أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


وعند دراستنا لهذا الكتاب( سنن الترمذي )- إن شاء الله تعالى - سنتعرَّض لأمورٍ مهمة يحسُن التنبيه عليها ، وأكثرها وأهمُّها يتعلق بالأحكام الشرعية وهو باب الفقه .

والفقه مسائله تنقسم إلى قسمين :

القسم الأول : مسائل أجمع العلماء-رحمة الله عليهم- عليها .

والقسم الثانى: مسائل وقع الخلاف بينهم فيها .

فأمَّا المسائل التى أجمعوا عليها فإنَّه لا إشكال فيها وبحثُ العلماء-رحمة الله عليهم- في هذه المسائل المُجَمع عليها يبحثون فقط في معنى هذه المسألة ، أو يبحثون في صورة المسألة وأمثلتها ، أو يبحثون في أدلَّتِها وكيف انتُزع حكمُها وما هو الدليل الذي دلَّ على حُكمها ، سواءً كان نقلياً أو عقلياً .

وأمَّا المسائلُ الخلافية فإنَّ الخلاف إذا تعرَّض العلماء-رحمة الله عليهم- يتعرَّضُون له بأوسع وأشمل ما يكون على الصورة التالية :

الصورة الأولى : تتعلَّق ببيان أقوال العلماء في المسألة فأي مسألة خلافية يحتاج من يريد أن يبحثها وأن يتكلَّم عليها أن يبحث أوَّل ما يبحث في أقوال العلماء -رحمة الله عليهم- في هذه المسألة .

وأقوال العلماء ينبغى أن يُرَكِّزَ عند بحثه فيها على دِقَّة النظر في فهم كلامهم ، ومُرادِ هم حينما يُبينون أقوالهم . هل يُريدون العموم أو يُريدون الخصوص ..؟ أو يُريدون الإطلاق أو التقييد..؟ حتى يستطيع أن يعرف أين محلُّ الخلاف ، ويحدد موضع النـزاع بين القولين أو الأقوال المذكورة في المسألة ، أقوال العلماء تُؤخذ من الكتب المعتمدة فالخلاف تارةً يقع بين الصحابة ، وتارةً يقع بين مَنْ هُمْ منْ بعدِ الصحابة وينتشر بعد ذلك ، فإن كان الخلاف أو المسألة تكلَّم عليها الصحابة فأقوال الصحابة يمكنُك أخذُها من كتبِ تعتنى بهذه الأقوال .

وهذه الكتب تنقسم إلى قسمين :

قسمٌ منها يعتنى ببيان أقوال الصحابة-رضوان الله عليهم- بالرواية والسَّنَد ، وهذا ما يُسمَّى بخلاف الرواية ، وهو أرفع وأدق نوعى الخلاف ، وهذه الكُتُب من أشهرها : " المُصَنَّف " لعبد الرزَّاق ، وكذلك لا بن أبى شيبة ، و" المُحَلَّى" للإمام ابن حزم الظاهريِّ-رحمة الله على الجميع- ، يذكرون أقوال الصحابة ويُسندون ، ومنها كذلك-من هذه الكتب المعتمدة- كُتُب الإمام العظيم أبوجعفر محمد بن جرير الطبرىِّ-رحمة الله عليه-فإنه يُسنِد ، خاصَّةً في كتابه :" تهذيب الآثار " .

يقول مثلاً : وهل يجوز هذا أو لا يجوز..؟ قال ابنُ عبَّاس بالجواز حدَّثني فلانٌ عن فلانٍ عن فلانٍ عن ابن عبَّاسٍ أنَّه قال كذا وكذا فهذا النوع من الخلاف عن الصحابة (الخلاف المُسنَد المروِى) هو أوثق ما يكون إن صحت الرواية به .

وأمَّا النوع الثانى من الكتب التى تعتنى بخلاف الصحابة ورُبمَّا تذكر أقوالهم فهي كتب الحكاية، تحكى أقوالهم دون ذكر للسند على سبيل الاختصار ككتاب " المجموع " للإمام النووىِّ ، وكتاب " المُغْنِيً " للإمام ابن قُدامةَ-رحمة الله على الجميع- .

