أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إبن الزنا ، لمن يُنسب


إلى أمه أم زوجها أم أبيه ؟


(الجزء الأول)

سيد السقا
تمهيد :
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلىآله وصحبه ومن وآلاه
أما بعد،
فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، السادة العلماء الكرام الأفاضل.
كتبت هذا الموضوع و صدري مُحملٌ بعبئٍ ثقيل من الشعور بالمسؤولية ، فأنا على علم تام بخطورة ما كتبت و دراية بأن كلامي يخالف علماء السلف و ما أتفق عليه جمهور العلماء و ما جرت عليه العادات و الممارسات في بلاد المسلمين، ولكنني و لخطورة الأمر، لم أستطع كتمان ما أوصلتني اليه دراستي في هذا الموضوع ، بل ولا يجوز لى ذلكَ كما تعلمون فإن ذلك من كتمان العلم ، فالأدلة التي وجدتها من القرآن و السنة و من عمل كبار الصحابة كعمر و عثمان و معاوية وما فهمتهُ عائشة رضى الله تعالى عنهما جميعاً ، أوصلتنى الى هذه النتيجة التي أشعر أن من واجبي تنبيهكم إليها و أن أضعها بين ايديكم كعلماء و طلبة علم لتوضيح الأمر كما ينبغى ، فأرجو أن تتسع صدوركم لما كتبت، فلا يخفى عليكم أن الأمر جد خطير لو صحَّ ما أقول ، و أرجو أن تقوموني إن وجدتم إعوجاجاً أو خللاً في أدلتي أو فهمي أو منطقي، و سأكون أسعد الناس إن ثبت خطأي ، واعتذر مقدماً على أى أخطاء نحوية أوغيرها إذ أن الموضوع كتب على عجل ، بارك الله فيكم ونفع بكم .
يقول العلامة ابن القيم
"الذي ندين الله به، ولا يسعنا غيره، ..... أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذُ بحديثه، وترك كل ما خالفه، ولا نتركه لخلاف أحد من الناس كائنًا مَن كان، لا راويه، ولا غيره؛ إذ من الممكن أن ينسى الراوي الحديثَ، أو لا يحضره وقتَ الفُتيا، أو لا يتفطن لدلالته على تلك المسألة، أو يتأول فيه تأويلاً مرجوحًا، أو يقوم في ظنه ما يعارضه، ولا يكون معارضًا في نفس الأمر، أو يقلد غيره في فتواه بخلافه؛ لاعتقاده أنه أعلم منه، وأنه إنما خالفه لما هو أقوى منه، ولو قدر انتفاء ذلك كله، ولا سبيل إلى العلم بانتفائه ولا ظنه، لم يكن الراوي معصومًا، ولم توجب مخالفتُه لما رواه سقوطَ عدالته، حتى تغلب سيئاتُه حسناتِه، وبخلاف هذا الحديث الواحد لا يحصل له ذلك".ا.هـ.- انظر "إعلام الموقعين" 3/52- .
موضوع البحث :
فى هذا البحث ، نستعرض أقوال علماءنا الكرام من السلف والخلف فى نسب ابن الزنا ، فقد قال علماءنا الكرام من السلف والخلف رحمهم الله ، أن ابن الزنا يُنسب إلى زوج المرأة وإن نفاهُ الزوج نُسبَ إلى أمه ويرثها وترثهُ وهذا إن نفاه زوجها كما أسلفنا ، وإن لم ينفيه فينسب إليه كما يقول بذلك العلماء رحمهم الله ، وهو تفسير الإمام النووى رحمه الله لحديث الولد للفراش وللعاهر ، بقوله : معناه أنه إذا كان للرجل زوجة أو مملوكة صارت فراشاً له فأتت بولد لمدة الإمكان منه لحقه الولد، وصار ولداً يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة، سواء كان موافقاً له في الشبه أم مخالفاً.. انتهى.
ويقول العلماء : والراجح أن المقصود بقوله: وللعاهر الحجر ـ أن الزاني لا حق له في الولد، وليس المقصود به رجم الزاني، قال النووي: ومعنى له الحجر أي له الخيبة ولا حق له في الولد... أنتهى .
ولحديث " الولد للفراش وللعاهر الحجر " قصة سنورد تفاصيلها كما حدثت ، وشرح العلماء لها وإستنباطهم للأحكام منها ، ثم نبين الإلتباس الذى حدث فى تفسيرهم للحديث ، رحمهم الله .
الحديث كما ورد ذكره فى كتب التفاسير :
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام فقال سعد هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أنه ابنه انظر إلى شبهه وقال عبد بن زمعة هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي من وليدته فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فرأى شبهاً بيناً بعتبة فقال ( هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة قالت فلم ير سودة قط)
متفق عليه . وفي لفظ البخاري : (هو أخوك يا عبد)
وعند النسائي Lواحتجبي منه يا سودة فليس لك بأخ )
ملخص أقوال العلماء فى هذا الحديث
فسر العلماء هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حكم أن المرأة لو أتت بولد (ولد زنا) فى فترة الإمكان يُلحق بزوج المرأة ، لان المرأة فراشاً لزوجها أو سيدها ، إلا أن ينفيه بالملاعنة وهو ما قالهُ الإمام النووى رحمه الله : ومعنى له الحجر أي له الخيبة ولا حق له في الولد ... أنتهى
وذهب البعض من العلماء ليقول ، حتى ولو أعترفت الزوجة أنها زنت وأن الولد ليس بولد زوجها !!! ، قالوا أن الولد لزوجها إلا أن ينفيه وإن أراد أن ينفيه فلابد أن ينفيه بالملاعنة .
