السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسعدالله مساؤكم/ صباحكم بكل خير ومسرة
لاأعلم إن كانت تجربتي الأولى اللتي بدأتها منذ عامٍ ونصف ستكون عند حسن ظنكم..؟! هذه قصة كتبتها منذ عام 2003 ، أود مشاركتكم بها علَها تبصر النور للمرة الثالثة..!! أعذروني مقدماً لركاكة أسلوبي فيها وهشاشة الحوار ورقة الأحرف، فهي محاولة قديمة.. ربما تكون فاشلة..!!حتى لاأطيل عليكم أترككم ونبضي..
[align=right]كانت أمام المرآة واقفةً.. مطرقةً برأسها في إحساسٍ عميقٍ باليأس.. عيناها تنزف دماً غزيراً. أحلامها ذبلت.. تلاشت ومات الأمل.. كانت المرآة أمامها تعكس كل معاني البؤس والمأساة.. كانت عيناها بلا لون، وملامحها في ظاهرها هادئة لارياح صفراء عاتية.
كانت تبدو جامدة لاتهتز، وكأنها جبل جليدي.. أما وراء هذه الدموع،فثمة أعاصير وغليان وغضب.. وبقايا قلب ميت.....
إنها ملاك.. إنها جمال وكمال يهزان الأرض بهون.. كانت روحٌ قد نسجتها خيوط الفلِ والبنفسج! إنها سيدة الفكر والمنطق... وجهُها أحلى من القمر.. روحها أنصعُ بياضاً من نورِ الشمس.. صوتها أعذب من ألفِ سمفونية!!!
عباءةُ الليلِ تصبغُ الدنيا سواداً رهيباً.. أصداءُ الرعبِ تنبعثُ من قبرِ الظلام.. والوحشة تنقض، تفترس نفسها بشراسة.. عيناها زائغتان لاتريان إلاضبابًا كثيفًا يلفها.. وكأنه كفن.....
أفاقت على صوتِ طرقات خفيفة على الباب، قامت بحركةٍ آلية لتفتحه.. كان سعيد واقفاً خلف الباب، نظرت إليه؛ وبدون أن تنطق دعته عيناها للدخول.... تأمل فيها قليلاً وأردف يقول: مابالكِ يابيان؟ تبدين شاحبةً جداً...
إنها لاتصغي إليه، فهي تائهة.. محطمة.. وفجأة، صرخت به : كفى،كفى ياسعيد.. لقدضاع قلبي ولم أعد أستطيع الحياه.. كل شئ أنتهى الآن، كل شئ.
سعيد: كلا ياعزيزتي، فالحياة مازالت بخير والأمل موجود فلا تفقديه.
بيان: كيف ذلك وأمي تقف كالسد بيني وبين سعادتي.. لقد كنت أعرف أنني أتنفس..ولكنني بعد أن عرفتُ "جميل" قد أصبحتُ أعيش.. وصار للحياةِ طعماً آخر.. كنت أعيشُ في قفص.. وأتى هو وفتح لي الباب لكي أخرج!
علمني الطيران. وطرت بعيداً جداً.. ولكن أمي بماتريده، ستكسر جناحي! لا،لا لن أقبل العيش معها في هذه الخدعة. أتمنى الموت على أن أحيا مع حيوان...
أخذت تبكي بحرقةٍ وألم.. لم يستطع سعيد أن يرد عليها بأي كلمة، وسادت فترة من الصمت.. ثم خرج من غرفتها..والدمع واقفاًعلى محجر عينيه. وبعد ساعات من بكاءٍ مرير أستسلمت بيان للنوم.
وفي صباح اليومِ التالي، أستيقظت على صوت طرقاتٍ قويةٍ على الباب..وصوتُ والدتِها يسبقُ كل طرقةٍ كانت تطرُقها، والذي كاد أن يفجر أذنيها..
أمينة ( والدة بيان ): أفتحي الباب، هيا أفتحيه بسرعة أم أنك لاتسمعين.. ليس هناك مزيد من الوقت.. هيا.
قامت متثاقلةً لتفتحه.. وبمجرد أن أدارت القفل حتى أندفعت والدتها كالمدفع وهي تصيح بأعلى صوتها على بيان...