فهذه تسرد أقوال الصحابة، فيقولون : وقال قومٌ إنه يحرم ذلك ، وبه قال عُمَرُ و عُثمانُ وعلىٌّ وابن عبَّاسٍ وابن مَسْعُودٍ .. وهكذا ويذكرون الصحابة دون ذكرٍ للرواية ، وكذلك "المُغنى" للإمام ابن قُدامة فإنه يذكر أقوال الصحابة-رضوان الله عليهم- بدون رواية ، وهذا كما يقول العلماء : حكايةُ أقوال الصحابة فإذا جئت تبحث في المسألة الخلافية فإن وجدت أقوال الصحابة محكيَّة فالأفضل أن ترجع إلى المصادر التى تعتنى بالرواية عنهم حتَّى تتثبَّت من حكاية هذه الأقوال عن هؤلاء الصحابة ، ثُمَّ تُحكى الأقوال عن الأئمة الأربعة والظاهرية ولابُدَّ لطالب العلم أن يكون على إلمامٍ بالمصادر والمراجع التى تعتنى بأقوال الأئمة في المذاهب الأربعة ومذهب الظاهرية ففي كل مذهبٍ من مذاهب العلماء-رحمة الله عليهم- خاصةً الأربعة هناك كُتبٌ منها المختصر ومنها المُطوَّلُ ، وهذه الكتب المختصرة تعتنى ببيان أقوال الأئمة ومذاهبهم باختصار تارةً تكون بالنثر ، وتارةً تكون بالنظم والشِّعر وهي ما يُسمَّى بالمتون الفقهية .

ثُمَّ فوق المتون كتباً تسمى بالشروح تعتنى بفكِّ رموز هذه المتون ، وشرحِ غوامضها ، وبيان الأمور التى يُحتاج إلى التنبيه إليها .

ثُمَّ بعد الشروح مرتبة ثالثة أو كتبٌ تُسمَّى بالحواشى وهي تتتبَّع الشُّرَّاح فتبيِّنُ مفهموم كلامِهم وتزيل الإشكال إن كان ثَمَّ إشكال ، وكذلك أيضاً رُبَّما تَرُدُّ الاعتراض على صاحب المتن.

ثُمَّ هناك التقريرات فوق الحواشى .

هذه الكُتُب في المذاهب مُرَتَّبة على حسب الترتيب الزماني :

في مذهب الحنفية-رحمة الله عليهم- : من أشهر كتبهم المعتمده كتاب : "المبسُوط " للإمام السَّرخسى وهو كتاب عظيم جمع فقه الإمام أبى حنيفة-رحمة الله عليه- ، واعتنى بالاستدلال وبيان وجه دلالة الأدلة الشرعية على مذهبه-رحمه الله- ، كذلك كتاب "بدائع الصنائع " للإمام الكاسانى-رحمه الله- فإنه يعتنى بذكر مذهب الإمام أبى حنيفة ، وبيان دليله من الكتاب والسُّنَّة وكذلك من العقل ، وكذلك هناك كتاب " فتح القدير" للإمام الكَمَال بن الهُمَام مع تكملته وكتاب "البحر الرائق في شرح كنـز الدقائق " لابن نُجَيْمٍ ، مع حاشيته لابن عابدين " مِنحة الخالق ".

هذه الكتب تعتنى ببسط المذهبِ الحنفي تذكر ما الذي يذهب إليه هذا الإمام وأصحابُه ثُمَّ لماذا ذهب إلى هذا المذهب أو هذا القول ..؟ وما دليله من الكتاب والسُّنَّة ، وكذلك من العقل.؟ وقد تعتنى بمناقشة الأدلَّة والردود وإذا أراد طالب العلم أن ينظر إلى أدِلَّة الحنفية النقلية في الكتاب فليرجع إلى كتاب " أحكام القرآن " للإمام الجصَّاص ، وكذلك إذا أراد من السُّنَّة فليرجع إلى شروح الأحاديث والتى من أهمها كتاب " عُمْدة القارى " للإمام العينىِّ -رحمة الله على الجميع-.

أما مذهب الإمام مالكٍ : إمام دار الهجرة فإنَّه قد بيَّن مذهبه في كتابه " المُوَطَّأ " ثُمَّ جاءه ابن القاسم-رحمه الله- وأخذ عنه ، وأخذ عنه أصحابه ، ثُمَّ دوَّن ابن القاسم " المُدَوَّنة " نقلها عنه أسدُ بن الفرات ، وكذلك سُحنون وفُقِدت مُدوَّنة أسدٍ وبقيت مُدَوَّنةُ سحنون ، وفيها مسائل ذكر فيها ابن القاسم مذهب الإمام مالكٍ .

ثُمَّ انتشر مذهب الإمام مالكٍ إلى أن استقر في كتب المتأخرين التى من أهمِّها شروح مختصر خليل بن إسحاق المالكي .

من أهمِّ مراجع المالكية-رحمة الله عليهم- : التي تعتنى ببيان مذهبهم شروح المختصر ، ومنها " مواهب الجليل " للحطَّاب ، وكذلك " مِنَحُ الجليل " لمحمد بن عِلِّيْش .

وهناك كتابٌ يعتبر من الكتب التى تعتنى بحسم الخلاف في مذهب المالكية وهو كتاب " حاشية محمد البُنَّانى" والتى تُوسم بقولهم : " حاشية البُنَّانى "، هذه الكتب تعتنى ببيان مذهب الإمام مالكٍ-رحمه الله- .

أمَّا أدِلَّتُه من الكتاب : فإنَّها تُوجد في تفسير القرطبيِّ ، وكذلك كتاب " أحكام القرآن " لابن العربىِّ المالكىِّ، وكذلك في شُروح الموطَّأ كـ "المنتقى " للباجى يعتنى بالأدِلَّة النقلية والعقلية وفي شرحىْ الإمام الحافظ ابن عبد البرِّ " التمهيد " و" الاستذكار " هذه الكتب تعتنى بأدلَّة الإمام مالكٍ ، وكذلك الردود والمناقشات في المسائل الخلافية .

وأمَّا مذهبُ الإمام الشافعىِّ -رحمه الله-: فإنه قد بيَّن مذهبه في كتابه " الأُمِّ " وأخذ عنه أصحابه كالبُويطى ، والمُزَنى مذهبه ودوَّنوه ، وكانت له أقوالٌ رجع عنها-رحمه الله- .

واستقرَّت كُتُب الشافعية عند المتأخرين :في كُتُبٍ مُهِمَّةٍ من أهمها شروح " المنهاج " للإمام النووى إذ يُعدُّ الإمام النووىُّ -رحمه الله- من أهمِّ علماء الشافعية وأبرزهم وأكثرهم إتقاناً وضبطاً وتحريراً لمذهبه-رحمة الله عليه- هذا الكتاب الذي هو" المنهاج " ألَّفه-رحمه الله- مَتناً في مذهب الإمام الشافعيِّ ، ولهذا المنهاج شروح من أوسعها وأهمِّها كتاب " نهاية المحتاج بشرح المنهاج " للإمام الرملىِّ الذي كان يُلقب بالشافعىِّ الصغير .

اعتنى ببسط مذهب الإمام الشافعىِّ ، وبيان أقوال أئمة المذهب ، والراجح من هذه الأقوال ، والخلافات ، وهو كتابٌ نفيسٌ ، وهناك كُتُبٌ أُخرى تعتني بمذهب الشافعىِّ ككتاب " روضة الطالبين " للإمام النووىِّ ، وغيره من الكتب كالشروح التى وُضعت على متن أبى شُجاع ، وكذلك كتاب " كفاية الأخيار" للحِصْنِى.. ونحوها من الكتب التى تعتني ببيان مذهب الإمام الشافعىِّ .

أمَّا أدلته: فإنها إذا كانت من الكتاب فيُرجَع في مظانِّ الآيات إلى كتاب " أحكام القرآن " لإلِكْيَا الهرَّاسِ الطبرىِّ .

