمر رضي الله عنه.
    2 الثياب السابرية نوع من أجود الثياب وأرقها.
    3 في "الاشتقاق" ص 435: المحرق هو: الحارث بن عمرو بن عامر، وقد عرف بأنه المحرق الثاني.
    (1/78)
    نسب النعمان بن المنذر:
    فمن بقية ولد ربيعة بن نصر النعمان بن المنذر، فهو في نسب اليمن وعلمهم النعمان بن المنذر بن النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر، ذلك الملك.
    قال ابن هشام: النعمان بن المنذر بن المنذر فيما أخبرني خلف الأحمر.
    ـــــــ
    وهو ابن أخت جذيمة ويكنى جذيمة أبا مالك في قول المسعودي، وهو منادم الفرقدين واسم أخت جذيمة رقاش بنت مالك بن فهم بن غنم بن دوس، وهو الذي اختطفته الجن1، وفيه جرى المثل شب عمرو عن الطوق. وهو قاتل الزباء بنت عمرو واسمها: نائلة في قول الطبري ويعقوب بن السكيت وميسون في قول دريد واستشهد الطبري بقول الشاعر2:
    أتعرف منزلا بين المنقى ... وبين مجر نائلة القديم
    وقد أملينا في غير هذاالموضع ذكر نسبها وطرفا من أخبارها.
    وأخو عمرو بن هند: النعمان بن المنذر، وهو ابن مامة وكان ملكه بعد عمرو، وفي ملك عمرو ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي زمن كسرى أنوشروان بن قباذ.
    وأسقط ابن إسحاق من هذا النسب رجلين وهما: النعمان بن امرئ القيس وأبوه امرؤ القيس بن عمرو بن عدي. وقد قيل إن النعمان هذا هو أخو امرئ القيس وملك بعده وسيأتي ذكر النعمان بعد هذا عند ذكر صاحب الحضر إن شاء الله تعالى، وأنه الذي بنى الخورنق والسدير.
    ـــــــ
    1 بمثل أسطورة حطف الجن للناس، سيطر الدجاجلة على الذين لا دين لهم ولا عقل.
    2 هو القعقاع بن الدرماء الكلبي.
    (1/79)
    استيلاء أبي كرب تبان أسعد على ملك اليمن وغزوه إلى يثرب:
    ...
    استيلاء أبي كرب تبان أسعد على ملك اليمن وغزوه إلى يثرب:
    قال ابن إسحاق: فلما هلك ربيعة بن نصر رجع ملك اليمن كله إلى حسان بن تبان أسعد أبي كرب - وتبان أسعد هو تبع الآخر - ابن كلكي كرب بن زيد، وزيد
    ـــــــ
    قوم تبع :
    فصل: وقوله في نسب حسان بن تبان أسعد: هو تبان أسعد. اسمان جعلا اسما واحدا، وإن شئت أضفت كما تضيف معدي كرب وإن شئت جعلت الإعراب في الاسم الآخر وتبان من التبانة وهي الذكاء والفطنة. يقال رجل تبن وطبن.
    وكلكي كرب اسم مركب أيضا وسيأتي معنى الكرب في لغة حمير عند ذكر معدي كرب - إن شاء الله تعالى - وكان ملك كلكي كرب1 خمسا وثلاثين سنة وكان مضعفا ساقط الهمة لم يغز قط.
    وقوله في نسب حسان ابن تبان أسعد وتبان الأسعد [هو] تبع [الآخر] نقص من النسب أسماء كثيرة وملوكا ; فإن عمرا ذا الأذعار2 كان بعده ناشر بن عمرو، ويقال له ناشر النعم [بن عمرو بن يعفر] وإنما قيل له ناشر لأنه نشر الملك واسمه مالك. ملك بعد قتل رجعيم بن سليمان عليه السلام بالشام، وهو الذي انتهى إلى وادي الرمل، وماتت فيه طائفة من جنده جرت عليهم الرمال وبعده تبع الأقرن وأفريقيس بن قيس الذي بنى إفريقية وبه سميت وساق إليها البربر من أرض كنعان وتبع بن الأقرن وهو التبع الأوسط وشمر بن مالك الذي
    ـــــــ
    1 في "الإشتقاق": ملكي كرب وفي غيره كلي بضم الكاف وفتحها.
    2 يقول الكلبي: إنه بهذا الاسم لأنه جلب النسناس إلى اليمن فذعر الناس. انظر: "الاشتقاق" ص542.
    (1/80)
    هو تبع الأول بن عمرو ذي الأذعار بن أبرهة ذي المنار بن الريش - قال ابن هشام: ويقال الرائش - قال ابن إسحاق: بن عدي بن صيفي بن سبأ الأصغر بن كعب كهف الظلم بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث، بن قطن، بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن العرنجج، والعرنجج: حمير بن سبأ الأكبر بن يعرب بن يشجب بن قحطان.
    قال ابن هشام: يشجب بن يعرب بن قحطان.
    قال ابن إسحاق: وتبان أسعد أبو كرب الذي قدم المدينة، وساق الحبرين من يهود المدينة إلى اليمن، وعمر البيت الحرام وكساه وكان ملكه قبل ملك ربيعة بن نصر.
    قال ابن هشام: وهو الذي يقال له:
    ليت حظي من أبي كرب ... أن يسد خيره خبله
    ـــــــ
    سميت به مدينة سمرقند1، ومالك هو الأملوك وفي بني الأملوك يقول الشاعر:
    فنقب عن الأملوك واهتف بيعفر ... وعش جار عز لا يغالبه الدهر
    وقد قيل: إن الأملوك كان على عهد منوشهر، وذلك في زمن موسى - عليه السلام - كل هؤلاء مذكورون بأخبارهم في غير هذا الكتاب.
    وعمرو ذو الأذعار كان على عهد سليمان، أو قبله بقليل وكان أوغل في ديار المغرب وسبى أمة وجوهها في صدورها، فذعر الناس منهم فسمي ذا الأذعار وبعده ملكت بنت بلقيس هداهد بن شرحبيل صاحبة سليمان - عليه السلام - واسم
    ـــــــ
    1 في "المروج" ترتيب ملوكهم هكذا: أبرهة بن الرائش وبعده أفريقس بن أبرهة ثم العبد بن أبرهة ثم الهدهد بن شرحبيل ثم تبع الأول، ثم بلقيس ثم ناشر النعم ثم شمر بن أفريقس، ثم كليكرب، ثم حسان بن تبع، ثم تبع بن حسان،2/75.
    (1/81)
    غضب تبان على أهل المدينة، وسبب ذلك:
    قال ابن إسحاق: وكان قد جعل طريقه - حين أقبل من المشرق - على المدينة، وكان قد مر به في بدأته فلم يهج أهلها، وخلف بين أظهرهم ابنا له فقتل غيلة فقدمها وهو مجمع لإخرابها، واستئصال أهلها، وقطع نخلها، فجمع له هذا الحي من الأنصار، ورئيسهم عمرو بن طلة أخو بني النجار، ثم أحد بني عمرو بن مبذول، واسم مبذول عامر بن مالك بن النجار، واسم النجار تيم الله بن ثعلبة، بن عمرو، بن الخزرج، بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو، بن عامر.
    ـــــــ
    أمها يلمقه بنت جني، وقيل رواحة بنت سكين. قاله ابن هشام. وزعم أيضا أنها قتلت عمرا ذا الأذعار بحيلة ذكرها، وأنه سمي ذا الأذعار لكثرة ما ذعر الناس منه لجوره وأنه ابن أبرهة ذي المنار بن الصعب وهو ذو القرنين بن ذي مراثل الحميري، وأبوه أبرهة ذو المنار سمي بذلك لأنه رفع نيرانا في جبال ليهتدي بها1.
    وأما حسان الذي ذكر فهو الذي استباح طسما، وصلب اليمامة الزرقاء وذلك حين استصرخه عليهم رباح بن مرة أخو الزرقاء، وهو من فل جديس وقد تقدم الإيماء إلى خبرهم.
    ومعنى تبع في لغة اليمن: الملك المتبوع وقال المسعودي: لا يقال للملك تبع حتى يغلب اليمن والشحر وحضرموت. وأول التبابعة: الحارث الرائش وهو ابن همال بن ذي شدد2 وسمي الرائش لأنه راش الناس بما أوسعهم من العطاء وقسم فيهم من الغنائم وكان أول من غنم فيما ذكروا.
    وأما العرنجج الذي ذكر أنه حمير بن سبأ، فمعناه بالحميرية العتيق. قاله ابن
    ـــــــ
    1 في "القاموس" لأنه من ضرب المنار على طريقه في مغازيه ليهتدي بها إذا رجع.
    2 في "جمهرة ابن حزم" شمر بن الأفريقس بن أبرهة ذي المنار بن الحارث الرائش بن شدد الملطاط بن عمرو، انظر: ص410.
    (1/82)
    نسب عمرو بن طلة:
    قال ابن هشام: عمرو ابن طلة عمرو بن معاوية بن عمرو بن عامر بن مالك بن النجار، وطلة أمه وهي بنت عامر بن زريق، بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج.
    ـــــــ
    هشام، وفي عهد زمن تبع الأوسط - وهو حسان بن تبان أسعد - كان خروج عمرو بن عامر من اليمن من أجل سيل العرم، فيما ذكر القتبي.
    وأما عمرو أخو حسان الذي ذكر ابن إسحاق قصته وقتله لأخيه. فهو المعروف بموثبان. سمي بذلك للزومه الوثاب وهو [السرير] الفراش وقلة غزوه. قاله القتبي.
    وأما ما ذكره من غزو تبع المدينة، فقد ذكر القتبي أنه لم يقصد غزوها، وإنما قصد قتل اليهود الذين كانوا فيها، وذلك أن الأوس والخزرج كانوا نزلوها معهم حين خرجوا من اليمن على شروط وعهود كانت بينهم فلم يف لهم بذلك يهود واستضاموهم فاستغاثوا بتبع فعند ذلك قدمها وقد قيل بل كان هذا الخبر لأبي جبيلة الغساني وهو الذي استصرخته الأوس والخزرج على يهود فالله أعلم.
    والرجل الذي عدا على عذق الملك وجده من بني النجار هو مالك بن العجلان فيما قال القتبي، ولا يصح هذا عندي في القياس لبعد عهد تبع من مدة ملك بن العجلان.
    وخبر ملك بن العجلان إنما هو مع أبي جبيلة الغساني حين استصرخت به الأنصار على اليهود، فجاء حتى قتل وجوها من يهود. وأما تبع فحديثه أقدم من ذلك. يقال كان قبل الإسلام بسبعمائة عام والصحيح في اسم أبي جبيلة: جبيلة غير مكنى، ابن عمرو بن جبلة بن جفنة وجفنة: هو غلبة بن عمرو بن عامر ماء
    (1/83)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    السماء. وجبيلة هو جد جبلة بن الأيهم1 آخر ملوك بني جفنة ومات جبيلة الغساني من علقة شربها في ماء وهو منصرف عن المدينة.
    وذكر أن تبعا أراد تخريب المدينة، واستئصال اليهود، فقال له رجل منهم له مائتان وخمسون سنة الملك أجل من أن يطير به نزق. أو يستخفه غضب وأمره أعظم من أن يضيق عنا حلمه أو نحرم صفحه مع أن هذه البلدة مهاجر نبي يبعث بدين إبراهيم. وهذا اليهودي هو أحد الحبرين اللذين ذكر ابن إسحاق، قال واسم الحبرين سحيت والآخر منبه2. ذكر ذلك قاسم بن ثابت في الدلائل وفي رواية يونس عن ابن إسحاق، قال واسم الحبر الذي كلم الملك بليامين، وذكر أن امرأة اسمها: فكيهة من بني زريق كانت تحمل له الماء من بئر رومة3 بعدما قال له الحبران ما قالا، وكف عن قتال أهل المدينة، ودخلوا عسكره فأعطى فكيهة حتى أغناها، فلم تزل هي وعشيرتها من أغنى الأنصار حتى جاء الإسلام ولما آمن الملك بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأعلم بخبره قال
    شهدت على أحمد أنه ... نبي من الله باري النسم
    فلو مد عمري إلى عمره ... لكنت وزيرا له وابن عم
    وجاهدت بالسيف أعداءه ... وفرجت عن صدره كل هم
    وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب "القبور"، وذكره أيضا أبو إسحاق الزجاج في كتاب المغازي له أن قبرا حفر بصنعاء فوجد فيه امرأتان معهما لوح من فضة مكتوب بالذهب وفيه هذا قبر لميس وحبى ابنتي تبع ماتا، وهما تشهدان لا إله
    ـــــــ
    1 وهو الذي ارتد ولحق بالروم، ونسبه في "الأنباه": جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة. انظر: ص111.
    2 في التوراة والإنجيل بشارات ببعث نبي اسمه: أحمد.
    3 بئر بالمدينة، ويقال إنها التي اشتراها عثمان رضي الله عنه وسبلها.
    (1/84)
    سبب قتال تبان لأهل المدينة:
    قال ابن إسحاق: وقد كان رجل من بني عدي بن النجار، يقال له أحمر عدا على رجل من أصحاب تبع حين نزل بهم فقتله وذلك أنه وجده في عذق له يجده فضربه بمنجله فقتله وقال إنما التمر لمن أبره، فزاد ذلك تبعا حنقا عليهم فاقتتلوا، فتزعم الأنصار أنهم كانوا يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل فيعجبه ذلك منهم ويقول والله إن قومنا لكرام.
    فبينا تبع على ذلك من قتالهم إذ جاءه حبران من أحبار اليهود، من بني قريظة –
    ـــــــ
    إلا الله وحده لا شريك له وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – "لا أدري أتبع لعين أم لا" وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "لا تسبوا تبعا ; فإنه كان مؤمنا" 1 فإن صح هذا الحديث الأخير فإنما هو بعدما أعلم بحاله ولا ندري: أي التبايعة أراد غير أن في حديث معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال "لا تسبوا أسعد الحميري، فإنه أول من كسا الكعبة" 2 فهذا أصح من الحديث الأول وأبين حيث ذكر فيه أسعد. وتبان أسعد الذي تقدم ذكره وقد كان تبع الأول مؤمنا أيضا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الرائش وقد قال شعرا ينبئ فيه بمبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول فيه:
    ويأتي بعدهم رجل عظيم ... نبيء لا يرخص في الحرام
    وقد قيل أنه القائل
    منع البقاء تصرف الشمس ... وطلوعها من حيث لا تمسي
    اليوم أعلم ما يجيء به ... ومضى بفصل قضائه أمس
    ـــــــ
    1 رواه الإمام أحمد في مسنده عن سهل بن سعد.
    2 لم يروى إلا في كتب السير، كسيرة أبي ذر وأبي فرج في "مثير الغرام"، وليس عليه نفحة النبوة.
    (1/85)
    وقريظة والنضير والنجام وعمرو - وهو هدل - بنو الخزرج بن الصريح بن التومان بن السبط بن اليسع بن سعد بن لاوي بن خير بن النجام، بن تنحوم، بن
    ـــــــ
    وطلوعها بيضاء مشرقة ... وغروبها صفراء كالورس
    تجري على كبد السماء كما ... يجري حمام الموت في النفس
    وقد قيل إن هذا الشعر لتبع الآخر [وقيل لأسقف نجران]، فالله أعلم ومن هذا أخذ أبو تمام قوله
    ألقى إلى كعبة الرحمن أرحله ... والشمس قد نفضت ورسا على الأصل
    (1/86)
    غريب حديث تبع
    ...
    غريب حديث تبع:
    ذكر فيه فجد عذق الملك. العذق النخلة بفتح العين والعذق بالكسرة الكباسة بما عليها من التمر وذكر في نسب قريظة والنضير عمرا، وهو هدل بفتح الدال والهاء كأنه مصدر هدل هدلا إذا استرخت شفته وذكره الأمير ابن ماكولا عن أبي عبدة النسابة فقال فيه هدل بسكون الدال.
    وذكر فيه ابن التومان على وزن فعلان كأنه من لفظ التوم1 وهو الدر أو نحوه.
    وفيه ابن السبط بكسر السين وفيه ابن تنحوم بفتح التاء وسكون النون والحاء المهملة وهو عبراني، وكذلك عازر، وعزرى بكسر العين من عزري.
    وقاهث، وبالتاء المنقوطة باثنتين. وهكذا وقع في نسخة الشيخ أبي بحر. وفي غيرها بالثاء المثلثة وكلها عبرانية. وكذلك إسرائيل وتفصيله بالعربية سري الله. وقوله في شعر خالد بن عبد العزى: أصحا أم قد نهى ذكره2. الذكر جمع
    ـــــــ
    1 مفرده: تومة بضم التاء وفتح الميم، والجمع توم، بضم التاء وسكون الواو أو فتحها.
    2 الذكر بكسر الذال، والذكرى والذكر بضم الذال ضد النسيان، وفي "الشافية" عن جمع ما آخره ألف التأنيث.
    (1/86)
    عازر، بن عزرى، بن هارون بن عمران، بن يصهر بن قاهث، بن لاوي بن يعقوب - وهو إسرائيل - بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن - صلى الله عليهم - عالمان راسخان في العلم حين سمعا بما يريد من إهلاك المدينة وأهلها، فقالا له أيها الملك لا تفعل فإنك إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها، ولم نأمن عليك عاجل العقوبة فقال لهما: ولم ذلك؟ فقالا: هي مهاجر نبي يخرج من هذا الحرم من قريش في آخر الزمان تكون داره وقراره فتناهى عن ذلك ورأى أن لهما علما، وأجبه ما سمع منهما، فانصرف عن المدينة، وأتبعهما على دينهما، فقال خالد بن عبد العزى بن غزية بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار يفخر بعمرو بن طلة
    أصحا أم قد نهى ذكره ... أم قضى من لذة وطره
    أم تذكرت الشباب وما ... ذكرك الشباب أو عصره
    ـــــــ
    ذرة. كما تقول بكرة وبكر، والمستعمل في هذا المعنى ذكرى بالألف وقلما يجمع فعلى على فعل، وإنما يجمع على فعال فإن كان أراد في هذا البيت جمع: ذكرى، وشبه ألف التأنيث بهاء التأنيث فله وجه قد يحملون الشيء على الشيء إذا كان في معناه.
    وقوله ذكرك الشباب أو عصره أراد أو عصره. والعصر والعصر لغتان. وحرك الصاد بالضم1 قال ابن جني: ليس شيء على وز فعل بسكون العين يمتنع فيه فعل.
    وقوله إنها حرب رباعية. مثل. أي ليست بصغيرة ولا جذعة2. بل هي فوق ذلك وضرب سن الرباعية مثلا، كما يقال حرب عوان. لأن العوان أقوى من الفتية وأدرب.
    ـــــــ
    1 العصر مثلثة العين وبضمتين: الدهر، وجمعها: أعصار وعصور وأعصر وعصر بضمتين.
    2 الجذعة قبل الثني، والثني التي ألفت ثنيتها في السنة الثالثة إذا كانت من ذات الظلف والحافر.
    (1/87)
    إنها حرب رباعية ... مثلها آتى الفتى عبره
    فاسألا عمران أو أسدا ... إذ أتت عدوا مع الزهره
    فيلق فيها أبو كرب ... سبغ أبدانها ذفره
    ثم قالوا: من نؤم بها ... ابني عوف أم النجره؟
    بل بني النجار إن لنا ... فيهم قتلى، وإن تره
    ـــــــ
    وقوله عدوا مع الزهره. يريد صبحهم بغلس قبل مغيب الزهرة وقوله أبدانها ذفره يعني: الدروع. وذفرة من الذفر. وهي سطوع الرائحة طيبة كانت أو كريهة. وأما الدفر بالدال المهملة فإنما هو فيما كره من الروائح ومنه قيل للدنيا: أم دفر وذكره القالي في الأمالي بتحريك الفاء وغلط في ذلك والدفر بالسكون أيضا: الدفع.
    وقوله أم النجرة. جمع ناجر والناجر والنجار بمعنى واحد وهذا كما قيل المناذرة في بني المنذر والنجار وهم تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج، وسمي النجار لأنه نجر وجه رجل بقدوم فيما ذكر بعض أهل النسب.
    وقوله فيهم قتلى وإن تره. أظهر إن بعد الواو. أراد إن لنا قتلى وترة والترة الوتر فأظهر المضمر وهذا البيت شاهد على أن حروف العطف يضمر بعدها العامل المتقدم نحو قولك: إن زيدا وعمرا في الدار فالتقدير إن زيدا، وإن عمرا في الدار ودلت الواو على ما أردت، وإن احتجت إلى الإظهار أظهرت كما في هذا البيت إلا أن تكون الواو الجامعة في نحو اختصم زيد وعمرو، فليس ثم إضمار لقيام الواو مقام صيغة التثنية كأنك قلت: اختصم هذان وعلى هذا تقول طلع الشمس والقمر فتغلب المذكر كأنك قلت: طلع هذان النيران فإن جعلت الواو هي التي تضمر بعدها الفعل قلت: طلعت الشمس والقمر وتقول في نفي المسألة الأولى: ما طلع الشمس والقمر ونفي المسألة الثانية ما طلعت الشمس ولا القمر تعيد حرف النفي. لينتفي به الفعل المضمر. ويتفرع من هذا الأصل في
    (1/88)
    فتلقتهم مسايفة ... مدها كالغبية النثره
    فيهم عمرو بن طلة م ... لى الإله قومه عمره
    ـــــــ
    النحو مسائل كثيرة لا نطول بذكرها.
    وقوله فتلقتهم مسايفة بكسر الياء أي كتيبة مسايفة. ولو فتحت الياء فقلت: مسايفة لكان حالا من المصدر التي تكون أحوالا مثل كلمته مشافهة ولعل هذه الحال أن يكون لها ذكر في الكتاب فنكشف عن سرها، ونبين ما خفي على الناس من أمرها، وفي غير نسخة الشيخ فتلقتهم مسابقة بالباء والقاف. والغبية الدفعة من المطر1.
    وقوله النثرة أي المنتثرة وهي التي لا تمسك ماء. وقوله [ملى] الإله من قولهم تمليت حينا أي عشت معه حينا، وهو مأخوذ من الملاوة والملوين2 قال ابن أحمر
    ألا يا ديار الحي بالسبعان3 ... أمل عليها بالبلى الملوان
    ألا يا ديار الحي لا هجر بيننا ... ولا كن روعات من الحدثان
    نهار وليل دائب ملواهما ... على كل حال الناس يختلفان
    معنى قول الشاعر دائب ملواهما. والملوان الليل والنهار. وهو مشكل لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه. لكنه جاز ههنا لأن الملا هو المتسع من الزمان والمكان وسمي الليل والنهار ملوين لانفساحهما، فكأنه وصف لهما، لا عبارة عن ذاتيهما ; ولذلك جازت إضافته إليها، فقال دائب ملواهما أي مداهما وانفساحهما. وقد رأيت معنى هذا الكلام في هذا البيت بعينه لأبي علي الفسوري في
    ـــــــ
    1 وأيضا: الصب، الكثير من الماء والسياط، ومن التراب ما سطع من غباره.
    2 ملاه الله العيش وأملاه وملاك الله حبيبك: أمتعك به وأعاشك معه طويلا.
    3 السبعان: موضع في ديار بكر, أو ديار قيس.
    (1/89)
    سيد سامى الملوك ومن ... رام عمرا لا يكن قدره
    وهذا الحي من الأنصار يزعمون أنه إنما كان حنق تبع على هذا الحي من يهود الذين كانوا بين أظهرهم وإنما أراد هلاكهم فمنعوهم منه حتى انصرف عنهم ولذلك قال في شعره:
    حنقا على سبطين حلا يثربا ... أولى لهم بعقاب يوم مفسد
    ـــــــ
    بعض مسائله الشيرازية.
    وقوله لا يكن قدره. دعاء عليه والهاء عائدة على عمرو. أراد لا يكن قدر عليه. وحذف حرف الجر فتعدى الفعل فنصب ولا يجوز حذف حرف الجر في كل فعل وإنما جاز في هذا، لأنه في معنى: استطاعه أو أطاعه فحمل على ما هو في معناه ونظائره كثيرة والبيت الذي أنشده:
    ليت حظي من أبي كرب ... أن يسد خيره خبله1
    قال البرقي: نسب هذا البيت إلى الأعشى، ولم يصح قال وإنما هو لعجوز من بني سالم. أحبه قال في اسمها: جميلة قالته حين جاء مالك بن العجلان بخبر تبع، فدخل سرا، فقال لقومه قد جاء تبع، فقالت العجوز البيت.
    وقوله في حديث تبع: وقوم يزعمون أن حنقه إنما كان على هذين السبطين من يهود يقوي ما ذكرناه قبل هذا عنه.
    والشعر الذي زعم ابن هشام أنه مصنوع قد ذكره في كتاب التيجان وهو قصيد مطول أوله:
    ما بال عينك لا تنام كأنما ... كحلت مآقيها بسم الأسود
    ـــــــ
    1 هو ابن ملك كرب يهأمن الذي كان على اليمن سنة /378م/، ويظهر أن عقيدة التوحيد كانت معروفة في عهده، وفي عهد من جاؤوا بعده. انظر "تاريخ العرب قبل الإسلام" 3/152.
    (1/90)
    قال ابن هشام:
    الشعر الذي فيه هذا البيت مصنوع فذلك الذي منعنا من إثباته.
    اعتناق تبع النصرانية، وكسوته البيت وتعظيمه وشعر سبيعة في ذلك:
    قال ابن إسحاق: وكان تبع وقومه أصحاب أوثان يعبدونها، فتوجه إلى مكة، وهي طريقه إلى اليمن، حتى إذا كان بين عسفان، وأمج، أتاه نفر من هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد، فقالوا له أيها الملك ألا ندلك على بيت مال دائر أغفلته الملوك قبلك، فيه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت والذهب والفضة؟ قال
    ـــــــ
    حنقا على سبطين حلا يثربا ... أولى لهم بعقاب يوم مفسد
    وذكر في القصيدة ذا القرنين، وهو الصعب بن ذي مراثد فقال فيه:
    ولقد أذل الصعب صعب زمانه ... وأناط عروة عزه بالفرقد
    لم يدفع المقدور عنه قوة ... عند المنون ولا سمو المحتد
    والصنعة بادية في هذا البيت وفي أكثر شعره وفيه يقول:
    فأتى مغار الشمس عند غروبها ... في عين ذي خلب وثأط حرمد1
    والخلب الطين والثأط الحرمد وهو الحمأ الأسود وروى نقلة الأخبار أن تبعا لما عمد إلى البيت يريد إخرابه رمي بداء تمخض منه رأسه قيحا وصديدا يثج ثجا، وأنتن حتى لا يستطيع أحد أن يدنو منه قيد الرمح وقيل بل أرسلت عليه ريح كتعت منه يديه ورجليه وأصابتهم ظلمة شديدة حتى دفت خيلهم2 فسمي ذلك المكان الدف فدعا بالحزاة3 والأطباء فسألهم عن دائه فهالهم ما رأوا منه ولم يجد عندهم فرجا. فعند ذلك قال له الحبران: لعلك هممت بشيء في أمر هذا
    ـــــــ
    1 القصيدة في "الطبري" 2/109.ط. المعارف، وليس فيها "ولقد أذل الصعب" وما بعده وهي /23/ بيت.
    2 دف الشيء: نسفه واستأصله.
    3 جمع حازي وهو: الكاهن أو الذي ينظر في النجوم ويقضي بها.
    (1/91)
    بلى، قالوا: بيت بمكة يعبده أهله ويصلون عنده. وإنما أراد الهذليون هلاكه بذلك لما عرفوا من هلاك من أراده من الملوك وبغى عنده. فلما أجمع لما قالوا، أرسل إلى الحبرين فسألهما عن ذلك فقالا له ما أراد القوم إلا هلاكك وهلاك جندك. ما نعلم بيتا لله اتخذه في الأرض لنفسه غيره ولئن فعلت ما دعوك إليه لتهلكن وليهلكن من معك جميعا، قال فماذا تأمرانني أن أصنع إذا أنا قدمت عليه؟ قالا: تصنع عنده ما يصنع أهله تطوف به وتعظمه وتكرمه وتحلق رأسك عنده وتذل له حتى تخرج من عنده قال فما يمنعكما أنتما من ذلك؟ قالا: أما والله إنه لبيت أبينا إبراهيم وإنه لكما أخبرناك، ولكن أهله حالوا بيننا وبينه بالأوثان التي نصبوها حوله وبالدماء التي يهريقون عنده وهم نجس أهل شرك - أو كما قالا له - فعرف نصحهما وصدق حديثهما فقرب النفر من هذيل، فقطع أيديهم وأرجلهم ثم مضى حتى قدم مكة، فطاف بالبيت ونحر عنده وحلق رأسه وأقام بمكة ستة أيام - فيما يذكرون - ينحر بها للناس ويطعم أهلها، ويسقيهم العسل وأري في المنام أن يكسو البيت فكساه الخصف ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه المعافر ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه الملاء والوصائل فكان تبع - فيما يزعمون - أول من كسا البيت وأوصى به ولاته من جرهم، وأمرهم بتطهيره وألا يقربوه دما، ولا ميتة ولا مئلات وهي المحايض وجعل له بابا ومفتاحا، وقالت سبيعة بنت
    ـــــــ
    البيت فقال نعم أردت هدمه. فقالا له تب إلى الله مما نويت فإنه بيت الله وحرمه وأمراه بتعظيم حرمته ففعل فبرئ من دائه وصح من وجعه. وأخلق بهذا الخبر أن يكون صحيحا فإن الله - سبحانه - يقول {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25]. أي ومن يسهم فيه بظلم. والباء في قوله بظلم تدل على صحة المعنى، وأن من هم فيه بالظلم - وإن لم يفعل - عذب تشديدا في حقه وتعظيما لحرمته وكما فعل الله بأصحاب الفيل أهلكهم قبل الوصول إليه.
    وقوله فكسا البيت الخصف. جمع: خصفة وهي شيء ينسج من الخوص والليف والخصف أيضا: ثياب غلاظ. والخصف لغة في الخزف في كتاب
    (1/92)
    الأحب بن زبينة، بن جذيمة بن عوف بن معاوية بن بكر بن هوازن، بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان وكانت عند عبد مناف بن كعب، بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر، بن كنانة لابن لها منه يقال له خالد تعظم عليه حرمة مكة، وتنهاه عن البغي فيها، وتذكر تبعا وتذلله لها، وما صنع بها:
    أبني لا تظلم بمكة ... لاالصغير ولا الكبير
    واحفظ محارمها بن ... ي ولا يغرنك الغرور
    أبني من يظلم بمكة ... يلق أطراف الشرور
    بني يضرب وجهه ... ويلح بخديه السعير
    أبني قد جربتها ... فوجدت ظالمها يبور
    الله أمنها، وما ... بنيت بعرصتها قصور
    ولقد غزاها تبع ... فكسا بنيتها الحبير
    وأذل ربي ملكه ... فيها فأوفى بالنذور
    ـــــــ
    "العين". والخصف بضم الخاء وسكون الصاد هو الجوز. ويروى أن تبعا لما كسا البيت المسوح والأنطاع. انتفض البيت فزال ذلك عنه وفعل ذلك حين كساه الخصف فلما كساه الملاء والوصائل قبلها. وممن ذكر هذا الخبر: قاسم في الدلائل. وأما الوصائل فثياب موصلة من ثياب اليمن. واحدتها: وصيلة1.
    وقوله: ولا تقربوه بمئلات، وهي: المحائض. لم يرد النساء الحيض؛ لأن حائضا لا يجمع على محائض2، وإنما هي جمع محيضة، وهي خرقة المحيض
    ـــــــ
    1 لا ريب في أن ما تقدم حديث خرافة، وقد روى أحاديث كسوة الكعبة غير من تقدم الواقدي وسعيد بن منصور، وهي أحاديث واهية.
    2 في "القاموس" المرأة تحيض حيضاً ومحيضا وجمعها: حوائض، وحيض والحيضة الخرقة، وكذلك المحيضة.
    (1/93)
    يمشي إليها - حافيا ... بفنائها - ألفا بعير
    ويظل يطعم أهلها ... لحم المهارى والجزور
    يسقيهم العسل المصفى ... والرحيض من الشعير
    والفيل أهلك جيشه ... يرمون فيها بالصخور
    والملك في أقصى البلا ... د وفي الأعاجم والخزير
    فاسمع إذا حدثت، وافهم كيف عاقبة الأمور
    قال ابن هشام: يوقف على قوافيها لا تعرب.
    دعوة تبان قومه إلى النصرانية، وتحكيمهم النار بينهم وبينه:
    ثم خرج منها متوجها إلى اليمن بمن معه من جنوده وبالحبرين حتى إذا دخل اليمن دعا قومه إلى الدخول فيما دخل فيه فأبوا عليه حتى يحاكموه إلى النار التي كانت باليمن.
    قال ابن إسحاق: حدثني أبو مالك بن ثعلبة بن أبي مالك القرظي قال سمعت إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله يحدث أن تبعا لما دنا من اليمن ليدخلها حالت حمير بينه وبين ذلك وقالوا: لا تدخلها علينا، وقد فارقت ديننا، فدعاهم إلى دينه وقال إنه خير من دينكم فقالوا: فحاكمنا إلى النار. قال نعم. قال وكانت باليمن - فيما يزعم أهل اليمن - نار تحكم
    ـــــــ
    ويقال للخرقة أيضا: مئلاة وجمعها: المآلي قال الشاعر:
    كأن مصفحات في ذراه ... وأنواحا عليهن المآلي1
    وهي هنا خرق تمسكهن النواحات بأيديهن فكان المئلات كل خرقة دنسة لحيض كانت أو لغيره وزنها مفعلة من ألوت: إذا قصرت وضيعت، وجعلها
    ـــــــ
    1 البيت للبيد يصف سحاباً. والمصفحات: السيوف، ومن رواها بكسر الفاء، فهي النساء، شبه لمع البرق بتصفح النساء إذا صفقن بأيديهن.
    (1/94)
    بينهم فيما يختلفون فيه تأكل الظالم ولا تضر المظلوم فخرج قومه بأوثانهم وما يتقربون به في دينهم وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما متقلديها، حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه فخرجت النار إليهم فلما أقبلت نحوهم حادوا عنها وهابوها، فذمرهم من حضرهم من الناس وأمروهم بالصبر لها، فصبروا حتى غشيتهم فأكلت الأوثان وما قربوا معها، ومن حمل ذلك من رجال حمير، وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما تعرق جباههما لم تضرهما، فأصفقت عند ذاك حمير على دينه فمن هنالك وعن ذلك كان أصل اليهودية باليمن.
    قال ابن إسحاق: وقد حدثني محدث أن الحبرين ومن خرج من حمير، إنما اتبعوا النار ليردوها، وقالوا: من ردها فهو أولى بالحق، فدنا منها رجال من حمير بأوثانهم ليردوها فدنت منهم لتأكلهم فحادوا عنها ولم يستطيعوا ردها، ودنا منها الحبران بعد ذلك وجعلا يتلوان التوراة وتنكص عنهما، حتى رداها إلى مخرجها الذي خرجت منه فأصفقت عند ذلك حمير على دينهما. والله أعلم أي ذلك كان.
    ـــــــ
    صاحب "العين" في باب الإلية والألية، فلام الفعل عنده ياء على هذا، والله أعلم ويروى في هذا الموضع مئلاثا بثاء مثلثة ومن قوله حين كسا البيت:
    وكسونا البيت الذي حرم الله ... ملاء معضدا وبرودا
    فأقمنا به من الشهر عشرا ... وجعلنا لبابه إقليدا
    ونحرنا بالشعب ستة ألف ... فترى الناس نحوهن ورودا
    ثم سرنا عنه نؤم سهيلا ... فرفعنا لواءنا معقودا1
    وقال القتبي: كانت قصة تبع قبل الإسلام بسبعمائة عام2.
    وقوله بنت الأحب بالحاء المهملة ابن زبينة بالزاي والباء والنون: فعيلة من
    ـــــــ
    1 هو من الشعر المنحول، ولهذا أضرب عن ذكره ابن هشام.
    2 كان قبله بأقل من ذلك بكثير.
    (1/95)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    الزبن1 والنسب إليه زباني على غير قياس. ولو سمي به رجل لقيل في النسب إليه. زبني على القياس. قال سيبويه: الأحب بالحاء المهملة. يقوله أهل النسب وأبو عبيدة يقوله بالجيم وإنما قالت بنت الأحب هذا الشعر في حرب كانت بين بني السباق بن عبد الدار، وبين بني علي بن سعد بن تميم حتى تفانوا. ولحقت طائفة من بني السباق بعك. فهم فيهم. قال وهو أول بغي كان في قريش. وقد قيل أول بغي كان في قريش2 بغي الأقايش وهم بنو أقيش من بني سهم بغى بعضهم على بعض فلما كثر بغيهم على الناس أرسل الله عليهم فأرة تحمل فتيلة فأخرقت الدار التي كانت فيها مساكنهم فلم يبق لهم عقب.
    كسوة الكعبة:
    وقولها: وكسا بنيتها الحبير. تريد الحبرات3 والرحيض من الشعير أي المنقى والمصفى منه وقال ابن إسحاق في غير هذا الموضع: أول من كسا الكعبة الديباج الحجاج وذكر جماعة سواه منهم الدارقطني. فتيلة بنت جناب أم العباس بن عبد المطلب. كانت قد أضلت العباس صغيرا، فنزرت إن وجدته أن تكسو الكعبة الديباج ففعلت ذلك حين وجدته. وكانت من بيت مملكة وسيأتي ذكر نسبها فيما بعد - إن شاء الله.
    وقال الزبير النسابة بل أول من كساها الديباج عبد الله بن الزبير4.
    ـــــــ
    1 الزبن: الدفع.
    2 في "الاشتقاق": وكان بنو السباق أول من بغى بمكة فأهلكوا.
    3 جمع حبرة بكسر ففتح: ما كان من البرود مخططاً.
    4 وذكر الواقدي أن أول من كساها الديباج هو يزيد بن معاوية، واتبع ابن الزبير أثره.
    (1/96)
    رئام وما صار إليه:
    قال ابن إسحاق: وكان رئام بيتا لهم يعظمونه وينحرون عنده ويكلمون منه إذ كانوا على شركهم فقال الحبران لتبع إنما هو شيطان يفتنهم بذلك فخل بيننا وبينه، قال فشأنكما به فاستخرجا منه - فيما يزعم أهل اليمن - كلبا أسود فذبحاه ثم هدما ذلك البيت فبقاياه اليوم - كما ذكر لي - بها آثار الدماء التي كانت تهراق عليه.
    __________
    رئام:
    وذكر البيت الذي كان لهم يقال له رئام، وهو فعال من رئمت الأنثى ولدها ترأمه رئما ورئاما: إذا عطفت عليه ورحمته. فاشتقوا لهذا البيت اسما لموضع الرحمة التي كانوا يلتمسون في عبادته والله أعلم.
    وفي رواية يونس عن ابن إسحاق أن رئاما كان فيه شيطان وكانوا يملئون له حياضا من دماء القربان فيخرج فيصيب منها، ويكلمهم وكانوا يعبدونه فلما جاء الحبران مع تبع نشرا التوراة عنده وجعلا يقرآنها ; فطار ذلك الشيطان حتى وقع في البحر
    ـــــــ
    1 في :اللسان والقاموس": مصدر رئم هو رأم بوزن ضرب ورأمان ورئمان بكسر فسكون.
    (1/97)
    ملك ابنه حسان بن تبان وقتل عمرو أخيه [له]:
    ...
    ملك ابنه حسان بن تبان وقتل عمرو أخيه [له]:
    سبب قتله:
    فلما ملك ابنه حسان بن تبان أسعد أبي كرب، سار بأهل اليمن، يريد أن يطأ به أرض العرب، وأرض الأعاجم، حتى إذا كانوا ببعض أرض العراق - قال ابن هشام: بالبحرين، فيما ذكر لي بعض أهل العلم - كرهت حمير وقبائل اليمن المسير معه وأرادوا الرجعة إلى بلادهم وأهلهم فكلموا أخا له يقال له عمرو، وكان معه في جيشه فقالوا له اقتل أخاك حسان ونملك علينا، وترجع بنا إلى بلادنا، فأجابهم
    __________
    لغة ونحو: وقوله في حديث عمرو أخي حسان وهو الذي كان يقال له:
    ـــــــ
    1 في :اللسان والقاموس": مصدر رئم هو رأم بوزن ضرب ورأمان ورئمان بكسر فسكون.
    (1/97)
    فاجتمعت على ذلك إلا ذا رعين الحميري، فإنه نهاه عن ذلك فلم يقبل منه. فقال ذو رعين
    ألا من يشتري سهرا بنوم ... سعيد من يبيت قرير عين
    فإما حمير غدرت وخانت ... فمعذرة الإله لذي رعين
    ثم كتبهما في رقعة وختم عليها، ثم أتى بهما عمرا، فقال له ضع لي هذا الكتاب عندك، ففعل ثم قتل عمرو أخاه حسان ورجع بمن معه إلى اليمن. فقال رجل من حمير:
    لاه عينا الذي رأى مثل حسا ... ن قتيلا في سالف الأحقاب
    ـــــــ
    موثبان1 وقد تقدم لم لقب بذلك. وقول ذي رعين له في البيتين:
    ألا من يشتري سهرا بنوم ... سعيد من يبيت قرير عين2
    معناه أمن يشتري، وحسن حذف ألف الاستفهام هاهنا لتقدم همزة ألا. كما حسن في قول امرئ القيس :
    أحار ترى برقا أريك وميضه
    أراد : أترى وفي البيت حذف تقديره بل من يبيت قرير عين هو السعيد. فحذف الخبر لدلالة أول الكلام عليه. وفي كتاب ابن دريد سعيد أم يبيت بحذف من وهذا من باب حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه لأن من هاهنا نكرة موصوفة ومثله قول الراجز
    لو قلت ما في قومها لم تأثم ... يفضلها في حسب وميسم
    أي من يفضلها، وهذا، إنما يوجد في الكلام إذا كان الفعل مضارعا لا ماضيا، قاله ابن السراج وغيره.
    ـــــــ
    1 في "الطبري": لأنه وثب على أخيه حسان بفرضة نعم فقتله.
    2 البيتان في "الاشتقاق" ص525. وفي الطبري ج2/116.
    (1/98)
    قتلته مقاول خشية الحبس ... غداة قالوا: لباب لباب
    ميتكم خيرنا وحيكم ... رب علينا، وكلكم أربابي
    قال ابن إسحاق: وقوله لباب لباب: لا بأس لا بأس، بلغة حمير. قال ابن هشام: ويروى: لباب لباب.
    ندم عمرو وهلاكه:
    قال ابن إسحاق: فلما نزل عمرو بن تبان اليمن منع منه النوم وسلط عليه
    ـــــــ
    وذو رعين تصغير رعن والرعن أنف الجبل ورعين جبل باليمن1 قاله صاحب "العين"، وإليه ينسب ذو رعين.
    وقوله في الأبيات بعد هذا: لاه من رأى مثل حسان أراد لله وحذف لام الجر واللام الأخرى مع ألف الوصل وهذا حذف كثير. ولكنه جاز في هذا الاسم خاصة لكثرة دوره على الألسنة. مثل قول الفراء لهنك من برق علي كريم. أراد والله إنك. وقال بعضهم أراد لأنك وأبدل الهمزة هاء. وهذا بعيد لأن اللام لا تجمع مع إن إلا أن تؤخر اللام إلى الخبر، لأنهما حرفان مؤكدان وليس انقلاب الهمزة هاء بمزيل العلة المانعة من اجتماعهما.
    المقاول:
    وقوله: قتلته المقاول: يريد الأقيال وهم الذين دون التبابعة2 واحدهم: قيل مثل سيد ثم خفف واستعمل بالياء في إفراده وجمعه وإن كان أصله الواو لأن معناه: الذي يقول ويسمع قوله، ولكنهم كرهوا أن يقولوا: أقوال فيلتبس
    ـــــــ
    1 في "الاشتقاق" والرعن: أنف الجبل النادر حتى يستطيل في الأرض.
    2 يروي الطبري عن ابن عباس أن أهل اليمن يسمون القائد قيلا انظر: 2/491, ط المعارف. وفي "القاموس": المقول كمنبر اللسان والملك أو من ملوك حمير يقول ما يشاء فينفذ.
    (1/99)
    السهر فلما جهده ذلك سأل الأطباء والحزاة من الكهان والعرافين عما به فقال له قائل منهم إنه ما قتل رجل قط أخاه أو ذا رحمه بغيا على مثل ما قتلت أخاك عليه إلا ذهب نومه وسلط عليه السهر فلما قيل له ذلك جعل يقتل كل من أمره بقتل أخيه حسان من أشراف اليمن، حتى خلص إلى ذي رعين، فقال له ذو رعين: إن لي عندك براءة فقال وما هي؟ قال الكتاب الذي دفعت إليك، فأخرجه فإذا البيتان فتركه ورأى أنه قد نصحه. وهلك عمرو، فمرج أمر حمير عند ذلك وتفرقوا.
    ـــــــ
    بجمع قول كما قالوا: عيد وأعياد وإن كان من عاد يعود لكن أماتوا الواو فيه إماتة كي لا يشبه جمع العود وإذا أرادوا إحياء الواو في جمع قيل قالوا: مقاول كأنه جمع مقول أو جمع: مقال ومقالة فلم يبعدوا من معنى القول وأمنوا اللبس وقد قالوا: محاسن ومذاكر لا واحد لها من لفظها، وكأنهم ذهبوا أيضا في مقاول مذهب المرازب وهم ملوك العجم، والله أعلم.
    على أنهم قالوا: أقيال وأقوال ولم يقولوا في جمع عيد إلا أعياد، ومثل عيد وأعياد. ريح وأرياح في لغة بني أسد وقد صرفوا من القيل فعلا، وقالوا: قال علينا فلان أي ملك والقيالة الإمارة ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في تسبيحه الذي رواه الترمذي "سبحان الذي لبس العز وقال به" أي ملك به وقهر. كذا فسره الهروي في "الغريبين".
    (1/100)
    وثوب لخنيعة ذي شناتر على ملك اليمن:
    ...
    وثوب لخنيعة ذي شناتر على ملك اليمن:
    توليه الملك، وشيء من سيرته، ثم قتله:
    فوثب عليهم رجل من حمير لم يكن من بيوت المملكة يقال له لخنيعة
    ـــــــ
    خبر لخنيعة وذي نواس:
    وقال فيه ابن دريد: لخنيعة وقال: هو من اللخع، وهو استرخاء في الجسم،
    (1/100)
    ينوف ذو شناتر فقتل خيارهم وعبث ببيوت أهل المملكة منهم فقال قائل من حمير للخنيعة:
    تقتل أبناءها وتنفي سراتها ... وتبني بأيديها لها الذل حمير
    تدمر دنياها بطيش حلومها ... وما ضيعت من دينها فهو أكثر
    كذلك القرون قبل ذاك بظلمها ... وإسرافها تأتي الشرور فتخسر
    وكان لخنيعة امرئ فاسقا يعمل عمل قوم لوط، فكان يرسل إلى الغلام من أبناء الملوك فيقع عليه في مشربة له قد صنعها لذلك لئلا يملك بعد ذلك ثم يطلع من مشربته تلك إلى حرسه ومن حضر من جنده قد أخذ مسواكا، فجعله في فيه أي ليعلمهم أنه قد فرغ منه حتى بعث إلى زرعة ذي نواس بن تبان أسعد أخي حسان وكان صبيا صغيرا حين قتل حسان ثم شب غلاما جميلا وسيما، ذا هيئة وعقل فلما أتاه رسوله عرف ما يريد منه فأخذ سكينا جديدا لطيفا، فخبأه بين قدمه ونعله ثم أتاه فلما خلا معه وثب إليه فواثبه ذو نواس، فوجأه حتى قتله. ثم حز رأسه فوضعه في الكوة التي كان يشرف منها، ووضع مسواكه في فيه ثم خرج على الناس فقالوا له ذا نواس أرطب أم يباس؟ فقال سل نخماس استرطبان ذو نواس.
    ـــــــ
    وذو شناتر. الشناتر الأصابع بلغة حمير، واحدها: شنترة وذو نواس1 اسمه زرعة وهو من قولهم للغلام زرعك الله أي أنبتك وسموا بزارع كما سموا بنابت وقال الله تعالى: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة 64] أي تنبتونه وفي "مسند" وكيع بن الجراح عن أبي عبد الرحمن الجبلي أنه كان يكره أن يقول الرجل زرعت في أرضي كذا وكذا، لأن الله هو الزارع وفي مسند البزار - مرفوعا - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن ذلك أيضا، وقد تكلمنا على وجه هذا الحديث
    ـــــــ
    1 هو من أذواء اليمن، وقيل إنه حكم من سنة /515م حتى/525م وبه ختمت سلسلة ملوك حمير. أما الخنيعة ويسمى"لحيعثت ينف" فحكم من /480-500م انظر: "تاريخ العرب قبل الإسلام" 3/164.
    (1/101)
    استرطبان لا بأس. قال ابن هشام: هذا كلام حمير. ونخماس: الرأس. فنظروا إلى الكوة فإذا رأس لخنيعة مقطوع فخرجوا في إثر ذي نواس حتى أدركوه فقالوا: ما ينبغي أن يملكنا غيرك، إذ أرحتنا من هذا الخبيث.
    __________
    في غير هذا الإملاء فقد جاء في الصحيح "ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا" الحديث1. وفي كتاب الله أيضا قال {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً} [يوسف: 47]، وسمي ذا نواس بغديرتين كانتا له تنوسان أي ضفيرتان من شعر والنوس الحركة والاضطراب فيما كان متعلقا، قال الراجز:
    لو رأتني والنعاس غالبي ... على البعير نائسا ذباذبي
    ـــــــ
    1 بقية الحديث: "فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة" رواه البخاري ومسلم وأحمد في مسنده والترمذي عن أنس.
    (1/102)
    ملك ذي نواس:
    ...
    ملك ذي نواس:
    فملكوه واجتمعت عليه حمير وقبائل اليمن، فكان آخر ملوك حمير. وهو صاحب الأخدود، وتسمى: يوسف فأقام في ملكه زمانا.
    النصرانية بنجران:
    وبنجران بقايا من أهل دين عيسى ابن مريم عليه السلام على الإنجيل. أهل فضل واستقامة من أهل دينهم لهم رأس يقال له عبد الله بن الثامر. وكان موقع أصل ذلك الدين بنجران وهي بأوسط أرض العرب في ذلك الزمان وأهلها وسائر العرب كلها أهل أوثان يعبدونها، وذلك أن رجلا من بقايا أهل ذلك الدين يقال له فيميون، وقع بين أظهرهم فحملهم عليه. فدانوا به.
    (1/102)
    ابتداء وقوع النصرانية بنجران
    ...
    ابتداء وقوع النصرانية بنجران:
    فيميون وصالح ونشر النصرانية بنجران :
    قال ابن إسحاق: حدثني المغيرة بن أبي لبيد مولى الأخنس عن وهب بن منبه اليماني أنه حدثهم:
    أن موقع ذلك الدين بنجران كان أن رجلا من بقايا أهل دين عيسى ابن مريم يقال له فيميون، وكان رجلا صالحا مجتهدا زاهدا في الدنيا، مجاب الدعوة وكان سائحا ينزل بين القرى، لا يعرف بقرية إلا خرج منها إلى قرية لا يعرف بها، وكان لا يأكل إلا من كسب يديه. وكان بناء يعمل الطين وكان يعظم الأحد فإذا كان يوم الأحد لم يعمل فيه شيئا، وخرج إلى فلاة من الأرض يصلي بها حتى يمسي. قال وكان في قرية من قرى الشام يعمل عمله ذلك مستخفيا، ففطن لشأنه رجل من أهلها
    ـــــــ
    حديث فيمؤن
    ويذكر عن الطبري أنه قال فيه قيمؤن بالقاف وشك فيه وقال القتبي فيه رجل من آل جفنة من غسان جاءهم من الشام، فحملهم على دين عيسى - عليه السلام - ولم يسمه وقال فيه النقاش اسمه يحيى، وكان أبوه ملكا فتوفي وأراد قومه أن يملكوه بعد أبيه ففر من الملك ولزم السياحة1 وذكر الطبري قصة الرجل الذي دعا لابنه فشفي بأتم مما ذكرها ابن إسحاق، قال فيمؤن حين دخل مع الرجل وكشف له عن ابنه "اللهم عبد من عبادك دخل عليه عدوك في نعمتك، ليفسدها عليه فاشفه وعافه وامنعه منه", فقام الصبي: ليس به بأس2 فتبين من هذا أن الصبي كان مجنونا لقوله دخل عليه عدوك، يعني: الشيطان، وليس هذا في
    ـــــــ
    1 فيمؤن في "الطبري" أيضاً: فيميون، وقد وصف بالزهد، والأولى أن يوصف بالتقوى.
    2 في "الطبري" 2/120 كما ذكر السهيلي تماماً.
    (1/104)
    يقال له صالح فأحبه صالح حبا لم يحبه شيئا كان قبله. فكان يتبعه حيث ذهب. ولا يفطن له فيميون، حتى خرج مرة في يوم الأحد إلى فلاة من الأرض. كما كان يصنع وقد اتبعه صالح وفيميون لا يدري - فجلس صالح منه منظر العين مستخفيا منه. لا يحب أن يعلم بمكانه وقام فيميون يصلي، فبينما هو يصلي إذ أقبل نحوه التنين - الحية ذات الرءوس السبعة - فلما رآها فيميون دعا عليها فماتت ورآها صالح ولم يدر ما أصابها، فخافها عليه. فعيل عوله. فصرخ يا فيميون التنين قد أقبل نحوك، فلم يلتفت إليه وأقبل على صلاته حتى فرغ منها وأمسى، فانصرف وعرف أنه قد عرف وعرف صالح أنه قد رأى مكانه. فقال له يا فيميون تعلم والله أني ما أحببت شيئا قط حبك، وقد أردت صحبتك، والكينونة معك حيث كنت، فقال ما شئت. أمري كما ترى، فإن علمت أنك تقوى عليه فنعم فلزمه صالح وقد كاد أهل القرية يفطنون لشأنه وكان إذا فاجأه العبد به الضر دعا له فشفي وإذا دعي إلى أحد به ضر لم يأته وكان لرجل من أهل القرية ابن ضرير فسأل عن شأن فيميون، فقيل له إنه لا يأتي أحدا دعاه ولكنه رجل يعمل للناس البنيان بالأجر فعمد الرجل إلى ابنه ذلك فوضعه في حجرته وألقى عليه ثوبا، ثم جاءه فقال له يا فيميون،
    ـــــــ
    حديث ابن إسحاق.
    وذكر ابن إسحاق في الرواية الأخرى عن محمد بن كعب القرظي، وعن بعض أهل نجران، وما ذكروه من خبر فيمؤن قال ولم يسموه لي بالاسم الذي سماه ابن منبه. قال المؤلف رحمه الله يحتمل أنهم سموه يحيى، وهو الاسم الذي تقدم ذكره وما قاله النقاش والقتبي.
    وفيه ذكر قرية نجران في هذا الحديث ونجران اسم رجل كان أول من نزلها، فسميت به وهو نجران بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان. قاله البكري1.
    ـــــــ
    1 في "القاموس": مثله وفيه "زيدان" بدل "زيد" وكذلك في "جمهرة ابن حزم": زيدان.
    (1/105)
    إني قد أردت أن أعمل في بيتي عملا، فانطلق معي إليه حتى تنظر إليه فأشارطك عليه فانطلق معه حتى دخل حجرته ثم قال له ما تريد أن تعمل في بيتك هذا؟ قال كذا وكذا، ثم انتشط الرجل الثوب عن الصبي ثم قال له يا فيميون، عبد من عباد الله أصابه ما ترى، فادع الله له فدعا له فيميون، فقام الصبي ليس به بأس وعرف فيميون أنه قد عرف فخرج من القرية واتبعه صالح فبينما هو يمشي في بعض الشام، إذ مر بشجرة عظيمة فناداه منها رجل فقال يا فيميون. قال نعم. قال ما زلت أنظرك، وأقول متى هو جاء؟ حتى سمعت صوتك، فعرفت أنك هو. لا تبرح حتى تقوم علي فإني ميت الآن. قال فمات وقام عليه حتى واراه ثم انصرف وتبعه صالح حتى وطئا بعض أرض العرب، فعدوا عليهما، فاختطفتهما سيارة من بعض العرب، فخرجوا بهما، حتى باعوهما بنجران وأهل نجران يومئذ على دين العرب، يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم لها عيد في كل سنة إذا كان ذلك العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه وحلي النساء ثم خرجوا إليها، فعكفوا عليها يوما.