والدتها: أسمعيني جيداً، أولاً عليك أن تفطري جيداً فأنت تبدين كالأموات تماماً.. وثانياً عليكِ الذهاب إلى السوق وإشتراء هندام جميل غير الذي لديك.. وثالثاً،أذهبي إلى مصففة الشعرِ حتى تسرح شعركِ بأسلوبٍ جميل ..ورابعاً...لم تترك لها بيان فرصة لتكمل أوامرها العسكرية...
بيان: ماهذا يا أمي، لم كلُ هذه الأوامر ؟
أمينة: ماذا ؟ هل نسيتِ بهذه السرعة ؟ ألم أخبرك بالأمس أنه سيتم اليوم تحديد موعد خطبتك لعبدالمجيد.
وقفت بيان والدمعُ في عينيها.. نظرت إلى والدتها بعينيها المحمرتين.. ولكنها في هذه المرة لم تسكت كعادتها، إستجمعت قوتها وصاحت بها: لا.. لن أسمح لك بتحطيمِ حياتي بما تريدين.. وأنت تعلمين أنني لن أوافق على ذلك أبداً.. أنت تسعين خلف المال.. فأنت المستفيد الأول من هذه الزيجة.. لاتهمكِ مشاعري مع من سأعيش معه بقية عمري..
أمينة: ماهذا الهراء الذي تتفوهين به.. وأيةُ مشاعر وأحاسيس تلك التي تتحدثين عنها؟ كلُ تلك الأشياء خرافاتٍ من نسجِ الخيال..وكلامكُ هذا لايعنيني أبداً أتفهمين؟ عليك أن تجهزي بسرعة فهم سيأتون في الساعةِ التاسعةِ تماماً.
نظرت إليها بغضب وأنصرفت من الغرفة.. لتكمل أوامرها لهذه الزيارةِ المشؤمة..
أسرعت بيان إلى الهاتف.. والدموع تتساقطُ من عينيها.. ضغطت على أزرارِ الهاتف.. كانت أصابعها ترتجف.. لم تكن قادرة على الإمساكِ بالسماعةِ جيداً.. ولكنها كانت متمسكة بها لأنها كانت تتصل إلى روحها، إلى من علمها الطيران.. ذلك الرجلُ الذي ينسي الإنسان أنه يعيشُ في هذه الدنيا..
لكنهُ لا يجيب.. لا أحد يردُ عليها.. إزداد قلقُها فليس من عادتِه أن لايرد.. أزدادت حيرةً وألم.. ضاقت بها الدنيا، لم تعد تعرف ماذا تفعل...أخذت تبكي فهي لاتعرف ماذا سيحدثُ في هذه الليلة.
وبعد مضي سويعاتٍ قليلةٍ دق جرسُ الهاتف في غرفتها.. ولم تترك له المجال ليكمل رنينه.. ورفعت السماعة.. جائها صوتٌ حزينٌ باكٍ.. بالكادِ تُفهمُ كلماتُه.. ولكنها عرفت أنه صوتُ " دعاء " شقيقة " جميل ".
بيان: مابالك يادعاء، مالذي يحدث عندك.. لم تبكين؟
دعاء ترد عليها والكلماتُ تكاد تخنُقها: لقد مات يا بيان... مات جميل..
جمدت بيان في مكانها ومازالت سماعةُ الهاتِف في يدها.. دموعُها جمدت في محجرها، لم تنطق ببنسِ شفه.. وفجأةً صرخت صرخةً مدوية.. وأغمي عليها..
وعلى أثَرِ تلك الصرخة تجمعَ كلُ من بالبيت إلى غرفتها ليجدوها ملقاةً على الأرض.. كانت دعاء ماتزال على الخط.. حاولوا إيقاظها لكن لافائدة.. أمسك سعيد بسماعة الهاتف وعلم من دعاء ماحدث.. كانت دموعه تتساقطُ منه دون أن يحس بها فقد كان جميل صديقهُ أيضاً.. حاولَ سعيد مراتٍ ومراتَ أن يوقظَ بيان ولكنها لاتسمعُ كلمةًواحده .. كانت دقات قلبُها تتراجع شيئاً فشيئًا.. صرخ سعيد بالخادمة لتتصل بالمشفى.. أما والدتها فكانت تجولُ في الغرفةِ وهي تردد: أنظر،أنظر مالذي تفعله أختك لتدمرَ كل ما أبنيهِ لها من سعادة!
ولكن سعيد صرخ في وجهِها : مالذي تُتمتمين به؟ إنها تكادُ تموت وأنت تفكرين في التفاهات . آسفٌ ياأمي ولكنكِ لاتفكرينَ في سعادتِنا أبداً إنما تفكرين في المال.. كما قالت بيان. نظرت إليه دون أدنى إهتمامٍ لما سمعته.. وأمرت أن تُنقل بيان للمشفى بسرعة.
نقلت للمشفى.. كانت ماتزالُ في غيبوبةٍ أستمرت لعدةِ أيام.. كانت خلالها تبدو كالجسدِ بلا روح.. زارها الكثيرُ من الأصدقاء، ولكنها لم تكن تعلم مالذي يدورُ من حولِها أبداً،والدتها كانت غاضبةً جداً.. إزادت عصبيتها..أما السيد محمود والدها فكان صامتا ينظر دائماً إلى إبنته..
و سعيد كان واقفاً بالقربِ من النافذة،و عيناه الناعستان تنظرانِ إلى بيان وهي راقدة.. تلك الزهرةُ الذابلة.. أما دعاء فكانت جالسة بالقربِ منها، وهي تداعبُ خصلاتِ شعرِها الداكن..
في اليوم الرابع من وجود بيان في المشفى، بدت علامات الحياة تبدو عليها، إلتموا حولها.. كان الجميع قلقا والدموع تنحدر من مآقيهم.. أما والدتها السيدة "أمينه " بنظراتها القاسية، تبعد شك أي إنسان بوجود أي إحساس بالحب والحنان..
فتحت عينيها شيئا فشيئا..كانت الدموع تملأ عينيها..ونظرها معلق إلى أعلى لم تنظر إليهم.. حاولوا مكالمتها ، ولكنها لم تنطق بأي كلمة. دعاء تنظر إليها وهي تبكي.. خاطبتها ولكن لافائدة ترجى: بيان حبيبتي، ردي علي.. تكلمي لاتفعلي هذا بنفسك..... ولكنها لاتصغي إليها .حاول سعيد أن يكلمها ولكن كما حدث مع دعاء .. لاترد عليهم.
لاحياة لمن تنادي.. إنها لاتصغي لما يقولونه لها.. مازالت تحت تأثير الصدمة.. كل يوم تزداد فيه شحوبا عن اليوم الآخر.. أصبحت قريبة من الموت.. لم تعد تأكل أبدا.. وصارت نفسيتها سيئة جدا.. حينها قرر السيد محمود أن ينقلها إلى مستشفى الطب النفسي.. ولكن السيدة أمينه كانت له بالمرصاد.. وفي المشفى:
أمينة: ماذا، هلى تريد أخذ إبنتي إلى مستشفى للمجانين؟ ماذا سيقول الناس عنا؟
ماذا سيقول عبدالمجيد؟ هل ستتركونه يقول سيزوجونني من فتاة مختلة .. ها ؟ ياإلهي، يإالهي لن أسمح لك بتدمير مابنيته.
والد بيان ( محمود ): وأنا لن اسمح لك بتدميرها هل تفهمين ، سآخذها إلى المشفى شئت أم أبيت، فأنت لاتهتمين إلا بكلام الناس.
وفي المساء نقلت بيان إلى المشفى.. في غرفتها الخاصة بالعيادة. كانت ماتزال كما هي..دموع حزينة.. ونظرة حائرة. واجمة في محلها لاتتحرك.. حاولت الطبيبة أن تكلمها.. ولكن لافائدة أبدا..كلما كانت تسمعها وهي تتكلم تمسك بأطراف السرير بقوة، وتزداد الدموع في عينيها.. أحتواها الألم والحزن.. مرت أسابيع وهي على هذه الحالة.. تارة تبكي وتارة تهدأ، وتبقى جامدة دون حراك..
في مساء ذلك اليوم، زارها عبدالمجيد ووالدتها.. كان سعيد جالسا معها.
أمينة: مرحبا يا بني، كيف حالها اليوم؟ هل ما زالت مصرة على عدم التحدث مع أي شخص؟ حسنا لقد أتى عبد المجيد لزيارتها.. وما أن سمعت بيان أسمه حتى أشتعلت كالشعلة، وأخذت تصرخ بأعلى صوتها، حاول سعيد أن يهدئها.. لكن لاجدوى من ذلك. أحس عبدالمجيد بالحرج والغضب أيضا، خرج مسرعا من الغرفة.. ولحقت به أمينه ولكنها لم تدركه. وتوجهت إلى "منال" الطبيبة المشرفة على إبنتها، وأخبرتها بما حدث.. فأسرعت منال إليها وحاولت تهدئتها ونجحت فعلا في إسكات بيان.
مرت الساعات في تلك الليلة بطيئة جدا.. كانت دعاء وسعيد ومنال جالسين مع بيان في الغرفة.. والتي كانت صامته لاتتكلم.. ولم تكن لتعيرهم أي إنتباه.. كانت سارحة في العالم الآخر تفكر في جميل ذلك الطير الذي رحل إلى الأبد.
في صباح اليوم التالي زارها والداها وسعيد.. كانت تبدو في حالة جيدة.. كان وجهها هادئا.. ولكن الأبتسامه لم تكن قد إرتسمت على شفتيها بعد.. ومازالت الدموع تملأعينيها.. والكلمات ميته على شفتيها.
أمينة: آه يا إبنتي،كم إشتقنا إليك في المنزل.. هل تعلمين أن السيد كمال وأسرته ترغب في زيارتك؟
وما أن ذكرت أمينه إسم هذه العائلة حتى إلتم الغضب من جديد وأخذت تصرخ في وجه والدتها وهي تقول لها: أخرجي من هنا.. أخرجي.. أخرجي..
حاولت أمينه تمالك نفسها ولكنها لم تستطع.. فامتدت يدها وصفعتها على وجهها.. فساد الصمت للحظة في الغرفة، وبعدها أخذت بيان بالبكاء بصورة هستيرية..ولم يستطع أي شخص فعل شيء.. واستدعيت الدكتورة منال.. وأخرجت الجميع من الغرفة.. وحقنتها بإبرة مخدره،هدئت على إثرها.
في صباح اليوم التالي إستيقظت بيان لتجد منال نائمة على الكرسي المجاور لها.. أحست بالأمان وهي بالقرب منها.. كانت تنظر إليها وهي تحدث نفسها:
آه..مالذي حدث لي ياإلهي؟ لِمَ لم أمت لألحق بجميل؟ مازالت الحياة تسيرني على جمرها.. وأمي مازالت تريد تحقيق أمانيها التعيسة..
إستيقظت منال على صوت تنهد بيان.. عندما كانت تفكر في حالها.. نظرت إليها بعينيها الحانيتين..
منال ( الدكتورة ): صباح الخير ياعزيزتي،هل أنت بخير..آه نسيت فأنت لا تكلمين أحد.. والآن سأتركك وحدك..!!
بيان: أنتظري.. وأستدارت إليها منال بأستغراب.......
منال: ماذا؟كرري ماقلته.. ولكنها لم تنطق بأي كلمة بعدها .. وتابعت منال تقول:
أعرف أنك تريدين الكلام.. ولكنك مترددة.. إذا أردت التحدث إستدعيني فقط وسأحضر إليك..وفي عصر ذلك اليوم أخبرت منال سعيد بأن بيان قد تكلمت ويبدو أنها بدأت تستجيب للعلاج. وفي المساء ذهب سعيد ووالده إلى المشفى لزيارة بيان،وبالمنزل بعد خروج سعيدووالده.. رن جرس الهاتف وكان ذلك الحوار:
أمينة: مرحبا.. نعم،نعم ياعزيزتي سلوى عندما تخرج من المشفى سنكمل أمورالخطبة.. حسنا إتفقنا إذا.. وداعا ياعزيزتي.
كانت تلك المكالمة بداية لرحلة العذاب التي ستعاني منهاذلك الملاك الطاهر.[/align]
أترككم مع الجزء الأول ، وإذا نال إستحسانكم سأكمل