وذهب العلامة ابن القيم إلى تفسير أخر ، فقال : وقد أشكل هذا الحديث على كثير من الناس , من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سودة بالاحتجاب منه , وقد ألحقه بزمعة فهو أخوها , ولهذا قال " الولد للفراش " , قالوا : فكيف يكون أخاها في الحكم وتؤمر بالاحتجاب منه ؟ ) ثم يقول مفسرا ذلك : ( وأما أمره سودة وهي أخته بالاحتجاب منه فهذا يدل على أصل ، وهو تبعيض أحكام النسب : فيكون أخاها في التحريم والميراث وغيره ، ولا يكون أخاها في المحرمية والخلوة والنظر إليها لمعارضة الشبه للفراش ، فأعطى الفراش حكمه من ثبوت الحرمة وغيرها ، وأعطى الشبه حكمه من عدم ثبوت المحرمية لسودة . وهذا باب من دقيق العلم وسره لا يلحظه إلا الأئمة المطلعون على أغواره المعنيون بالنظر في مأخذ الشرع وأسراره ومن نبا فهمه عن هذا وغلظ عنه طبعه فلينظر إلى الولد من الرضاعة كيف هو ابن في التحريم لا في الميراث ولا في النفقة ولا في الولاية وهذا ينفع في مسألة البنت المخلوقة من ماء الزاني فإنها بنته في تحريم النكاح عليه عند الجمهور ، وليست بنته في الميراث ولا في النفقة ولا في المحرمية . ‏ وبالجملة : فهذا من أسرار الفقه , ومراعاة الأوصاف التي تترتب عليها الأحكام , وترتيب مقتضى , كل وصف عليه . ومن تأمل الشريعة أطلعته من ذلك على أسرار وحكم تبهر الناظر فيها . …… . فإن قيل : فكيف تصنعون في الرواية التي جاءت في هذا الحديث " واحتجبي منه يا سودة فإنه ليس لك بأخ " ؟ ‏ قيل : هذه الزيادة لا نعلم ثبوتها ولا صحتها ، ولا يعارض بها ما قد علمت صحته ، ولو صحت لكان وجهها ما ذكرناه : أنه ليس لها بأخ في الخلوة والنظر وتكون مفسرة لقوله , " واحتجبي منه , والله أعلم .‏)
وبإختصار شديد ابن القيم رحمه الله يقول فى هذا الحديث أن الغلام أخو سودة ولكنه ليس بأخٍ لها ، كيف ذلك !!!
يقول أمير العلماء شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ما من نص صحيح إلا وهو موافق العقل ، فما رأيت قياسًا صحيحًا يخالف حديثًا صحيحًا، كما أن المعقول الصحيح لا يخالف المنقولَ الصحيح، أنتهى كلامه .
التضارب فى أقوال المتأخرين من العلماء
وهذه بعض النماذج من تضارب المتأخرين من علماءنا الكرام فى هذا الموضوع ولا عجب فى ذلك فقد أتموا بنيانهم على قاعدة غير صحيحة لهذا الحديث الشريف فحدث ما حدث .
السؤال : امرأة متزوجة تعرضت للاغتصاب ولم تخبر زوجها، وهي حامل وزوجها لا ينجب بسبب موت بعض الحيوانات المنوية لديه، وقال الأطباء إنه من الممكن حدوث حمل ولكن هذا مربوط بمشيئة الله. فما هو حكمها؟ وكيف تعلم إذا كان حملها من زوجها أم لا ؟ مع العلم أنه في اليوم الذي اغتصبت فيه جامعها زوجها. أرجو الرد فورا ماذا تفعل لأنها ستطلق إذا علم زوجها؟
الإجابة : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا الحمل ينسب للزوج، ولا حاجة للتحقّق من ذلك، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ. متفق عليه.
وعلى هذه المرأة أن تستر نفسها، ولا تخبر أحداً بما جرى لها، ولا حاجة لإخبار الزوج، فقد ذهب بعض العلماء إلى عدم وجوب الاستبراء وجواز وطء الزوج لزوجته التي وقعت في الزنا.
قال الشيخ ابن عثيمينرحمه الله في الشرح الممتع على زاد المستقنع: ... بل إن القول المروي عن أبي بكر وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم أن المزني بها لا عدة عليها إطلاقاً ولا تستبرأ، لا سيما إذا كانت ذات زوج؛ لقول الرسول عليه الصلاة السلام: الولد للفراش. بل ينبغي للإنسان إذا علم أن زوجته زنت والعياذ بالله وتابت أن يجامعها في الحال، حتى لا يبقى في قلبه شك في المستقبل هل حملت من جماع الزنا أو لم تحمل؟ فإذا جامعها في الحال حمل الولد على أنه للزوج وليس للزاني، أما إذا كانت المرأة الزانية ليس لها زوج فلا بد أن تستبرأ بحيضة على القول الراجح.
السؤال : لي ولد تزوج أمريكية شقراء اللون لا تعرف الله ـ والعياذ بالله ـ ولا لها مصداقية أبدا، أنجبت ولدا وليس به أي شبه من والده، وللعلم أنا جدته وليس عندي تجاهه أي حنان في قلبي. أفيدونا جزاكم ألله خيرا.
الإجابة : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز للمسلم أن يتزوج كافرة إلا أن تكون كتابية عفيفة، فإذا كانت زوجة ابنك لا تؤمن بالله فالواجب عليه مفارقتها، ولا يحلّ له البقاء معها، وانظري الفتوى رقم : 75343، وعليه أن يبادر إلى التوبة.
أمّا عن الطفل الذي ولدته هذه المرأة، فما دام ابنك تزوجها وهو يعتقد حلّ نكاحها فالولد ينسب إليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا، مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ، أَوْ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ، أَوْ مَلَكَهَا مِلْكًا مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ، أَوْ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ، أَوْ وَطِئَهَا يَعْتَقِدُهَا زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ، أَوْ أَمَتَهُ الْمَمْلُوكَةَ، فَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْهَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ، وَيَتَوَارَثَانِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. انتهى.
و إذا ثبت النسب فلا يمكن نفيه إلّا باللعان، قال ابن قدامة: ولا ينتفي ولد المرأة إلا باللعان.