    فابتاع فيميون رجل من أشرافهم وابتاع صالحا آخر فكان فيميون إذا قام من الليل - يتهجد في بيت له أسكنه إياه سيده - يصلي، استسرج له البيت نورا، حتى يصبح من غير مصباح فرأى ذلك سيده فأعجبه ما يرى منه فسأله عن دينه فأخبره به وقال له فيميون: إنما أنتم في باطل. إن هذه النخلة لا تضر ولا تنفع ولو دعوت عليها إلهي الذي أعبده لأهلكها، وهو الله وحده لا شريك له قال فقال له سيده فافعل فإنك إن فعلت دخلنا في دينك، وتركنا ما نحن عليه. قال فقام فيميون، فتطهر وصلى ركعتين ثم دعا الله عليها، فأرسل الله عليها ريحا فجعفتها من أصلها فألقتها فاتبعه عند ذلك أهل نجران على دينه فحملهم على الشريعة من دين عيسى ابن مريم عليه السلام ثم دخلت عليهم الأحداث التي دخلت على أهل دينهم
    ـــــــ
    وذكر أصحاب الأخدود، وما أنزل الله تعالى فيهم وقد روى ابن سنجر عن جبير بن نفير قال الذين خددوا الأخدود ثلاثة تبع صاحب اليمن، وقسطنطين ابن هلاني - وهي أمه حين صرف النصارى عن التوحيد ودين المسيح إلى عبادة
    (1/106)
    بكل أرض فمن هنالك كانت النصرانية بنجران في أرض العرب.
    قال ابن إسحاق: فهذا حديث وهب بن منبه عن أهل نجران.
    ـــــــ
    الصليب1 وبختنصر من أهل بابل حين أمر الناس أن يسجدوا إليه فامتنع دانيال وأصحابه فألقاهم في النار فكانت بردا وسلاما عليهم وحرق الذين بغوا عليهم.
    ـــــــ
    1 دانت له كل أنحاء الدولة الرومانية سنة 323م. يقول عنه ول. ديورانت في كتابه 3/287 من المجلد الثالث: "كانت المسيحية عنده وسيلة لا غاية"، وأمه هلينا هي التي اعتنقت المسيحية قبله.
    (1/107)
    أمر عبد الله بن الثامر وقصة أصحاب الأخدود:
    ...
    أمر عبد الله بن الثامر وقصة أصحاب الأخدود:
    فيمون وابن الثامر واسم الله الأعظم:
    قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي، وحدثني أيضا بعض أهل نجران عن أهلها:
    "أن أهل نجران كانوا أهل شرك يعبدون الأوثان" وكان في قرية من قراها قريبا من نجران - ونجران: القرية العظمى التي إليها جماع أهل تلك البلاد - ساحر يعلم غلمان أهل نجران السحر فلما نزلها فيميون - ولم يسموه لي باسمه الذي سماه به وهب بن منبه، قالوا: رجل نزلها - ابتنى خيمة بين نجران، وبين تلك القرية التي بها الساحر فجعل أهل نجران يرسلون غلمانهم إلى ذلك الساحر يعلمهم السحر فبعث إليه الثامر ابنه عبد الله بن الثامر مع غلمان أهل نجران، فكان إذا مر بصاحب الخيمة
    ـــــــ
    خبر ابن الثامر:
    التفاضل بين الأسماء الإلهية:
    وذكر فيه الاسم الأعظم وقول الراهب له إنك لن تطيقه. أي لن تطيق شروطه والانتهاض بما يجب من حقه وقد قيل في قول الله تعالى :{قَالَ الَّذِي
    (1/107)
    أعجبه ما يرى منه من صلاته وعبادته فجعل يجلس إليه ويسمع منه حتى أسلم، فوحد الله وعبده وجعل يسأله عن شرائع الإسلام حتى إذا فقه فيه جعل يسأله عن الاسم الأعظم - وكان يعلمه - فكتمه إياه وقال له يا بن أخي إنك لن تحمله أخشى عليك ضعفك عنه - والثامر أبو عبد الله لا يظن إلا أن ابنه يختلف إلى الساحر كما يختلف الغلمان فلما رأى عبد الله أن صاحبه قد ضن به عنه وتخوف ضعفه فيه عمد إلى قداح فجمعها، ثم لم يبق لله اسما يعلمه إلا كتبه في قدح لكل اسم قدح حتى إذا أحصاها أوقد لها نارا، ثم جعل يقذفها فيها قدحا قدحا، حتى إذا
    ـــــــ
    عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} [النمل 40] إنه أوتي الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب وهو آصف بن برخيا في قول أكثرهم وقيل غير ذلك1. وأعجب ما قيل فيه إنه ضبة بن أد بن طابخ قاله النقاش ولا يصح، وهي مسألة اختلف فيها العلماء فذهبت طائفة إلى ترك التفضيل بين أسماء الله تعالى، وقالوا: لا يجوز أن يكون اسم من أسمائه أعظم من الاسم الآخر وقالوا: إذا أمر في خبر أو أثر ذكر الاسم الأعظم فمعناه العظيم كما قالوا: إني لأوجل أي وجلا، وكما قال بعضهم في أكبر من قولك: الله أكبر إن أكبر بمعنى كبير وإن لم يكن قول سيبويه، وذكروا أن أهون بمعنى: هين من قوله عز وجل {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] وأكثروا الاستشهاد على هذا ونسب أبو الحسن بن بطال هذا القول إلى جماعة منهم ابن أبي زيد، والقابسي وغيرهما، ومما احتجوا به أيضا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليحرم العلم بهذا الاسم وقد علمه من هو دونه من ليس بنبي ولم يكن ليدعو حين اجتهد في الدعاء لأمته ألا يجعل بأسهم بينهم وهو رءوف بهم عزيز عليه عنتهم إلا بالاسم الأعظم ليستجاب له فيه فلما منع ذلك علمنا أنه ليس اسم من أسماء الله إلا وهو كسائر الأسماء في الحكم والفضيلة يستجيب الله إذا دعي ببعضها إن شاء ويمنع إذا شاء وقال الله سبحانه {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا
    ـــــــ
    1 ورأي آخر أحق بالتقديم يقرر أنه نفس سليمان، فهو الذي كان عنده علم من الكتاب.
    (1/108)
    مر بالاسم الأعظم قذف فيها بقدحه فوثب القدح حتى خرج منها لم تضره شيئا فأخذه ثم أتى صاحبه فأخبره بأنه قد علم الاسم الذي كتمه فقال وما هو؟ قال هو
    ـــــــ
    تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:110]، وظاهر هذا الكلام التسوية بين أسمائه الحسنى، وكذلك ذهب هؤلاء وغيرهم من العلماء إلى أنه ليس شيء من كلام الله تعالى أفضل من شيء لأنه كلام واحد من رب واحد فيستحيل التفاضل فيه.
    قال الشيخ الفقيه الحافظ أبو القاسم - عفا الله عنه وجه استفتاح الكلام معهم أن يقال هل يستحيل هذا عقلا، أم يستحيل شرعا؟ ولا يستحيل عقلا أن يفضل الله سبحانه عملا من البر على عمل وكلمة من الذكر على كلمة فإن التفضيل راجع إلى زيادة الثواب ونقصانه وقد فضلت الفرائض على النوافل بإجماع وفضلت الصلاة والجهاد على كثير من الأعمال والدعاء والذكر عمل من الأعمال فلا يبعد أن يكون بعضه أقرب إلى الإجابة من بعض وأجزل ثوابا في الآخرة من بعض والأسماء عبارة عن المسمى، وهي من كلام الله سبحانه القديم1 ولا نقول في كلام الله هو هو ولا هو غيره كذلك لا نقول في أسمائه التي تضمنها كلامه إنها هو ولا هي غيره2 فإن تكلمنا نحن بها بألسنتنا المخلوقة وألفاظنا المحدثة فكلامنا عمل من أعمالنا، والله - سبحانه وتعالى – يقول {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:69]، وقبحا للمعتزلة ; فإنهم زعموا أن كلامه مخلوق فأسماؤه على أصلهم الفاسد محدثة غير المسمى بها، وسووا بين كلام الخالق وكلام
    ـــــــ
    1 لا يجوز الإخبار عن الله بأنه قديم، إذ لم يرد هذا في قرآن أو حديث، وإنما يقال عنه: إنه الأول بدلا من القديم، فقد وصف الضلال بأنه قديم، والعرجون كذلك، ثم القدم لا يمنع من أن يكون له أول أو بداية.
    2 الرجل أشعري العقيدة، ورأيهم في الصفات منبوذ من سلف الأمة، وقد رجع الأشعري عن هذا المذهب في كتابه "الإبانة" و"مقالات الإسلاميين".
    (1/109)
    كذا وكذا، قال وكيف علمته؟ فأخبره بما صنع قال أي ابن أخي، قد أصبته فأمسك على نفسك، وما أظن أن تفعل.
    __________
    المخلوق في الغيرية والحدوث وإذا ثبت هذا، وصح جواز التفضيل بين الأسماء إذا دعونا بها، فكذلك القول في تفضيل السور والآي بعضها على بعض فإن ذلك راجع إلى التلاوة التي هي عملنا، لا إلى المتلو الذي هو كلام ربنا، وصفة من صفاته القديمة وقد قال - صلى الله عليه وسلم – لأبي: "أي آية معك في كتاب الله أعظم"؟ فقال الله لا إله إلا هو الحي القيوم فقال: "ليهنك العلم أبا المنذر" 1 ومحال أن يريد بقوله أعظم معنى عظيم لأن القرآن كله عظيم فكيف يقول له أي آية في القرآن عظيمة وكل آية فيه عظيمة كذلك؟ وكل ما استشهدوا به من قولهم أكبر بمعنى كبير وأهون بمعنى هين باطل عند حذاق النحاة ولولا أن نخرج عما نحن بصدده لأوضحنا بطلانه بما لا قبل لهم به ولو كان صحيحا في العربية ما جاز أن يحمل عليه قوله "أي آية معك في كتاب الله أعظم", لأن القرآن كله عظيم وإنما سأله عن الأعظم منه والأفضل في ثواب التلاوة وقرب الإجابة وفي هذا الحديث دليل أيضا على ثبوت الاسم الأعظم وأن لله اسما هو أعظم أسمائه ومحال أن يخلو القرآن عن ذلك الاسم والله تعالى يقول {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام 38]، فهو في القرآن لا محالة. وما كان الله ليحرمه محمدا، وأمته وقد فضله على الأنبياء وفضلهم على الأمم فإن قلت: فأين هو في القرآن؟ فقد قيل إنه أخفي فيه كما أخفيت الساعة في يوم الجمعة وليلة القدر في رمضان ليجتهد الناس ولا يتكلوا. قال الفقيه الحافظ أبو القاسم - رضي الله عنه - في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي أي "آية معك في كتاب الله أعظم" ولم يقل أفضل إشارة إلى الاسم الأعظم أنه فيها، إذ لا يتصور أن تكون هي أعظم آية ويكون الاسم الأعظم في أخرى دونها. بل إنما صارت أعظم الآيات لأن الاسم الأعظم فيها. ألا ترى كيف هنأ
    ـــــــ
    1 المسؤول هو أبي بن كعب، والحديث في مسلم ومسند أحمد.
    (1/110)
    ابن ثامر ودعوته إلى النصرانية بنجران:
    فجعل عبد الله بن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحدا به ضر إلا قال [له] يا عبد الله أتوحد الله وتدخل في ديني، وادعو الله فيعافيك مما أنت فيه من البلاء؟
    ـــــــ
    رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبيا، بما أعطاه الله تعالى من العلم وما هنأه إلا بعظيم بأن عرف الاسم الأعظم والآية العظمى التي كانت الأمم قبلنا لا يعلمه منهم إلا الأفراد عبد الله بن الثامر، وآصف صاحب سليمان عليه السلام وبلعوم قبل أن يتبعه الشيطان1 فكان من الغاوين وقد جاء منصوصا في حديث أم سلمة - رضي الله عنها - الذي خرجه الترمذي وأبو داود، ويروى أيضا عن أسماء بنت يزيد - وكنيتها: أم سلمة فلعل الحديث واحد أنها" سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الاسم الأعظم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي هاتين الآيتين {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] و {الم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 1، 2]"، وقال سبحانه {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر: 65] الآية أي: فادعوه بهذا الاسم ثم قال { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر: 65] تنبيها لنا على حمده وشكره إذ علمنا من هذا الاسم العظيم ما لم نكن نعلم فإن قلت: فقد روى أبو داود والترمذي أيضا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا - وهو زيد أبو عياش الزرقي - ذكر اسمه الحارث بن أبي أسامة في مسنده - يقول "اللهم إني أسألك، بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام فقال لقد دعا الله باسمه الأعظم" 2. ويروى أنه قال له في هذا الحديث غفر الله له غفر الله له. وروى الترمذي نحو هذا فيمن قال "اللهم إني أسألك ; فإنك الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم تلد ولم تولد "3 وهذا معارض لحديث أم سلمة قلنا:
    ـــــــ
    1 لست أدري من أين جاء بهذا؟! وهذا يأفكه المبطلون المشعبذون الذين يفترون أنهم يعرفون اسم الله الأعظم.
    2 رواه الترمذي وأبو داود والنسائي.
    3 رواه الترمذي وأبو داود.
    (1/111)
    فيقول نعم فيوحد الله ويسلم ويدعو له فيشفى، حتى لم يبق بنجران أحد به ضر إلا أتاه فاتبعه على أمره ودعا له فعوفي حتى رفع شأنه إلى ملك نجران، فدعاه فقال له أفسدت علي أهل قريتي، وخالفت ديني ودين آبائي، لأمثلن بك، قال:
    ـــــــ
    لا معارضة بين هذا، وبين ما تقدم فإنا لم نقل إن الاسم الأعظم هو الحي القيوم بل الحي القيوم صفتان تابعتان للاسم الأعظم. وتتميم لذكره وكذلك المنان. وذو الجلال والإكرام في حديث أبي داود وقد خرجه الترمذي أيضا في الدعوات وكذلك الأحد الصمد في حديث الترمذي. وقولك: الله لا إله إلا هو هو الاسم لأنه لا سمي له ولم يتسم به غيره وقد قال بعض العلماء في التسعة والتسعين اسما: إنها كلها تابعة للاسم الذي هو الله وهو تمام المائة فهي مائة على عدد درج الجنة إذ قد ثبت في الصحيح أنها مائة1 درجة بين كلك قوله في الصحيح "أسألك بأسمائك الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم" ووقع في جامع ابن وهب: "سبحانك لا أحصي أسما درجتين مسيرة مائة عام وقال في الأسماء "من أحصاها دخل الجنة " 2 فهي على عدد درج الجنة وأسماؤه تعالى لا تحصى، وإنما هذه الأسماء هي المفضلة على غيرها، والمذكورة في القرآن. يدل على ذلءك" ومما يدل على أنه الاسم الأعظم أنك تضيف جميع الأسماء إليه ولا تضيفه إليها. تقول العزيز اسم من أسماء الله ولا تقل الله اسم من أسماء العزيز وفخمت اللام من اسمه - وإن كانت لا تفخم لام في كلام العرب إلا مع حروف الإطباق نحو الطلاق ولا تفخم لام في شيء من أسمائه ولا شيء من الحروف الواقعة في أسمائه التي ليست بمستعلية إلا في هذا الاسم العظيم المنتظم من ألف ولامين وهاء. فالألف من مبدأ الصوت والهاء راجعة إلى مخرج الألف فشاكل
    ـــــــ
    1 ورد عدد درجات الجنة في حديث رواه البخاري والترمذي، ورواية البخاري: "ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض" .
    2 يشير إلى الحديث: "إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر" متفق عليه.
    (1/112)
    لا تقدر على ذلك. قال فجعل يرسل به إلى الجبل الطويل فيطرح على رأسه فيقع إلى الأرض ليس به بأس وجعل يبعث به إلى مياه بنجران بحور لا يقع فيها شيء إلا هلك فيلقى فيها، فيخرج ليس به بأس فلما غلبه قال له عبد الله بن الثامر: إنك والله لن تقدر على قتلي حتى توحد الله فتؤمن بما آمنت به فإنك إن فعلت ذلك سلطت علي فقتلتني. قال فوحد الله تعالى ذلك الملك وشهد شهادة عبد الله بن الثامر، ثم ضربه بعصا في يده فشجه شجة غير كبيرة فقتله ثم هلك الملك مكانه واستجمع أهل نجران على دين عبد الله بن الثامر - وكان على ما جاء به عيسى ابن مريم من
    ـــــــ
    اللفظ المعنى، وطابقه لأن المسمى بهذا الاسم منه المبدأ وإليه المعاد. والإعادة أهون من الابتداء عند المخاطبين فكذلك الهاء أخف وألين في اللفظ من الهمزة التي هي مبدأ الاسم. أخبرت بهذا الكلام أو نحوه في الاسم وحروفه عن ابن فورك رحمه الله. ذكره أبو بكر شيخنا في كتاب شرح الأسماء الحسنى له. فإن قيل فأين ما ذكروه عن الاسم الأعظم وأنه لا يدعى الله به إلا أجاب ولا يسأل به شيئا إلا أعطاه.
    قلنا: عن ذلك جوابان أحدهما: أن هذا الاسم كان عند من كان قبلنا - إذا علمه - مصونا غير مبتذل معظما لا يمسه إلا طاهر ولا يلفظ به إلا طاهر ويكون الذي يعرفه عاملا بمقتضاه متألها مخبتا، قد امتلأ قلبه بعظمة المسمى به لا يلتفت إلى غيره ولا يخاف سواه فلما ابتذل وتكلم به في معرض البطالات والهزل ولم يعمل بمقتضاه ذهبت من القلوب هيبته فلم يكن فيه من سرعة الإجابة وتعجيل قضاء الحاجة للداعي ما كان قبل. ألا ترى قول أيوب عليه السلام في بلائه "قد كنت أمر بالرجلين يتنازعان فيذكران الله - يعني في تنازعهما، أي تخاصمهما - فأرجع إلى بيتي، فأكفر عنهما كراهة أن يذكر الله إلا في حق" وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم – "كرهت أن أذكر الله إلا على طهر" فقد لاح لك تعظيم الأنبياء له.
    والجواب الثاني: أن الدعاء به إذا كان من القلب ولم يكن بمجرد اللسان
    (1/113)
    الإنجيل وحكمه - ثم أصابهم مثل ما أصاب أهل دينهم من الأحداث فمن هنالك كان أصل النصرانية بنجران والله أعلم بذلك.
    ـــــــ
    استجيب للعبد غير أن الاستجابة تنقسم كما قال - عليه السلام - إما أن يعجل له ما سأل وإما أن يدخر له وذلك خير مما طلب وإما أن يصرف عنه من البلاء بقدر ما سأل من الخير1 وأما دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته ألا يجعل بأسهم بينهم2 فمنعها، فقد أعطي عوضا لهم من ذلك الشفاعة لهم في الآخرة وقد قال "أمتي هذه أمة مرحومة ليس عليها في الآخرة عذاب عذابها في الدنيا: الزلازل والفتن خرجه أبو داود3، فإذا كانت الفتن سببا لصرف عذاب الآخرة عن الأمة فما خاب دعاؤه لهم. على أنني تأملت هذا الحديث وتأملت حديثه الآخر" حين نزلت {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام 65]. فقال أعوذ بوجهك. فلما سمع {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65] قال أعوذ بوجهك، فلما سمع {أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} [الأنعام: 65] قال هذه أهون4.
    فمن هاهنا - والله أعلم - أعيذت أمته من الأولى والثانية ومنع الثالثة حين سألها بعد. وقد عرضت هذا الكلام على رجل من فقهاء زماننا، فقال هذا حسن جدا، غير أنا لا ندري: أكانت مسألته بعد نزول الآية أم لا؟ فإن كان بعد نزول الآية فأخلق بهذا النظر أن يكون صحيحا. قلت له أليس في الموطأ أنه دعا بها في مسجد بني معاوية وهو في المدينة، ولا خلاف أن سورة الأنعام مكية؟ فقال نعم وسلم وأذعن للحق وأقر به. رحمه الله.
    ـــــــ
    1 يشير إلى الحديث: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث..." الحديث رواه أحمد والبزار وأبو يعلى بأسانيد جيدة.
    2 يشير إلى حديث "سألت ربي ثلاثاً..." الحديث رواه مسلم وأحمد.
    3 ورواه الطبراني في "الكبير" والحاكم في "المستدرك" والبيهقي في "الشعب" ولكن لن تكون شفاعة إلا بعد إذن الله.
    4 رواه البخاري والنسائي وابن حبان.
    (1/114)
    قال ابن إسحاق: فهذا حديث محمد بن كعب القرظي وبعض أهل نجران عن عبد الله بن الثامر، والله أعلم أي ذلك كان.
    ـــــــ
    هل الشهداء أحياء في قبورهم؟
    فصل وذكر من وجدان عبد الله في خربة من خرب نجران. يصدقه قوله تعالى : {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران: 169] الآية وما وجد في صدر هذه الآية من شهداء أحد، وغيرهم على هذه الصورة لم يتغيروا بعد الدهور الطويلة كحمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - فإنه وجد حين حفر معاوية العين صحيحا لم يتغير وأصابت الفأس أصبعه فدميت وكذلك أبو جابر عبد الله بن حرام وعمرو بن الجموح، وطلحة بن عبد الله - رضي الله عنهم - استخرجته بنته عائشة من قبره حين رأته في المنام فأمرها أن تنقله من موضعه فاستخرجته من موضعه بعد ثلاثين سنة لم يتغير. ذكره ابن قتيبة في المعارف. والأخبار بذلك صحيحة1. وقد قال عليه السلام "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء". خرجه سليمان بن الأشعث. وذكر أبو جعفر الداوودي في "كتاب الناس" هذا الحديث بزيادة: ذكر الشهداء والعلماء والمؤذنين، وهي زيادة غريبة لم تقع لي في مسند، غير أن الداوودي من أهل الثقة والعلم، وفي المسند من طريق أنس - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – "الأنبياء أحياء يصلون في قبورهم" . انفرد به ثابت البناني عن أنس وقد روي أن ثابتا التمس في قبره بعدما دفن فلم يوجد فذكر ذلك لبنته. فقالت كان يصلي فلم تروه لأني كنت أسمعه إذا تهجد بالليل يقول "اللهم اجعلني ممن يصلي في قبره بعد الموت" 2. وفي الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال "مررت بموسى - عليه السلام - وهو يصلي في
    ـــــــ
    1 إنما أساطير تسكر العاطفة، فتذهلها عن هدى الكتاب السنة... ألخ.
    2 هذا وما قبله لا مع النقل الصحيح، ولا مع العقل الصريح، إنما هو خرافات يراد بها ربط الناس بالموتى، لا بالحي القيوم.
    (1/115)
    ذو نواس وخد الأخدود:
    فسار إليهم ذو نواس بجنوده فدعاهم إلى اليهودية وخيرهم بين ذلك والقتل فاختاروا القتل فخد لهم الأخدود، فحرق من حرق بالنار وقتل من قتل بالسيف ومثل بهم حتى قتل منهم قريبا من عشرين ألفا، ففي ذي نواس وجنده تلك أنزل الله تعالى على رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج: 4 - 8]
    ـــــــ
    قبره" 1.
    أصحاب الأخدود:
    وحديث عبد الله بن الثامر إنما رواه ابن إسحاق موقوفا على محمد بن كعب القرظي عن بعض أهل نجران، ليصل به حديث فيمؤن وهو حديث ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طريق ابن أبي ليلى عن صهيب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو أولى أن يعتمد عليه وهو يخالف حديث ابن إسحاق في ألفاظ كثيرة.
    قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حدث بهذا الحديث يعني حديثا تقدم قبل هذا الحديث يحدث بهذا الحديث الآخر. قال كان ملك من الملوك وكان لذلك الملك كاهن2 يكهن له فقال الكاهن انظروا لي غلاما فهما أو قال فطنا لقنا ; فأعلمه علمي هذا، فإني أخاف أن أموت فينقطع منكم هذا العلم ولا يكون فيكم من يعلمه قال فنظروا له غلاما على ما وصف فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن وأن يختلف إليه فجعل يختلف إليه وكان على طريق الغلام راهب في صومعة قال معمر أحسب أن أصحاب الصوامع يومئذ كانوا مسلمين3. قال فجعل الغلام يسأل الراهب كلما مر به فلم يزل به حتى أخبره فقال إنما أعبد الله قال فجعل الغلام يمكث عند
    ـــــــ
    1 كان هذا ليلة الإسراء، وهي من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم.
    2 وفي رواية: ساحر.
    3 هذا تعبير دقيق، فكل من آمن بالله وبالرسول فهو مسلم.
    (1/116)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    الراهب ويبطئ على الكاهن فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك فقال له الراهب إذا قال لك الكاهن أين كنت، فقل كنت عند أهلي، فإذا قال لك أهلك: أين كنت؟ فأخبرهم أنك كنت عند الكاهن قال فبينما الغلام على ذلك إذ مر بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة فقال بعضهم إن تلك الدابة كانت أسدا، فأخذ الغلام حجرا، فقال اللهم إن كان ما يقول الراهب حقا فأسألك أن تقتله قال ثم رمى، فقتل الدابة فقال الناس من قتلها؟ فقالوا: الغلام ففزع الناس وقالوا: لقد علم هذا الغلام علما لم يعلمه أحد. قال فسمع به أعمى، فقال له إن أنت رددت بصري فلك كذا وكذا، فقال له لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع إليك بصرك أتؤمن بالذي رده؟ قال نعم. قال فدعا الله فرد عليه بصره فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم فقال لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه فأمر بالراهب وبالرجل الذي كان أعمى، فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله ثم قتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام فقال انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا، فألقوه من رأسه فانطلقوا به إلى ذلك الجبل فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردون منه حتى لم يبق منهم إلا الغلام قال ثم رجع فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقونه فيه فانطلق به إلى البحر فغرق الله الذين كانوا معه وأنجاه فقال الغلام للملك إنك لا تقتلني حتى تصلبني وترميني، وتقول إذا رميتني: "باسم الله رب هذا الغلام". قال فأمر به فصلب ثم رماه فقال باسم الله رب هذا الغلام فوضع الغلام يده على صدغه حين رمي ثم مات فقال الناس لقد علم هذا الغلام علما ما علمه أحد، فإنا نؤمن برب هذا الغلام قال فقيل للملك أجزعت أن خالفك ثلاثة فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال فخد أخدودا1، ثم ألقى فيه الحطب والنار ثم جمع
    ـــــــ
    1 خدَّ: شق، والأخدود: شق في الأرض مستطيل غائص، جمعه: أخاديد.
    (1/117)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    الناس فقال من رجع عن ذنبه تركناه ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار فجعل يلقيهم في ذلك الأخدود.
    قال يقول الله سبحانه – {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} حتى بلغ {الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج: 4 -8]. قال فأما الغلام فإنه دفن. قال: فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل. رواه الترمذي عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق عن معمر ورواه مسلم عن هداب بن خالد عن حماد بن سلمة، ثم اتفقا عن ثابت عن ابن أبي ليلى عن صهيب غير أن في حديث مسلم أن الأعمى الذي شفي كان جليسا للملك وأنه جاءه بعد ما شفي فجلس من الملك كما كان يجلس فقال من رد عليك بصرك، قال ربي، قال وهل لك رب غيري؟ فقال الله ربي وربك، فأمر بالمنشار فجعل على رأسه حتى وقع شقاه وأمر بالراهب ففعل به مثل ذلك وزاد مسلم في آخر الحديث. قال فأتي بامرأة لتلقى في النار ومعها صبي يرضع فقال لها الغلام يا أمه لا تجزعي، فإنك على الحق وذكر ابن قتيبة أن الغلام الرضيع كان من سبعة أشهر1.
    ـــــــ
    1 ورواه أحمد أيضاً، وقد ذكر السدي: كانت الأخدود ثلاثة: خد بالعراق، وخد بالشام، وخد باليمن, رواه ابن أبي حاتم.
    (1/118)
    حديث الحبشة:
    ...
    حديث الحبشة:
    وذكر فيه دوسا ذا ثعلبان الذي أتى قيصر. ودوس: هو ابن تبع الذي قتله أخوه قاله ابن إسحاق في غير رواية ابن هشام.
    وذكر فيه قيصر وكتابه للنجاشي. وقيصر اسم علم لكل من ولي الروم وتفسيره بلسانهم البقير الذي بقر بطن أمه عنه2 وكان أول من تسمى به بقيرا، فلما ملك
    ـــــــ
    2 في "المروج": بقر بدلا من بقير ثم يفسرها بقوله: أي شق عنه، ويطلق على هذا النوع من الولادة الآن القيصرية. انظر: 1/309.
    (1/118)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    وعرف به تسمى به كل من ملك بعده. قاله المسعودي. وإنما كتب بذلك إلى النجاشي، لأنه على دينه وكان أقرب إلى اليمن منه وذكر غير ابن إسحاق أن ذا نواس أدخل الحبشة صنعاء اليمن، حين رأى أن لا قبل له بهم بعد أن استنفر جميع المقاول ليكونوا معه يدا واحدة عليهم فأبوا إلا أن يحمى كل واحد منهم حوزته على حدته فخرج إليهم ومعه مفاتيح خزائنه وأمواله على أن يسالموه ومن معه ولا يقتلوا أحدا فكتبوا إلى النجاشي بذلك فأمرهم أن يقبلوا ذلك منهم فدخلوا صنعاء ودفع إليهم المفاتيح وأمرهم أن يقبضوا ما في بلاده من خزائن أمواله ثم كتب هو إلى كل موضع من أرضه أن اقتلوا كل ثور أسود فقتل أكثر الحبشة، فلما بلغ ذلك النجاشي وجه جيشا إلى أبرهة وعليهم أرياط وأمره أن يقتل ذا نواس ويخرب ثلث بلاده ويقتل ثلث الرجال ويسبي ثلث النساء والذرية ففعل ذلك أبرهة. وأبرهة بالحبشة هو الأبيض الوجه وفي هذا قوة لقول من قال إن أبرهة هذا هو أبرهة بن الصباح الحميري وليس بأبي يكسوم الحبشي وإن الحبشة كانوا قد أمروا أبرهة بن الصباح1 على اليمن، وهذا القول ذكره ابن سلام في تفسيره واقتحم ذو نواس البحر فهلك وقام بأمره من بعده ذو جدن، واسمه علس بن الحارث أخو سبيع بن الحارث، والجدن حسن الصوت يقال إنه أول من أظهر الغناء باليمن فسمي به وجدن أيضا: مفازة باليمن زعم البكري أن ذا جدن إليها ينسب فحارب الحبشة بعد ذي نواس فكسروا جنده وغلبوه على أمره ففر إلى البحر كما فعل ذو نواس، فهلك فيه وذكروا سبب منازعة أبرهة لأرياط وأن ذلك إنما كان لأن أبرهة بلغ النجاشي أنه استبد بنفسه ولم يرسل إليه من جباية اليمن شيئا، فوجه أرياطا إلى خلعه فعند ذلك دعاه أبرهة إلى المبارزة - كما ذكر ابن إسحاق - وذكر الطبري أن عتودة الغلام الذي قتل أرياطا. والعتودة الشدة وقد
    ـــــــ
    1 أبرهة بن الصباح بن لهيعة بن شيبة بن مدثر، والأكثرون على أنه أبو يكسوم الحبشي.
    (1/119)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    قيل في اسمه أريجدة1. قال له أبرهة احتكم علي قال أحتكم أن لا تزف امرأة إلى بعلها، حتى أكون أنا الذي أبدأ بها قبله ففعل ذلك أبرهة وغبر العبد زمانا يفعل ذلك فلما اشتد الغيظ بأهل اليمن، قتلوا عتودة غيلة فقال لهم الملك قد أنى لكم يأهل اليمن أن تفعلوا فعل الأحرار وأن تغضبوا لحرمكم ولو علمت أن هذا العبد يسألني هذا الذي سأل ما حكمته، ولكن والله لا يؤخذ منكم فيه دية ولا تطلبون بذخل2 وحيثما وقع اسم أرياط في رواية يونس لم يسمه بهذا الاسم إنما سماه روزنة أو نحو هذا.
    وذكر الطبري أن سيف بن ذي يزن لما فعل ذو نواس بالحبشة ما فعل ثم ظفروا به بعث عظيمهم3 إلى أبي مرة سيف بن ذي يزن، فانتزع منه ريحانة بنت علقمة بن مالك وكانت قد ولدت له معدي كرب. فملكها أبرهة. وأولدها مسروق بن أبرهة وعند ذلك توجه سيف إلى كسرى أنوشروان يطلب منه الغوث على الحبشة، فوعده بذلك وأقام عنده سنين ثم مات وخلفه ابنه معدي كرب في طلب الثأر فأدخل على كسرى، فقال له من أنت؟ فقال رجل يطلب إرث أبيه وهو وعد الملك الذي وعد به فسأل عنه كسرى: أهو من بيت مملكة أم لا؟ فأخبر أنه من بيت ملك فوجه معه وهرز الفارس في سبعة آلاف وخمسمائة من الفرس، وقال ابن إسحاق: في ثمانمائة غرق منهم مائتان وسلم ستمائة والقول الأول قول ابن قتيبة وهو أشبه بالصواب إذ يبعد مقاومة الحبشة بستمائة وإن كان قد جمع إليهم من العرب - كما ذكر ابن إسحاق - ما جمع. ثم إن معد يكرب بن سيف لما قتل الحبشة وملك هو ووهرز اليمن أقام في ذلك نحو أربع سنين. ثم قتلته عبيد
    ـــــــ
    1 في "الطبري": أرنجدة.
    2 الحقد والثأر، وبسكون الحاء فيجمع على ذحول، وبفتحها فيجمع على أذحال.
    3 في "الطبري": واسم العظيم: أبرهة فهو الذي انتزع امرأة سيف بن ذي يزن الذي كان يكنى بأبي مرة. انظر: 2/136.
    (1/120)
    الأخدود لغة:
    قال ابن هشام: الأخدود : الحفر المستطيل في الأرض كالخندق والجدول ونحوه وجمعه أخاديد. قال ذو الرمة - واسمه غيلان بن عقبة أحد بني عدي بن عبد مناف بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر.
    من العراقية اللاتي يحيل لها ... بين الغلاة وبين النخل أخدود
    يعني: جدولا. وهذا البيت في قصيدة له. قال ويقال لأثر السيف والسكين في الجلد وأثر السوط ونحوه أخدود وجمعه أخاديد.
    مقتل ابن الثامر:
    قال ابن إسحاق: ويقال كان فيمن قتل ذو نواس، عبد الله بن الثامر رأسهم وإمامهم.
    مايروى عن ابن الثامر في قبره:
    قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه حدث:
    "أن رجلا من أهل نجران كان في زمان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حفر خربة من خرب نجران لبعض حاجته فوجدوا عبد الله بن الثامر تحت دفن منها قاعدا،
    ـــــــ
    له كان قد اتخذهم من أولئك الحبشة، خرج بهم إلى الصيد فزرقوه1 بحرابهم ثم هربوا فأتبعوا فقتلوا. وتفرق أمر اليمن بعده إلى مخالف عليها مقاول كملوك الطوائف لا يدين بعضهم لبعض إلا ما كان من صنعاء، وكون الأبناء فيها، حتى جاء الإسلام.
    فصل:
    واستشهد ابن هشام في هذا الخبر على الأخدود ببيت ذي الرمة وهو
    ـــــــ
    1 أي طعنوه.
    (1/121)
    واضعا يده على ضربة في رأسه ممسكا عليها بيده فإذا أخرت يده عنها تنبعث دما، وإذا أرسلت يده ردها عليها، فأمسكت دمها، وفي يده خاتم مكتوب فيه "ربي الله" فكتب فيه إلى عمر بن الخطاب يخبر بأمره فكتب إليهم عمر رضي الله عنه أن أقروه على حاله وردوا عليه الدفن الذي كان عليه ففعلوا"1.
    ـــــــ
    1 ومن ذلك ما يروى من أن حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وجده حين حفر العين صحيحاً لم يتغير، وأن الفأس أصابت أصبعه فدميت.
    (1/122)
    أمر دوس ذي ثعلبان وابتداء ملك الحبشة وذكر أرياط المستولي على اليمن
    ...
    أمر دوس ذي ثعلبان وابتداء ملك الحبشة وذكر أرياط المستولي على اليمن
    قرار دوس واستنصاره بقيصر:
    قال ابن إسحاق: وأفلت منهم رجل من سبأ، يقال له دوس ذو ثعلبان على فرس له فسلك الرمل فأعجزهم فمضى على وجهه ذلك حتى أتى قيصر ملك الروم، فاستنصره على ذي نواس وجنوده وأخبره بما بلغ منهم فقال له بعدت بلادك منا، ولكن سأكتب لك إلى ملك الحبشة فإنه على هذا الدين وهو أقرب إلى بلادك، وكتب إليه يأمره بنصره والطلب بثأره.
    ـــــــ
    غيلان بن عقبة بن بهيش بضم الباء والشين وسمي ذا الرمة ببيت قاله في الوتد:
    أشعث باقي رمة التقليد2.
    وقيل إن مية سمته بذلك وكان قد قال لها: اصلحي لي هذا الدلو فقالت له إني خرقاء فولى وهي على عنقه برمتها، فنادته يا ذا الرمة إن كنت خرقاء فإن لي أمة صناعا ; فلذلك سماها بخرقاء3 كما سمته بذي الرمة.
    فصل:
    وقوله فخاض ضحضاح البحر إلى غمره. الضحضاح من الماء الذي
    ـــــــ
    2 الرمة: بضم الراء وتشديد الميم وفتحها وقد تكسر الراء: قطعة من الحبل بالية.
    3 في "القاموس": خرقاء: امرأة سوداء كانت تقم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخرقاء: الحمقاء. والصناع: الحاذقة الماهرة.
    (1/122)
    انتصار أرياط وهزيمة ذي نواس وموته:
    فقدم دوس على النجاشي بكتاب قيصر فبعث معه سبعين ألفا من الحبشة، وأمر عليهم رجلا منهم يقال له أرياط - ومعه في جنده أبرهة الأشرم - فركب أرياط البحر حتى نزل بساحل اليمن، ومعه دوس ذو ثعلبان وسار إليه ذو نواس في حمير، ومن أطاعه من قبائل اليمن، فلما التقوا انهزم ذو نواس وأصحابه فلما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه وجه فرسه في البحر ثم ضربه فدخل به فخاض به ضحضاح1 البحر حتى أفضى به إلى غمره فأدخله فيه وكان آخر العهد به. ودخل أرياط اليمن، فملكها.
    شعر في دوس وما كان منه:
    فقال رجل من أهل اليمن - وهو يذكر ما ساق إليهم دوس من أمر الحبشة:
    لا كدوس ولا كأعلاق رحله
    فهي مثل باليمن إلى هذا اليوم. وقال ذو جدن الحميري:
    هونك ليس يرد الدمع ما فاتا ... لا تهلكي أسفا في إثر من ماتا
    أبعد بينون لا عين ولا أثر ... وبعد سلحين يبني الناس أبياتا
    بينون وسلحين وغمدان: من حصون اليمن التي هدمها أرياط، ولم يكن في الناس مثلها.
    وقال ذو جدن أيضا:
    يظهر معه القعر وكان أصله من الضح وهو حر الشمس كأن الشمس تداخله لقلته فقلبت فيه إحدى الحاءين ضادا، كما قالوا في ثرة ثرثارة وفي تملل تململ2 وهو قول الكوفيين من النحويين ولست أعرف أصلا يدفعه ولا دليلا يرده ويقال له
    ـــــــ
    1 الضحضاح من الماء: الذي يظهر منه القعر.
    2 ثر السائل ثراً وثروراً: غزر وكثر، وثر الرجل: كثر كلامه وتشدق.
    (1/123)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    أيضا: الرقراق والضهل1 وقد يستعار في غير الماء كقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمه أبي طالب حين سئل عنه فقال "هو في ضحضاح من النار ولولا مكاني لكان في الطمطام "وفي البخاري: وجدته في غمرة من النار فأخرجته إلى الضحضاح والغمر هو الطمطام، وأما قول ذي جدن:
    هونك لسن يرد الدمع ما فاتا
    وهكذا روي هذا القسيم ناقصا قاله البرقي، وقد روي عن ابن إسحاق من غير رواية ابن هشام: هونكما لسن يرد. قال وهو من باب قول العرب للواحد افعلا، وهو كثير في القرآن والكلام.
    وفيه:
    أبعد بينون لا عين ولا أثر ... وبعد سلحين يبني الناس أبياتا
    فبينون وسلحين مدينتان خربهما أرياط كما ذكر. قال البكري في كتاب "معجم ما استعجم ": سميت بينون لأنها كانت بين عمان والبحرين، فهي إذا على قوله فعلون من البين والياء أصلية وقياس النحويين يمنع من هذا، لأن الإعراب إذا كان في النون لزمت الاسم الياء في جميع أحواله كقنسرين2 وفلسطين ألا ترى كيف قال في آخر البيت وبعد سلحين، فكذلك كان القياس أن يقول على هذا: أبعد بينين وعلى مذهب من جعله من العرب بالواو في الرفع وبالياء في الخفض والنصب. يقول أيضا: أبعد بينين وليس للعرب فيه مذهب ثالث فثبت أنه ليس من البين إنما هو فيعول والواو زائدة من أبن بالمكان وبن إذا أقام فيه لكنه لا
    ـــــــ
    1 الضهل أو الضحل: الماء القليل واللبن المجتمع، والضحضاح: الماء اليسير، والطمطام: وسط البحر.
    2 قنسرين: مدينة بينها وبين حلب مرحلة، وحين غلب الروم سنة/351هـ خاف أهل قنسرين، وجلوا عنها، فلم يبق سوى خان تنزله القوافل.
    (1/124)
    .................................................. .........................................
    ـــــــ
    ينصرف للتعريف والتأنيث غير أن أبا سعيد السيرافي ذكر وجها ثالثا للعرب في تسمية الاسم بالجمع المسلم فأجاز أن يكون الإعراب في النون وتثبت الواو وقال في زيتون إنه فعلون من الزيت وأجاز أبو الفتح بن جني أن يكون الزيتون فيعولا من الزيت ولكن من قولهم زتن المكان إذا أنبت الزيتون فإن صحت هذه الحكاية عن العرب، وإلا فالظاهر أنه من الزيت وأنه فعلون وقد كثر هذا في كلام الناس غير أنه ليس في كلام العرب القدماء ففي المعروفين من أسماء الناس سحنون وعبدون قال الشاعر - وهو ابن المعتز
    سقى الجزيرة ذات الظل والشجر ... ودير عبدون هطال من المطر
    ودير عبدون معروف بالشام وكذلك دير فينون غير أن فينون يحتمل أن يكون فيعولا، فلا يكون من هذا الباب كما قلنا في بينون، وهو الأظهر.
    وأما حلزون - وهو دود يكون بالعشب وأكثر ما يكون في الرمث - فليس من باب فلسطين وقنسرين ولكن النون فيه أصلية كزرجون1 ولذلك أدخله أبو عبيد في باب فعلون وكذلك فعل صاحب كتاب العين أدخله في باب الرباعي فدل على أن النون عنده فيه أصلية وأنه فعلول بلامين.
    وقول ذي جدن وبعد سلحين يقطع على أن بينون: فيعول على كل حال لأن الذي ذكره السيرافي من المذهب الثالث إن صح فإنما هي لغة أخرى غير لغة ذي جدن2 الحميري، إذ لو كان من لغته لقال سلحون وأعرب النون مع بقاء الواو فلما لم يفعل علمنا أن المعتقد عندهم في بينون: زيادة الياء وأن النونين
    ـــــــ
    1 الرمث: مرعى للإبل من الحمض، والزرجون: الخمر.
    2 لقب بهذا لحسن صوته، والجدن: الصوت بلغتهم، ويقال: إنه أول من تغنى باليمن، واسم سيفه: ذو الكف.
    (1/125)
    دعيني - لا أبا لك - لن تطيقي ... لحاك الله قد أنزفت ريقي
    لدى عزف القيان إذ انتشينا ... وإذ نسقى من الخمرالرحيق
    وشرب الخمر ليس علي عارا ... إذا لم يشكني فيها رفيقي
    فإن الموت لا ينهاه ناه ... ولو شرب الشفاء مع النشوق
    ـــــــ
    أصليتان كما تقدم.
    وقوله:
    دعيني - لا أبا لك - لن تطيقي
    أي لن تطيقي صرفي بالعذل عن شأني، وحذف النون من تطيقين للنصب أو للجزم على لغة من جزم بلن إن كان ذلك من لغته والياء التي بعد القاف اسم مضمر في قول سيبويه، وحرف علامة تأنيث في قول الأخفش وللحجة لهما، وعليهما موضع غير هذا. وقوله:
    قد أنزفت ريقي.
    أي: أكثرت علي من العذل حتى أيبست ريقي في فمي، وقلة الريق من الحصر، وكثرته من قوة النفس وثبات الجأش قال الراجز:
    إني إذا زببت الأشداق
    وكثر اللجاج واللقلاق
    ثبت الجنان مرجم وداق
    زببت الأشداق: من الزبيبتين، وهو ما ينعقد من الريق في جانبي الفم عند كثرة الكلام وقوله وداق أي يسيل كالودق. يريد سيلان الريق وكثرة القول كما قال أبو المخش في ابنه كان أشدق خرطمانيا1 إذا تكلم سال لعابه. وقوله:
    ولو شرب الشفاء مع النشوق.
    ـــــــ
    1 أشدق: بليغ، والخرطماني: الكبير الأنف.
    (1/126)
    ولا مترهب في أسطوان ... يناطح جدره بيض الأنوق
    وغمدان الذي حدثت عنه ... بنوه مسمكا في رأس نيق
    بمنهمة وأسفله جرون ... وحر الموحل اللثق الزليق
    مصابيح السليط تلوح فيه ... إذا يمسي كتوماض البروق
    ونخلته التي غرست إليه ... يكاد البسر يهصر بالعذوق
    فأصبح بعد جدته رمادا ... وغير حسنه لهب الحريق
    وأسلم ذو نواس مستكينا ... وحذر قومه ضنك المضيق
    __________
    أي: لو شرب كل دواء يستشفى به وتنشق كل نشوق يجعل في الأنف للتداوي به ما نهى ذلك الموت عنه.
    وقوله: ولا مترهب يجوز أن يكون رفعه عطفا على ناه أي لا يرد الموت ناه ولا مترهب. أي دعاء مترهب يدعو لك، ويجوز أن يكون مترهب رفعا على معنى: ولا ينجو منه مترهب. كما قال:
    تالله يبقى على الأيام ذو جيد1.
    البيت. والأسطوان: أفعوال. النون أصلية، لأن جمعه أساطين وليس في الكلام أفاعين. وقوله:
    يناطح جدره بيض الأنوق
    جدره: جمع جدار وهو مخفف من جدور وفي التنزيل {أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} [الحشر: 14] تقيد بضم الجيم والجدر أيضا بفتح الجيم الحائط، ولكن الرواية في "الكتاب" هكذا كما ذكرنا. والأنوق الأنثى من الرخم2! يقال في المثل أعز من بيض الأنوق إذا أراد ما لا يوجد لأنها تبيض حيث لا يدرك بيضها
    ـــــــ
    1 بقيته: بمشمحر به الظيان والآس. والبيت لمالك بن خالد الخناعي.
    2 الرخم: طائر غزير الريش، أبيض اللون، مبقع بسواد،له منقار طويل قليل التقوس.
    (1/127)
    .................................................. .....................................
    ـــــــ
    من شواهق الجبال. هذا قول المبرد في الكامل ولا يوافق عليه فقد قال الخليل الأنوق الذكر من الرخم وهذا أشبه بالمعنى، لأن الذكر لا يبيض، فمن أراد بيض الأنوق فقد أراد المحال كمن أراد الأبلق العقوق وقد قال القالي في الأمالي: الأنوق يقع على الذكر والأنثى من الرخم.
    وقوله:
    وغمدان الذي حدثت عنه: هو الحصن الذي كان لهوذة بن علي ملك اليمامة، وسيأتي طرف من ذكره. ومسمكا: مرفعا من قوله سمك السماء والنيق أعلى الجبل. وقوله بمنهمة هو موضع الرهبان. والراهب يقال له النهامي ويقال للنجار أيضا: نهامي، فتكون المنهمة أيضا على هذا موضع نجر1.
    وقوله وأسفله جرون. جمع جرن وهو النقير من جرن الثوب إذا لان [وانسحق]. ورواية أبي الوليد الوقشي جروب بالباء. وكذلك ذكره الطبري بالباء أيضا. وفي "حاشية كتاب الوقشي" الجروب حجارة سود. كذا نقل أبو بحر عنه في نسخة كتابه فإن صح هذا في اللغة وإلا فالجروب جمع جريب على حذف الياء من جريب فقد يجمع الاسم على حذف الزوائد كما جمعوا صاحبا على أصحاب. وقالوا: طوي وأطواء وغير ذلك. والجريب والجربة المزرعة2.
    وقوله وحر الموحل بفتح الحاء وهو القياس لأنه من وحل يوحل. ولو كان الفعل منه وحل على مثل وعد لكان القياس في الموحل الكسر لا غير وقد ذكر القتبي فيه اللغتين الكسر والفتح والأصل ما قدمناه.
    وقوله وحر بضم الحاء وهو خالص كل شيء وفي "كتاب أبي بحر" عن
    ـــــــ
    1 في "القاموس" الجرن بالضم: حجر منقور يتوضأ منه.
    2 الجريب: مكيال قدر أربعة أقفز، جمعه: أجربة وجربان ومعناه: الوادي، والطوى: البئر.
    (1/128)
    وقال ابن الذئبة الثقفي في ذلك - قال ابن هشام: الذئبة أمه واسمه ربيعة بن عبد ياليل بن سالم بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسي:
    لعمرك ما للفتى من مفر ... مع الموت يلحقه والكبر
    ـــــــ
    اللأقشي: وحر الموحل بفتح الحاء والجيم من الموجل مفتوحة وفسر الموجل فقال حجارة ملس لينة والذي أذهب إليه أن الموجل ههنا واحد المواجل وهي مناهل الماء وفتحت الجيم لأن الأصل مأجل1 كذلك قال أبو عبيد: هي المآجل وواحدها: مأجل. وفي آثار المدونة سئل مالك - رحمه الله - عن مواجل برقة يعني: المناهل فلو كانت الواو في الكلمة أصلا لقيل في الواحد موجل مثل موضع إلا أن يراد به معنى الوجل فيكون الماضي من الفعل مكسور الجيم والمستقبل مفتوحا، فيفتح الموجل حينئذ ولا معنى له في هذا الموضع.
    وقوله: اللثق الزليق. اللثق من اللثق وهو أن يخلط الماء بالتراب فيكثر منه الزلق قال بعض الفصحاء غاب الشفق وطال الأرق وكثر اللثق فلينطق من نطق. وفي حاشية كتاب أبي بحر اللبق بالباء المنقوطة بواحدة وذكر أنه هكذا وجد في أصل ابن هشام، ولا معنى للبق ههنا، وأظنه تصحيفا من الراوي - والله أعلم.
    وقوله في الشعر:
    يكاد البسر يهصر بالعذوق.
    أي تميل بها، وهو جمع عذق بكسر العين وهي الكباسة أو جمع عذق بفتح العين وهي النخلة وهو أبلغ في وصفها بالإيقار أن يكون جمع عذق بالفتح. وقوله وأسلم ذو نواس مستكينا. أي خاضعا ذليلا، وفي التنزيل {فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ} [المؤمنون 76]، قال ابن الأنباري فيه قولان أحدهما: أن يكون من السكون، ويكون الأصل استكن على وزن افتعل ومكنوا الفتحة فصارت ألفا كما
    ـــــــ
    1 في "القاموس" موجل على مثال موعد: حفرة يستنقع فيها الماء.
    (1/129)
    لعمرك ما للفتى صحرة ... لعمرك ما إن له من وزر
    أبعد قبائل من حمير ... أبيدوا صباحا بذات العبر
    بألف ألوف وحرابة ... كمثل السماء قبيل المطر
    يصم صياحهم المقربات ... وينفون من قاتلوا بالذفر1
    سعالي مثل عديد التر ... اب تيبس منهم رطاب الشجر
    وقال عمرو بن معدي كرب الزبيدي في شيء كان بينه وبين قيس بن مكشوح المرادي فبلغه أنه يتوعده فقال يذكر حمير وعزها، وما زال من ملكها عنها:
    ـــــــ
    قال الشاعر:
    وإنني حيثما يثني الهوى بصري ... من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور
    وقال آخر يا ليتها جرت على الكلكال. أراد الكلكل. والقول الآخر أن يكون استفعل من كان يكون مثل استقام من قام يقوم. قال المؤلف رحمه الله هذا القول الأخير جيد في التصريف مستقيم في القياس لكنه بعيد في المعنى عن باب الخضوع والذلة والقول الأول قريب في المعنى، لكنه بعيد عن قياس التصريف إذ ليس في الكلام فعل على وزن افتعال بألف ولكن وجدت لغير ابن الأنباري قولا ثالثا: إنه استفعل من الكين وكين الإنسان عجزه ومؤخره وكأن المستكين قد حنا ذلك منه كما يقال صلى، أي حنا صلاه والصلا: أسفل الظهر وهذا القول جيد في التصريف قريب المعنى من الخضوع.
    وذكر قول ابن الذئبة، واسمه، وهو: ربيعة بن عبد ياليل، وقال فيه:
    لعمرك ما للفتى صحرة
    وهو المتسع أخذ من لفظ الصحراء والوزر الملجأ ومنه اشتق الوزير
    ـــــــ
    1 المقربات: الخيل العتاق التي لا تسرح في المرعى، ولكن تحبس قرب البيوت معدة للعدو. والذفر: الرائحة الشديدة.
    (1/130)
    أتوعدني كأنك ذو رعين ... بأفضل عيشة أو ذو نواس
    وكائن كان قبلك من نعيم ... وملك ثابت في الناس راسي
    قديم عهده من عهد عاد ... عظيم قاهر الجبروت قاسي
    فأمسى أهله بادوا، وأمسى ... يحول من أناس في أناس
    نسب زبيد:
    قال ابن هشام: زبيد بن سلمة بن مازن بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج، ويقال زبيد بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة ويقال زبيد بن صعب. ومراد يحابر بن مذحج.
    سبب قول عمرو بن معدي كرب هذا الشعر:
    قال ابن هشام: وحدثني أبو عبيدة قال:
    ـــــــ
    لأن الملك يلجأ إلى رأيه وقد قيل من الوزر لأنه يحمل عن الملك أثقالا، والوزر الثقل ولا يصح قول من قال هو من أزره إذا أعانه لأن فاء الفعل في الوزير واو وفي الأزر الذي هو العون همزة.
    وذات العبر أي: ذات الحزن يقال عبر الرجل إذا حزن ويقال لأمه العبر1، كما يقال لأمه الثكل. والمقربات الخيل العتاق التي لا تسرح في المرعى، ولكن تحبس قرب البيوت معدة للعدو. وقوله وينفون من قاتلوا بالذفر. أي بريحهم وأنفاسهم ينفون من قاتلوا، وهذا إفراط في وصفهم بالكثرة قال البرقي: أراد ينفون من قاتلوا بذفر آباطهم أي بنتنها والذفر بالذال المعجمة تستعمل في قوة الريح الطيبة والخبيثة. قال المؤلف - رحمه الله - فإن كان أراد هذا فإنما قصده لأن السودان أنتن الناس آباطا وأعراقا.
    وقوله سعالي شبههم بالسعالي من الجن جمع سعلاة [أو سعلاء]. ويقال:
    ـــــــ
    1 بضم العين وسكون الباء أو بفتحهما.
    (1/131)
    كتب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى سلمان بن ربيعة الباهلي، وباهلة بن يعصر بن سعد بن قيس بن عيلان. وهو إرمينية يأمره أن يفضل أصحاب الخيل العراب على أصحاب الخيل المقارف في العطاء فعرض الخيل فمر به فرس عمرو بن معدي كرب، فقال له سلمان فرسك هذا مقرف فغضب عمرو، وقال هجين عرف هجينا مثله فوثب إليه قيس فتوعده فقال عمرو هذه الأبيات.
    صدق كهانة سطيح وشق:
    قال ابن هشام: فهذا الذي عنى سطيح الكاهن بقوله "ليهبطن أرضكم الحبش، فليملكن ما بين أبين إلى جرش". والذي عنى شق الكاهن بقوله:" لينزلن أرضكم
    ـــــــ
    بل هي الساحرة من الجن، وقوله كمثل السماء أي كمثل السحاب لاسوداد السحاب وظلمته قبيل المطر.
    فصل: وقوله عمرو بن معدي كرب، ومعدي كرب بالحميرية وجه الفلاح. المعدي هو الوجه بلغتهم والكرب هو الفلاح وقد تقدم أبو كرب فمعناه على هذا: أبو الفلاح. قاله ابن هشام في غير هذا الكتاب. وكذلك تقدم كلكي كرب ولا أدري ما كلكي.
    وقوله قيس بن مكشوح المرادي، إنما هو حليف لمراد واسم مراد يحابر1 بن سعد العشيرة بن مذحج، ونسبه في بجيلة، ثم في بني أحمس وأبوه مكشوح اسمه هبيرة بن هلال ويقال عبد يغوث بن هبيرة بن الحارث بن عمرو بن عامر بن علي بن أسلم بن أحمس بن الغوث بن أنمار، وأنمار: هو والد بجيلة وخثعم، وسمي أبوه مكشوحا، لأنه ضرب بسيف على كشحه2 ويكنى قيس: أبا شداد وهو قاتل الأسود العنسي الكذاب هو وذادويه وفيروز وكان قيس بطلا بئيسا قتل مع علي - رضي الله عنه - يوم صفين وله في ذلك اليوم مواقف لم يسمع
    ـــــــ
    1 في "الاشتقاق" لابن دريد: يحابر جمع: يحبورة بفتح أوله وهو ضرب من الطير.
    2 الكشح: بفتح الكاف وسكون الشين ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف.
    (1/132)
    السودان، فليغلبن على كل طفلة البنان وليملكن ما بين أبين إلى نجران".
    (1/133)
    غلب أبرهة الأشرم على أمر اليمن وقتل أرياط
    ...
    غلب أبرهة الأشرم على أمر اليمن وقتل أرياط
    قال ابن إسحاق: فأقام أرياط بأرض اليمن سنين في سلطانه ذلك ثم نازعه في أمر الحبشة باليمن أبرهة الحبشي، حتى تفرقت الحبشة عليهما، فانحاز إلى كل واحد منهما طائفة منهم ثم سار أحدهما إلى الآخر فلما تقارب الناس أرسل أبرهة إلى أرياط: إنك لا تصنع بأن تلقى الحبشة بعضها ببعض
    __________
    بمثلها عن بهمة1 من البهم وكذلك له في حروب الشام مع الروم وقائع ومواقف لم يسمع بمثلها، عن أحد بعد خالد بن الوليد.
    وعمرو بن معدي كرب - رضي الله عنه - يكنى: أبا ثور تضرب الأمثال بفروسيته وبسالته وفيه يقول الشاعر حين مات
    فقل لزبيد بل لمذحج كلها ... رزيتم أبا ثور قريعكم عمرا
    وصمصامته2 المشهورة كانت من حديدة وجدت عند الكعبة مدفونة في الجاهلية فصنع منها ذو الفقار3 والصمصامة ثم تصيرت إلى خالد بن سعيد بن العاصي. يقال إن عمرا وهبها له ليد كانت له عليه وذلك أن ريحانة أخت عمرو التي يقول فيها عمرو:
    أمن ريحانة الداعي السميع ... يؤرقني وأصحابي هجوع
    ـــــــ
    1 البهمة : الشجاع الذي لا يهتدي من أين يؤتى، والبئيس: الشجاع.
    2 وأصل الصمصام: السيف لا ينثني ، ثم اشتهر سيف عمرو باسم الصمصامة.
    3 في "القاموس" سيف العاص بن منبه قتل يوم بدر كافراً، فصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم صار إلى علي رضي الله عنه.
    (1/133)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    كان أصابها خالد بن سعيد في سبي سباه فمن عليها، وخلى سبيلها، فشكر ذلك له عمرو أخوها، وفي آخر الكتاب من خبر قيس بن مكشوح وعمرو بن معدي كرب أكثر مما وقع ههنا، والشعر السيني الذي ذكره ابن إسحاق وأوله أتوعدني كأنك ذو رعين. ذكر المسعودي أن عمرا قاله لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين أراد ضربه بالدرة في حديث ذكره وفي الشعر زيادة لم تقع في السيرة وهو قوله:
    فلا يغررك ملكك، كل ملك ... يصير لذلة بعد الشماس
    وذكر سلمان بن ربيعة حين هجن فرس عمرو، ونسبه إلى باهلة بن أعصر وكذلك هو عند أهل النسب باهلي، ثم أحد بني قتيبة بن معن وباهلة: أمهم وهي بنت صعب بن سعد العشيرة بن مذحج، وأبوهم يعصر وهو منبه بن سعد بن قيس بن عيلان وسمي يعصر لقوله:
    أعمير إن أباك غير لونه ... مر الليالي واختلاف الأعصر1
    فيقال له أعصر ويعصر وكان سلمان بن ربيعة قاضيا لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على الكوفة، ويقال سلمان الخيل لأنه كان يتولى النظر فيها، قال أبو وائل: اختلفت إلى سلمان بن ربيعة أربعين صباحا، وهو قاض فما وجدت عنده أحدا يختصم إليه واستشهد سلمان بأرمينية سنة تسع وعشرين.
    وذكر خبر عتودة غلام أبرهة وقد فرغنا من حديثه فيما مضى، وما زاد فيه الطبري وغيره وأن العتودة الشدة في الحرب.
    وذكر أن أرياطا علا بالحربة أبرهة فأخطأ يافوخه. واليافوخ وسط الرأس2.
    ـــــــ
    1 هي في "اللسان": "أبني، وكر الليالي" بدلا من: أعمير، ومر.
    2 وتقال دون إظهار الهمزة.
    (1/134)
    حتى تفنيها شيئا، فابرز إلي وأبرز إليك، فأينا أصاب صاحبه انصرف إليه جنده فأرسل إليه أرياط: أنصفت فخرج إليه أبرهة - وكان رجلا قصيرا لحيما حادرا1، وكان ذا دين في النصرانية - وخرج إليه أرياط وكان رجلا جميلا عظيما طويلا، وفي يده حربة له وخلف أبرهة غلام له يقال له عتودة2 يمنع ظهره فرفع أرياط الحربة فضرب أبرهة يريد يافوخه3 فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فشرمت حاجبه وأنفه وعينه وشفته فبذلك سمي أبرهة الأشرم، وحمل عتودة على أرياط من خلف أبرهة فقتله وانصرف جند أرياط إلى أبرهة فاجتمعت عليه الحبشة باليمن وودى4 أبرهة أرياطا.
    غضب النجاشي على أبرهة لقتله أرياط ثم رضاؤه عنه:
    فلما بلغ النجاشي غضب غضبا شديدا وقال عدا على أميري، فقتله بغير أمري، ثم حلف لا يدع أبرهة حتى يطأ بلاده ويجز ناصيته فحلق أبرهة رأسه وملأ جرابا من تراب اليمن، ثم بعث إلى النجاشي، ثم كتب إليه:
    أيها الملك إنما كان أرياط عبدك، وأنا عبدك، فاختلفنا في أمرك، وكل طاعته لك، إلا أني كنت أقوى على أمر الحبشة، وأضبط لها، وأسوس منه وقد حلقت رأسي
    ـــــــ
    ويقال له من الطفل: غاذية بالذال فإذا اشتد وصلب سمي يأفوخا بالهمز على وزن يفعول وجمعه يآفيخ قال العجاج:
    ضرب إذا صاب اليآفيخ حفر
    وقوله: شرم أنفه وشفته أي شقهما.
    ـــــــ
    1 اللحيم: الكثير لحم الجسد، والحادر: السمين الغليظ.
    2 مأخوذة من الفتودة: وهي الشدة في الحرب.
    3 اليافوخ: وسط الرأس.
    4 وداه: دفع ديته.
    (1/135)
    كله حين بلغني قسم الملك وبعثت إليه بجراب تراب من أرضي ; ليضعه تحت قدميه فيبر قسمه في".
    فلما انتهى ذلك إلى النجاشي رضي عنه وكتب إليه أن اثبت بأرض اليمن حتى يأتيك أمري، فأقام أبرهة باليمن.
    (1/136)
    أمر الفيل، وقصة النسأة
    ...
    أمر الفيل، وقصة النسأة
    بناء القليس:
    ثم إن أبرهة بنى القليس بصنعاء فبنى كنيسة لم ير مثلها في زمانها بشيء من الأرض ثم كتب إلى النجاشي: إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب، فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي، غضب رجل من النسأة، أحد بني فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر.
    __________
    خبر القليس مع الفيل وذكر بنيان أبرهة للقليس:
    وهي الكنيسة التي أراد أن يصرف إليها حج العرب، وسميت هذه الكنيسة القليس لارتفاع بنائها وعلوها، ومنه القلانس لأنها في أعلى الرءوس ويقال تقلنس الرجل وتقلس إذا لبس القلنسوة وقلس طعاما أي ارتفع من معدته إلى فيه وكان أبرهة قد استذل أهل اليمن في بنيان هذه الكنيسة وجشمهم فيها أنواعا من السخر وكان ينقل إليها العدد من الرخام المجزع والحجارة المنقوشة بالذهب من قصر بلقيس صاحبة سليمان - عليه السلام - وكان في موضع هذه الكنيسة على فراسخ وكان فيه بقايا من آثار ملكها، فاستعان بذلك على ما أراده في هذه الكنيسة من بهجتها وبهائها، ونصب فيها صلبانا من الذهب والفضة ومنابر من العاج والآبنس1 وكان أراد أن يرفع في بنائها حتى يشرف منها على عدن، وكان حكمه
    ـــــــ
    1 يريد خشب الآبنوس الذي ينبت في الحبشة والهند، وخشبه أسود صلب.
    (1/136)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    في العامل إذا طلعت عليه الشمس قبل أن يأخذ في عمله أن يقطع يده فنام رجل منهم ذات يوم حتى طلعت الشمس فجاءت معه أمه وهي امرأة عجوز فتضرعت إليه تستشفع لابنها، فأبى إلا أن يقطع يده فقالت اضرب بمعولك اليوم فاليوم لك، وغدا لغيرك، فقال ويحك ما قلت؟ فقالت نعم كما صار هذا الملك من غيرك إليك، فكذلك يصير منك إلى غيرك، فأخذته موعظتها، وأعفى الناس من العمل فيها بعد. فلما هلك ومزقت الحبشة كل ممزق وأقفر ما حول هذه الكنيسة فلم يعمرها أحد، وكثرت حولها السباع والحيات وكان كل من أراد أن يأخذ شيئا منها أصابته الجن1، فبقيت من ذلك العهد بما فيها من العدد والخشب المرصع بالذهب والآلات المفضضة التي تساوي قناطير من المال لا يستطيع أحد أن يأخذ منها شيئا إلى زمن أبي العباس فذكر له أمرها، وما يتهيب من جنها وحياتها، فلم يرعه ذلك. وبعث إليها بابن الربيع عامله على اليمن معه أهل الحزم والجلادة2 فخربها، وحصلوا منها مالا كثيرا ببيع ما أمكن بيعه من رخامها وآلاتها، فعفا بعد ذلك رسمها، وانقطع خبرها، ودرست آثارها، وكان الذي يصيبهم من الجن ينسبونه إلى كعيب وامرأته صنمين كانت الكنيسة عليهما، فلما كسر كعيب وامرأته أصيب الذي كسره بجذام فافتتن بذلك رعاع اليمن وطغامهم3 وقالوا: أصابه كعيب وذكر أبو الوليد الأزرقي أن كعيبا كان من خشب طوله ستون ذراعا4.
    ـــــــ
    1 خرافة قولاً واحداً.
    2 القوة مع الصبر على المكروه.
    3 الطغام: الأوغاد من الناس واحدة: طغامة مثل سحابة، والرعاع بضم الراء وفتحها مفردها: رعاعة، وهو من لا قلب له وولا عقل.
    4 كيف إذن يصيب هذا الخشب الناس بسوء؟
    (1/137)
    معنى النسأة:
    النسأة: الذين كانوا ينسئون الشهور على العرب في الجاهلية فيحلون الشهر من الأشهر الحرم، ويحرمون مكانه الشهر من أشهر الحل ويؤخرون ذلك الشهر ففيه أنزل الله تبارك وتعالى : {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} [التوبة: 37].
    المواطأة لغة:
    قال ابن هشام: ليواطئوا: ليوافقوا، والمواطأة الموافقة تقول العرب: واطأتك على هذا الأمر أي وافقتك عليه والإيطاء في الشعر الموافقة وهو اتفاق القافيتين من لفظ واحد وجنس واحد نحو قول العجاج - واسم العجاج عبد الله بن رؤبة أحد بني سعد بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار:
    في أثعبان المنجنون المرسل
    ثم قال:
    مد الخليج في الخليج المرسل
    وهذان البيتان في أرجوزة له.
    تاريخ النسء عند العرب:
    قال ابن إسحاق: وكان أول من نسأ الشهور على العرب، فأحلت منها ما أحل
    ـــــــ
    النسيء والنسأة:
    وذكر النسأة والنسيء من الأشهر. فأما النسأة فأولهم: القلمس واسمه حذيفة بن عبد بن فقيم وقيل له القلمس لجوده إذ القلمس من أسماء البخر وأنشد قاسم بن ثابت:
    (1/138)
    وحرمت منها ما حرم القلمس وهو حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة، ثم قام بعده على ذلك ابنه عباد بن حذيفة ثم قام بعد عباد قلع بن عباد ثم قام بعد قلع أمية بن قلع ثم قام بعد أمية عوف بن أمية ثم قام بعد عوف أبو ثمامة جنادة بن عوف. وكان آخرهم وعليه قام الإسلام وكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه فحرم الأشهر
    ـــــــ.
    إلى نضد من عبد شمس كأنهم ... هضاب أجا أركانه لم تقصف1
    قلامسة ساسوا الأمور فأحكمت ... سياستها حتى أقرت لمردف
    وذكر أبو علي القالي في "الأمالي" أن الذي نسأ الشهور منهم نعيم بن ثعلبة وليس هذا بمعروف2 وأما نسؤهم للشهر فكان على ضربين أحدهما: ما ذكر ابن إسحاق من تأخير شهر المحرم إلى صفر لحاجتهم إلى شن الغارات وطلب الثارات والثاني: تأخيرهم الحج عن وقته تحريا منهم للسنة الشمسية فكانوا يؤخرونه في كل عام أحد عشر يوما، أو أكثر قليلا، حتى يدور الدور إلى ثلاث وثلاثين سنة فيعود إلى وقته ولذلك قال عليه السلام في حجة الوداع : "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض" 3 وكانت حجة الوداع في السنة التي عاد فيها الحج إلى وقته ولم يحج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى مكة غير تلك الحجة وذلك لإخراج الكفار الحج عن وقته ولطوافهم بالبيت عراة - والله أعلم - إذ كانت مكة بحكمهم حتى فتحها الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - قال شيخنا أبو بكر نرى أن قول الله سبحانه {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189]. وخص الحج بالذكر دون غيره من العبادات المؤقتة بالأوقات تأكيدا لاعتباره بالأهلة دون حساب الأعاجم من أجل ما كانوا أحدثوا في الحج من
    ـــــــ
    1 أجأ: أحد جبلي طيء، وفيه قرى كثيرة، والنضد: الشرف والشريف من القوم: جماعتهم وعددهم.
    2 انظر: "الأمالي" 1/4. ط2. دار الكتب.
    3 أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم.
    (1/139)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    الاعتبار بالشهور العجمية والله أعلم.
    وذكر ابن هشام قول العجاج:
    في أثعبان المنجنون المرسل1. الأثعبان ما يندفع من الماء من شعبه. والمنجنون أداة السانية والميم في المنجنون أصلية في قول سيبويه، وكذلك النون لأنه يقال فيه منجنين مثل عرطليل2 وقد ذكر سيبويه أيضا في موضع آخر من كتابه أن النون زائدة إلا أن بعض رواة الكتاب قال فيه منحنون بالحاء فعلى هذا لم يتناقض كلامه - رحمه الله - وفي أداة السانية الدولاب بضم الدال وفتحها، والشهرق وهو الذي يلقى عليه حبل الأقداس واحدها: قدس والعامة تقول قادوس والعصامير عيدان السانية قاله أبو حنيفة: وقال صاحب العين العصمور عود السانية. وقوله مد الخليج. الخليج: الجبل والخليج أيضا: خليج الماء. وذكر اسم العجاج ولم يكنه وكنيته أبو الشعثاء، وسمي العجاج بقوله حتى يعج عندها من عججا.
    وقال عمير بن قيس: كرام الناس أن لهم كراما. أي آباء كراما، وأخلاقا كراما. وقوله وأي الناس لم نعلك لجاما. أي لم نقدعهم ونكفهم كما يقدع الفرس باللجام. تقول أعلكت الفرس لجامه إذا رددته عن تنزعه فمضغ اللجام كالعلك من نشاطه فهو مقدوع قال الشاعر:
    وإذا احتبى قربوسه بعنانه ... علك اللجام إلى انصراف الزائر
    وكان عمير هذا من أطول الناس وهو مذكور في مقبلي الظعن وسمي جذل الطعان لثباته في الحرب كأنه جذل شجرة واقف وقيل لأنه كان يستشفى برأيه،
    ـــــــ
    1 المنجنون: الدولاب يستقى عليه، أو البكرة العظيمة , والسانية: الدلو العظيمة وأداتها.
    2 العرطليل: الضخم والفاحش، والعرطويل: الحسن الشباب والقد.
    (1/140)
    الحرم الأربعة رجبا، وذا القعدة وذا الحجة والمحرم. فإذا أراد أن يحل شيئا أحل المحرم فأحلوه وحرم مكانه صفرا فحرموه ليواطئوا عدة الأربعة الأشهر الحرم. فإذا أرادوا الصدر قام فيهم فقال "اللهم إني قد أحللت لك أحد الصفرين الصفر الأول ونسأت الآخر للعام المقبل"1. فقال في ذلك عمير بن قيس "جذل الطعان" أحد بني فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة، يفخر بالنسأة على العرب:
    لقد علمت معد أن قومي ... كرام الناس أن لهم كراما
    فأي الناس فاتونا بوتر ... وأي الناس لم نعلك لجاما
    ألسنا الناسئين على معد ... شهور الحل نجعلها حراما
    قال ابن هشام: أول الأشهر الحرم: المحرم.
    ـــــــ
    ويستراح إليه كما تستريح البهيمة الجرباء إلى الجذل تحتك به ونحو منه قول الحباب [ابن المنذر]: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب وقول الأعرابي يصف ابنه إنه لجذل حكاك ومدره لكاك. واللكاك الزحام.
    فصل: وذكر جنادة بن عوف من النسأة، وعليه قام الإسلام ولم يذكر هل أسلم أم لا، وقد وجدت له خبرا يدل على إسلامه حضر الحج في زمن عمر فرأى الناس يزدحمون على الحج فنادى: أيها الناس إني قد أجرته منكم فخفقه عمر بالدرة وقال ويحك: إن الله قد أبطل أمر الجاهلية. وذكر البرقي عن ابن الكلبي قال فنسأ قلع بن عباد سبع سنين ونسأ بعده أمية بن قلع إحدى وعشرين سنة ثم نسأ من بعده جنادة وهو أبو أمامة وهو القلمس أربعين سنة.
    الأشهر الحرم:
    وقول ابن هشام: أول الأشهر الحرم: المحرم قول وقد قيل أولها ذو
    ـــــــ
    1 كان النسيء عندهم على ضربين: أحدهما ما ذكر ابن إسحاق من تأخير شهر المحرم إلى صفر=
    (1/141)
    إحداث الكناني في القليس، وحملة أبرهة على الكعبة:
    قال ابن إسحاق: فخرج الكناني حتى أتى القليس فقعد فيها - قال ابن هشام:
    ـــــــ
    القعدة، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدأ به حين ذكر الأشهر الحرم1، ومن قال المحرم أولها، احتج بأنه أول السنة وفقه هذا الخلاف أن من نذر صيام الأشهر الحرم، فيقال له على الأول ابدأ بالمحرم ثم برجب ثم بذي القعدة وذي الحجة وعلى القول الآخر يقال له ابدأ بذي القعدة حتى يكون آخر صيامك في رجب من العام الثاني.
    القعود على المقابر:
    وقوله خرج الكناني حتى قعد في القليس أي أحدث فيها، وفيه شاهد لقول مالك، وغيره من الفقهاء في تفسير القعود على المقابر المنهي عنه وأن ذلك للمذاهب كما قال مالك والله أعلم.
    أنساب:
    وذكر قول نفيل الخثعمي وهاتان يداي لك على شهران وناهس، وهما قبيلا خثعم، أما خثعم: فاسم جبل سمي به بنو عفرس2 بن خلف بن أفتل بن أنمار، لأنهم نزلوا عنده وقيل إنهم تخثعموا بالدم عند حلف عقدوه بينهم أي:
    ـــــــ
    = لحاجتهم إلى شن الغارات وطلب الثارات. والثاني تأخيرهم الحج عن وقته تحرياً منهم للسنة الشمسية.
    1 راجع حديث: "إن الزمان استدار".
    2 في "الاشتقاق" عفرس: الأخذ بالقهر والغلبة. أما أفتل فمن قولهم بعير أفتل: وهو الذي يتباعد منكباه عن زوره. وشهران: إما من الشهرة وإما من الأشهر وهو البياض الذي حول صفرة النرجس وناهس: من النهس وهو النهش.
    (1/142)
    يعني أحدث فيها - قال ابن إسحاق: ثم خرج فلحق بأرضه فأخبر بذلك أبرهة فقال من صنع هذا؟ فقيل له صنع هذا رجل من العرب من أهل هذا البيت الذي تحج العرب إليه بمكة لما سمع قولك: "أصرف إليها حج العرب" غضب فجاء فقعد فيها، أي أنها ليست لذلك بأهل. فغضب عند ذلك أبرهة وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت ثم سار وخرج معه بالفيل وسمعت بذلك العرب، فأعظموه وفظعوا به ورأوا جهاده حقا عليهم حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة، بيت الله الحرام.
    __________
    تلطخوا، وقيل بل خثعم ثلاث شهران وناهس وأكلب غير أن أكلب عند أهل النسب هو ابن ربيعة بن نزار ولكنهم دخلوا في خثعم، وانتسبوا إليهم فالله أعلم. قال رجل من خثعم:
    ما أكلب منا، ولا نحن منهم ... وما خثعم يوم الفخار وأكلب
    قبيلة سوء من ربيعة أصلها ... فليس لها عم لدينا، ولا أب
    فأجابه الأكلبي فقال:
    إني من القوم الذين نسبتني ... إليهم كريم الجد والعم والأب
    فلو كنت ذا علم بهم ما نفيتني ... إليهم ترى أني بذلك أثلب
    فإن لا يكن عماي خلفا وناهسا ... فإني امرئ قلبه كيف يركب
    يريد أنه من ربيعة، وربيعة كان يقال له: ربيعة الفرس.
    وأما ثقيف وما ذكر من اختلاف النسابين فيهم فبعضهم ينسبهم إلى إياد، وبعضهم ينسبهم إلى قيس، وقد نسبوا إلى ثمود أيضا. وقد روي في ذلك حديث عنه - عليه السلام - رواه معمر بن راشد في جامعه وكذلك أيضا روي في الجامع أن أبا رغال من ثمود، وأنه كان بالحرم حين أصاب قومه الصيحة فلما خرج من الحرم أصابه من الهلاك ما أصاب قومه فدفن هناك ودفن معه غصنان من ذهب وذكر أن
    (1/143)
    هزيمة ذي نفر أمام أبرهة:
    فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر، فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله الحرام، وما يريد
    ـــــــ
    رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بالقبر، وأمر باستخراج الغصنين منه فاستخرجا1. وقال جرير أو غيره:
    إذا مات الفرزدق فارجموه ... كرجمكم لقبر أبي رغال
    ووقع في هذه النسخة في نسب ثقيف الأول ابن إياد بن معد. وفي الحاشية أن القاضي أبا الوليد غيره فجعل مكان ابن معد من معد وذلك - والله أعلم - لأن إياد هذا هو ابن نزار وليس بابن معد لصلبه ولمعد ابن اسمه: إياد، وهو ابنه لصلبه، وقد ذكره ابن إسحاق، وقد قدمنا ذكره مع بني معد في أول الكتاب وهو عم إياد، والإياد في اللغة التراب الذي يضم إلى الخباء ليقيه من السيل ونحوه وهو مأخوذ من الأيد وهي القوة لأن فيه قوة للخباء وهو بين النؤي والخباء والنؤي يشتق من النائي، لأنه حفير ينأى به المطر أي يبعد عن الخباء.
    وأنشد لأمية بن أبي الصلت واسم أبي الصلت ربيعة بن وهب في قول الزبير:
    قومي إياد لو أنهم أمم ... أولو أقاموا، فتهزل النعم
    يريد: أي: لو أقاموا بالحجاز وإن هزلت نعمهم لأنهم انتقلوا عنها، لأنها ضاقت عن مسارحهم فصاروا إلى ريف العراق; ولذلك قال والقط والقلم والقط: ما قط من الكاغد والرق2 ونحوه وذلك أن الكتابة كانت في تلك البلاد التي ساروا إليها، وقد قيل لقريش ممن تعلمتم القط؟ فقالوا: تعلمناه من أهل الحيرة، وتعلمه أهل الحيرة من أهل الأنبار ونصب قوله فتهزل النعم بالفاء على
    ـــــــ
    1 هذا ليس من كلام النبي، وإنما هو من الخرافات.
    2 الكاغد: القرطاس، معرب، والرق بكسر الراء وفتحها: جلد رقيق يكتب فيه. ما قُطَّ: أي ما قطع.
    (1/144)
    من هدمه وإخرابه فأجابه إلى ذلك من أجابه ثم عرض له فقاتله فهزم ذو نفر وأصحابه وأخذ له ذو نفر، فأتي به أسيرا، فلما أراد قتله قال له ذو نفر: أيها الملك لا تقتلني فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي، فتركه من القتل وحبسه عنده في وثاق وكان أبرهة رجلا حليما.
    ما وقع بين نفيل وأبرهة:
    ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج له حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قبيلي خثعم شهران وناهس، ومن تبعه من قبائل العرب، فقاتله فهزمه أبرهة وأخذ له نفيل أسيرا، فأتي به فلما هم بقتله قال له نفيل أيها الملك لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب، وهاتان يداي لك على قبيلي خثعم: شهران وناهس بالسمع والطاعة فخلى سبيله.
    ابن معتب وأبرهة:
    وخرج به معه يدله حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف في رجال ثقيف.
    __________
    جواب التمني المضمن في لو نحو قوله تعالى : {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 102] وأما تسمية قسي بثقيف فسيأتي سبب ذلك في غزوة الطائف - إن شاء الله تعالى.
    المغمس:
    وقوله فلما نزل أبرهة المغمس هكذا ألفيته في نسخة الشيخ أبي بحر المقيدة على أبي الوليد القاضي بفتح الميم الآخرة من المغمس. وذكر البكري في كتاب المعجم عن ابن دريد وعن غيره من أئمة اللغة أنه المغمس. بكسر الميم الآخرة وأنه أصح ما قيل فيه وذكر أيضا أنه يروى بالفتح فعلى رواية الكسر هو مغمس مفعل من غمست، كأنه اشتق من الغميس وهو الغمير، وهو النبات الأخضر الذي ينبت في الخريف تحت اليابس يقال: غمس المكان وغمر إذا نبت فيه ذلك كما
    (1/145)
    نسب ثقيف وشعر ابن أبي الصلت في ذلك:
    واسم ثقيف: قسي بن النبيت بن منبه بن منصور بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد1 بن نزار بن معد بن عدنان. قال أمية بن أبي الصلت الثقفي:
    قومي إياد لو أنهم أمم ... أو لو أقاموا فتهزل النعم
    قوم لهم ساحة العراق إذا ... ساروا جميعا والقط والقلم
    وقال أمية بن أبي الصلت أيضا:
    فإما تسألي عني - لبينى ... وعن نسبي - أخبرك اليقينا
    فإنا للنبيت أبي قسي ... لمنصور بن يقدم الأقدمينا
    قال ابن هشام: ثقيف: قسي بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، والبيتان الأولان والآخران في قصيدتين لأمية.
    استسلام أهل الطائف لأبرهة:
    قال ابن إسحاق: فقالوا له أيها الملك إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ليس عندنا لك خلاف وليس بيتنا هذا البيت الذي تريد - يعنون اللاتي - إنما يريد البيت الذي بمكة، ونحن نبعث معك من يدلك عليه فتجاوز عنهم.
    ـــــــ
    يقال صوح وشجر2 وأما على رواية الفتح فكأنه من غمست الشيء إذا غطيته، وذلك أنه مكان مستور إما بهضاب وإما بعضاه3 وإنما قلنا هذا; لأن
    ـــــــ
    1 بين النسابين خلاف في نسب ثقيف، فبعضهم ينسبهم إلى إياد، وبعضهم ينسبهم إلى قيس، وبعضهم ينسبهم إلى ثمود.
    2 صوح النبت: يبس حتى تشقق. وشجر النبات: صار شجراً.
    3 العضاه: كل شجر له شوك صغر أو كبر.
    (1/146)
    اللات:
    واللات: بيت لهم بالطائف كانوا يعظمونه نحو تعظيم الكعبة. قال ابن هشام: أنشدني أبو عبيدة النحوي لضرار بن الخطاب الفهري:
    وفرت ثقيف إلى لاتها ... بمنقلب الخائب الخاسر
    وهذا البيت في أبيات له.
    معونة أبي رغال لأبرهة وموته وقبره:
    قال ابن إسحاق: فبعثوا معه أبا رغال يدله على الطريق إلى مكة، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله المغمس1، فلما أنزله به مات أبو رغال هنالك فرجمت قبره العرب، فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمس.
    الأسود واعتداؤه على مكة:
    فلما نزل أبرهة المغمس، بعث رجلا من الحبشة يقال له الأسود بن مقصود على خيل له حتى انتهى إلى مكة، فساق إليه أموال تهامة من قريش وغيرهم وأصاب فيها مئتي بعير لعبد المطلب بن هاشم وهو يومئذ كبير قريش وسيدها، فهمت قريش وكنانة وهذيل، ومن كان بذلك الحرم بقتاله ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به فتركوا ذلك.
    حناطة وعبد المطلب:
    وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة، وقال له سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفها، ثم قل له إن الملك يقول لك: إني لم آت لحربكم إنما جئت لهدم هذا البيت فإن لم تعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لي بدمائكم فإن هو لم يرد حربي
    __________
    رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ كان بمكة كان إذا أراد حاجة الإنسان خرج إلى المغمس، وهو على ثلث فرسخ منها، كذلك رواه علي بن السكن في كتاب "السنن" له وفي
    ـــــــ
    1 المغمس "بالكسر على صيغة الفاعل، وروي بالفتح على زنة اسم المفعول": موضع بطريق الطائف على ثلثي فرسخ من مكة المكرمة.
    (1/147)
    فأتني به فلما دخل حناطة مكة، سأل عن سيد قريش وشريفها، فقيل له عبد المطلب بن هاشم فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة فقال له عبد المطلب: والله ما نريد حربه وما لنا بذلك من1 طاقة هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم عليه السلام - أو كما قال - فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه2 وإن يخل بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه فقال له حناطة فانطلق معي إليه فإنه قد أمرني أن آتيه بك.
    ذو نفر وأنيس وتوسطهما لعبد المطلب لدى أبرهة:
    فانطلق معه عبد المطلب، ومعه بعض بنيه حتى أتى العسكر فسأل عن ذي نفر وكان له صديقا، حتى دخل عليه وهو في محبسه فقال له يا ذا نفر هل عندك من غناء فيما نزل بنا؟ فقال له ذو نفر: وما غناء رجل أسير بيدي ملك ينتظر أن يقتله غدوا أو عشيا؟ ما عندنا غناء في شيء مما نزل بك إلا أن أنيسا سائس الفيل صديق لي، وسأرسل إليه فأوصيه بك، وأعظم عليه حقك، وأسأله أن يستأذن لك على الملك فتكلمه بما بدا لك. ويشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك فقال حسبي. فبعث ذو نفر إلى أنيس فقال له إن عبد المطلب سيد قريش، وصاحب عير3 مكة، يطعم الناس بالسهل والوحوش في رءوس الجبال وقد أصاب له الملك مئتي بعير فاستأذن له عليه وانفعه عنده بما استطعت، فقال أفعل.
    فكلم أنيس أبرهة فقال له أيها الملك هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك، وهو صاحب عير مكة، وهو يطعم الناس في السهل والوحوش في رءوس الجبال فأذن له عليك، فيكلمك4 في حاجته[وأحسن إليه] قال فأذن له أبرهة
    ـــــــ
    "السنن" لأبي داود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد البراز أبعد، ولم يبين مقدار البعد
    ـــــــ
    1 كذا في "الطبري"، وفي الأصول: "منه".
    2 كذا في "الطبري"، وفي الأصول: "حرمته".
    3 كذا في "الطبري"، وفي الأصل "عين".
    4 كذا في "الطبري"، وفي سائر الأصول "فليكلمك".
    (1/148)
    عبد المطلب وخويلد بين يدي أبرهة:
    قال وكان عبد المطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم فلما رآه أبرهة أجله وأعظمه وأكرمه عن أن يجلسه تحته وكره أن تراه الحبشة يجلس معه على سرير ملكه فنزل أبرهة عن سريره فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جنبه ثم قال لترجمانه قل له حاجتك؟ فقال له ذلك الترجمان فقال حاجتي أن يرد علي الملك مئتي بعير أصابها لي، فلما قال له ذلك قال أبرهة لترجمانه قل له قد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني، أتكلمني في مئتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه؟ قال له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل وإن للبيت ربا سيمنعه قال ما كان ليمتنع مني، قال أنت وذاك.
    وكان - فيما يزعم بعض أهل العلم - قد ذهب مع عبد المطلب إلى أبرهة حين بعث إليه حناطة يعمر بن نفاثة بن عدي بن الدئل بن بكر بن مناة بن كنانة - وهو يومئذ سيد بني بكر - وخويلد بن واثلة الهذلي - وهو يومئذ سيد هذيل - فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة، على أن يرجع عنهم ولا يهدم البيت فأبى عليهم. والله أعلم أكان ذلك أم لا، فرد أبرهة على عبد المطلب الإبل التي أصاب له.
    ـــــــ
    وهو مبين في حديث ابن السكن - كما قدمنا - ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليأتي مكانا للمذهب إلا وهو مستور منخفض فاستقام المعنى فيه على الروايتين جميعاً.
    وسامة عبد المطلب:
    وقوله في صفة عبد المطلب: أوسم الناس وأجمله1. ذكر سيبويه هذا الكلام محكيا عن العرب، ووجهه عندهم أنه محمول على المعنى، فكأنك قلت: أحسن
    ـــــــ
    1 في "السيرة" وأجملهم.
    (1/149)
    عبد المطلب في الكعبة يستنصر بالله على رد أبرهة:
    فلما انصرفوا عنه انصرف عبد المطلب إلى قريش، فأخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة، والتحرز1 في شعف2 الجبال والشعاب3 تخوفا عليهم من معرة4 الجيش ثم قام عبد المطلب، فأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة:
    لا هم إن العبد يم ... نع رحله فامنع حلالك5
    لا يغلبن صليبهم ... ومحالهم غدوا محالك
    قال ابن هشام: هذا ما صح له منها.
    ـــــــ
    رجل وأجمله فأفرد الاسم المضمر التفاتا إلى هذا المعنى، وهو عندي محمول على الجنس كأنه حين ذكر الناس قال هو أجمل هذا الجنس من الخلق وإنما عدلنا عن ذلك التقدير الأول لأن في الحديث الصحيح "خير نساء ركبن الإبل صوالح نساء قريش: أحناه على ولده في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده"6، ولا يستقيم ههنا حمله على الإفراد لأن المفرد ههنا امرأة فلو نظر إلى واحد النساء لقال أحناها على ولده فإذا التقدير أحنى هذا الجنس الذي هو النساء وهذا الصنف ونحو هذا.
    وذكر قول عبد المطلب:
    ـــــــ
    1 التحرز: التمنع، ويروى: "التحرز"، وهو أن ينحاز إلى جهة ويتمنع.
    2 شعف الجبال: رؤوسها.
    3 الشعاب: المواضع الخفية بين الرجال.
    4 معرة الجيش: شدته.
    5 لاهم: أصلها اللهم. الحلال "بالكسر": جمع حلة, وهي جماعة البيوت.
    6 متفق عليه، وأحمد في "مسنده" عن أبي هريرة.
    (1/150)
    شعر لعكرمة في الدعاء على الأسود بن مقصود:
    قال ابن إسحاق: وقال عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي:
    لا هم أخز الأسود بن مقصود ... الآخذ الهجمة فيها التقليد1
    بين حراء وثبير فالبيد ... يحبسها وهي أولات التطريد2
    فضمها إلى طماطم سود ... أخفره يا رب وأنت محمود
    قال ابن هشام: هذا ما صح له منها، والطماطم الأعلاج.
    قال ابن إسحاق: ثم أرسل عبد المطلب حلقة باب الكعبة، وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف الجبال فتحرزوا فيها ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها.
    __________
    لا هم إن المرء يم ... نع رحله فامنع حلالك
    العرب تحذف الألف واللام من اللهم وتكتفي بما بقي وكذلك تقول لاه أبوك تريد لله أبوك، وقد تقدم قول من قال في لهنك [أو: لهنك]، وأن المعنى: والله إنك، وهذا لكثرة دور هذا الاسم على الألسنة وقد قالوا فيما هو دونه في الاستعمال أجنك تفعل كذا وكذا. أي من أجل أنك تفعل كذا وكذا والحلال في هذا البيت القوم الحلول في المكان والحلال مركب من مراكب النساء. قال الشاعر:
    بغير حلال غادرته مجحفل3
    ـــــــ
    1 الهجمة: القطعة من الإبل ما بين التسعين إلى المائة. التقليد: يريد في أعناقها القلائد.
    2 حراء وثبير: جبلان.
    3 جحفلة: صرعه ورماه وبكته, والبيت لطفيل وهو:
    وراكضة ما تستجن بجنة
    بغير حلال غادرته مجحفل
    (1/151)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    والحلال أيضا: متاع البيت وجائز أن يستعيره ههنا، وفي الرجز بيت ثالث لم يقع في الأصل وهو قوله
    وانصر على آل الصليب ... وعابديه اليوم آلك
    وفيه حجة على النحاس والزبيدي حيث زعما، ومن قال بقولهما أنه لا يقال اللهم صل على محمد وعلى آله لأن المضمر يرد المعتل إلى أصله وأصله أهل فلا يقال إلا: وعلى أهله وبهذه المسألة ختم النحاس كتابه الكافي. وقولهما خطأ من وجوه وغير معروف في قياس ولا سماع وما وجدنا قط مضمرا يرد معتلا إلى أصله إلا قولهم أعطيتكموه برد الواو وليس هو من هذا الباب في ورد ولا صدر ولا نقول أيضا: إن آلا أصله أهل ولا هو في معناه ولا نقول إن أهيلا تصغير آل كما ظن بعضهم ولتوجيه الحجاج عليهم موضع غير هذا، وفي الكامل من قول الكتابي لمعاوية حين ذكر عبد الملك من آلك، وليس منك1.
    وقول عكرمة بن عامر: الآخذ الهجمة فيها التقليد الهجمة هي ما بين التسعين إلى المائة والمائة منها: هنيدة والمائتان هند، وقال بعضهم والثلاثمائة أمامة وأنشدوا:
    تبين رويدا ما أمامة من هند2
    وكأن اشتقاق الهجمة من الهجيمة وهو الثخين من اللبن لأنه لما كثر لبنها لكثرتها، لم يمزج بماء وشرب صرفا ثخينا، ويقال للقدح الذي يحلب فيه إذا كان كبيرا: هجم3.
    ـــــــ
    1 في "اللسان" كلام طويل عن آل في مادة أهل فانظره.
    2 في "اللسان" ورد هكذا في مادة: أمم.
    3 وقيل: يحرك أيضاً.
    (1/152)
    دخول أبرهة مكة، وما وقع له ولفيله، وشعر نفيل في ذلك:
    فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة، وهيأ فيله وعبى جيشه - وكان اسم الفيل محمودا - وأبرهة مجمع لهدم البيت ثم الانصراف إلى اليمن. فلما وجهوا الفيل إلى مكة، أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جنب الفيل ثم أخذ بأذنه فقال ابرك محمود أو ارجع راشدا من حيث جئت، فإنك في بلد الله الحرام ثم أرسل أذنه. فبرك الفيل وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل وضربوا الفيل ليقوم فأبى، فضربوا في رأسه بالطبرزين1 ليقوم فأبى، فأدخلوا محاجن2 لهم في مراقه3 فبزغوه بها ليقوم فأبى، فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى مكة فبرك فأرسل الله تعالى عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان مع كل طائر معها ثلاثة أحجار يحملها: حجر في منقاره وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس لا تصيب منهم أحدا إلا هلك وليس كلهم أصابت وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاءوا، ويسألون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن، فقال نفيل حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته:
    ـــــــ
    في حديث الفيل:
    وقوله: أخفره يا رب. أي انقض عزمه وعهده فلا تؤمنه يقال أخفرت الرجل إذا نقضت عهده وخفرته أخفره إذا أجرته، فينبغي أن لا يضبط هذا إلا بقطع الهمزة وفتحها، لئلا يصير الدعاء عليه دعاء له.
    وقوله إلى طماطم سود. يعني: العلوج. ويقال لكل أعجمي طمطماني
    ـــــــ
    1 آلة معقفة من حديد، وطبر بالفارسية معناها الفأس.
    2 جمع محجن وهي عصا معوجة وقد يجعل طرفها من حديد.
    3 يعني أسفل بطنه.
    (1/153)
    أين المفر والإله الطالب ... والأشرم المغلوب ليس الغالب
    قال ابن هشام: قوله "ليس الغالب" عن غير ابن إسحاق.
    قال ابن إسحاق: وقال نفيل أيضا:
    ألا حييت عنا يا ردينا ... نعمناكم مع الإصباح عينا1
    ردينة لو رأيت - ولا تريه ... لذي جنب المحصب ما رأينا2
    إذا لعذرتني وحمدت أمري ... ولم تأسى على ما فات بينا
    حمدت الله إذ أبصرت طيرا ... وخفت حجارة تلقى علينا
    وكل القوم يسأل عن نفيل ... كأن علي للحبشان دينا
    فخرجوا يتساقطون بكل طريق ويهلكون بكل مهلك على كل منهل وأصيب أبرهة في جسده وخرجوا به معهم يسقط [أنامله] أنملة أنملة كلما سقطت أنملة أتبعتها منه مدة تمث3 قيحا ودما، حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون.
    قال ابن إسحاق: حدثني يعقوب بن عتبة أنه حدث.
    أن أول ما رئيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام وأنه أول ما رئي بها مرائر الشجر الحرمل والحنظل والعشر4 ذلك العام.
    ماذكر في القرآن عن قصة الفيل، وشرح ابن هشام لمفرداته:
    قال ابن إسحاق: فلما بعث الله تعالى محمدا - صلى الله عليه وسلم - كان مما يعد الله على قريش من نعمته عليهم وفضله ما رد عنهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم، فقال الله
    __________
    وطمطم ويذكر عن الأخفش طمطم بفتح الطاء.
    ـــــــ
    1 ردين مرخم ردينة وهو اسم امرأة.
    2 المصحف موضع فيما بين مكة ومنى.
    3 مث يمث: رشح.
    4 شجر مر له صمغ ولبن وتعالج بلبنة الجلود قبل الدباغ.
    (1/154)
    تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ
    وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: 1-5]. وقال {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 1 – 4]. أي لئلا يغير شيئا من حالهم التي كانوا عليها، لما أراد الله بهم من الخير لو قبلوه.
    قال ابن هشام: الأبابيل الجماعات ولم تتكلم لها العرب بواحد علمناه1 وأما السجيل فأخبرني يونس النحوي وأبو عبيدة أنه عند العرب: الشديد الصلب قال رؤبة بن العجاج:
    ومسهم ما مس أصحاب الفيل ... ترميهم حجار من سجيل
    ولعبت طير بهم أبابيل
    وهذه الأبيات في أرجوزة له. ذكر بعض المفسرين أنهما كلمتان بالفارسية جعلتهما العرب كلمة واحدة وإنما هو سنج وجل يعني بالسنج الحجر، وبالجل الطين يعني: الحجارة من هذين الجنسين الحجر والطين. والعصف ورق الزرع الذي لم يعصف وواحدته عصفة. قال وأخبرني أبو عبيدة النحوي أنه يقال له العصافة والعصيفة. وأنشدني لعلقمة بن عبدة أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم:
    تسقى مذانب قد مالت عصيفتها ... جدورها من أتي الماء مطموم2
    ـــــــ
    وقوله عبى جيشه. يقال عبيت الجيش بغير همزة وعبأت المتاع بالهمز وقد حكي عبأت الجيش بالهمز وهو قليل.
    ـــــــ
    1 وقيل: إن واحدها أبيل وأبول وإبالة.
    2 المذانب: جمع مذنب وهو مسيل الماء إلى الروضة. حدورها: بالحاء المهملة أي ما انحدر منها ويروى جدورها جمع جدر، وهي الحواجز التي تحبس الماء. الأتي : السيل يأتي من بلد بعيد. مطموم: مرتفع.
    (1/155)
    وهذا البيت في قصيدة له. وقال الراجز:
    فصيروا مثل كعصف مأكول
    قال ابن هشام: ولهذا البيت تفسير في النحو.
    __________
    وقوله فبرك الفيل. فيه نظر لأن الفيل لا يبرك فيحتمل أن يكون بروكه سقوطه إلى الأرض لما جاءه من أمر الله سبحانه ويحتمل أن يكون فعل فعل البارك الذي يلزم موضعه ولا يبرح فعبر بالبروك عن ذلك وقد سمعت من يقول إن في الفيلة صنفا منها يبرك كما يبرك الجمل فإن صح وإلا فتأويله ما قدمناه.
    والأسود بن مقصود صاحب الفيل هو الأسود بن مقصود بن الحارث بن منبه بن مالك بن كعب بن الحارث بن كعب بن عمرو بن علة ويقال فيه عله على وزن عمر ابن خالد1 بن مذجج وكان الأسود قد بعثه النجاشي مع الفيلة والجيش وكانت الفيلة ثلاثة عشر فيلا، فهلكت كلها إلا محمودا، وهو فيل النجاشي ; من أجل أنه أبى من التوجه إلى الحرم والله أعلم.
    ونفيل الذي ذكره هو نفيل بن عبد الله بن جزء بن عامر بن مالك بن واهب بن جليحة بن أكلب بن ربيعة بن عفرس بن جلف2 بن أفتل وهو خثعم. كذلك نسبه البرقي. وفي الكتاب نفيل بن حبيب ونفيل من المسمين بالنبات قاله أبو حنيفة. وقال هو تصغير نفل وهو نبت مسلنطح3 على الأرض.
    وذكر النقاش أن الطير كانت أنيابها كأنياب السبع وأكفها كأكف الكلاب وذكر البرقي أن ابن عباس قال "أصغر الحجارة كرأس الإنسان وكبارها كالإبل" وهذا الذي ذكره البرقي ذكره ابن إسحاق في رواية يونس عنه. وفي تفسير النقاش أن
    ـــــــ
    1 في "الاشتقاق" و"جمهرة ابن حزم": جلد بفتح الجيم وسكون اللام.
    2 في "جمهرة ابن حزم":حلف بالحاء المضمومة واللام الساكنة أو حلف بفتح الحاء وكسر اللام. وبنو عفرس في "جمهرة ابن حزم" هما: ناهس وشهران.
    3 يعني أنه منبسط على الأرض.
    (1/156)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    السيل احتمل جثثهم فألقاها في البحر وكانت قصة الفيل أول المحرم من سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة من تاريخ ذي القرنين.
    وقوله فضربوا رأسه بالطبرزين هكذا تقيد في نسخة الشيخ أبي بحر بسكون الباء وذكره البكري في المعجم وأن الأصل فيه طبرزين بفتح الباء وقال طبر هو الفأس وذكر طبرستان بفتح الباء وقال معناه شجر قطع بفأس لأنها قبل أن تبنى كانت شجراء فقطعت ولم يقل في طبرية مثل هذا. قال ولكنها نسبت إلى طباراء وهو اسم الملك الذي بناها، وقد ألفيته في شعر قديم طبرزين - بفتح الباء - كما قال البكري، وجائز في طبرزين - وإن كان ما ذكر أن تسكن الباء - لأن العرب تتلاعب بالأسماء الأعجمية تلاعبا لا يقرها على حال. قاله ابن جني.
    وقوله فبزغوه أي أدموه ومنه سمي المبزغ وفي رواية يونس عن ابن إسحاق أن الفيل ربض فجعلوا يقسمون بالله أنهم رادوه إلى اليمن، فحرك لهم أذنيه كأنه يأخذ عليهم عهدا بذلك فإذا أقسموا له قام يهرول فيردونه إلى مكة، فيربض فيحلفون له فيحرك لهم أذنيه كالمؤكد عليهم ففعلوا ذلك مرارا.
    وقوله أمثال الحمص والعدس يقال حمص، وحمص، كما يقال جلق وجلق قاله الزبيدي، ولم يذكر أبو حنيفة في الحمص إلا الفتح وليس لهما نظير في الأبنية إلا الحلزة وهو القصير1 وقال ابن الأنباري الحلز البخيل بتشديد الزاي، وصوب القالي هذه الرواية في الغريب المصنف لأن فعلا بالتشديد ليس من الصفات عند سيبويه.
    ويعني بمماثلة الحجارة للحمص أنها على شكلها - والله أعلم - لأنه قد روي أنها كانت ضخاما تكسر الرءوس وروي أن مخالب الطير كانت كأكف الكلاب - والله أعلم - وفي رواية يونس عن ابن إسحاق قال جاءتهم طير من
    ـــــــ
    1 والسيء الخلق، ونبات، والبوم, ودويبة.
    (1/157)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    البحر كرجال الهند، وفي رواية أخرى عنه أنهم استشعروا العذاب في ليلة ذلك اليوم لأنهم نظروا إلى النجوم كالحة إليهم تكاد تكلمهم من اقترابها منهم ففزعوا لذلك.1
    ولم تأسى على ما فات بينا
    نصب بينا نصب المصدر المؤكد لما قبله إذ كان في معناه ولم يكن على لفظه لأن فات معنى: فارق وبان كأنه قال على ما فات فوتا، أو بان بينا، ولا يصح لأن يكون مفعولا من أجله يعمل فيه تأسى، لأن الأسى باطن في القلب والبين ظاهر ولا يجوز أن يكون المفعول من أجله إلا بعكس هذا. تقول بكى أسفا، وخرج خوفا، وانطلق حرصا على كذا، ولو عكست الكلام كان خلفا من القول وهذا أحد شروط المفعول من أجله ولعل له موضعا من الكتاب فنذكره فيه.
