3 ملايين شاب وشابة يقضون أوقات فراغهم بين الشوارع والمراكز التجارية في الرياض
مع بداية الإجازة المدرسية، يرى الجميع أن وسائل الترفيه وقضاء وقت الفراغ تتم إما بمتر الشوارع، أو مزاحمة العوائل في المراكز التجارية، وأغفلت مدننا والجهات المسؤولة هذه القضية الأمر الذي ضاعف من تسرب العوائل والشباب الى دول الجوار، السؤال هل المخطط معني بالقضية، وهل الجهات المعنية بتخطيط المدينة وادارتها تقع على عاتقهم جزء من المسؤولية هذه الأسئلة وغيرها طرحناها أمام المستشار الدكتور مهندس خالد بن عبدالعزيز الطياش وشخص القضية قائلاً:
د. خالد بن عبدالعزيز الطياش
قبل أيام مضت أنهى ملايين الطلاب والطالبات في مختلف مراحل التعليم المدرسي والجامعي امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني، ليبدأوا بعد ذلك قضاء إجازتهم السنويه وسط صيف ساخن جاف تزداد معه التساؤلات في ذهن كل طالب وطالبه عن ماهية الاعمال والنشاطات والممارسات والاهتمامات التي سوف تأخذ جزءاً من وقت اجازته وماهو المردود المعنوي والتعليمي والثقافي لكل واحد منهم من جراء تلك الاعمال، يواجهون بعد عناء عام حافل بالعمل والنشاط مشكلة تؤرقهم وتؤرق من حولهم الا وهي اوقات الفراغ الطويله التي يعيشونها، و يقصد بأوقات الفراغ هي تلك الأوقات التي لا يمارس الفرد فيها أي نشاطات أكاديمية عملية أو أدبية أو ثقافية أو فنية أو ترويحية، ولكن الإنسان لا يستطيع أن يعيش دون تفاعل مع مؤثرات الحياة المختلفة وأنشطتها المتنوعة، وهذا يختلف من شخص إلى آخر، فالأنشطة التي يمارسها الإنسان في أوقات فراغه، يمارسها بدوافع ذاتية أو اجتماعية بهدف التسلية والترفيه واكتساب المعرفة، كما أن المجتمات الحديثة تهتم اليوم أكثر من أي وقت مضى بأنشطة أوقات الفراغ وكيفية قضائها والاستفادة منها وخاصة لدى فئة الشباب والمراهقين، ولذلك فإن الفراغ بوصفه مفهوما لغويا معرفيا تتحدد إيجابيته أو سلبيته من خلال نوعية الممارسة السلوكية لأي نشاط في ضوء المحددات المقننة له على مستوى الفرد والمجتمع، وقد قال رسولنا محمد (صلى الله عليه وسلم): "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ"،
فالفراغ قد يكون نعمة إذا تم استثماره بما يفيد، وقد يكون نقمة إذا لم يوجه بشكل صحيح واستثمر استثمارا خاطئا.، فالفراغ هو ذلك الذي يعد احد الاسباب الاساسية التي تهدد مستقبل الشباب والشابات على وجه الخصوص وباقي افراد المجتمع بشكل عام كونه عائقا قويا يحد من عملية البناء والتنمية كما يكون تربة خصبه لتكاثر العديد من الاثار والامراض الاجتماعية الناتجة عنه كالانحراف وممارسة العنف والجريمة والتطرف والارهاب حيث أثبتت كثير من الدراسات ان الفراغ وعدم استغلال الوقت يعد من ابرز دوافع الانحراف في مجالات سلبية متعددة ومتشعبة فالآباء والامهات يغفلون عن ابنائهم وبناتهم اثناء الاجازة الصيفية ويمنحونهم قدرا كبيرا من الحرية ولايعيرون ذلك كثير اهتمام ليجد اولئك الابناء والبنات ضالتهم في ممارسة ما يحلو لهم او يسول لهم فعله رفقاء السوء فيزجون بهم في عالم السلبيات كالادمان والاجرام حيث يرجع كثير من المختصين الاجتماعيين والاكاديمين الى ان معظم الانحرافات السلبية تنجم عن حالة الفراغ التي يعيشها اولئك الشباب، حيث خلصت تلك الابحاث الى ان البدايات لتلك الاعمال صالسلبية تبدا متزامنة مع الاجازات الصيفية للطلبة والطالبات، فلو استعرضنا حال ابنائنا وبناتنا في هذه الايام وبعد انتهاء العام الدراسي ودققنا في البرنامج اليومي لمعظم اولئك الطلبة والطالبات لوجدنا ان النسبة العظمى منهم ينام عند الثامنة او التاسعة صباحا ويصحو عادة بعد المغرب او العشاء أي بمعنى آخر نهارهم ينقلب ليلا وليلهم ينقلب نهارا، يقضي الشباب عادة ليلهم في اللف بسيارتهم في الشوارع بلا هدف او التجمهر امام المراكز التجارية واستجداء الداخلات الى تلك المراكز بان يكون محرماً او مرافقاً مؤقتاً فقط لمسافة مابعد بوابة الدخول كي يتحايل على التعليمات التي تقضي بعدم دخول الشباب الى الاسواق و المراكز التجارية.