أمّا اختلاف اللون والشبه فليس مسوّغاً للطعن في ثبوت النسب، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى فَزَارَةَ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِى وَلَدَتْ غُلاَمًا أَسْوَدَ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: فَمَا أَلْوَانُهَا؟ قَالَ حُمْرٌ، قَالَ: هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ قَالَ إِنَّ فِيهَا لَوُرْقًا؟ قَالَ: فَأَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ؟ قَالَ عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ: وَهَذَا عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ. متفق عليه.
فالواجب أن تعتبري هذا الولد حفيدك وتعامليه على ذلك الأساس، وللفائدة انظري الفتوى رقم: 123422
والله أعلم.
والفتاوى كثيرة فى هذا الموضوع "النت" وللأسف بعيدة كل البعد عن الشرع والعقل والسبب فى ذلك كما أسلفنا عدم صحة البناء فهذه القاعدة ( الولد للفراش ) غير موافقة لمعنى الحديث وهذه الفتاوى قأمت على ذلك البناء ، و سيتبين بإذن الله أين الخلل .
لمن يُنسب ابن الزنا ، إلى أبيه أم أمه أم زوجها ؟
يقول الله سبحانه وتعالى فى الآية الكريمة : (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) .
يقول أهل العلم فى تفسير هذه الآية الكريمة : حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قولهLادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ) :أي أعدل عند الله ، وقوله: (فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) يقول – تعالى ذكره - : فإن أنتم أيها الناس لم تعلموا آباء أدعيائكم من هم فتنسبوهم إليهم ، ولم تعرفوهم ، فتلحقوهم بهم، (فإخوانكم في الدين) يقول : فهم إخوانكم في الدين ، إن كانوا من أهل ملتكم ، ومواليكم .. ويقول أهل التأويل أيضاً :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ) : أي أعدل عند الله
(فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ) فإن لم تعلموا من أبوه فإنما هو أخوك ومولاك .
حدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية ، عن عيينة بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، قال : قال أبو بكرة :قال الله: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) فأنا ممن لا يعرف
أبوه ، وأنا من إخوانكم في الدين ، قال : قال أبي : والله إني لأظنه لو علم أن أباه كان حمارا لانتمى إليه، أنتهى.
هذه التفاسير تبين بما لا يدعو للشك معنى الآية الكريمة ولمن يُنسب الولد ، وحتى من لا يُعرف والده فقد سماهم الله تعالى آبا ، فكيف لا ندعوهم بما أمر الله سبحانه وتعالى ؟!!
من هو الذى لا يعرف اباه ؟
فى الغالب ، أما لقيط ضاع من أمه وأبوه وأما ابن زنا ، لا تعرف أمه ممن ولدته وهو الاسواء حالاً فى ابناء الزنا والعياذ بالله ، وهذه الآية واضحة وصريحة ، فقد سمى الله سبحانه وتعالى الوالد الزانى أب ، وهو ما وضحته الآية الكريمة ، فقد قسم الله سبحانه وتعالى الآباء إلى قسمين .
الأول : هم الذين نعرفهم وفى هذه الحالة لابد من نسب أبنائهم إليهم وهو فى قوله تعالى (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ) .
الثانى : هم الذين لا نعرفهم وهم فى قوله تعالى (فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ) انظر بارك الله فيك ، هذه الآية تبين تماماً أن الوالد اب سواء كان من نكاح شرعى أم من سفاح ، فهو اب لا شك فى ذلك بنص القرآن الكريم ، وفى الغالب الاولاد الذين لا يُعرف آباءهم هم اولاد الزناة وقد سماهم المولى عز وجل فى هذه الآية بالآباء ، فصريح هذه الآية أن هناك نوعان من الوالدين من الرجال معروفين وغير معروفين وفى الحالتين هم آباء .
( أى الزناة ) آباءً ، رغم أنهم على علاقة غير شرعية بأمهاتهم ، فنسب المولى عز وجل ولد الزنا إلى أبيه رغم أنه زاناً
وهذا تفسير قتادة رحمه الله لهذه الآية الكريمة ، قال : فإن أنتم أيها الناس لم تعلموا آباء أدعيائكم من هم فتنسبوهم إليهم ، ولم تعرفوهم ، فتلحقوهم بهم . أنتهى . ففى كلامه رحمه الله أن إبن الزنا يُنسب إلى أبيه ويُلحق به .
أما دليل علماءنا فى هذه المسألة ( أن ابن الزنا لا يُنسب إلى أبيه بل إلى أمه ) فهو ناتج لتفسيرهم الخاطئ لحديث رسول الله "الولد للفراش وللعاهر الحجر " كما سنبينه لاحقاً .
والدليل الأخر الذى يستند عليه العلماء ، : ( عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَضَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَمَةٍ لَمْ يَمْلِكْهَا ، أَوْ مِنْ حُرَّةٍ عَاهَرَ بِهَا فَإِنَّهُ لا يَلْحَقُ بِهِ وَلا يَرِثُ وَإِنْ كَانَ الَّذِي يُدْعَى لَهُ هُوَ ادَّعَاهُ فَهُوَ وَلَدُ زِنْيَةٍ مِنْ حُرَّةٍ كَانَ أَوْ أَمَةٍ ) . وللعلماء كلام فى هذا الحديث وقد حسنه الألبانى .
الدلائل من السنة النبوية :
ما جاء فى قصة " تخاصم سعد ابن ابى وقاص مع عبد ابن زمعة "
فقد أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام، فقال سعد: هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أنه ابنه، انظر إلى شبهه، وقال عبد بن زمعة: هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبيه من وليدته. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فرأى شبهاً بينا بعتبة. فقال: هو لك يا عبد بن زمعة. الولد للفراش وللعاهر الحجر. واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة، فلم تره سودة قط.
وفى لفظ البخارى ، هو أخوك ياعبد . وعند النسائي Lواحتجبي منه يا سودة فليس لك بأخ )
بالنظر الدقيق إلى هذا الحديث ، نجد الكثير من المعانى والأحكام ،
أولاً : أن الولد فى حد ذاته يكون بينة على الزنا ، وذلك فى تخاصمهم فى الغلام على أنهُ إبن لزنا ، فلم ينكر رسول الله ذلك عليهم . فقد قال سعد : هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أنه ابنه، انظر إلى شبهه .
وهذا خطاب فى غاية الصراحة من سعد رضى الله تعالى عنه ، برمى الغلام بأنه ابن زنا من أخيه عتبة وبمعنى اخر إتهام أمة زمعة بالزنا ، وهذا مالم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ولم يقل لهُ أنت رميتهم بالزنا ياسعد ، البينة أو حد ظهرك كما قال لهلال ابن أمية عندما رمى زوجته بالزنا ، فهذا أن دلَّ فإنما يدل على أن ابن الزنا فى حد ذاتهُ بينة على الزنا ، وهذا يُبطل أقوال علماءنا المعاصرين على ما قالوه بناءٍ على قاعدة الولد للفراش ، فقد قالوا أن الولد للزوج ، ولا يجوز نفيه إلا باللعان . وهذا غير صحيح ولو كان صحيحاً لإستنكر رسول الله على سعد وقال لهُ أن زمعة لم ينفى الغلام إذن فلا يحق بالحكم فى القضية مالم ينفيه زمعة ، فلم يفعل ذلك رسول الله بل أعتبر أن حتى من أُتهم بأنه ابن زنا فذلك بينة فى حد ذاته على الزنا لابد أن يُنظر فيها .
ثانياً : أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم ، بهذه البينة بسمأعه للقصة ، أما فى حالة هلال ابن أمية فلم يسمع لهلال من الإساس لانه لم تكن هنالك بينة . ولو كان تفسير النووى رحمه الله موافقاً للحديث ، لما سمع لهم رسول الله ولقال من البداية لسعد ، الولد للفراش ولكن سماعه للطرفين عليه الصلاة والسلام يبين أنه أخذ بالحجة بل ونظر إلى شبه الغلام ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه .
ثالثاً : ما فهمتهُ ام المؤمنين عائشة من الحديث ، قالت : فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فرأى شبهاً بينا بعتبة . ولننتبه جيداً إلى قولها رضى الله تعالى عنها : فرأى شبهاً بينا بعتبة. فقال . فقد ربطت أم المؤمنين عائشة بفطنتها ، بنظر رسول الله ، والشبه والحكم الذى قالهُ صلى الله عليه وسلم "الولد للفراش " ، فرأى ... فقال .
يقول علماء اللغة فى حرف الفاء :
الفاء المستعملة ترد في اللغة لعدة معان، وهي ثلاث أساسية تتشعب منها أقسام عدة، فالمعاني الأساسية منها: أن تكون عاطفة وتفيد الترتيب المعنوي والذكري والتعقيب والسببية، ويمثلون للترتيب بقول الله تعالى: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا {البقرة:36}، وللتعقيب بقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً {الحج:63}، وللسببية بقوله تعالى: فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ {القصص:15}.
ومن معانيها أن تكون رابطة للجواب نحو قوله تعالى: إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ {يوسف:77}
ويضيف العلماء : فالتعقيب والتعليق لفظان يؤتى بهما لمعان مختلفة ويوضح ذلك سياق الكلام وسباقه ولحاقه، وقد يطلق اللفظان لبيان معاني بعض الحروف فمن ذلك " الفاء" فتأتي للتعقيب بمعنى اقتران حصول المعقب به للمعقب في الزمن مع الترتيب، وذلك هو الأصل فيها، كما قال الشوكاني في إرشاد الفحول: فالفاء للتعقيب بإجماع أهل اللغة، وإذا وردت لغير تعقيب فذلك لدليل آخر مقترن معناه بمعناها.اهـ وكذا قال البيضاوي في المنهاج، ومثال ذلك قولك (جاء زيد فمحمد) فالفاء هنا للتعقيب، وتأتي للتعليق بمعنى التعليل فتعلق حصول ما قبلها على ما بعدها كقولك (زرني فأكرمك) .
فتمعن أخى الكريم بارك الله فيك ، إلى إستعمال حرف الفاء فى قول عائشة رضى الله تعالى عنها "فقال" ، وبمعنى أخر فهذا شرحاً منها لما حدث ولما فهموه الصحابة .
رابعاً : فى سؤال سعد ابن أبى وقاص رضى الله تعالى عنه دلالة وأضحة على أن هناك حكم جديد فى هذه المسالة غير ما عهدوه ، ولو كان سعد رضى الله عنه يعلم أن الولد للفراش كما فسرها العلماء ، فلن يسأل رسول الله عن ذلك ، و يستنكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
خامساً : فقد نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد الزنا إلى أبيه من الزنا فى قصة هلال ابن أمية : فقد رواها هشام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم - : البينة أو حد في ظهرك ، فقال : يا رسول الله ، إذا رأى أحدنا الرجل على امرأته ينطلق يلتمس البينة ؟ قال : فجعل النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول : البينة وإلا فحد في ظهرك ، قال : فقال هلال : والذي بعثك بالحق لينزلن الله في أمري ما يبرئ به ظهري من الحد ، قال : فنزل جبرائيل فأنزل عليه : والذين يرمون أزواجهم حتى بلغ : والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فأرسل رسوله الله – صلى الله عليه وسلم – إليهما فجاءا ، فقام هلال بن أمية فشهد والنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول : الله يعلم أن أحدكما كاذب ، فهل منكما تائب ؟ فقامت فشهدت . فلما كانت عند الخامسة ، قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : أوقفوها فإنها موجبة ، قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها سترجع ، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم ، فمضت ، ففرق بينهما . قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : أبصروها ، فإن جاءت به أكحل العينين ، سابغ الإليتين ، خدلج الساقين ، فهو لشريك بن سحماء ، فجاءت به كذلك ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن . صحيح البخارى
بعض الاحكام المهمة من هذا الحديث :-
أ - : تسمية النبى صلى الله عليه وسلم للزانى بإسمه فى قوله : "فهو لشريك بن سحماء" ، والضمير راجع إلى المولود أى أن ولد المرأة لو كان كذا وكذا فهو لأبيه من الزنا ( شريك بن سحماء ) .