    وقوله نعمناكم مع الإصباح عينا: دعاء أي نعمنا بكم فعدى الفعل لما حذف حرف الجر وهذا كما تقول أنعم الله بك عينا. وقوله في أول البيت ألا حييت عنا يا ردينا. هو اسم امرأة كأنها سميت بتصغير ردنة وهي القطعة من الردن وهو الحرير. ويقال لمقدم الكم ردن ولكنه مذكر وأما درينة بتقديم الدال على الراء فهو اسم للأحمق قاله الخليل.
    وقوله في خبر أبرهة تبعتها مدة تمث قيحا ودما. ألفيته في نسخة الشيخ تمث، وتمث بالضم والكسر. فعلى رواية الضم يكون الفعل متعديا، ونصب قيحا على المفعول وعلى رواية الكسر يكون غير متعد ونصب قيحا على التمييز في قول أكثرهم وهو عندنا على الحال وهو من باب تصبب عرقا، وتفقأ شحما2،
    ـــــــ
    1 كل هذه الراويات تحتاج إلى سند.
    2 مطاوع فقأ: شق الشيء وأخرج ما فيه.
    (1/158)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    وكذلك كان يقول شيخنا أبو الحسين في مثل هذا، وقد أفصح سيبويه في لفظ الحال في: ذهبن كلاكلا وصدورا1. وأشرق كاهلا، وهذا مثله ولكشف القناع عن حقيقة هذا موضع غير هذا وإنما قلنا: إن من رواه تمث بضم الميم فهو متعد كأنه مضاعف والمضاعف إذا كان متعديا كان في المستقبل مضموما نحو رده يرده إلا ما شذ منه نحو عل يعل ويعل، وهر الكأس يهر ويهر، وإذا كان غير متعد كان مكسورا في المستقبل نحو خف يخف، وفر يفر إلا ستة أفعال جاءت فيها اللغتان جميعا، وهي في أدب الكاتب وغيره2 فغنينا بذلك عن ذكرها. على أنهم قد أغفلوا: هب يهب وخب يخب وأج يؤج إذا أسرع وشك في الأمر يشك، ومعنى تمث قيحا: أي تسيل يقال فلان يمث كما يمث الزق3.
    وقوله يسقط أنملة أنملة أي ينتثر جسمه والأنملة طرف الأصبع ولكن قد يعبر بها عن طرف غير الأصبع والجزء الصغير. ففي مسند الحارث بن أبي أسامة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – إن في الشجرة شجرة هي مثل المؤمن لا تسقط لها أنملة. ثم قال هي النخلة وكذلك المؤمن لا تسقط له دعوة.
    وقوله مرائر الشجر يقال شجرة مرة ثم تجمع على مرائر كما تجمع حرة على حرائر ولا تعرف فعلة تجمع على فعائل إلا في هذين الحرفين وقياس جمعهما فعل نحو درة ودرر ولكن الحرة من النساء في معنى: الكريمة والعقيلة ونحو ذلك فأجروها مجرى ما هو في معناها من الفعيلة وكذلك المر قياسه أن يقال فيه مرير لأن المرارة في الشيء طبيعة فقياس فعله: أن يكون فعل كما
    ـــــــ
    1 شطرته الأولى: "مشق الهواجر لحمهن مع السرى".
    2 الأفعال هي: جد، وشب، وجم، وصد، وشح، وفح. انظر: "أدب الكاتب" 1/471.
    3 وعاء من جلد يجز شعره ولا ينتف –للشرب وغيره- جمعها أزقاق زقاق، ومث الرجل مثا: عرق ورؤي على جلده مثل الدهن.
    (1/159)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    تقول عذب الشيء وقبح. وعسر إذا صار عسيرا، وإذا كان قياسه فعل فقياس الصفة منه أن تكون على فعيل والأنثى: فعيلة والشيء المر عسير أكله شديد فأجروا الجمع مجرى هذه الصفات التي هي على فعيل لأنها طباع وخصال وأفعال الطباع والخصال كلها تجري هذا المجرى.
    وذكر العشر. وهو شجر مر يحمل ثمرا كالأترج وليس فيه منتفع ولبن العشر تعالج به الجلود قبل أن تجعل في المنيئة وهي المدبغة كما تعالج بالغلقة وهي شجرة وفي العشر الخرفع والخرفع وهو شبه القطن ويجنى من العشر المغافير واحدها: مغفور ومغافر وواحدها: مغفر ويقال لها: سكر العشر ولا تكون المغافير إلا فيه وفي الرمث1 وفي الثمام والثمام أكثرها لثى، وفي المثل هذا الجنى لا أن يكد المغفر من كتاب أبي حنيفة.
    وذكر ابن هشام: الأبابيل وقال لم يسمع لها بواحد وقال غيره واحدها: إباله وإبول وزاد ابن عزيز وإبيل وأنشد ابن هشام لرؤبة
    وصيروا مثل كعصف مأكول
    وقال ولهذا البيت تفسير في النحو وتفسيره أن الكاف تكون حرف جر وتكون اسما بمعنى: مثل ويدلك أنها حرف وقوعها صلة للذي ; لأنك تقول رأيت الذي كزيد ولو قلت: الذي مثل زيد لم يحسن ويدلك أنها تكون اسما دخول حرف الجر عليها، كقوله ورحنا بكابن الماء ينفض رأسه. ودخول الكاف عليها، وأنشدوا: وصاليات ككما يؤثفين [أو يؤثفين]. وإذا دخلت على مثل كقوله تعالى : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] فهي إذا حرف إذ لا يستقيم أن يقال مثل مثله وكذلك هي حرف في بيت رؤبة "مثل كعصف" لكنها مقحمة لتأكيد التشبيه كما أقحموا اللام من قوله يا بؤس للحرب ولا يجوز أن يقحم حرف من
    ـــــــ
    1 الرمث: مرعى للإبل من الحمض وشجر يشبه الغضا.
    (1/160)
    حروف الجر سوى اللام والكاف أما اللام فلأنها تعطي بنفسها معنى الإضافة فلم تغير معناها، وكذلك الكاف تعطي معنى التشبيه فأقحمت لتأكيد معنى المماثلة غير أن دخول مثل عليها كما في بيت رؤبة قبيح ودخولها على مثل كما في القرآن أحسن شيء لأنها حرف جر تعمل في الاسم والاسم لا يعمل فيها، فلا يتقدم عليها إلا أن يقحمها كما أقحمت اللام.
    وأنشد شاهدا على العصيفة قول علقمة، وآخره:
    حدورها من أتي الماء مطموم.
    وهذا البيت أنشده أبو حنيفة في النبات جدورها: هو جمع جدر بالجيم وهي الحواجز التي تحبس الماء ويقال للجدر حباس1 أيضا: وفي الحديث "أمسك الماء حتى يبلغ الجدر ثم أرسله". وقد ذكر غيره رواية الجيم وقال إنما قال جدورها من أتي الماء مطموم. وأفرد الخبر، لأنه رده على كل واحد من الجدر كما قال الآخر:
    ترى جوانبها بالشحم مفتوقا
    أي: ترى كل جانب فيها.
    فصل:
    ويقال للعصيفة أيضا: أذنة2 ولما تحيط به الجدور التي تمسك الماء دبرة وحبس ومشارة ولمفتح الماء منها: آغية بالتخفيف والتثقيل [أو أتي].
    ـــــــ
    1 في "القاموس": حبس بكسر الحاء خشبة أو حجارة تبنى في مجرى الماء لتحبسه.
    2 هي ورقة الحنة أول ما تنبت وخوصة الثمام والتبنة.
    (1/161)
    وإيلاف قريش: إيلافهم الخروج إلى الشام في تجارتهم وكانت لهم خرجتان خرجة في الشتاء وخرجة في الصيف. أخبرني أبو زيد الأنصاري: أن العرب تقول ألفت الشيء إلفا، وآلفته إيلافا، في معنى واحد وأنشدني لذي الرمة:
    من المؤلفات الرمل أدماء حرة1 ... شعاع الضحى في لونها يتوضح
    وهذا البيت في قصيدة له. وقال مطرود بن كعب الخزاعي:
    المنعمين إذا النجوم تغيرت ... والظاعنين لرحلة الإيلاف
    ـــــــ
    وذكر إيلاف قريش للرحلتين وقال هو مصدر ألفت الشيء وآلفته فجعله من الإلف للشيء وفيه تفسير آخر أليق لأن السفر قطعة من العذاب ولا تألفه النفس وإنما تألف الدعة والكينونة مع الأهل. قال الهروي: هي حبال أي عهود كانت بينهم وبين ملوك العجم، فكان هاشم يؤالف إلى ملك الشام، وكان المطلب يؤالف إلى كسرى، والآخران يؤالفان أحدهما إلى ملك مصر، والآخر إلى ملك الحبشة، وهما: عبد شمس ونوفل. قال ومعنى يؤالف يعاهد ويصالح ونحو هذا، فيكون الفعل منه أيضا آلف على وزن فاعل والمصدر إلافا بغير ياء مثل قتالا، ويكون الفعل منه أيضا آلف على وزن أفعل مثل آمن ويكون المصدر إيلافا بالياء مثل إيمانا، وقد قرئ لإلاف قريش بغير ياء ولو كان من آلفت الشيء على وزن أفعلت إذا ألفته لم تكن هذه القراءة صحيحة وقد قرأها ابن عامر فدل هذا على صحة ما قاله الهروي، وقد حكاه عمن تقدمه. وظاهر كلام ابن إسحاق أن اللام من قوله تعالى: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} متعلقة بقوله سبحانه {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} وقد قاله غيره ومذهب الخليل وسيبويه: أنها متعلقة بقوله: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} أي فليعبدوه من أجل ما فعل بهم. وقال قوم هي لام التعجب وهي متعلقة بمضمر كأنه قال اعجب لإيلاف قريش، كما قال - صلى الله عليه وسلم - في سعد بن معاذ - رضي الله عنه - حين دفن "سبحان الله لهذا العبد
    ـــــــ
    1 الأدماء من الظباء: السمراء الظهر البيضاء البطن.
    (1/162)
    وهذا البيت في أبيات له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى. والإيلاف أيضا: أن يكون للإنسان ألف من الإبل أو البقر أو الغنم أو غير ذلك. يقال آلف فلان إيلافا. قال الكميت بن زيد، أحد بني أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار معد:
    بعام يقول له المؤلفو ... ن هذا المعيم لنا المرجل1
    وهذا البيت في قصيدة له. والإيلاف أيضا: أن يصير القوم ألفا، يقال آلف القوم إيلافا. قال الكميت بن زيد:
    وآل مزيقياء غداة لاقوا ... بني سعد بن ضبة مؤلفينا
    وهذا البيت في قصيدة له. والإيلاف أيضا: أن تؤلف الشيء إلى الشيء فيألفه ويلزمه يقال آلفته إياه إيلافا. والإيلاف أيضا: أن تصير ما دون الألف ألفا، يقال آلفته إيلافا.
    ما أصاب قائد الفيل وسائسه:
    قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة2 ابنة عبد الرحمن بن
    __________
    الصالح ضم في قبره حتى فرج الله عنه!!". وقال في عبد حبشي مات بالمدينة "لهذا العبد الحبشي جاء من أرضه وسمائه إلى الأرض التي خلق منها". أي اعجبوا لهذا العبد الصالح. وأنشد للكميت:
    بعام يقول له المؤلفو ... ن أهذا المعيم لنا المرجل
    المؤلف صاحب الألف من الإبل كما ذكر والمعيم بالميم من العيمة
    ـــــــ
    1 المعيم: من العيمة وهي الشوق إلى اللبن, ولمرجل: الذي تذهب إبله فيمشي على رجليه.
    2 هي عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية الفقيهة، وكانت حجة توفيت [98هـ] وقيل [106هـ].
    (1/163)
    سعد1 بن زرارة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت
    "لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان الناس".
    ـــــــ
    أي تجعل تلك السنة صاحب الألف من الإبل يعام إلى اللبن وترجله فيمشي راجلا، لعجف الدواب وهزالها.
    وذكر قول ابن الزبعرى:
    تنكلوا عن بطن مكة
    البيت. ونسبه إلى عدي بن سعيد بن سهم وكرر هذا النسب في كتابه مرارا وهو خطأ والصواب سعد بن سهم وإنما سعيد أخو سعد وهو في نسب عمرو بن العاص بن وائل وقد أنشد في الكتاب ما يدل على خلاف قوله وهو قول المبرق وهو عبد الله بن الحارث بن عدي بن سعد:
    فإن تك كانت في عدي أمانة ... عدي بن سعد في الخطوب الأوائل
    فقال عدي بن سعد ولم يقل سعيد وكذلك ذكره الواقدي والزبيريون وغيرهم.
    ـــــــ
    1 استشهد عبد الله يوم الطائف وستأتي قصيدته في الحديث عن المهاجرين.
    (1/164)
    ما قيل في صفة الفيل من الشعر
    ...
    ما قيل في صفة الفيل من الشعر
    قال ابن إسحاق: فلما رد الله الحبشة عن مكة، وأصابهم بما أصابهم به من النقمة أعظمت العرب قريشا، وقالوا: هم أهل الله قاتل الله عنهم وكفاهم مئونة عدوهم فقالوا في ذلك أشعارا يذكرون فيها ما صنع الله بالحبشة وما رد عن قريش من كيدهم.
    ـــــــ
    حول الشعر الذي قيل في الفيل :
    وقوله: تنكلوا عن بطن مكة إنها. وهذا خرم في الكامل وقد وجد في غير هذا البيت
    في أشعار هذا الكتاب الخرم في الكامل ولا يبعد أن يدخل الخرم في
    (1/164)
    شعر ابن الزبعري في وقعة الفيل:
    فقال عبد الله بن الزبعرى بن عدي بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر:
    تنكلوا عن بطن مكة إنها ... كانت قديما لا يرام حريمها
    لم تخلق الشعرى ليالي حرمت ... إذ لا عزيز من الأنام يرومها1
    سائل أمير الجيش عنها ما رأى ... ولسوف ينبي الجاهلين عليمها
    ستون ألفا لم يئوبوا أرضهم ... ولم يعش بعد الإياب سقيمها
    كانت بها عاد وجرهم قبلهم ... والله من فوق العباد يقيمها
    قال ابن إسحاق: يعني ابن الزبعرى بقوله:
    ... بعد الإياب سقيمها
    أبرهة، إذ حملوه معهم حين أصابه ما أصابه حتى مات بصنعاء.
    شعر ابن الأسلت في وقعة الفيل:
    وقال أبو قيس بن الأسلت الأنصاري ثم الخطمي، واسمه صيفي. قال ابن هشام: أبو قيس: صيفي بن الأسلت بن جشم بن وائل بن زيد بن قيس بن عامرة2 بن مرة بن مالك بن الأوس:
    ومن صنعه يوم فيل الحبو ... ش إذ كلما بعثوه رزم3
    محاجنهم تحت أقرابه ... وقد شرموا أنفه فانخرم4
    وقد جعلوا سوطه مغولا ... إذا يمموه قفاه كلم
    فولى وأدبر أدراجه ... وقد باء بالظلم من كان ثم
    ـــــــ
    1 الشعري: اسم النجم.
    2 كذا في "شرح السيرة" لأبي ذر، وفي الأصول: "عامر" وهو تحريف.
    3 رزم: ثبت بمكانه فلم يبرحه، وأكثر ما يكون ذلك من الإعياء.
    4 أقرابه: جمع قرب وهو الخصر. شرموا: شقوا.
    (1/165)
    فأرسل من فوقهم حاصبا ... فلفهم مثل لف القزم
    تجض على الصبر أحبارهم ... وقد ثأجوا كثؤاج الغنم
    قال ابن هشام: وهذه الأبيات في قصيدة له.
    والقصيدة أيضا تروى لأمية بن أبي الصلت.
    قال ابن إسحاق: وقال أبو قيس بن الأسلت
    فقوموا فصلوا ربكم وتمسحوا ... بأركان هذا البيت بين الأخاشب1
    فعندكم منه بلاء مصدق ... غداة أبي يكسوم هادي الكتائب
    كتيبته بالسهل تمسي، ورجله ... على القادفات في رءوس المناقب2
    فلما أتاكم نصر ذي العرش ردهم ... جنود المليك بين ساف وحاصب3
    فولوا سراعا هاربين ولم يؤب ... إلى أهله ملحبش غير عصائب
    قال ابن هشام: أنشدني أبو زيد الأنصاري قوله:
    على القاذفات في رءوس المناقب
    وهذه الأبيات في قصيدة لأبي قيس، سأذكرها في موضعها إن شاء الله. وقوله "غداة أبي يكسوم ": يعني: أبرهة كان يكنى أبا يكسوم.
    شعر طالب في وقعة الفيل:
    قال ابن إسحاق: وقال طالب بن أبي طالب بن عبد المطلب:
    ألم تعلموا ما كان في حرب داحس ... وجيش أبي يكسوم إذ ملئوا الشعبا4
    فلولا دفاع الله لا شيء غيره ... لأصبحتم لا تمنعون لكم سربا
    قال ابن هشام: وهذان البيتان في قصيدة له في يوم بدر سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى.
    ـــــــ
    1 صلوا ربكم: ادعوا ربكم. الأخاشب: جبال مكة وجبال منى.
    2 القاذفات: أعالي الجبال البعيدة. والمناقب: جمع منقبة، وهي الطريق في رأس الجبل.
    3 ساف: الذي غطاه التراب. والحاصب: الذي أصابته الحجارة.
    4 داحس: اسم فرس مشهور، وكانت حرب بسببه.
    (1/166)
    شعر أبي الصلت في وقعة الفيل:
    قال ابن إسحاق: وقال أبو الصلت بن أبي ربيعة الثقفي في شأن الفيل ويذكر الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام. قال ابن هشام: تروى لأمية بن أبي الصلت بن أبي ربيعة الثقفي:
    إن آيات ربنا ثاقبات ... لا يماري فيهن إلا الكفور
    خلق الليل والنهار فكل ... مستبين حسابه مقدور
    ثم يجلو النهار رب رحيم ... بمهاة شعاعها منشور1
    حبس الفيل بالمغمس حتى ... ظل يحبو كأنه معقور
    لازما حلقة الجران كما قط ... ر من صخر كبكب محدور2
    حوله من ملوك كندة أبطا ... ل ملاويث في الحروب صقور3
    خلفوه ثم ابذعروا جميعا ... كلهم عظم ساقه مكسور4
    كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنيفة بور.
    شعر الفرزدق في وقعة الفيل:
    قال ابن هشام: وقال الفرزدق - واسمه هشام بن غالب أحد بني مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم - يمدح سليمان بن عبد الملك بن مروان، ويهجو الحجاج بن يوسف ويذكر الفيل وجيشه:
    فلما طغى الحجاج حين طغى به غنى ... قال إني مرتق في السلالم
    فكان كما قال ابن نوح سأرتقي ... إلى جبل من خشية الماء عاصم
    رمى الله في جثمانه مثل ما رمى ... عن القبلة البيضاء ذات المحارم
    جنودا تسوق الفيل حتى أعادهم ... هباء وكانوا مطرخمي الطراخم
    نصرت كنصر البيت إذ ساق فيله ... إليه عظيم المشركين الأعاجم
    ـــــــ
    1 المهاة: الشمس، سميت بذلك لصفائها، والمها من الأجسام التي يرى باطنه من ظاهره.
    2 الجران: الصدر. والقطر الجانب. وكبكب: اسم جبل. والمحدور: الحجر الذي انحدر حتى بلغ الأرض.
    3 ملاويث: أشداء.
    4 ابذعروا: تفرقوا.
    (1/167)
    وهذه الأبيات في قصيدة له:
    شعر ابن الرقيات في وقعة الفيل:
    قال ابن هشام: وقال عبد الله بن قيس الرقيات. أحد بني عامر بن لؤي بن غالب يذكر أبرهة - وهو الأشرم - والفيل \
    كاده الأشرم الذي جاء بالفي ... ل فولى وجيشه مهزوم
    واستهلت عليهم الطير بالجند ... ل حتى كأنه مرجوم
    ذاك من يغزه من الناس يرجع ... وهو فل من الجيوش ذميم1
    وهذه الأبيات في قصيدة له.
    ملك يكسوم ثم مسروق على اليمن:
    قال ابن إسحاق: فلما هلك أبرهة، ملك الحبشة ابنه يكسوم بن أبرهة وبه كان يكنى، فلما هلك يكسوم بن أبرهة ملك اليمن في الحبشة أخوه مسروق بن أبرهة.
    __________
    متفاعل فيحذف من السبب حرف كما حذف من الوتد في الطويل حرف وإذا وجد حذف السبب الثقيل كله فأحرى أن يجوز حذف حرف منه وذلك في قول ابن مفرغ:
    هامة تدعو صدى ... بين المشقر واليمامة2
    وهو من المرفل والمرفل من الكامل. ألا ترى أن قبله:
    وشريت بردا ليتني ... من بعد برد كنت هامة
    ـــــــ
    1 الفل: الجيش المنهزم.
    2 الهامة: من طير الليل، وهو الصدى وكانت العرب تزعم أن روح القتيل الذي لا يدرك بثأره تصير هامة، فترقو عند قبره قائلة اسقوني فإذا أدرك بثأره طارت.
    (1/168)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    فالمحذوف من الطويل إذا خرم حرف من وتد مجموع والمحذوف من الكامل إذا خرم حرف من سبب ثقيل بعده سبب خفيف ولما كان الإضمار فيه كثيرا، وهو إسكان التاء من متفاعلن فمن ثم قال أبو علي لا يجوز فيه الخرم لأن ذلك يئول إلى الابتداء بساكن وهذا الكلام لمن تدبره بارد غث ; لأن الكلمة التي يدخلها الخرم لم يكن قط فيها إضمار نحو تنكلوا عن بطن مكة، والتي يدخلها الإضمار لا يتصور فيها الخرم نحو لا يبعدن قومي، ونحو قوله "لم تخلق الشعرى ليالي حرمت" فتعليله في هذا الشعر إذا لا يفيد شيئا، وما أبعد العرب من الالتفات إلى هذه الأغراض التي يستعملها بعض النحاة وهي أوهى من نسج الخزرنق1.
    وقوله:
    لم تخلق الشعرى ليالي حرمت
    إن كان ابن الزبعرى قال هذا في الإسلام فهو منتزع من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "إن الله حرم مكة، ولم يحرمها الناس". ومن قوله في حديث آخر "إن الله حرمها يوم خلق السموات والأرض"2، والتربة خلقت قبل خلق الكواكب وإن كان ابن الزبعرى، قال هذا في الجاهلية فإنما أخذه - والله أعلم - من الكتاب الذي وجدوه في الحجر بالخط المسند3 حين بنوا الكعبة، وفيه"أنا الله رب مكة خلقتها يوم خلقت السموات والأرض" الحديث. وقوله "ولم يعش بعد الإياب سقيمها "هكذا في النسخة المقيدة على أبي الوليد المقابلة بالأصلين اللذين كانا عنده وقابلها أبو بحر - رحمه الله – بهما
    ـــــــ
    1 الخزرنق: العنكبوت.
    2 أخرجهما البخاري ومسلم.
    3 أي خط حمير.
    (1/169)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    مرتين وحسب بعضهم أنه كسر في البيت فزاد من قبل نفسه فقال بل لم يعش. فأفسد المعنى، وإنما هو خرم1 في أول القسم من عجز البيت كما كان في الصدر من أول بيت منها.
    وقول قيس بن الأسلت: مثل لف القزم. القزم: صغار الغنم. ويقال رذال المال ورزم: ثبت ولزم موضعه، وأرزم من الرزيم وهو صوت ليس بالقوي وكذلك صوت الفيل ضئيل على عظم خلقته ويفرق من الهر وينفر منه وقد احتيل على الفيلة في بعض الحروب مع الهند. أحضرت لها الهرة فذعرت وولت وكان سببا لهزيمة القوم. ذكره المسعودي، ونسب هذه الحيلة إلى هارون بن موسى حين غزا بلاد الهند، وأول من ذلل الفيلة - فيما قال الطبري - أفريدون بن أثفيان ومعنى أثفيان صاحب البقر وهو أول من نتج البغال واتخذ للخيل السروج والوكف2 - فيما ذكروا - وأما أول من سخر الخيل وركبها "فطمهورث" وهو الثالث من ملوك الأرض - فيما زعموا - وثؤاج الغنم صوتها، ووقع في النسخة ثجوا، وعليه مكتوب الصواب ثأجوا كثؤاج الغنم.
    وقول ابن الأسلت فقوموا، فصلوا ربكم وتمسخوا. سيأتي شرح هذه الأبيات في القصيدة حيث يذكرها ابن إسحاق بكمالها - إن شاء الله.
    وذكر قول طالب بن أبي طالب: "فأصبحتم لا تمنعون لكم سربا" ويروى سربا بالكسر والسرب بالفتح المال الراعي، والسرب بالكسر القطيع من البقر والظباء ومن النساء أيضا. قال الشاعر:
    فلم تر عيني مثل سرب رأيته ... خرجن علينا من زقاق ابن واقف
    ـــــــ
    1 هو وقص في اصطلاح العروضيين.
    2 الوكف: جمع وكاف، وهو بردعة الحمار.
    (1/170)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    وطالب بن أبي طالب كان أسن من عقيل بعشرة أعوام وكان عقيل أسن من جعفر بعشرة أعوام وجعفر أسن من علي - رضي الله عنه - بمثل ذلك وذكروا أن طالبا اختطفته الجن، فذهب ولم يذكر أنه أسلم1.
    وذكر شعر أبي الصلت واسمه ربيعة بن وهب بن علاج. وفيه حبس الفيل بالمغمس وأن كسر الميم الآخرة أشهر فيه. وفيه بمهاة شعاعها منشور. والمهاة الشمس سميت بذلك لصفائها، والمهامن الأجسام الصافي الذي يرى باطنه من ظاهره. والمهاة البلورة والمهاة الظبية. ومن أسماء الشمس الغزالة إذا ارتفعت فهذا في معنى المهاة. ومن أسمائها: البتيراء. سئل علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - عن وقت صلاة الضحى، فقال: "حتى ترتفع البتيراء" ذكره الهروي والخطابي، ومن أسمائها: حناذ وبراح والضح وذكاء والجارية والبيضاء وبوح ويقال يوح بالياء وهو قول الفارسي وبالباء ذكره ابن الأنباري والشرق والسراج.
    وقوله: "حلقه الجران" الجران العنق2 يريد ألقى بجرانه إلى الأرض وهذا يقوي أنه برك كما تقدم ألا تراه يقول كما قطر 3من صخر كبكب، وهو جبل. محدور أي حجر حدر حتى بلغ الأرض.
    وقوله: ابذعروا4: تفرقوا من ذعر وهي كلمة منحوتة من أصلين من البذر والذعر. وقوله إلا دين الحنيفة. يريد بالحنيفة الأمة الحنيفة أي المسلمة التي
    ـــــــ
    1 وهذا من الخرافات التي تحتاج إلى توثيق.
    2 باطن العنق من البعير وغيره ومقدم عنقه.
    3 رمى به على جانبه.
    4 ابذعرت الخيل: ركضت تبادر شيئاً تطلبه.
    (1/171)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    على دين إبراهيم الحنيف - صلى الله عليه وسلم - وذلك أنه حنف عن اليهودية والنصرانية، أي عدل عنها، فسمي حنيفا، أو حنف عما كان يعبد آباؤه وقومه.
    وقوله في شعر الفرزدق: كما قال ابن نوح. اسمه يام، وقيل كنعان.
    وقوله: "مطرخمي الطراخم" المطرخم: الممتلئ كبرا أو غضبا. والطراخم جمع مطرخم على قياس الجمع فإن المطرخم اسم من ستة أحرف فيحذف منه في الجمع والتصغير ما فيه من الزوائد وفيه زائدتان الميم الأولى، والميم المدغمة في الميم الآخرة لأن الحرف المضاعف حرفان يقال في تصغير مطرخم طريخم وفي جمعه طراخم وفي مسبطر سباطر1 وذكره يعقوب في الألفاظ بالغين فقال اطرغم الرجل ولم يذكر الخاء.
    وذكر عبد الله بن قيس الرقيات. واختلف في تلقيبه قيس الرقيات فقيل كان له ثلاث جدات كلهن رقية فمن قال فيه ابن الرقيات فإنه نسبه إلى جداته ومن قال قيس الرقيات دون ذكر ابن فإنه نسبة وقيل بل شبب بثلاث نسوة كلهن تسمى: رقية وقيل بل ببيت قاله وهو "رقية ما رقية ما رقية أيها الرجل". وقال الزبير كان يشبب برقية بنت عبد الواحد بن أبي السرح من بني ضباب بن حجير بن عبد بن معيص وبابنة عم لها اسمها رقية وهو ابن قيس بن شريح من بني حجير أيضا، وحجير أخو حجر بن عبد بن معيص بن عامر رهط عمرو بن أم مكتوم الأعمى.
    وقوله: "حتى كأنه مرجوم" وهو قد رجم فكيف شبهه بالمرجوم وهو مرجوم بالحجارة وهل يجوز أن يقال في مقتول كأنه مقتول؟ فنقول لما ذكر استهلال الطير وجعلها كالسحاب يستهل بالمطر والمطر ليس برجم وإنما الرجم بالأكف ونحوها، شبهه بالمرجوم الذي يرجمه الآدميون أو من يعقل ويتعمد الرجم من عدو ونحوه فعند ذلك يكون المقتول بالحجارة مرجوما على الحقيقة ولما لم يكن جيش الحبشة كذلك وإنما أمطروا حجارة فمن ثم قال كأنه مرجوم
    ـــــــ
    1 سبطر: اضطجع وامتد، واسبطر في السير أسرع فيه، واسبطرت البلاد: استقامت.
    (1/172)
    خروج سيف بن ذي يزن وملك وهرز على اليمن:
    ...
    خروج سيف بن ذي يزن وملك وهرز على اليمن:
    ابن ذي يزن عند قيصر: ابن ابن
    فلما طال البلاء على أهل اليمن، خرج سيف بن ذي يزن الحميري وكان يكنى بأبي مرة حتى قدم على قيصر ملك الروم، فشكا إليه ما هم فيه وسأله أن يخرجهم عنه ويليهم هو ويبعث إليهم من شاء من الروم، فيكون له ملك اليمن، فلم يشكه [ولم يجد عنده شيئاً مما يريد].
    توسط النعمان لابنذي يزن لدى كسرى:
    فخرج حتى أتى النعمان بن المنذر - وهو عامل كسرى1 على الحيرة، وما يليها
    ـــــــ
    سيف بن ذي يزن وكسرى وذكر سيف بن ذي يزن وخبره مع النعمان وكسرى، وقد ذكرنا قصته في أول حديث الحبشة، وأنه مات عند كسرى، وقام ابنه مقامه في الطلب وهو سيف بن ذي يزن بن ذي أصبح2 بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن العرنجح وهو: حمير بن سبأ، وكسرى هذا هو أنوشروان بن قباذ ومعناه مجدد الملك لأنه جمع ملك فارس بعد شتات. والنعمان اسم منقول من النعمان الذي هو الدم. قاله صاحب العين والقنقل الذي شبه به التاج هو مكيال عظيم. قال الراجز يصف الكمأة:
    ما لك لا تجرفها بالقنقل ... لا خير في الكمأة إن لم تفعل
    ـــــــ
    1 هو أنو شروان ومعناه مجدد الملك، لأنه جمع ملك فارس الكبير بعد شتات.
    2 قال في "الاشتقاق" يزن: موضع. يقال ذو أزأ وذو يزن, وهو أول من اتخذ أسنة الحديد فنسبت إليه يقال للأسنة يزني، وأزني، يزأني، وإنما كانت أسنة العرب قرون البقر، وإلى ذي أصبح نسب السوط فقيل: الأصبحي.
    (1/173)
    من أرض العراق - فشكا إليه أمر الحبشة، فقال له النعمان إن لي على كسرى وفادة في كل عام فأقم حتى يكون ذلك ففعل ثم خرج معه فأدخله على كسرى، وكان كسرى يجلس في إيوان مجلسه الذي فيه تاجه وكان تاجه مثل القنقل العظيم - فيما يزعمون - يضرب فيه الياقوت واللؤلؤ والزبرجد بالذهب والفضة معلقا بسلسلة من ذهب في رأس طاقة في مجلسه ذلك وكانت عنقه لا تحمل تاجه إنما يستر بالثياب حتى يجلس في مجلسه ذلك ثم يدخل رأسه في تاجه فإذا استوى في مجلسه كشفت عنه الثياب فلا يراه رجل لم يره قبل ذلك إلا برك هيبة له فلما دخل عليه سيف بن ذي يزن برك.
    ابن ذي يزن بين يدي كسرى، ومعاونة كسرى له:
    قال ابن هشام: حدثني أبو عبيدة:
    أن سيفا لما دخل عليه طأطأ رأسه فقال الملك إن هذا الأحمق يدخل علي من هذا الباب الطويل ثم يطأطئ رأسه؟ فقيل ذلك لسيف فقال إنما فعلت هذا لهمي، لأنه يضيق عنه كل شيء.
    قال ابن إسحاق: ثم قال له أيها الملك غلبتنا على بلادنا الأغربة، فقال له كسرى: أي الأغربة: الحبشة أم السند؟ فقال بل الحبشة، فجئتك لتنصرني، ويكون ملك بلادي لك، قال بعدت بلادك مع قلة خيرها، فلم أكن لأورط1 جيشا من فارس بأرض العرب، لا حاجة لي بذلك ثم أجازه بعشرة آلاف درهم واف وكساه كسوة حسنة فلما قبض ذلك منه سيف خرج فجعل ينثر ذلك الورق للناس فبلغ ذلك الملك فقال إن لهذا لشأنا، ثم بعث إليه فقال عمدت إلى حباء الملك تنثره للناس فقال وما أصنع بهذا؟ ما جبال أرضي التي جثت منها إلا ذهب وفضة - يرغبه فيها فجمع كسرى مرازبته2 فقال لهم ماذا ترون في أمر هذا الرجل وما
    ـــــــ
    1 لأورط: أي لأنتشب في شر، والورطة: الانتشاب في الشر.
    2 هم وزراء الفرس، واحدهم مرزبان.
    (1/174)
    جاء له؟ فقال قائل أيها الملك إن في سجونك رجالا قد حبستهم للقتل فلو أنك بعثتهم معه فإن يهلكوا كان ذلك الذي أردت بهم وإن ظفروا كان ملكا ازددته، فبعث معه كسرى من كان في سجونه وكانوا ثمانمائة رجل.
    وهرز وسيف بن ذي يزن وانتصارهما على مسروق وما قيل في ذلك من الشعر:
    واستعمل عليهم رجلا يقال له وهرز وكان ذا سن فيهم وأفضلهم حسبا وبيتا، فخرجوا في ثمان سفائن فغرقت سفينتان ووصل إلى ساحل عدن ست سفائن فجمع سيف إلى وهرز من استطاع من قومه وقال له رجلي مع رجلك حتى نموت جميعا، أو نظفر جميعا. قال له وهرز أنصفت، وخرج إليه مسروق بن أبرهة ملك اليمن، وجمع إليه جنده فأرسل إليهم وهرز ابنا له ليقاتلهم فيختبر قتالهم فقتل ابن وهرز فزاده ذلك حنقا عليهم فلما تواقف الناس على مصافهم قال وهرز أروني ملكهم فقالوا له أترى رجلا على الفيل عاقدا تاجه على رأسه بين عينيه ياقوتة حمراء؟ قال نعم قالوا: ذاك ملكهم فقال اتركوه قال فوقفوا طويلا، ثم قال علام هو؟ قالوا: قد تحول على الفرس، قال اتركوه. فوقفوا طويلا، ثم قال علام هو؟ قالوا: قد تحول على البغلة. قال وهرز بنت الحمار ذل وذل ملكه إني سأرميه فإن رأيتم أصحابه لم يتحركوا، فاثبتوا حتى أوذنكم فإني قد أخطأت الرجل وإن رأيتم القوم قد استداروا ولاثوا به فقد أصبت الرجل فاحملوا عليهم. ثم وتر قوسه وكانت فيما يزعمون لا يوترها غيره من شدتها، وأمر بحاجبيه فعصبا له ثم
    __________
    وفي "الغربيين" للهروي القنقل مكيال يسع ثلاثة وثلاثين منا1، ولم يذكر كم المنا، وأحسبه وزن رطلين وهذا التاج قد أتى به عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين استلب من يزدجرد بن شهريار تصير إليه من قبل جده أنوشروان المذكور فلما أتى به عمر رضي الله عنه دعا سراقة بن مالك المدلجي،
    ـــــــ
    1 منا: بفتح الميم، مقصور، يكتب بالألف وهو: الكيل أو الميزان الذي يوزن به، وتثنيته منا: منوان ومنيان، والأول أعلى.
    (1/175)
    رماه فصك الياقوتة التي بين عينيه فتغلغلت النشابة في رأسه حتى خرجت من قفاه، ونكس عن دابته واستدارت الحبشة ولاثت به وحملت عليهم الفرس، وانهزموا، فقتلوا وهربوا في كل وجه وأقبل وهرز ليدخل صنعاء، حتى إذا أتى بابها، قال لا تدخل رايتي منكسة أبدا، اهدموا الباب فهدم ثم دخلها ناصبا رايته فقال سيف بن ذي يزن الحميري:
    يظن الناس بالملكين ... أنهما قد التأما
    ومن يسمع بلأمهما ... فإن الخطب قد فقما
    قتلنا القيل مسروقا ... وروينا الكثيب دما1
    وإن القيل قيل النا ... س وهرز مقسم قسما
    يذوق مشعشعا حتى ... يفيء السبي والنعما2
    ـــــــ
    فحلاه بأسورة كسرى، وجعل التاج على رأسه وقال له "قل الحمد لله الذي نزع تاج كسرى، ملك الأملاك من رأسه ووضعه في رأس أعرابي من بني مدلج وذلك بعز الإسلام وبركته لا بقوتنا" وإنما خص عمر سراقة بهذا ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قال له "يا سراق كيف بك إذا وضع تاج كسرى على رأسك وإسواره في يديك" أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
    وذكر قدوم سيف مع وهرز على صنعاء في ستمائة وقد قدمنا قول ابن قتيبة أنهم كانوا سبعة آلاف وخمسمائة وانضافت إليهم قبائل من العرب.
    صنعاء:
    وذكر دخول وهرز صنعاء وهدمه بابها، وإنما كانت تسمى قبل ذلك أوال.
    ـــــــ
    1 القيل: الملك.
    2 المشعشع: الشراب الممزوج بالماء. يفيء: يغنم.
    (1/176)
    قال ابن هشام: وهذه الأبيات في أبيات له. وأنشدني خلاد بن قرة السدوسي آخرها بيتا لأعشى بني قيس بن ثعلبة في قصيدة له وغيره من أهل العلم بالشعر ينكرها له.
    قال ابن إسحاق: وقال أبو الصلت بن أبي ربيعة الثقفي، قال ابن هشام: وتروى لأمية بن أبي الصلت:
    ليطلب الوتر أمثال ابن ذي يزن ... ريم في البحر للأعداء أحوالا1
    يمم قيصر لما حان رحلته ... فلم يجد عنده بعض الذي سالا
    ثم انثنى نحو كسرى بعد عاشرة ... من السنين يهين النفس والمالا
    متى أتى ببني الأحرار يحملهم ... إنك عمري لقد أسرعت قلقالا2
    لله درهم من عصبة خرجوا ... ما إن أرى لهم في الناس أمثالا
    بيضا مرازبة غلبا أساورة ... أسدا تربب في الغيضات أشبالا3
    __________
    قال ابن الكلبي وسميت صنعاء لقول وهرز حين دخلها: صنعة صنعة يريد أن الحبشة أحكمت صنعها، قال ابن مقبل يذكر أوال:
    عمد الحداة بها لعارض قرية ... وكأنها سفن بسيف أوال4
    وقال جرير:
    وشبهت الحدوج غداة قو ... سفين الهند روح من أوالا5
    ـــــــ
    1 ريَّم: أقام، أو هو مأخوذ من رام يريم إذا برح.
    2 بنو الأحرار: الفرس. القلقال: بالكسر وبالفتح: شدة الحركة.
    3 الغلب: الشداد. أساورة: رماة الفرس. تربب: من التربية. والغيضات: جمع غيضة، وهي الشجر الكثير الملتف.
    4 العارض: ما اعترض في الأفق من سحاب أو جراد أو نحل.
    5 الحدوج: جمع حدج بكسر الحاء، مركب للنساء كالمحفة. وقو: يقال إنها منزل للقاصد إلى المدينة من البصرة بعد النباح.
    (1/177)
    يرمون عن شدف كأنها غبط ... بزمخر يعجل المرمي إعجالا1
    أرسلت أسدا على سود الكلاب فقد ... أضحى شريدهم في الأرض فلالا
    فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا ... في رأس غمدان دارا منك محلالا
    واشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم ... وأسبل اليوم في برديك إسبالا2
    تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
    ـــــــ
    وقال الأخطل:
    خوص كأن شكيمهن معلق ... بقنا ردينة أو جذوع أوال
    وقد قيل إن صنعاء اسم الذي بناها، وهو صنعاء بن أوال بن عبير بن عابر بن شالخ فكانت تعرف تارة بأوال وتارة بصنعاء.
    شرح لامية ابن أبي الصلت:
    وقوله في شعر أمية بن أبي الصلت: ريم في البحر. أي أقام فيه ومنه الروايم وهي الأثافي، كذلك وجدته في حاشية الشيخ التي عارضها بكتابي "أبي الوليد الوقشي", وهو عندي غلط لأن الروايم من رأمت إذا عطفت وريم ليس من رأم وإنما هو من الريم وهو الدرج أو من الريم الذي هو الزيادة والفضل أو من رام يريم إذا برح كأنه يريد غاب زمانا، وأحوالا، ثم رجع للأعداء وارتقى في درجات المجد أحوالا إن كان من الريم الذي هو الدرج ووجدته في غير هذا الكتاب خيم مكان ريم فهذا معناه أقام. وقوله عمري. أراد لعمري وقد قال الطائي:
    ـــــــ
    1 شدف: عظام الأشخاص، يعني بها القسي.غبط: جمع عبيط، وهي عيدان الهودج وأدواته. الزمخر: القصب اليابس.
    2 شالت نعامتهم : أهلكوا، والنعامة باطن القدم، ومن هلك ارتفعت رجلاه فظهرت نعامة قدمه.
    (1/178)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    عمري لقد نصح الزمان وإنه ... لمن العجائب ناصح لا يشفق
    وقوله: أسرعت قلقالا بفتح القاف وكسرها، وكقول الآخر "وقلقل يبغي العز كل مقلقل" وهي شدة الحركة.
    وقوله: "يرمون عن شدف كأنها غبط" الشدف الشخص ويجمع على شدف ولم يرد ههنا إلا القسي وليس شدف جمعا لشدف وإنما هو جمع شدوف وهو النشيط المرح يقال شدف فهو شدف ثم تقول شدوف كما تقول مروح وقد يستعار المرح والنشاط للقسي لحسن تأتيها وجودة رميها وإصابتها، وإنما احتجنا إلى هذا التأويل لأن فعلا لا يجمع على فعل إلا وثن ووثن فإن قلت: فيجمع على فعول مثل أسود فتقول شدوف ثم تجمع الجمع فتقول شدف قلنا: الجمع الكثير لا يجمع وإنما يجمع منه أبنية القليل. نحو أفعال وأفعل وأفعلة وأشبه ما يقال في هذا البيت إنه جمع على غير قياس هذا إن كان الشدف القسي، ويجوز أن يكون جمع شدفا على شدف مثل أسد وأسد، ثم حرك الدال وجائز أن يكون أراد المرح من الخيل كما تقدم. وجعلها كالغبط لإشراف ظهورها وعلوها.
    وقوله يرمون عن شدف أي يدفعون عنها بالرمي ويكون الزمخر القسي، أو النبل. والغبط الهوادج والزمخر القصب الفارسي.
    وقوله: في رأس غمدان. ذكر ابن هشام أن غمدان أسسه يعرب بن قحطان وأكمله بعده واحتله وائل بن حمير بن سبأ، وكان ملكا متوجا كأبيه وجده.
    وقوله: شالت نعامتهم، أي: هلكوا، والنعامة: باطن القدم وشالت ارتفعت ومن هلك ارتفعت رجلاه وانتكس رأسه فظهرت نعامة قدمه تقول العرب: تنعمت إذا مشيت حافيا، قال الشاعر:
    تنعمت لما جاءني سوء فعلهم ... ألا إنما البأساء للمتنعم
    (1/179)
    قال ابن هشام: هذا ما صح له مما روى ابن إسحاق منها، إلا آخرها بيتا قوله
    تلك المكارم لا قعبان من لبن1
    فإنه للنابغة الجعدي. واسمه [حبان بن] عبد الله بن قيس، أحد بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، في قصيدة له.
    قال ابن إسحاق: وقال عدي بن زيد الحيري، وكان أحد بني تميم. قال ابن هشام: ثم أحد بني امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم، ويقال عدي من العباد من أهل الحيرة:
    ما بعد صنعاء كان يعمرها ... ولاة ملك جزل مواهبها
    رفعها من بنى لدى قزع ال ... مزن وتندى مسكا محاربها2
    محفوفة بالجبال دون عرى ال ... كائد ما ترتقى غواربها3
    ـــــــ
    والنعامة أيضا: الظلمة والنعامة الدعامة التي تكون عليها البكرة والنعامة الجماعة من الناس وابن النعامة عرق في باطن القدم.
    النابغة وعدي بن زيد:
    وذكر النابغة الجعدي واسمه: قيس بن عبد الله وقيل إن اسمه حبان بن قيس بن عبد الله بن وحوح والوحوح في اللغة وسط الوادي، قاله أبو عبيد وأبو حنيفة وهو أحد النوابغ وهم ثمانية ذكرهم البكري، وذكر الأعاشي وهم
    ـــــــ
    1 القعبان: تثنية قعب، وهو قدح يحلب فيه.
    2 قزع: السحاب المتفرق: المزن: السحاب. المحارب:الغرف المرتفعة.
    3 يريد دون عرى السماء وأسبابها، والكائد: هو الذي كادهم، وهو الباري تعالى. والغوارب الأعالي.
    (1/180)
    يأنس فيها صوت النهام إذا ... جاوبها بالعشي قاصبها
    ساقت إليه الأسباب جند بني الأحرار فرسانها مواكبها
    وفوزت بالبغال توسق بالحتف وتسعى بها توالبها
    حتى رآها الأقوال من طرف المنقل مخضرة كتائبها
    يوم ينادون آل بربر واليكسوم لا يفلحن هاربها
    وكان يوم باقي الحديث وزا ... لت إمة ثابت مراتبها
    وبدل الفيج بالزرافة والأيا ... م جون جم عجائبها
    بعد بني تبع نخاورة ... قد اطمأنت بها مرازبها
    قال ابن هشام: وهذه الأبيات في قصيدة له. وأنشدني أبو زيد الأنصاري ورواه لي عن المفضل الضبي قوله:
    يوم ينادن آل بربر واليكسوم...الخ.
    ـــــــ
    خمسة عشر. والنابغة1 شاعر معمر عاش مائتين وأربعين سنة أكثرها في الجاهلية وقدومه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنشاده إياه ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا يفض الله فاه مشهور وفي كتب الأدب والخبر مسطور فلا معنى للإطالة به.
    وذكر شعر عدي بن زيد العبادي، نسب إلى العباد وهم من عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة، قيل إنهم انتسلوا من أربعة عبد المسيح وعبد كلال وعبد الله وعبد ياليل، وكذلك سائرهم في اسم كل واحد منهم عبد وكانوا قدموا على ملك فتسموا له فقال أنتم العباد فسموا بذلك وقد قيل غير هذا.
    وفي الحديث المسند "أبعد الناس عن الإسلام الروم والعباد"
    ـــــــ
    1 الرجل العظيم الشأن، والنوابغ من الشعراء هم: زياد بن معاوية الذبياني، وقيس بن عبد الله الجعدي، وعبد الله بن المخارق الشيباني، أو جمل بن سعدانة، ويزيد بن أباب الحارثي، وابن لأي الغنوي والحارث بن بكر اليربوعي والحارث بن عدوان التغلبي، والنابغة العدواني.
    (1/181)
    هزيمة الأحباش، ونبوءة سطيح وشق:
    وهذا الذي عنى سطيح بقوله: "يليه إرم ذي يزن، يخرج عليهم من عدن، فلا يترك أحدا منهم باليمن". والذي عنى شق بقوله: "غلام ليس بدني ولا مدن يخرج عليهم من بيت ذي يزن".
    ـــــــ
    وأحسبهم هؤلاء لأنهم تنصروا، وهم من ربيعة، ثم من بني عبد القيس والله أعلم. والذي ذكره الطبري في نسب عدي بن زيد أنه ابن زيد بن حماد بن أيوب بن مجروف بن عامر بن عصية بن امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم. وقد دخل بنو امرئ القيس بن زيد مناة في العباد. فلذلك ينسب عدي إليهم.
    وقوله: صوت النهام يريد ذكر اليوم وقاصبها: الذي يزمر في القصب. وقوله فيها: دون عرى الكائد يريد عرى السماء وأسبابها، ووقع في نسخة الشيخ عرى بفتح العين وهي الناحية وأضافها إلى الكائد وهو الذي كادهم والباري - سبحانه وتعالى - كيده متين.
    وقوله: فوزت بالبغال أي ركبت المفاوز1.
    وقوله: توسق بالحتف أي أوسق البغال الحتوف، وتوالبها: جمع تولب وهو ولد الحمار والتاء في تولب بدل من واو كما في توأم وتولج2 وفي توراة على أحد القولين لأن اشتقاق التولب من الوالبة وهي ما يولده الزرع وجمعها: أوالب.
    وقوله: من طرف المنقل أي من أعالي حصونها، والمنقال الخرج ينقل إلى الملوك من قرية إلى قرية فكأن المنقل من هذا، والله أعلم.
    وقوله: مخضرة كتائبها. يعني من الحديد ومنه الكتيبة الخضراء3.
    ـــــــ
    1 المفاوز: المهالك أو الصحاري.
    2 التولج، كناس الوحش، أي مولجة في الغابة.
    3 وهي التي غلب عليها لبس الحديد.
    (1/182)
    ذكر ما انتهى غليه أمر الفرس باليمن
    ...
    ذكر ما انتهى إليه أمر الفرس باليمن:
    ملك الحبشة في اليمن وملوكهم:
    قال ابن إسحاق: فأقام وهرز والفرس باليمن، فمن بقية ذلك الجيش من الفرس: الأبناء الذين باليمن اليوم. وكان ملك الحبشة باليمن، فيما بين أن دخلها أرياط إلى أن قتلت الفرس مسروق بن أبرهة وأخرجت الحبشة، اثنتين وسبعين سنة توارث ذلك منهم أربعة أرياط، ثم أبرهة، ثم يكسوم بن أبرهة ثم مسروق بن أبرهة.
    ملوك الفرس على اليمن:
    قال ابن هشام: ثم مات وهرز فأمر كسرى ابنه المرزبان بن وهرز على اليمن،
    ـــــــ
    وقوله: ينادون آل بربر ; لأن البربر والحبشة من ولد حام1. وقد قيل إنهم من ولد جالوت من العماليق.
    وقد قيل في جالوت إنه من الخزر، وإن أفريقس لما خرج من أرض كنعان سمع لهم بربرة وهي اختلاط الأصوات فقال ما أكثر بربرتهم فسموا بذلك وقيل غير هذا.
    وقوله والغرب أراد الغرب بضم الراء جمع: غراب وإن كان المعروف أغربة وغربان ولكن القياس لا يدفعه وعنى بهم السودان.
    وقوله وبدل الفيج بالزرافة وهو المنفرد في مشيته والزرافة الجماعة2 وقيل في الزرافة التي هي حيوان طويل العنق إنه اختلط فيها النسل بين الإبل الوحشية والبقر الوحشية والنعام وإنها متولدة من هذه الأجناس الثلاثة. وكذلك ذكر الزبيدي وغيره وأنكر الجاحظ هذا في كتاب الحيوان له وقال إنما دخل
    ـــــــ
    1 ويرد ابن حزم على ذلك بأنه ما علم النسابون لقيس عيلان ابنا اسمه: برن بفتح فتضعيف أصلاً، ولا كان لحمير طريق إلى بلاد البربر. انظر: "الجمهرة" ص461.
    2 ذكر الخشني أن الفيج: الذي يسير للسلطان بالكتب على رجليه.
    (1/183)
    ثم مات المرزبان فأمر كسرى ابنه التينجان بن المرزبان على اليمن، ثم مات التينجان فأمر كسرى ابن التينجان على اليمن، ثم عزله وأمر باذان فلم يزل باذان عليها حتى بعث الله محمدا النبي - صلى الله عليه وسلم -
    كسرى وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم:
    فبلغني عن الزهري أنه قال كتب كسرى إلى باذان: أنه بلغني أن رجلا من قريش خرج بمكة، يزعم أنه نبي، فسر إليه فاستتبه فإن تاب وإلا فابعث إلي برأسه فبعث باذان بكتاب كسرى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكتب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم – "إن الله قد وعدني أن يقتل كسرى في يوم كذا من شهر كذا" فلما أتى باذان الكتاب توقف لينظر وقال إن كان نبيا، فسيكون
    ـــــــ
    هذا الغلط عليهم من تسمية الفرس لها "اشتر - كاو - ماه1". والفرس إنما سمته بذلك لأن في خلقتها شبها من جمل ونعامة وبقرة فاشتر هو الجمل وكاو النعامة وماه البقرة والفرس تركب الأسماء وتمزج الألفاظ إذا كان في المسمى شبه من شيئين أو أشياء ويقال زرافة بتشديد الفاء حكاه أبو عبيد عن القناني.
    وقوله بعد بني تبع بجاورة. هكذا في نسخة سفيان بن أبي العاص الأسدي مصححا عليه وقد كتب في الحاشية نخاورة في الأمين وفي الحاشية النخاورة الكرام وكذلك في المسموعة على ابن هشام يعني نسختي أبي الوليد الوقشي اللتين قابل بهما مرتين ويعني بالحاشية حاشية "تينك الأمين" وأن فيهما: نخاورة بالنون والخاء المنقوطة وهم الكرام كما ذكر.
    باذان وكسرى:
    وذكر قصة باذان، وما كتب به إلى كسرى، وكسرى هذا هو أبرويز بن هرمز بن أنوشروان، ومعنى أبرويز بالعربية المظفر وهو الذي غلب الروم حين أنزل الله:
    ـــــــ
    1 انظر: كتاب "الحيوان" 7/76.ط. 1324هـ
    (1/184)
    ما قال. فقتل الله كسرى في اليوم الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    قال ابن هشام: قتل على يدي ابنه شيرويه وقال خالد بن حق الشيباني: .
    وكسرى إذ تقسمه بنوه ... بأسياف كما اقتسم اللحام1
    تمخضت المنون له بيوم ... أنى، ولكل حاملة تمام2
    إسلام باذان:
    قال الزهري: فلما بلغ ذلك باذان بعث بإسلامه3 وإسلام من معه من الفرس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت الرسل من الفرس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى من نحن يا رسول الله؟ قال "أنتم منا وإلينا أهل البيت" .
    ـــــــ
    {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} [الروم: 1-3] وهو الذي عرض على الله في المنام فقال له سلم ما في يديك إلى صاحب الهراوة فلم يزل مذعورا من ذلك حتى كتب إليه النعمان بن المنذر بظهور النبي - صلى الله عليه وسلم - بتهامة4، فعلم أن الأمر سيصير إليه حتى كان من أمره ما كان وهو الذي كتب إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وحفيده يزدجرد بن شهريار بن أبرويز وهو آخر ملوك الفرس، وكان سلب ملكه وهدم سلطانه على يدي عمر بن الخطاب، ثم قتل هو في أول خلافة عثمان، وجد مستخفيا في رحى5 فقتل وطرح في قناة الرحى، وذلك بمرو من أرض فارس.
    وذكر حديث باذان ومقتل كسرى، وكان مقتل كسرى حين قتله بنوه ليلة الثلاثاء لعشر من جمادى الأولى سنة سبع من الهجرة وأسلم باذان باليمن في سنة
    ـــــــ
    1 اللحام: جمع لحم.
    2 أنى: بمعنى حان.
    3 كان إسلام باذان في اليمن في سنة عشر، وفيها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأبناء يدعوهم إلى الإسلام.
    4 قد يكون المقصود بها مكة نفسها.
    5 قال الرحى من الأرض: مكان مستدير غليظ يكون بين رمال، أو القارة الضخمة الغليظة.
