بسم الله الرحمن الرحيم
.. نبي الله يوسف عليه السلام دروس وعبر ..
أنا النبي يوسف الصديق يا أبي ، إخوتي لا يحبونني ، لا يريدونني أعيش بينهم يا أبي !
هذا هو كيد الشيطان ، هذا هو الحقد والمكر الغبي ؟
غاروا مني وماذا جنيت في فعلي ؟ لا أزال طفلا صغيرا مغلوبا على أمري !
يعتدون علي ، يرمونني بالحصا ، يال بشاعة مكرهم يال شعور الأسا ؟
قالوا : إن أبانا في ضلال مبين ، إنه يحب يوسف اليتيم في كل حين !
إن حبه ليوسف جعلنا عليه حاقدين ، لابد أن نفرق بينهم في الموعد الذي يحين !
نجح الشيطان في تسخين حقدهم ، رسم لهم إبليس طريق مكرهم !
قالوا : اقتلوا يوسف أو اطرحوه على الأرض قاسين ، يعود اهتمام أبيكم وتصبحوا من العالين !
قال أحدهم : لا تقتلوه فتصبحوا نادمين ، ألقوه في ظلمات البئر فلا تكونوا قاتلين !
يلتقطه بعض التجار المارة السيارة ، فلا يصبح ذنب قتله علينا مرارة !
عادوا إليك في أخر وقت العشاء ، عادوا إليك يتصنعون العويل والبكاء !
دليلنا هو هذا القميص والدماء ، أكله الذئب يا أبانا في قلب الصحراء !
لكنهم نسوا أن يمزقوا القميص ، فانكشفت حقيقة فعلهم الخبيث !
فرقوا بيني وبين عشيرتي .. فرقوا بيني وبين أختي وقبيلتي !
لم يشأ الله أن أعود يا أبي إلى أحضانك ، لكنه قدر لي تحقيق شعورك وكلامك
قتلوا فيك حبك لابنك الصغير .. قتلوا فيك حبك للحياة والعبير !
رحمة الله عليك وعلى كل أب مصدوم ، رحمة الله على كل أب من أولاده مظلوم !
أنا ماذا صنعت لهم يا أباي ؟ الفراشات حطت ومالت سنابل الزرع بين يداي
الطير حطت على راحتي ، فماذا فعلت ولماذا مخافتي ؟
يريدون أن أموت فيمدحون سيرتي أمامك ! طردوني من بيتي ويعصون كل كلامك !
طردوني من البيت ومن الحقول ، سمموا عنبي وغيبوا كل العقول !
لماذا رموني في ظلام البئر يا أبي ؟ أنا لم أكن يوما ظالما أو كنت طفلا غبي !
أنت سميتني يوسفا ، وهم أوقعوني في الجب واتهموا الذئب البريء يا أبي
قلب الذئب أرحم من قلوب إخوتي ، هي مثل الحجارة يا أبي ، يال مرارتي !
رأيت أحد عشر كوكبا ؟ والشمس والقمر ، رأيتهم لي ساجدين ؟ أنا لم أكن من المغرورين أو المتعالين !
حقد علي أخوتي يا أبي ، كرهوا أن هذا اليتيم يصبح الصديق يوسف النبي !
قاسيت الخوف وظلام البئر ، قاسيت مرارة الجوع ، سهرت الليالي حتى موعد نهار السطوع !
أوحينا إليه : سوف تخبرهم بأمرهم هذا بعد حين ، ولن يفلح كيد الخائنين والماكرين !
باعني التاجر إلى وزير الفراعنة ، أنقذني الله العظيم من خطر القراصنة
رباني عزيز مصر في قصره ، لكني لم أتوقع مكر زوجته وأهله !
قالت زوجته : أيها الخدام أغلقوا علينا الأبواب ، فإن لم يستجب لي ؟ سوف يناله أشد العقاب !
سألتني : لماذا تعصي أوامري ؟ لماذا تتعمد جرح مشاعري ؟ أجبتها إن الله الآن ناظري ؟
كيف أخون من كان معاوني ؟ كيف أخون من أحسن لي في قصره ؟ ومن أمنني على عرضه ؟
راودتني زوجة العزيز عن نفسها ، لكن الله الرحيم نجاني من شر كيدها
افترت علي زوجة العزيز بكلام مكذوب ، لكن الله نجاني بشهادة الطفل المعجوب !
قال نسوة المدينة : لقد شغفها يوسف حبا ! إن أمر زوجة الوزير أصبح عجبا !
لقد عانيت من ظلم امرأة العزيز ، لكن الله خير راحما وهو خير حفيظ
دعتهم زوجة العزيز إلى عقد اجتماع ، حتى أصبح حب يوسف أمر مشاع !
قطع النسوة أيديهم في القصر العظيم ! إنه ليس بشر إنه ملاك كريم !
شاع خبر حب يوسف في كل مكان ! فزجوا بي في السجون حتى يحين النسيان !
