من منا المعاق ؟؟؟؟
أ.م.د/ عصام الدين شعبان على
أ.م/ إبراهيم بيومى إبراهيم
اقتضت حكمة الله العلي القدير أن لا يكون البشر سواء، وان كانوا سواسية لا يتفاضلون إلا بالتقوى فمن الناس من فضلهم الله في الرزق ورفع بعضهم فوق بعض درجات، ومنهم من زادهم بسطه في العلم والجسم ومنهم ذوى الاحتياجات الخاصة ممن حرم من بعض حواسه منذ مولده أو فقدها في مرض أو حادث، وعندما نتحدث عن ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل عام، فإننا نتجه إلي التركيز علي الإعاقة – بكل أسف – بدلا من الاهتمام بالفرد ذاته وما لدية من مميزات وقدرات خاصة لذا جاءت النظرة سلبية إليه، فقديما كان ينظر للإعاقة علي أنها عاهة، مما ساهم في عزلتهم وتهميش دورهم و إلصاق المسميات السلبية، فلا إمكانيات لتأهيلهم وتدريبهم ولا محاولات لعلاجهم، ولا ثقافة تؤهلهم، وكان ينظر إليهم على أنهم أفرادا معوقين وليسوا معاقين وبالتالي لا جدوى منهم، وأرجع الناس الإعاقة إلي قوى غيبية أو تصورات غير منطقية ومنهم من اعتبرها نذير شؤم، وشهد العصر الإغريقي التخلص من الأطفال المعاقين عن طريق قتلهم للمحافظة علي نقاء العنصر البشري، أما في العصر الروماني فقد كان يتم التخلص من المعاقين عن طريق إلقائهم في الأنهار أو تركهم علي قمم الجبال ليموتوا، وعندما جاء الإسلام نادي بعدم التفرقة بين البشر وأقامه المساواة كما أكد علي وجوب النظر إلي الإنسان علي أساس عملة وقلبه وليس علي أساس شكله أو مظهره وطلب كف الأذى المعنوي المتمثل في النظرة والكلمة والإشارة وغيرها من وسائل التحقير والاستهزاء.
فالمتأمل في المنهج الاسلامي يلاحظ أنه يهتم بذوي الاحتياجات الخاصة فيكثير من تشريعاته ولا غرابة في ذلك فهو دين الحق ودين المساواة جاء ليبدد الباطلوينصر المظلوم وينتشر الحق ويخرج الناس من الظلمات إلى النور ويتجلى اهتمامهبالمعاقين في المساواة بين البشر في الحقوق والواجبات إن أكرمكم عند الله أتقاكموفي تكريم الإنسان في أصل خلقته. قال تعالى (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَاوَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ) [التوبة آية: (51)]. كما وجه المسلمين إلىعدم السخرية من أي فرد في المجتمع قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْوَلاَنِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّوَلاَتَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْوَلاَتَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِوَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات آية: (11)].
ومع مرور الأيام تغيرت الصورة نحو الأحسن، بحيث يهدف إلي إتاحة الفرصة أمام ذوي الاحتياجات الخاصة للحياة مثل الأفراد العاديين، فتقدم الأمم وارتقائها يتوقف على مدى عنايتها بتربية الأجيال بمختلف فئاتها، ويظهر ذلك بوضوح في مدى ما تقدمه للأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة من عناية واهتمام، وتوفر الرعاية الشاملة في كافة الجوانب بهدف إعدادهم لحياة اجتماعية واقتصادية وشخصية ناجحة تؤدي إلى خدمة المجتمع.
فاهتمام المجتمعات بذوى الاحتياجات الخاصة أصبح أمرا ضروريا وحتميا بعد ظهور العديد من المشكلات سواء كانت اجتماعية أو نفسية أو سلوكية والتي ظهرت كنتيجة حتمية لنظرة المجتمع لهم. وتتفاقم المشكلات ويصبحون عبئا على أسرهم ومجتمعهم، ومن هنا ساد الشعور بأنهم أقل من الأفراد العاديين وتولد لديهم شعور بالاحباطات العديدة، والتى يمكن أن تظهر على شكل الامتناع الشخصي عن اشباع الدافع. وقد يكون ناجما عن الخوف من النتائج او قد يكون ناجما عن الصراع وقد يكون تفاديا لاحكام الناس. وقد تكون حالة الاحباط ناجمة عن عوائق داخلية، هي في حد ذاتها عوائق نفسية أو جسمية، وتعمد الأسرة إلي عزل الطفل المعاق عن البيئة المحيطة والخوف علية من عدم التكيف، والتى تؤثر تأثيرا عميقا في نفسية المعاق، وأنه إذا ما عزل فسوف يحرم من فرصة استخدام ما لدية من قدرات واستعدادات ومهارات.
وما يزيد العملية احباطا: المجتمع من خلال إبراز جوانب العجز فيه وإهمال جوانب القوة فيه، مما يزيد حالته النفسية تعقيدا ويجعل المعاق أقرب إلي العزلة وتحاشي الصدام الاجتماعي أو المناقشة حتى مع من يشبهونه في جوانب العجز أو نواحي القصور الجسمي أو العقلي، وكان أقصى ما تقدمه لهم هذه المجتمعات هو تجميعهم في مؤسسات خاصة ويظلوا هكذا إلى أن تنتهي بهم الحياة.
وعلى الرغم من ذلك فإن الخدمات التي تقدمها المؤسسات الخاصة في الوقت الراهن (طبقا لتقارير منظمة الصحة العالمية) لا تلبي سوي نسبة تتراوح بين (1%) إلي (3%) من احتياجات الأشخاص المعاقين الذين يحتاجون إلي التأهيل، وبعبارة أخري فهناك (95%) تقريبا من المعاقين في تلك البلاد لا يتلقون رعاية منظمة.
فقد كان فى السابق ننظر للفئات الخاصة على انهم معوقون للمجتمع وتارة ننظر اليهم بنظرة عطف وتارة اخرى على انهم عاجزون عن القيام بما يقوم به الاسوياء واليوم لابد أن يتغير ذلك التفكير وتلك الثقافة الخاطئة وأن نعيش وسطمجتمع يثمنالإنسان بأفعاله بغض النظر عن وضعه الصحي والإجتماعي، ان نعيد النظر لنتسائل: من منا المعاق؟ قال تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ المُعَوِّقِينَ مِنكُمْوَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَاوَلاَيَأْتُونَ البَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً [الأحزاب آية: (18)] فالمعوقين هنا هم المثبطين للهمم.
تشير الإحصائيات المنشورة بمنظمة الصحة العالمية الى ان نسبة المعاقين بلغت 15% من مجموع سكان العالم، 80% من المعاقين معظمهم من بلدان العالم الثالث والبلدان النامية. والمثير للاهتمام ان الاحصائيات الخاصة بأعداد الأطفال المعاقين في مرحلة ما قبل المدرسي بلغت نسب مئوية متباينة.
وهذه التقارير تعد بمثابة ناقوس الخطر لمدي الكارثة التي سوف نواجهها في مستقبل حياتنا بفقد نسبة ليست بالقليلة من سكان المجتمع، تعيش في عزلة عن مجريات الأمور، ولا يسعى المجتمع إلي اشتراكها في حياته العامة. ولأن الغد ليس مضموناً لا للشاب ولا للمسن … ربما تكون في هذا اليوم المرة الأخيرة التي ترى فيها أولئك الذين تحبهم … فلا تنتظر أكثر، تصرف اليوم لأن الغد قد لا يأتي ولا بد أن تندم على اليوم الذي لم تجد فيه الوقت من أجل ابتسامة، أو عناق، أو أنك كنت مشغولاً … كي ترسل لهم أمنية أخيرة …