أين يكمن الخلل في هذه القضية؟ وماهي اطرافها؟ الشباب والشابات انفسهم او الوالدين او المجتمع او القطاعات الحكومية والخاصة ذات العلاقة، وهل المشكلة تكمن في قصور في التركيبة السلوكية لدى اولئك الشباب والشابات او ان المشكلة تكمن في قصور المجتمع والقطاعات الحكومية والخاصة ذات العلاقة في تهئية الادوات والمرافق التي من شأنها خلق نشاطات تحد من ذلك الفراغ وتهيىء الجو المناسب للقضاء عليه بفعاليات ايجابية تعود بالفائدة على تلك الشريحة الهامة من المجتمع وتقي بلادنا من شرور الكثير من افرازات الفراغ السلبية..
هناك أسباب عديدة لوجود أوقات الفراغ عند المراهقين يذكر ذلك في كتاب بعنوان (المشكلات النفسيه والسلوكيه لدى المراهقين والشباب) ومن تلك الاسباب التالي : 1) قلة وجود الأندية الرياضية والثقافية والاجتماعية المجهزة لقضاء أوقات الفراغ . 2) عدم توجيه المدارس للطلاب في كيفية قضاء أوقات فراغهم بما هو مفيد . 3) قلة اهتمام وسائل الإعلام في توجيه الشباب إلى كيفية قضاء أوقات الفراغ، وما هي الأماكن المفيدة في تحقيق ذلك.4) الاعتقاد الخاطئ لدى أولياء الأمور بأن ذهاب الشاب إلى النوادي الرياضية والاجتماعية والثقافية يعد مضيعة للوقت.5) قلة المرشدين الطلابيين المختصين في المدارس لتوجيه الطلاب إلى كيفية قضاء أوقات الفراغ بما هو نافع، والابتعاد عن ممارسة ما هو ضار .6) عدم تنظيم الطالب لوقته بشكل صحيح ما يجعله ينجز الأعمال المدرسية بسرعة، مما يوفر لديه وقت طويل لا يعرف كيف يتصرف به .
7) عدم قناعة الشباب أو المراهقين بأهمية التخطيط للوقت وتنظيمه وتنفيذه، مما يجعلهم يتيهون في ساعات النهار والليل دون أي ضوابط.
ان الطرف الاساسي في هذه القضية وهم الشباب والشابات دائما يلقون باللوم على عدم توفر وسائل قضاء الفراغ سواء في المرافق والمنشآت والاماكن المفتوحة او في عدم توفر البرامج والانشطة التي ممكن ان تكون وسيلة ناجحة لشغل وقت الفراغ، وبنظرة سريعة على ما تحتوية مدننا من تلك المرافق والمنشآت التي ممكن ان تجمع الشباب لمزاولة نشاط معين لوجدنا انه في الحقيقة يوجد قصور كبير وواضح في ذلك الجانب وتلك النوعية من المنشآت، فمدينة مثل الرياض يسكنها ما يقارب خمسة ملايين نسمة ونسبة الشباب والشابات فيهم تتجاوز الستين بالمائة (60%) أي ان حوالي ثلاثة ملايين شاب وشابة يعيشون في الرياض فماذا اعدت لهم المدينة في وقت فراغهم ؟ فلو فرضنا ان نصفهم من الشباب والنصف الآخر من الشابات والذي قد يذهب بعض منهن الى المراكز التجارية، فأين يذهب مليون ونصف شاب لديه مايقرب من عشر ساعات من الفراغ ؟ ففي اعتقادي ان هناك قطاعات حكومية لها دور حيوي وهام في ذلك فالرئاسة العامة لرعاية الشباب ووزارة التربية والتعليم والهئية العليا لتطوير منطقة الرياض اضافة الى امانة منطقة الرياض لابد ان تكون لها مساهمات واضحة في ايجاد الوسائل والسبل والمنشآت التي من شأنها ملأ فراغ الشباب والشابات ، فالرئاسة العامة لرعاية الشباب وحسب مايدل على ذلك مسماها لها الدور الكبير في رعاية الشباب (واقصد كلا الجنسين الذكور والاناث) وعدم الاكتفاء بالجزء الرياضي من الرعاية فحسب تقرير اصدرته الرئاسة العامة لرعاية الشباب تفيد بانها اوجدت الاندية الادبية ومركز الملك فهد الثقافي وبيوت الشباب والساحات الشعبية اضافة الى الاندية الرياضية للشباب فقط كما حاولت النهوض بدور المرأة الثقافي وشكلت لجانا نسائية في جمعية الثقافة والفنون للاهتمام بنشاطات المرأة الا ان حجم المهتمات بالعمل الثقافي في بلادنا لايتلاءم مع الطموحات مما يتطلب تضافر الجهود التعليمية مع الجهود الثقافية للنهوض بثقافة المرأة ( على حد تعبير تقرير الرئاسة العامة لرعاية الشباب) ومع كل ماذكر من انجازات الا ان ذلك ظل دون مستوى مايطمح له شباب وشابات بلادنا كماً وكيفاً وان يتساووا في المنشآت ولا اقل من انشاء نوادي نسائية لمزاولة الانشطة الرياضية واقلها رياضة المشي داخل حرم النادي بدلا من دوران نسائنا وبناتنا حول جامعة الامير سلطان وممر الزهوراو حول مدينة الملك فهد الطبية وهن يحملن عبء العباية والطرحة والشنطة وعبء نظرات وكلمات كل ساذج فاقد لادبه،
ووزارة التربية والتعليم لها ايضا دور اساسي في المساهمة في شغل اوقات الفراغ للشباب والشابات فالنسبة الكبرى منهم هم في الواقع من طلابها وطالباتها، فالمراكز الصيفية التي تقام في بعض المدارس صيفا مازالت بدائية وتقليدية وتحتاج الى التطوير والارتقاء في الفكر والاسلوب لتواكب الزمن الحاضر ومتطلباته واهتمامات جيل اليوم، ويقدر للوزارة لو بحثت عن الوسائل الكفيلة بشغل اوقات الفراغ اثناء العطلة الصيفية ضمن هذا المفهوم حيث ان لديها الامكانيات البشرية المتخصصة والمتمثلة بما تضمه الوزارة من مفكرين تربويين قادرين على تقديم الافكار والاقتراحات للقطاعات العامة والخاصة الاستثمارية والتي من الممكن ان تحول تلك المقترحات الى مشاريع تفيد المستثمر وتشغل بعد تنفيذها وقت اولئك الطلبة والطالبات، وللهئية العليا لتطوير مدينة الرياض الدور الكبير في ايجاد وسائل شغل الفراغ لاولئك الشباب والشابات فهي التي اوجدت العديد من المشاريع العملاقة و جعلت الرياض تفاخر معظم عواصم العالم بتلك الانجازات الا ان معظم ما انجزته الهئية من مشاريع ترفيهية يظل مقصورا على فئة العوائل، فالشباب يحتاجون الى منشآت تواكب فسيولوجية تكوينهم وخصائص سلوكهم في هذه المرحلة من العمر، اما امانة منطقة الرياض فما قدمته للمدينة من مشاريع على ضوء امكانياتها تشكر عليه فلقد تم انسنة الرياض من خلال الساحات البلدية واعادت للارصفة دورها العمراني واصبحنا نرى الناس يمشون على الارصفة واصتبغت الميادين باللون الاخضر لكن مطلوب منها الكثير، خلاصة القول ان مدينة الرياض تعاني من ضعف واضح في المنشآت القائمة والمشاريع المستقبلية التي تخدم فئة الشباب بصورة خاصة.
رد مع اقتباس