ماذا جنيت حتى أدخل السجن بضع سنوات ؟ لماذا حصلت معي كل هذه الحكايات ؟
عانيت الوحدة داخل ظلام السجون ، لكن الله الرحيم سوف يزيح كل الغيوم
حبسوني في غيابات السجون ، لكن برحمة الله يصبح السجن مأمون
نسي صاحب السجن ذكري عند أمير الملوك ، لكن الله لم ينساني في ظلمة الليل الحلوك
نسي صاحبي أن يحكي للملك حكايتي ، لكن الله نجاني بتفسير الرؤيا وحلاوة حكمتي
نجاني الله من وحدة وظلام السجون ، إنه هو الرحمان الرحيم الحنون
نجاني الله من كهنة المعبد الحاقدين ، نجاني الله من كيد الكائدين والماكرين
فضلني الله العظيم على أخوتي الكارهين ، نجاني عندما قرروا قتلي بالسكين
رفعني الله على عرش مملكة الفراعين ، ذلك حتى موعد نعيم الجنة يحين
تعجب ملك الفراعين ما أروع تفسير أحلامك ، ما أصدق حكمتك وأعذب كلامك ؟
سأل الملك النسوة عن صدقي وأمانتي ، شهدوا لي عنده بأمانتي وشجاعتي
أمرني الملك أن أوزع المحاصيل على الناس ، فقد علم أن عندي أمانة عندي إحساس
نشرت التوحيد بين الناس في كامل البلاد ، نشرت بينهم الرحمة والعدل بين العباد
دخل علي أخوتي أحد عشر ، لكنهم أنكروني كأني مثل سائر البشر
قلبي يتقطع ألما من داخله ، لقد نسيني أخوتي ، نسيني كبيرهم أين ذهبت مشاعره ؟
طلبت منهم أن يُحضروا لي أخي بنيامين ، لكنهم رفضوا طلبي وهم شاكين عاجزين
قالوا : أبانا شيخ عجوز كبير ، لا يقبل فراقه إنه شيء عليه عسير
رفض أبي أنهم يأخذون أخي بنيامين ، إلا أن يعطوه عهدا أمام الله واثقين ؟
ذهب نور عيناك يا أبي من ألم فراقي ، لكن لا تحزن فإن الله أراد وفاقي
قالوا : يا أيها العزيز أوفي لنا المكيال ، إن لنا زوجات ولنا كثير من العيال
يا عزيز مصر تصدق من فضلك علينا ، إن إحسانك ظاهر واضح لدينا
إنا نراك يا عزيز من المحسنين ، إنا نطمع في فضلك فنكون لك من الشاكرين
صرخ المنادي فيهم ، أيتها العير إنكم سارقون ، إنكم رجال سوء ماكرون ؟
أجابوا عليه : ما جئنا إليكم لنكون من السارقين ! حاشن الله أن نكون مفسدين !
سألناهم : ما حكمكم عليه إن كان منكم سارقين ؟ قالوا : خذوه عندكم ، كذلك نحن عليه حاكمين !
وضعنا سواع الملك في بضاعة بنيامين ، قالوا : خذ أحدنا مكانه فإن أباه عليه حنين
قلنا : معاذ الله أن نأخذ غير السارق مهما يكون ، حاشن الله أن نجعل الأمين مسجون
اتهموه بالكذب : إن يسرق فإن له أخا كان من السارقين ، فصبرنا على مكرهم حتى حين !
رجعوا إلينا يبكون يستعطفون ، فكشفنا لهم عن أخوهم النبي من هو يكون
ارجعوا إلى أبيكم بهذا القميص ، يرتد إلينا بصيرا مع شعاع البصيص
أنت فرحت يا أبي برؤيتك لي ، فرحت بتكريم الله لابنك ، وبركة الله فيه
هذه يا أبي هي تأويلات أحلامي ، الآن قد علم أخوتي ، صدق كلامك وكلامي
أنا النبي يوسف العفيف الصديق ، أنا يوسف وهذا أخي بنيامين الشقيق
سامحتكم يا أخوتي من بعد كيد الشيطان ، سامحتكم برغم العدوان والعصيان
يا حزننا على ظلمنا لأخونا ، يا ويلتنا من حزن وعذاب أبونا
لقد فضل الله أخونا يوسف النبي علينا ، شئنا ذلك ، وافقنا أم أبينا
قالوا باكين : يا آبانا استغفر لنا ذنوبنا ، سوف نجتهد في إصلاح عيوبنا
سوف أستغفر لكم ربي الغفور الرحيم ، لا تثريب عليكم فإنه هو ربكم الحليم
ربي لقد أتيتني من الملك وعلمتني تأويل الحديث ، فتوفني مسلما يا كريم يا عزيز
كذلك يختبر الله عباده المؤمنين ، كذلك يبتلي الله صبر الصابرين المحسنين
إن الله يجزي الصابرين المحسنين ، ينجيهم من بطش الظالمين الماكرين
بسم الله الرحمن الرحيم
( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ؟ ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم ؟ مستهم البأساءُ ، والضَّراءُ ، وزلزلوا )
( أ ل ر ، أحسب الناس أن يُتركوا ؟ أن يقولوا : آمنَّا ، وهم لا يفتنون ؟ ولقد فتنَّا الذين من قبلهم ، فليعلمن الله الذين صدقوا ، وليعلمن الكاذبين )
شدد الله في الآية على لفظ الذين صدقوا ، لأنهم قليلون جدا بين المؤمنين
( و ابيضت عيناه من الحزن ، فهو كظيم )
( قال إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله ، و أعلم من الله ما لا تعلمون )
( وكذلك مكنا ليوسُف في الأرض ، يتبوأ منها حيث يشاء ، نصيب برحمتنا من نشاء ، ولا نضيع أجر المحسنين )
( ولنجزيَّن الذين صبروا ، أجرهم ، بأحسن من كانوا يعملون )
( كذلك يجزي الله المتقين )
( والله غالبٌ على أمره ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون )