أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الفرض الأول
(((((((الكِـــــــــــــــــــــ ـــــــــــــبرُ)))))))

قال ابن الجوزي رحمه الله في كتابه (صيد الخاطر):
((اعلم أنه لا يتكبر إلا من استعظم نفسه ، ولا يستعظمها إلا وهو يعتقد لها صفة من صفات الكمال وجماع ذلك يرجع إلى كمال ديني أو دنيوي ، فالديني هو العلم والعمل ، والدنيوي هو النسب و الجمال والقوة والمال وكثرة الأنصار.))
فهذه سبعة أسباب :
الأول :
العلم
وما أسرع الكبر إلى بعض العلماء فلا يلبث أن يستشعر في نفسه كمال العلم فيستعظم نفسه ويستحقر الناس ويستجهلهم ويستخدم من خالطه منهم .
وقد يرى نفسه عند الله تعالى أعلى وأفضل منهم فيخاف عليهم أكثر مما يخاف على نفسه ، ويرجو لنفسه أكثر مما يرجو لهم
وسبب كبره بالعلم أمران :
أحدهما: أن يكون اشتغاله بما يسمى علما وليس علما في الحقيقة
فإن العلم الحقيقي ما يعرف به العبد ربه ونفسه وخطر أمره في لقاء الله والحجاب منه ، وهذا يورث الخشية والتواضع دون الكبر ، قال تعالى : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) [ فاطر : 28 ] .
ثانيهما:أن يخوض في العلم
وهو خبيث الدخلة رديء النفس سيئ الأخلاق ، فإنه لم يشتغل أولا بتهذيب نفسه وتزكية قلبه بأنواع المجاهدات فبقي خبيث الجوهر ، فإذا خاض في العلم صادف العلم من قلبه منزلا خبيثا فلم يطب ثمره ولم يظهر في الخير أثره ، وقد ضرب " وهب " لهذا مثلا فقال : العلم كالغيث ينزل من السماء حلوا صافيا فتشربه الأشجار بعروقها فتحوله على قدر طعومها فيزداد المر مرارة والحلو حلاوة ، فكذلك العلم يحفظه الرجال فتحوله على قدر هممها وأهوائها ، فيزيد المتكبر كبرا والمتواضع تواضعا ، وهذا ؛ لأن من كانت همته الكبر هو جاهل فإذا حفظ العلم وجد ما يتكبر به فازداد كبرا ، وإذا كان الرجل خائفا مع علمه فازداد علما علم أن الحجة قد تأكدت عليه فيزداد خوفا .

الثاني
العمل والعبادة :
وليس يخلو عن رذيلة الكبر واستمالة قلوب الناس العباد فيترشح منهم الكبر في الدين والدنيا ، أما في الدنيا فهو أنهم يتوقعون ذكرهم بالورع والتقوى وتقديمهم على سائر الناس ، وكأنهم يرون عبادتهم منة على الخلق ، وأما في الدين فهو أن يرى الناس هالكين ويرى نفسه ناجيا ، وهو الهالك تحقيقا مهما رأى ذلك ، قال صلى الله عليه وسلم : " إذا سمعتم الرجل يقول : هلك الناس فهو أهلكهم " وإنما قال ذلك ؛ لأن هذا القول منه يدل على أنه مزدر بخلق الله مغتر آمن من مكره غير خائف من سطوته ، وكيف لا يخاف ويكفيه شرا احتقاره لغيره ، قال صلى الله عليه وسلم : " كفى بالمرء شرا أن يحقر أخاه المسلم " .
وكثير من العباد إذا استخف به مستخف أو آذاه مؤذ استبعد أن يغفر الله له ، ولا يشك في أنه صار ممقوتا عند الله ، وذلك لعظم قدر نفسه عنده ، وهو جهل وجمع بين الكبر والعجب والاغترار بالله .
وقد ينتهي الحمق والغباوة ببعضهم إلى أن يتحدى ويقول : " سترون ما يجري عليه " ، وإذا أصيب بنكبة زعم أن ذلك من كراماته ، وأن الله ما أراد إلا الانتقام له مع أنه يرى طبقات من الكفار يسبون الله ورسوله ، وعرف جماعة آذوا الأنبياء صلوات الله عليهم فمنهم من قتلهم ، ومنهم من ضربهم ، ثم إن الله أمهل أكثرهم ، ولا يعاقبهم في الدنيا ، بل ربما أسلم بعضهم فلم يصبه مكروه في الدنيا ، ولا في الآخرة : أفيظن هذا الجاهل المغرور أنه أكرم على الله من أنبيائه ، وأنه قد انتقم له بما لم ينتقم لأنبيائه به ، ولعله في مقت الله بإعجابه وكبره ، وهو غافل عن هلاك نفسه ، فهذه عقيدة المغترين ، وأما الأكياس من العباد فيقولون ما كان يقوله السلف بعد انصرافه من عرفات : " كنت أرجو الرحمة لجميعهم لولا كوني فيهم " فانظر إلى الفرق بين الرجلين : هذا يتقي الله ظاهرا وباطنا ، وهو وجل على نفسه مزدر لعمله ، وذاك يضمر من الرياء والكبر والغل ما هو ضحكة للشيطان به ، ثم إنه يمتن على الله بعمله .
ومن آثار الكبر في العابد أن يعبس وجهه كأنه متنزه عن الناس مستقذر لهم ، وليس يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى تقطب ، ولا في الرقبة حتى تطأطأ ، ولا في الذيل حتى يضم ، إنما الورع في القلوب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " التقوى هاهنا " وأشار إلى صدره ، فقد كان صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق وأتقاهم ، وكان أوسعهم خلقا وأكثرهم بشرا وتبسما وانبساطا كما قال تعالى : ( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ) [ الشعراء : 215 ] .


الثالث :
التكبر بالحسب والنسب
فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب وإن كان أرفع منه عملا وعلما ، وقد يتكبر بعضهم فيأنف من مخالطة الناس ومجالستهم ، وقد يجري على لسانه التفاخر به فيقول لغيره : من أنت ومن أبوك فأنا فلان ابن فلان ، ومع مثلي تتكلم! .
وقد روي أن " أبا ذر " رضي الله عنه قال : " قاولت رجلا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له : يا ابن السوداء ، فغضب صلى الله عليه وسلم وقال : " يا أبا ذر ، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل " فقال " أبو ذر " : فاضطجعت وقلت للرجل : قم فطأ على خدي " .
فانظر كيف نبهه صلى الله عليه وسلم على أن ذلك جهل ، وانظر كيف تاب وقلع من نفسه شجرة الكبر إذ عرف أن العز لا يقمعه إلا الذل .


الرابع :
التفاخر بالجمال
وذلك أكثر ما يجري بين النساء ويدعو ذلك إلى التنقص والثلب والغيبة وذكر عيوب الناس .


الخامس :
الكبر بالمال
وذلك يجري بين الأمراء والتجار في لباسهم وخيولهم ومراكبهم فيستحقر الغني الفقير ويتكبر عليه ، وكل ذلك جهل بفضيلة الفقر وآفة الغنى .


السادس :
الكبر بالقوة وشدة البطش والتكبر به على أهل الضعف .


السابع :
التكبر بالأتباع والأنصار والعشيرة والأقارب .

فهذه مجامع ما يتكبر به العباد بعضهم على بعض .
نسأله تعالى العون بلطفه ورحمته .
--------------------------------------------------------------------------------------------------

وسائل إسقاط الفرض

قال ابن قدامة في كتابه (مختصر منهاج القاصدين) في بيان معالجة الكبر و اكتساب التواضع:

واعلم‏:‏ أن الكبر من المهلكات ، ومداواته فرض عين، ولك في معالجته مقامان‏:‏



الأول‏:‏
في استئصال أصله وقطع شجرته


وذلك بأن يعرف الإنسان نفسه ويعرف ربه، فإنه إذا عرف نفسه حق المعرفة، علم أنه أذل من كل ذليل، ويكفيه أن ينظر في أصل وجوده بعد العدم من تراب، ثم من نطفة خرجت من مخرج البول، ثم من علقة، ثم من مضغة، فقد صار شيئاً مذكوراً، بعد أن كان جماداً لا يسمع ولا يبصر، ولا يحس ولا يتحرك، فقد ابتدأ بموته قبل حياته، وبضعفه قبل قوته، وبفقره قبل غناه‏.‏
وقد أشار الله تعالى إلى هذا بقوله ‏:‏‏{‏ من أي شئ خلقه * من نطفة خلقه فقدره‏}‏ ‏[‏عبس ‏:‏18و19‏]‏ ثم امتن عليه بقوله‏:‏ ‏{‏ ثم السبيل يسره‏}‏ ‏[‏عبس ‏:‏20‏]‏، وبقوله‏:‏ ‏{‏فجعلناه سميعاً بصيراً‏}‏ ‏[‏الدهر‏:‏2‏]‏ فأحياه بعد الموت ، وأحسن تصويره، وأخرجه إلى الدنيا، فأشبعه وأرواه، وكساه وهداه وقواه‏.‏فمن هذا بدايته، فأي وجه لكبره وفخره‏؟‏على أنه لو دام له الوجود على اختياره لكان لطغيانه طريق، بل قد سلط عليه الأخلاط المتضادة، والأمراض الهائلة، بينما بنيانه قد تم، إذ هو قد وهى وتهدم، لا يملك الشيء لنفسه ضراً ولا نفعاً، بينها هو يذكر الشيء فينساه، ويستلذ بشيء فيرديه، ويروم الشيء فلا يناله، ثم لا يأمن أن يسلب حياته بغتة‏.‏هذا أوسط حاله، وذاك أول أمره، وأما آخر أمره ، فالموت الذي يعده جماداً كما كان ، ثم يلقى في التراب فيصير جيفة منتنه، وتبلى أعضاؤه، وتنخر عظامه، ويأكل الدود أجزاؤه، ويعود تراباً يعمل منه الكيزان ، ويعمر منه البنيان ، ثم بعد طول البلى تجمع أجزاؤه المتفرقة، ويحضر عرصة القيامة، فيرى أرضاً مبدلة، وجبالاً مسيرة، وسماءً منشقة، ونجوماً منكدرة، وشمساً مكورة، وأحوالاً مظلمة، وجحيماً تزفر، وصحائف تنشر ، ويقال له‏:‏ ‏{‏اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏14‏]‏‏.‏ فيقول ‏:‏ وما كتابي‏؟‏ فيقال ‏:‏ كان قد وكل بك في حياتك التي كنت تفرح بها وتتكبر بنعيمها ملكان يحصيان ما تنطق به وتعمل من قليل وكثير، وقيام وقعود، وأكل وشرب، وقد نسيت ذلك، وأحصاه الله تعالى، فهلم إلى الحساب عليه ، وأعد جواباً به، وإلا فأنت تساق إلى النار، فما لمن هذه حاله التكبر‏؟‏ فإن صار إلى النار ، فالبهائم أحسن حالاً منه، لأنه تعود إلى التراب، ومن هذا حاله وهو على شك من العفو عن أخطائه، كيف يتكبر‏؟‏************ ?
ومن الذي يسلم من ذنب يستحق به العقوبة، وما مثله إلا كمثل رجل جنى على ملك جناية استحق أن يضرب لأجلها ألف سوط، فحبس في السجن ليخرج فيعاقب، وهو منتظر أن يدعى به لذلك‏.‏ أفتراه يتكبر على أهل السجن‏؟‏ وهل الدنيا إلا سجن، وهل المعاصي إلا موجبة للعقاب‏؟‏‏.‏وأما معرفة ربه، فيكفيه أن ينظر في آثار قدرته وعجائب صنعته، فتلوح له العظمة، وتظهر له المعرفة، فهذا هو العلاج القالع لأصل الكبر‏.‏ومن العلاج العملي التواضع بالفعل لله تعالى ولعباده، وذلك بالمواظبة على استعمال خلق المتواضعين، وقد تقدمت الإشارة إلى طريقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما كان عليه من التواضع والأخلاق الجميلة‏.‏


المقام الثاني‏:‏
فيما يعرض من التكبر بالأنساب


فمن اعتراه الكبر من جهة النسب فليعلم أن هذا تعزز بكمال غيره، ثم يعلم أباه وجده، فإن أباه القريب نطفة قذرة، وأباه البعيد تراب، ومن اعتراه الكبر بالجمال، فلينظر إلى باطنه نظر العقلاء، ولا ينظر إلى ظاهره نظر البهائم، ومن اعتراه من جهة القوة، فليعلم أنه لو آلمه عرق، عاد أعجز من كل عاجز ، إن حمى يوم تحلل من قوته ما لا يود في مدة ، وإن شوكة لو دخلت في رجله لأعجزته، وبقة لو دخلت في أذنه لأقلقته‏.‏
ومن تكبر بسبب الغنى ، فإذا تأمل خلقاً من اليهود، وجدهم أغنى منه، فأف لشرف تسبق به اليهود ويستلبه السارق في لحظة، فيعود صاحبه ذليلاً‏.‏ومن تكبر بسبب العلم، فليعلم أن حجة الله على العالم آلد من الجاهل، وليتفكر في الخطر العظيم الذي هو بصدده، فإن خطره أعظم من خطر غيره، كما أن قدره أعظم من قدر غيره‏.‏وليعلم أيضاً أن الكبر لا يليق ‏[‏ إلا‏]‏ بالله سبحانه ، وأنه إذا تكبر صار ممقوتاً عند الله تعالى بغيضاً عنده‏.‏ وقد أحب الله منه أن يتواضع، وكذلك كل سبب يعالجه بنقيضه ويستعمل التواضع‏.‏واعلم‏:‏ أن هذا الخلق كسائر الأخلاق له طرفان ووسط‏:‏فطرفه الذي يميل إلى الزيادة تكبراً‏.‏وطرفه الذي يميل إلى النقصان يمسي تخاسساً ومذلة‏.‏والوسط يمسي تواضعاً، وهو المحمود وهو أن يتواضع من غير مذلة، فخير الأمور أوساطها، فمن تقدم على أقرانه فهو متكبر، ومن تأخر عنهم، فهو متواضع، لأنه قد وضع شيئاً من قدره، فأما إذا أدخل على العالم إسكاف أو نحوه، فتنحى له عن مجلسه أو أجلسه فيه، ثم قدم له نعله ومشى معه إلى الباب، فقد تخاسس وتذلل، فذلك غير محمود، بل المحمود العدل، وهو أن يعطى كل ذي حق حقه، لكن تواضعه للسوقة بالرفق في السؤال واللين في الكلام،وإجابة الدعوة، والسعى في الحاجة، ولا يحقره، ولا يستصغره، والله أعلم‏.

يتبع بإذن الله...