أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الإمام الجهبذ شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني

إن الله سبحانه وتعالى قيّض لهذا الدين من يحميه و يدافع عنه ويحافظ على أصوله يعظِّم السنة ويقمع البدعة يقيمُ حدود الله تعالى و يبينها للناس ، يجمع بين العلم والعمل و الدعوة و الجهاد ، علماء ربانيين عاملين هداةً مهتدين أنوارَ الدجى جبالَ الإسلام ورثةَ الأنبياء أهل الخشية والعبادة أهل العلم والطاعة .
ومن رحمة الله تعالى بهذه الأمة أن يبعث على رأس مائة سنة من يجدد ما اندرس من الدين و أصول الملة كما صح عن المصطفى المختار – صلى الله عليه وسلم –.
فمن هؤلاء الأئمة الأفذاذ والعلماء النبلاء شيخ الإسلام الإمام الرباني مفتي الأمة في زمانه سيد الحفاظ فارس المعاني والألفاظ ، فريدُ عصره ، قريعُ دهره العالم العابد الزاهد أحمد ابن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني الملَقّب بتقي الدين المكنّى بأبي العباس – عليه من ربه الرحمة والرضوان .إمام عالم فقيه مجتهد أثنى عليه العلماء ومدحه الأتقياء " أنتم شهداء الله في الأرض " .
محّص العقيدة السلفية و أظهرها وردّ على خصومها بالحجة و البرهان ؛ قوة في الحجة ، رسوخ في العلم ، قال عنه القاضي ابنُ دقيق العيد الشافعي : "رأيت رجلاً كلَّ العلوم بين عينيه يأخذُ ما يريد ويدعُ ما يريد " .
نشأ الشيخ ابنُ تيمية في بيت علم وفضل وصلاح وتُقى ، أبوه عالم فاضل وجدُّه عالم متبحر و أمُّه شيخةٌ صالحة وله إخوة فيهم خير وبركة ، نشأ رحمه الله في حفظ ورعاية وفي عبادة وزهادة ؛ كان بارّاً بوالديه صواماً قواماً مقتصداً في مأكله وملبسه وهكذا من استعملهم الله تعالى لدينه ولطاعته " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم " نبغ مبكراً و أخذ العلم عن ستة وثلاثين شيخاً ، حفظ القرآن الكريم وهو صغير ، أتقن العلوم من التفسير والحديث والفقه واللغة و التاريخ وغيرها قبل العشرين من عمره ، ناظر واستدل وهو دونَ البلوغ .
ومن هنا لا بدّ أن نوطِّن أبناءنا و أطفالنا على حفظ القرآن وطلب العلم ونحفّزهم على حفظه و طلبه ، فإن من طلبه وهو صغير أثبت له في قلبه و أوعى له إذا كبر .

وجلس شيخ الإسلام للتدريس في الحادية والعشرين من عمره ؛ درّس التفسير ونشر العلم و ألّف وهو ابن سبع عشرة سنة ، قد منحه الله تعالى القوة في الإجتهاد والتجديد والإمامة والجهاد ، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : " المؤمن القوي خيرٌ و أحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كلٍّ خير ، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن " رواه مسلم .

فشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – جعل عمره لله وفي الله ، عن دينه ينافح ويدافع . حياتُه جادةٌ لا تعرف الهزل . نزّه نفسَه ُ عن أراذل الأخلاق من الغيبة والنميمة بل لا يغتاب أحدٌ عنده ولا يجرئ أحدٌ عنده على غيبة أحد . امتثل قول النبي – صلى الله عليه وسلم – " الدين النصيحة " . فأولى الولاة منها نصيباً عظيماً يأمرهم وينهاهم ويرشدهم إلى ما فيه خير وصلاح ولم ينافقهم ولم يجاملهم ، ولا يكفرهم ولا يخرج عليهم بل يرى السمع والطاعة والأمر والنهي – رحمه الله رحمة واسعة – .
قوّى نفسه بحول الله وقوته في عبادة الله ؛ داوم على ذكره و أوراده لا يشغله شاغل ولا يصرفه صارف ؛ كان يجلس بعد الفجر حتى تتعالى الشمس يقرأ سورة الفاتحة يكررها لما فيها من عظيم الثناء على الله – عز وجل –؛ فأين من يظهر القوة في أمور و إذا حضرت العبادات تثاقلت أعضاؤه و أصيب بالخمول ؟ .