وهذا واضح كل الوضوح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا إبن الزنا لأبيه حينما علم أنهُ للزانى وسماهُ به ، وهو ما يوافق القرآن الكريم "ادعوهم لآبائهم" ، وما يؤكد ذلك عندما جاءت به كذلك قال صلى الله عليه وسلم :
(لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن ) .
ب - : علاقة ولد الزنا باللعان :
ليس لولد الزنا علاقة باللعان البتة ، والناظر بتمعن فى قصة هلال ابن أمية رضى الله تعالى عنه ، يجد أن اللعان لم يكن ولم يُشرع لإبن الزنا باى حالٍ من الأحوال ، إنما شرع لمن يرمى زوجته بالزنا ولم يكن معه بينة ، وفى هذا حكمة بالغة فى الشرع الحكيم لحماية النساء مما لا ضمير لهم من الرِجال الازواج ممن تسول لهم انفسهم لرمى أزواجهم بالزنا
ولنرجع لأصل القصة ، فقد وجد الصحابى هلال ابن امية زوجته تزنى مع شريك ابن سحماء ، وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكى لهُ ذلك ، يشكى لهُ رؤيته لزوجته تزنى وليس ان يحكم فى ولدٍ للزنا كما فى قصة ابن زمعة ، فقال لهُ رسول الله : البينة أو حد في ظهرك .
البينة على ماذا ؟ هل البينة على ولد الزنا ؟ أم البينة على مشاهدته على رؤيته لها وهى تزنى ؟ بالتاكيد فالإجابة على رؤية الزنى ولا شك .
يبدو لى أن هذا مما أوقع علماءنا فى كثير من الإلتباسات أنهم ربطوا بإبن الزنا واللعان فقالوا : ولابد لهُ أن ينفيه باللعان . أى ولد الزنا ، فما دخل اللعان هنا !!!
يلاعن الرجل زوجته على أنهُ رأها تزنى ، ويتبين ذلك فى الآية الكريمة ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ) أى يرمونهن بالزنا.
( وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ) . يسقط عنها العذاب أن تشهد أنهُ من الكاذبيين . الكاذبيين على رؤية الزنا وليس لولد الزنا حكم فى هذه الآية البتة وإنما الحكم على القذف ، فولد الزنا بينة على الزنا ، فلو أن هناك رجل بعيد عن زوجته لسنوات ورجع ووجدها حامل ووضعت بعد يوم من مجيئه ، ورفع أمرها للحاكم ، فما الحكم فى هذه المسألة ؟
يقول علماءنا الكرام فى الإجابة على هذه المسألة : أنهُ لابد أن يلاعن لنفى هذا الولد .
هذا استنباط غريب وقياس غير صحيح على الإطلاق ، يلاعن فيحلف أنه من الصادقين وليس من الكاذبيين ، أليس كذلك ؟
الكاذبيين على ماذا ؟!!! هو لم يراها تزنى كما حدث مع هلال ابن امية ، فعلى ماذا يحلف هو ؟ . وعلى ماذا تحلف هى أنهُ من الكاذبيين ؟ .
هو لم يكذب فى شئ ، بل هى من أتت به (ولد الزنا ) ، هى التى جاءت بالبينة وفى وجود البينة يبطل اللعان فى حد القذف ، فهذه هى البينة التى سأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال ابن أمية ولم يسأل عنها سعد ابن أبى وقاص لانه أت بها ، وليس هناك أكبر من هذه البينة على أن المرأة قد إرتكبت جريمة الزنا ، (قَالُواْ يَمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً) فاعتبر قومها أن ما جاءت به هو عين الزنا وليس فى ذلك فرق بين المتزوجة وغيرها ، فهذا سيفضل دليلاً على الزنا إلى أن تقوم الساعة لو أتت به المرأة . وحد القذف ليس للزوج على زوجته فقط ، فقد يكون حد القذف لاى إنسان كما هو معروف لكم (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ) . فهذه الآية تعضد ما قد ذكرته من أن حد القذف للحفاظ على أعراض النساء من الصعاليك وذوى النفوس المريضة قبل كل شئ ، فهذه هى الأدلة من القرآن واما من السنة المطهرة .
قول سعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أنه ابنه .
قال سعد ذلك ولم يستنكر عليه رسول الله ولم يعتبره قذف للمراة بل أقره صلى الله عليه وسلم ، لسبب لا يخفى وهو وجود البينة التى أت به سعد وهو "الغلام" وفى هذا دليل لا يقبل الشك ، أن ولد الزنا فى حد ذاته بينة ولابد من النظر للأدلة فيها ليتبين أمره وفى ذلك حكمة بالغة من الشرع الحكيم فى الحرص على عدم تخالط الأنساب وهو ما جاءت به الشريعة الغراء وهو مالم يكن فى حياة العرب فى الجاهلية فقد كانت تتخالط الأنساب ولا يكترثون بل كان الرجل يقول لزوجه أن تذهب إلى فلان لتحمل منهُ وهو ما يُسمى بالتبضيع وهو معروف عند العرب فى الجاهلية ، هذه هى حيأتهم قبل الإسلام وجاء الإسلام ليغير كل ذلك فقد قال رسول الله للرجل الذى يُريد أن يُلحق به أبنه من الزنا فى الجاهلية : ذهب أمر الجاهلية . وهناك الكثير من الأدلة فى أن إبن الزنا بينة لا شك فيها ، سنأتى إليها لاحقاً .
الدلائل من أفعال الصحابة
(4) ذكر أهل العلم أن عمر رضى الله تعالى عنه ، ألحق أولادا ولدوا في الجاهلية بآبائهم ، ويبدو أن عدم نسب ولد الزنا إلى أبيه ، كان من عادات العرب فى الجاهلية ، بل كانوا لا يكترثون لذلك كما ذكرنا ، وفعل عمر رضى الله تعالى عنه يوضح ذلك تماماً ، ولو كان فى أصل عاداتهم أن يُنسب إبن الزنا إلى أبيه كما يفسر ذلك العلماء ، لما كان فى فعل عمر رضى الله تعالى عنه معنى ، أليس كذلك ؟ .
