الكثير من زملائنا من ذوي الاحتياجات الخاصة كانت في قلوبهم روح مبدعة تنتظر من يكشف عنها ويتلمسها بعناية حتى تظهر إلى عالم النور، إلا أن المتغيرات المحيطة كان لها الغلبة في بيئة أقل تفهماً لذوي الاحتياجات الخاصة، فلم يتسن لهذا المبدع المعاق أن يُسند ويوضع في المسار الذي يجب، فطمست قدرته خلف أبواب الإعاقة الموصدة، وتوارى معها إنسان كان ضحية لمفاهيم اجتماعية مغلوطة.
وعلى الجانب الآخر تجد بقعة من الأرض مكاناً لها تحت الشمس، فتنضج مقومات القدرة والابداع بفضل المساندة الاجتماعية والدعم المعنوي الذي يتلقاه المعاق من أسرته والمحيطين به ليشق طريقاً في طلب العلم والمعرفة، وقد يعجز عنه الآخرون من غير المعاقين، فيتغلب على العقبات بالصبر والإرادة، ويهزم قيود الإعاقة، ليلاقي نفسه محط إعجاب زملائه وأساتذته في الجامعة، فرحاً بنيل الشهادة ـ الحلم التي انتظرها طويلاً مع والديه ـ ليصبح بذلك نموذجاً وقدوة لذوي الاحتياجات الخاصة وغير المعاقين على السواء... كان هذا هو حال الشاب الفلسطيني مازن أحمد قوقاس من سكان قرية بيت أمّر قضاء الخليل.
بداية الإعاقة
كان طبيعياً منذ ولدته أمه عام 1967 متدرجاً في نموه كأي طفل يتمتع بنمو جسمي سليم وقدرة على المشي واكتساب اللغة، إلى أن شارف على اتمام السنة الثانية من عمره، حيث هاجم جسمه ارتفاع حاد في درجة الحرارة، وعجزت كل المسكنات عن إخماد جذوتها، فأسرعت به الأسرة إلى الطبيب، وما إن وصل العيادة حتى تشنجت أطرافه، فاضطرت أسرته للمكوث به في المستشفى لتلقي العلاج، وظل والداه يتنقلان به بين عيادات الأطباء لإجراء الفحوصات والتحاليل الطبية اللازمة، يبحثان بكل ما أوتيا من جهد عن حل لمشكلة ابنهما يرضي ضميرهما ويشبع عاطفة الأمومة والأبوة تجاه ابنهما، حتى لو كان ذلك على حساب سعادة معلمين من ذوي الدخل المحدود تنتظرهما هموم ومسؤوليات مستقبل ابنتين وثلاثة ذكور هم أخوة مازن.
في نهاية المطاف كان لابد من التسليم بقضاء الله وقدره، حيث استقرت رحلة الصراع المريرة بين المرض والعلاج إلى إصابة مازن بالشلل الدماغي الطولي في الجهة اليسرى من الجسم دون إصابة المراكز المسؤولة عن اللغة والكلام في الدماغ، مما تطلب جلسات مطولة من العلاج الطبيعي امتدت سنوات.