اقتصد شيخ الإسلام – رحمه الله – في أمور معاشِهِ ، زهد في المناصب وكف عن زخرفها ، ما تزوج ولا تسرى لا رغبة في السنة لكنه مثقل بواجب العلم والدعوة والجهاد ؛ جاهد أعداء الله بلسانه من أهل الأهواء والبدع أهل الكلام والفلسفة ، وجاهد أهل الصليب والتثليث من أمة النصارى و أفحم يهود على ما هم عليه من التبديل والتزوير، وكشف باطل أهل الإلحاد ، جاهد بسيفه التتار و أبلى في ذلك بلاءً حسناً . وقد نال شيخ الإسلام ابنَ تيمية الحراني عظيم الأذى من خُصومه ، ادعوا عليه الدعاوى الكاذبة حتى أوذي بالحبس سبع َ مرات فصبر – رحمه الله - : " بالصبر واليقين تنال الإمامة ُ في الدين " " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون " . قال سفيان – رحمه الله - : "هكذا كان هؤلاء ، ولا ينبغي للرجل أن يكون َ إماماً يُقتدى به حتى يتحامى عن الدنيا "

هذا شيخ الإسلام رغب عن الدنيا وملذّاتها ، وقام بالدعوة والجهاد وجدّد دين الله تعالى ، حقق التوحيد ولا سيما توحيد الأسماء والصفات ، رمى بشهب الحقِّ على المبتدعة بعامة من جهمية ومعتزلة من خوارج وروافض ، كتب مجمل اعتقاد أهل السنة والجماعة بما دل عليه الكتاب ُ والسنة و أجمع عليه علماء الأمة من أركان الإيمان وصفات الرب سبحانه " ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير " و أن الله تعالى عالٍ على خلقه قد استوى على عرشه ، في رسالة الواسطية و أبطل ما عليه الرافضة في كتابه منهاج السنة النبوية وقمع كلَّ من تجرأ على سب الرسول – صلى الله عليه وسلم- بكتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول وفنّد كلَّ ما يتعلق به القبوريون من شدِّ الرحال إليها والتمسح بها ونحو ذلك بكتابه التوسل والوسيلة و أسقط بنيان النصارى بكتابه الجواب الصحيح لمن بدّل دينَ المسيح .. وغير ذلك من الكتب التي لا تحصى كثرة . نسأل الله تعالى أن ينفع بها.

ثم في ليلة الاثنين والعشرين من ذي القعدة سنة ثمان و عشرين وسبعمائة توفي شيخ الإسلام الإمام العلامة بالسجن الذي حُبس فيه ظلماً ، توفي – رحمه الله – وهو يقرأ القرآن . وكانت جنازته مهولة عظيمة حتى أن الجنة يحفظونها من الناس من شدة الزحام – رحمه الله رحمة واسعة -.

حياة حافلة بالعلم والعمل و الجهاد والدعوة ، نسأل الله - عز وجل – أن يمن علينا من يجدد أمر الدين ويزيل ما شوّه جماله.

فلتعلموا عباد الله أنَّ أهل السنة والجماعة لا يقدسون الأشخاص بل ينزلونهم منزلتهم التي أنزلهم الله – عز وجل - ، فشيخ الإسلام ابن تيمية شأنه شأن غيره من أئمة الإسلام يخطئون و يصيبون وصوابهم أكثر و خطأهم مغفور . قال تلميذُه ُ ابن ُ كثير – رحمه الله - : " كان رحمه الله من كبار العلماء وممن يخطئ ويصيب ، ولكن خطأه بالنسبة إلى صوابه كنقطة في بحر لجي وخطأه أيضاً مغفور له كما في صحيح البخاري : " إذا اجتهد الحاكم فأصاب له أجران و إذا اجتهد فأخطأ فله أجر " فهو مأجور . وقال الإمام مالك بن أنس : كلُّ أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر " فهذه قاعدتنا مع علمائنا نحفظ لهم مكانتهم ونوقرهم ونحترمهم ونعتقد أن توقيرهم للعلم الذي يحملون والشريعة التي عنها ينافحون . ونحن ندور مع الحق حيث دار .

أما المبغضون لأهل الحديث و الأثر الشانئون للطريقة السنية فلا نعبأ بهم ونسير حيث سار السلف الصالح " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً " نقدِّس المنهج الذي كان عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – والسلف الصالحون .

نسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته . اللهم إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم أن يضلنا في ديننا أو دنيانا . اللهم توفنا على الإسلام والسنة غير مبدلين ولا مغيرين.