    (1/185)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    عشر وفيها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأبناء1 يدعوهم إلى الإسلام فمن الأبناء وهب بن منبه بن سيج بن ذكبار، وطاووس وذادويه وفيروز اللذان قتلا الأسود العنسي الكذاب وقد قيل في طاووس إنه ليس من الأبناء وإنه من حمير، وقد قيل من فارس، واسمه ذكوان بن كيسان وهو مولى بجير بن ريسان وقد قيل مولى الجعد وكان يقال له طاووس القراء لجماله.
    وقول خالد بن حق:
    تمخضت المنون له بيوم ... أنى ; ولكل حاملة تمام2
    المنون: المنية وهو أيضا من أسماء الدهر وهو من مننت الحبل إذا قطعته، وفعول إذا كان بمعنى فاعل لم تدخل التاء في مؤنثه لسر بديع ذكرناه في غير هذا الكتاب فيقال امرأة صبور وشكور فمعنى المنون المقطوع وتمخضت أي حملت والمخاض الحمل ووزنه فعال ومخاضة الماء ومخاضة [النهر] وزنه مفعل من الخوض.
    وقوله: أنى، أي: حان، وقد قلبوه فقالوا: آن يئين والدليل على أن آن يئين مقلوب من أنى يأنى، قوله آناء الليل وواحدها: إنى وأنى وإني فالنون مقدمة على الياء في كل هذا، وفي كل ما صرف منه نحو الإناء والآني: الذي بلغ أناه أي منتهى وقته في التسخين وهذا المعنى كقولهم في المثل الدهر حبلى لا يدري ما تضع إن كان أراد بالمنون في البيت الدهر وإن كان أراد بالمنون المنية فبعيد أن يقال تمخضت المنون له بهذا اليوم الذي مات فيه فإن موته منيته فكيف تتمخض المنية بالمنية إلا أن يريد أسبابها، وما مني له، أي: قدر من وقتها،
    ـــــــ
    1 الأبناء: هم أبناء فارس الذين استوطنوا اليمن.
    2 معنى البيت كما في "اللسان" أن المنية تهيأت لأن تلد له الموت.
    (1/186)
    سلمان منا:
    قال ابن هشام: فبلغني عن الزهري أنه قال:
    فمن ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – "سلمان منا أهل البيت" .
    بعثة النبي، ونبوءة سطيح وشق:
    عود إلى شق وسطيح قال ابن هشام: فهو الذي عنى سطيح بقوله "نبي زكي، يأتيه الوحي من قبل العلي". والذي عنى شق بقوله "بل ينقطع برسول مرسل يأتي بالحق والعدل من أهل الدين والفضل يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل".
    ـــــــ
    فتصح الاستعارة حينئذ ويستقيم التشبيه.
    وقول ابن حق وكسرى إذ تقسمه بنوه. وإنما كان قتله على يدي ابنه شيرويه لكن ذكر بنيه لأن بدء الشر بينه وبينهم أن فرخان رأى في النوم أنه قاعد على سرير الملك في موضع أبيه فبلغ أباه ذلك فكتب إلى ابنه شهريار - وكان واليا له على بعض البلاد أن اقتل أخاك فرخان فأخفى شهريار الكتاب من أخيه فكتب إليه مرة أخرى، فأبى من ذلك فعزله وولى فرخان وأمره بقتل شهريار فعزم على ذلك فأراه شهريار الكتاب الذي كتب له أبوه فيه فتواطآ عند ذلك على القيام على أبيهما، وأرسلا إلى ملك الروم يستعينان به في خبر طويل فكان هذا بدء الشر ثم إن الفرس خلعت كسرى لأحداث أحدثها، وولت ابنه شيرويه فكان كسرى أبرويز ربما أشار برأي من محبسه فقالت المرازبة لشيرويه لا يستقيم لك الملك إلا أن تقتل أباك1، فأرسل إليه من يقتله فيقال إنه كان يضرب بالسيف فما يعمل فيه شيئا، ففتش فوجد على عضده حجر معلق كالخرزة فنزع فعملت فيه السلاح2،
    ـــــــ
    1 في "الطبري" أنهم قالوا له: "إنه لا يستقيم أن يكون لنا ملكان فإما أن تأمر بقتل كسرى ونحن خولك [خدمك] المانحون الطاعة وإما أن نخلعك ونعطيه الطاعة".
    2 اسم قاتل كسرى: مهر هرمز بن مردانشاه.
    (1/187)
    الحجر الذي وجد باليمن:
    قال ابن إسحاق: وكان في حجر باليمن - فيما يزعمون - كتاب بالزبور كتب في الزمان الأول "لمن ملك ذمار؟ لحمير الأخيار لمن ملك ذمار؟ للحبشة الأشرار لمن ملك ذمار؟ لفارس الأحرار لمن ملك ذمار؟ لقريش التجار".
    وذمار : اليمن أو صنعاء، قال ابن هشام: ذمار : بالفتح فيما أخبرني يونس.
    شعر الأعشى في نبوءة سطيح وشق:
    قال ابن إسحاق: وقال الأعشى - أعشى بني قيس بن ثعلبة في وقوع ما قال سطيح وصاحبه:
    ما نظرت ذات أشفار كنظرتها ... حقا كما صدق الذئبي إذ سجعا1
    ـــــــ
    وكان قبل يقول لابنه يا قصير العمر فلم يدم أمره بعده إلا أقل من ستة أشهر - فيما ذكروا - والله أعلم.
    "ذمار وحمير وفارس والحبشة":
    وقوله وجد بحجر باليمن : لمن ملك ذمار؟
    وحكى ابن هشام عن يونس ذمار بفتح الذال فدل على أن رواية ابن إسحاق بالكسر فإذا كان بكسر الذال فهو غير مصروف لأنه اسم لمدينة والغالب عليه التأنيث ويجوز صرفه أيضا ; لأنه اسم بلد وإذا فتحت الذال فهو مبني2 مثل رقاش وحذام وبنو تميم يعربون مثل هذا البناء فيقولون رقاش [وحذام] في الرفع ورقاش وحذام في النصب والخفض يعربونه ولا يصرفونه فإذا كان لام الفعل راء
    ـــــــ
    1 ذات أشفار: زرقاء اليمامة، وكانت العرب تزعم أنها ترى الأشخاص على مسيرة ثلاثة أيام في الصحراء وخبرها مشهود.
    2 في "المرصد": ذمار بكسر أوله ويفتح مبني على الكسر، قرية باليمن على مرحلتين من صنعاء، وقيل: ذمار اسم لصنعاء.
    (1/188)
    وكانت العرب تقول لسطيح الذئبي، لأنه سطيح بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب.
    قال ابن هشام: وهذا البيت في قصيدة له.
    ـــــــ
    اتفقوا مع أهل الحجاز على البناء والكسر. وذمار : من ذمرت الرجل إذا حرضته على الحرب.
    وقوله: لحمير الأخيار لأنهم كانوا أهل دين كما تقدم في حديث فيمون وابن الثامر.
    وقوله لفارس الأحرار فلأن الملك فيهم متوارث من أول الدنيا من عهد جيومرت1 في زعمهم إلى أن جاء الإسلام لم يدينوا لملك من غيرهم ولا أدوا الأتاوة2 لذي سلطان من سواهم فكانوا أحرارا لذلك.
    وأما قوله للحبشة الأشرار فلما أحدثوا في اليمن من العيث والفساد وإخراب البلاد حتى هموا بهدم بيت الله الحرام، وسيهدمونه في آخر الزمان3 إذا رفع القرآن وذهب من الصدور الإيمان وهذا الكلام المسجع ذكره المسعودي منظوما:
    حين شيدت ذمار قيل لمن أن ... ت فقالت لحمير الأخيار
    ثم سيلت من بعد ذاك؟ فقالت ... أنا للحبش أخبث الأشرار
    ثم قالوا من بعد ذاك لمن أن ... ت؟ فقالت لفارس الأحرار
    ثم قالوا من بعد ذاك لمن أن ... ت فقالت إلى قريش التجار
    وهذا الكلام الذي ذكر أنه وجد مكتوبا بالحجر هو - فيما زعموا - من كلام
    ـــــــ
    1 أو كيومرت، والفرس يجمعون على أنه أول ملوكهم، ولكنهم اختلفوا في شأنه.
    2 الإتاوة: الخراج أو الجزية.
    3 لعله يشير إلى حديث: "اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقية من الحبشة" وقد رواه أبو داود بسند ضعيف.
    (1/189)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    هود - عليه السلام - وجد مكتوبا في منبره وعند قبره حين كشفت الريح العاصفة عن منبره الرمل حتى طهر وذلك قبل ملك بلقيس بيسير وكان خطه بالمسند ويقال إن الذي بنى ذمار هو شمر بن الأملوك والأملوك هو مالك بن ذي المنار ويقال ذمار وظفار، ومنه المثل من دخل ظفار حمر أي تكلم بالحميرية.
    زرقاء اليمامة:
    وذكر قول الأعشى:
    ما نظرت ذات أشفار كنظرتها. البيت. يريد زرقاء اليمامة، وكانت تبصر على مسيرة ثلاثة أيام وقد تقدم طرف من ذكرها في خبر جديس وطسم وقبل البيت:
    قالت أرى رجلا في كفه كتف ... أو يخصف النعل لهفي أية صنعا
    فكذبوها بما قالت فصبحهم ... ذو آل حسان يزجي الموت والسلعا1
    وكان جيش حسان هذا قد أمروا أن يخيلوا عليها بأن يمسك كل واحد منهم نعلا كأنه يخصفها، وكتفا كأنه يأكلها، وأن يجعلوا على أكتافهم أغصان الشجر فلما أبصرتهم قالت لقومها: قد جاءتكم الشجر أو قد غزتكم حمير، فقالوا: قد كبرت وخرفت، فكذبوها، فاستبيحت بيضتهم2 وهو الذي ذكر الأعشى.
    ـــــــ
    1 السلع: شجر مر ينبت في اليمن، وهو من الفصيلة الكرمية،وفي "الطبري": والشرعا، ويخصف النعل: يخزها ويصلحها، وانظر قصيدتها في "الطبري": 1/631. وهي ستة أبيات.
    2 حوزتهم وحماهم.
    (1/190)
    قصة ملك الحضر:
    نسب النعمان، وشيء عن الحضر، وشعر عدي فيه:
    قال ابن هشام: وحدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي عن جناد، أو عن بعض علماء أهل الكوفة بالنسب أنه يقال إن النعمان بن المنذر من ولد ساطرون ملك الحضر.
    والحضر حصن عظيم كالمدينة، كان على شاطئ الفرات، وهو الذي ذكر عدي بن زيد في قوله
    وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة يجبى إليه والخابور
    شاده مرمرا وجلله كلسا فللطير في ذراه وكور
    لم يهبه ريب المنون فبان ال ... ملك عنه فبابه مهجور
    قال ابن هشام: وهذه الأبيات في قصيدة له.
    والذي ذكره أبو دواد الإيادي في قوله:
    وأرى الموت قد تدلى من الحضر على رب أهله الساطرون
    ـــــــ
    خبر الحضر والساطرون
    ذكر فيه قول من قال إن النعمان من ولد الساطرون وهو صاحب الحضر. قال المؤلف فنذكر شرح قصة الحضر وصاحبه وما قيل في ذلك ملخصا بعون الله.
    الساطرون بالسريانية: هو الملك واسم الساطرون الضيزن بن معاوية. قال الطبري: هو جرمقاني1، وقال ابن الكلبي هو قضاعي من العرب الذين تنخوا بالسواد فسموا: تنوخ، أي أقاموا بها، وهم قبائل شتى، ونسبه ابن الكلبي،
    ـــــــ
    1 الجرامقة: قوم من العجم صاروا بالموصل في أوائل الإسلام، وجرمقك بلدة بفارس، وقيل: من أهل باجرمي وهي قرية قرب الرقة من أرض الجزيرة.
    (1/191)
    وهذا البيت في قصيدة له. ويقال إنها لخلف الأحمر ويقال لحماد الراوية.
    دخول سابور الحضر، وزواجه بنت ساطرون، وما وقع بينهما:
    وكان كسرى سابور ذو الأكتاف غزا ساطرون ملك الحضر، فحصره سنتين فأشرفت بنت ساطرون يوما، فنظرت إلى سابور وعليه ثياب ديباج وعلى رأسه تاج من ذهب مكلل بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ وكان جميلا، فدست إليه أتتزوجني إن فتحت لك باب الحضر؟ فقال نعم فلما أمسى ساطرون شرب حتى سكر وكان لا يبيت إلا سكران فأخذت مفاتيح باب الحضر من تحت رأسه فبعثت بها مع مولى لها ففتح الباب فدخل سابور فقتل ساطرون واستباح الحضر وخربه وسار بها فتزوجها، فبينا هي نائمة على فراشها ليلا إذ جعلت تتململ لا تنام فدعا لها بشمع ففتش فراشها، فوجد عليه ورقة آس فقال لها سابور أهذا الذي أسهرك؟ قالت نعم قال فما كان أبوك يصنع بك؟ قالت كان يفرش لي الديباج ويلبسني الحرير ويطعمني المخ ويسقيني الخمر قال أفكان جزاء أبيك ما صنعت به؟ أنت إلي بذلك أسرع ثم أمر بها، فربطت قرون رأسها بذنب فرس ثم ركض الفرس
    ـــــــ
    فقال هو ابن معاوية بن عبيد، ووجدته بخط أبي بحر عبيد بضم العين بن أجرم من بني سليح بن حلوان بن الحاف بن قضاعة، وأمه جيهلة وبها كان يعرف وهي أيضا قضاعية من بني تزيد الذين تنسب إليهم الثياب التزيدية.
    وذكر قول أبي دواد:
    وأرى الموت قد تدلى من الحض ... ر على رب أهله الساطرون1
    واسم أبي دواد: جارية بن حجاج وقيل حنظلة بن شرقي وبعد هذا البيت:
    ـــــــ
    1 الحضر كما في "المراصد": مدينة مبنية بالحجارة المهندمة بيوتها وسقوفها وأبوابها ويقولون كان فيها ستون برجاً كباراً، بين كل برجين تسعة أبراج صغار. وقال: إنها بإزاء تكريت.
    (1/192)
    حتى قتلها، ففيه يقول أعشى بني قيس بن ثعلبة:
    ألم تر للحضر إذ أهله ... بنعمى، وهل خالد من نعم
    أقام به شاهبور الجنو ... د حولين تضرب فيه القدم1
    فلما دعا ربه دعوة ... أناب إليه فلم ينتقم
    وهذه الأبيات في قصيدة له.
    وقال عدي بن زيد في ذلك:
    والحضر صابت عليه داهية ... من فوقه أيد مناكبها
    ربية لم توق والدها ... لحينها إذ أضاع راقبها
    إذ غبقته صهباء صافية ... والخمر وهل يهيم شاربها
    فأسلمت أهلها بليلتها ... تظن أن الرئيس خاطبها
    فكان حظ العروس إذ جشر ... الصبح دماء تجري سبائبها
    وخرب الحضر واستبيح وقد ... أحرق في خدرها مشاجبها
    وهذه الأبيات في قصيدة له.
    ـــــــ
    صرعته الأيام من بعد ملك ... ونعيم وجوهر مكنون2
    وكان الضيزن من ملوك الطوائف وكان يقدمهم إذا اجتمعوا لحرب عدو من غيرهم وكانت الحضر بين دجلة والفرات، وكان ملكه يبلغ أطرار الشام، وكان سابور قد تغيب عن العراق إلى خراسان، فأغار الضيزن على بلاده بمن معه من العرب، فلما قفل سابور وأخبر بصنع الضيزن نهد إليه وأقام عليه أربع سنين.
    وذكر الأعشى في شعره حولين لا يقدر على فتح الحصن وكان للضيزن بنت اسمها: النضيرة وفيها قيل:
    ـــــــ
    1 شاهبور: معناه ابن الملك. وشاه:ملك، وبور: ابن. القُدُم:جمع قدوم، وهو الفأس ونحوها.
    2 البيت في "المروج" 2/256 كما يأتي:
    ولقد كان آمنا للدواهي
    ذا ثراء وجوهر مكنون
    (1/193)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    أقفر الحضر من نضيرة فالم ... رباع منها فجانب الثرثار
    وكانت سنتهم في الجارية إذا عركت أي حاضت أخرجوها إلى ربض المدينة، فعركت النضيرة فأخرجت إلى ربض الحضر1 فأشرفت ذات يوم فأبصرت سابور - وكان من أجمل الناس - فهويته فأرسلت إليه أن يتزوجها، وتفتح له الحضر واشترطت عليه والتزم لها ما أرادت ثم اختلف في السبب الذي دلت عليه فقال ابن إسحاق ما في الكتاب وقال المسعودي: دلته على نهر واسع [اسمه الثرثار] كان يدخل منه الماء إلى الحضر فقطع لهم الماء ودخلوا منه2.
    وقال الطبري: دلته على طلسم [أو طلسم] كان في الحضر وكان في علمهم أنه لا يفتح حتى تؤخذ حمامة ورقاء وتخضب رجلاها بحيض جارية بكر زرقاء ثم ترسل الحمامة فتنزل على سور الحضر فيقع الطلسم فيفتح الحضر ففعل سابور ذلك فاستباح الحضر وأباد قبائل من قضاعة كانوا فيه منهم بنو عبيد رهط الضيزن لم يبق منهم عقب وحرق خزائن الضيزن واكتسح ما فيها، ثم قفل بنضيرة معه وذكر الطبري في قتله إياها حين تململت على الفراش الوثير ولين الحرير أنه قال لها: ما كان يصنع بك أبوك؟ فقالت كان يطعمني المخ والزبد وشهد أبكار النحل وصفو الخمر. وذكر أنه كان يرى مخها من صفاء بشرتها، وأن ورقة الآس أدمتها في عكنة من عكنها، وأن الفراش الذي نامت عليه كان من حرير حشوه القز. وقال المسعودي: كان حشوه زغب3 الطير ثم اتفقوا في صورة قتلها4 كما ذكر ابن إسحاق غير أن ابن إسحاق قال كان المستبيح للحضر سابور
    ـــــــ
    1 ربض المدينة: ما حولها.
    2 انظر "المروج" 2/256.
    3 وهو الشعيرات الصفر على ريش الفرخ.
    4 ربط غدائرها إلى فرسين جموحين، ثم استركضهما فقطعاها.
    (1/194)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    ذو الأكتاف وجعله غير سابور بن أزدشير بن بابك، وقد تقدم أن أزدشير هو أول من جمع ملك فارس، وأذل ملوك الطوائف حتى دان الملك له والضيزن كان من ملوك الطوائف فيبعد أن تكون هذه القصة لسابور ذي الأكتاف وهو سابور بن هرمز وهو ذو الأكتاف لأنه كان بعد سابور الأكبر بدهر طويل وبينهم ملوك مسمون في كتب التاريخ وهم هرمز بن سابور وبهرام بن هرمز وبهرام بن بهرام وبهرام الثالث ونرسي بن بهرام وبعده كان ابنه سابور ذو الأكتاف والله أعلم.
    وقول الأعشى: شاهبور الجنود بخفض الدال يدل على أنه ليس بشاهبور ذي الأكتاف وأما إنشاده لأبيات عدي بن زيد:
    وأخو الحضر إذ بناه وإذ ... دجلة يجبى إليه و الخابور
    فللشعر خبر عجيب. حدثنا إجازة القاضي الحافظ أبو بكر عن ابن أيوب عن البرقاني عن أبي الحسن علي بن عمر قال حدثنا أبو بكر الأزرق يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول قال حدثني جدي، قال حدثني أبي، عن إسحاق بن زياد من بني سلمة بن لؤي عن شبيب بن شيبة عن خالد بن صفوان بن الأهتم قال أوفدني يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك في وفد [أهل] العراق قال فقدمت عليه وقد خرج متبديا بقرابته وأهله وحشمه وغاشيته من جلسائه فنزل في أرض قاع صحصح متنايف1 أفيح في عام [قد] بكر وسميه وتتابع وليه2 وأخذت الأرض [فيه] زينتها من اختلاف أنوار نبتها من نور ربيع مونق فهو أحسن منظرا، وأحسن مستنظرا، وأحسن مختبرا بصعيد كأن ترابه قطع الكافور حتى لو أن قطعة ألقيت فيه لم تترب قال وقد ضرب له سرادق من حبرة كان صنعه
    ـــــــ
    1 القاع المستوي من الأرض، صحصح: الأرض الواسعة المستوية الجرداء ذات الحصى الصغار.
    2 الوسمي: مطر الربيع الأول، والولي: المطر الذي يليه.
    (1/195)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    له يوسف بن عمر باليمن، فيه فسطاط1 فيه أربعة أفرشة من خز أحمر مثلها مرافقها وعليه دراعة2 من خز أحمر مثلها عمامتها، قال وقد أخذ الناس مجالسهم فأخرجت رأسي من ناحية الطاق فنظر إلي شبه المستنطق [لي] ; فقلت: أتم الله عليك يا أمير المؤمنين نعمة سوغكها بشكر وجعل ما قلدك من هذا الأمر رشدا، وعاقبة ما تئول إليه حمدا، وأخلصه لك بالتقى، وكثره لك بالنماء ولا كدر عليك منه ما صفا، ولا خالط سروره الردى ; فقد أصبحت للمسلمين ثقة ومستراحا. إليك يقصدون في أمورهم وإليك يفزعون في مظالمهم وما أجد يا أمير المؤمنين شيئا - جعلني الله فداءك - هو أبلغ في قضاء حقك وتوقير مجلسك مما من الله [جل وعز] به علي من مجالستك، والنظر إلى وجهك من أن أذكرك نعم الله عليك، وأنبهك لشكرها، وما أجد يا أمير المؤمنين شيئا هو أبلغ من حديث من سلف قبلك من الملوك فإن أذن لي أمير المؤمنين أخبرته عنه. قال فاستوى جالسا - وكان متكئا - ثم قال هات يا ابن الأهتم [قال]: فقلت: يا أمير المؤمنين إن ملكا من الملوك قبلك خرج في عام مثل عامنا هذا إلى الخورنق والسدير3 في عام قد بكر وسميه وتتابع وليه وأخذت الأرض فيه زينتها من نور ربيع مونق فهو في أحسن منظر وأحسن مستنظر وأحسن مختبر بصعيد كأن ترابه قطع الكافور4 حتى لو أن قطعة ألقيت فيه لم تترب. قال وقد كان أعطي فتاء السن مع الكثرة والغلبة والقهر قال فنظر فأبعد النظر فقال لجلسائه لمن [مثل] هذا؟ هل رأيتم مثل ما أنا فيه؟ [و] هل أعطي أحد مثل ما أعطيت؟ قال وعنده رجل من بقايا حملة الحجة
    ـــــــ
    1 بيت من الشعر.
    2 الدراعة: جبة مشقوقة المقدم، وثوب من صوف.
    3 الخورنق: قصر كبير بناه النعمان بن امرئ القيس، وهو معرب خورنكاه: أي موضع الأكل. والسدير: موضع معروف بالحيرة.
    4 شجر يتخذ منه مادة شفافة بلورية الشكل يميل لونها إلى البياض.
    (1/196)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    والمضي على أدب الحق ومنهاجه. قال: ولن تخلوا الأرض من قائم لله بحجته في عباده فقال أيها الملك إنك قد سألت عن أمر أفتأذن في الجواب عنه؟ قال نعم. قال أرأيت ما أنت فيه أشيء لم تزل فيه أم شيء صار إليك ميراثا من غيرك، وهو زائل عنك، وصائر إلى غيرك، كما صار إليك ميراثا من لدن غيرك؟ قال فكذلك هو. قال فلا أراك [إلا] أعجبت بشيء يسير تكون فيه قليلا، وتغيب عنه طويلا، وتكون غدا بحسابه مرتهنا. قال ويحك فأين المهرب؟ وأين المطلب؟ قال إما أن تقيم في ملكك، تعمل فيه بطاعة [الله] ربك على ما ساءك وسرك، ومضك وأرمضك وإما أن تضع تاجك، وتضع أطمارك، وتلبس أمساحك1، وتعبد ربك في هذا الجبل حتى يأتيك أجلك. قال فإذا كان في السحر فاقرع علي بابي، فإني مختار أحد الرأيين فإن اخترت ما أنا فيه كنت وزيرا، لا تعصى، وإن اخترت خلوات الأرض وقفر البلاد كنت رفيقا، لا تخالف. قال فقرع عليه بابه عند السحر فإذا هو قد وضع تاجه [وخلع أطماره] ولبس أمساحه وتهيأ للسياحة قال فلزما - والله - الجبل حتى أتتهما آجالهما، وهو حيث يقول أحد بني تميم: عدي بن [زيد] بن سالم المري العدوي:
    أيها الشامت المعير بالد ... هر أأنت المبرأ الموفور؟
    أم لديك العهد الوثيق من الأيا ... م؟ بل أنت جاهل مغرور
    من رأيت المنون خلدن أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير
    أين كسرى كسرى الملوك أنو ... شروان أم أين قبله سابور؟
    وبنو الأصفر الكرام ملوك الر ... وم؟ لم يبق منهم مذكور
    وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج ... لة تجبى إليه و الخابور
    شاده مرمرا، وجلله كلس ... ا فللطير في ذراه وكور
    ـــــــ
    1 الأمساح: جمع مسح: الكساء من الشعر.
    (1/197)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    لم يهبه ريب المنون فبا ... ن الملك عنه فبابه مهجور
    وتذكر رب الخورنق إذ ... أشرف يوما، وللهدى تفكير
    سره ماله وكثرة ما يملك ... والبحر معرضا والسدير
    فارعوى قلبه وقال وما غبطة ... حي إلى الممات يصير؟
    ثم أضحوا كأنهم ورق جف ... فألوت به الصبا والدبور
    ثم بعد الفلاح والملك ... والإمة وارتهم هناك القبور1
    قال فبكى [والله] هشام حتى أخضل لحيته وبل عمامته وأمر بنزع أبنيته وبنقلان قرابته وأهله وحشمه وغاشيته من جلسائه ولزم قصره.
    قال فأقبلت الموالي والحشم على خالد بن صفوان بن الأهتم وقالوا: ما أردت إلى أمير المؤمنين؟ أفسدت عليه لذته ونغصت عليه مأدبته. قال إليكم عني فإني عاهدت الله [عز وجل] عهدا ألا أخلو بملك إلا ذكرته الله عز وجل.
    والذي ذكره عدي بن زيد في هذا الشعر هو النعمان بن امرئ القيس جد النعمان بن المنذر، وأول هذا الشعر:
    أرواح مودع أم بكور ... [لك] فانظر لأي ذاك تصير
    قاله عدي، وهو في سجن النعمان بن المنذر، وفيه قتل وهو عدي بن زيد بن حماد بن زيد بن أيوب بن محروب بن عامر بن عصية بن امرئ القيس بن زيد بن مناة بن تميم وقال عمرو بن آلة بن الخنساء:
    ـــــــ
    1 المرمر: الرخام. والكلس: الجير أو مادة لطلاء القصور. ومعرض: أعرض الشيء ظهر وأبرز. ارعوى: كف وارتدع. وألوى به: ذهب به. الصبا: ريح مهبها من مشرق الشمس. الدبور: ريح تهب من المغرب إلى المشرق. والإمة: النعمة.
    (1/198)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    ألم ينبئك والأنباء تنمى ... بما لاقت سراة بني العبيد1
    ومصرع ضيزن وبني أبيه ... وأحلاس الكتائب من تزيد2
    أتاهم بالفيول مجللات ... وبالأبطال سابور الجنود
    فهدم من أواسي الحضر صخرا ... كأن ثقاله زبر الحديد3
    وقال الأعشى:
    أقام به شاهبور الجنو ... د حولين تضرب فيه القدم
    وقد قدمنا أن شاهبور معناه ابن الملك وأن بور هو الابن بلسانهم وفي هذا البيت دليل على ما قلناه من أن سابور مغير عن شاهبور. والقدم جمع قدوم وهو الفأس ونحوه والقدوم: اسم موضع أيضا اختتن فيه إبراهيم عليه السلام الذي جاء في الحديث أن إبراهيم اختتن بالقدوم مخفف أيضا، وقد روي فيه التشديد. وبعده:
    فهل زاده ربه قوة ... ومثل مجاوره لم يقم
    وكان دعا قومه دعوة ... هلموا إلى أمركم قد صرم
    فموتوا كراما بأسيافكم ... أرى الموت يجشمه من جشم
    وفي الشعر: وهل خالد من نعم. يقال نعم ينعم وينعم مثل حسب يحسب ويحسب. وفي أدب الكاتب أنه يقال نعم ينعم مثل فضل يفضل. حكي ذلك عن سيبويه، وهو غلط من القتبي ومن تأمله في كتاب سيبويه تبين له غلط القتبي،
    ـــــــ
    1 في "الطبري" و "المسعودي" و "الأغاني": ألم يحزنك. وتمنى: تنتشر.
    2 في "المسعودي": وأحلاف. وأحلاس الكتائب: الشجعان الملازمون لها.
    3 الأواسي: جمع آسية، وهو ما أسس من بنيان فأحكم أصله من سارية أو غيرها، وزبر: جمع زبرة: القطعة الضخمة.
    (1/199)
    وأن سيبويه لم يذكر الضم إلا في فضل يفضل1.
    وقول عدي بن زيد: ربية لم توق والدها. يحتمل أن تكون فعيلة من ربيت إلا أن القياس في فعيلة بمعنى: مفعولة أن تكون بغير هاء ويحتمل أنه أراد معنى الربو والنماء لأنها ربت في نعمة فتكون بمعنى فاعلة ويكون البناء موافقا للقياس وأصح من هذين الوجهين أن يكون أراد ربيئة بالهمز وسهل الهمزة فصارت ياء وجعلها ربيئة لأنها كانت طليعة حيث اطلعت حتى رأت سابور وجنوده ويقال للطليعة ذكرا كان أو أنثى: ربيئة2 ويقال له رباء على وزن فعال وأنشدوا:
    رباء شماء لا يأوي لقلتها
    البيت.
    وقوله أضاع راقبها، أي أضاع المربأة الذي يرقبها ويحرسها، ويحتمل أن تكون الهاء عائدة على الجارية أي أضاعها حافظها.
    وقوله: والخمر وهل. يقال: وهل الرجل وهلا ووهلا إذا أراد شيئا، فذهب وهمه إلى غيره. ويقال فيه وهم أيضا بفتح الهاء وأما وهم بالكسر فمعناه غلط وأوهم بالألف معناه أسقط.
    وقوله سبائبها. السبائب جمع: سبيبة وهي كالعمامة أو نحوها، ومنه السب وهو الخمار.
    وقوله: في خدرها مشاجبها. المشاجب جمع مشجب وهو ما تعلق منه الثياب ومنه قول جابر وإن ثيابي لعلى المشجب وكانوا يسمون القربة شجبا;
    ـــــــ
    1 في "المختار": نعم وبابه سهل، وكذا نعم من باب علم.
    2 الطليعة الذي يرقب العدو من مكان عال لئلا يدهم قومه، وفي "اللسان" الربيئة: الطليعة، وإنما أنثوه، لأن الطليعة يقال له: العين، لأنه يرعى أمورهم ويحرسهم.
    (1/200)
    ـــــــ
    لأنها جلد ماء قد شجب أي عطب وكانوا لا يمسكون القربة وهي الشجب إلا معلقة فالعود الذي تعلق به هو المشجب حقيقة ثم اتسعوا، فسموا ما تعلق به الثياب مشجبا تشبيها به.
    وفي شعر عدي المتقدم ذكر الخابور، وهو واد معروف وهو فاعول من خبرت الأرض إذا حرثتها، وهو واد عظيم عليه مزارع. قالت ليلى أخت الوليد بن طريف الخارجي الشيباني حين قتل أخوها الوليد قتله يزيد بن مزيد الشيباني أيام الرشيد فلما قتل قالت أخته:
    أيا شجر الخابورما لك مورقا ... كأنك لم تحزن على ابن طريف1
    فقدناه فقدان الربيع وليتنا ... فديناه من ساداتنا بألوف
    وأما الخافور بالفاء فنبات تخفر ريحه أي تقطع شهوة النساء كما يفعل الحبق ويقال له المرو وبهذا الاسم يعرفه الناس وهو الزغبر أيضا.
    (1/201)
    ذكر ولد نزار بن معد
    ...
    ذكر ولد نزار بن معد
    أولاده في رأي ابن إسحاق وابن هشام:
    قال ابن إسحاق فولد نزار بن معد ثلاثة نفر مضر بن نزار، وربيعة بن نزار، وأنمار بن نزار.
    ـــــــ
    ذكر نزار بن معد ومن تناسل منهم:
    قد ذكرنا أولاد معد العشرة فيما تقدم فأما مضر فقد تقدم ذكره في عمود نسب النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكرنا أنه أول من سن حداء الإبل وسببه - فيما ذكروا - أنه سقط عن
    ـــــــ
    1 الخابور: يستعمل في الطب، وفي الزينة، وله زهر زاهي المنظر أصفر جيد الرائحة. والخافور: كما في "اللسان" نبات تجمعه النمل في بيوتها. والحبق: حبق الماء أو البحر: نبات طيب الرائحة يسمى: نعنع الماء
    (1/201)
    داود الإيادي، واسمه جارية بن الحجاج:
    قال ابن هشام: وإياد بن نزار. قال الحارث بن دوس الإيادي، ويروى لأبي:
    وفتو حسن أوجههم ... من إياد بن نزار بن معد
    وهذا البيت في أبيات له.
    فأم مضر وإياد: سودة بنت عك بن عدنان. وأم ربيعة وأنمار : شقيقة بنت عك بن عدنان، ويقال جمعة بنت عك بن عدنان.
    أولاد أنمار:
    قال ابن إسحاق: فأنمار أبو خثعم وبجيلة. قال جرير بن عبد الله البجلي وكان سيد بجيلة، وهو الذي يقول له القائل:
    لولا جرير هلكت بجيله ... نعم الفتى، وبئس القبيله
    وهو ينافر الفرافصة1 الكلبي إلى الأقرع بن حابس التميمي بن عقال بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة :
    ـــــــ
    بعير فوثبت يده وكان أحسن الناس صوتا، فكان يمشي خلف الإبل ويقول وايدياه وايدياه يترنم بذلك فأعنقت الإبل وذهب كلالها ; فكان ذلك أصل الحداء عند العرب، وذلك أنها تنشط بحدائها الإبل فتسرع.
    وأما أنمار بن نزار، وهو أبو بجيلة وخثعم فسمي بالأنمار جمع نمر كما سموا بسباع وكلاب وأم بنيه بجيلة بنت صعب بن سعد العشيرة ولد له من غيرها أفتل2 وهو خثعم3، وولدت له عبقر في خمسة عشر سماهم أبو الفرج عنهم
    ـــــــ
    1 ينافر: يحاكم. الفرافصة: بالضم: الأسد، وبالفتح اسم الرجل.
    2 وقيل: أفيل وأقيل.
    3 خثعم: أمه هند بنت مالك بن الغافق بن الشاهد بن عك "الجمهرة" ص365.
    (1/202)
    يا أقرع بن حابس يا أقرع ... إنك إن تصرع أخاك تصرع
    وقال:
    ابني نزار انصرا أخاكما ... إن أبي وجدته أباكما
    لن يغلب اليوم أخ والاكما
    وقد تيامنت، فلحقت باليمن.
    قال ابن هشام: قالت اليمن: وبجيلة: أنمار بن إراش بن لحيان بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ، ويقال إراش بن عمرو بن لحيان بن الغوث. ودار بجيلة وخثعم: يمانية.
    أولاد مضر:
    قال ابن إسحاق: فولد مضر بن نزار رجلين إلياس بن مضر، وعيلان بن مضر. قال ابن هشام: وأمهما: جرهمية.
    ـــــــ
    تناسلت قبائل بجيلة وهم وداعة وخزيمة وصهيبة [في الأصل صحيهم] والحارث ومالك وشيبة وطريفة وفهم والغوث وسهل وعبقر وأشهل كلهم بنو أنمار، ويقال إن بجيلة حبشية حضنت أولاد أنمار الذين سمينا، ولم تحضن أفتل وهو خثعم، فلم ينسب إليها. روى الترمذي من طريق فروة بن مسيك أنه لما أنزل الله في سبأ ما أنزل قال رجل يا رسول الله ما سبأ: امرأة أم أرض؟ قال "ليس بامرأة ولا أرض ولكنه رجل ولد عشرة من العرب، فتيامن منهم ستة وتشاءم1 أربعة فأما الذين تشاءموا: فلخم وجذام وعاملة وغسان، وأما الذين تيامنوا: فالأزد والأشعرون وحمير ومذحج وكندة وأنمار، قال: الرجل ومن أنمار؟ قال الذين منهم خثعم وبجيلة. وقوله:
    لولا جرير هلكت بجيلة ... نعم الفتى، وبئست القبيله
    ـــــــ
    1 تيامن: أي ذهب إلى اليمن وعاش فيها،وتشاءم: قصد الشام وعاش فيها.
    (1/203)
    أولاد إلياس:
    قال ابن إسحاق: فولد إلياس بن مضر ثلاثة نفر مدركة بن إلياس، وطابخة بن إلياس وقمعة بن إلياس وأمهم خندف: امرأة من اليمن.
    شيء عن خندف وأولادها:
    قال ابن هشام: خندف1 بنت عمران بن الحاف بن قضاعة.
    قال ابن إسحاق: وكان اسم مدركة عامرا، واسم طابخة عمرا، وزعموا أنهما كانا في إبل لهما يرعيانها، فاقتنصا صيدا، فقعدا عليه يطبخانه وعدت عادية على إبلهما، فقال عامر لعمرو: أتدرك الإبل أم تطبخ هذا الصيد؟ فقال عمرو: بل أطبخ فلحق عامر بالإبل فجاء بها، فلما راحا على أبيهما حدثاه بشأنهما، فقال لعامر: أنت مدركة؛ وقال لعمرو: وأنت طابخة وخرجت أمهم لما بلغها الخبر، وهي مسرعة، فقال لها: تخندفين فسميت: خندف .
    وأما قمعة فيزعم نساب مضر: أن خزاعة من ولد عمرو بن لحي بن قمعة بن إلياس.
    __________
    قال لما سمع هذا: ما مدح رجل هجي قومه وجرير هذا هو ابن عبد الله بن جابر وهو الشليل بن مالك بن نصر بن ثعلبة بن جشم بن عويف بن جذيمة2 بن عدي بن مالك بن سعد بن يزيد بن قسر وهو مالك بن عبقر بن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث، يكنى: أبا عمرو، وقيل أنا عبد الله وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم "يطلع عليكم خير ذي يمن، عليه مسحة ملك" 3 وكان عمر يسميه يوسف هذه الأمة وكان من مقبلي الظعن وكانت نعله طولها: ذراع فيما ذكروا. ومن النذير بن
    ـــــــ
    1 واسمها ليلى، وأمها ضرية بنت ربيعة بن نزار التي ينسب إليها حمى ضرية، وخندف هذه هي التي ضربت الأمثال بحزنها على إلياس.
    2 في "الاشتقاق": ابن حزيمة، وفي "نسب قريش": خزيمة،وفي "الأصابة": عوف بن خزيمة.
    3 رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه: محمد بن السائب الكلبي، وهو كذاب.
    (1/204)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    قسر العرنيون الذين قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاجتووا المدينة، وحديثهم مشهور وهم بنو عرينة بن النذير، أو بنو عرينة بن ربيعة بن نذير، لأنهما عرينتان وأحدهما: عم الآخر.
    وقال ابن إسحاق في السيرة من بني قيس : كبة من بجيلة.
    وقوله وهو ينافر الفرافصة [بن الأحوص] الكلبي إلى الأقرع بن حابس التميمي. ينافر أي يحاكم. قال قاسم بن ثابت لفظ المنافرة مأخوذ من النفر وكانوا إذا تنازع الرجلان وادعى كل واحد منهم أنه أعز نفرا من صاحبه تحاكموا إلى العلامة فمن فضل منهما قيل نفره عليه أي فضل نفره على نفر الآخر فمن هذا أخذت المنافرة وقال زهير:
    فإن الحق مقطعه ثلاث ... يمين أو نفار أو جلاء
    والفرافصة بالضم: اسم الأسد وبالفتح اسم الرجل وقد قيل كل فرافصة في العرب بالضم إلا الفرافصة أبا نائلة صهر عثمان بن عفان فإنه بالفتح.
    وقوله: إنك إن تصرع أخاك تصرع. وجدت في حاشية أبي بحر قال الأشهر في الرواية إن يصرع أخوك، وإنما لم ينجزم الفعل الآخر على جواب الشرط لأنه في نية التقديم عند سيبويه، وهو على إضمار الفاء عند المبرد وما ذكر في أنمار من قول أهل اليمن يشهد له حديث الترمذي المتقدم.
    وذكر أم إلياس وقال فيها: امرأة من جرهم، ولم يسمها، وليست من جرهم، وإنما هي الرباب بنت حيدة1 بن معد بن عدنان فيما ذكر الطبري، وقد قدمنا ذلك في نسب النبي - صلى الله عليه وسلم
    ـــــــ
    1 في "نهاية الأرب" وغيره: حيد، وفي "نسب قريش": أن أم إلياس هي الحنفاء بنت إياد بن معد.
    (1/205)
    .................................................. ...........................................
    ـــــــ
    وأما عيلان أخو إلياس فقد قيل إنه قيس نفسه لا أبوه وسمي بفرس له اسمه عيلان1 وكان يجاوره قيس كبة من بجيلة عرف بكبة اسم فرسه فرق بينهما بهذه الإضافة وقيل عيلان اسم كلب له وكان يقال له الناس ولأخيه إلياس وقد تقدم في أول الكتاب القول في عمود نسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما فيه غنية من شرح تلك الأسماء.
    وذكر مدركة وطابخة وقمعة وسبب تسميتهم بهذه الأسماء وفي الخبر زيادة وهو أن إلياس قال لأمهم - واسمها ليلى، وأمها: ضرية بنت ربيعة بن نزار التي ينسب إليها: حمى ضرية، وقد أقبلت تخندف في مشيتها: ما لك تخندفين؟ فسميت خندف، والخندفة سرعة في مشي وقال لمدركة:
    وأنت قد أدركت ما طلبتا
    وقال لطابخة:
    وأنت قد أنضجت ما طبختا
    وقال لقمعة وهو عمير:
    وأنت قد قعدت فانقمعتا
    وخندف التي عرف بها بنو إلياس وهي التي ضربت الأمثال بحزنها على إلياس وذلك أنها تركت بنيها، وساحت في الأرض تبكيه حتى ماتت كمدا، وكان مات يوم خميس وكانت إذا جاء الخميس بكت من أول النهار إلى آخره فمما قيل من الشعر في ذلك:
    إذا مؤنس لاحت خراطيم شمسه ... بكته به حتى ترى الشمس تغرب
    ـــــــ
    1 في "الطبري": أنه سمي عيلان لأنه كان يعاتب على جوده. فيقول له: لتغلبن عليك العيلة يا عيلان.
    (1/206)
    ـــــــ
    فما رد بأسا حزنها وعويلها ... ولم يغنها حزن ونفس تعذب
    وكانوا يسمون الخميس مؤنسا1 قال الزبير وإنما نسب بنو إلياس لأمهم لأنها حين تركتهم شغلا لحزنها على أبيهم رحمهم الناس فقالوا: هؤلاء أولاد خندف الذين تركتهم وهم صغار أيتام حتى عرفوا ببني خندف. وأما عوانة بنت سعد بن قيس عيلان فسميت العوانة وهي الناقة الطويلة.
    (1/207)
    قصة عمرو بن لحي وذكر أصنام العرب
    ...
    قصة عمرو بن لحي وذكر أصنام العرب
    حديث جر عمرو قصبه في النار
    قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه قال حدثت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال "رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار فسألته عمن بيني وبينه من الناس فقال هلكوا".
    ـــــــ
    وذكر حديث عمرو بن لحي2 بن قمعة بن إلياس وقد تقدم في نسب خزاعة وأسلم أنهما ابنا حارثة بن ثعلبة وأن ربيعة بن حارثة هو أبو خزاعة من بني أبي حارثة بن عامر لا من حارثة وسيأتي ذلك. وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأسلم "ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا" وهو معارض لحديث أكثم بن الجون في الظاهر إلا أن بعض أهل النسب ذكر أن عمرو بن لحي كان حارثة قد خلف على أمه بعد أن آمت من قمعة ولحي صغير.
    ولحي هو ربيعة، فتبناه حارثة وانتسب إليه فيكون النسب صحيحا بالوجهين جميعا: إلى حارثة بالتبني، وإلى قمعة بالولادة وكذلك أسلم بن أفصى بن حارثة فإنه أخو خزاعة، والقول فيه كالقول في خزاعة،
    ـــــــ
    1 في "صبح الأعشى": أنها تسمية العرب العاربة من بني قحطان وجرهم الأولى.
    2 في "البخاري": نسبه عمرو بن عامر بن لحي، وفي "نسب قريش": عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف.
    (1/207)
    قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن أبا صالح السمان حدثه أنه سمع أبا هريرة - قال ابن هشام: واسم أبي هريرة. عبد الله بن عامر، ويقال اسمه عبد الرحمن بن صخر - يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون الخزاعي "يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ولا بك منه. فقال أكثم عسى أن يضرني شبهه يا رسول الله؟ قال لا، إنك مؤمن وهو كافر إنه كان أول من غير دين إسماعيل فنصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي" .
    __________
    وقيل في أسلم بن أفصى: إنهم من بني أبي حارثة بن عامر لا من بني حارثة، فعلى هذا لا يكون في الحديث حجة لمن نسب قحطان إلى إسماعيل والله أعلم.
    ومن حجة من نسب خزاعة إلى قمعة مع الحديث المذكور في ذلك قول المعطل [الهذلي] يخاطب قوما من خزاعة:
    لعلكم من أسرة قمعية ... إذا حضروا لا يشهدون المعرفا1
    وقوله في حديث أكثم الذي يرويه أبو هريرة. اسم أبي هريرة عبد الله بن عمرو، وقيل عبد الرحمن بن صخر وقيل هو الذي ذكره ابن هشام. وقال البخاري اسمه عبد شمس بن عبد نهم وقيل اسمه عبد غنم ويحتمل أن يكون هذا اسمه في الجاهلية فبدله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما بدل كثيرا من الأسماء وقد قيل اسمه يزيد بن عشرقة وقيل كردوس وقيل سكين. قاله النفسوي، [لعله البغوي أو النفوسي] وقيل غير هذا. وكناه أبا هريرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهرة رآها معه وقد ذكر أن الهرة كانت وحشية2.
    ـــــــ
    1 المعرفا: الموقف بعرفة.
    2 روى الترمذي أن أهله الذين كنوه بهذا، وقد استوفى ما قيل في نسبه ابن حجر في "الإصابة" وفي اسمه أربعة وأربعون قولاً.
    (1/208)
    جلب الأصنام من الشام إلى مكة:
    قال ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم:
    أن عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره فلما قدم مآب من
    ـــــــ
    وأما أكثم الذي ذكره فقد صرح في حديثه بنسب عمرو والد خزاعة، وذكره لقوة الشبه بين أكثم وبينه يدل على أنه نسب ولادة - كما تقدم ولا سيما على رواية الزبير فإن فيها أنه قال "رأيت عمرو بن لحي والد خزاعة يجر قصبه في النار" وقوله لأكثم "إنك مؤمن وهو كافر "1 قد روى الحديث الحارث بن أبي أسامة في مسنده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال هذه المقالة في حديث الدجال لعبد العزى بن س، وأن عبد العزى قال "أيضرني شبهي به يا رسول الله؟ يعني: الدجال فقال كما قال لأكثم إنك مؤمن وهو كافر" وأحسب هذا وهما في الحديث والله أعلم كما ذكره البخاري عن الزهري. قال ابن قطن رجل من خزاعة هلك في الجاهلية ولأكثم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثان. أحدهما خير الرفقاء أربعة وقد تكلمنا على معناه في كتاب التعريف والإعلام. والآخر اغز مع غير قومك، تحسن خلقك، قال الإسكاف في كتاب فوائد الأخبار معنى هذا لأن الرجل إذا غزا مع غير قومه تحفظ ولم يسترسل وتكلف من رياضة نفسه ما لا يتكلفه في صحبة من يثق باحتماله لنظرهم إليه بعين الرضى، ولصحة إدلاله فلذلك تحسن خلقه لرياضة نفسه على الصبر والاحتمال فهذا حسن من التأويل غير أن الحديث مختلف في لفظه فقد روي فيه سافر مع قومك، وذكر الروايتين أبو عمر رحمه الله.
    قطن رجل من خزاعة هلك في الجاهلية ولأكثم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثان. أحدهما "خير الرفقاء أربعة" وقد تكلمنا على معناه في كتاب التعريف والإعلام. والآخر "اغز مع غير قومك، تحسن خلقك" قال الإسكاف في كتاب فوائد الأخبار معنى هذا لأن الرجل إذا غزا مع غير قومه تحفظ ولم يسترسل وتكلف من رياضة نفسه ما لا يتكلفه في صحبة من يثق باحتماله لنظرهم إليه بعين الرضى، ولصحة إدلاله فلذلك تحسن خلقه لرياضة نفسه على الصبر والاحتمال فهذا حسن من التأويل غير أن الحديث مختلف في لفظه فقد روي فيه سافر مع قومك، وذكر الروايتين أبو عمر2 رحمه الله.
    وذكر في الحديث عمرو بن لحي، وأنه أول من بحر البحيرة وقد روي أيضا أن أول من بحر البحيرة رجل من بني مدلج كانت له ناقتان فجدع آذانهما، وحرم ألبانهما. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – "فرأيته في النار يخبطانه بأخفافهما، ويعضانه بأفواههما" .
    ـــــــ
    1 وقيل عن أكثم إنه ابن أبي الجون، واسمه: عبد العزى بن منقذ بن ربيعة بن أحرم.
    2 في حديثه أبو سلمة المعاملي، قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول عنه: متروك الحديث باطل.
    (1/209)
    أرض البلقاء، وبها يومئذ العماليق - وهم ولد عملاق. ويقال: عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح - رآهم يعبدون الأصنام فقال لهم ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا له هذه أصنام نعبدها، فنستمطرها فتمطرنا، ونستنصرها فتنصرنا، فقال لهم أفلا تعطونني منها صنما، فأسير به إلى أرض العرب، فيعبدوه؟ فأعطوه صنما يقال له هبل فقدم به مكة، فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه.
    قال ابن إسحاق: ويزعمون أن أول ما كانت عبادة الحجارة في بني إسماعيل أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم حين ضاقت عليهم والتمسوا الفسح في البلاد إلا حمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم فحيثما نزلوا وضعوه فطافوا به كطوافهم بالكعبة حتى سلخ ذلك1 بهم إلى أن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة وأعجبهم حتى خلف الخلوف2 ونسوا ما كانوا عليه واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم يتمسكون بها: من تعظيم البيت، والطواف به والحج والعمرة والوقوف على عرفة والمزدلفة، وهدي البدن والإهلال بالحج والعمرة مع إدخالهم فيه ما ليس منه.
    فكانت كنانة وقريش إذا أهلوا قالوا: "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه
    ـــــــ
    وقال عليه السلام: "قد عرفت أول من سيب السائبة ونصب النصب. عمرو بن لحي رأيته يؤذي أهل النار بريح قصبه" . رواه ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر مرسلا، ولم يقع في رواية البكائي عنه.
    أصل عبادة الأوثان:
    يقال لكل صنم من حجر أو غيره صنم ولا يقال وثن إلا لما كان من غير
    ـــــــ
    1 سلخ بهم: خرج بهم.
    2 الخلوف: جمع خلف "بالفتح"، وهو القرن بعد القرن.
    (1/210)
    وما ملك". فيوحدونه بالتلبية ثم يدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده. يقول الله تبارك وتعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم – {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف 106] أي ما يوحدونني لمعرفة حقي إلا جعلوا معي شريكا من خلقي.
    أصنام عند قوم نوح:
    وقد كانت لقوم نوح أصنام قد عكفوا عليها، قص الله - تبارك وتعالى - خبرها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً} [نوح: 23 - 24]
    __________
    صخرة كالنحاس ونحوه وكان عمرو بن لحي حين غلبت خزاعة على البيت، ونفت جرهم عن مكة، قد جعلته العرب ربا لا يبتدع لهم بدعة إلا اتخذوها شرعة لأنه كان يطعم الناس ويكسو في الموسم فربما نحر في الموسم عشرة آلاف بدنة وكسا عشرة آلاف حلة حتى [قيل] إنه اللاتي الذي، يلت السويق1 للحجيج على صخرة معروفة تسمى: صخرة اللاتي، ويقال إن الذي يلت كان من ثقيف، فلما مات قال لهم عمرو: إنه لم يمت ولكن دخل في الصخرة ثم أمرهم بعبادتها، وأن يبنوا عليها بيتا يسمى: اللاتي، ويقال دام أمره وأمر ولده على هذا بمكة ثلاثمائة سنة فلما هلك سميت تلك الصخرة اللاتي مخففة التاء واتخذ صنما يعبد وقد ذكر ابن إسحاق، أنه أول من أدخل الأصنام الحرم، وحمل الناس على عبادتها، وسيأتي ذكر إساف ونائلة وما كان منه في أمرهما.
    وذكر أبو الوليد الأزرقي في أخبار مكة أن عمرو بن لحي فقأ أعين عشرين بعيرا، وكانوا يفقئون عين الفحل إذا بلغت الإبل ألفا، فإذا بلغت ألفين فقئوا العين الأخرى قال الراجز:
    وكان شكر القوم عند المنن ... كي الصحيحات وفقأ الأعين
    وكانت التلبية من عهد إبراهيم: لبيك لا شريك لك لبيك حتى كان
    ـــــــ
    1 طعام يتخذ من مدقوق الحنطة والشعير.
    (1/211)
    القبائل وأصنامها، وشيء عنها:
    فكان الذين اتخذوا تلك الأصنام من ولد إسماعيل وغيرهم وسموا بأسمائهم حين فارقوا دين إسماعيل هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، اتخذوا سواعا، فكان لهم برهاط. وكلب بن وبرة من قضاعة، اتخذوا ودا بدومة الجندل.
    ـــــــ
    عمرو بن لحي، فبينما هو يلبي تمثل له الشيطان في صورة شيخ يلبي معه1 فقال عمرو: لبيك لا شريك لك، فقال الشيخ إلا شريكا هو لك، فأنكر ذلك عمرو، وقال ما هذا؟ فقال الشيخ قل تملكه وما ملك فإنه لا بأس بهذا، فقالها عمرو، فدانت بها العرب2.
    وذكر ابن إسحاق ما كان في قوم نوح ومن قبلهم من عبادة الأصنام وتلك هي الجاهلية الأولى التي ذكر الله في القرآن في قوله {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33] وكان بدء ذلك في عهد مهلايل بن قينان فيما ذكروا، وقد ذكر البخاري عن ابن عباس قال: "صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد وهي أسماء قوم صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا في مجالسهم التي كانوا يجلسونها أنصابا، وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنوسخ العلم عبدت". وذكر الطبري هذا المعنى وزاد أن سواعا كان ابن شيث وأن يغوث كان ابن سواع وكذلك يعوق ونسر كلما هلك الأول صورت صورته وعظمت لموضعه من الدين ولما عهدوا في دعائه من الإجابة فلم يزالوا هكذا حتى خلفت الخلوف وقالوا: ما عظم هؤلاء آباؤنا إلا لأنها ترزق وتنفع وتضر، واتخذوها آلهة وهذه أسماء سريانية وقعت إلى الهند، فسموا بها أصنامهم التي زعموا أنها صور الدراري السبعة وربما كلمتهم الجن من
    ـــــــ