وأمَّا أدِلَّتُه من السُّنَّة فإنها توجد في شروح الأحاديث خاصَّةً لكُتُب أصحابه كالإمام الحافظ ابن حجر حيث شرح صحيح البخاري في شرحه الكريم العظيم " فتح البارى" فهذا الشرح يُعتبر من أهم شروح صحيح البخاري ، واعتنى ببيان وجه دِلالة أدلة الشافعية-رحمهم الله- من السُّنَّة والجواب عن الاعتراضات والإشكالات التى ترد على أدلتهم.

وأمَّا بالنسبة لمذهب الحنابلة-رحمة الله عليهم- : فإن كتب الحنابلة استقرت في كتبٍ مهمَّة منها كتبٌ تعتنى ببيان المذهب الذي استقرَّ عليه العمل والفتوى عند أصحابه وأنفسُها وأجمعها الكتاب العظيم الذي جمع روايات الإمام أحمد وحَسَمَ الخلاف فيها وهو كتاب "الإنصاف" للإمام المَرْدَاوِىِّ فإنَّ هذا الكتاب اختصره الإمام المرداوى من مائةٍ وخمسين كتاباً وهو كتابٌ عظيمٌ يُعتَبر من أهم المراجع في مذهب الحنابلة .

السبب في هذا أنَّ الإمام أحمد كان معروفاً بالورع والتحرِّى والضبط-رحمة الله عليه- ، وتأخَّر عن إخوانه من الأئمة فاطلع على السُّنن والأخبار والآثار ، واطلع على الأدلَّة ، فقد تجد له في المسألة ثلاثة أقوال ، وقد تجد له أربعة فتارةً يقول بالجواز ، ثُمَّ تظهر له سُنَّةٌ فيعدِل إلى الكراهة ، ثُمَّ تظهر له سُنَّةٌ فيعدل إلى التحريم فكان-رحمه الله- مشهوراً بالورع والدقة والتحفظ-رحمة الله عليه- ، فتتعدَّدُ عنه الروايات الأمرُالذي يصعُب معه تحديدُ مذهبه ، ولذلك قام هذا الإمام الجليل المرداوي-رحمه الله- بدراسة هذه الروايات وأوْجه الأصحاب وبيان الذي استقر عليه مذهبُ الإمام أبى عبدالله أحمد بن حنبل -رحمه الله- .

وأمَّا الكتب التى تعتنى بالمذهب : فهناك كتبٌ مهمة منها المختصر ومنها الموسَّع فمـــن أهمهِّا كتاب " المُغْنِي " -وهو كاسمه - للإمام ابن قُدامة-رحمة الله عليه - ، وكذلك " الشرح الكبير" و " المُبْدِع " لابن مُفلِح ، وكتب شيخ الحنابلة وإمامهم في زمانهم الإمام منصور البُهُوتي-رحمه الله -" كشَّاف القناع عن مَتْنِ الإقناع " و " شرح مُنتهي الإيرادات " هذه الكتب تعتنى بمذهب الإمام أحمد-رحمه الله- .

أمَّا أدِلَّةُ الحنابلة : فإنها توجد مبسوطةً مع المناقشات والردود في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ، والإمامِ ابن القيِّم-رحمة الله عليهما- فإنَّهما اعتنيا ببيان الأدلَّةِ النقليةِ والعقليةِ على صحَّة قَول الإمام أحمد ، ومناقشة الأقوال المخالِفة بكل أمانةٍ وورعٍ وتحرٍّ-رحمة الله عليهم- على دأبهم وعادتِهم فهذه الكتب تعتنى ببيان أدَلَّتِه ، والمناقشة والردود بالنسبة للمخالفين .

وأمَّا بالنسبة للمذهب الظاهري : فإنَّ أجمعَ كتبه وأنفسها كتاب الإمام أبى محمد علىِّ بن حَزْم الظاهرى حيثُ اعتنى ببيان مذهب الظاهرية ، وبيان أدِلَّتهم ، وناقش أدلَّة المخالِفين ، وبينَّ رُجحان مذهبه ، فهذه الكتب تُعتبر من الكتب المهمة التى ينبغى لطالب العلم عند تحريره لمسألةٍخلافيةٍ أن يرجع إليها .