مقال جديد للشاعرة أمل عبدالعزيز عبر جريدة الجزيرة وصفحة مدارات
**
غرابيل
شاعر بالفطرة وشاعر بالدراسة وشاعر بلا مشاعر
أمل عبد العزيز
حينما نتحدث عن الشعر فإنّ أحدنا تتوق روحه لمن سبقنا من قبل حرفاً ومعنى وروحاً، هذا هو ما يتبادر للذهن لأول وهلة لكن!! هل تساءلنا لماذا يتم حصر تلك الصفات فقط في الشعراء السابقين، ويتم نفيها عن الكثير من اللاحقين!!! هذا هو ما يهم قلمي الساعة بالحديث عنه ..!!
هناك شاعر بالفطرة، هكذا أصبح شاعراً لوجود جينات وراثية داخلية في تكوينه الأصلي، كأن يكون أبوه أو أهله أو عشيرته شعراء، فنبغ تبعاً لنبوغهم وصار يسير على ما سبقه عليه (أسلافه) من دهاء شعري ورونق عقلي جعل الغير يكنيه بال(نابعة) وما إلى ذلك من ألقاب استحقها وبجداره وإن لم يكن له من حيلة في الأمر، إلاّ أنه كان شاعراً بالفطرة والوراثة فقط ....
أمّا شاعر الدراسة، وهم وسط بين متوسط عدد الشعراء في السابق واللاحق، فهذا شاعر حرّكته المشاعر فصقلها بالتعلُّم عملاً بالقول المأثور: (وإنّما العلم بالتعلُّم) ... فانكفأ على نفسه لا يألو جهداً حتى نافس بحرفنته الشعرية، الكثير الكثير من أهل الفطرة، بل قد يكون قد تفوّق عليهم بأن صار يصوغ الشعور بقوة لا يصلها صاحب الفطرة لأنّه حريص على بلوغ تلك الدرجة العالية ويكون في مصاف الشعراء النوابغ.
وكان له ذلك وأصبح شاعراً يشار له بالبنان ..... وهذا لا تثريب عليه إذ إنّه جاهد وناضل لأجل الوصول، لكنه انتهج النهج الصحيح كي يصل وقام على نفسه بالتعليم والتدريب حتى بلغ ما يريد ...
أمّا شاعر بلا مشاعر ... فهذا يعجز لساني عن تصنيفه تحت أي مصطلح شعري، فلا هو بالشاعر ولا هو بالمتشاعر ولا هو بالناقد!! أقرب ما يكون عليه حاله هو الفاقد ...
وكم تعلّمنا ودرسنا وعرفنا أنّ (فاقد الشيء لا يعطيه) ناهيك عن أن يتمكن من تملُّك مشاعر المتلقي لحرفه وهو لا يجد نبسة روح بين ثنايا الشطور سوى قاف وحروف متزنة لفظاً مهترئة معنى وروحاً، ولا يوجد لها نسق يمكن تأطيرها تحت مسماه ...
هؤلاء كثير وكثير ولكنهم غثاء أدنى موجة ريح تهوي بهم في سحق صنيعهم..
ف بالقدر الذي عانى منه قلبي - وقلبك منه بالقدر الذي تفرح حينما تراه يسير ولكن في مهب الريح ....
فاحذر يا عزيزي الشاعر أن تكون بلا مشاعر ....