    1 هو شيطان مثل عمرو بن لحي.
    2 في "الصحيحين" إن هذه كانت تلبية المشركين، وفي "صحيح مسلم" أنهم كانوا إذا قالوا: لبيك لا شريك لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد قد أي حسب حسب.
    (1/212)
    قال ابن إسحاق: وقال كعب بن مالك الأنصاري
    وننسى اللات والعزى وودا ... ونسلبها القلائد والشنوفا
    رأي ابن هشام في نسب كلب بن وبرة:
    قال ابن هشام: وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله.
    قال ابن هشام: وكلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة.
    يغوث وعبدته:
    قال ابن إسحاق: وأنعم من طيئ، وأهل جرش من مذحج اتخذوا يغوث بجرش.
    رأي ابن هشام في أنعم، وفي نسب طيئ:
    قال ابن هشام: ويقال أنعم. وطيئ بن أدد بن مالك ومالك مذحج بن أدد ويقال طيئ بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ.
    يوق وعبدته:
    قال ابن إسحاق: وخيوان بطن من همدان، اتخذوا يعوق بأرض همدان من أرض اليمن. قال ابن هشام: وقال مالك بن نمط الهمداني:
    ـــــــ
    جوفها ففتنتهم ثم أدخلها إلى العرب عمرو بن لحي كما ذكر أو غيره1 وعلمهم تلك الأسماء وألقاها الشيطان على ألسنتهم موافقة لما كانوا في عهد نوح.
    وذكر ابن إسحاق أن كلب بن وبرة من قضاعة. وبرة بسكون الباء تقيد في
    ـــــــ
    1 في "البخاري" عن ابن عباس: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود: فكانت لكلب،وأما سواع: فكانت لهذيل، وأما يغوث: فكانت لمراد، وأما يعوق: فكانت لهمدان، وأما نسر: فكانت لحمير، وهي أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام.
    (1/213)
    يريش الله في الدنيا ويبري ... ولا يبري يعوق ولا يريش
    وهذا البيت في أبيات له.
    همدان ونسبه:
    قال ابن هشام: اسم همدان: أوسلة بن مالك بن زيد بن ربيعة بن أوسلة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ، ويقال أوسلة بن زيد بن أوسلة بن الخيار. ويقال همدان بن أوسلة بن ربيعة بن مالك بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ.
    ـــــــ
    نسخة الشيخ وهي الأنثى من الوبر اتخذوا ودا في دومة الجندل، ودومة هذه - بضم الدال ذكروا أنها سميت بدومى بني إسماعيل كان نزلها، ودومة أخرى بضم الدال عند الكوفة، ودومة - بفتح الدال - أخرى مذكورة في أخبار الردة كذا وجدته للبكري [في معجم ما استعجم] مقيدا في أسماء هذه المواضع.
    وذكر طيء بن أدد أو ابن مالك بن أدد على الخلاف ومالك هو مذحج، وسموا مذحجا بأكمة نزلوا إليها. [وطي] من الطاءة1 وهي بعد الذهاب في الأرض. قاله ابن جني، ولم يرض قول القتبي إنه أول من طوى المناهل لأن طيئا مهموز وطويت غير مهموز.
    وذكر جرش في مذحج. والمعروف أنهم في حمير، وأن مذحج من كهلان بن سبأ، ويقال إن الملك كان لكهلان بعد حمير، وأن ملكه دام ثلاثمائة سنة ثم عاد في بني حمير، قاله المسعودي2. وذكر الدارقطني أن جرش وحرش بالحاء أخوان وأنهما ابنا عليم بن جناب الكلبي، فهما قبيلان من كلب - والله أعلم.
    وذكر مالك بن نمط الهمداني [الخارفي]، وهو أبو ثور يلقب ذا المشعار
    ـــــــ
    1 في "الاشتقاق" أنهم سموا بهذا الاسم أكمة ولدت عليها أمهم، ومذحج من الذحج وهو: الدلك، والطاءة –كالطاعة- الإبعاد في المرعى.
    2 "مروج الذهب": 2/74
    (1/214)
    نسر وعبدته:
    قال ابن إسحاق: وذو الكلاع من حمير، اتخذوا نسرا بأرض حمير1.
    عميانس وعبدته:
    وكان لخولان صنم يقال له عميانس بأرض خولان، يقسمون له من أنعامهم وحروثهم قسما بينه وبين الله بزعمهم فما دخل في حق عميانس من حق الله تعالى الذي سموه له تركوه له وما دخل في حق الله تعالى من حق عميانس ردوه عليه وهم بطن من خولان، يقال لهم الأديم وفيهم أنزل الله - تبارك وتعالى - فيما يذكرون {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الأنعام: 136].
    نسب خولان:
    قال ابن هشام: خولان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، ويقال خولان بن عمرو بن مرة بن أدد بن زيد بن مهسع بن عمرو بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ، ويقال خولان بن عمرو بن سعد العشيرة بن مذحج.
    ـــــــ
    وهو من بني خارف، وقد قيل. إنه من يام بن أصي، وكلاهما من همدان وقوله:
    يريش الله في الدنيا ويبري
    هو من رشت السهم وبريته، استعير في النفع والضر. قال سويد:
    فرشني بخير طالما قد بريتني ... وخير الموالي من يريش ولا يبرى2
    ـــــــ
    1 كان هذا الصنم بأرض يقال لها: بلخع، موضع من أرض سبأ, ولم تزل تعبده حمير ومنوالاهم حتى هودهم ذو نواس.
    2 نسبه "اللسان" إلى حمير بن حباب، ورشت فلاناً: إذا قويته وأعنته على معاشه وأصلحت حاله، والبرى خلافه.
    (1/215)
    سعد وعبدته:
    قال ابن إسحاق: وكان لبني ملكان بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر صنم يقال له سعد صخرة بفلاة من أرضهم طويلة فأقبل رجل من بني ملكان بإبل له مؤبلة ليقفها عليه التماس بركته - فيما يزعم - فلما رأته الإبل وكانت مرعية لا تركب وكان يهراق عليه الدماء نفرت منه فذهبت في كل وجه وغضب ربها الملكاني، فأخذ حجرا فرماه به ثم قال لا بارك الله فيك، نفرت علي إبلي، ثم خرج في طلبها حتى جمعها، فلما اجتمعت له قال:
    أتينا إلى سعد ليجمع شملنا ... فشتتنا سعد فلا نحن من سعد
    وهل سعد إلا صخرة بتنوفة ... من الأرض لا تدعو لغي ولا رشد
    صنم دوس:
    وكان في دوس صنم لعمرو بن حممة الدوسي.
    قال ابن هشام: سأذكر حديثه في موضعه إن شاء الله.
    __________
    وذكر حديث الملكاني وقوله:
    فشتتنا سعد فلا نحن من سعد
    ويمتنع في العربية دخول لا على الابتداء المعرفة والخبر إلا مع تكرار لا، مثل أن تقول لا زيد في الدار ولا عمرو، وذكر سيبويه قولهم لا نولك أن تفعل وقال إنما جاز هذا ; لأن معناه معنى الفعل أي لا ينبغي لك أن تفعل1 وكذلك ينبغي أن يقال في بيت الملكاني أي لم يقلها على جهة الخبر، ولكن على قصد التبري منه فكان معنى الكلام فلا نتولى سعدا، ولا ندين به فهذا المعنى حسن دخول لا على الابتداء كما حسن لا نولك.
    ـــــــ
    1 ومثلها: نوالك ومنوالك، وقد قال سيبويه: أما نول: فتقول: نولك أن تفعل كذا، أي ينبغي لك فعل كذا.
    (1/216)
    نسب دوس:
    ودوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأسد بن الغوث. ويقال: دوس بن عبد الله بن زهران بن الأسد بن الغوث.
    هبل:
    قال ابن إسحاق وكانت قريش قد اتخذت صنما على بئر في جوف الكعبة يقال له هبل.
    قال ابن هشام: سأذكر حديثه إن شاء الله في موضعه.
    ـــــــ
    وقوله إلا صخرة بتنوفة. التنوفة القفر1 وجمعها: تنائف بالهمز ووزنها: فعولة ولو كانت تفعلة من النوف وهو الارتفاع لجمعت تناوف ولكنه لا يجوز أن تكون تفعلة إلا أن تحرك الواو بالضم لئلا يشبه بناء الفعل ولو قيل فيها: تنوفة بضم التاء لاحتمل حينئذ أن تكون فعولة أو تفعلة على مثال تنفلة إذ ليس في الأفعال تفعل بالضم وهذا من دقيق علم التصريف.
    وأما ملكان بن كنانة فبكسر الميم. قال أبو جعفر بن حبيب النسابة كل شيء في العرب فهو ملكان بكسر الميم ساكن اللام غير ملكان في قضاعة، وملكان في السكون، فإنهما بفتح الميم واللام فملكان قضاعة هو ابن جرم بن ربان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وملكان السكون هو ابن عباد بن عياض بن عقبة بن السكون بن أشرس من كندة، وكذلك قال الهمداني في ملكان بن جرم، وقال مثل غطفان، وقال ابن حبيب مشايخ خزاعة يقولون ملكان بفتح اللام قال أبو الوليد يعني ابن حبيب ملكان بن أفصى بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، وذكر أبو علي القالي في "أماليه" عن أبي بكر بن الأنباري عن أبيه عن
    ـــــــ
    1 ولها معان أخر، وقد جعلها "اللسان" في مادة: تنف.
    (1/217)
    إساف ونائلة، وحديث عائشة عنهما:
    قال ابن إسحاق: واتخذوا إسافا ونائلة على موضع زمزم1 ينحرون عندهما، وكان إساف ونائلة رجلا وامرأة من جرهم - هو إساف بن بغي ونائلة بنت ديك - فوقع إساف على نائلة في الكعبة، فمسخهما الله حجرين.
    قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنها قالت:
    سمعت عائشة - رضي الله عنها – تقول "ما زلنا نسمع أن إسافا ونائلة كانا رجلا وامرأة من جرهم، أحدثا في الكعبة، فمسخهما الله تعالى حجرين" والله أعلم.
    قال ابن إسحاق: وقال أبو طالب:
    وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم ... بمفضى السيول من إساف ونائل
    قال ابن هشام: وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى.
    ما كان يفعله العرب مع الأصنام:
    قال ابن إسحاق: واتخذ أهل كل دار في دارهم صنما يعبدونه فإذا أراد الرجل منهم سفرا تمسح به حين يركب فكان ذلك آخر ما يصنع حين يتوجه إلى سفره، وإذا
    ـــــــ
    أشياخه: أن كل ملكان في العرب فهو ملكان بكسر الميم إلا ملكان في جرم بن زبان2.
    قال المؤلف: وابن حبيب النسابة مصروف اسم أبيه ورأيت لابن المغربي قال إنما هو ابن حبيب بفتح الباء غير مجرى، لأنها أمه وأنكر ذلك عليه غيره،
    ـــــــ
    1 وكان أحد هذين الصنمين أولا بلصق الكعبة، والآخر في موضع زمزم، فنقلت قريش الذي كان بلصق الكعبة إلى الآخر، فكانا في موضعهما هذا.
    2 في "اللسان": كل ما في العرب ملكان بكير الميم وسكون اللام إلا ملكان بفتح فسكون ابن جرم بن زبان.
    (1/218)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    وقالوا: هو حبيب بن المحبر معروف غير منكر وإنما ذكرناه هاهنا لما حكينا قوله في ملكان.
    فصل:
    وذكر إسافا ونائلة وأنهما رجل وامرأة من جرهم، وأن إسافا وقع عليها في الكعبة فمسخا، وأخرجه رزين في فضائل مكة عن بعض السلف ما أمهلهما الله إلى أن يفجرا فيها، ولكنه قبلها، فمسخا1 حجرين فأخرجا إلى الصفا والمروة، فنصبا عليهما، ليكونا عبرة وموعظة فلما كان عمرو بن لحي نقلهما إلى الكعبة، ونصبهما على زمزم، فطاف الناس بالكعبة وبهما، حتى عبدا من دون الله.
    وأما هبل فإن عمرو بن لحي جاء به من هيت2، وهي من أرض الجزيرة حتى وضعه في الكعبة. وذكر الواقدي أن نائلة حين كسرها النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح خرجت منها سوداء شمطاء تخمش وجهها، وتنادي بالويل والثبور وذكر باقي الحديث.
    وقول عائشة "أحدثا في الكعبة" أرادت الحدث الذي هو الفجور كما قال - عليه السلام – "من أحدث [فيها] حدثا، أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله [والملائكة والناس أجمعين]" . وقال عمر حين كانت الزلزلة بالمدينة: "أحدثتم. والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم".
    وقول أبي طالب: من إساف ونائل وهو ترخيم في غير النداء للضرورة كما قال أمال بن حنظل. وذكر قول الشاعر:
    ـــــــ
    1 ذكر المسعودي رأيا مفاده: أن إسافاً ونائلة حجران نحتا ومثلا بالفاجرين إساف ونائلة. انظر: "مروج الذهب" 2/50.
    2 سميت باسم بانيها هيت بن البندي، وهي بلدة على الفرات فوق الأنبار على جهة البرية غربي الفرات.
    (1/219)
    قدم من سفره تمسح به فكان ذلك أول ما يبدأ به قبل أن يدخل على أهله فلما بعث الله رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالتوحيد قالت قريش : {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5] وكانت العرب قد اتخذت مع الكعبة طواغيت وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة، لها سدنة وحجاب وتهدي لها كما تهدي للكعبة وتطوف بها كطوافها بها وتنحر عندها، وهي تعرف فضل الكعبة عليها ; لأنها كانت قد عرفت أنها بيت إبراهيم الخليل ومسجده.
    العزى وسدنتها:
    فكانت لقريش وبني كنانة: العزى بنخلة1، وكان سدنتها وحجابها بنو شيبان من سليم، حلفاء بني هاشم.
    قال ابن هشام: حلفاء بني أبي طالب خاصة وسليم سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان.
    قال ابن إسحاق: فقال شاعر من العرب:
    لقد أنكحت أسماء رأس بقيرة ... من الأدم أهداها امرئ من بني غنم
    رأى قدعا في عينها إذ يسوقها ... إلى غبغب العزى فوسع في القسم
    ـــــــ
    رأى قدعا في عينها. والقدع: ضعف البصر من إدمان النظر.
    وقوله في الغبغب: وهو المنحر2 ومراق الدم كانه سمي بحكاية صوت الدم عند انبعاثه ويجوز أن يكون مقلوبا من قولهم بئر بغبغ وبغيبغ إذا كانت كثيرة الماء. قال الراجز بغيبغ قصيرة الرشاء. ومنه قيل لعين أبي نيزر البغيبغة. ومعنى هذا البيت الذم وتشبيه هذا المهجو برأس بقرة قد قربت أن يذهب بصرها، فلا تصلح إلا للذبح والقسم.
    ـــــــ
    1 هي نخلة الشامية، وكانت العزى بواد منها، يقال لها الحرض، وقد حمت قريش العزى شعباً من واد الحراض، يقال له: سقام, يضاهون به حرم مكة.
    2 قيل: كان لمتعب بن قيس بيت كانوا يحجون إليه يقال له: الغبغب.
    (1/220)
    وكذلك كانوا يصنعون إذا نحروا هديا قسموه في من حضرهم. والغبغب المنحر ومهراق الدماء.
    قال ابن هشام: وهذان البيتان لأبي خراش الهذلي1 واسمه خويلد بن مرة في أبيات له.
    معنى السدنة:
    والسدنة: الذين يقومون بأمر الكعبة. قال رؤبة بن العجاج:
    فلا ورب الآمنات القطن2 ... بمحبس الهدي وبيت المسدن
    وهذان البيتان في أرجوزة له وسأذكر حديثها إن شاء الله تعالى في موضعه.
    اللآت وسدنتها:
    قال ابن إسحاق: وكانت اللات لثقيف بالطائف، وكان سدنتها وحجابها بنو معتب من ثقيف.
    قال ابن هشام: وسأذكر حديثها إن شاء الله تعالى في موضعه.
    مناة وسدنتها وهدمها:
    قال ابن إسحاق: وكانت مناة للأوس والخزرج، ومن دان بدينهم من أهل يثرب، على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد.
    قال ابن هشام: وقال الكميت بن زيد أحد بني أسد بن مدركة:
    وقد آلت قبائل لا تولي ... مناة ظهورها متحرفينا
    وهذا البيت في قصيدة له.
    قال ابن هشام: فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليها أبا سفيان بن حرب فهدمها، ويقال: علي بن أبي طالب.
    ـــــــ
    1 قال أبو خراش هذا الشعر يهجو به رجلا تزوج امرأة جميلة يقال لها أسماء.
    2 يريد حمام مكة، لأنه آمن في حرمه، والأرجوزة في ديوانه.
    (1/221)
    ذو الخصلة وسدنته وهدمه:
    قال ابن إسحاق: وكان ذو الخلصة1 لدوس وخثعم وبجيلة، ومن كان ببلادهم من العرب بتبالة.
    قال ابن هشام: ويقال: ذو الخلصة. قال رجل من العرب:
    لو كنت يا ذا الخلص الموتورا ... مثلي وكان شيخك المقبورا
    لم تنه عن قتل العداة زورا
    قال وكان أبوه قتل فأراد الطلب بثأره فأتى ذا الخلصة فاستقسم عنده بالأزلام فخرج السهم بنهيه عن ذلك فقال هذه الأبيات. ومن الناس من ينحلها امرأ القيس بن حجر الكندي، فبعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جرير بن عبد الله البجلي، فهدمه.
    ـــــــ
    وذكر فلسا في بلاد طيئ بين أجأ وسلمى. ويذكر عن ابن الكلبي أو غيره أن أجأ اسم رجل بعينه وهو أجأ بن عبد الحي وكان فجر بسلمى بنت حام، أو اتهم بذلك فصلبا في ذينك الجبلين وعندهما جبل يقال له العوجاء، وكانت العوجاء حاضنة سلمى - فيما ذكر - وكانت السفير بينها وبين أجأ، فصلبت في الجبل الثالث فسمي بها.
    وذكر ذا الخلصة وهو بيت دوس. والخلص في اللغة نبات طيب الريح يتعلق بالشجر له حب كعنب الثعلب. وجمع الخلصة خلص. وأن الذي استقسم بالأزلام هو امرؤ القيس بن حجر. ووقع في كتاب أبي الفرج أن امرأ القيس بن حجر حين وترته بنو أسد بقتل أبيه استقسم عند ذي الخلصة بثلاثة أزلام وهي الزاجر والآمر والمتربص فخرج له الزاجر فسب الصنم ورماه بالحجارة وقال له اعضض ببظر أمك، وقال الرجز الذي ذكره ابن إسحاق: لو كنت يا ذا الخلص
    ـــــــ
    1 وكان ذو الخلصة مروة بيضاء منقوشة عليها كهيئة التاج، وكان سدنتها بنو أمامة من باهلة ابن أعصر.
    (1/222)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    الموتورا. إلى آخره ولم يستقسم أحد عند ذي الخلصة بعد حتى جاء الإسلام وموضعه اليوم مسجد جامع لبلدة يقال لها: العبلات من أرض خثعم. ذكره المبرد عن أبي عبيدة. واسم امرئ القيس حندج والحندج بقلة تنبت في الرمل. والقيس الشدة والنجدة. قال الشاعر:
    وأنت على الأعداء قيس ونجدة ... وأنت على الأدنى هشام ونوفل1
    والنسب إليه مرقسي، وإلى كل امرئ القيس سواه امرئي2. وقد قيل إن حندجا اسم امرئ القيس بن عابس وله صحبة وهو كندي مثل الأول فوقع الغلط من ههنا.
    وقوله لم تنه عن قتل العداة زورا. نصب: زورا على الحال من المصدر الذي هو النهي. أراد نهيا زورا. وانتصاب المصدر على هذه الصورة إنما هو حال أو مفعول مطلق فإذا حذفت المصدر وأقمت الصفة مقامه لم تكن إلا حالا، والدليل على ذلك أنك تقول ساروا شديدا، وساروا رويدا، فإن رددته إلى ما لم يسم فاعله لم يجز رفعه لأنه حال ولو لفظت بالمصدر فقلت: ساروا سيرا رويدا لجاز أن تقول فيما لم يسم فاعله سير عليه سير رويد هذا كله معنى قول سيبويه، فدل على أن حكمه إذا لفظ به غير حكمه إذا حذف والسر في ذلك أن الصفة لا تقوم مقام المفعول إذا حذف. لا تقول كلمت شديدا، ولا ضربت طويلا، يقبح ذلك إذا كانت الصفة عامة والحال ليست كذلك لأنها تجري مجرى الظرف وإن كانت صفة فموصوفها معها، وهو الاسم الذي هي حال له ومن هذا الباب قوله تعالى : {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} [المؤمنون: 115].
    وذكر بعث جرير البجلي إلى هدم ذي الخلصة وذلك قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -
    ـــــــ
    1 حندح أيضاً: الكثيب من الرمل الصغير، وهو مركب من مراكب النساء انظر: "الاشتقاق".
    2 النسب إلى المركب-كما قال أبو حيان في "الارتشاف"- يكون إلى صدره.
    (1/223)
    فلس وسدنته وهدمه:
    قال ابن إسحاق: وكانت فلس الطيئ ومن يليها بجبلي طيئ يعني سلمى وأجأ.
    قال ابن هشام: فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إليها علي بن أبي طالب فهدمها، فوجد فيها سيفين يقال لأحدهما: الرسوب، وللآخر المخذم. فأتى بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوهبهما له فهما سيفا علي رضي الله عنه.
    قال ابن إسحاق: وكان لحمير وأهل اليمن بيت بصنعاء يقال له رئام.
    قال ابن هشام: قد ذكرت حديثه فيما مضى.
    رضاء وسدنته:
    قال ابن إسحاق: وكانت رضاء بيتا لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، ولها يقول المستوغر بن ربيعة بن كعب بن سعد حين هدمها في الإسلام:
    ولقد شددت على رضاء شدة ... فتركتها قفرا بقاع أسحما1
    ـــــــ
    بشهرين أو نحوهما، قال جرير: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مائة وخمسين راكبا من أحمس إلى الخلصة فقلت: يا رسول الله إني لا أثبت على الخيل فدعا لي، وقال: "اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا" وفي "كتاب مسلم" في هذا الحديث "وكان يقال له الكعبة اليمانية والشآمية"، وهذا مشكل ومعناه كان يقال الكعبة اليمانية والشامية2 يعنون بالشآمية البيت الحرام، فزيادة له سهو وبإسقاطه يصح
    ـــــــ
    1 القاع: المنخفض من الأرض، ورواية هذا الشطر في "الأصنام":
    فتركتها تلاً تنازع أسحما
    2 في "البخاري" أو الشآمية، وفي "مسلم" رواية أخرى: "كان يدعى كعبة اليمانية" فقط.
    (1/224)
    قال ابن هشام: قوله:
    فتركتها قفرا بقاع أسحما
    عن رجل من بني سعد.
    المستوغل وعمره:
    ويقال: إن المستوغر عمر ثلاثمائة سنة وثلاثين سنة وكان أطول مضر كلها عمرا، وهو الذي يقول:
    ـــــــ
    المعنى. قاله بعض المحدثين1 والحديث في جامع البخاري بزيادة له كما في صحيح مسلم، وليس هذا عندي بسهو وإنما معناه كان يقال له أي يقال من أجله الكعبة الشآمية للكعبة وهو الكعبة اليمانية، وله بمعنى من أجله لا تنكر كما قال ابن أبي ربيعة:
    وقمير من آخر الليل قد لا ... ح له قالت الفتاتان قوما
    وذو الخلصة بضم الخاء واللام في قول ابن إسحاق، وبفتحهما في قول ابن هشام، هو صنم سيعبد في آخر الزمان ثبت في الحديث أنه "لا تقوم الساعة حتى تصطفق أليات نساء دوس وخثعم حول ذي الخلصة" .
    فصل: وذكر المستوغر بن ربيعة، واسمه كعب. قال ابن دريد سمي مستوغرا بقوله:
    ينش الماء في الربلات منه ... نشيش الرضف في اللبن الوغير
    والوغير فعيل من وغرة الحر وهي شدته وذكر القتبي أن المستوغر حضر سوق عكاظ، ومعه ابن ابنه وقد هرم والجد يقوده فقال له رجل ارفق بهذا الشيخ فقد طال ما رفق بك، فقال ومن تراه؟ فقال هو أبوك أو جدك، فقال ما
    ـــــــ
    1 قال الكرماني: الضمير في له: راجع إلى البيت،والمراد: بيت الصنم.
    (1/225)
    ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وعمرت من عدد السنين مئينا
    مائة حدتها بعدها مئتان لي ... وازددت من عدد الشهور سنينا
    هل ما بقي إلا كما قد فاتنا ... يوم يمر، وليلة تحدونا
    وبعض الناس يروي هذه الأبيات لزهير بن جناب الكلبي.
    ذو الكعبات وسدنته:
    قال ابن إسحاق: وكان ذو الكعباتلبكر وتغلب ابني وائل وإياد بسنداد وله يقول أعشى بني قيس بن ثعلبة.
    ـــــــ
    هو إلا ابن ابني فقال ما رأيت كاليوم ولا المستوغر بن ربيعة فقال أنا المستوغر. والأبيات التي أنشدها له:
    ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وعمرت من عدد السنين مئينا
    إلى آخره. ذكر أنها تروى لزهير بن جناب الكلبي وهو زهير بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن غذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة. وزهير هذا من المعمرين1 وهو الذي يقول:
    أبني إن أهلك فإني ... قد بنيت لكم بنيه
    وتركتكم أولاد سادا ... ت زنادهم وريه
    من كل ما نال الفتى ... قد نلته إلا التحيه2
    ـــــــ
    1 قيل: إنه عاش عشرين ومائتي عام.
    2 رواها المرتضى في "أماليه" هكذا:
    وتركتكم أرباب سادات ... زنادكم ورية
    (1/226)
    بين الخورنق والسدير وبارق ... والبيت ذي الكعبات من سنداد
    قال ابن هشام: وهذا البيت للأسود بن يعفر النهشلي نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم في قصيدة له وأنشدنيه أبو محرز خلف الأحمر:
    أهل الخورنق والسدير وبارق ... والبيت ذي الشرفات من سنداد
    __________
    يريد بالتحية البقاء وقيل الملك وأعقب هو وإخوته قبائل في كلب وهم زهير وعدي وحارثة ومالك ويعرف مالك هذا بالأصم لقوله:
    أصم عن الخنا إن قيل يوما ... وفي غير الخنا ألفى سميعا1
    وأخوه حارثة بن جناب وعليم بن جناب ومن بني عليم بنو زيد غير مصروف. عرفوا بأمهم زيد بنت مالك وهم بنو كعب بن عليم منهم الرباب بنت امرئ القيس2 امرأة الحسين بن علي وفيها يقول:
    أحب لحبها زيدا جميعا ... ونثلة كلها، وبني الرباب
    وأخرى لأنها من آل لأم ... أحبهم وطر بني جناب
    فمن المعمرين من العرب سوى المستوغر مما زادوا على المائتين والثلاثمائة: زهير هذا، وعبيد بن شرية ودغفل بن حنظلة النسابة والربيع بن ضبع الفزاري، وذو الإصبع [حرثان بن محرث] العدواني، ونصر بن دهمان بن أشجع بن ريث بن غطفان، وكان قد اسود رأسه بعد ابيضاضه وتقوم ظهره بعد انحنائه وفيه يقول القائل:
    لنصر بن دهمان الهنيدة عاشها ... وتسعين حولا ثم قوم فانصاتا
    ـــــــ
    1 الخنا: الفاحشة.
    2 هي أم ولديه: عبد الله الذي قتل صغيراً مع أبيه، وسكينة. والرباب: أمهما وهي بنت امرئ القيس.
    (1/227)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    وعاد سواد الرأس بعد ابيضاضه ... ولكنه من بعد ذلك قد ماتا
    وأمره عند العرب من أعجب العجب ومن أطول المعمرين عمرا: ذويد واسمه زيد بن نهد من قضاعة1، وأبوه نهد إليه ينسب الحي المعروفون من قضاعة: بنو نهد بن زيد عاش ذويد أربعمائة عام - فيما ذكروا - وكان له آثار في العرب، ووقائع وغارات فلما جاء الموت قال:
    اليوم يبنى لذويد بيته ... ومغنم يوم الوغى حويته
    ومعصم موشم لويته ... لو كان للدهر بلى أبليته
    أو كان قرني واحدا كفيته
    وقول المستوغر:
    ولقد شددت على رضاء شدة ... فتركتها قفرا بقاع أسحما
    يريد تركتها سحماء من آثار النار وبعده:
    وأعان عبد الله في مكروهها ... وبمثل عبد الله أغشى المحرما
    ذكر ذا الكعبات بيت وائل وأنشد للأسود بن يعفر:
    أرض الخورنق والسدير ودارم ... والبيت ذي الشرفات من سنداد2
    والخورنق: قصر بناه النعمان الأكبر ملك الحيرة لسابور ليكون ولده فيه عنده وبناه بنيانا عجميا لم تر العرب مثله واسم الذي بناه له سنمار وهو الذي ردي من أعلاه حتى قالت العرب: جزاني جزاء سنمار وذلك أنه لما تم الخورنق، وعجب الناس من حسنه قال سنمار أما والله لو شئت حين بنيته جعلته يدور مع
    ـــــــ
    1 الهنيدة :اسم لكل مائة من الإبل، وقيل: هي المائتان, وانصات المنحنى: استوت قامته.
    2 البيت مخالف بعض المخالفة لما في "السيرة".
    (1/228)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    الشمس حيث دارت فقال له الملك أإنك لتحسن أن تبني أجمل من هذا؟ وغارت نفسه أن يبتنى لغيره مثله وأمر به فطرح من أعلاه وكان بناه في عشرين سنة قال الشاعر [عبد العزى بن امرئ القيس الكلبي]:
    جزاني جزاه الله شر جزائه ... جزاء سنمار وما كان ذا ذنب
    سوى رصه البنيان عشرين حجة ... يعلى عليه بالقرامد والسكب
    فلما انتهى البنيان يوما تمامه ... وآض كمثل الطود والباذخ الصعب
    وظن سنمار به كل حبوة ... وفاز لديه بالمودة والقرب
    رمى بسنمار على حاق رأسه ... وذاك لعمر الله من أقبح الخطب1
    ذكر هذا الشعر الجاحظ في كتاب الحيوان والسنمار من أسماء القمر وأول شعر الأسود:
    ذهب الرقاد فما أحس رقادي.
    وفيها يقول:
    ولقد عمرت وإن تطاول في المدى ... إن السبيل سبيل ذي الأعواد
    قيل يريد بالأعواد النعش وقيل أراد عامر بن الظرب الذي قرعت له العصا بالعود من الهرم والخرف وفيها يقول:
    ماذا أؤمل بعد آل محرق ... تركوا منازلهم وبعد إياد
    نزلوا بأنقرة يسيل عليهم ... ماء الفرات يجيء من أطواد
    أرض الخورنق والسدير وبارق ... والبيت ذي الكعبات من سنداد
    جرت الرياح على محل ديارهم ... فكأنما كانوا على ميعاد
    ـــــــ
    1 القصيدة لعبد العزى بن امرئ القيس الكلبي، والقراميد: مفرده: قرمد، وهو الآخر. والسكب: النحاس أو الرصاص، وآض الشيء: تحول. انظر "الطبري" 2/65. و"الحيوان" 1/12.
    (1/229)
    ـــــــ
    وأرى النعيم وكل ما يلهى به ... يوما يصير إلى بلى ونفاد
    ومعنى السدير بالفارسية بيت الملك. يقولون له "سهدلي" أي له ثلاث شعب وقال البكري: سمي السدير ; لأن الأعراب كانوا يرفعون أبصارهم إليه فتسدر من علوه يقال سدر بصره إذا تحير.
    (1/230)
    أمر البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي
    ...
    أمر البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي:
    رأي ابن إسحاق فيها:
    قال ابن إسحاق: فأما البحيرة فهي بنت السائبة والسائبة الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس بينهن ذكر سيبت فلم يركب ظهرها، ولم يجز وبرها، ولم يشرب لبنها إلا ضيف فما نتجت بعد ذلك من أنثى شقت أذنها، ثم خلي سبيلها مع أمها، فلم يركب ظهرها، ولم يجز وبرها، ولم يشرب لبنها إلا ضيف كما فعل بأمها، فهي البحيرة بنت السائبة. والوصيلة الشاة إذا أتأمت1 عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس بينهن ذكر جعلت وصيلة. قالوا: قد وصلت فكان ما ولدت بعد ذلك للذكور منهم دون إناثهم إلا أن يموت منها شيء فيشتركوا في أكله ذكورهم وإناثهم.
    قال ابن هشام: ويروى: فكان ما ولدت بعد ذلك لذكور بنيهم دون بناتهم.
    ـــــــ
    البحيرة والسائبة:
    فصل: وذكر البحيرة والسائبة وفسر ذلك وفسره ابن هشام بتفسير آخر. وللمفسرين في تفسيرهما أقوال منها: ما يقرب ومنها ما يبعد من قولهما، وحسبك منها ما وقع في الكتاب2 لأنها أمور كانت في الجاهلية قد أبطلها الإسلام فلا تمس الحاجة إلى علمها.
    ـــــــ
    1 أتأمت: جاءت باثنين في بطن واحد.
    2 لسيبويه.
    (1/230)
    قال ابن إسحاق: والحامي: الفحل إذا نتج له عشر إناث متتابعات ليس بينهن ذكر حمي ظهره فلم يركب ولم يجز وبره وخلي في إبله يضرب فيها، لا ينتفع منه بغير ذلك.
    رأي ابن هشام فيها:
    قال ابن هشام: وهذا عند العرب على غير هذا إلا الحامي، فإنه عندهم على ما قال ابن إسحاق. فالبحيرة عندهم الناقة تشق أذنها فلا يركب ظهرها، ولا يجز وبرها، ولا يشرب لبنها إلا ضيف أو يتصدق به وتهمل لآلهتهم. والسائبة التي ينذر الرجل أن يسيبها إن برئ من مرضه أو إن أصاب أمرا يطلبه. فإذا كان أساب ناقة من إبله أو جملا لبعض آلهتهم فسابت فرعت لا ينتفع بها. والوصيلة التي تلد أمها اثنين في كل بطن فيجعل صاحبها لآلهته الإناث منها، ولنفسه الذكور منها: فتلدها أمها ومعها ذكر في بطن فيقولون وصلت أخاها، فيسيب أخوها معها، فلا ينتفع به1.
    قال ابن هشام: حدثني به يونس بن حبيب النحوي وغيره. روى بعض ما لم يرو بعض.
    قال ابن إسحاق: فلما بعث الله تبارك وتعالى رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - أنزل عليه: { مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [المائدة 103]. وأنزل الله تعالى: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ
    ـــــــ
    وذكر ما أنزل الله في ذلك منها قوله تعالى: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام 139] وفيه من الفقه الزجر عن التشبه بهم في تخصيصهم الذكور دون الإناث بالهبات. روت عمرة عن عائشة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يعمد
    ـــــــ
    1 والكلام في البحيرة وأخواتها كثير مختلف فيه، وقد ذكر الإمام الألوسي معظمه. انظر: "بلوغ الأرب" 3/34-39
    (1/231)
    شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام 139]. وأنزل عليه {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس 59]. وأنزل عليه {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَمِنَ الْأِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام 142 - 144].
    البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي لغة:
    قال ابن هشام: قال الشاعر :
    حول الوصائل في شريف حقة ... والحاميات ظهورها والسيب
    وقال تميم بن أبي بن مقبل أحد بني عامر بن صعصعة:
    فيه من الأخرج المرباع قرقرة ... هدر الديافي وسط الهجمة البحر1
    __________
    أحدكم إلى المال فيجعله عند ذكور ولده. إن هذا إلا كما قال الله تعالى: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا} [الأنعام: 139] رواه البخاري في التاريخ من حديث سليمان بن حجاج. وأنشد في البحيرة:
    فيه من الأخرج المرباع قرقرة ... هدر الديافي وسط الهجمة البحر
    هكذا الرواية المرباع بالباء من الربيع والمرباع هو الفحل الذي يبكر
    ـــــــ
    1 البيت كما ورد في "السيرة" لتميم بن مقبل، وصحة نسبه –كما جاء في "جمهرة ابن حزم"- تميم بن أبي –على وزن قصي- بن مقبل بن عوف بن حنيف بن العجلان بن عبد الله بن كعب ص271.
    (1/232)
    وهذا البيت في قصيدة له. وجمع بحيرة بحائر وبحر. وجمع وصيلة وصائل ووصل. وجمع سائبة الأكثر سوائب وسيب وجمع حام الأكثر حوام.
    ـــــــ
    بالإلقاح ويقال للناقة أيضا: مرباع إذا بكرت بالنتاج وللروضة إذا بكرت بالنبات.
    يصف في هذا البيت حمار وحش يقول فيه من الأخرج وهو الظليم الذي فيه بياض وسواد أي فيه منه قرقرة أي صوت وهدر مثل هدر الديافي أي الفحل المنسوب إلى دياف بلد بالشام والهجمة من الإبل دون المائة وجعلها بحرا لأنها تأمن من الغارات يصفها بالمنعة والحماية كما تأمن من البحيرة من أن تذبح أو تنحر ورأيت في شعر ابن مقبل من الأخرج المرياع بالياء أخت الواو وفسره في الشرح من راع يريع إذا أسرع الإجابة كما قال طرفة:
    "تريع إلى صوت المهيب وتتقي"1
    والنفس إلى الرواية الأولى أسكن وحكي عن ابن قتيبة أنه قال في البحر هي الغزيرات اللبن لا جمع بحيرة كأنها: جمع بحور عنده فظن هذا يذهب المعنى الذي ذكرنا من أمنها ومنعتها ; إذ ليس هذا المعنى في الغزيرات اللبن لكنه أظهر في العربية لأن بحيرة فعيلة وفعيلة لا تجمع على فعل إلا أن تشبه بسفينة وسفن وخريدة وخرد وهو قليل. وقيل البيت في وصف روض:
    بعازب النبت يرتاح الفؤاد له ... رأد النهار لأصوات من النغر
    وبعد البيت الواقع في "السيرة":
    والأزرق الأخضر السربال منتصب ... قيد العصا فوق ذيال من الزهر
    يعني بالأزرق ذباب الروض وكذلك النغر2. وقوله في البيت الآخر:
    ـــــــ
    1 بقيته: بذي حصل روعات أكلف ملبد.
    2 نبت عازب: لم يرع قط، ولا وطئ، والرأد: رونق الضحى.
    (1/233)
    عدنا إلى سياق النسب
    ...
    عدنا إلى سياقة النسب:
    نسب خزاعة:
    قال ابن إسحاق: وخزاعة تقول نحن بنو عمرو بن عامر من اليمن.
    قال ابن هشام: وتقول خزاعة: نحن بنو عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسد بن الغوث، وخندف أمها، فيما حدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم. ويقال خزاعة: بنو حارثة بن عمرو بن عامر. وإنما سميت خزاعة، لأنهم تخزعوا من ولد عمرو بن عامر، حين أقبلوا من اليمن يريدون الشام، فنزلوا بمر الظهران، فأقاموا بها. قال عون بن أيوب الأنصاري أحد بني عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة من الخزرج في الإسلام
    فلما هبطنا بطن مر تخزعت ... خزاعة منا في خيول كراكر
    ـــــــ
    نسب خزاعة:
    وقوله في نسب خزاعة: تقول خزاعة: نحن بنو عمرو بن عامر إلى آخر النسب وقد تقدم أن عمرا يقال له مزيقياء. وأما عامر فهو ماء السماء سمي بذلك لجوده وقيامه عندهم مقام الغيث. وحارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة وهو الغطريف2.
    بطن مر:
    وقول عون فلما هبطنا بطن مر. يريد مر الظهران، وسمي مرا لأن في
    ـــــــ
    1 العائط: الناقة أو المرأة لم تحمل من غير عقر. والشريف: ماء لبني نمير.
    2 نسبه في "نسب قريش" ص10، أما الغطريف الأكبر: فعامر من بني مبشر، والغطريف: السيد ونسب حارثة هو: ابن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن النبت.
    (1/234)
    حمت كل واد من تهامة واحتمت ... بصم الفنا والمرهفات البواتر
    وهذان البيتان في قصيدة له.
    وقال أبو المطهر إسماعيل بن رافع الأنصاري، أحد بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس:
    فلما هبطنا بطن مكة أحمدت ... خزاعة دار الآكل المتحامل
    فحلت أكاريسا، وشتت قنابلا ... على كل حي بين نجد وساحل
    نفوا جرهما عن بطن مكة واحتبوا ... بعز خزاعي شديد الكواهل
    قال ابن هشام:
    وهذه الأبيات في قصيدة له وأنا إن شاء الله أذكر نفيها جرهما في موضعه.
    أولاد مدركة وخزيمة:
    قال ابن إسحاق: فولد مدركة بن إلياس رجلين خزيمة بن مدركة وهذيل بن مدركة، وأمهما: امرأة من قضاعة. فولد خزيمة بن مدركة أربعة نفر كنانة بن خزيمة
    __________
    عرق من الوادي من غير لون الأرض شبه الميم الممدودة وبعدها را خلقت كذلك ويذكر عن كثير أنه قال سميت مرا لمرارتها، ولا أدري ما صحة هذا.
    فلما هبطنا بطن مر البيتين وبعدهما:
    خزاعتنا أهل اجتهاد وهجرة ... وأنصارنا جند النبي المهاجر
    وسرنا إلى أن قد نزلنا بيثرب ... بلا وهن منا وغير تشاجر
    وسارت لنا سيارة ذات منظر ... بكوم المطايا والخيول الجماهر1
    يؤمون أهل الشام حين تمكنوا ... ملوكا بأرض الشام فوق البرابر
    أولاك بنو ماء السماء توارثوا ... دمشقا بملك كابرا بعد كابر
    ـــــــ
    1 كوم: جمع كوماء: الناقة العظيمة السنام، والجماهر: الضخم.
    (1/235)
    وأسد بن خزيمة، وأسدة بن خزيمة، والهون بن خزيمة، فأم كنانة عوانة بنت سعد بن قيس بن عيلان بن مضر.
    قال ابن هشام: ويقال الهون بن خزيمة.
    أولاد كنانة وأمهاتهم:
    قال ابن إسحاق: فولد كنانة بن خزيمة أربعة نفر النضر بن كنانة، ومالك بن
    ـــــــ
    الحلول جمع: حال والكراديس جمع: كردوس الخيل.
    دمشق:
    وقوله دمشقا، سميت مدينة الشام باسم الرجل الذي هاجر إليها مع إبراهيم وهو دامشق بن النمروذ بن كنعان1 أبوه الملك الكافر عدو إبراهيم وكان ابنه دامشق قد آمن بإبراهيم وهاجر معه إلى الشام. كذلك ذكر بعض النساب وذكره البكري في كتاب المعجم. والدمشق في اللغة الناقة المسنة - فيما ذكر بعضهم - وكان يقال لدمشق أيضا: جيرون سميت باسم الذي بناها، وهو جيرون بن سعد [بن عاد]، وفيها يقول أبو دهبل [الجمحي]:
    صاح حيا الإله حيا ودارا ... عند شرق القناة من جيرون
    بنو كنانة:
    وذكر بني كنانة الأربعة: مالكا وملكان والنضر وعبد مناة. وزاد الطبري في ولد كنانة عامرا والحارث والنضير وغنما وسعدا وعوفا وجرول والحدال وغزوان. كلهم بنو كنانة2.
    ـــــــ
    1 في "المراصد" دمشق بن كنعان، وفي "القاموس": دمشاق بن كنعان. وفي "المراصد": أنها سميت بهذا لأنهم دمشقوا في بنائها، أي: أسرعوا.
    2 أولاد كنانة في كتاب "نسب قريش" هم: النضر وملك وملكان ومليك وغزوان وعمرو وعامر، وأمهم: برة بنت مر,
    (1/236)
    يعني: برة بنت مر أخت تميم بن مر، أم النضر. وهذان البيتان في قصيدة له.
    كنانة، وعبد مناة بن كنانة وملكان بن كنانة فأم النضر برة بنت مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، وسائر بنيه لامرأة أخرى.
    قال ابن هشام: أم النضر ومالك وملكان. برة بنت مر وأم عبد مناة هالة بنت سويد بن الغطريف من أزد شنوءة. وشنوءة عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأسد بن الغوث، وإنما سموا شنوءة لشنآن كان بينهم. والشنآن البغض.
    قال ابن هشام: النضر قريش، فمن كان من ولده فهو قرشي، ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي. قال جرير بن عطية أحد بني كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم يمدح هشام بن عبد الملك بن مروان:
    فما الأم التي ولدت قريشا ... بمقرفة النجار ولا عقيم
    وما قرم بأنجب من أبيكم ... وما خال بأكرم من تميم
    ـــــــ
    قريش:
    فصل وذكر النضر بن كنانة، وقول من قال إنه قريش، والقول الآخر في أن فهرا هو قريش، وقد قيل إن فهرا لقب واسمه الذي سمي به قريش1.
    وأما يخلد بن النضر فذكر أبو عبد الله الزبير بن بكار في أنساب قريش له قال قال عمي: وأما بنو يخلد بن النضر فذكر [وا] في بني عمرو بن الحارث بن ملك بن كنانة ومنهم قريش بن بدر بن يخلد بن النضر وكان دليل بني كنانة في تجاراتهم فكان يقال قدمت عير قريش، فسميت قريش به وأبوه بدر بن يخلد صاحب بدر الموضع الذي لقي فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشا2.
    ـــــــ
    1 ذكر صاحب "فتح الباري" أن قريش: هم ولد النضر، وبهذا جزم أبو عبيدة كما روى ابن سعد في "الطبقات".
    2 في "نسب قريش" ص12: ومؤلفه عم الزبير بن بكار.
    (1/237)
    ويقال: فهر بن مالك: قريش، فمن كان من ولده فهو قرشي، ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي وإنما سميت قريش قريشا من التقرش والتقرش التجارة والاكتساب. قال رؤبة بن العجاج:
    __________
    وقال عن غير عمه قريش بن الحارث بن يخلد وابنه بدر الذي سميت به بدر وهو احتفرها. قال وقد قالوا: اسم فهر بن مالك: قريش، ومن لم يلده فهر، فليس من قريش، وذكر عن عمه أن فهرا هو قريش.
    وقال أبو عبد الله: حدثني عمرو بن أبي بكر المؤملي عن جدي عبد الله بن مصعب - رحمه الله - أنه سمعه يقول اسم فهر بن مالك: قريش، وإنما فهر لقب1 وكذلك حدثه المؤملي عن عثمان بن أبي سليمان في اسم فهر بن مالك: أنه قريش، ومثل ذلك ذكر عن المؤملي عن أبي عبيدة بن عبد الله في اسم فهر بن مالك: أنه قريش. قال وحدثني إبراهيم بن المنذر وقال حدثنا أبو البختري وهب بن وهب قال حدثني ابن أخي ابن شهاب عن عمه أن اسم فهر بن مالك الذي أسمته أمه قريش، وإنما نبزته فهرا، كما يسمى الصبي: غزارة وشملة وأشباه ذلك قال قال وقد أجمع النساب من قريش وغيرهم أن قريشا إنما تفرقت عن فهر، والذي عليه من أدركته من نساب قريش وغيرهم أن ولد فهر بن مالك: قريش، وأن من جاوز فهر بن مالك بنسبه فليس من قريش.
    وذكر عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي فيما حدثه أبو الحسن الأثرم عنه أن النضر بن كنانة هو قريش، وذكر عنه أنه قال في موضع آخر ولد مالك بن النضر فهرا، وهو جماع قريش، وقال قال محمد بن حسن عن نصر بن مزاحم عن عمرو بن محمد عن الشعبي، قال النضر بن كنانة هو قريش، وإنما سمي قريشا ; لأنه كان يقرش عن خلة الناس وحاجتهم فيسدها بماله والتقريش. هو التفتيش وكان بنوه يقرشون أهل الموسم عن الحاجة فيرفدونهم بما يبلغهم فسموا بذلك
    ـــــــ
    1 نص ما في كتاب مصعب: اسم فهر بن مالك: قريش، وفي مكان آخر: فولد مالك بن النضر فهراً، وهو قريش، وأمه: جندلة بنت الحارث. انظر: "نسب قريش" ص12.
    (1/238)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    من فعلهم وقرشهم قريشا. وقد قال الحارث بن حلزة في بيان القرش:
    أيها الناطق المقرش عنا
    عند عمرو، فهل له أنفاء1
    وحدثه أبو الحسن الأثرم عن أبي عبيدة معمر بن المثنى [التيمي]، قال منتهى من وقع عليه اسم قريش: النضر بن كنانة، فولده قريش دون سائر بني كنانة بن خزيمة بن مدركة وهو عامر بن إلياس بن مضر، فأما من ولد كنانة سوى النضر فلا يقال لهم قريش، وإنما سمي بنو النضر قريشا لتجمعهم لأن التقرش هو التجمع. قال وقال بعضهم التجار يتقارشون يتجرون والدليل على اضطراب هذا القول أن قريشا لم يجتمعوا حتى جمعهم قصي بن كلاب، فلم يجمع إلا ولد فهر بن مالك لا مرية عند أحد في ذلك وبعد هذا فنحن أعلم بأمورنا، وأرعى لمآثرنا، وأحفظ لأسمائنا، لم نعلم ولم ندع قريشا، ولم نهمم إلا ولد فهر بن مالك.
    قال المؤلف: في جميع هذا الكلام من قول الزبير وما حكاه عن النسابين نقلته من كتاب الشيخ أبي بحر - رحمه الله - ثم ألفيته في كتاب الزبير كما ذكره ورأيت لغيره أن قريشا تصغير القرش وهو حوت في البحر يأكل حيتان البحر سميت به القبيلة أو سمي به أبو القبيلة - والله أعلم - ورد الزبير على ابن إسحاق في أنها سميت قريشا لتجمعها، وأنه لا يعرف قريش إلا في بني فهر ردا لا يلزم لأن ابن إسحاق لم يقل إنهم بنو قصي خاصة وإنما أراد أنهم سموا بهذا الاسم مذ جمعهم قصي، وكذا قال المبرد في المقتضب إن هذه التسمية إنما وقعت لقصي - والله أعلم - غير أنا قدمنا في قول كعب بن لؤي ما يدل على أنها كانت تسمى قريشا قبل مولد قصي وهو قوله:
    إذا قريش تبغي الحق خذلانا.
    ـــــــ
    1 روايته في "اللسان": [عند عمرو وهل لذاك بقاء]، وكذلك في "المعلقات" بشرح الزوزني،وفي روايتها: المرقش بدلا من المقرش.
    (1/239)
    قد كان يغنيهم عن الشغوش ... والخشل من تساقط القروش
    شحم ومحض ليس بالمغشوش
    قال ابن هشام: والشغوش قمح يسمى: الشغوش. والخشل رءوس الخلاخيل والأسورة ونحوه. والقروش التجارة والاكتساب يقول قد كان يغنيهم عن هذا شحم ومحض والمحض اللبن الحليب الخالص. وهذه الأبيات في أرجوزة له. وقال أبو جلدة اليشكري، ويشكر بن بكر بن وائل:
    إخوة قرشوا الذنوب علينا ... في حديث من عمرنا وقديم
    وهذا البيت في أبيات له.
    قال ابن إسحاق: ويقال إنما سميت قريش: قريشا لتجمعها من بعد تفرقها. ويقال للتجمع التقرش.
    أولاد النضر وأمهاتهم:
    فولد النضر بن كنانة رجلين مالك بن النضر، ويخلد بن النضر فأم مالك عاتكة بنت عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان ولا أدري أهي أم يخلد أم لا.
    قال ابن هشام: والصلت بن النضر - فيما قال أبو عمرو المدني - وأمهم جميعا: بنت سعد بن ظرب العدواني. وعدوان: بن عمر بن قيس بن عيلان. قال كثير بن عبد الرحمن - وهو كثير عزة أحد بني مليح بن عمرو، من خزاعة:
    أليس أبي بالصلت أم ليس إخوتي
    لكل هجان من بني النضر أزهرا
    ـــــــ
    وذكر قول رؤبة: قد كان يغنيهم عن الشغوش. وفسره: ضرب من القمح وفسر الخشل: رءوس الخلاخيل. وفي "حاشية الشيخ" عن أبي الوليد قال إنما الخشل المقل1 والقروش ما تساقط من حتاته وتقشر منه وأنشد لكثير بن
    ـــــــ
    1 حمل الدوم، وهو يشبه النخل، وصمغ شجره يسمى الكور، وهو من الأدوية.
    (1/240)
    رأيت ثياب العصب مختلط السدى ... بنا وبهم والحضرمي المخصرا
    فإن لم تكونوا من بني النضر فاتركوا ... أراكا بأذناب الفوائج أخضرا
    وهذه الأبيات في قصيدة له.
    والذين يعزون إلى الصلت بن النضر من خزاعة: بنو مليح بن عمرو، رهط كثير عزة.
    أولاد مالك بن النضر وأمه:
    قال ابن إسحاق: فولد مالك بن النضر: فهر بن مالك، وأمه جندلة بنت الحارث بن مضاض الجرهمي.
    قال ابن هشام: وليس بابن مضاض الأكبر.
    أولاد فهر وأمهاتهم:
    قال ابن إسحاق: فولد فهر بن مالك أربعة نفر غالب بن فهر، ومحارب بن فهر، والحارث بن فهر، وأسد بن فهر، وأمهم ليلى بنت سعد بن هذيل بن مدركة.
    قال ابن هشام: وجندلة بنت فهر، وهي أم يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد
    ـــــــ
    عبد الرحمن:
    أليس أبي بالصلت أم ليس إخوتي.
    البيت وبعده:
    رأيت ثياب العصب مختلط السدى ... بنا وبهم والحضرمي المخصرا
