يعد الاستثمار في بناء الإنسان من أعظم أنواع الاستثمار وأجداها ، لأن الإنسان هو الركيزة الأساسية للتنمية ، فمهما توفرت الوسائل الحديثة ، والتقنية المتطورة وصيغت النظريات ، يظل الإنسان هو الضمان الأساسي لتسيير التنمية بشكل ناجح
فالإنسان هو العنصر المحقق للايجابيات أو المتسبب في السلبيات وإذا نظرنا بعيداً في التاريخ ، نجد أن التربية وجدت منذ أن وجد الإنسان على وجه الأرض حيث كانت التربية تنم عبر الاحتكاك المباشر بالبيئة ، عن طريق إدماج الصغار في أنشطة الكبار ، وعبر مراحل النمو المختلفة ، ولم تكن للمجتمع مؤسسات تتولى عملية التربية ولكن بعد أن تعقدت الحياة وتراكمت المعرفة أحتاج المجتمع إلى مؤسسة تساعده في نقل التراث الثقافي ، وتكييف الطفل للحياة من حوله ، وتعليمه القيم والنظم والمعتقدات والسلوك الإنساني الذي يرضى عنه مجتمعه ومن هنا ظهرت المؤسسات التعليمية وظهر المعلمون فالمعلم حجر الزاوية في العملية التربوية ، هو الخبير الذي أقامه المجتمع ليحقق أغراضه التربوية ، فهو القيم الأكبر على تراثه الثقافي ، والعامل الأكبر في تجديد هذا التراث والغريزة ولكي يقوم المعلمون بهذه المسؤوليات الجسام ، لابد أن تتوفر فيهم صفات شخصية مختلفة عقلية وعلمية وأخلاقية فالمعلم الجيد قادر في كل العصور المختلفة على أن يسد الثغرات ، ويعوض النقص الذي قد يظهر سواء في فلسفة التعليم وأهدافه ، أو في آلياته 0 فأحسن المناهج وأفضل الإمكانات المتوفرة لأي نظام تعليمي ، قد تموت في يد معلم غير قدير لذلك لم يكن غريباً أن يحتكر مهنة التدريس ، الصفوة المختارة من أبناء الأمة في كل العصور وقد أشار (أرسطو) [ أن من يربي الأولاد بجهده لأحق بالاحترام والإكرام من الذين ينجبونه وقد أشار (الرهايفه) أنه يقف عاجزاً أمام حضرة المعلم وهيبته وشموخه ورفعته لا يستطيع إلا الوقوف له أجلالاً واحتراماً واعتزازاً بجميله ، إلا أن المعلم هو الشخص الوحيد الذي يستمد عظمة مكانته من كونه يتعامل مع البشر فتبصير الأفراد بمقبول السلوك ومرفوضة وتبصيرهم بالخطأ والصواب وتفتيح مداركهم هي مهمة من يقومون بعملية التربية وهي مهمة عظيمة وجليلة وعلى هذا كان للمعلمين والعلماء مصب السبق في توجيه الناس وإرشادهم 0 فهم دائماً من الشخصيات القيادية في مجتمعاتهم ، ويكفي المعلمين شرفاً علياً أن رسول الله (ص ) وخيرته من خلقه ، والمعلم الأول للبشرية جعل نفسه منهم وسمى نفسه معلماً وقال (ص) ( أنما بعثت معلما) الأن المعلم هو الذي يحول الأهداف التربوية النظرية إلى واقع ، وهو الذي يترجم أهداف المناهج إلى سلوك التلاميذ من خلال الاتجاه الذي يحمله نحو مهنته فأن المعلم الجيد في إعداده وفي شخصيته واتجاهاته الايجابية نحو ذاته ومهنته ومجتمعه أداة فعاله في تحقيق أهداف الأمة ويختصر الكثير من الجهد والمال
لذلك كله يحظى إعداد المعلم باهتمام الأمم الباحثة عن التقدم ، لأن المدرسة لا تستطيع أن تؤدي دورها كما هو مرسوم لها دون أن يتوفر لها معلمون قادرون على تقديم الخبرات المربية 0 فعلاقة المعلم بالتلاميذ لن تعد قاصرة على تكوين البنية المعرفية المهارية عند الطلاب ، بل تجاوزتها إلى أحداث التأثيرات في القيم والمثل والسلوك والمعلم هو أحداهم مصادر هذه العلاقة المؤثرة
يتفق المربون وقادة الفكر على أن ( التعليم التدريس ) عملية معقدة تتداخل فيها عدة عناصر ، وعلى من يقوم بعملية التعليم أن يكون مستوعباً لخصوصيات هذه العملية حائزاً على متطلباتها ، فقد أقتنع المتخصصون في التربية أن التعليم الجيد هو نتاج معلم جيد وأن فعالية التربية مرتبطة ارتباطاً عالياً بفعالية المدرسين
فلم يعد التعليم مهنة من لا مهنة له ولم يعد المعلم مجرد ناقل للمعرفة ، ويرى ( سكنر ) (Skinner 1968) أن المعلم عندما يقوم يتعليم التلميذ فأنه يقوم بتشكيل سلوكه فالتدريس عنده عملية تشييد وبناء للمعارف والعادات (Skinner , 1968 , p.4) في حين يعد (ايفانز Evans) المعلم سبب ومصدر هذا التشكيل وعلى هذا فـالتدريس بمفهومه الحديث 0 كما يراه (شيفر) يعني السعي لتحقيق التعلم ويعني أحياناً أخرى تحقيق التعلم 0 أو هو كما يراه قطامي : ( عملية تفاعلية من العلاقات والبيئة واستجابة المتعلم ويتم الحكم عليها في التحليل النهائي من خلال نتائجها والتي هي تعلم المتعلم فالتدريس هو تفاعل أو علاقة تفاعلية بين ( معلم ) و ( متعلم ) يتم في موقف تعليمي ينشأ عنه تغييرات سلوكية ( تعلم ) والهدف منه هو مساعدة الطلبة على التفاعل مع الخبرات التي يواجهونها في الصف وخارجة وعلى هذه فهو يفترق عن (التعلم) ، فعملية التعليم هي عملية يقوم بها المعلم لنقل المعلومات والمعارف بشكل مباشر إلى المتعلم ، ويكون فيها المتعلم سلبياً لا يشارك ، في حين أن التدريس هو عمليه حوار وتفاعل واخذ وعطاء بين المعلم والمتعلم ليحصل على المعرفة ومن ثم بناء شخصيته بناء متكاملاً من جميع الوجوه
وانطلاقاً من ذلك فأن دور المعلم في عملية التدريس هو :
1- تنظيم الخبرات 2- تنظيم المواقف والأحداث 3- أعداد المهام التفاعلية