ومما يوضح هذا المعنى الحديث الذي أخرجه أبو داود بإسناده قال : قام رجل فقال : يا رسول الله إن فلاناً ابني ، عاهرت – أي زنيت – بأمه في الجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا دعوة في الإسلام ، ذهب أمر الجاهلية ، الولد للفراش ، وللعاهر الحجر . صحيح سنن أبي داود ( 2 / 430 ) .
أحداث هذا الحديث كما هى واضحة فى رجل يسأل عن حال أبنه من الزنا فى الجاهلية ، هل يُلحق به أم لا ؟
وهذا السؤال يدل على معنى وهو ، لو كان يُلحق به فى الجاهلية لما سأل عنه ، وأيضاً لو كان يُلحق به فى الجاهلية وبغيره ، لماذا الحق عمر رضى الله تعالى عنه اولاد الزنا فى الجاهلية بآباهم فى الإسلام .
بل ما قالهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث للرجل : ذهب أمر الجاهلية ، يبينه تصرف عمر رضى الله تعالى عنه وهو إلحاق اولاد الزنا بآباهم فى الإسلام ، أى أن فى الإسلام تغير الحال وصار يُلحق ابن الزنا بأبيه ، حفاطاً على عدم تخالط الانساب .
هناك تفسير للبعض من العلماء فى حديث "لا دعوة في الإسلام ، ذهب أمر الجاهلية ، الولد للفراش ، وللعاهر الحجر " لابد من ذكره وهو أنهم يرون أن العرب فى الجاهلية يُنسبون أولاد الزنا إلى أنفسهم وجاء الإسلام ونهى عن ذلك بقاعدة " الولد للفراش " هذا هو تفسيرهم رحمهم الله ، ليوافق تفسيرهم " الولد للفراش وللعاهر الحجر ".
هذا التفسير غير موافق لمعنى الحديث ، ولو صح التفسير بهذا المعنى ، لعنى أن عمر رضى الله عنه ، قد خالف السنة بفعله هذا ، بل التفسير يناقض بعضه بعضاً ، فكيف ينهى عنه رسول الله ، ويخالفه عمر ومعاوية وعثمان رضى الله تعالى عنه . بل ذهب البعض منهم يقول أن ما فعلهُ عمر خاص بالجاهلية ، قولهم هذا يبين تناقضهم فهم يقولون أن النبى صلى الله عليه وسلم ، ابى أن ينسب ولد الزنا من الجاهلية إلى الرجل ، يتبين التناقض هنا ، هم رحمهم الله يبررون فعل عمر أنه خاص بأولاد الجاهلية ويقولون أن النبى صلى الله عليه وسلم ، ابى إلحاق ولد الزنا بآبيه من الجاهلية ، كيف ذلك ؟!!!
تفسير معنى " لا دعوة في الإسلام " جاء فى لسان العرب ، ( ابن منظور ) .
وفي الحديثلا دعوة في الإسلام ; الدعوة في النسب ، بالكسر : وهو أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه وعشيرته ، وقد كانوا يفعلونه فنهى عنه وجعل الولد للفراش . أنتهى كلامه .
المعنى كما يتبين فى لسان العرب أن لا ينتسب الولد إلى غير أبيه ، وهذا هو الصحيح ، ولكن فسر العلماء هذا الحديث بقولهم أن رسول الله لم يرضى للرجل أن ينسب أبنه من الزنا إليه ، كيف ذلك ؟!!
وماذا لو عرف الولد أن هذا الرجل أبيه ولم ينسب نفسه إليه ونسب نفسه إلى غيره ، ألا يدخله ذلك فى وعيد هذا الحديث .
هذا التفسير للحديث "الولد للفراش" لا يصح شرعاً ولا لغةً ، والصحيح هو ما فسره عمر رضى الله تعالى عنه لهذا الحديث بفعله أن الولد للفراش بمعناها الصحيح ، أى الولد لصاحب الفراش ( لصاحب الجِماع الذى حملت منه المرأة ) وليس الزوج كما فسرها العلماء .
(2) و ما فعلهُ معاوية رضى الله تعالى عنه خير دليل ، عندما ألحق أخ لهُ من أبيه من الزنا فى الجاهلية ، وقد أساء الكثير من الناس إلى معاوية رضى الله تهالى عنه بفعله هذا ، ولم بفعل معاوية إلا الحق الذى أمر الله به ورسوله .
ويتسأل البعض قائلاً : ومن المعروف إن قضية نسب زياد بن أبيه تعد من القضايا الشائكة في التاريخ الإسلامي ؛ لأنها تثير عدداً من الأسئلة يصعب الإجابة عليها ، مثل :- لماذا لم تثر هذه القضية في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، مثلما أثيرت قضايا مشابهة لها عند فتح مكة ؟ .
والجواب على ذلك بكل بساطة أنهم أى الصحابة كانوا فى ذلك الزمان على علم ومعرفة بحكم الإسلام فى هذه المسألة ، لذا لم يستنكر أياً منهم ما فعلهُ معاوية أو عمر رضى الله تعالى عنهما .
(3) ما فعلهُ أمير المؤمنين عثمان رضى الله تعالى عنه ، فى مسند الإمام أحمد ، وهناك من قال أسناده حسن ومنهم من قال أسناده ضعيف ، ويبقى المعنى صحيحاً موافقاً للقرآن والسنة وفعل عمر ومعاوية رضى الله تعالى عنهما .

63 – زوجني أهلي أمة لهم رومية فوقعت عليها فولدت لي غلاما أسود مثلي فسميته عبد الله ثم وقعت عليها فولدت لي غلاما أسود مثلي فسميته عبيد الله ثم طبن لها غلام لأهلي رومي يقال له يوخنس فراطنها بلسانه قال فولدت غلاما كأنه وزغة من الوزغات فقلت لها ما هذا قالت : هو ليوخنس قال فرفعنا إلى أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه قال مهدي أحسبه قال : سألهما فاعترفا فقال : أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الولد للفراش وللعاهر الحجر، قال مهدي : وأحسبه قال : جلدها وجلده وكانا مملوكين
هذه الرواية تبين معنى الحديث " الولد للفراش " وما فهمه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ، فالمعنى واضح أن عثمان رضى الله تعالى عنه بين أن الولد لمن زنت المرأة معه وليس لزوجها كما يفسر العلماء والدليل أنه جلده وجلدها ، ولم ينكر على زوجها دعواه من الاساس وهو ما فعلهُ النبى صلى الله عليه وسلم مع سعد رضى الله تعالى عنه .
(4) وهناك الكثير من الاحاديث الصحيحة والتى تصب فى معنىٍ واحد وهو الحفاظ على عدم تخالط الأنساب ومنها ما قيل عندما ألحق معاوية رضى الله تعالى عنهُ أخوه من أبيه من الزنا . منها : حدثنى هارون بن سعيد الايلى حدثنا ابن وهب قال : أخبرني عمرو عن خعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك أنه سمع أبا هريرة يقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا ترغبوا عن أبائكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر) البخارى . تفسير العلماء : رغب عن أبيه ترك الانتساب إليه وجحده .
وقد ذكر هذا الحديث فى قصة زياد اخو معاوية رضى الله تعالى عنهُ وأحتج به أبا بكرة ، وللعلماء تفسير غريب لهذا الحديث فهم يرون فى معنى لا ترغبوا عن أبائكم ، أى عن غير أزواج امهاتكم ، وهذا التفسير ليتماشئ مع قاعدة الولد للفراش ، بما فهموه من الحديث أى أن الولد لزوج المرأة ، مع ان الفهم واضح فى هذا الحديث وهو ما فعلهُ معاوية عندما صحح نسب أخيه .
انظر بارك الله فيك إلى هذه الأحاديث :
والشيخان : "ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلم إلا كفر ومن ادعى من ليس له فليسمنا وليتبوأ مقعده من النار ومن دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حارعليه بالمهملة أي رجع
والشيخان : " من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غيرمواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاولا عدلا
والبخاري : " لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فقد كفر
والطبراني في " الصغير" من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحديثه حسن قالقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كفر من تبرأ أو كفر بالله من تبرأ من نسب أورق أو ادعى نسبا لا يعرف))
ورواه الطبراني في "الأوسط " : " من ادعى نسبا لايعرف كفر بالله أو انتفى من نسب وإن دق كفر بالله.”
وهناك حديث أخر فى غاية الأهمية وهو : وأبو داود والنسائي وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبيصلى الله عليه وسلم : (( لما نزلت آية الملاعنة أيما امرأة أدخلت على قوم من ليسمنهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها جنته وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجبالله عنه وفضحه على رءوس الخلائق من الأولين والآخرين)) .
هذه الأحاديث مجتمعة تبين عظم هذا الأمر ( عدم أنتساب الولد إلى أبيه أو الأب إلى أبنه ) لما فيها من شر كبير ، وهذه الأحاديث تبين أن المقصود بهذا الولد ولد الزنا وهذا فى غالب المعنى وإلا ما معنى أن يجحد الرجل أبنه ، ليس المقصود بأبنه هنا ، أبنه الشرعى ، فهذا ثابت ، أليس كذلك ؟ .
لكن المقصود هنا أبنه من الزنا وما يبين ذلك الشطر الأول من الحديث ، أيما امرأة أدخلت على قوم من ليسمنهم .
من هى التى تُدخل على القوم من ليس منهم ؟ بالتاكيد الزانية وليست المرأة من زوجها ، أليس كذلك ؟
وهنا يتبين فعل معاوية رضى الله تعالى عنهُ وأرضاه ، وهو ما يستنكره عليه أحد من الصحابة فى زمانه لعلمهم بهذا الأمر والذى ربما كان غير معروف للبعض فى ذلك الزمان .
وهو ما فعلهُ عمر رضى الله تعالى عنه وما فهمتهُ عائشة من حديث زمعة وما فهمهُ سعد ابن أبى وقاص رضى الله تعالى عنهما جميعاً ، هذا هو الفهم الصحيح ، يقول أمير العلماء ابن تيمية رحمه الله :
الاعتبار بما روَوه، لا ما رأوه وفهموه
في "الفتاوى" (المجلد الثالث والثلاثون، صفحة رقم: 90) وهو يشرح الخلاف بين السلف والخلف في الطلاق: ما زال ابن عمر وغيره يروون أحاديثَ ولا تأخذ العلماء بما فهموه منها؛ فإن الاعتبار بما رووه، لا ما رأوه وفهموه، وقد ترك جمهور العلماء قول ابن عمر الذي فسر به قوله: ((فاقدروا له))، وترك مالك وأبو حنيفة وغيرهما تفسيرَه لحديث: ((البيِّعان بالخيار))، مع أن قوله هو ظاهر الحديث، وترك جمهورُ العلماء تفسيرَه لقوله: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، وقوله: نزلت هذه الآية في كذا.
وكذلك إذا خالف الراوي ما رواه، كما ترك الأئمة الأربعة وغيرهم قول ابن عباس: "إن بيع الأمَة طلاقها"، مع أنه روى حديث بريرة، وأن النبي – صلى الله عليه وسلم – خيَّرها بعد أن بِيعتْ وعُتقت، فإن الاعتبار بما روَوه، لا ما رأوه وفهموه؛ انتهى كلامه
بارك الله فيهم ونفعنا بعلمهم ، واليوم تتطبق هذه القاعدة على من قالها ووالله نحن على ثقة أنهم لن يردوها ، فنقول :
" الاعتبار بما روَوه، لا ما رأوه وفهموه "
معنى كلمة الفراش فى اللغة
ذهب البعض إلى معنى كلمة الفراش فقالوا : والفراش وإن صح التعبير به عن الزوج والزوجة ، وأستدل البعض بقول جرير : باتت تعانقه وبات فراشها . وقالوا أن معنى الفراش هنا : الزوج . ولكن فيما يبدو لى من سياق الكلام أن الفراش فى قول جرير ، ان الفراش لمن يجامع المرأة سواء كان زوجها أم لم يكن ، وهذا يوضح المعنى " الولد للفراش "
من المفسرين من قال بأن ولد الزنا يُنسب إلى الزانى
يقول ابن القيم فى زاد المعاد :
هذه مسألة جليلة اختلف أهل العلم فيها فكان إسحاق بن راهويه يذهب إلى أن المولود من الزنى إذا لم يكن مولودا على فراش يدعيه صاحبه وادعاه الزاني ألحق به وأول قول النبي صلى الله عليه وسلم الولد للفراش على أنه حكم بذلك عند تنازع الزاني وصاحب الفراش كما تقدم وهذا مذهب الحسن البصري رواه عنه إسحاق بإسناده في رجل زنى بامرأة فولدت ولدا فادعى ولدها فقال يجلد ويلزمه الولد وهذا مذهب عروة بن الزبير وسليمان بن يسار ذكر عنهما أنهما قالا : أيما رجل أتى إلى غلام يزعم أنه ابن له وأنه زنى بأمه ولم يدع ذلك الغلام أحد فهو ابنه واحتج سليمان بأن عمر بن الخطاب كان يليط أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام وهذا المذهب كما تراه قوة ووضوحا وليس مع الجمهور أكثر من الولد للفراش وصاحب هذا المذهب أول قائل به والقياس الصحيح يقتضيه فإن الأب أحد الزانيين وهو إذا كان يلحق بأمه وينسب إليها وترثه ويرثها ويثبت النسب بينه وبين أقارب أمه مع كونها زنت به وقد [ ص 382 ] ماء الزانيين وقد اشتركا فيه واتفقا على أنه ابنهما فما المانع من لحوقه بالأب إذا لم يدعه غيره ؟ فهذا محض القياس وقد قال جريج للغلام الذي زنت أمه بالراعي : من أبوك يا غلام ؟ قال فلان الراعي وهذا إنطاق من الله لا يمكن فيه الكذب . فإن قيل فهل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة حكم ؟ قيل قد روي عنه فيها حديثان نحن نذكر شأنهما . أنتهى .
مجمل كلام العلامة ابن القيم آنفاً ، أن من العلماء من قال بأن يُنسب ابن الزنا إلى أبيه الزانى ما لم تكن المرأة فراشاً لرجل أخر .
أقول بارك الله فيكم أن إبن الزنا فى كل الحالات هو ابن زنا ولا فرق بين أن تكون المرأة زوجة لرجل أو غير زوجة ، بل وما ذنب ذلك الرجل أن يُنسب إليه ما ليس من صلبه ، بل وما ذنبهُ هو أن يُنسب لغير أبيه ؟
هذا الكلام لا يصح شرعاً ولا عقلاً ، بارك الله فيكم ، أن يُنسب ابن الزنا إلى غير أبيه وتحديداً إلى زوج أمه ، ففى هذا ظلم لا يرضاه الله سبحانه وتعالى ولا رسوله ، وهذا ليس من مقاصد الشرع ، فقد جاء الشرع للحكم بين الناس بالحق ولينهى عن أمر الجاهلية كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال للرجل " ذهب أمر الجاهلية " ، فليس فى المسألة تخصيص بين ابن الزنا فى هذه الحالة أو تلك وبين المرأة المتزوجة أو غيرها ن وفيها أيضاً ظلم لولد الزنا أن يُنسب إلى غير أبيه وليس لهُ ذنب فى ذلك .
وأما ما أشار إليه العلامة ابن القيم فيما ذهب إليه إسحاق ابن راهوية ، يبدو ان إسحاق ابن راهوية قد خالف العلماء جميعاً فى هذا الأمر ويبدو أنه أطلق الحكم فى المسألة سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة فقد قال ابن القيم :
وأول قول النبي صلى الله عليه وسلم الولد للفراش على أنه حكم بذلك عند تنازع الزاني وصاحب الفراش ، أنتهى
واضح أنهُ أول الحديث فى معنى الولد للفراش ، أستدلالاً فى قصة زمعة واضح من القصة أن المرأة كانت أمة للرجل بمعنى فراش للرجل كما فهموها هم ، فيبدو أن التأويل فى الحديث للعموم لإسحاق رحمه الله وليس للخصوص كما قال البعض من العلماء .
نعود للحديث مرة أخرى ، لفهم ما جاء فى الحديث:
(فقال سعد هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أنه ابنه انظر إلى شبهه وقال عبد بن زمعة هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي من وليدته فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فرأى شبهاً بيناً بعتبة فقال ( هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر) .
هذه القصة المحزنة التى تحكى حال نزاع بين سعد ابن أبى وقاص وعبد ابن زمعة ، فى غلام أمة أبيه زمعة ، يأتى الاثنان إلى رسول الله ليشتكى كل منهما إلى رسول الله أمر الغلام ، فيحتج سعد رضى الله تعالى عنه ويقول : انظر إلى شبهه . فينظر رسول الله ويقول مقراً بالشبه فى النسب : " الولد للفراش " فيفهم الحكم كل الحضور أن الولد لعتبة ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو لك .
ومعنى هو لك ، أى أنهُ عبداً لك بحكم أن أمه كانت أمة لأبيك ، ومن السلف من ذهب إلى ذلك . وتخيل حال عبد وحال سعد وسودة ، بل تخيل حال الغلام ، جاء حراً ورجع عبداً ، جاء كريماً ورجع ذليلا ، بل رجع ابن زنا ، تخيل حاله ؟ ثم يقول نبى الرحمة كما فى لفظ البخارى : " هو أخوك ياعبد " ، (وإن تخالطوهم فإخوانكم) البقرة- 220.

وللحديث بقية .