    والعصب برود اليمن، لأنها تصبغ بالعصب ولا ينبت العصب ولا الورس إلا باليمن وكذلك اللبان. قاله أبو حنيفة. يريد إن قدودنا من قدودهم فسدي أثوابنا، مختلط بسدي أثوابهم. والحضرمي النعال المخصرة التي تضيق من جانبيها كأنها ناقصة الخصرين كما يقال رجل مبطن أي ضامر البطن وجاء في صفة نعل النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها كانت معقبة مخصرة ملسنة مخثرمة. والمخثرمة التي لها خثرمة،
    (1/241)
    مناة بن تميم، وأمها: ليلى بنت سعد. قال جرير بن عطية بن الخطفى. واسم الخطفى: حذيفة بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة:
    وإذا غضبت رمى ورائي بالحصى ... أبناء جندلة كخير الجندل
    وهذا البيت في قصيدة له.
    أولاد غالب وأمهاتهم:
    قال ابن إسحاق: فولد غالب بن فهر رجلين لؤي بن غالب، وتيم بن غالب، وأمهما: سلمى بنت عمرو الخزاعي - وتيم بن غالب الذين يقال لهم بنو الأدرم.
    __________
    وهو كالتحدير في مقدمها وكانت نعله - عليه السلام - من سبت ولا يكون السبت إلا من جلد بقر مدبوغ. قاله أبو حنيفة عن الأصمعي وأبي زيد1.
    وذكر قول جرير بن الخطفى:
    يرفعن بالليل إذا ما أسدفا
    أعناق جنان وهاما رجفا
    وعنقا باقي الرسيم خيطفا
    والخيطفة: سرعة في العدو فإذا وصفت به العنق والجري قلت: عنق خيطف وإذا سميت به الرجل قلت: خطفى، وكذلك إن جعلته اسما للمشية فهو مثل الجمزى والبشكى2.
    بنو الأدرم:
    وقوله: وتيم بن غالب وهم بنو الأدرم. والأدرم: المدفون الكعبين من
    ـــــــ
    1 معقبة لها عقب،وملسنة: دقيقة على شكل اللسان، ومخصرة: قطع خصراها، حتى صارا مستدقين، أما مخرثمة ففي "اللسان":خرثمة النعل بفتح الخاء وكسرها وإسكان الراء وفتح الثاء: رأسها.
    2 في "النقائض" لأبي عبيدة 1/3. ط. 1935م: معمر بن المثنى، وحكى "اللسان" عن ابن بري عن أبي عبيدة قوله: الخطفى جد جرير، واسمه: حذيفة بن بدر.
    (1/242)
    قال ابن هشام: وقيس بن غالب، وأمه سلمى بنت كعب بن عمرو الخزاعي وهي أم لؤي وتيم ابني غالب.
    أولاد لؤي وأمهاتهم:
    قال ابن إسحاق: فولد لؤي بن غالب أربعة نفر كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي، وسامة بن لؤي وعوف بن لؤي فأم كعب وعامر وسامة ماوية بنت كعب بن القين بن جسر، من قضاعة.
    قال ابن هشام: ويقال والحارث بن لؤي وهم جشم بن الحارث في هزان من ربيعة. قال جرير:
    بني جشم لستم لهزان فانتموا ... لأعلى الروابي من لؤي بن غالب
    ولا تنكحوا في آل ضور نساءكم ... ولا في شكيس بئس مثوى الغرائب
    __________
    اللحم يقال: امرأة درماء وكعب أدرم. قال الراجز:
    قامت تريه خشية أن تصرما ... ساقا بخنداة وكعبا أدرما
    وكفلا مثل النقا أو أعظما
    والأدرم أيضا: المنقوض الذقن وكان تيم بن غالب كذلك فسمي الأدرم قاله الزبير. وبنو الأدرم هؤلاء هم أعراب مكة، وهم من قريش الظواهر، لا من قريش البطاح1، وكذلك بنو محارب من فهر، وبنو معيص2 بن عامر.
    ماوية امرأة لؤي:
    وذكر بني لؤي فقال أم عامر ماوية بنت كعب بن القين. سميت بالماوية،
    ـــــــ
    1 قريش البطاح ومنهم: قبائل عبد المناف. بنو عبد الدار. بنو عبد العزى. بنو زهرة... ألخ، والبطاح: هم الذين ينزلون بين أخشبي مكة. انظر:"نسب قريش" ص13.
    2 من المعص بفتح الميم والعين، وهو داء يصيب الرجل في عصبه من كثرة المشي. انظر: "الاشتقاق" ص106.
    (1/243)
    وسعد بن لؤي وهم بنانة في شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، من ربيعة.
    وبنانة حاضنة لهم من بني القين بن جسر بن شيع الله ويقال سيع الله بن الأسد بن وبرة بن ثعلبة بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. ويقال بنت النمر بن قاسط، من ربيعة. ويقال بنت جرم بن ربان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة.
    ـــــــ
    وهي المرآة كأنها نسبت إلى الماء لصفائها، وقلبت همزة الماء واوا، وكان القياس أن تقلب هاء فيقال: ماهية ولكن شبهوه بما الهمزة فيه منقلبة عن ياء أو واو لما كان حكم الهاء أن لا تهمز في هذا الموضع فلما شبهت بحروف المد واللين فهمزوها لذلك اطرد فيها ذلك الشبه ويحتمل اسم المرأة أن يكون من أويته، إذا ضممته إليك، يقال أويت مثل ضممت، وآويته مثل آذيته، ثم يقال في المفعول من أويته على وزن فعلت: مأوي والمرأة مأوية ثم تسهل الهمزة فتكون ألفا ساكنة.
    وخالفه ابن هشام في أم عامر فقال مخشية بنت شيبان بن محارب بن فهر، وماوية أم سائر بنيه غير عامر.
    بنانة وعائذة وبنو ناجية وذبيان وسامة:
    وذكر سعد بن لؤي وأنهم بنانة في شيبان عرفوا بحاضنة لهم اسمها: بنانة وكان بنو ضبيعة قد ادعوهم وهو ضبيعة أضجم بن ربيعة، لا ضبيعة بن أقيش بن ثعلبة فلما كان زمن عمر قدموا عليه وفيهم سيد لهم يقال له أبو الدهماء فكلم أبو الدهماء عمر أن يلحقهم بقريش فأنكر عمر ذلك فأخبره عثمان عن أبيه عفان أنه حدثه بصحة نسبهم إلى قريش، وسبب خروجهم عنهم فواعدهم أن يأتوه العام القابل فيلحقهم فقتل أبو الدهماء عند انصرافه وشغلوا بأمره حتى مات عمر فألحقهم عثمان بقريش فلما كان علي نفاهم عن قريش، وردهم إلى شيبان فقال
    (1/244)
    وخزيمة بن لؤي بن غالب، وهم عائذة في شيبان بن ثعلبة. وعائذة امرأة من اليمن، وهي أم بني عبيدة بن خزيمة بن لؤي.
    وأم بني لؤي كلهم - إلا عامر بن لؤي: ماوية بنت كعب بن القين بن جسر. وأم عامر بن لؤي: مخشية بنت شيبان بن محارب بن فهر، ويقال ليلى بنت شيبان بن محارب بن فهر.
    __________
    الشاعر:
    ضرب التجيبي المضلل ضربة ... ردت بنانة في بني شيبانا1
    والعائذي لمثلها متوقع ... لما يكن وكأنه قد كانا
    لخصت هذا الخبر من حديث ذكره البرقي عن ابن الكلبي والبنانة في اللغة الرائحة الطيبة. وقال أبو حنيفة البنانة الروضة المعشبة الحالية أي: قد حليت بالزهر2.
    وذكر خزيمة بن لؤي وأنهم انتسبوا في شيبان ويعرفون بأمهم عائذة قال وعائذة من اليمن، وقال غيره هي بنت الخمس3 بن قحافة من خثعم ولدت لعبيد بن خزيمة مالكا وحارثا، فهم بنو خزيمة عائذة [قريش]، ومن بني خزيمة أيضا: بنو حرب بن خزيمة، قتلتهم المسودة في قريتهم بالشام وهم يحسبونهم بني حرب بن أمية4.
    ـــــــ
    1 التجيبي نسبة إلى تجيب –بضم تائه وكسر جيمه- وقد تفتح التاء: بطن من كندة: منهم: كنانة بن بشير التجيبي قاتل عثمان، وهو المقصود بكلمة التجيبي في بيتي الروض.
    2 في "الاشتقاق" ص 107 عن بنانة، وهي الرائحة الطيبة، أو موضع مرابض الغنم.
    3 الخمس في اللغة بكسر الخاء: ظمء من أظماء الإبل.
    4 المسودة: هم الذين قاموا مع أبي مسلم الخراساني ضد بني أمية لإقامة دولة بني العباس كما كان يريد أبو مسلم.
    (1/245)
    أمر سامة
    ...
    أمر سامة:
    رحلته إلى عمان وموته:
    قال ابن إسحاق: فأما سامة بن لؤي فخرج إلى عمان، وكان بها. ويزعمون أن عامر بن لؤي أخرجه وذلك أنه كان بينهما شيء ففقأ سامة عين عامر فأخافه عامر فخرج إلى عمان. فيزعمون أن سامة بن لؤي بينا هو يسير على ناقته إذ وضعت رأسها ترتع فأخذت حية بمشفرها، فهصرتها حتى وقعت الناقة لشقها، ثم نهشت سامة فقتلته. فقال سامة حين أحس بالموت فيما يزعمون:
    ـــــــ
    وذكر بنت جرم بن ربان1. وبنت جرم هي ناجية واسمها: ليلى، وجرم أبو جدة الذي نزل جدة من ساحل الحجاز، فعرفت به كما عرفت كثير من البلاد بمن نزلها من الرجال وقد تقدم طرف من ذلك وسيأتي في الكتاب كثير إن شاء الله تعالى. وربان هو علاف الذي تنسب إليه الرحال العلافية.
    وذكر سعد بن ذبيان وقصته مع عوف بن لؤي وذبيان بن بغيض بكسر الذال وضمها، والكسر أفصح وهم أربعة أحياء من العرب: ذبيان بن بغيض في قيس، وذبيان بن ثعلبة في بجيلة، وذبيان في قضاعة، وذبيان في الأزد.
    وذكر ابن دريد في كتاب اشتقاق الأسماء له أن ذبيان فعلان [أو فعلان] من ذبى العود يذبي [ذبيا إذا لان واسترخى]. يقال ذبى العود وذوى بمعنى واحد.
    وذكر حديث سامة بن لؤي حين قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد بنيه فانتسب له إلى سامة فقال له عليه السلام "الشاعر" بخفض الراء من الشاعر كذا قيده أبو بحر على أبي الوليد بالخفض وهو الصحيح لأنه مردود على ما قبله كأنه مقتضب من كلام المخاطب وإن كان الاستفهام لا يعمل ما قبله فيما بعده ولكن العامل مقدر
    ـــــــ
    1 في القاموس عن ربان أنها على وزن كتان، ثم قال: وليس في العرب ربان غيره, ومن سواه بالزاي.
    (1/246)
    عين فابكي لسامة بن لؤي ... علقت ما بسامة العلاقه
    لا أرى مثل سامة بن لؤي ... يوم حلوا به قتيلا لناقه
    بلغا عامرا وكعبا رسولا ... أن نفسي إليهما مشتاقه
    إن تكن في عمان داري، فإني ... غالبي، خرجت من غير ناقه
    ـــــــ
    بعد الألف فإذا قال لك القائل قرأت على زيد مثلا، فقلت: آلعالم بالاستفهام كأنك قلت له أعلى العالم ونظير هذا ألف الإنكار إذا قال القائل مررت بزيد فأنكرت عليه فقلت أزيدنيه بخفض الدال وبالنصب إذا قال رأيت زيدا، قلت: أزيدنيه وكذلك الرفع. ومن بني سامة هذا: محمد بن عرعرة بن اليزيد شيخ البخاري، وبنو سامة بن لؤي زعم بعض النساب أنه أدعياء وأن سامة لم يعقب وقال الزبير ولد سامة غالبا والنبيت والحارث. وأم غالب ناجية بنت جرم بن زبان واسمها: ليلى1 سميت ناجية لأنها عطشت بأرض فلاة فجعل زوجها يقول لها: انظري إلى الماء وهو يريها السراب حتى نجت فسميت ناجية وإليها ينسب [بكر بن قيس] أبو الصديق الناجي الذي يروي عن أبي سعيد الخدري وأبو المتوكل الناجي، وكثيرا ما يخرج عنه الترمذي، وكان بنو سامة بالعراق أعداء لعلي - رحمه الله - والذين خالفوا عليا منهم بنو عبد البيت ومنهم علي بن الجهم الشاعر قيل إنه كان يلعن أباه لما سماه عليا بغضا منه في علي - رحمه الله - ذكره المسعودي2.
    الرسول والمرسل:
    وقوله بلغا عامرا وكعبا رسولا. يجوز أن يكون رسولا مفعول ببلغا إذا
    ـــــــ
    1 في "الجمهرة" لابن حزم أن أسامة قد ولد الحارث، وأمه هند بنت تيم الأدرم، وغالباً أيضاً، وأمه ناجية بنت حزم بن زبان إليها نسب ولد زوجها، فهم بنو ناجية.
    2 في "جمهرة ابن حزم" وبنو ناجية الذين قتلهم علي رضي الله عنه على الردة وسباهم. انظر: ص15
    (1/247)
    رب كأس هرقت يا ابن لؤي ... حذر الموت لم تكن مهراقه
    رمت دفع الحتوف يا ابن لؤي ... ما لمن رام ذاك بالحتف طاقه
    وخروس السرى تركت رذيا ... بعد جد وجدة ورشاقه1
    قال ابن هشام: وبلغني أن بعض ولده أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانتسب إلى سامة بن لؤي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "آلشاعر"؟ فقال له بعض أصحابه كأنك يا رسول الله أردت قوله:
    __________
    جعلت الرسول بمعنى: الرسالة كما قال الشاعر:
    لقد كذب الواشون ما بحت عندهم ... بليلى، ولا أرسلتهم برسول
    أي: برسالة وإنما سموا الرسالة رسولا إذا كانت كتابا، أو ما يقوم مقام الكتاب من شعر منظوم كأنهم كانوا يقيمون الشعر مقام الكتاب فتبلغه الركبان كما تبلغ الكتاب يعرب عن ضمير الكاتب كما يعرب الرسول وكذلك الشعر المبلغ فسمي رسولا. وبين الرسول والمرسل معنى دقيق ينتفع به في فهم قول الله عز وجل {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً} [النساء 79] فإنه لا يحسن في مثل هذا أن يقال أرسلناك مرسلا، ولا نبأناك تنبيئا، كما لا يحسن ضربناك مضروبا، ولكشف هذا المعنى وإيضاحه موضع غير هذا، واختصار القول فيه أن ليس كل مرسل رسولا، فالرياح مرسلات والحاصب مرسل وكذلك كل عذاب أرسله الله وإنما الرسول اسم للمبلغ عن المرسل.
    ويجوز أن يكون رسولا حال من قوله بلغا عامرا وكعبا رسولا ; إذ قد يعبر بالواحد عن الاثنين والجماعة في مثل هذا اللفظ تقول أنتم رسولي، وهي رسولي، تسوي بين الجماعة والواحد والمذكر والمؤنث. وفي التنزيل {فَأْتِيَا2 فِرْعَوْنَ
    ـــــــ
    1 خروس السرى: يريد ناقة صموتاً صبوراً على السرى لا تضجر منه، فسراها كالأخرس. الردى: التي سقطت من الإعياء ومثله الرذيلة: بالذال المعجمة.
    2 الأمر لموسى وهارون عليهما السلام.
    (1/248)
    رب كأس هرقت يا بن لؤي ... حذر الموت لم تكن مهراقه
    قال: أجل.
    ـــــــ
    فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 16] فيكون المفعول على هذا: أن نفسي إليهما مشتاقة ويكون أن على القول الأول بدلا من رسول أي رسالة.
    (1/249)
    أمر عوف بن لؤي ونقلته
    ...
    أمر عوف بن لؤي ونقلته:
    قال ابن إسحاق وأما عوف بن لؤي فإنه خرج - فيما يزعمون - في ركب من قريش، حتى إذا كان بأرض غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان أبطئ به فانطلق من كان معه من قومه فأتاه ثعلبة بن سعد وهو أخوه في نسب بني ذبيان - ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان. وعوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان - فحبسه وزوجه والتاطه وآخاه فشاع نسبه في بني ذبيان. وثعلبة - فيما يزعمون - الذي يقول لعوف حين أبطئ به فتركه قومه:
    احبس على ابن لؤي جملك
    تركك القوم ولا مترك لك
    قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، أو محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حصين "أن عمر بن الخطاب قال لو كنت مدعيا حيا من
    ـــــــ
    وقوله: وخروس السرى تركت رذيا. إن خفضت فمعناه رب خروس السرى تركت، فتركت في موضع الصفة لخروس وإن نصبت جعلتها مفعولا بتركت، ولم يكن تركت في موضع صفة لأن الصفة لا تعمل في الموصوف والسرى: في موضع خفض لخروس على المجاز كما تقول نام ليلك. يريد ناقة صموتا صبورا على السرى، لا تضجر منه فسراها كالأخرس ومنه قول الكميت:
    كتوم إذا ضج المطي، كأنما ... تكرم عن أخلاقهن وترغب
    (1/249)
    العرب، أو ملحقهم بنا لادعيت بني مرة بن عوف، إنا لنعرف فيهم الأشباه مع ما نعرف من موقع ذلك الرجل حيث وقع يعني: عوف بن لؤي.
    قال ابن إسحاق: فهو في نسب غطفان: مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان. وهم يقولون إذا ذكر لهم هذا النسب ما ننكره وما نجحده وإنه لأحب النسب إلينا.
    وقال الحارث بن ظالم بن جذيمة بن يربوع - قال ابن هشام: أحد بني مرة بن عوف حين هرب من النعمان بن المنذر، فلحق بقريش:
    فما قومي بثعلبة بن سعد ... ولا بفزارة الشعر الرقابا
    وقومي - إن سألت - بنو لؤي ... بمكة علموا مضر الضرابا
    سفهنا باتباع نبي بغيض ... وترك الأقربين لنا انتسابا
    ـــــــ
    وقول الأعشى:
    كتوم الرغاء إذا هجرت ... وكانت بقية ذود كتم1
    وإنما قال: خروس في معنى الأخرس لأنه أراد كتوما، فجاء به على وزنه. قال البرقي وكنت ماوية بنت كعب تحب سامة أكثر من إخوته وكانت تقول وهي ترقصه صغيرا:
    وإن ظني بابني إن كبن ... أن يشتري الحمد ويغلي بالثمن
    ويهزم الجيش إذا الجيش أرجحن ... ويروي العيمان من محض اللبن2
    ـــــــ
    1 ذود: تقال عن ثلاثة أبعرة إلى العشرة أو خمسة عشرة أو عشرين أو ثلاثين، ولا يكون إلا من الإناث، والجمع أذواد.
    2 أرجحن مال واهتز، والعيمة بفتح العين: شهوة اللبن والعطش وهو عيمان، وهي عيمي.
    (1/250)
    سفاهة مخلف لما تروى ... هراق الماء واتبع السرابا1
    فلو طووعت، عمرك كنت فيهم ... وما ألفيت أنتجع السحابا
    وخش رواحة القرشي رحلي ... بناجية ولم يطلب ثوابا
    قال ابن هشام: هذا ما أنشدني أبو عبيدة منها.
    قال ابن إسحاق: فقال [أبو زيد] الحصين بن الحمام [بن ربيعة] المري ثم أحد بني سهم بن مرة يرد على الحارث بن ظالم، وينتمي إلى غطفان:
    ألا لستم منا، ولسنا إليكم ... برئنا إليكم من لؤي بن غالب
    أقمنا على عز الحجاز وأنتم ... بمعتلج البطحاء بين الأخاشب
    يعني: قريشا. ثم ندم الحصين على ما قال وعرف ما قال الحارث بن ظالم، فانتمى إلى قريش، وأكذب نفسه فقال:
    ندمت على قول مضى كنت قلته ... تبينت فيه أنه قول كاذب
    فليت لساني كان نصفين منهما ... بكيم ونصف عند مجرى الكواكب
    ـــــــ
    يقال كبن وأكبن إذا اشتد.
    وذكر قول جرير لبني جشم بن لؤي:
    بني جشم لستم لهزان فانتموا ... لأعلى الروابي من لؤي بن غالب
    يقال إنهم أعطوا جريرا على هذا الشعر ألف غير ربي وكانوا ينتسبون إلى ربيعة، فما انتسبوا بعد إلا لقريش.
    وذكر شعر الحارث بن ظالم. وقوله2: سفاهة مخلف، وهو المستقي
    ـــــــ
    1 المخلف: [هنا]: المستقي للماء، يقال: ذهب يخلف لقومه: أي يستقي لهم.
    2 بدأ يشرح قصيدة الحارث بن ظالم.
    (1/251)
    أبونا كناني بمكة قبره ... بمعتلج البطحاء بين الأخاشب
    __________
    [للماء]، وفيه لم يذكر:
    لعمرك إنني لأحب كعبا ... وسامة إخوتي حبي الشرابا
    وقوله: وخش رواحة القرشي رحلي بناجية. أي بناقة سريعة يقال خش السهم بالريش إذا راشه به فأراد راشني وأصلح رحلي بناجية ولم يطلب ثوابا بمدحه بذلك. ورواحة هذا: هو رواحة بن منقذ بن معيص بن عامر كان قد ربع في الجاهلية أي رأس وأخذ المرباع1.
    وقوله: لو طووعت عمرك كنت فيهم ونصب عمرك على الظرف.
    وقوله: وما ألفيت أنتجع السحابا. أي كانوا يغنونني بسيبهم ومعروفهم عن انتجاع السحاب وارتياد المراعي في البلاد.
    وقول الحصين بمعتلج البطحاء: أي حيث تعتلج السيول والاعتلاج عمل بقوة قال الشاعر:
    لو قلت للسيل دع طريقك وال ... سيل كمثل الهضاب يعتلج
    وفي الحديث: إنكما علجان فعالجا عن دينكما2، وفي الحديث إن الدعاء ليلقى البلاء نازلا من السماء فيعتلجان إلى يوم القيامة أي يتدافعان بقوة.
    وقوله: لنا الربع بضم الراء يريد أن بني لؤي كانوا أربعة أحدهم أبوهم وهو عوف وبنو لؤي هم أهل الحرم، ولهم وراثة البيت. والأخاشب: جبال مكة، وقد يقال لكل جبل أخشب أنشد أبو عبيد:
    ـــــــ
    1 في "نسب قريش": رواحة بن منقذ بن عمرو بن معيص. انظر :ص437.
    2 العلج: الرجل القوي الضخم، فعالجا: أي مارسا العمل الذي ندبتكما إليه، واعملا به.
    (1/252)
    لنا الربع من بيت الحرام وراثة ... وربع البطاح عند دار ابن حاطب
    أي أن بني لؤي كانوا أربعة: كعبا، وعامرا، وسامة وعوفا.
    قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم:
    أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لرجال من بني مرة إن شئتم أن ترجعوا إلى نسبكم، فارجعوا إليه.
    سادات مرة:
    قال ابن إسحاق: وكان القوم أشرافا في غطفان، هم سادتهم وقادتهم. منهم هرم بن سنان بن أبي حارثة [بن مرة بن نشبة]1 وخارجة بن سنان بن أبي حارثة والحارث بن عوف، والحصين بن الحمام، وهاشم بن حرملة الذي يقول له القائل:
    ـــــــ
    كأن فوق منكبيه أخشبا
    وذكر خارجة بن سنان الذي تزعم قيس أن الجن اختطفته لتستفحله2 نساءها لبراعته ونجدته ونجابة نسله وقد قدمت بنته على عمر فقال لها: ما كان أبوك أعطى زهيرا حين مدحه فقالت أعطاه مالا ورقيقا وأثاثا أفناه الدهر فقال لكن ما أعطاكم زهير لم يفنه الدهر وكان خارجة بقيرا أمرت أمه عند موتها أن يبقر بطنها عنه ففعلوا فخرج حيا، فسمي خارجة ويقال للبقير خشعة قال الحطيئة يعني خارجة بن سنان:
    لقد علمت خيل ابن خشعة أنها ... متى ما يكن يوما جلاد تجالد
    وقول عامر: ترى الملوك حوله مغربله. قيل معناه منتفخة وذكروا أنه يقال:
    ـــــــ
    1 في "اللسان" مادة: نشب: ابن نشبة بن مرة.
    2 أي لتجعله كل منهن في مكان الزوج منها، والقول خرافة.
    (1/253)
    أحيا أباه هاشم بن حرمله ... يوم الهباءات ويوم اليعمله
    ترى الملوك عنده مغربله ... يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له
    هاشم بن حرملة، وعامر الحصعي:
    قال ابن هشام: أنشدني أبو عبيدة هذه الأبيات لعامر الخصفي خصفة بن قيس بن عيلان:
    أحيا أباه هاشم بن حرمله ... يوم الهباءات ويوم اليعمله
    ترى الملوك عنده مغربله ... يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له
    ورمحه للوالدات مثكله
    وحدثني أن هاشما قال لعامر قل في بيتا جيدا أثبك عليه فقال عامر البيت الأول فلم يعجب هاشما، ثم قال الثاني، فلم يعجبه ثم قال الثالث فلم يعجبه فلما قال الرابع:
    ـــــــ
    غربل القتيل إذا انتفخ وهذا غير معروف1 وإن كان أبو عبيد قد ذكره في الغريب المصنف وأيضا: فإن الرواية بفتح الباء مغربلة وقال بعضهم معناه يتخير الملوك فيقتلهم والذي أراه في ذلك أنه يريد بالغربلة استقصاءهم وتتبعهم كما قال مكحول الدمشقي: ودخلت الشام، فغربلتها غربلة حتى لم أدع علما إلا حويته، في كل ذلك أسأل عن البقل.
    وذكر الحديث فمعنى هذا: التتبع والاستقصاء وكأنه من غربلت الطعام. إذا تتبعته بالاستخراج حتى لا تبقى إلا الحثالة. وقوله:
    يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له
    إنما أعجب هاشما هذا البيت لأنه وصفه فيه بالعز والامتناع وأنه لا يخاف حاكما يعدي عليه ولا ترة من طالب ثأر. وهاشم بن حرملة هذا هو جد منظور بن
    ـــــــ
    1 المغربل: اسم مفعول المقتول المنتفخ، وعند الخشني ص35: مغربلة: مقتولة.
    (1/254)
    يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له
    أعجبه فأثابه عليه.
    قال ابن هشام: وذلك الذي أراد الكميت بن زيد في قوله:
    وهاشم مرة المفني ملوكا ... بلا ذنب إليه ومذنبينا
    وهذا البيت في قصيدة له.
    وقول عامر يوم الهباءات. عن غير أبي عبيدة.
    مرة والبسل:
    قال ابن إسحاق قوم لهم صيت وذكر في غطفان وقيس كلها، فأقاموا على نسبهم وفيهم كان البسل.
    ـــــــ
    زبان بن يسار1 الذي كانت بنته زجلة عند ابن الزبير فهو جد منظور لأمه واسمها: قهطم بنت هاشم. كانت قهطم قد حملت بمنظور أربع سنين وولدته بأضراسه فسمي منظورا لطول انتظارهم إياه وفي زبان بن سيار والد منظور يقول الحطيئة:
    وفي آل زبان بن سيار فتية ... يرون ثنايا المجد سهلا صعابها
    ولم يصرف سيارا لما سنذكره بعد - إن شاء الله.
    مزينة:
    وذكر زهيرا ونسبه إلى مزينة، وهم بنو عثمان بن عمرو بن الأطم بن أد بن طابخة2. قال حسان بن ثابت:
    فإنك خير عثمان بن عمرو ... وأسناها إذا ذكر السناء
    يمدح رجلا من مزينة، ومزينة: أمهم وهي بنت كلب بن وبرة وأختها:
    ـــــــ
    1 في "الاشتقاق" زبان بن سيار لا سيار، وقد تزوج بنات منظور: الحسن بن علي، ومحمد بن طلحة، وعبد الله بن الزبير والمنذر بن الزبير.
    2 في ترجمة زهير في "الأغاني": عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة.
    (1/255)
    ـــــــ
    الحوأب بنت كلب التي يعرف بها ماء الحوأب1 المذكور في حديث عائشة أيتكن صاحبة الجمل الأدبب2 تنبحها كلاب الحوأب.
    (1/256)
    أمر البسل
    ...
    أمر البسل:
    تعريف البسل، ونسب زهير الشاعر:
    والبسل - فيما يزعمون - نسيئهم ثمانية أشهر حرم لهم من كل سنة من بين العرب قد عرفت ذلك لهم العرب لا ينكرونه ولا يدفعونه يسيرون به إلى أي بلاد العرب شاءوا، لا يخافون منهم شيئا. قال زهير بن أبي سلمى، يعني بني مرة.
    قال ابن هشام: زهير أحد بني مزينة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، ويقال زهير بن أبي سلمى من غطفان، ويقال حليف في غطفان:
    تأمل فإن تقو المروراة منهم ... وداراتها لا تقو منهم إذا نخل
    بلاد بها نادمتهم وألفتهم ... فإن تقويا منهم فإنهم بسل
    يقول: ساروا في حرمهم.
    قال ابن هشام: وهذان البيتان في قصيدة له.
    قال ابن إسحاق: وقال أعشى بني قيس بن ثعلبة:
    أجارتكم بسل علينا محرم ... وجارتنا حل لكم وحليلها
    قال ابن هشام: وهذا البيت في قصيدة له.
    ـــــــ
    البسل:
    وذكر البسل وهو الحرام والبسل أيضا: الحلال فهو من الأضداد ومنه:
    ـــــــ
    1 حوأب: يقال: واد حوأب: واسع، وحوأب: ماء أو موضع قريب من البصرة، وهو الذي نزلته عائشة رضي الله عنها لما جاءت إلى البصرة في وقعة الجمل.
    2 الأدَبُّ: الجمل الكثير الوبر، أو كثير وبر الوجه.
    (1/256)
    أولاد كعب ومرة وأمهم:
    قال ابن إسحاق: فولد كعب بن لؤي ثلاثة نفر مرة بن كعب، وعدي بن كعب، وهصيص بن كعب. وأمهم وحشية بنت شيبان بن محارب بن فهر بن مالك بن النضر.
    أولاد مرة وأمهاتهم:
    فولد مرة بن كعب ثلاثة نفر كلاب بن مرة، وتيم بن مرة ويقظة بن مرة.
    فأم كلاب هند بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن [فهر بن] مالك بن كنانة بن خزيمة. وأم يقظة البارقية امرأة من بارق، من الأسد من
    ـــــــ
    بسلة الراقي، أي ما يحل له أن يأخذه على الرقية وبسل في الدعاء بمعنى: آمين قال الراجز [المتلمس]:
    لا خاب من نفعك من رجاك ... بسلا، وعادى الله من عاداك1
    وكان عمر بن الخطاب يقول في أثر الدعاء: آمين وبسلا، أي استجابة.
    وقول زهير:
    فإن تقو المروراة منهم.
    البيت. وقع في بعض النسخ المرورات بتاء ممدودة كأنه جمع مرور وليس في الكلام مثل هذا البناء وإنما هو المروراة بهاء مما ضوعفت فيه العين واللام فهو فعلعلة مثل صمحمحة والألف فيه منقلبة عن واو أصلية وهذا قول سيبويه جعله مثل شجوجاة وأبطل أن يكون من باب عثوثل وقال ابن السراج في قطوطاة وهو مثل مروراة هو فعوعل مثل عثوثل وقال سيبويه فيه إنه من باب صمحمحة فالواو زائدة على قول ابن السراج ووزنه عنده فعوعلة2.
    ـــــــ
    1 في "اللسان": البسل من الأضداد وهو الحرام والحلال، والإبسال: التحريم وعن ابن سيدة: قالوا في الدعاء على الإنسان: بسلا وأسلا.
    2 في "اللسان" مادة: مرو: المروراة: الأرض أو المفازة التي لا شيء فيها، وهي فعوعلة، والجمع:المرورى.
    (1/257)
    اليمن. ويقال هي أم تيم. ويقال تيم هند بنت سرير أم كلاب.
    نسب بارق
    قال ابن هشام بارق: بنو عدي بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسد بن الغوث، وهم في شنوءة. قال الكميت بن زيد:
    وأزد شنوءة اندرءوا علينا ... بجم يحسبون لها قرونا
    فما قلنا لبارق: قد أسأتم ... وما قلنا لبارق: أعتبونا
    قال: وهذان البيتان في قصيدة له. وإنما سموا ببارق ; لأنهم تبعوا البرق.
    ولدا كلاب وأمهما:
    قال ابن إسحاق: فولد كلاب بن مرة رجلين قصي بن كلاب، وزهرة بن كلاب. وأمهما: فاطمة بنت سعد بن سيل أحد الجدرة من جعثمة الأزد، من اليمن، حلفاء في بني الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة.
    __________
    أعلام وأنساب:
    وذكر هصيص بن كعب وهو فعيل من الهص وهو القبض بالأصابع. من كتاب "العين"1.
    وذكر يقظة بن مرة بفتح القاف وقد وجدته بسكون القاف في أشعار مدح بها خالد بن الوليد، فمنها قول الشاعر:
    وأنت لمخزوم بن يقظة جنة
    كلا اسميك فيها ماجد وابن ماجد
    وأم مخزوم بن يقظة جد بني مخزوم كلبة بنت عامر بن لؤي. قاله الزبير.
    وذكر بارق، وهم بنو عدي بن الأزد، وقال سموا: بارق ; لأنهم اتبعوا البرق، وقد قيل إنهم نزلوا عند جبل يقال له بارق، فسموا به.
    ـــــــ
    1 والهص بفتح الهاء أيضاًَ، الصلب من كل شيء، وشدة الغمز والوطء للشيء حتى تشدخه.
    (1/258)
    نسب جعثمة:
    قال ابن هشام: ويقال جعثمة الأسد وجعثمة الأزد، وهو جعثمة بن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نصر بن زهران بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأسد بن الغوث، ويقال جعثمة بن يشكر بن مبشر بن صعب بن نصر بن زهران بن الأسد بن الغوث.
    وإنما سموا الجدرة لأن عامر بن عمرو بن جعثمة تزوج بنت الحارث بن
    ـــــــ
    وقول الكميت بجم يحسبون لها قرونا. أي يناطحون بلا عدة ولا منة1 كالكباش الجم التي لا قرون لها، ويحسبون أن لهم قوة. والكميت هذا هو ابن زيد أبو المستهل من بني أسد.
    وفي أسد: الكميت بن معروف كان قبل هذا، وفيهم أيضا الكميت بن ثعلبة وهو أقدم الثلاثة وابن معروف هو الذي يقول:
    خذوا العقل إن أعطاكم القوم عقلكم ... وكونوا كمن سيم الهوان فأربعا
    ولا تكثروا فيه الضجاج فإنه ... محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا2
    الجدرة:
    وذكر الجدرة وقال هم بنو عامر بن خزيمة بن جعثمة وفي حاشية الشيخ أبي بحر زيادة خزيمة خطأ إنما هو عمرو بن جعثمة وذكر غير ابن إسحاق أن السيل ذات مرة دخل الكعبة، وصدع بنيانها، ففزعت لذلك قريش، وخافوا انهدادها إن جاء سيل آخر وأن يذهب شرفهم ودينهم فبنى عامر لها جدارا، فسمي: الجادر. وقوله في الجدرة حلفاء بني الديل. المعروف عند أهل النسب أن الديل
    ـــــــ
    1 أي: قوة.
    2 ابن دارة هو: سالم بن مسافع يربوع أحد بني عبد الله بن عطفان، ودارة: أمه وكان قد هجا بني فزارة فاغتاله زميل الفزاري, والعقل: الدية.
    (1/259)
    مضاض الجرهمي، وكانت جرهم أصحاب الكعبة. فبنى للكعبة جدارا، فسمي عامر بذلك: الجادر فقيل لولده الجدرة لذلك1.
    قال ابن إسحاق: ولسعد بن سيل يقول الشاعر:
    ما نرى في الناس شخصا واحدا ... من علمناه كسعد بن سيل
    فارسا أضبط فيه عسرة ... وإذا ما واقف القرن نزل
    فارسا يستدرج الخيل كما استدرج الحر القطامي الحجل
    قال ابن هشام: قوله كما استدرج الحر. عن بعض أهل العلم بالشعر.
    بقية أولاد كلاب:
    قال ابن هشام: ونعم بنت كلاب وهي أم سعد وسعيد ابني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي، وأمها: فاطمة بنت سعد بن سيل.
    أولاد قصي وأمهم:
    قال ابن إسحاق: فولد قصي بن كلاب أربعة نفر وامرأتين عبد مناف بن قصي، وعبد الدار بن قصي، وعبد العزى بن قصي، وعبد بن قصي، وتخمر بنت قصي، وبرة بنت قصي. وأمهم حبى بنت حليل ابن حبشية ابن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي.
    ـــــــ
    في عبد القيس وهو الديل بن عمرو بن وديعة2 [بن أفصى بن عبد القيس]، والديل أيضا في الأزد، وهو ابن هدهاد بن زيد مناة والديل أيضا في تغلب وهو ابن زيد بن عمرو بن غنم بن تغلب، والديل أيضا في إياد، وهو ابن أمية بن حذافة بن زهير بن إياد، وأما الذي في كنانة وهم الذين ينسب إليهم أبو الأسود
    ـــــــ
    1 وذلك أن السيل دخل الكعبة ذات مرة وصدع بنيانها، ففزعت لذلك قريش، وخافوا انهدامها، وأن يذهب شرفهم ودينهم، فبنى عامر لها جداراً، فسمي الجادر لذلك.
    2 ابن وديعة بن لكيز، ولكيز وأخوه شن: هما قبيلا عبد القيس.
    (1/260)
    .................................................. ........................................
    ـــــــ
    الدؤلي، وهو ظالم بن عمرو، وهم حلفاء الجدرة فابن الكلبي ومحمد بن حبيب وغيرهما من أهل النسب يقولون فيه الدئل بضم الدال وهمزة مكسورة وينسبون إليه دؤلي، وطائفة من أهل اللغة منهم الكسائي ويونس بن حبيب والأخفش يقولون فيه الديل بكسر الدال وينسبون إليه الديلي، واختاره أبو عبيدة قال محمد بن حبيب ابن الكلبي وغيره من أهل النسب أقعد بهذا، وإليهم يرجع فيما أشكل من هذا الباب.
    قال المؤلف: وأما الدول فالدول بن حنيفة واسم حنيفة أثال بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، وهم رهط مسيلمة الكذاب، وفي ربيعة أيضا، ثم في عمرة الدول بن صباح وفي الرباب: الدول بن جل بن عدي بن عبد مناة بن أد بن طابخة وفي الأسد الدول بن سعد مناة بن غامد.
    والذي تقيد عن ابن إسحاق في الديل بن بكر بكسر الدال والياء الساكنة وقد وافقه على ذلك من النساب العدوي وابن سالم الجمحي، ومن تقدم ذكره من أهل اللغة1 والدأل على وزن فعل من دأل يدأل إذا مشى بعجلة وأما الديل بغير همز فكأنه سمي بالفعل من ديل عليهم من الدولة على وزن ما لم يسم فاعله. وقد قيل إن الدئل بن بكر سمي بالدئل وهي دويبة صغيرة وأنشدوا لكعب بن مالك [الأنصاري]:
    جاءوا بجيش لو قيس معرسه ... ما كان إلا كمعرس الدئل
    وأنشد في سعد بن سيل واسم سيل خير بن حمالة قاله الطبري، والسيل2
    ـــــــ
    1 في "اللسان" وغيره عن الدئل والديل: والدئل بالضم أمهما أم خارجة البجلية التي يضرب بها المثل في سرعة النكاح.
    2 في "كتب الأنسان" سيل، وليس من معاني السيل: السنبل، وإنما الذي بمعنى السنبل هو السبل بالباء لا بالياء.
    (1/261)
    قال ابن هشام: ويقال حبشية ابن سلول.
    أولاد عبد مناف وأمهاتهم:
    قال ابن إسحاق: فولد عبد مناف - واسمه المغيرة بن قصي - أربعة نفر هاشم1 بن عبد مناف وعبد شمس2 بن عبد مناف والمطلب بن عبد مناف، وأمهم عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة، ونوفل بن عبد مناف وأمه واقدة بنت عمرو المازنية. مازن بن منصور بن عكرمة.
    نسب عتبة بن غزوان:
    قال ابن هشام: فبهذا النسب خالفهم عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نسيب بن مالك بن الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة.
    عود إلى أولاد عبد مناف:
    قال ابن هشام: وأبو عمرو، وتماضر وقلابة وحية وريطة وأم الأخثم [واسمها: هالة]، وأم سفيان بنو عبد مناف.
    فأم أبي عمرو: ريطة امرأة من ثقيف، وأم سائر النساء عاتكة بنت مرة بن هلال [بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور]، أم هاشم بن عبد مناف وأمها صفية بنت حوزة بن عمرو ابن سلول [واسمه مرة] بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، وأم صفية بنت عائذ بن سعد العشيرة بن مذحج.
    ـــــــ
    هو: السنبل، وهو أول من حلى السيوف بالذهب والفضة.
    فارسا أضبط فيه عسرة.
    الأضبط: الذي يعمل بكلتا يديه وهو من صفة الأسد أيضا، قال الجميح:
    ـــــــ
    1 واسمه عمرو، ويقال له:هاشم، لأنه أول من هشم الثريد لقومه.
    2 وكان عبد شمس تلوا لهاشم، وقيل: بل كانا توأمين، فولد هاشم ورجله في جبهة عبد شمس ملتصقة، فلم يقدر على نزعها إلا بدم.
    (1/262)
    أولاد هاشم وأمهاتهم:
    قال ابن هاشم: فولد هاشم بن عبد مناف أربعة نفر وخمس نسوة: عبد المطلب بن هاشم، وأسد بن هاشم وأبا صيفي بن هاشم ونضلة بن هاشم، والشفاء وخالدة وضعيفة ورقية وحية. فأم عبد المطلب ورقية: سلمى1 بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار. واسم النجار تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر.
    وأمها: عميرة بنت صخر [بن حبيب] بن الحارث بن ثعلبة بن مازن بن النجار. وأم عميرة سلمى بنت عبد الأشهل النجارية.
    وأم أسد: قيلة بنت عامر بن مالك الخزاعي.
    وأم أبي صيفي وحية: هند بنت عمرو بن ثعلبة الخزرجية.
    وأم نضلة والشفاء امرأة من قضاعة.
    وأم خالدة وضعيفة: وافدة بنت أبي عدي المازنية.
    ـــــــ
    [منقذ بن الطماح الأسدي]:
    ضبطاء تسكن غيلا غير مقروب
    وقوله فيه عسرة من هذا المعنى أيضا، والاسم منه أعسر.
    وذكر حليل بن حبشية والحبشية نملة كبيرة سوداء وأن قصيا تزوج ابنته
    ـــــــ
    1 وأمها عمرة بنت صخر المازنية، وابنها عمرو بن أحيحة بن الجلاح، وأخوه معبد، ولدتهما الأحيحة بعد هاشم.
    (1/263)
    أولاد عبد المطلب بن هاشم:
    ...
    أولاد عبد المطلب بن هاشم:
    عددهم وأمهاتهم:
    قال ابن هشام: فولد عبد المطلب بن هاشم عشرة نفر وست نسوة العباس
    (1/263)
    وحمزة وعبد الله وأبا طالب - واسمه عبد مناف - والزبير والحارث وجحلا، والمقوم وضرارا، وأبا لهب - واسمه عبد العزى - وصفية وأم حكيم البيضاء وعاتكة، وأميمة، وأروى، وبرة.
    فأم العباس وضرار: نتيلة بنت جناب بن كليب بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد مناة بن عامر - وهو الضحيان - بن سعد بن الخزرج بن تيم اللات بن النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار.
    ويقال أفصى بن دعمي بن جديلة.
    وأم حمزة والمقوم وجحل، وكان يلقب بالغيداق لكثرة خيره وسعة ماله - وصفية هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي.
    وأم عبد الله وأبي طالب والزبير وجميع النساء غير صفية فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر.
    وأمها: صخرة بنت عبد بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر.
    ـــــــ
    حبى، فولدت له عبد مناف وإخوته وقال غيره بل أم عبد مناف عاتكة بنت هلال بن بالج [أو فالج1] بن ذكوان، وأم هاشم عاتكة بنت مرة فالأولى: عمة الثانية وأم وهب جد النبي - عليه السلام - لأمه عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال فهن عواتك. ولدن النبي عليه السلام ولذلك قال "أنا ابن العواتك من سليم "2 وقد قيل في تأويل هذا الحديث إن ثلاث نسوة من سليم أرضعنه كلهن
    ـــــــ
    1 في "نسب قريش" ص14: حمالة، وفي بعض الكتب بالحج وفي بعضها فالج.
    2 رواه سعيد بن منصور في "سننه"، والطبراني في "الكبير" عن سبابة بن عاصم.
    (1/264)
    وأم صخرة تخمر بنت عبد بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر.
    وأم الحارث بن عبد المطلب: سمراء [أو صفية] بنت جندب بن جحير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة.
    وأم أبي لهب لبنى بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر بن حبشية ابن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي.
    __________
    تسمى: عاتكة، والأول أصح. وأم عاتكة بنت مرة ماوية1 بنت حوزة بن عمرو بن مرة أخي عامر بن صعصعة وهم بنو سلول، وأم ماوية أم أناس المذحجية.
    وقال في أمهات بني عبد مناف وأما صفية فأمها: بنت عبد الله بن سعد العشيرة بن مذحج، وهو وهم لأن سعد العشيرة بن مذحج هو أبو القبائل المنسوبة إلى مذحج إلا أقلها، فيستحيل أن يكون في عصر هاشم من هو ابن له لصلبه ولكن هكذا رواه البرقي عن ابن هشام - كما قلنا - ورواه غيره بنت عبد الله من سعد العشيرة وهي رواية الغساني وقد قيل فيه عائذ الله وهو أقرب إلى الصواب. ولسعد العشيرة ابن لصلبه واسمه عيذ الله وهي قبيلة من قبائل جنب من مذحج2، وقد ذكرت بطون جنب وأسماء ولد سعد العشيرة أو أكثرهم في هذا الكتاب ولم سميت تلك القبائل بجنب وأحسب الوهم في رواية البرقي إنما جاء من اشتراك الاسم لأن أم صفية المذكورة بنت عيذ الله3 ولكن ليس بعيذ الله
    ـــــــ
    1 في "نسب قريش": مارية بنت حوزة بن عمرو بن سلول واسمه: مرة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن.
    2 مذحج هو مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد ب كهلان بن سبأ. انظر: "جمهرة ابن حزم" ص383.
    3 اسمه: عائذ الله.
    (1/265)
    .................................................. ........................................
    ـــــــ
    الذي هو ابن سعد العشيرة لصلبه ولكنه من سعد العشيرة.
    وذكر عبد شمس بن عبد مناف وكان تلوا لهاشم ويقال كانا توأمين فولد هاشم ورجله في جبهة شمس ملتصقة فلم يقدر على نزعها إلا بدم فكانوا يقولون سيكون بين ولدهما دماء فكأن تلك الدماء ما وقع بين بني هاشم، وبين بني أمية بن عبد شمس. وأما سلمى أم عبد المطلب، فقد ذكر نسبها، وأمها: عميرة بنت ضحر1 المازنية وابنها: عمرو بن أحيحة بن الجلاح، وأخوه معبد ولدتهما لأحيحة بعد هاشم وكان عمرو من أجمل الناس وأنطقهم بحكمة وقال رجل من بني هاشم للمنصور أرأيت إن اتسعنا في البنين وضقنا في البنات فإلى من تدفعنا، يعني: في المصاهرة فأنشد:
    عبد شمس كان يتلو هاشما ... وهما بعد لأم ولأب
    وذكر الدارقطني: أن الحارث بن حبش السلمي كان أخا هاشم وعبد شمس والمطلب لأمهم وأنه رثى هاشما لهذه الأخوة وهذا يقوي أن أمهم عاتكة السلمية.
    فصل وذكر ابن إسحاق أن أم حية بنت هاشم، وأم أبي صيفي: هند بنت [عمرو بن]2 ثعلبة [بن الخزرج]، والمعروف عند أهل النسب أن أم حية [أم عدي]: جحل بنت حبيب بن الحارث بن مالك بن حطيط3 الثقفية وحية بنت هاشم تحت الأجحم بن دندنة [بن عمرو بن القين بن رزاح بن عمرو بن سعد بن كعب بن عمرو] الخزاعي ولدت له أسيدا، وفاطمة بنت الأجحم التي تقول:
    ـــــــ
    1 في "نسب قريش" هو صخر بن حبيب بن الحارث بن بن ثعلبة بن مازن بن النجار.
    2 في "نسب قريش" هكذا، وأنها أم أبي صيفي.
    3 ابن جشم بن قسي وهو بن منبه بن بكر بن هوازن. انظر "نسب قريش" ص17.
    (1/266)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    يا عين بكي عند كل صباح ... جودي بأربعة على الجراح
    قد كنت لي جبلا ألوذ بظله ... فتركتني أضحى بأجرد ضاح
    قد كنت ذات حمية ما عشت لي ... أمشي البراز وكنت أنت جناحي
    فاليوم أخضع للذليل وأتقي ... منه وأدفع ظالمي بالراح
    وأغض من بصري، وأعلم أنه ... قد بان حد فوارسي ورماحي
    وإذا دعت قمرية شجنا لها ... يوما على فنن دعوت صباحي
    وقع هذا الشعر لها في "الحماسة" وغيرها.
    وذكر أم العباس وهي نتيلة بنت جناب بن كليب وهي من بني عامر الذي يعرف بالضحيان وكان من ملوك ربيعة، وقد ذكرنا في خبر تبع، أنها أول من كسا البيت الديباج وذكرنا سبب ذلك ونزيد هاهنا ما ذكره الماوردي، قال أول من كسا البيت الديباج خالد بن جعفر بن كلاب أخذ لطيمة من البز وأخذ فيها أنماطا1، فعلقها على الكعبة، وأم نتيلة أم حجر أو أم كرز بنت الأزب من بني بكيل من همدان، وهي نتيلة بتاء منقوطة باثنتين وهي تصغير نتلة واحدة النتل وهم بيض النعام وبعضهم يصحفها بثاء مثلثة.
    وذكر في بني عبد المطلب جحلا بتقديم الجيم على الحاء هكذا رواية الكتاب. وقال الدارقطني: هو حجل بتقديم الحاء. وقال جحل بتقديم الجيم هو الحكم بن جحل يروى عن علي ومن حديثه عنه أنه قال من فضلني على أبي بكر جلدته حد الفرية. والجحل السقاء الضخم. والجحل الحرباء. وذكر ابن دريد أن اسم جحل مصعب. وقال غيره كان اسمه مغيرة، وجحل لقب له. والجحل ضرب من اليعاسيب قاله صاحب العين. وقال أبو حنيفة كل شيء ضخم فهو جحل وجحل هو الغيداق والغيداق ولد الضب وهو أكبر من
    ـــــــ
    1 ضرب من البسط وثوب صوف يطرح عليه الهودج.
    (1/267)
    .................................................. ............................................
    ـــــــ
    الحسل1. ولم يعقب وكذا المقوم لم يعقب إلا بنتا اسمها: هند. وأم الغيداق - فيما ذكر القتبي: ممنعة بنت عمرو الخزاعية وهذا خلاف قول ابن إسحاق.
    وذكر في أعمامه أيضا: الزبير وهو أكبر أعمام النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي كان يرقص النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو طفل ويقول:
    محمد بن عبدم ... عشت بعيش أنعم
    في دولة ومغنم ... دام سجيس الأزلم2
    وبنته: ضباعة كانت تحت المقداد. وعبد الله ابنه مذكور في الصحابة - رضي الله عنهم - وكان الزبير - رضي الله عنه - يكنى أبا الطاهر بابنه الطاهر وكان من أظرف فتيان قريش، وبه سمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنه الطاهر. وأخبر الزبير عن ظالم كان بمكة أنه مات فقال بأي عقوبة كان موته؟ فقيل مات حتف أنفه فقال وإن فلا بد من يوم ينصف الله فيه المظلومين ففي هذا دليل على إقراره بالبعث.
    وذكر أبا طالب واسمه عبد مناف وله يقول عبد المطلب:
    أوصيك يا عبد مناف بعدي ... بمؤتم بعد أبيه فرد
    مات أبوه وهو حلف المهد
    وذكر أبا لهب واسمه عبد العزى، وكني أبا لهب لإشراق وجهه وكان تقدمة من الله - تعالى - لما صار إليه من اللهب وأمه لبنى بنت هاجر بكسر الجيم من بني ضاطرة بضاد منقوطة. واللبنى في اللغة شيء يتميع من بعض الشجر قاله أبو حنيفة. ويقال لبعضه الميعة والدودم مثل اللبنى يسيل من السمر غير أنه
    ـــــــ
    1 في "اللسان": الجحل: الحرباء قال الجوهري: هو ذكر أم حُبَين، وقيل: هو الضب المسن الكبير.
    2 في "أمالي" القالي أنه دخل على الزبير، وهو صبي، فأقعده في حجره وقال ما ذكره السهيلي.
    (1/268)
    رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهاته:
    قال ابن هشام فولد عبد الله بن عبد المطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيد ولد آدم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليه وعلى آله. وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر. وأمها: برة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر. وأم برة أم حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر. وأم أم حبيب برة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر.
    ـــــــ
    أحمر فيقال حاضت السمرة1 إذا رشح ذلك منها.
    ـــــــ
    1 السمر: ضرب من شجر الطلح.
    (1/269)
    أمهات النبي صلى الله عليه وسلم
    ...
    أمهات النبي صلى الله عليه وسلم :
    ذكر في آخرهن برة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدي وهن كلهن قرشيات ولذلك وقف في برة وإن كان قد ذكر أهل النسب بعد هذا: أم برة وأم أمها، وأم أم الأم ولكنهن من غير قريش. قال محمد بن حبيب وأم برة قلابة بنت الحارث بن مالك بن طابخة بن صعصعة بن غادية بن كعب بن طابخة بن لحيان بن هذيل، وأم قلابة أميمة بنت مالك بن غنم بن لحيان بن غادية2 بن كعب وأم أميمة: دبة بنت الحارث بن لحيان بن غادية وأمها: بنت [يربوع بن ناضرة بن غاضرة] كهف الظلم من ثقيف، وذكر الزبير قلابة بنت الحارث وزعم أن
    ـــــــ
    2 الذي في نسب "قريش" عن أمهات النبي أن أم برة هي: أميمة بنت مالك بن غنم بن حنش بن عادية بن صعصعة ... إلخ.
    (1/269)
    قال ابن هشام: فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشرف ولد آدم حسبا، وأفضلهم نسبا من قبل أبيه وأمه صلى الله عليه وسلم.
    ـــــــ
    أباها الحارث كان يكنى: أبا قلابة وأنه أقدم شعراء هذيل، وذكر من قوله
    لا تأمنن وإن أمسيت في حرم ... إن المنايا بجنبي كل إنسان
    واسلك طريقك تمشي غير مختشع ... حتى تلاقي ما منى لك الماني1
    فالخير والشر مقرونان في قرن ... بكل ذلك يأتيك الجديدان
    ـــــــ
    1 في "اللسان":
    ولا تقولن لشيء سوف أفعله ... حتى تلاقي ما يمني لك الماني

