مما لا يختلف فيه اثنان مدى الانسجام والتواؤم والتمازج الذي قد يحصل بين شخصين
تجانست طبائعهما ، وتقاربت قلوبهما ، ورضي كل واحدٍ منهما عن الآخر ،
وأغضى عن بعض عيبٍ يمكن أن يكون فيه ، على حد قول الشاعر :
وعين الرضا عن كلِّ عيبٍ كليلةٌ ***ولكن عين السخط تبدي المساويا
=====================
ولكن ما سيق هو ما لا أعنيه بعنواني السابق وما أردته هو غير ذلك ،
إذ أن ما سبق ينطبق على من التقيا وتقابلا ،،
فتعارفا وتآلفا على إثر ذلك اللقاء والتواجه والتقابل ،
والأخوة في هذه الحالة تأتي كنتيجة طبيعية لذلك التواصل .
ولكن ما أرمي إليه بعنواني هو كالتالي :
هل يمكن أن يكون هناك أخوّة وتمازجٌ وتآلف بين شخصين لم يلتقيا أبداً ،
ولم يريا بعضيهما – ربما مدى الحياة – وإنما يكون ذلك من خلال ما يكتبان فقط ؟؟؟
وهل يمكن حينما تتوحد الأفكار والآراء وتتقارب المشاعر
أن تورث أخوة وصداقةٌ ثابتة الدعائم ، راسخة الأركان ،
يمكن لنا أن نعول عليها في أن تساهم في إيجاد لبنةٍ صالحة في بناء الأمة ،
حتى مع عدم اللقاء ؟؟
وهل يمكن لنا أن نتوقع أن أخوّة " النت " يمكن أن تكون أخوّة حقيقية ،
بحيث توجه وتؤثر، وتسير، وتبني، وترشد، وتهدي ،
عبر ما يكتب من مواضيع يتفق على مضمونها وفكرتها عدد من الأشخاص ،
يوحدهم همٌّ وهدفٌ واحد ،
وهل يمكن لما يبث من مشاعر يوجهها أخٌ لأخيه عبر متصفحه -
وهو لا يعلم في أي بقعةٍ من الأرض هو قابعٌ – هل يمكن أن تكون مشاعر صادقة ؟؟
وهل يمكن أن تساهم مثل هذه المشاعر وتبادلها
عبر صفحات الانترنت في تعزيز بناء أمّةٍ هي أحوج ما تكون إلى الصدق والتفاني
والتضحية من اجل الآخرين حتى يصبح البناء أمتن وأقوى ؟؟
أم أنها مجرد مضيعةٍ للوقت ، واستنفادٍ للجهد ،
ولعب دورٍ من خلف الشاشات لأناسٍ ما عرفوا من الأخوّة إلا اسمها ،
ولا من الصداقة إلا رسمها ؟؟
أم أنها نوعٌ من المجاملات التي أثقلت كاهل الأمة المسلمة ،
والمداراة التي تفنن في عرضها ، وغزل خيوطها ، وحبك حبالها
أقوامٌ هم في حقيقتهم أبعد الناس عن الواقع والحقيقة ،
وأعجزهم عن القيام بحقوق تلك الأخوة ،
التي لو تعرضوا فيها لأدنى امتحانٍ أو اختبارٍ قد يباح فيه بمكنون ،
أو ينقّب عن مخفيٍّ مستور ، ظهر أنهم : لا شيء ؟؟
ويتكرر السؤال أو التساؤل هنا :
هل أخوة الــ " نت " حقيقيةٌ أم زائفة ؟؟؟
هذه هي التساؤلات التي أطرحها عليكم ،
ولكم أن تدلوا بآرائكم فيها ، كل حسب ما يرى ويعتقد .
وسأبدأ أنا الآن بعرض رأيي الخاص الذي عشته واعتقدته
وجربته خلال رحلةٍ طويلة مع إخوانٍ كثر في الانترنت
– لم نر بعضاً إلى يومنا هذا – سواءً في إشراف المنتديات أو عضويتها .
=============
إن ما أؤمن به أنّ تعانق الأرواح ، وتمازج المشاعر هو من أكبر دعائم الأخوة ،
وأنا على هذا أبني رأيي بأن : أخوة الــ "نت " يمكن أن تكون حقيقيةً
وتؤتي ثمارها اليانعة – بإذن الله تعالى – لأنه كثيراً ما يتوفر فيها ذلك ،
وخاصةً إذا ما كان الجميع على قدرٍ كبير، ومستوى عالٍ
من النزاهة والمسئولية والإخلاص وسلامة النية والمقصد .
ولعلي أستند في ذلك إلى قول حبيبي وقدوتي وإمامي
– محمدٍ صلى الله عليه وسلم- يوم قال :
" الأرواح جنودٌ مجندة ،فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف "
وما أروعه والله من تصويرٍ من أبلغ الخلق وأصدقهم – صلى الله عليه وسلم –
فهو هنا قال : الأرواح ، ولم يقل الأبدان ولا الأجساد ولا الوجوه ولا العيون
ولم يذكر شيئاً حسيّاً على الإطلاق ، ووصفها بقوله : " جنودٌ مجنّدة "
أي أنها مأمورة ومسيرة بأمر ربها، فما أن تجد قسيماً
حتى يحصل ذلك التآلف مباشرةً ، ومتى لم تجد ذلك القسيم
حتى يحصل التنافر والتباعد حتى بدون سببٍ ظاهر
ولعله قد مرّ بأحدنا أنه رأى شخصاً لأول مرّة، فقال :
أحس أني مرتاحٌ لهذا الشخص ، وكأني أعرفه من سنين ،
وهما لم يلتقيا أبداً ، ولكنه ذلك التمازج والتعانق الروحي
الذي ذكره المصطفى –صلى الله عليه وسلم – في الحديث السابق ،
وقد تقرأ لشخصٍ ما كتاباً أو مقالاً أو موضوعاً فتجد أن هناك توافقاً
وتمازجاً بينكما لا يقف عند حدِّ الإعجاب بما كتب فقط ،
بل أنه يتجاوز ذلك إلى محبةٍ وألفةٍ تكنها له ، حتى ولو باعدت بينكما الأمكنة والأزمان .
وعلى العكس من ذلك تماماً ، فقد تقرأ لشخصٍ ما ،
ولا تجد ذلك الانسجام والتوافق الذي كان مع سابقه ،
وكل ذلك أسرار ربانيّة إلهية أودعها الباري تعالى في نفوس عباده ،
فمنهم من يكتشفها وينعم بها ،
ومنهم من تظل حبيسة أعماقه إلى أن يرحل ولم ينعم منها بشيء .
ملاحظة :
(( لم أقصد هنا ما قد يتبادر إلى أذهان البعض أن المقصود
قد يكون ما نسميه: بالدردشة ،أو غرف المحادثة ،
ولكن ما قصدته هو تلك الأقلام الواعية والمسئولة التي تعرض الأفكار
والرؤى وتحاور وتناقش وتجلي عبر المنتديات المختلفة
بعيداً عن مثل ذلك الكلام الفارغ الذي نعلم جميعاً مدى ما وصل
إليه كثير من عشاق " الشات " من تدني في الثقافة والأدب
والأخلاق والمعرفة كانت نتيجةً لإهدار الوقت فيما لا فائدة منه ولا طائل من وراءه ))
وللجميع أصدق التحيات ، وأعذب الأمنيات
نديم السها