لا أكتب في هذا الموضوع الشائك دفاعًا عن المرأةوحقوقها، فكل كلمة صدرت عن هذا القلم في الدفاع عن الإنسان وحقوقه وحرياته تشمل المرأة كما تشمل الرجل، ومن يزعم الدفاع عن الإنسان مستثنيًا المرأة بدعوى تخصيصهابحقوق أخرى وحريات أخرى، مشكوك في تصوّراته وأطروحاته وغاياته.
ولا أكتب دفاعًا عن أنوثة المرأة، فالحركة النسوية الغربية ومن نقل عنها؛ إذ ربطت بين تحريرالمرأة وزعم تحقيق ذلك عن طريق أن تكون "رجلاً" أو كالرجال في هذا الميدان أو ذاك،جعلت من الأنوثة سبّة فأساءت إلى جنس النساء إساءة كبرى، وأضعفت قدرتهنّ على تحصيل حقوقهن وحرياتهن، بدلاً من دعمهن على هذا الطريق المشترك، طريق الإنسان (من ذكر أوأنثى) بلا تمييز.
دفاعًا عن الرجولة
إنما أكتب دفاعًا عن رجولةالرجل، فكل رجل يتخذ من قوّته الجسدية منطلقًا للتعبير عن رأيه وموقفه، أو فرض رأيه وموقفه، تجاه من هو أضعف منه جسدًا، وإن كان رجلاً مثله، يفقد الكثير من معنى الرجولة فيه، ويفقد كثيرًا من معنى انتسابه إلى جنس الإنسان، فكيف إذا صنع ذلك تجاه النساء، وهنّ على التعميم أضعف جسديًّا من الرجال، لا سيما أن غالب من يصنعون ذلك إنما يصنعونه في إطار أسرهم وعائلاتهم، فيمارسون عدوانهم تجاه أخواتهم أو بناتهم أوأزواجهم، مستغلّين حرصهنّ في الأعم الأغلب، على بقاء ما يجري وراء جدران الخصوصيةالأسرية، فهم بذلك يرتكبون عدة آثام دفعة واحدة، إثم الاعتداء على من هو أضعف جسديًّا منهم، وإثم الاعتداء على اللبنة الأساسية في تكوين مجتمع قادر على النهوض والبناء، وإثم الاعتداء على مستقبل الأمة من خلال الاعتداء على تربية الأطفال من الأبناء والبنات داخل الأسرة، وإثم الاعتداء على الإسلام نفسه، فكثير مما يصنعه الرجال المسلمون من ذلك ينسبونه إلى ما "أحلّ الله لهم" تجاه النساء، قوامةوتأديبًا، وبئس هذا من ادّعاء..!
لقد كانت ظاهرة انتهاك حقوق المرأة إلى درجة الاعتداء عليها دون حساب ولا عقاب، أحد المداخل الرئيسية والحاسمة، في نشردعوات التخلّي عن الإسلام وممارسته في الحياة والحكم، منذ بداية القرن الميلادي العشرين، وبلغت أوجها قبل نهايته، بينما وصلت المسلمات أو نسبة كبيرة منهنّ -كالرجال- إلى الاهتداء للإسلام مجدّدًا، والحرص على الأخذ به، ولا يزال الكثيرأمامهنّ في طريق الصحوة الكبرى التي نعايشها على صعيد جيلنا المعاصر، من الفتيات والفتيان.
والجدير بالذكر أن استغلال الغرب -وفي ذيله المتغرّبون- لهذه الظاهرة في البلدان الإسلامية، لا يقوم على منطق ولا واقع، ويكفي التنويه على هامش الحديث أن الغرب شهد خلال العقود القليلة الماضية التي اعتبرت عقود النهوض بتحريرالمرأة، ارتفاع نسبة الاعتداء على النساء بالضرب وسواه، داخل الأسر والعائلات وخارج نطاقها، إلى أكثر من ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل جيل واحد، فبلغ نسبة تزيد على 40% من بين النساء المتزوّجات، حتى ضاقت باللجوء إليها (المآوي) التي أنشئت لمعونتهنّ،وتضاعف عددها عامًا بعد عام.
كما أن انتشار تلك الظاهرة المخزية في البلدان الإسلامية لم يكن في ظلّ توجيه الإسلام لميادين التربية والسلوك والعلم والمعرفة والحياة الاجتماعية والأدبية والفكرية والفنية و أسباب الحكم والسياسة، بل انتشرت هذه الظاهرة وبلغت مستويات خطيرة، في مرحلة توجيه صانعي القرار في هذه الميادين جميعًا، للتجهيل بالإسلام، والإساءة إليه، وإقصائه، وحصار دعاته، والحرب عليه بكل وسيلة.
نحن في ظاهرة "ضرب النساء" أمام أحد النتوءات الشاذة الناشئة عن البعد عن الإسلام لا تطبيقه، واستغلاله لا معرفته والعمل بأحكامه، والإساءة إليه من خلال نسبة ذلك الشذوذ في فهم الرجولة وممارستها والانحراف عن فهمها الإسلامي الإنساني.
اجتهادات خاطئة
ولكن.. ماذا عن الآية التي ورد فيها ضرب النساء كآخر حلّ عند خوف النشوز والحرص على عدم الطلاق؟..
ليس في السطورالتالية ما يعطي اجتهادًا فقهيًّا، وأعيذ نفسي من التجرؤ على فتوى لست أهلاً لها،إنما أطرح ما أطرح انطلاقًا من استيعاب دين الإسلام وكتاب الله تعالى والحديث الشريف، وجميع ذلك لعامّة المسلمين، فهم المطالبون باستيعابه، فهمًا وتطبيقًا،ومحاسَبون على ذلك بين يدي الله عز وجل، يوم يأتيه كل منهم فردًا، ولا حساب لولا أنعلى الفرد حمل المسئولية عمّا يفهم ويطبّق، وليس الإسلام مُنزلاً فقط للخاصة من المسلمين، من مجتهدين وفقهاء وعلماء، مع عدم التشكيك إطلاقًا في موقعهم مرجعًاللعلم بالتفاصيل والفقه بالأحكام والاجتهاد بالفتاوى، وسريان مفعول ذلك على المسلمين بقدر ...
ولكم شكري وكل احترامي