  2. #2
    ~ [ مستشار إداري ] ~
    الصورة الرمزية همس الرووح
    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    المشاركات
    27,875

    رد: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام_المجلد الأول_

    يعطيج العافية مجهود رائع


    تشكراات غلاتي جود


    ******
    لاتظلمن اذا ما كنت مقتدر فالظلم آخره
    يفضى إلى الندم
    تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك
    وعين الله لم تنم

  3. #3
    منارة الأفراح الصورة الرمزية قطرات امل
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    الدولة
    مدينة الامل
    المشاركات
    549

    رد: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام_المجلد الأول_

    جزاك ربي كل خير
    وعادة****قطـــرات أمل لتنير منارة الأفراح



    على ضفاف الإحزان



    .....بقلمي قطرات أمل...

  4. #4
    ~ [ عضو مؤسس ] ~

    الصورة الرمزية كاسب العز
    تاريخ التسجيل
    May 2005
    الدولة
    جــــــــــــده
    المشاركات
    26,890

    رد: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام_المجلد الأول_

    بارك الله فيك

    لك مني أجمل تحية

    تقبل مرورى

    كاسب العز
    {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ }

    أنت الزائررقم

    لمــواضيعي





    جـــده

  5. #5
    ~ [ مستشار إداري ] ~

    تاريخ التسجيل
    Oct 2005
    المشاركات
    7,511

    رد: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام_المجلد الأول_

    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مطوية عن السيرة النبوية
    بواسطة جواهر في المنتدى المطويات
    مشاركات: 44
    آخر مشاركة: 24-11-2014, 06:34 PM
  2. حمل أطلس السيرة النبوية ( خرائط لأحداث السيرة النبوية مع الشرح )
    بواسطة إشراقـ أمل ـة في المنتدى الإجتماعيات
    مشاركات: 24
    آخر مشاركة: 02-03-2013, 04:04 PM
  3. الروض الأنف في شرح السيرة النبويه لابن هشام_المجلد الثاني_
    بواسطة غرابيــل في المنتدى كتب السيرة النبوية
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 05-08-2010, 06:30 AM
  4. *·~-.¸¸,.-~*مسابقة السيرة النبوية*·~-.¸¸,.-~*
    بواسطة جواهر عبدالله في المنتدى المناسبات التعليمية
    مشاركات: 60
    آخر مشاركة: 29-07-2010, 05:33 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •